الفقه الحنبلي - الجمعة -

وحكى عن الزهري والنخعي انها تجب عليه لان الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة فصل الظهر والعصر جمعا بينهما ولم يصل جمعة، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.
قال ابراهيم كانوا يقيمون بالقرى السنة وأكثر من ذلك
وبسجستان السنتين لا يجمعون ولا يشرقون رواه سعيد، وهذا اجماع مع السنة الثابته لا يسوغ مخالفته * (فصل) * وإذا أجمع المسافر اقامة تمنع القصر ولم ينو الاستيطان كطالب العلم أو الرباط أو التاجر ونحوه ففيه وجهان: احدهما تلزمه الجمعة لعموم الآية والاخبار، والثاني لا تجب عليه لانه غير مستوطن والاستيطان من شرائط الوجوب ولانه لم ينو الاقامة في هذا البلد على الدوام أشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفا ويظعنون عنها شتاء، ولانهم كانوا يقيمون السنة والسنتين لا يجمعون ولا يشرقون أي يصلون جمعة ولا عيدا، فان قلنا تجب عليهم الجمعة فالظاهر انها لا تنعقد به لعدم الاستيطان الذي هو من شروط الانعقاد * (فصل) * فأما العبد فالمشهور في المذهب انها لا تجب عليه وهو من سمينا في حق المسافر وفيه رواية أخرى انها تجب عليه نقلها عنه المروذي وهي اختيار أبي بكر إلا انه لا يذهب من غير اذن
سيده وهو قول طائفة من أهل العلم واحتجوا بعموم الآية ولان الجماعة تجب عليه والجمعة آكد
منها.
وحكى عن الحسن وقتادة انها تجب على العبد الذي يؤدي الضريبة لان حق السيد عليه فلا تحول إلى المال أشبه المدين ولنا ما روى طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض " رواه أبو داود، وقال طارق رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه وهو من أصحابه، وعن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضا أو مسافرا أو أمرأة أو صبيا أو مملوكا " رواه الدارقطني، ولان الجمعة يجب السعي إليها من مكان بعيد فلم تجب عليه الجمع كالحج والجهاد ولانه محبوس على السيد أشبه المحبوس بالدين، ولانها لو وجبت عليه لجاز له السعي إليها من غير إذن السيد كسائر الفرائض، والآية مخصوصة بذوي الاعذار وهذا منهم
* (فصل) * وحكم المكاتب والمدبر في ذلك حكم القن لبقاء الرق فيهما، وكذلك من بعضه حر فان حق السيد متعلق به، وكذلك لا يجب عليه شئ مما ذكرنا عن العبيد * (مسألة) * (ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يجز له أن يؤم فيها وعنه في العبد انها تجب عليه) من حضر الجمعة من هؤلاء أجزأته عن الظهر لا نعلم فيه خلافا لان اسقاط الجمعة عنهم تخفيفا عنهم فإذا حضروها أجزأتهم كالمريض، والافضل للمسافر حضور الجمعة لانها أكمل وفيه خروج من الخلاف.
فأما العبد فان أذن سيده في حضورها فهو أفضل لينال فضل الجمعة ويخرج من الخلاف، وإن منعه سيده فليس له حضورها إلا أن نقول بوجوبها عليه.
وأما المرأة فان كانت مسنة فلا بأس بحضورها، وإن كانت شابة جاز لها ذلك وصلاتها في بيتها أفضل.
قال أبو عمرو الشيباني رأيت ابن مسعود يخرج النساء من الجامع يوم الجمعة ويقول أخرجن إلى بيوتكن خير لكن
* (فصل) * ولا تنعقد الجمعة بأحد من هؤلاء ولا يصح أن يكون إماما فيها، وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز أن يكون العبد والمسافر إماما فيها ووافقهم مالك في المسافر.
وحكى عن أبي حنيفة
ان الجمعة تصح بالعبيد والمسافرين لانهم رجال تصح منهم الجمعة ولنا انهم من غير أهل فرض الجمعة فلم تنعقد بهم ولم يؤموا فيها كالنساء والصبيان ولان الجمعة انما تصح منهم تبعا لمن انعقدت به، فلو انعقدت بهم أو كانوا أئمة صار التبع متبوعا، وعليه يخرج الحر المقيم ولان الجمعة لو انعقدت بهم لانعقدت بهم منفردين كالاحرار المقيمين وقياسهم ينقض بالنساء والصبيان، وفي العبد رواية انها تجب عليه لعموم الآية وقد ذكرناه * (فصل) * وكلما كان شرطا لوجوب الجمعة فهو شرط لانعقادها فمتى صلوا جمعة مع اختلال بعض شروطها لم تصح ولزمهم أن يصلوا ظهرا ولا يعد في الاربعين الذين تنعقد بهم من لا تجب
عليه ولا يعتبر اجتماع الشروط للصحة بل تصح ممن لا تجب عليه تبعا لمن وجبت عليه، ولا يعتبر للوجوب كونه ممن تنعقد به فانها تجب على من يسمع النداء من غير أهل المصر ولا تنعقد به * (مسألة) * (ومن سقطت عنه لعذر إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به) ويصح أن يكون إماما فيها كالمريض ومن حبسه العذر والخوف لان سقوطها عنه انما كان لمشقة السعي، فإذا تكلفوا وحصلوا في الجامع زالت المشقة فصار حكمهم حكم أهل الاعذار * (مسألة) * (ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الامام لم تصح صلاته والافضل لمن لا تجب عليه أن لا يصلي الظهر حتى يصلي الامام) يعني إذا صلى الظهر يوم الجمعة ممن تجب عليه الجمعة قبل صلاة الامام لم يصح صلاته ويلزمه السعي إلى الجمعة ان ظن أنه يدركها لانها المفروضة عليه، فان أدركها صلاها مع الامام وان فاتته فعليه صلاة الظهر، وإن ظن أنه لا يدركها انتظر حتى يتيقن أن الامام قد صلى ثم يصلى الظهر وهذا قول مالك
والثوري والشافعي في الجديد.
وقال أبو حنيفة والشافعي في القديم: يصح ظهره قبل صلاة الامام لان الظهر فرض الوقت بدليل سائر الايام، وانما الجمعة بدل عنها وقائمة مقامها، وكذلك إذا تعذرت صلى ظهرا، فمن صلى الظهر فقد أتى بالاصل فأجزاة كسائر الايام.
قال أبو حنيفة: ويلزمه
السعي إلى الجمعة، فان سعى بطلت ظهره وإن لم يسع اجزأته ولنا أنه صلى ما لم يخاطب به وترك ما خوطب به فلم يصح كما لو صلى العصر مكان الظهر ولا نزاع أنه مخاطب بالجمعة وقد دل عليه النص والاجماع، ولا خلاف في أنه يأثم بتركها وترك السعي إليها ويلزم من ذلك أن لا يخاطب بالسعي بالظهر لانه لا يخاطب بصلاتين في الوقت، ولانه يأثم بترك الجمعة وإن صلى الظهر، ولا يأثم بترك الظهر وفعل الجمعة بالاجماع، والواجب ما يأثم بتركه دون ما لم يأثم به، وقولهم أن الظهر فرض الوقت لا يصح لانها لو كانت الاصل لوجب عليه فعلها وأثم
بتركها ولم يجزئه صلاة الجمعة مكانها لان البدل انما يصار إليه عند تعذر المبدل بدليل سائر الابدال ولان الظهر لو صحت لم تبطل بالسعي إلى غيرها كسائر الصلوات الصحيحة ولان الصلاة إذا فرغ منها لم تبطل بمبطلاتها فكيف تبطل بما ليس من مبطلاتها ولا ورد به الشرع.
وأما إذا فاتته الجمعة فانه يصير إلى الظهر لتعذر قضاء الجمعة لكونها لا تصح إلا بشروطها، ولا يوجد ذلك في قضائها فتعين المصير إلى الظهر عند عدمها وهذا حال البدل (فصل) فان صلى الظهر ثم شك هل صلى قبل صلاة الامام أو بعدها لزمته الاعادة لان الاصل بقاء الصلاة في ذمته ولانه صلاها مع الشك في شرطها فلم تصح كما لو صلاها مع الشك في طهارتها، وإن صلاها مع صلاة الامام لم تصح لانه صلاها قبل فراغ الامام أشبه ما لو صلاها قبله في وقت لا يعلم أنه لا يدركها
(فصل) فان اتفق أهل بلد أو قرية ممن تجب عليهم الجمعة على تركها وصلوا ظهرا لم تصح صلاتهم لما ذكرنا، فإذا خرج وقت الجمعة لزمه اعادة الظهر لتعذر فعل الجمعة بعد الوقت (فصل) فأما من لا تجب عليه الجمعة كالعبد والمرأة والمسافر والمريض وسائر المعذورين فله أن يصلي الظهر قبل صلاة الامام في قول عامة أهل العلم.
وقال أبو بكر عبد العزيز: لا تصح صلاته قبل الامام لانه لا يتيقن بقاء العذر فلم تصح صلاته كغير المعذور
ولنا أنه لم يخاطب بالجمعة فصحت منه الظهر كالبعيد من موضع الجمعة، وقوله لا يتيقن بقاء العذر، قلنا أما المرأة فيتيقن بقاء عذرها، وأما غيرها فالظاهر بقاء عذره والاصل استمراره فأشبه المتيمم إذا صلى في أول الوقت، والمريض إذا صلى جالسا إذا ثبت هذا فانه إذا سعى إلى الجمعة بعد أن صلاها لم تبطل ظهره وكانت الجمعة نفلا في حقه وسواء زال عذره أو لم يزل.
وقال أبو حنيفة: يبطل ظهره بالسعي إليها كالتي قبلها
ولنا ما روى أبو العالية قال: سألت عبد الله بن الصامت فقلت نصلي يوم الجمعة خلف أمراء فيؤخرون الصلاة فقال: سألت أبا ذر عن ذلك فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة " وفي لفظ " فان أدركتها معهم فصل فانها لك نافلة " ولانها صلاة صحيحة أسقطت فرضه وأبرأت ذمته أشبه ما لو صلى الظهر منفردا، ثم سعى إلى الجماعة والافضل لهم أن لا يصلوا حتى يصلي الامام لان فيه خروجا من الخلاف ولان غير المرأة يحتمل زوال أعذارهم فيدركون الجمعة (فصل) ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة إذا أمن أن ينسب إلى مخالفة الامام والرغبة عن الصلاة معه أو أن يرى الاعادة إذا صلى معه فعل ذلك ابن مسعود وأبو ذر والحسن بن عبيد الله وأياس بن معاوية وهو قول الاعمش والشافعي وأسحق وكره
الحسن وأبو قلابة ومالك وأبو حنيفة لان زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل من معذورين فلم ينقل أنهم صلوا جماعة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " وروي عن ابن مسعود أنه فاتته الجمعة فصلى بعلقمة والاسود احتج به احمد وفعله من ذكرنا من قبل ومطرف وابراهيم.
قال أبو عبد الله: ما أعجب الناس ينكرون هذا، فأما زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل الينا أنه اجتمع جماعة معذورون يحتاجون إلى اقامة الجماعة، إذا ثبت هذا فانه لا يستحب
اعادتها جماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في مسجد تكره اعادة الجماعة فيه ولا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة لانه يفضي إلى أن ينسب إلى الرغبة عن الجمعة، وأنه لا يرى الصلاة خلف الامام أو يرى الاعادة معه وفيه افتيات على الامام وربما أفضى إلى فتنة أو لحوق ضرر به، وانما يصليها في منزله أو في موضع لا يحصل هذه المفسدة بالصلاة فيه
* (مسألة) * (ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال) وبه قال الشافعي واسحق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة يجوز.
وسئل الاوزاعي عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته فقال ليمض في سفره ولان عمر رضي الله عنه قال: الجمعة لا تحبس عن سفر ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من سافر من دار اقامة الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته " روه الدارقطني في الافراد ولان الجمعة قد وجبت عليه فلم يجز له الاشتغال بما يمنع منها كما لو تركها لتجارة وما روي عن عمر فقد روي عن ابنه وعائشة ما يدل على كراهية السفر يوم الجمعة فتعارض قوله ويمكن حمله على السفر قبل الوقت * (مسألة) * (ويجوز قبله وعنه لا يجوز، وعنه يجوز للجهاد خاصة السفر بعد الزوال فيجوز للجهاد خاصة وكذلك ذكره القاضي لما روى ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال: لعلي أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال " ما منعك أن تغدوا مع أصحابك " فقال: أردت
أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أنفقت ما في الارض ما أدركت فضل غدوتهم " رواه الامام احمد وفيه رواية ثانية أن ذلك لا يجوز لما ذكرنا من حديث ابن عمر وفيه رواية ثالثة أنه يجوز مطلقا اختاره شيخنا لحديث عمر وكما لو سافر من الليل، فأما ان خاف المسافر فوات رفقته جاز له ترك الجمعة لانه من الاعذار المسقطة للجمعة والجماعة، وسواء كان في بلده وأراد انشاء السفر أو في غيره
(فصل) ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط أحدها الوقت وأول وقتها أول وقت صلاة العيد.
وقال الخرقي: يجوز فعلها في الساعة السادسة، وفي بعض النسخ في الخامسة، والصحيح في السادسة وآخره آخر وقت صلاة الظهر لا تصح الجمعة قبل وقتها ولا بعده اجماعا، ولا خلاف فيما علمنا أن آخر وقتها آخر وقت صلاة
الظهر.
فأما أوله فقد ذكرنا قول الخرقي انه لا يجوز قبل الساعة السادسة أو الخامسة على ما نقل عنه وقال القاضي وأصحابه أوله أول وقت صلاة العيد، ورواه عبد الله بن أحمد عن أبيه قال نذهب إلى انها كصلاة العيد.
قال مجاهد ما كان للناس عيد إلا في أول النهار، وقال عطاء كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والاضحى والفطر لما روي ان ابن مسعود قال ما كان عيد إلا في أول النهار، وروي عنه وعن معاوية انهما صليا الجمعة ضحى وقالا انما عجلنا خشية الحر عليكم.
وعن ابن مسعود قال لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الجمعة في ظل الخيم رواه ابن البحتري في أماليه باسناده، والدليل على انها عيد قول النبي صلى الله عليه وسلم حين اجتمع العيد والجمعة " قد اجتمع
لكم في يومكم هذا عيدان " وقال أكثر أهل العلم وقتها وقت الظهر إلا أنه يستحب تعجيلها في أول وقتها لقول سلمة بن الاكوع كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ متفق عليه.
قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس رواه البخاري ولانهما صلاتا وقت فكان وقتهما واحدا كالمقصورة والتامة ولان آخر وقتها واحد فكان أوله واحدا كصلاة الحضر والسفر ولنا على جوازها في السادسة السنة والاجماع، أما السنة فما روى جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يعني الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس أخرجه مسلم.
وعن سهل بن سعد قال ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، قال ابن قتيبة لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال.
وعن سلمة قال كنا نصلي مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فئ، رواه أبو داود: وأما الاجماع فروى
الامام أحمد عن وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن عبد الله بن سيدان قال شهدت الخطبة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار، ثم صليتها مع عثمان بن عفان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره.
وروي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية انهم صلوا قبل الزوال وأحاديثهم تدل ان النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته، ولا خلاف في جوازه وانه الاولى، وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال فلا تعارض بينهما.
قال شيخنا وأما فعلها في أول النهار فالصحيح انه لا يجوز لما ذكره أكثر العلماء ولان التوقيت لا يثبت إلا بدليل من نص أو ما يقوم مقامه، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه انهم صلوها في أول النهار ولان مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر وانما جاز تقديمها
عليه بما ذكرنا من الدليل وهو مختص بالساعة السادسة فلم يجز تقديمها عليها ولانها لو صليت في وقت الضحى لفاتت أكثر المصلين إذا ثبت ذلك، فالاولى فعلها بعد الزوال لان فيه خروجا من الخلاف ولانه الوقت الذي كان يفعلها فيه رسول الله صلى الله عليه في اكثر أوقاته.
وتعجيلها في أول وقتها في الشتاء والصيف لانه صلى الله عليه وسلم كان يعجلها لما روينا من الاخبار، ولان الناس يجتمعون إليها في أول وقتها ويبكرون إليها قبل وقتها فلو ابرد لشق على الحاضرين، وانما جعل الابراد بالظهر في شدة الحر دفعا للمشقة والمشقة في الابراد بها في الجمعة أكثر * (مسألة) * (فان خرج وقتها قبل فعلها صلوا ظهرا لفوات الشرط لا نعلم في ذلك خلافا) * (مسألة) * (وإن خرج وقد صلوا ركعة أتموها جمعة، وإن خرج قبل ركعة فهل يتمونها ظهرا أو يستأنفونها على وجهين)
متى خرج وقت الجمعة قبل تمامها فان كان بعد أن صلوا ركعة أتموها جمعة وهذا اختيار شيخنا وظاهر قول الخرقي، وقال القاضى متى أحرموا بها في الوقت قبل خروجه أتموها جمعة ونحوه، قال أبو الخطاب لانه أحرم بها في وقتها ما لو أتمها فيه.
والمنصوص عن أحمد انه إن دخل وقت العصر بعد تشهده وقبل سلامه سلم وأجزأته وهذا قول أبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة متى خرج الوقت قبل الفراغ منها بطلت ولا ينى عليها ظهرا لانهما صلاتان مختلفتان فلا تنبني إحداهما على الاخرى كالظهر والعصر.
والظاهر أن مذهب أبي حنيفة في هذا كمذهب صاحبيه لان السلام عنده ليس بواجب في الصلاة، وقال الشافعي لا يتمها جمعة ويبنى عليها ظهرا لانهما صلاتا وقت فجاز بناء احداهما على الاخرى كصلاة السفر والحضر، واحتجوا على انه لا يتمها جمعة بأن ما كان شرطا في بعضها كان شرطا في جميعها كالطهارة ولنا قوله عليه السلام " من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " ولانه أدرك ركعة من
الجمعة فكان مدركا لها كالمسبوق ولان الوقت شرط يختص الجمعة فاكتفى به في ركعة كالجماعة، وما ذكروه ينتقض بالجماعة * (فصل) * فان دخل وقت العصر قبل ركعة لم تحصل لهم جمعة لان قوله عليه السلام " من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " يدل بمفهومه على انه إذا أدرك أقل من ذلك لا يكون مدركا ويلزمه الظهر، وهل يبنى أو يستأنف، فعلى قياس قول الخرقي تفسد صلاته ويستأنفها ظهرا كمذهب أبي حنيفة، وعلى قياس قول أبي إسحق بن شاقلا يتمها ظهرا لقول الشافعي وقد ذكرنا وجه القولين * (فصل) * إذا أدرك من الوقت ما يمكنه أن يخطب ثم يصلي ركعة فله التلبس بها على قياس قول الخرقي لانه أدرك من الوقت ما يدركها فيه، فان شك هل أدرك من الوقت ما يدركها أو لا صحت لان الاصل بقاء الوقت وصحتها
* (مسألة) * (الثاني أن تكون بقرية يستوطنها أربعون من أهل وجوبها فلا تجوز اقامتها في غير ذلك)
الاستيطان شرط لصحة الجمعة في قول أكثر أهل العلم وهو الاقامة في قرية مبنية بما جرت به العادة بالبناء به من حجر أو طين أو لبن أو قصب أو شجر أو نحوه فلا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء لان ذلك هو الاستيطان غالبا.
فأما أهل الخيام والحركات وبيوت الشعر فلا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم لان ذلك لا ينصب للاستيطان غالبا، وكذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلا يقيموا جمعة ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فانه لو كان ذلك لم يخف ولم يترك نقله مع كثرته وعموم البلوى به، لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعي إليها كأهل القرية الصغيرة إلى جانب المصر ذكره القاضي، فان كان أهل القرية يظعنون عنها في بعض السنة لم تجب
عليهم الجمعة، فان خرجت القرية أو بعضها وأهلها مقيمون بها عازمون على اصلاحها فحكمها باق في اقامة الجمعة بها، وإن عزموا على النقلة عنها لم تجب عليهم لعدم الاستيطان، ومتى كانت القرية لا يجب على أهلها بأنفسهم وكانوا بحيث يسمعون النداء من المصر أو من قرية تقام فيها الجمعة لزمهم السعي إليها لعموم الآية، وكذلك إن كان بناؤها متفرقا تفرقا لم تجر العادة به
* (مسألة) * (ويجوز اقامتها في الابنية المتفرقة إذا شملها اسم واحد) وفيما قارب البنيان من الصحراء تجوز اقامة الجمعة المتفرقة البنيان إذا كان تفرقا جرت العادة به في القرية الواحدة، فان كانت متفرقة في قرية تفرقا لم تجر به العادة لم تجب عليهم الجمعة إلا أن يجتمع منها ما يسكنه اربعون فتجب بهم الجمعة ويتبعهم الباقون، ولا يشترط اتصال البنيان بعضه ببعض.
وحكى عن الشافعي اشتراطه ولنا أن القرية المتقاربة البنيان قرية مبنية بما جرت به عادة القرى أشبهت المتصلة
* (فصل) * ولا يشترط لصحة الجمعة البنيان بل يجوز اقامتها فيما قاربه من الصحراء وبهذا قال الامام أبو حنيفة، وقال الامام الشافعي لا يجوز لانه موضع يجوز لاهل المصر قصر الصلاة فيه أشبه البعيد
ولنا ما روى كعب بن مالك انه قال أسعد بن ذرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود.
وقال ابن جريج قلت لعطاء يعني أكان
بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم.
والبقيع بطن من الارض يستنقع فيه المأمدة، فإذا نضب الماء نبت الكلا.
قال الخطابي حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة ولانه موضع لصلاة العيد فجازت فيه الجمعة كالجامع ولان الاصل اشتراط ذلك ولا نص في اشتراطه ولا معنى نص * (فصل) * ولا يشترط لصحة الجمعة المصر.
روي نحو ذلك عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز والاوزاعي والليث ومكحول وعكرمة والشافعي، وروي عن علي رضي الله عنه انه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع.
وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال الحسن وابن سيرين وابراهيم وأبو حنيفة.
ولنا ما ذكرنا من حديث أسعد بن ذرارة رواه البخاري باسناده عن ابن عباس إن أول جمعة بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجوارنا من البحرين من قرى عبد القيس، وروى أبو هريرة انه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين وكان عاملا عليها، فكتب إليه عمر جمعوا حيث كنتم رواه الاثرم
قال الامام أحمد رحمه الله تعالى اسناده جيد فأما خبرهم فلم يصح، قال الامام أحمد ليس هذا بحديث انما هو عن علي وقد خالفه عمر * (فصل) * وإذا كان أهل المصر دون الاربعين فجاءهم أهل قرية فأقاموا الجمعة في المصر لم تصح لان أهل القرية غير مستوطنين في المصر وأهل المصر لا تنعقد بهم الجمعة لقلتهم، وإن كان أهل القرية ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم لزم أهل المصر السعي إليهم إذا كان بينهما أقل من فرسخ فلزمهم السعي إليها كما يلزم أهل القرية السعي إلى المصر إذا أقيمت به وكان أهل القرية دون الاربعين وإن كان في كل واحد دون الاربعين لم تجز اقامة الجمعة في واحد منهما * (مسألة) * الثالث (حضور أربعين من أهل القرية في ظاهر المذهب وعنه تنعقد بثلاثة)
حضور أربعين شرط لوجوب الجمعة وصحتها في ظاهر المذهب، روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وعبيد الله بن عبد الله وهو قول مالك والشافعي، وروي عن الامام أحمد انها لا تنعقد إلا بخمسين لما روى أبو بكر النجاد عن عبد الملك الرقاشي ثنا رجا بن سلمة ثنا عباد بن عباد المهبي عن جعفر ابن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تجب الجمعة على خمسين رجلا ولا تجب على من دون ذلك " وباسناده عن الزهري عن أبي سلمة قال قلت لابي هريرة على كم
تجب الجمعة من رجل؟ قال لما بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين جمع بهم رسول الله صلى الله عليه، وعنه رواية ثالثة انها تنعقد بثلاثة وهو قول الاوزاعي لان اسم الجمع يتناوله فانعقدت به الجمعة كالاربعين ولان الله تعالى قال (فاسعوا إلى ذكر الله) بصيغة الجمع فيدخل فيه الثلاثة.
وحكى أبو الحرث عن الامام احمد إذا كانوا ثلاثة من أهل القرى جمعوا فيحتمل أن يختص ذلك أهل القرى لقلتهم، وقال أبو حنيفة تنعقد بأربعة لانه عدد زيد على أقل الجمع المطلق أشبه الاربعين وقال ربيعة تنعقد باثنى عشر لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب الي مصعب بن عمير بالمدينة فأمره أن يصلي عند الزوال ركعتين وأن يخطب فيهما، فجمع مصعب بن عمير في بيت سعد بن خيثمة باثنى عشر رجلا، وعن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقدمت سويقة فخرج الناس إليها فلم يبق إلا اثنى عشر رجلا أنا فيهم فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) الآية.
رواه مسلم، وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة ولنا حديث كعب الذي رويناه وفى الحديث قلت له كم كنتم يومئذ؟ قال أربعون.
رواه الدارقطني، وقول الصحابي مضت السنة تنصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما حديث مصعب بن عمير انهم كانوا اثنا عشر فلا يصح فان حديث كعب أصح منه، رواه أصحاب السنن والخبر الآخر يحتمل انهم عادوا فحضروا القدر الواجب، ويحتمل انهم عادوا قبل طول الفصل.
وأما الثلاثة والاربعة فتحكم بالرأي فيما لا مدخل للرأي فيه لان التقدير بابه التوقيف ولا معنى لاشتراط كونه جمعا ولا للزيادة على الجمع إذ لا نص فيه ولا معنى نص، ولو كان الجمع كافيا لاكتفى باثنين
لان الجماعة تنعقد بهما.
* (مسألة) * (فان نقصوا قبل اتمامها استأنفوا ظهرا ويحتمل أنهم ان نقصوا بعد ركعة أتموها جمعة وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهرا) المشهور في المذهب أنه يشترط كمال العدد في جميع الصلاة وقال أبو بكر: لا أعلم خلافا عن الامام احمد ان لم يتم العدد في الصلاة والخطبة أنهم يعيدون الصلاة وهذا أحد قولي الامام الشافعي لانه شرط للصلاة فاعتبر في جميعها كالطهارة ويحتمل أنهم ان نقصوا بعد ركعة أتموها جمعة وهذا قياس قول الخرقي، وبه قال الامام مالك وقال المزني: هو أشبه عندي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى " ولانهم أدركوا ركعة فصحت لهم الجمعة كالمسبوق بركعة وهذا اختيار شيخنا.
وقال أبو حنيفة: ان نقصوا بعدما صلوا ركعة بسجدة واحدة أتموها جمعة لانهم أدركوا معظم الركعة فأشبه ما لو أدركوها بسجدتيها.
وقال اسحاق: ان بقي معه اثنا عشر أتمها جمعة لان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انفضوا عنه فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأتمها جمعة.
وقال الامام الشافعي في أحد أقواله: ان بقي معه اثنان أتمها جمعة وهو قول الثوري لانه أقل الجمع وحكي عنه أبو ثور ان بقي معه واحد أتمها جمعة لان الاثنين جماعة ولنا أنهم لم يدركوا ركعة كاملة بشروط الجمعة فأشبه ما لو نقص الجمع قبل ركوع الاولى.
وقولهم أدرك معظم الركعة يبطل بمن لم يفته من الركعة الاولى إلا السجدتان فانه قد أدرك معظمها وقول الامام الشافعي: بقى معه من تنعقد به الجماعة لا يصح لان هذا لا يكتفي في الابتدا فلا يكتفي في الدوام إذا ثبت هذا فكل موضع قلنا لا يتمها جمعة فقياس قول الخرقي أنها تبطل ويستأنفها ظهرا إلا أن يمكنهم فعل الجمعة مرة أخرى فيعيدونها وحكاه أبو بكر عن الامام احمد، وقياس قول أبي اسحاق بن شاقلا أنهم يتمونها ظهرا وهذا قول القاضي وقال: قد نص الامام احمد في الذي زحم عن أفعال الجمعة حتى سلم الامام يتمها ظهرا ووجه القولين قد تقدم * (مسألة) * (ومن أدرك مع الامام منها ركعة أتمها جمعة)
وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وعلقمة والاسود والزهري ومالك، والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال عطاء وطاوس ومجاهد من لم يدرك الخطبة صلى أربعا لان الخطبة شرط للجمعة فلا تكون جمعة في حق من لم يوجد في حقه شرطها ولنا ما روى أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك من
الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " رواه الاثرم ورواه ابن ماجه " فليصل إليها أخرى " وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " متفق عليه، ولانه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم * (مسألة) * (ومن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهرا إذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي.
وقال أبو إسحق بن شاقلا: ينوي جمعة ويتمها ظهرا) أما من أدرك أقل من ركعة فلا يكون مدركا للجمعة ويصلي الظهر أربعا وهذا قول جميع من ذكرنا في المسألة المتقدمة إلا أن الامام أبا حنيفة فانه قال: يكون مدركا للجمعة بأي قدر أدرك من الصلاة مع الامام وهو قول الحكم وحماد لان من لزمه أن يبني على صلاة الامام بادراك ركعة لزمه بادراك أقل منها كالمسافر يدرك المقيم ولانه أدرك جزأ من الصلاة فكان مدركا لها كالظهر ولنا قوله عليه السلام " من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " فمفهومه أنه إذا أدرك أقل من ركعة لم يدركها، ولانه قول من سمينا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون اجماعا، وقد روى بشر بن معاذ الزيات عن الزهري عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أدرك يوم الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى " ومن أدرك دونها صلى أربعا ومن لم يدرك ركعة فلا تصح له جمعة كالامام إذا نقصوا قبل السجود وأما المسافر فادراكه ادراك الزام، وهذا ادراكه ادراك اسقاط للعدد فافترقا وكذلك يتم المسافر خلف المقيم، ولا يقصر المقيم خلف المسافر، وأما الظهر فليس من شرطها الجماعة بخلاف مسئلتنا
(فصل) وكل من أدرك مع الامام ما لا يتم له به جمعة، فانه في قول الخرقي ينوي ظهرا، فان نوى جمعة لم تصح في ظاهر كلامه وكلام احمد في رواية صالح وابن منصور يحتمل هذا القول فيمن أحرم ثم زحم عن الركوع والسجود حتى سلم امامه، قال يستقبل ظهرا أربعا وذلك لان الظهر لا يتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذلك استدامته كالظهر مع العصر.
وقال أبو إسحق بن شاقلا ينوي جمعة لئلا يخالف نية امامة ثم يبني عليها ظهرا وهذا ظاهر قول قتادة وأيوب ويونس والشافعي لانه لا يجوز أن يأتم بمن يصلي جمعة فجاز أن يبني صلاته على نيتها كصلاة المقيم مع المسافر، وكما ينوي أنه مأموم ويتم صلاته بعد مفارقة امامة منفردا ولانه يصح أن ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة في ابتدائها فكذلك في انتهائها (فصل) إذا صلى الامام الجمعة قبل الزوال فأدرك المأموم معه دون الركعة لم يكن له الدخول معه لانها في حقه ظهر فلا تجوز قبل الزوال كغير يوم الجمعة فان دخل معه كانت نفلا في حقه ولم
تجزه عن الظهر، ولو أدرك معه ركعة ثم زحم عن سجودها وقلنا تصير ظهرا، فانها تنقلب نفلا لئلا تكون ظهرا قبل وقتها (فصل) ومن أحرم مع الامام ثم زحم عن السجود سجد على ظهر انسان ورجله اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله فيمن أحرم مع الامام ثم زحم فلم يقدر على الركوع حتى سلم الامام فروي أنه يكون مدركا للجمعة اختارها الخلال وهو قول الحسن وأصحاب الرأي لانه أحرم بالصلاة مع امامه في أولها فأشبه ما لو ركع وسجد معه ونقل عنه أنه يستقبل الصلاة أربعا اختاره أبو بكر وابن أبي موسى وهو قول الشافعي وابن المنذر لانه لم يدرك ركعة كاملة فلم يكن مدركا للجمعة كالمسبوق وهذا ظاهر كلام الخرقي، وجملة ذلك أن من زحم عن السجود في الجمعة سجد على ظهر انسان أو رجله إذا أمكنه ذلك وأجزأه.
قال احمد في رواية احمد بن هشام: يسجد على ظهر الرجل والقدم ويمكن الجبهة والانف في العيدين والجمعة وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر.
وقال عطاء والزهري ومالك: لا يفعل، فان فعل، فقال مالك: تبطل الصلاة لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومكن جبهتك الارض " ولنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه.
رواه سعيد في سننه، وهذا قاله بمحضر من الصحابة وغيرهم في يوم جمعة ولم يظهر له مخالف فكان اجماعا ولانه أتى بما يمكنه حال العجز فصح كالمريض يسجد على المرفقة والخبر لم يتناول العاجز لان الله تعالى قال (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (مسألة) * (فان لم يمكنه سجد إذا زال الزحام إلا أن يخاف فوات الثانية فيتابع الامام فيها وتصير أولاه ويتمها جمعة) وجملة ذلك أن من زحم في احدى الركعتين فأما أن يزحم في الاولى أو الثانية، فان كان في الاولى ولم يتمكن من السجود على ظهر ولا قدم انتظر حتى يزول الزحام ثم يسجد ويتبع امامه لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة الخوف بعسفان للعذر والعذر موجود، فإذا قضى ما عليه وأدرك امامه قبل رفع رأسه من الركوع اتبعه وصحت له الركعة، وهكذا لو تعذر عليه السجود مع امامه لمرض أو نوم أو نسيان لان ذلك عذر أشبه المزحوم، فان خاف أنه ان تشاغل بالسجود فاته الركوع مع الامام في الثانية لزمه متابعته وتصير الثانية أولاه وهذا قول مالك.
وقال أبو حنيفة يشتغل بالسجود لانه قد ركع مع الامام فيجب عليه السجود بعده كما لو زال الزحام والامام قائم وللشافعي كالمذهبين
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا " فان قيل فقد قال " فأذا سجد فاسجدوا " قلنا قد سقط الامر بالمتابعة في السجود عن هذا للعذر وبقي الامر بالمتابعة في الركوع لامكانه ولانه خائف فوات الركوع فلزمته متابعة امامه كالمسبوق، أما إذا كان الامام قائما فليس هذا اختلافا كثيرا إذا ثبت أنه يتابع الامام في الركوع، فان أدركه راكعا صحت له الثانية وتصير الثانية أولاه وتبطل الاولى في قياس المذهب لكونه ترك منها ركنا وشرع في الثانية فبطلت الاولى على ما ذكرنا في سجود السهو ويتمها جمعة لانه أدرك منها ركعة مع الامام فان لم يقم
ولكن يسجد السجدتين من غير قيام تمت ركعته، وإن فاته الركوع وسجد معه فان سجد السجدتين معه فقال القاضي يتم بها الركعة الاولى وهذا مذهب الامام الشافعي رحمه الله تعالى.
وقال أبو الخطاب إذا سجد معتقدا جواز ذلك اعتد له به وتصح له الركعة كما لو سجد وامامه قائم، ثم إن أدرك الامام في ركوع الثانية صحت له الركعتان وإن أدركه بعد رفع رأسه من ركوعها فينبغي أن يركع ويتبعه لان هذا سبق يسير ويحتمل أن تفوته الثانية بفوات الركوع كالمسبوق * (مسألة) * (فان لم يتابع الامام عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته، وإن جهل تحريمه فسجد ثم أدرك الامام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلام الامام وصحت جمعته وعنه يتمها ظهرا) وجملته أن من زحم عن السجود في الركعة الاولى وخاف فوات الركعة الثانية مع الامام ان اشتغل بالسجود لزمه متابعته في ركوع الثانية لما ذكرنا، فان ترك متابعة امامه عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته لانه ترك الواجب فيها عمدا وفعل ما لا يجوز فعله، وإن اعتقد جواز ذلك فسجد لم يعتد بسجوده لانه سجد في موضع الركوع جهلا أشبه الساهي.
وقال أبو الخطاب يعتد له به فان أدرك الامام في التشهد تابعه وقضى ركعة بعد سلامه كالمسبوق ويسجد للسهو.
قال شيخنا ولا وجه للسجود هنا لان الامام ليس عليه سجود سهو، وإن زحم عن سجدة واحدة أو عن الاعتدال بين السجدتين أو بين الركوع والسجود فالحكم فيه كالحكم في ازدحام عن السجود * (فصل) * فأما إن زحم عن السجود في الثانية فزال الزحام قبل سلام الامام سجد وتبعه وصحت له الركعة، وإن لم يزل حتى سلم فان كان أدرك الركعة الاولى فقد أدرك الجمعة ويسجد للثانية بعد سلام الامام ويتشهد ويسلم فقد تمت جمعته، وإن لم يكن أدرك الاولى فانه يسجد بعد سلام امامه وتصح له ركعة وهل يكون مدركا للجمعة بذلك على روايتين * (فصل) * وإذا أدرك مع الامام ركعة فلما قام ليقضي الاخرى ذكر انه لم يسجد مع أمامه إلا سجدة واحدة وشك في ذلك فان لم يكن شرع في قراءة الثانية رجع فسجد للاولى فأتمها وقضى
الثانية وأتم الجمعة نص عليه الامام أحمد في رواية الاثرم، وإن كان شرع في قراءة الثانية بطلت الاولى
وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على ما نقله الاثرم.
وقياس الرواية الاخرى في المزحوم انه يتمها ها هنا ظهرا لانه لم يدرك ركعة كاملة، ولو قضى الركعة الثانية ثم علم انه ترك سجدة من احداهما لا يدري من أيهما تركها فالحكم واحد ويجعلها من الاولى ويأتي بركعة مكانها وفي كونه مدركا للجمعة وجهان: فأما إن شك في ادراك الركوع مع الامام مثل أن كبر والامام راكع فرفع امامه رأسه فشك هل أدرك المجزئ من الركوع مع الامام أو لا لم يعتد بتلك الركعة ويصلي ظهرا قولا واحدا لان الاصل أنه ما أتى بها معه وفي كل موضع لا يكون مدركا للجمعة فعلى قول الخرقي ينوي ظهرا، فان نوى جمعة لزمه استئناف الظهر، ويحتمله كلام الامام أحمد في رواية صالح وابن منصور وعلى قول إسحق بن شاقلا ينوي جمعة لئلا يخالف امامه ويتمها ظهرا وقد ذكرنا وجه القولين * (فصل) * ولو صلى مع الامام ركعة ثم زحم في الثانية فأخرج من الصف فصار فذا فنوى الانفراد عن الامام قياس المذهب انه يتمها جمعة لانه أدرك منها ركعة مع الامام أشبه ما لو أدرك الثانية، وإن لم ينو الانفراد وأتمها مع الامام ففيه روايتان: احداهما لا يصح لانه قد فذ في ركعة كاملة أشبه ما لو فعل ذلك عمدا، والثانية يصح لانه قد يعفى في البناء عن تكميل الشروط كما لو خرج الوقت وقد صلوا ركعة وكالمسبوق * (مسألة) * الرابع (أن يتقدمها خطبتان من شرط صحتهما حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وقراءة آية والوصية بتقوى الله تعالى) وحضور العدد المشترط للخطبة، وبه قال عطاء والنخعي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن تجزيهم الجمعة من غير خطبة لانها صلاة عيد فلم يشترط لها الخطبة كصلاة الاضحى ولنا قول الله سبحانه وتعالى (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) والذكر هو الخطبة ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الخطبة وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وعن عمر رضي الله عنه انه قصر في الصلاة لاجل الخطبة، وعن عائشة رضي الله عنها نحو هذا * (فصل) * ويشترط لها خطبتان وهذا مذهب الامام الشافعي.
وقال مالك والاوزاعي وإسحق وابن المنذر وأصحاب الرأي تجزيه خطبة واحدة، وعن الامام احمد ما يدل عليه فانه قال لا تكون
الخطبة الا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أو خطبة تامة ووجه الاول ما روى ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس متفق عليه وقد قال " صلوا كما
رأيتموني أصلي " ولان الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكل خطبة مكان ركعة، فالاخلال باحداهما اخلال باحدى الركعتين * (فصل) * ويشترط لكل واحدة منهما حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر " وقال جابر رضي الله عنه كان رسول الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول " من بهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له " وإذا وجب ذكر الله وجب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كالاذان ولانه قد روي في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) قال لا أنكر إلا ذكرت معي، ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك في خطبته * (فصل) * والقراءة في كل واحدة من الخطبتين شرط وهو ظاهر كلام الخرقي لان الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكانت القراءة فيهما شرطا كالركعتين، ولان ما وجب في احداهما وجب في الاخرى كسائر الفروض، ويحتمل أن يشترط القراءة في احداهما لما روى الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس وقال " السلام عليكم " ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه رواه الاثرم.
والظاهر انه انما قرأ في الخطبة الاولى * (فصل) * وتجب الموعظة لانها المقصودة من الخطبة فلم يجز الاخلال بها ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ، وفي حديث جابر بن سمرة انه كان يذكر الناس وتجب في الخطبتين جميعا لان ما وجب في احداهما وجب في الاخرى كسائر الشروط وهذا قول القاضي.
وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة انما تكون في الخطبة الثانية لما ذكرنا من حديث الشعبي، وقال أبو حنيفة لو أتى بتسبيحة
أجزأ لان الله تعالى قال (فاسعوا إلى ذكر الله) فأجزأ ما يقع عليه الذكر، ولان اسم الخطبة يقع على دون ما ذكرتم بدليل أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال علمني عملا أدخل به الجنة؟ فقال " أقصرت من الخطبة لقد أعرضت في المسألة " وعن مالك كالمذهبين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الذكر بفعله.
قال جابر بن سمرة كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي وقد ذكرنا حديث جابر بن سمرة.
وأما التسبيح فلا يسمى خطبة، والمراد بالذكر الخطبة، وما
روره مجاز فان السؤال لا يسمى خطبة بدليل انه لو ألقى مسألة على الحاضرين لم يكف ذلك اتفاقا * (فصل) * ولا يكفى في القراءة أقل من آية هكذا ذكره الاصحاب لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على أقل من ذلك ولان الحكم لا يتعين بدونها بدليل منع الجنب من قراءتها.
فظاهر كلام أحمد انه لا يشترط ذلك فانه قال في القراءة في الخطبة ليس فيه شئ موقت ما شاء قرأ وهذا ظاهر كلام الخرقي.
قال شيخنا ويحتمل أن لا يجب سوى حمد الله والموعظة لان ذلك يسمى خطبة ويحصل به المقصود وما عداهما ليس على اشتراطه دليل لانه لا يجب أن يخطب على صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق لانه روي انه كان يقرأ آيات ولا يجب قراءة آيات بالاتفاق، لكن يستحب ذلك لما ذكرنا من حديث الشعبي.
وقالت أم هشام بنت حارثة بن النعمان ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب بها كل جمعة رواه مسلم * (فصل) * ويشترط للخطبة حضور العدد المشترط في القدر الواجب من الخطبتين، وقال أبو حنيفة في رواية عنه لا يشترط لانه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط له العدد كالاذان ولنا انه ذكر من شرائط الجمعة فكان من شرطه العدد وكتكبيرة الاحرام، وتفارق الاذان فانه ليس بشرط وانما مقصوده الاعلام والاعلا للغائبين والخطبة مقصودها الموعظة فهي للحاضرين.
فعلى هذا إن انفضوا في أثناء الخطبة ثم عادوا فحضروا القدر الواجب أجزاهم وإلا لم يجزهم إلا أن يحضرووا القدر الواجب ثم ينفضوا ويعودوا قبل شروعه في الصلاة من غير طول الفصل فان طال
الفصل لزمه اعادة الخطبة إن كان الوقت متسعا، وان ضاق الوقت صلوا ظهرا، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة * (فصل) * ويشترط لها الوقت فلو خطب قبل الوقت لم تصح خطبته قياسا على الصلاة.
ويشترط لها الموالاة فان فرق بين الخطبتين أو بين آخر الخطبة الواحدة بكلام طويل أو سكوت طويل مما يقطع الموالاة استأنفها، وكذلك يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة أيضا فان فرق بينهما تفريقا كثيرا بطلت ولا تبطل باليسير لان الخطبتين مع الصلاة كالمجموعتين، ويحتمل أن الموالاة لا تشترط لانه ذكر يتقدم الصلاة فلم تشترط الموالاة بينهما كالآذان والاقامة، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف وإن احتاج إلى الطهارة تطهر ويبنى على خطبته، وكذلك تعتبر سائر شروط الجمعة للقدر الواجب من الخطبتين * (مسألة) * (وهل يشترط لهما الطهارة وأن يتولاهما من يتولى الصلاة على روايتين)
اختلفت الرواية في اشتراط الطهارة للخطبة وللشافعي قولان كالروايتين، وقد قال أحمد فيمن خطب وهو جنب ثم اغتسل وصلى بهم تجزيه.
قال شيخنا والاشبه بأصول المذهب اشتراط الطهارة الكبرى لكون قراءة آية شرطا للخطبة، ولا يجوز ذلك للجنب.
فأما الطهارة الصغرى فالصحيح انها لا تشترط لانه ذكر يتقدم الصلاة فلم تكن الطهارة فيه شرط كالاذان ولانه لو اشترطت لهما الطهارة لاشترط الاستقبال كالصلاة، وعنه انها تشترط لهما كتكبيرة الاحرام ولكن يستحب أن يكون متطهرا من الحدث والنجس لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقيب الخطبة لا يفصل بينهما بطهارة فيدل على انه كان متطهرا والاقتداء به إن لم يكن واجبا فهو سنة * (فصل) * ويشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة في إحدى الروايتين لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولان الخطبة أقيمت مقام ركعتين لكن يجوز الاستخلاف للعذر ففي الخطبة والصلاة أولى، وعنه يجوز الاستخلاف لغير عذر فانه قال في الامام يخطب يوم الجمعة ويصلي الامير بالناس، لا بأس إذا حضر الامير الخطبة لان الخطبة منفصلة عن
الصلاة فأشبها الصلاتين، وهل يشترط أن يكون المصلي ممن حضر الخطبة فيه روايتان: احداهما يشترط وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لانه امام في الجمعة فاشترط حضور الخطبة كما لو لم يستخلف والثانية لا يشترط وهو قول الاوزاعي والشافعي لانه ممن تنعقد به الجمعة فجاز أن يؤم فيها كما لو حضر الخطبة.
وقد روى الامام أحمد رحمه الله انه لا يجوز الاستخلاف مع العذر أيضا فانه قال في الامام إذا أحدث بعدما خطب يقدم رجلا يصلي بهم لم يصل إلا أربعا إلا أن يعيد الخطبة ثم يصلي بهم ركعتين، وذلك لان هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه والمذهب الاول وهل يجوز أن يتولى الخطبتين اثنان يخطب كل واحد خطبة.
فيه احتمالان احداهما يجوز كالاذان والاقامة، والثاني لا يجوز لما ذكرنا فيما تقدم * (مسألة) * (ومن سننهما أن يخطب على منبر أو موضع عال لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس على منبر) قال سهل بن سعد: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس.
متفق عليه، ولانه أبلغ في الاعلام وليس ذلك واجبا، فلو خطب على الارض أو ربوة أو راحلة أو غير ذلك جاز، فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم على الارض قبل أن يصنع له المنبر ويستحب أن يكون المنبر عن يمين القبلة لان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا صنع
* (مسألة) * (ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم) ويستحب للامام إذا خرج أن يسلم على الناس، ثم إذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين سلم عليهم يروى ذلك عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الاوزاعي والشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة لا يسن السلام عقيب الاستقبال لانه سلم حال خروجه ولنا ما روى جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم.
رواه ابن ماجه وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يوم الجمعة سلم على من عند المنبر
جالسا، فإذا صعد المنبر سلم عليهم.
رواه أبو بكر باسناده، ومتى سلم رد عليه الناس لان رد السلام آكد من ابتدائه * (مسألة) * (ثم يجلس إلى فراغ الاذان ويجلس بين الخطبتين) لما روى ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد حتى يفرغ الاذان ثم يقوم فيخطب.
رواه أبو داود، وتكون الجلسة بين الخطبتين خفيفة وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم.
وقال الشافعي: واجبة ولنا أنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تكن واجبة كالاولى، وقد سرد الخطبة جماعة منهم المغيرة بن شعبة وأبي بن كعب قاله الامام احمد، وروي عن أبي اسحق قال: رأيت عليا يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ، فان خطب جالسا لعذر استحب أن يفصل بين الخطبتين بسكتة وكذلك إن خطب قائما فلم يجلس * (مسألة) * (ويخطب قائما) روي عن الامام احمد ما يدل على أن القيام في الخطبة واجب وهو مذهب الامام الشافعي.
فروى الاثرم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الخطبة قاعدا أو يقعد في احدى الخطبتين فلم يعجبه وقال.
قال الله تعالى (وتركوك قائما) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما، فقال له الهيثم ابن خارجة كان عمر بن عبد العزيز يجلس في خطبته فظهر منه انكار، ووجه ذلك ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبته وهو قائم يفصل بينهما بجلوس.
متفق عليه، وروى جابر ابن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فو الله صليت معه أكثر من ألفي صلاة، رواه مسلم.
وقال القاضي: تجزئه الخطبة قاعدا وقد نص عليه الامام احمد وهو مذهب أبي حنيفة لانه ذكر ليس من
شرطه الاستقبال فلم يجب له القيام كالاذان ولان المقصود يحصل بدونه وهذا اختيار أكثر أصحابنا * (مسألة) * (ويعتمد على سيف، أو قوس، أو عصا)
لما روى الحكم بن حزن قال.
وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات.
رواه أبو داود، فان لم يفعل استحب أن يسكن أطرافه، إما أن يضع يمينه على شماله أو يرسلهما ساكنتين إلى جنبيه * (مسألة) * (ويقصد تلقاء وجهه) لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولان المقصود في التفاته إلى أحد جانبيه الاعراض عن الجانب الآخر، فان خالف فاستدبر الناس واستقبل القبلة صحت الخطبة لحصول المقصود به كما لو أذن غير مستقبل القبلة.
قال ابن عقيل: ويحتمل أن لا يصح لانه ترك الجهة المشروعة أشبه ما لو استدبر القبلة في الصلاة، ولان مقصود الخطبة الموعظة وذلك لا يتم باستدبار الناس (فصل) ويستحب للناس أن يستقبلوا الخطيب إذا خطب.
قال الاثرم: قلت لابي عبد الله يكون الامام عن يميني متباعدا، فإذا أردت أن أنحرف إليه حولت وجهي عن القبلة، فقال نعم تنحرف إليه، وممن كان يستقبل الامام ابن عمر وأنس وهو قول أكثر العلماء منهم مالك والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي.
قال ابن المنذر: هذا كالاجماع.
وروي عن الحسن أنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الامام، وعن سعيد بن المسيب أنه كان لا يستقبل هشام بن اسماعيل إذا خطب فوكل به هشام شرطيا يعطفه إليه، والاول أولى لما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم.
رواه ابن ماجه، ولان ذلك أبلغ في اسماعهم فاستحب كاستقباله اياهم (فصل) ويستحب أن يرفع صوته ليسمع الناس.
قال جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول " صبحكم مساكم " ويقول " أما بعد فان خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم ويستحب ترتيب الخطبة وهو أن يبدأ بالحمد قبل الموعظة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ثم يثني على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يعظ، فان عكس ذلك صح لحصول المقصود
قال ابن عقيل: ويحتمل أن لا يجزئه لانهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة فلم يصحا منكسين كالاذان والاقامة
ويستحب أن يكون في خطبته مترسلا مبينا معربا لا يعجل فيها ولا يقطعها، وأن يكون متخشعا متعظا بما يعظ الناس به لانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عرض علي قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقيل لي هؤلاء خطباء من أمتك يقولون ما لا يفعلون * (مسألة) * (ويستحب تقصير الخطبة) لما روى عمار قال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة " رواه مسلم، وعن جابر بن سمره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة انما هي كلمات يسيرات.
رواه أبو داود * (مسألة) * ويستحب أن يدعو لنفسه والمسلمين والمسلمات والحاضرين، وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن وقد روى ضبة بن محصن أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمعر.
وقال القاضي لا يستحب ذلك لان عطاء قال: هو محدث وفعل الصحابة أولى من قول عطاء لان سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدعاء له دعاء لهم وذلك مستحب غير مكروه * (فصل) * وسئل الامام أحمد رحمه الله عمن قرأ سورة الحج على المنبر أيجزيه؟ قال لا لم يزل الناس يخطبون بالثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال لا تكون الخطبة إلا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أو خطبة تامة، ولان هذا لا يسمى خطبة ولا يجمع الشروط، فان قرأ آيات فيها حمد الله تعالى والموعظة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم صح لاجتماع الشروط * (فصل) * وإن قرأ سجدة في أثناء الخطبة فان شاء نزل فسجد وإن أمكنه السجود على المنبر سجد عليه وان ترك السجود فلا حرج فعله عمر وترك، بهذا قال الامام الشافعي ونزل عثمان وأبو موسى
وعمار والنعمان وعقبة بن عامر وبه قال أصحاب الرأي، وقال الامام مالك لا ينزل لانه تطوع بصلاة فلم يشتغل به في أثناء الخطبة كصلاة ركعتين ولنا فعل عمر وفعل من سمينا من الصحابة رضي الله عنهم ولانه؟؟؟ وجد سببها في أثناء الخطبة لا يطول الفعل بها فاستحب فعلها كحمد الله إذا عطس، ولا يجب ذلك لما قدمنا من ان سجود التلاوة غير واجب ويفارق صلاة ركعتين لان سببها لم يوخد في الخطبة ويطول بها الفصل * (فصل) * ويستحب الاذان إذا صعد الامام على المنبر بغير خلاف لانه قد كان يؤذن للنبي
صلى الله عليه وسلم.
قال السائب بن يزيد كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الامام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء رواه البخاري، فهذا النداء الاوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لقوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وهذا النداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزول الآية فتعلقت الاحكام به، والنداء الاول مستحب في أول الوقت، سنه عثمان رضي الله عنه وعملت به الامة بعده وهو للاعلام بالوقت، والثاني للاعلام بالخطبة، والثالث للاعلام بقيام الصلاة.
وذكر ابن عقيل ان الآذان الذي يوجب السعي ويحرم البيع هو الآذان الاول على المنارة والصحيح الاول * (فصل) * فأما من يكون منزله بعيدا لا يدرك الجمعة بالسعي وقت النداء فعليه السعي في الوقت الذي يكون مدركا للجمعة لكونه من ضرورة ادراكها وما لا يتم الواجب إلا به واجب كاستسقاء الماء من البئر للوضوء إذا احتاج إليه * (مسألة) * (ولا يشترط اذن الامام وعنه يشترط) الصحيح أن اذن الامام الاعظم ليس بشرط في صحة الجمعة وبه قال الامام مالك رحمه الله تعالى والامام الشافعي، والثانية هو شرط روي ذلك عن الحسن والاوزاعي وحبيب بن أبي ثابت والامام أبي حنيفة لانه لا يقيمها إلا الائمة في كل عصر فكان في ذلك إجماعا
ولنا أن عليا رضي الله عنه صلى الجمعة بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد، وصوب ذلك عثمان رضي الله عنه، فروى حميد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عدي بن الخيار انه دخل على عثمان وهو محصور فقال انه قد نزل بك ما ترى وأنت إمام العامة.
فقال الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسنوا فاحسن معهم وإذا أساؤا فاجتنب اساءتهم أخرجه البخاري والاثرم وهذا لفظه.
وقال الامام أحمد رحمه الله تعالى وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمعون ولانها من فرائض الاعيان فلم يشترط لها اذن الامام، وما ذكروه إجماعا لا يصح فان الناس يقيمون الجماعات في القرى من غير استئذان أحد، ثم لو صح انه لم يقع إلا ذلك لكان اجماعا على جواز ما وقع لا على تحريم غيره كالحج يتولاه الائمة وليس شرطا فيه، فان قلنا هو شرط فلم يأذن الامام لم تجز اقامتها وصلوا ظهرا، وإن أذن في اقامتها ثم عادت بطل اذنه، فان صلوا ثم بان انه مات قبل صلاتهم فهل تجزيهم صلاتهم على روايتين: أصحهما انها تجزيهم لان المسلمين في الامصار النائية عن بلد الامام لا يعيدون ما صلوا من الجمعات بعد؟ وته، ولا نعلم أحدا أنكر ذلك عليهم فكان اجماعا، ولان وجوب الاعادة يشق لعمومه في
أكثر البلدان، وإن تعذر اذن الامام لفتنة فقال القاضي ظاهر كلامه صحتها بغير اذن على كلتا الروايتين.
فعلى هذا انما يكون الاذن معتبرا عند امكانه ويسقط بتعذره * (فصل) * قال (وصلاة الجمعة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة بغير خلاف).
قال ابن المنذر أجمع المسلمون على ان صلاة الجمعة ركعتان، وجاء الحديث عن عمر انه قال صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى رواه الامام أحمد وابن ماجه * (مسألة) * (ويستحب أن يقرأ في الاولى بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين) يستحب أن يقرأ في الجمعة الفاتحة بهاتين السورتين وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور لما روي عن عبد الله بن رافع قال صلى بنا أبو هريرة الجمعة فقرأ سورة الجمعة في الركعة الاولى وفي الركعة الاخرى إذا جاءك المنافقون.
فلما قضى أبو هريرة الصلاة أدركته فقلت يا أبا هريرة قرأت سورتين كان علي يقرأ بهما في الكوفة.
فقال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في الجمعة رواه مسلم.
وإن قرأ في الثانية بالغاشية فحسن، فان الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة؟ قال كان يقرأ (هل أتاك حديث الغاشية) أخرجه مسلم.
وإن قرأ في الاولى بسبح وفي الثانية بالغاشية فحسن، فأن النعمان بن بشير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة (بسبح اسم ربك الاعلى.
وهل أتاك حديث الغاشية) فإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد قرأ بهما في الصلاتين أخرجه مسلم.
وقال مالك أما الذي جاء به الحديث هل أتاك حديث الغاشية مع سورة الجمعة والذي أدركت عليه الناس سبح اسم ربك الاعلى وحكي عن أبي بكر عبد العزيز انه يستحب أن يقرأ في الثانية سبح ولعله صار إلى ما حكاه مالك انه أدرك عليه الناس! واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، ومهما قرأ به فجائز حسن إلا أن الاقتداء به عليه الصلاة والسلام أحسن، ولان سورة الجمعة تليق بالجمعة لما فيها من ذكرها والامر بها والحث عليها * (فصل) * ويستحب أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (آلم السجدة.
وهل أتى على الانسان) نص عليه لما روى ابن عباس وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة (آلم تنزيل وهل أتى على الانسان حين من الدهر) رواه مسلم.
قال أحمد لا أحب المداومة عليها لئلا يظن الناس انها مفضلة بسجدة، ويحتمل أن يستحب لان لفظ الخبر يدل عليه ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملا أثبته
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: