الفقه الحنبلي - الجمعة - العيد
* (مسألة) * (وتجوز اقامة الجمعة في موضعين من البلد للحاجة ولا يجوز مع عدمها) وجملة ذلك أن البلد إذا كان كبيرا يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده
على أهله كبغداد ونحوها جازت اقامة الجمعة في أكثر من موضع على قدر ما يحتاجون إليه وهذا قول عطاء وأجازه أبو يوسف في بغداد دون غيرها، قال لان الحدود تقام فيها في موضعين والجمعة حيث تقام الحدود، ومقتضى قوله انه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين كان مثل بغداد لان الجمعة حيث تقام الحدود وهذا قول ابن المبارك.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي
لا تجوز الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع واحد، وروي أيضا عن أحمد مثل ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد وكذلك الخلفاء بعده، ولو جاز لم يعطلوا الساجد حتى قال ابن عمر لا تقام الجمعة إلا في المسجد الاكبر الذي يصلي فيه الامام ولنا انها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد.
وقد ثبت أن عليا رضي الله عنه كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ويستخلف على ضعفة الناس أبا مسعود البدري فيصلي بهم.
فأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم اقامة جمعتين فلغناهم عن احداهما ولان الصحابة كانوا يؤثرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم لانه المبلغ عن الله تعالى وشارع الاحكام ولما دعت الحاجة إلى ذلك في الامصار صليت في أماكن ولم ينكر فصار اجماعا وقول ابن عمر معناه انها لا تترك في المساجد الكبار وتقام في الصغار، وأما اعتبار ذلك باقامة الحدود فلا وجه له، قال أبو داود سمعت أحمد يقول أي حد كان يقام بالمدينة قدمها مصعب بن عمير وهم يختبئون في دار فجمع بهم وهم أربعون * (فصل) * فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز أكثر من واحدة، وان حصل الغنى باثنتين لم تجز الثالثة، وكذلك ما زاد لا نعلم في هذا مخالفا إلا أن عطاء قيل له إن أهل البصرة يسعهم المسجد الاكبر قال لكل قوم مسجد يجمعون فيه ويجزى ذلك من التجميع في المسجد الاكبر وما عليه الجمهور أولى إذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه انهم جمعوا أكثر من جمعة إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك، ولا يجوز اثبات الاحكام بالتحكم بغير دليل
* (مسألة) * (فان فعلوا فجمعة الامام هي الصحيحة) متى صلوا جمعتين في بلد لغير حاجة واحداهما جمعة الامام فهى الصحيحة تقدمت أو تأخرت لان في الحكم ببطلان جمعة الامام افتئاتا عليه وتفويتا له الجمعة ولمن يصلي معه ويفضي إلى انه متى شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك بأن يسبقوا أهل البلد بصلاة الجمعة، وقيل السابقة هي الصحيحة لانها لم يتقدمها ما يفسدها ولا تفسد بعد صحتها بما بعدها والاول أصح، وكذلك إن كانت احداهما في المسجد الجامع والاخرى في مكان صغير لا يسع المصلين أو لا يمكنهم
الصلاة فيه لاختصاص السلطان وجنده به أو غير ذلك أو كانت إحداهما في قصبة والاخرى أقصى المدينة فما وجدت فيه هذه المعاني الصلاة فيه صحيحة دون الاخرى وهذا قول مالك فانه قال لا أرى الجمعة إلا لاهل القصبة وذلك لان لهذه المعاني مزية تقتضي التقديم فيقدم بها كجمعة الامام، ويحتمل أن تصح السابقة لان إذن الامام شرط في احدى الروايتين فكانت آكد من غيرها * (مسألة) * (فان استويا فالثانية باطلة وإن لم يكن لاحداهما مزية على الاخرى لكونهما جميعا مأذونا فيهما أو غير مأذون) ولو تساوى المكانان فالسابقة هي الصحيحة لانها وقعت بشروطها ولم يزاحمها ما يبطلها ولا سبقها ما يغني عنها، والثانية باطلة لكونها واقعة في مصر أقيمت فيه جمعة صحيحة تغني عمن سواها، ويعتبر السبق بالاحرام لانه متى أحرم باحداهما حرم الاحرام بالاخرى للغنى عنها
* (مسألة) * (فان وقعتا معا أو جهلت الاولى بطلتا معا) متى وقع الاحرام بهما معا مع تساويهما فهما باطلتان لانه لم يمكن صحتهما معا وليست احداهما أولى بالفساد من الاخرى كالمتزوج أختين، وإن لم تعلم الاولى منهما أو لم يعلم كيفية وقوعهما بطلت أيضا لان احداهما باطلة ولم يعلم عينها، وليست احداهما بالابطال أولى من الاخرى فهى كالتي قبلها ثم ننظر فان علمنا فساد الجمعتين لوقوعهما معا وجبت اعادة الجمعة إن أمكن ذلك لانه مصر ما أقيمت فيه جمعة صحيحة والوقت متسع لاقامتها أشبه ما لو لم يصلوا شيئا، وان علمنا صحة احداهما لا بعينها فليس لهم ان يصلوا إلا ظهرا لان هذا مصر تيقنا سقوط الجمعة فيه بالاولى فلم تجز اقامة الجمعة فيه كما لو علمت، وقال القاضي يحتمل أن لهم اقامة الجمعة لانا حكمنا بفسادهما معا فكأن المصر ما صليت فيه جمعة صحيحة، والصحيح الاول لان الاولى لم تفسد وانما لم يمكن اثبات حكم الصحة لها بعينها للجهل فيصير هذا كما لو زوج الوليان وجهل السابق منهما فانه لا يثبت حكم الصحة بالنسبة إلى واحد بعينه، ويثبت حكم النكاح في حق المرأة بحيث لا يحل لها أن تنكح زوجا آخر، فان جهلنا كيفية وقوعهما فالاولى أن لا يجوز اقامة الجمعة أيضا لان وقوعهما معا بحيث لا تسبق احداهما
الاخرى بعيد جدا وما كان في غاية الندور فحكمه حكم المعدوم، ويحتمل ان لهم اقامتها لاننا لم نتيقن المانع من صحتها والاول أولى
* (فصل) * فان أحرم بالجمعة فتبين في أثناء الصلاة ان الجمعة قد أقيمت في المصر بطلت الجمعة ولزمهم استئناف الظهر لاننا تبينا انه أحرم بها في وقت لا يجوز الاحرام بها ولا يصح أشبه ما لو أحرم بها وفي وقت العصر.
وقال القاضي يستحب أن يستأنف ظهرا وهذا من قوله يدل على أن له اتمامها ظهرا كالمسبوق بأكثر من ركعة وكما لو أحرم بالجمعة فنقص العدد قبل الركعة والفرق ظاهر فان هذا أحرم بها في وقت لا تصح فيه الجمعة ولا يجوز الاحرام بها بخلاف الاصل المقيس عليه * (فصل) * وإذا كانت قرية إلى جانب مصر يسمعون النداء منه أو كان مصران متقاربان يسمع كل منهم نداء المصر الآخر لم تبطل جمعة احدهما بجمعة الآخر، وكذلك القريتان المتقاربتان لان لكل قوم منهم حكم أنفسهم بدليل ان جمعة أحد القريتين لا يتم عددها بالفريق الآخر ولا تلزمهم الجمعة بكمال العدد بهم وانما يلزمهم السعي إذا لم يكن لهم جمعة فهم كأهل المحلة القريبة من المصر * (مسألة) * (وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد عن الجمعة وصلوا ظهرا جاز إلا للامام)
وقد قيل في وجوبها على الامام روايتان وممن قال بسقوطها الشعبي والنخعي والاوزاعي وقد قيل انه مذهب عمر وعثمان وعلي وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وقال أكثر الفقهاء لا تسقط الجمعة لعموم الآية والاخبار الدالة على وجوبها ولانهما صلاتان واجبتان فلم تسقط احداهما بالاخرى كالظهر مع العيد ولنا ما روي أن معاوية سأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال نعم.
قال فكيف صنع؟ قال صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال " من شاء أن يصلي فليصل " رواه أبو داود، وفي لفظ للامام أحمد من شاء أن يجمع فليجمع.
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة
وإنا مجمعون " رواه ابن ماجه ولان الجمعة انما زادت على الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد
فأجزأ عن سماعها ثانيا ونصوصهم مخصوصة بما رويناه وقياسهم منقوض بالظهر مع الجمعة.
فأما الامام فلا تسقط عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنا مجمعون " ولانه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه ولا كذلك غير الامام * (فصل) * فان قدم الجمعة فصلاها في وقت العيد فقد روي عن أحمد قال تجزي الاولى منهما فعلى هذا تجزيه عن العيد والظهر ولا يلزمه شئ الا العصر عند من يجوز فعل الجمعة في وقت العيد لما روى أبو داود باسناده عن عطاء قال اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما وصلاهما ركعتين بكرة.
ولم يزد عليهما حتى صلى العصر.
فيروى أن فعله بلغ ابن عباس فقال أصاب السنة.
قال الخطابي وهذا لا يجوز أن يحمل إلا على قول من يذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال، فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلى الجمعة فسقط
العيد والظهر ولان الجمعة إذا سقطت بالعيد مع تأكدها فالعيد أولى أن يسقط بها، أما إذا قدم العيد فلابد من صلاة الظهر في وقتها إذا لم يصل الجمعة والله أعلم * (مسألة) * (وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ركعات) روي عن أحمد انه قال ان شاء صلى ركعتين وان شاء صلى أربعا، وفي رواية فان شاء صلى ستا فأيما فعل من ذلك فهو حسن وكان ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي يرون أن يصلي بعدها أربعا لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا " رواه مسلم، وعن علي رضي الله عنه وأبي موسى وعطاء والثوري انه يصلي ستا لما روي عن ابن عمر انه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا
ووجه قولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك كله بما روينا من الاخبار، وروي عن
ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه، وفي لفظ وكان لا يصلي في المسجد حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته، وهذا يدل على انه مهما فعل من ذلك كان حسنا.
وقد قال أحمد في رواية عبد الله ولو صلى مع الامام ثم لم يصل شيئا حتى صلى العصر كان جائزا فقد فعله عمران بن حصين * (فصل) * فأما الصلاة قبل الجمعة فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع قبل الجمعة أربعا أخرجه ابن ماجه (1) وروي عن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال كنت أبقي.
(2) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعا، وعن عبد الله بن مسعود انه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات رواه سعيد
__________
" 1 " لكن قال في الزوائد ان حديثه هذا مسلسل بالضعفاء، وذكر منهم بشر ابن عبيد وقال انه كذاب والآثار الواردة في ذلك صريحة في أنها قبل الزوال فلا تعد سنة قبلية للجمعة " 2 " أي أنتظر يقال فيه أبقي مثل أرمي، وأبقى مثل أعطى، لان ماضيه يستعمل ثلاثيا ورباعيا، ذكره الجوهري اه.
من هامش المغنى المخطوط
* (فصل) * ويستحب لمن أراد الركوع بعد الجمعة أن يفعل بينها وبينه بكلام أو انتقال من مكانه أو خروج لما روى السائب عن يزيد قال صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة فلما سلم الامام قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل الي فقال لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج.
أخرجه مسلم * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويستحب أن يغتسل للجمعة في يومها والافضل فعله عند مضيه إليها) لا خلاف في استحباب غسل الجمعة وفيه أحاديث صحيحة منها ما روى سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم
الامام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الاخرى " رواه البخاري.
ومنها قوله عليه السلام " غسل يوم
الجمعة واجب على كل محتلم " وقوله " من أتى منكم الجمعة فليغتسل " متفق عليهما، وليس الغسل واجبا في قول أكثر أهل العلم.
قال الترمذي العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وحكاه ابن عبد البر اجماعا، وعن أحمد انه واجب روي ذلك عن أبي هريرة وعمرو بن سليم.
وقاول عمار بن ياسر رحلا فقال: أنا إذا أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة، ووجهه ما ذكرنا من النصوص ولنا ما روى سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل " رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن، وعن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا " متفق عليه وحديثهم محمول على تأكيد الندب، وكذلك ذكر في سياقه " وسواك وأن يمس طيبا " كذلك رواه مسلم، والسواك ومس الطيب لا يجب، وقالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا يروحون إلى الجمعة بهيئتهم فتظهر لهم رائحة فقيل لهم " لو اغتسلتم " رواه مسلم بنحو هذا المعنى، والافضل أن يفعله عند مضيه إليها لانه أبلغ في المقصود وفيه خروج من الخلاف * (فصل) * ومتى اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأ وإن اغتسل قبله لم يجزئه وهذا قول مجاهد
والحسن والنخعي والثوري والشافعي وإسحق.
وحكي عن الاوزاعي انه يجزيه الغسل قبل الفجر، وعن مالك لا يجزيه الغسل إلا أن يتعقبه الرواح ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة " واليوم من طلوع الفجر وإن اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل وكفاه الوضوء وهذا قول الحسن ومالك والشافعي، واستحب طاوس والزهري وقتادة ويحيى بن أبي كثير اعادة الغسل.
ولنا انه اغتسل في يوم الجمعة أشبه من لم يحدث والحدث انما يؤثر في الطهارة الصغرى ولان المقصود من الغسل التنظف وإزالة الرائحة وذلك لا يؤثر
فيه الحدث ولانه غسل فلم يؤثر فيه الحدث الاصغر كغسل الجنابة * (فصل) * ويفتقر الغسل إلى النية لانه عبادة فافتقر إلى النية كتجديد الوضوء، وإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا ونواهما أجزأه بغير خلاف علمناه لانهما غسلان اجتمعا فأشبها غسل الحيض والجنابة، وإن اغتسل للجنابة ولم ينو غسل الجمعة ففيه وجهان أحدهما لا يحزيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وانما لامرئ ما نوى " وروي عن ابن لابي قتادة انه دخل عليه يوم الجمعة مغتسلا فقال للجمعة اغتسلت؟ قال لا ولكن للجنابة.
قال فأعد غسل الجمعة.
والثاني يجزيه لانه مغتسل
فيدخل في عموم الحديث ولان المقصود التنظيف وقد حصل ولانه قد روي في الحديث " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة " * (فصل) * ومن لا يأتي الجمعة لا غسل عليه، قال أحمد ليس على النساء غسل يوم الجمعة وعلى قياسهن الصبيان والمسافرون، وكان ابن عمر لا يغتسل في السفر وكان طلحة يغتسل.
وروي عن مجاهد وطاوس استدلالا بعموم الاحاديث المذكورة ولنا قوله عليه السلام " من أتى الجمعة فليغتسل " ولان المقصود التنظيف وقطع الرائحة لئلا يتأذى غيره به وذلك مختص بحضور الجمعة والاخبار العامة تحمل على هذا، ولذلك يسمى غسل الجمعة، ومن لا يأتيها فليس غسله غسل الجمعة، فان أتاها من لا تجب عليه استحب له الغسل لعموم الخبر ووجود المعنى فيه * (مسألة) * (ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه)
التنظف والتطيب والسواك مندوب إليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك وأن يمس طيبا " ويستحب أن يدهن ويتنظف ما استطاع بأخذ الشعر وقطع الرائحة لحديث سلمان الذي ذكرناه، ويستحب أن يلبس ثوبين نظيفين لما روى عبد الله بن سلام انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة يقول " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته
سوى ثوبي مهنته " رواه مسلم.
وعن أبي أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى أتى المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج امامه حتى يصلي كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة الاخرى " رواه الامام أحمد.
وأفضلها البياض لقوله عليه الصلاة والسلام " خير ثيابكم البياض ألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم " والامام في هذا ونحوه آكد لانه المنظور إليه من بين الناس * (مسألة) * (ويبكر إليها ماشيا ويدنوا من الامام) للسعي إلى الجمعة وقتان: وقت وجوب ووقت فضيلة وقد ذكرنا وقت الوجوب.
وأما وقت الفضيلة فمن أول النهار فكلما كان أبكر كان أولى وأفضل.
وهذا مذهب الاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال مالك لا يستحب التبكير قبل الزوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من راح إلى الجمعة " والرواح بعد الزوال والغد قبله، قال النبي صلى الله عليه وسلم " غدوة في سبيل الله، أو روحة خير من الدنيا وما فيها " قال امرؤ القيس (تروح من الحي أم تبتكر) ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الاولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن
راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يسمعون الذكر " متفق عليه.
وقال علقمة خرجت مع عبد الله إلى الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الناس يجلسون من الله عزوجل يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة " رواه ابن ماجه.
وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ورواه ابن ماجه والنسائي وفيه " ومشى ولم يركب، ودنا من الامام واستمع ولم يلغ " وقوله " بكر " أي خرج في بكرة النهار وهو أوله.
وقوله " وابتكر "
أي بالغ في التبكير أي جاء في أول البكرة على ما قال امرؤ القيس (تروح من الحي أم تبتكر) وقيل معناه ابتكر العبادة مع بكوره وقيل " ابتكر الخطبة " أي حضر الخطبة مأخوذ من باكورة الثمرة وهي أولها وغير هذا أجود لان من جاء في بكرة النهار لزم أن يحضر أول الخطبة وقوله " غسل " أي جامع ثم اغتسل يدل على هذا قوله في الحديث الآخر " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة " قال الامام أحمد قوله " غسل واغتسل " مشددة يريد يغسل أهله.
وغير واحد من التابعين عبد الرحمن بن الاسود وهلال بن يساف يستحبون أن يغسل الرجل أهله يوم الجمعة يريدون أن يطأ لان ذلك أمكن لنفسه وأغض لطرفه في طريقه.
وقال الخطابي المراد به غسل رأسه واغتسل في بدنه.
وحكي ذلك عن ابن المبارك فعلى هذا يكون معنى قوله " غسل الجنابة " أي كغسل الجنابة.
فأما قول مالك فمخالف
للآثار لان الجمعة مستحب فعلها عند الزوال وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر بها، ومتى خرج الامام طويت الصحف فلم يكتب من أتى الجمعة بعد ذلك، فأي فضيلة لهذا؟ فان أخر بعد ذلك شيئا دخل في النهي والذم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي جاء يتخطى رقاب الناس " أرأيتك؟ أنيت وآذيت " أي أخرت المجئ، وقال عمر لعثمان حين جاء والامام يخطب أية ساعة هذه؟ على وجه الانكار فكيف يكون لهذا بدنة أو بقرة أو فضل؟ فعلى هذا معنى قوله راح إلى الجمعة أي ذهب إليها لا يحتمل غير هذا * (فصل) * ويستحب أن يمشي ولا يركب في طريقها لقوله عليه الصلاة والسلام " ومشى ولم يركب " لان الثواب على الخطوات بدليل ما ذكرناه من الحديث ويكون عليه السكينة والوقار في مشيه، ولا يسرع لان الماشي إلى الصلاة في صلاة ولا يشبك بين أصابعه، ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته.
وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خرج مع زيد بن ثابت إلى الصلاة فقارب بين خطاه ثم قال " انما فعلت ذلك لكثرة خطانا في طلب الصلاة " وروي عن عبد الرحمن بن رواحة انه كان يمشي إلى الجمعة حافيا ويبكر ويقصر في مشيه رواهما الاثرم، ويكثر ذكر الله ويغض طرفه ويقول ما ذكرنا في أدب المشي إلى الصلاة ويقول اللهم اجعلني من أوجه من توجه اليك، وأقرب من
توسل اليك وأفضل من سألك ورغب اليك، وروينا عن بعض الصحابة انه مشى إلى الجمعة حافيا
فسئل عن ذلك.
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار " * (فصل) * ويجب السعي إلى الجمعة سواء كان من يقيمها عدلا أو فاسقا سنيا أو مبتدعا نص عليه الامام أحمد في رواية عباس بن عبد العظيم، وقد سئل عن الصلاة خلف المعتزلة فقال أما الجمعة فينبغي شهودها قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافا وذلك لعموم قوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي وله امام جائر أو عادل استخفافا بها فلا جمع الله له شمله " ولانه اجماع الصحابة رضى الله عنهم.
فان عبد الله بن عمر وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشهدونها مع الحجاج ونظرائه ولم يسمع عن أحد منهم التخلف عنها ولان الجمعة من أعلام الدين الظاهرة ويتولاها الائمة أو من ولوه، فتركها خلف من هذه صفته يفضي إلى سقوطها.
إذا ثبت هذا فانها تعاد خلف من تعاد خلفه بقية الصلوات نص عليه الامام أحمد في رواية عباس بن عبد العظيم، وعنه رواية أخرى انها لا تعاد لان الظاهر من حال الصحابة رضي الله عنهم انهم لم يكونوا يعيدونها لانهم لم ينقل ذلك عنهم، وقد ذكرنا ذلك في باب الامامة
* (فصل) * ويستحب الدنو من الامام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ " وعن سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " احضروا الذكر وادنوا من الامام فان الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة " رواه أبو داود ولانه أمكن له من السماع * (مسألة) * (ويشتغل بالصلاة والذكر ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) إذا حضر قبل الخطبة اشتغل بالصلاة وذكر الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " واعلموا
ان من خير أعمالكم الصلاة " ويقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة لما روي عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة وإن خرج الدجال عصم منه " رواه زيد بن علي في كتابه باسناده، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه
إلى عنان السماء يضئ به إلى يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين " ويستحب أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لما روي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فانه مشهود تشهده الملائكة " رواه ابن ماجه، وعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فاكثروا علي من الصلاة فيه فان صلاتكم معروضة علي " قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ (أي بليت) قال " ان الله عزوجل حرم على الارض أجساد الانبياء عليهم السلام " رواه أبو داود * (فصل) * ويستحب الاكثار من الدعاء يوم الجمعة لعله يوافق ساعة الاجابة لان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه " وأشار بيده يقللها وفي لفظ " وهو قائم يصلي " متفق عليه.
واختلف في تلك الساعة فقال عبد الله ابن سلام وطاوس هي آخر ساعة في يوم الجمعة وفسر عبد الله بن سلام الصلاة بانتظارها بقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة " رواه ابن ماجه، وروي هذا القول مرفوعا، فعلى هذا يكون القيام بمعنى الملازمة والاقامة كقوله تعالى
إلا مادمت عليه قائما) وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس " أخرجه الترمذي، وقيل هي ما بين أن يجلس الامام إلى أن تنقضي الصلاة لما روى أبو موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " هي ما بين
أن يجلس الامام إلى أن يقضي الامام الصلاة " رواه مسلم، وعن عمرو بن عوف المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه " قالوا يا رسول الله أية ساعة هي؟ قال " حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب.
فعلى هذا تكون الصلاة مختلفة فتكون في حق كل قوم في وقت صلاتهم وقيل هي ما بين الفجر إلى طلوع الشمس، ومن العصر إلى غروبها وقيل هي الساعة الثالثة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لاي شئ سمي يوم الجمعة؟ قال " لان فيها طبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها من دعا الله
فيها استجيب له " رواه الامام أحمد.
وقال كعب لو قسم الانسان جمعه في جمع أتى على تلك الساعة وقيل هي متنقلة في اليوم، وقال ابن عمر إن طلب حاجة في يوم ليسير، وقيل أخفى الله تعالى هذه الساعة ليجتهد العباد في طلبها وفي الدعاء في جميع اليوم، كما أخفى ليلة القدر في رمضان وأولياءه في الناس ليحسن الظن بجميع الصالحين * (مسألة) * (ولا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماما أو يرى فرجة فيتخطى إليها وعنه يكره) يكره تخطي رقاب الناس لغير الامام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فلا يفرق بين اثنين " وقوله صلى الله عليه وسلم " ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا " وقوله صلى الله عليه وسلم للذي جاء يتخطى رقاب الناس " اجلس فقد أنيت وآذيت " رواه ابن ماجه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم " رواه أبو داود والترمذي وقال لا نعرفه الا من حديث رشدين بن سعد وقد ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه.
فأما الامام فأذا لم يجد طريقا فلا يكره له التخطي لانه موضع حاجة * (فصل) * إذا رأى فرجة لا يصل إليها الا بالتخطي ففيه روايتان: احداهما له التخطي قال أحمد يدخل الرجل ما استطاع ولا يدع بين يديه موضعا فارغا، وذلك لان الذي جلس دون الفرجة ضيع حقه بتأخره عنها وأسقط حرمته فلا بأس بتخطيه وبه قال الاوزاعي، وقال قتادة يتخطاهم الي مصلاه
وقال الحسن يخطو رقاب الذين يجلسون عى أبواب المسجد فانه لا حرمة لهم وعنه يكره لما ذكرنا من الاحاديث، وعنه ان كان يتخطى الواحد والاثنين فلا بأس فان كثر كرهناه وكذلك قال الشافعي الا أن لا يجد سبيلا إلى مصلاه الا بالتخطي فيسعه التخطي ان شاء الله.
قال شيخنا ولعل قول أحمد ومن وافقه في الرواية الاولى فيما إذا تركوا مكانا واسعا مثل الذين يصفون في آخر المسجد ويتركون بين أيديهم صفوفا خالية فهؤلاء لا حرمة لهم كما قال الحسن لانهم خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورغبوا عن الفضيلة وخير الصفوف وجلسوا في شرها فتخطيهم مما لابد منه.
وقوله الثاني في حق من لم يفرط وانما جلسوا في مكانهم لامتلاء ما بين أيديهم، فأما ان لم تمكن الصلاة الا بالتخطي جاز لانه موضع حاجة * (مسألة) * (ولا يقيم غيره فيجلس في مكانه الا من قدم صاحبا له فجلس في موضع يحفظه له) ليس له أن يقيم انسانا ويجلس في موضعه سواء كان المكان لشخص يجلس فيه أو موضع حلقة لمن يحدث فيها أو حلقة يتذاكر فيها الفقهاء أو لم يكن لما روى ابن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل (يعني أخاه) من مقعده ويجلس فيه متفق عليه ولان المسجد بيت الله تعالى والناس فيه سواء العاكف فيه والبادي فمن سبق إلى مكان منه فهو أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " فان قدم صاحبا له فجلس حتى إذا جاء قام صاحبه
وأجلسه فلا بأس لان النائب يقوم باختياره.
وقد روي عن محمد بن سيرين انه كان يرسل غلاما له يوم الجمعة فيجلس في مكان فإذا جاء قام الغلام وجلس فيه محمد فان لم يكن نائبا فقام باختياره ليجلس آخر مكانه فلا بأس لانه قوم باختيار نفسه أشبه النائب.
وأما القائم فان انتقل إلى مثل مكانه الذي آثر به في القرب وسماع الخطبة فلا بأس وإلا كره له ذلك لانه يؤثر على نفسه في الدين، ويحتمل أن لا يكره إذا كان الذي آثره من أهل الفضل لان تقديمهم مشروع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليلني منكم أولو الاحلام والنهى " ولو آثر شخصا بمكانه فليس لغيره أن يسبقه إليه لانه قام مقام
الجالس في استحقاق مكانه أشبه ما لو تحجر مواتا ثم آثر به غيره، وقال ابن عقيل يجوز لان القائم أسقط حقه بالقيام فبقى على الاصل فكان السابق إليه أحق به كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره والصحيح الاول، ويفارق التوسعة في الطريق لانها جعلت للمرور فيها فمن انتقل من مكان فيها لم يبق له حق يؤثر به، والمسجد جعل للاقامة فيه وكذلك لا يسقط حق المنتقل منه إذا انتقل منه لحاجة، وهذا إنما انتقل مؤثرا لغيره فأشبه النائب الذي يعينه إنسان ليجلس في موضع يحفظه له، ولو كان الجالس مملوكا لم يكن لسيده أن يقيمه لعموم الخبر ولان هذا ليس بمال وانما هو حق ديني فاستوي فيه العبد وسيده كالحقوق الدينية
* (مسألة) * (وان وجد مصلى مفروشة فهل له رفعها؟ على روايتين) احداهما ليس له ذلك لان فيه افتئاتا على صاحبها وربما أفضى إلى الخصومة ولانه سبق إليه أشبه السابق إلى رحبة المسجد ومقاعد الاسواق.
والثاني يجوز رفعه والجلوس موضعه لانه لا حرمة له ولان السبق بالابدان هو الذي يحصل به الفضل لا بالاوطئة، ولان تركها يفضي إلى أن يتأخر صاحبها ثم يتخطى رقاب الناس ورفعها ينفي ذلك * (مسألة) * (ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه فهو أحق به) إذا جلس في مكان ثم بدت له حاجة أو احتاج إلى الوضوء فله الخروج لما روى عقبة قال صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى حجر بعض نسائه فقال " ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته " رواه البخاري.
وإذا قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به رواه مسلم، وحكمه في التخطي إلى موضعه حكم من رأى بين يديه فرجة * (فصل) * ويستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول من موضعه لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره " رواه الامام أحمد ولان ذلك يصرف عنه النوم * (فصل) * وتكره الصلاة في المقصورة التي تحمى نص عليه أحمد، وروي عن ابن عمر انه كان
إذا حضرت الصلاة في المقصورة خرج وكرهه الاحنف وابن محير؟ والشعبي وإسحق ورخص فيه
أنس والحسن والحسين رضي الله عنهم والقاسم وسالم لانه من الجامع كسائر المسجد، ووجه الاول انه يمنع الناس من الصلاة فيه فصار كالمغصوب فكره لذلك، فان كانت لا تحمى احتمل أن لا تكره الصلاة فيها لعدم شبه الغصب واحتمل أن تكره لانها تقطع الصفوف فأشبه الصلاة بين السواري، فعلى هذا انما تكره الصلاة فيها إذا قطعت الصفوف * (فصل) * واختلفت الرواية عن أحمد في الصف الاول فقال في موضع هو الذي يلي المقصورة لانها تحمى.
وقال ما أدري هل الصف الاول الذي يقطعه المنبر أو الذي يليه؟ قال شيخنا والصحيح انه الذي يقطعه المنبر لانه الصف الاول حقيقة، ولو كان الاول ما دونه أفضى إلى خلو ما يلي الامام ولان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يليه فضلاؤهم، ولو كان الصف الاول وراء المنبر لوقفوا فيه * (مسألة) * (ومن دخل والامام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما) وبه قال الحسن وابن عيبنة والشافعي وإسحق وأبو ثور وابن المنذر، وقال شريح وابن سيرين والنخعي وقتادة والثوري ومالك والليث وأبو حنيفة يكره له أن يركع لان النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي جاء يتخطي رقاب الناس " اجلس فقد أنيت وآذيت " رواه ابن ماجه، ولان الركوع يشغله عن استماع الخطبة فكره كغير الداخل ولنا ما روى جابر قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال صليت يا فلان؟ قال لا.
قال قم فصل ركعتين " متفق عليه.
وفي لفظ لمسلم " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والامام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " فان جلس قبل أن يركع استحب له أن يقوم فيركع لما روى جابر أن سليكا الغطفاني جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اركعت ركعتين؟ قال لا.
قال قم فاركعهما " رواه مسلم، وفي لفظ جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال " يا سليك قم فاركع ركعتين
وتجوز فيهما " وحديثهم قضية في عين يحتمل انه أمره بالجلوس لضيق المكان أو لكونه في آخر الخطبة بحيث لو تشاغل بالصلاة فاتته تكبيرة الاحرام.
والظاهر انه صلى الله عليه وسلم انما أمره بالجلوس ليكف أذاه عن الناس فان خشي أن يفوته أول الصلاة إذا تشاغل بهما لم يستحب له التشاغل بهما لذلك * (فصل) * وينقطع التطوع بجلوس الامام على المنبر فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد روي عن ابن عباس وابن عمر لما روى ثعلبة بن مالك انهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر ولانه يشتغل عن سماع الخطبة المندوب إليه * (فصل) * ويكره التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة رواه الامام أحمد وأبو داود والنسائي * (مسألة) * (ولا يجوز الكلام والامام يخطب إلا له أو لمن كلمه) يجب الانصات من حين يأخذ الامام في الخطبة فلا يجوز الكلام لمن حضرها، نهى عن ذلك
عثمان وابن عمر وقال أبو مسعود: إذا رأيته يتكلم والامام يخطب فاقرع رأسه بالعصا، وكره ذلك عامة أهل العلم منهم مالك وأبو حنيفة والاوزاعي.
وعن أحمد لا يحرم الكلام، وكان سعيد بن جبير والنخعي والشعبي وأبو بردة يتكلمون والحجاج يخطب، وقال بعضهم إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا، وللشافعي قولان كالروايتين.
واحتج من أجازه بما روى أنس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادع الله أن يسقينا.
وذكر الحديث متفق عليه.
وروي ان رجلا قام والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال يا رسول الله متى الساعة؟ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم وأومأ الناس إليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام.
فلما كان الثالثة قال له النبي صلى الله عليه وسلم " ويحك ماذا أعددت لها؟ قال حب الله ورسوله.
قال انك مع من أحببت " فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كلامه ولو حرم لا نكره ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت " متفق عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من
تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له أنصت ليس له جمعة " رواه الامام أحمد.
وعن أبي بن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله - وأبو الدرداء وأبو ذر يغمزني - فقال متى أنزلت هذه السورة اني لم أسمعها إلا الآن
فأشار إليه (1) أن اسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال أبي ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت.
فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وأخبره بالذي قال أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق أبي " رواه عبد الله بن أحمد وابن ماجه (2) وما احتجوا به فالظاهر انه مختص بمن كلم الامام أو كلمه الامام لانه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته وكذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم الذي دخل " هل صليت " فأجابه.
وسأل عمر عثمان فأجابه فتعين حمله على ذلك جمعا بين الاخبار، ولا يصح قياس غيره عليه لان كلام الامام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره، ولو قدر التعارض ترجحت أحاديثنا لانها قول النبي صلى الله عليه وسلم ونصه وذلك سكوته والنص أقوى * (فصل) * ولا فرق بين القريب والبعيد لعموم ما ذكرناه، وقد روي عن عثمان رضي الله عنه انه قال من كان قريبا يسمع وينصت ومن كان بعيدا ينصت فان للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ما للسامع، وقد روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يحضر الجمعة ثلاثة نفر
__________
" 1 " أي أبي " 2 " وهو صحيح السند
رجل حضرها بلغو فهو حظه منها، وجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله عزوجل إن شاء أعطاه وان شاء منعه، ورجل حضرها بانصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهو كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأن الله عزوجل يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) رواه الامام أحمد وأبو داود.
وقال القاضي يجب الانصات على السامع ويستحب لمن لا يسمع لان الانصات انما وجب لاجل الاستماع والاول أولى لعموم النصوص، وللبعيد أن يذكر الله تعالى
ويقرأ القرآن ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرفع صوته.
قال أحمد لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه ورخص له في القراءة والذكر عطاء وسعيد بن جبير والشافعي وليس له رفع صوته ولا المذاكرة في الفقه ولا الصلاة ولا أن يجلس في حلقة، قال ابن عقيل له صلاة النافلة والمذاكرة في الفقه ولنا عموم الاحاديث المذكورة وانه صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة ولانه إذا رفع صوته منع من هو أقرب منه من السماع وآذاه بذلك فيكون عليه اثم من يؤذي المسلمين وصد عن ذكر الله تعالى، وهل ذكر الله سرا أفضل أو الانصاف؟ فيه وجهان: أحدهما الانصات أفضل لحديث عبد الله بن عمرو وقول عثمان.
والثاني الذكر أفضل لانه لا يحصل ثواب الذكر من غير ضرر فكان أفضل كقبل الخطبة
* (فصل) * فأما الكلام على الخطيب أو من كلمه فلا يحرم لان النبي صلى الله عليه وسلم سأل سليكا الداخل وهو يخطب أصليت؟ قال لا، وسأل عمر عثمان حين دخل وهو يخطب فأجابه عثمان ولان تحريم الكلام عليه لاشتغاله بالانصات الواجب وسماع الخطبة ولا يحصل ها هنا، وسواء سأله الخطيب فأجابه أو كلم بعض الناس الخطيب لحاجة ابتداء لما ذكرنا من الحديثين قبل * (فصل) * وإذا سمع متكلما لم ينهه بالكلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب فقد لغوت " ولكن يشير إليه ويضع أصبعه على فيه كما روينا عن أبي.
وهذا قول زيد بن صوخان وعبد الرحمن بن أبي ليلي والثوري والاوزاعي وكره الاشارة طاوس.
ولنا ان الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة أومأ إليه الناس بالسكوت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم ولان الاشارة تجوز في الصلاة للحاجة التي يبطلها الكلام فجوازها في الخطبة أولى * (فصل) * فأما الكلام الواجب كتحذير الضرير من البئر ومن يخاف عليه نارا أو حية ونحو ذلك فلا يحرم لان هذا يجوز في نفس الصلاة مع فسادها به فهنا أولى.
فأما تشميت العاطس ورد السلام ففيه روايتان: احداهما يجوز.
قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسأل يرد الرجل السلام يوم
الجمعة ويشمت العاطس؟ فقال نعم والامام يخطب.
وقال أبو عبد الله قد فعله غير واحد، قال ذلك غير مرة.
وممن يرخص فيه الحسن والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وإسحق لان هذا واجب فوجب الاتيان به في الخطبة لحق الآدمي فهو كتحذير الضرير.
والرواية الثانية إن كان لا يسمع در
السلام وشمت العاطس، وإن كان يسمع فليس له ذلك نص عليه أحمد في رواية أبي داود.
قلت لاحمد يرد السلام والامام يخطب ويشمت العاطس؟ قال إذا كان لا يسمع الخطبة فيرد وإذا كان يسمع فلا.
قال الله تعالى (فاستمعوا له وأنصتوا) قيل له الرجل يسمع نغمة الامام بالخطبة ولا يدري ما يقول أيرد السلام؟ قال لا.
وروي نحو ذلك عن عطاء وذلك لان الانصات واجب فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورة كالامر بالانصات بخلاف من لا يسمع، وقال القاضي لا يرد ولا يشمت، وروي نحو ذلك عن ابن عمر وهو قول مالك والاوزاعي وأصحاب الرأي واختلف فيه عن الشافعي فيحتمل قول القاضي أن يكون مختصا بمن يسمع فيكون مثل الرواية الثانية، ويحتمل أن يكون عاما في الجميع لان وجوب الانصات شامل لهم فأشبهوا السامعين، ويجوز أن يرد على المسلم بالاشارة ذكره القاضي في المجرد لانه يجوز في الصلاة فها هنا أولى * (مسألة) * (ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها وعنه يجوز فيها) يجوز الكلام قبل الخطبة وبعد فراغه منها من غير كراهة وبهذا قال عطاء وطاوس والزهرى النخعي ومالك والشافعي وإسحق ويعقوب ومحمد وروي عن ابن عمر وكرهه الحكم، وقال أبو حنيفة إذا خرج الامام حرم الكلام، قال ابن عبد البر: ابن عمر وابن عباس كانا يكرهان الكلام والصلاة بعد خروج الامام ولا مخالف لهم في الصحابة ولنا ما روى ثعلبة بن مالك انهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن وقام عمر لم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبة فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا.
وهذا يدل
على شهرة الامر بينهم ولان قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قلت لصاحبك انصت والامام
يخطب فقد لغوت " يدل على تخصيصه بوقت الخطبة ولان الكلام؟ انما حرم لاجل الانصات للخطبة ولا وجه لتحريمه مع عدمها، وقولهم لا مخالف لهما في الصحابة قد ذكرنا عن عمومهم خلاف ذلك * (فصل) * فأما الكلام في الجلسة بين الخطبتين فيحتمل جوازه لما ذكرنا وهذا قول الحسن ويحتمل المنع وهو قول مالك والشافعي والاوزاعي وإسحق لانه سكوت يسير في أثناء الخطبتين أشبه السكوت للتنفس.
وإذا بلغ الخطيب إلى الدعاء فهل يجوز الكلام؟ فيه وجهان: أحدهما الجواز لانه فرغ من الخطبة أشبه ما لو نزل.
والثاني لا يجوز لانه تابع للخطبة فيثبت له ما ثبت لها كالتطويل في الموعظة ويحتمل انه ان كان دعاء مشروعا كالدعاء للمؤمنين والمؤمنات، والامام العادل أنصت وإن كان لغيره لم يلزم الانصات لانه لا حرمة له * (فصل) * ويكره العبث والامام يخطب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ومن مس الحصى فقد لغا " قال الترمذي هذا حديث صحيح.
واللغو الاثم قال الله تعالى (والذين هم عن اللغو معرضون) ولان العبث يمنع الخشوع ويكست الاثم ويكره أن يشرب والامام يخطب إذا كان يسمع وبه قال مالك والاوزاعي ورخص فيه مجاهد وطاوس والشافعي لانه لا يشتغل عن السماع، ووجه الاول انه فعل يشتغل به أشبه مس الحصى فان كان لا يسمع لم يكره نص عليه لانه لم يسمع فلا يشتغل به * (فصل) * قال الامام أحمد لا يتصدق على السؤال والامام يحطب لانهم فعلوا مالا يجوز فلا يعينهم عليه، قال الامام أحمد وإن حصبه كان أعجب الي لان ابن عمر رأى سائلا يسأل والامام يحطب يوم الجمعة فحصبه قيل للامام أحمد فان تصدق عليه انسان فناولته والامام يحطب؟ قال لا.
قيل فان سأل
قبل خطبة الامام ثم جلس فأعطاني رجل صدقة أناوله إياها قال نعم.
هذا لم يسأل والامام يخطب * (فصل) * ولا بأس بالاحتباء يوم الجمعة والامام يخطب روي ذلك عن ابن عمر وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واليه ذهب عامة أهل العلم منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال أبو داود لم يبلغني ان أحدا كرهه إلا عبادة بن سنى لان سهل بن معاذ روى ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والامام يخطب رواه أبو داود
ولنا ما روى يعلي بن شداد بن أوس قال شهدت مع معاوية ببيت المقدس فجمع بنا فنطرت فإذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والامام يحطب، وفعله ابن عمر وأنس ولا نعرف لهما مخالفا فكان اجماعا والحديث في اسناده مقال قاله ابن المنذر والاولى تركه لاجل الحديث وان كان ضعيفا لانه يصير به متهيئا للنوم والسقوط واسقاط الوضوء، ويحمل النهى في الخبر على الكراهة وأحوال الصحابة الذين فعلوه على انه لم يبلغهم الخبر * (فصل) * قال الامام أحمد إذا كان يقرؤن الكتاب يوم الجمعة على الناس بعد الصلاة اعجب الي أن يسمع إذا كان فتحا من فتوح المسلمين أو كان فيه شئ من أمور المسلمين، وان كان شئ انما فيه ذكرهم فلا يستمع، وقال في الذين يصلون في الطرقات إذا لم يكن بينهم باب مغلق فلا بأس وسئل عمن صلى خارج المسجد يوم الجمعة والابواب مغلقة قال أرجو أن لا يكون به بأس، وسئل عن الرجل يصلي يوم الجمعة وبينه وبين الامام سترة قال إذا لم يقدر على غير ذلك يعني يجزيه
* (باب صلاة العيدين) * وهي مشروعة والاصل في ذلك الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله عزوجل (فصل لربك وانحر) المشهور في التفسير أن المراد بها صلاة العيد.
وأما السنة فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر انه كان يصلي العيدين.
قال ابن عباس شهدت صلاة الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلهم يصليها قبل الخطبة متفق عليه.
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بغير أذان ولا اقامة، وأجمع المسلمون على صلاة العيدين * (مسألة) * (وهي فرض على الكفاية إن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الامام) صلاة العيد فرض على الكفاية في ظاهر المذهب إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين وبه قال بعض أصحاب الشافعي.
وقال أبو حنيفة هي واجبة على الاعيان وليست فرضا، وقال ابن أبي موسى وقد قيل انها سنة مؤكدة وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للاعرابي حين ذكر خمس صلوات قال هل علي غيرهن قال " لا إلا أن تطوع " ولانها
صلاة ذات ركوع وسجود لا يشرع لها أذان فلم تكن واجبة كصلاة الاستسقاء، ثم اختلفوا فقال بعضهم إذا امتنع جميع الناس من فعلها قاتلهم الامام عليها.
وقال بعضهم لا يقاتلهم ولنا على انها لا تجب على الاعيان انها صلاة لا يشرع لها الاذان فلم تجب على الاعيان كصلاة الجنازة ولان الخبر الذي ذكره مالك ومن وافقه يقتضي نفي وجوب صلاة سوى الخمس، وانما خولف بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى معه فيختص بمن كان مثلهم ولانها لو وجبت على الاعيان لوجبت خطبتها والاستماع لها كالجمعة
ولنا على وجوبها في الجملة قوله تعالى (فصل لربك وانحر) والامر يقتضي الوجوب ولانها من أعلام الدين الظاهرة فكانت واجبة كالجمعة والجهاد ولانها لو لم تجب لم يجب قتال تاركيها لان القتال عقوبة فلا يتوجه إلى تارك مندوب كالقتل والضرب وقياسا على سائر السنن.
فأما حديث الاعرابي الاعرابي فليس لهم فيه حجة لان الاعراب لا تلزمهم الجمعة فالعيد أولى على انه مخصوص بالصلاة على الجنازة المنذورة فكذلك صلاة العيد، وقياسهم لا يصح لان كونها ذات ركوع وسجود أثر له فيجب حذفه فينتقض بصلاة الجنازة وينتقض على كل حال بالصلاة المنذورة (فصل) وإذا اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الامام لانها من شعائر الاسلام الظاهرة فقوتلوا على تركها كالاذان ولانها من فروض الكفايات فقوتلوا على تركها كغسل الميت والصلاة عليه إذا اتفقوا على تركه * (مسألة) * (وأول وقتها إذا ارتفعت الشمس وآخره إذا زالت) أول وقت صلاة العيد إذا خرج وقت النهى وارتفعت الشمس قيد رمح من طلوع الشمس وذلك ما بين وقتي النهى عن صلاة النافلة.
وقال أصحاب الشافعي أول وقتها إذا طلعت الشمس لما روى يزيد بن حمير قال خرج عبد الله بن بشر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر ابطاء الامام وقال إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين صلاة التسبيح.
رواه أبو داود وابن ماجه ولنا ما روى عقبة بن عامر قال ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي
فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ولانه وقت نهي عن الصلاة فيه فلم
يكن وقتا للعيد كقبل طلوع الشمس ولان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت الشمس بدليل الاجماع أن فعلها في ذلك الوقت أفضل ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل إلا الافضل، ولو كان لها وقت قبل ذلك لكان تقييده بطلوع الشمس تحكما بغير نص ولا معنى نص، ولا يجوز التوقيت بالتحكم.
وأما حديث عبد الله بن بشر فيحتمل على انه أنكر ابطاء الامام عن وقتها المجمع عليه لانه لو حمل على غير هذا لم يكن ابطاء، ولا يجوز أن يحمل ذلك على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الصلاة في وقت النهى لانه مكروه بالاتفاق والافضل خلافه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على المفضول ولا المكروه فتعين حمله على ما ذكرنا * (مسألة) * (فان لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم) وهذا قول الاوزاعي والثوري وإسحق وابن المنذر.
وحكى عن أبي حنيفة انها لا تقضى.
وقال الشافعي إن علم بعد غروب الشمس كقولنا وإن علم بعد الزوال لم يصل لانها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فلا تقضى بعد فوات وقتها كالجمعة وانما يصليها إذا علم بعد غروب الشمس لان العيد هو الغد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فطركم يوم تفطرون واضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون " (1) ولنا ما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ركبا جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا انهم رأوا الهلال بالامس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم رواه أبو داود.
وقال الخطابي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن تتبع، وحديث ابن عمير صحيح والمصير إليه واجب ولانها صلاة مؤقتة فلا تسقط بفوات الوقت كسائر الفروض: فأما الجمعة فانها معدول بها عن الظهر بشرائط منها الوقت فإذا فات واحد منهما رجع إلى الاصل
__________
" 1 " رواه الشافعي والبيهقي عن عطاء مرسلا بسند ضعيف وروى أبو داود والبيهقي الجملتين في العيدين بسند صحيح عن أبي هريرة وله تتمة أخرى
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: