الفقه الحنبلي - صلاة الايات - الميت
قال أصحابنا يصلى للزلزلة كصلاة الكسوف نص عليه وهو مذهب إسحق وأبي ثور.
قال القاضي ولا يصلى للرجفة
والريح الشديدة والظلمة ونحوها، وقال الآمدي يصلى لذلك ولرمي الكواكب والصواعق وكثرة المطر وحكاه عن ابن أبي موسى.
وقال أصحاب الرأي الصلاة لسائر الآيات حسنة لان النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه من آيات الله يخوف بها عباده، وصلى ابن عباس للزلزمة بالبصرة رواه سعيد.
وقال مالك والشافعي لا يصلى لشئ من الآيات سوى الكسوف لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل لغيره ولا خلفاؤه، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، ووجه الصلاة للزلزلة فعل ابن عباس وغيرها لا يصلى له لما ذكرنا والله أعلم * (باب صلاة الاستسقاء) * * (مسألة) * (وإذا أجدبت الارض وقحط المطر فزع الناس إلى الصلاة) صلاة الاستسقاء عند الحاجة إليها سنة مؤكدة لان النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وكذلك خلفاؤه، فروى عبد الله بن زيد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو
وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه.
وهذا قول سعيد بن المسيب وداود ومالك والاوزاعي والشافعي، وقال أبو حنيفة لا تسن صلاة الاستسقاء ولا الخروج إليها لان النبي صلى الله عليه وسلم استسقى على المنبر يوم الجمعة ولم يخرج ولم يصل لها، وليس هذا بشئ فانه قد ثبت بما رويناه من حديث عبد الله بن زيد، وروى أبو هريرة انه خرج وصلى وفعله صلى الله عليه وسلم ما ذكروه لا يمنع فعل ما ذكرنا.
قال ابن المنذر ثبت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة
الاستسقاء وهو قول عوام أهل العلم إلا أبا حنيفة وخالفه صاحباه واتبعا سائر العلماء، والسنة يستغنى بها عن كل قول، ولا ينبغي أن يعرج على ما خالفها * (مسألة) * (وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد) وجملة ذلك انه يستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد.
قالت عائشة شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى رواه أبو داود.
ولان الناس يكثرون فكان المصلى أرفق بهم، وهي ركعتان عند العاملين بها لا نعلم بينهم خلافا في ذلك.
واختلفت الرواية في صفتها فروي أنه يكبر فيها سبعا في الاولى وخمسا في الثانية كتكبير العيد وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وداود والشافعي، وحكى عن ابن عباس في حديثه ثم صلى ركعتين كما
يصلى العيد رواه أبو داود.
وروى الدارقطني عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كبر في الاولى سبع تكبيرات وقرأ سبح اسم ربك الاعلى وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر فيها خمس تكبيرات.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعا وخمسا رواه الشافعي، والثانية انه يصلي ركعتين كصلاة التطوع وهو مذهب مالك وأبي ثور والاوزاعي وإسحق لان عبد الله بن زيد قال صلى ركعتين ولم يذكر انه كبر سبعا وخمسا وروى أبو هريرة نحوه، وظاهره انه لم يكبر وهذا ظاهر كلام الخرقي ويسن أن يجهر فيهما بالقراءة لما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد، وأن يقرأ فيهما بسبح اسم ربك الاعلى، وهل أتاك حديث الغاشية لحديثي ابن عباس (فصل) ولا يسن لها أذان ولا اقامة لا نعلم بين أهل العلم خلافا فيه وقد روى أبو هريرة قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا اقامة رواه الاثرم ولانها نافلة فلم يؤذن لها كسائر النوافل.
قال أصحابنا وينادى لها الصلاة جامعة كالعيد وصلاة الكسوف، وليس لها وقت معين إلا انها لا تفعل في وقت النهى بغير خلاف لان وقتها متسع فلا يخاف
فوتها والاولى فعلها في وقت صلاة العيد لما روت عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدأ حاجب الشمس رواه أبو داود ولانها تشبهها في الموضع والصفة فكذلك في الوقت، وقال ابن عبد البر الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن حزم وهذا على سبيل الاختيار لا انه يتعين فعلها فيه * (مسألة) * (وإذا أراد الامام الخروج إليها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظلم والصيام والصدقة وترك التشاحن، لكون المعاصي سبب الجدب، والتقوى سبب البركات) قال الله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا وتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وقال مجاهد في قوله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا أمسك المطر، وقال هذا من شؤم بني آدم * (مسألة) * (وبعدهم يوما يخرجون فيه) لما روت عائشة قالت شكى الناس الي رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه رواه أبو داود * (مسألة) * (ويتنظف لها بالغسل والسواك وازالة الرائحة قياسا على صلاة العيد) ولا يتطيب لانه يوم استكانة وخشوع * (مسألة) * (ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا) السنة الخروج لصلاة الاستسقاء على الصفة المذكورة من التواضع والخشوع في ثياب بذلته، ولا يلبس ثياب زينه لانه يوم تواضع، ويكون متخشعا في مشيه وجلوسه متضرعا إلى الله تعالى متذللا راغبا إليه.
قال ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا
حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح * (مسألة) * (ويخرج معه أهل الدين والصلاح والشيوخ لانه أسرع للاجابة)
ويستحب الخروج لكافة الناس، فأما النساء فلا بأس بخروج العجائز منهن ومن لا هيئة لها.
وقال ابن حامد يستحب، فأما الشواب وذوات الهيئة فلا يستحب لهن لان الضرر في خروجهن أكثر من النفع، ولا يستحب اخراج البهائم لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله وبه قال أصحاب الشافعي لانه روى ان سليمان عليه السلام خرج يستسقى فرأى نملة مستلقية وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك.
فقال سليمان ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
وقال ابن عقيل والقاضي لا بأس به لذلك، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى * (مسألة) * (ويجوز خروج الصبيان كغيرهم من الناس) وقال ابن حامد يستحب اختاره القاضي فقال خروج الشيوخ والصبيان أشد استحبابا من الشباب لان الصبيان لا ذنوب عليهم * (مسألة) * (وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين) وجملة ذلك انه لا يستحب اخراج أهل الذمة لانهم أعداء الله الذين بدلوا نعمة الله كفرا فهم بعيدون من الاجابة، وإن أغيث المسلمون فربما قالوا هذا حصل بدعائنا واجابتنا، وإن خرجوا لم يمنعوا لانهم يطلبون أرزاقهم من ربهم فلا يمنعون من ذلك.
ولا يبعد أن يجيبهم الله تعالى لانه قد ضمن أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين، ويؤمر بالانفراد عن المسلمين لانه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعم من حضرهم، فان عادا استسقوا فأرسل الله عليهم ريحا صرصرا فأهلكتهم، فان قيل فينبغي أن يمنعوا الخروج يوم يخرج المسلمون لئلا يظنوا أن ما حصل من السقيا بدعائهم.
قلنا ولا يؤمن أن يتفق نزول الغيث يوم يخرجون وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم وربما فتن بهم غيرهم * (مسألة) * (فيصلي بهم ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد) قد ذكرنا الاختلاف في مشروعية صلاة الاستسقاء وصفتها، واختلفت الرواية في خطبة
الاستسقاء، وفي موضعها فروي انه لا يخطب وانما يدعو ويتضرع لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه لكن لم يزل في الدعاء والتضرع.
والمشهور أن فيها خطبة بعد الصلاة، قال أبو بكر اتفقوا عن
أبي عبد الله ان في صلاة الاستسقاء خطبة وصعودا على المنبر.
والصحيح انها بعد الصلاة وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن، قال ابن عبد البر وعليه جماعة الفقهاء لقول أبي هريرة صلى ركعتين ثم خطبنا لانها صلاة ذات تكبير فأشبهت صلاة العيدين، وفيها رواية ثانية انه يخطب قبل الصلاة.
روي ذلك عن عمر وابن الزبير وابان بن عثمان وهشام بن اسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم وبه قال الليث بن سعد وابن المنذر لما روى أنس وعائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب وصلى.
وعن عبد الله بن زيد قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقى فحول ظهره إلى الناس واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه.
وفيها رواية ثالثة انه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لورود الاخبار بكلا الامرين ودلالتها على
كلتا الصنفين، فحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الامرين، وأياما فعل ذلك فهو جائز لان الخطبة غير واجبة على جميع الروايات والاولى أن يخطب بعد الصلاة كالعيد وليكونوا قد فرغوا من الصلاة فان أجيب دعاؤهم وأغيثوا لم يحتاجوا إلى الصلاة في المطر، وقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم نفي لصفة الخطبة لا لاصلها بدليل قوله انما كان جل خطبته الدعاء والتضرع والتكبير، ويستحب أن يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد (فصل) والمشروع خطبة واحدة وبهذا قال عبد الرحمن بن مهدي، وقال مالك والشافعي يخطب كخطبتي العيدين لقول ابن عباس صنع النبي صلى الله عليه وسلم كما صنع في العيد، ولانها أشبهتها في صفة الصلاة فكذلك في صفة الخطبة ولنا قول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير وهذا يدل على
انه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ولان كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين.
والصحيح من حديث ابن عباس انه قال صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد، ولو كان النقل كما ذكروه فهو محمول على الصلاة بدليل أول الحديث، وإذا صعد المنبر للخطبة جلس وإن شاء لم يجلس لانه لم
ينقل ولا ها هنا أذان يجلس لفراغه * (مسألة) * (ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الامر به) يستحب أن يكثر في خطبته الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الايات التي فيها الامر بالاستغفار كقوله تعالى (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، يرسل السماء عليكم مدرارا) وكقوله (استغفروا ربكم انه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا) ولان الاستغفار سبب لنزول الغيث بدليل ما ذكرنا، والمعاصي سبب لانقطاع الغيث، والاستغفار والتوبة يمحوان المعاصي.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه انه خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار وقال لقد استسقيت بمجاديح السماء * (مسألة) * (ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم) يستحب رفع الايدي في دعاء الاستسقاء لما روى البخاري عن أنس قال كان النبي صلى الله
عليه وسلم لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا الاستسقاء فانه يرفع حتى يرى بياض أبطيه.
وفي حديث أنس أيضا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم.
ويستحب أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فروى عبد الله بن عمر ان رسول الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال " اللهم أسقنا غيثا مغيثا، هنيئا مريعا، غدقا محبللا، طبقا سحا دائما.
اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللآواء والجهد والصنك ما لا نشكوه إلا اليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وادر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وانزل علينا من بركاتك.
اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، وارفع عنا من البلاء مالا يكشفه غيرك.
اللهم إنا نستغفرك، انك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا " وروى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريئا مريعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل " رواه أبو داود.
قال الخطابي مربعا يروى على وجهين بالياء والباء، فمن رواه بالياه جعله من المراعة يقال أمرع المكان إذا أخصب ومن رواه بالباء مربعا كان معناه منبتا للربيع.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت شكى الناس إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوم يخرجون فيه وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال
" انكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر إبان زمانه عنكم، فقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم " ثم قال " الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغنى، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين.
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى يرى بياض أبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين " رواه أبو داود.
وروى ابن قتيبة باسناده في غريب الحديث عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج للاستسقاء فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الاعلى، وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية.
فلما قضى صلاته استقبل القبلة بوجهه وقلب رداءه ورفع يديه وكبر تكبيره قبل أن يستسقى ثم قال " اللهم اسقنا غيثا مغيثا، وحيا ربيعا، وجدا طبقا غدقا مغدقا مونقا هنيا مريا مريعا مربعا مرتعا، سابلا مسبلا، مجللا دائما، درورا نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل.
اللهم تحى به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد.
اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها.
اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحي به بلدة ميتا، واسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا " قال ابن قتيبة المغيث المحيي باذن الله تعالى، والحيا الذي تحيا به الارض
والمال، والجدا المطر العام ومنه أخذ جدا العطية، والجدا مقصورا، والطبق الذي يطبق الارض، والغدق والمغدق الكثير القطر، والمونق المعجب، والمريع ذو المراعة والخصب، والمربع من قولك ربعت بمكان كذا إذا أقمت فيه، واربع على نفسك ارفق، والمرتع من رتعت الابل إذا رعت، والسابل من السبل وهو المطر يقال سبل السابل كما يقال مطر ماطر، والرائث البطئ، والسكن القوة
لان الارض تسكن به * (مسألة) * (ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه ويجعل الايسر على الايمن والايمن على الايسر ويفعل الناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم) وجملة ذلك انه يستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة لما روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقى فتوجه إلى القبلة يدعو رواه البخاري.
وفي لفظ فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو.
ويستحب أن يحول رداءه حال أستقبال القبلة لان في حديث عبد الله بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقى فاستقبل القبلة يدعو وحول رداءه متفق عليه، ولمسلم فحول رداءه حين استقبل القبلة.
وقال أبو حنيفة لا يسن لانه دعاء فلا يستحب تحويل الرداء فيه كسائر الادعية وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع.
ويستحب التحويل للمأموم في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن سعيد بن المسيب وعروة والثوري ان التحويل مختص بالامام وهو قول الليث وأبي يوسف ومحمد لانه انما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه
ولنا ان ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل، كيف وقد عقد المعنى في ذلك وهو التفاؤل بقلب الرداء ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخطب، وقد جاء ذلك في بعض الحديث.
وروى الامام أحمد حديث عبد الله بن زيد وفيه انه عليه الصلاة والسلام تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرا لبطن وتحول الناس معه، إذا ثبت ذلك فصفة التقليب أن يجعل ما على اليمين على اليسار وما على اليسار على اليمين، روي ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وهشام بن اسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومالك وكان الشافعي يقول به ثم رجع فقال يجعل أعلاه أسفله لان النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل اسفلها أعلاها فلما ثقلت جعل العطاف الذي على الايسر على الايمن رواه أبو داود ولنا ما روى عبد الله بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم حول عطافه وجعل عطافه الايمن على عاتقه الايسر وجعل عطافه الايسر على عاتقه الايمن رواه أبو داود.
وفي حديث أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قلب رداءه فجعل الايمن على الايسر والايسر على الايمن رواه الامام أحمد وابن ماجه، والزيادة التي نقلوها إن ثبتت فهي ظن الراوي لا يترك لها فعل النبي صلي الله عليه وسلم وقد نقل التحويل جماعة لم ينقل أحد منهم انه جعل أعلاه أسفله، ويبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك في جميع الاوقات لثقل الرداء * (مسألة) * (ويدعو سرا حال استقبال القبلة) فيقول اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كم أمرتنا، فاستحب لنا
كما وعدتنا، اللهم فامنن علينا بمغفرة ذنوبنا واجابثنا في سقيانا وسعة أرزاقنا.
ثم يدعو بما شاء من أمر دين أو دنيا، وانما استحب الاسرار ليكون أقرب إلى الاخلاص وأبلغ في الخشوع والخضوع والتضرع وأسرع في الاجابة قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) واستحب الجهر ببعضه ليسمع الناس فيؤمنون على دعائه (فصل) ويستحب أن يستسقي بمن ظهر صلاحه لانه أقرب إلى اجابة الدعاء، وقد استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى ابن عمر قال استسقى عمر عام الرمادة بالعباس فقال اللهم إن هذا عم نبيك صلى الله عليه وسلم نتوجه اليك به فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله عزوجل، وروي ان معاوية خرج يستسقي فلما جلس على المنبر قال أين يزيد بن الاسود؟ فقام يزيد فدعاه معاوية فأجلسه عند رجليه ثم قال: اللهم إنا نتشفع اليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الاسود.
ارفع يديك.
فرفع يديه ودعا الله، فثارت في الغرب سحابة مثل الترس، وهبت لها ريح فسقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم.
واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى * (مسألة) * (فان سقوا وإلا عادوا ثانيا وثالثا، وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله) وبهذا قال مالك والشافعي.
وقال إسحق لا يخرجون إلا مرة واحدة لانه صلى الله عليه وسلم انما خرج مرة واحدة، ولكن يجتمعون في مساجدهم فإذا فرغوا من الصلاة ذكروا الله تعالى ودعوا
ويدعو الامام يوم الجمعة على المنبر ويؤمن الناس
ولنا أن هذا أبلغ في الدعاء والتضرع.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " إن الله يحب الملحين في الدعاء " وأما النبي صلى الله عليه وسلم فانما لم يخرج ثانيا لاستغنائه باجابته أول مرة، والخروج في المرة الاولى آكد مما بعدها لورود السنة بها (فصل) فان تأهبوا فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا وشكروا الله وحمدوه على نعمته، وسألوه المزيد من فضله.
وقال القاضي وابن عقيل يخرجون ويصلون شكرا لله تعالى، وان كانوا قد خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا شكروا الله تعالى وحمدوه قال الله تعالى (لئن شكرتم لازيدنكم) ويستحب الدعاء عند نزول الغيث لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: عند التقاء الجيوش، واقامة الصلاة، ونزول الغيث " وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال " صيبا نافعا " رواه البخاري * (مسألة) * (وينادى لها الصلاة جامعة) كذلك ذكره أصحابنا قياسا على صلاة الكسوف * (مسألة) * (وهل من شرطها اذن الامام على روايتين) احداهما لا يستحب إلا إذا خرج الامام أو رجل من قبله، فان خرجوا بغير اذن الامام فقال أبو بكر يدعون وينصرفون بلا صلاة ولا خطبة نص عليه أحمد والثانية لا يشترط ويصلون لانفسهم ويخطب بهم أحدهم.
فعلى هذه الرواية يشرع الاستسقاء في حق كل أحد مقيم ومسافر وأهل القرى والاعراب قياسا على صلاة الكسوف.
ووجه الاولى ان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها وانما فعلها على صفة وهو انه صلاها بأصحابه فلم يتعدى تلك الصفة وكذلك فعل خلفاؤه ومن بعدهم بخلاف صلاة الكسوف فانه أمر بها
* (مسألة) * (ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها لما روى أنس ابن
مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل على منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته رواه البخاري وعن ابن عباس انه كان إذا أمطرت السماء قال لغلامه " اخرج رحلي وفراشي يصيبه المطر " ويستحب أن يتوضأ من ماء المطر إذا سال السيل، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان إذا سال السيل قال " اخرجوا بنا إلى هذا الذي جلعه الله طهورا فنتطهر " (فصل) قال القاضي وابن عقيل إذا نقصت مياه العيون في البلد الذي يشرب منها أو غارت وتضرر الناس بذلك استحب الاستسقاء كما يستحب لانقطاع المطر، وقال أصحابنا لا يستحب لانه لم ينقل والله أعلم (فصل) والاستسقاء ثلاثة أضرب ذكرها القاضي: أحدها الخروج والصلاة كما وصفنا وهو أكملها، والثاني استسقاء الامام يوم الجمعة على المنبر لما روى أنس ان رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم قال يا رسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال " اللهم أغثنا، اللهم أغثنا " قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة، ولا شئ بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت.
فلا والله ما رأينا الشمس سبتا، ثم دخل من ذلك الباب رجل في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبله قائما وقال يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله
أن يمسكها.
قال فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الاودية ومنابت الشجر " قال فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس متفق عليه.
والثالث أن يدعوا الله تعالى عقيب صلواتهم في خلواتهم * (مسألة) * وإذا زادت المياه فخيف منها استحب له أن يقول اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على
الظراب والآكام وبطون الاودية ومنابت الشجر، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به الآية لما ذكرنا
من الحديث.
وكذلك ان زادت مياه العيون بحيث يضر استحب لهم أن يدعوا الله ليخففه عنهم
ويصرفه إلى أماكن ينفع ولا يضرر لان الضرر بزيادة المطر أحد الضررين فاستحب الدعاء لازالته وانقطاعه كالاخر.
(فصل) وإذا جاء المطر استحب أن يقول مطرنا بفضل الله ورحمته ولا يقول مطرنا بنوء كذا لانه كما جاء في الحديث
كتاب الجنائز يستحب ذكر الموت لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " أكثروا ذكر هاذم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل الا كثره " روى البخاري أوله.
قال ابن عقيل معناه متى ذكر في قليل من الرزق استكثره الانسان لاستقلال ما بقي من عمره، ومتى ذكره في كثير قلله لان كثير الدنيا إذا علم انقطاعه بالموت قل عنده.
ويستحب الاستعداد للموت قال الله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وإذا مرض الانسان استحب أن يصبر لما وعد الله الصابرين من الاجر قال الله تعالى (وانما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ويكره الانين لانه روي عن طاوس كراهته، ولا يتمنى الموت لضر نزل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، ويقول اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " متفق عليه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، ويحسن ظنه بربه تعالى لما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول " لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن
بالله عزوجل " رواه مسلم بمعناه وأبو داود.
وقال معتمر عن أبيه انه قال عند موته: حدثني بالرخص * (مسألة) * (ويستحب عيادة المريض وتذكيره التوبة والوصية)
عيادة المريض مستحبة لما روى البراء قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع.
أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وذكر الحديث رواه البخاري ورواه مسلم بمعناه.
وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم يعود مسلما الا ابتعث الله له سبعون ألف ملك يصلون عليه أي ساعة من النهار كانت حتى يمسى، وأي ساعة من الليل كانت حتى يصبح " رواه الامام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وزاد وكان له خريف في الجنة، وقال حديث حسن غريب.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عاد مريضا نادى مناد من السماء طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا " رواه الترمذي وابن ماجه وهذا لفظه، وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله عزوجل يقول يوم القيامة يا ابن مرضت فلم تعدني.
قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت ان عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت انك لو عدته لوجدتني عنده " وذكر الحديث رواه مسلم.
وإذا دخل على المريض سأل عن حاله ودعا له ورقاه.
قال ثابت لانس يا أبا حمزة اشتكيت.
قال أنس أفلا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال بلى، قال " اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي، شفاء لا يغادر سقما " وروى أبو سعيد.
قال " أتى جبريل النبي صلى الله عليه
وسلم فقال يا محمد اشتكيت؟ قال نعم.
قال بسم الله أرقيك، من كل شئ يؤذيك، من شر كل نفس وعين حاسدة الله يشفيك " قال أبو زرعة كلا الحديثين صحيح.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الاجل، فانه لا يرد من قضاء الله شيئا، وانه يطيب نفس المريض " رواه ابن ماجه (فصل) ويستحب أن يرغبه في التوبة من المعاصي والخروج من المظالم وفي الوصية، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شئ يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده " متفق عليه * (مسألة) * (وإذا نزل به تعاهد بل حلقه بماء أو شراب ويندي شفتيه بقطنة)
يستحب أن بلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأنقاهم لله تعالى، فإذا رآه منزولا به تعاهد بل حلقه بتقطير ماء أو شراب فيه ويندي شفتيه بقطنة لانه ربما ينشف حلقه من شدة ما نزل به فيعجز عن الكلام * (مسألة) * (ويستحب أن يلقنه قول لا إله إلا الله مرة) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " رواه مسلم.
وقال الحسن سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال أفضل؟ فقال " أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله " رواه سعيد بن منصور
* (مسألة) * (ولا يزيد على ثلاث لئلا يضجره إلا أن يتكلم بعده بشئ فيعيد تلقينه بلطف ومداراة ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله نص عليه أحمد وروي عن عبد الله بن المبارك انه لما حضره الموت جعل رجل يلقنه لا إله الا الله فأكثر عليه.
فقال له عبد الله إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم: قال الترمذي انما أراد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من كان آخر كلامه لا إله الا الله دخل الجنة " رواه أبو داود.
وروى باسناده عن معاذ بن جبل انه لما حضرته الوفاة قال: اجلسوني.
فلما أجلسوه قال: كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أخبؤها ولو لا ما حضرني من الموت ما أخبرتكم بها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كان آخر قوله عند الموت أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له إلا هدمت ما كان قبلها من الخطايا والذنوب فلقنوها موتاكم " فقيل يا رسول الله فكيف هي للاحياء؟ قال " هي أهدم وأهدم " * (مسألة) * (ويقرأ عنده سورة يس) لما روى معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأوا (يس) على موتاكم " رواه أبو داود.
وقال أحمد ويقرءون عند الميت إذا حضر ليخفف عنه بالقرآن يقرأ (يس) وأمر بقراءة فاتحة الكتاب.
وروى الامام أحمد " (يس) قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة
إلا غفر له واقرأوها على مرضاكم " * (مسألة) * (ويوجهه إلى القبلة) التوجيه إلى القبلة عند الموت مستحب.
وهو قول عطاء والنخعي ومالك وأهل المدينة والاوزاعي وأهل الشام والشافعي وإسحق وأنكره سعيد بن المسيب فانهم لما أرأدوا أن يحولوه إلى القبلة قال: ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا؟ والاول أولى لان حذيفة قال وجهوني.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " خير المجالس ما استقبل به القبلة " ولان فعلهم ذلك بسعيد دليل على انه كان مشهورا بينهم يفعله المسلمون بموتاهم.
وصفة توجيهه إلى القبلة أن يوضع على جنبه الايمن كما يوضع
في اللحد إن كان المكان واسعا وهذا مذهب الشافعي لان هكذا استقبل المصلى على جنبه، وإن كان المكان ضيقا جعل على ظهره ويجعل رأسه على موضع مرتفع ليتوجه نحو القبلة، هكذا ذكره القاضي ويحتمل أن يجعل على ظهره، بكل حال ويحتمله كلام الخرقي لقوله وجعل على بطنه مرآة أو غيرها، وانما يمكن ذلك إذا كان على ظهره.
ويستحب تطهير ثياب الميت قبل موته، لان أبا سعيد لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها " (1) رواه أبو داود * (مسألة) * (فإذا مات أغمض عينيه وشد لحييه ولين مفاصله وخلع ثيابه وسجاه بثوب يستره وجعل على بطنه مرآة أو نحوها ووضعه على سرير غسله متوجها منحدرا نحو رجليه) يستحب تغميض الميت عقيب الموت، ويستحب لمن حضر الميت أن لا يتكلم إلا بخير، لما روت أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: " ان الروح إذا قبض تبعه البصر " فضج ناس من أهله فقال " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فان الملائكة يؤمنون على ما تقولون " ثم قال " اللهم اغفر لابي سلمة وارفع درجته في المقربين واخلفه
__________
(1) الحديث معارض بما ثبت في الصحاح من ان الناس يبعثون حفاة عراة، وتأول بعضهم الثياب بالعمل فيكون بمعنى " يبعث كل عبد على ما مات عليه " كما ثبت في صحيح مسلم
في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه " رواه مسلم.
وروى شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حضرتم موتاكم فاغمضوا البصر فان البصر يتبع الروح، وقولوا خيرا فانه يؤمن على ما قال أهل الميت " رواه الامام أحمد في المسند.
ويستحب شد ذقنه بعصابة عريضة يربطها من فوق رأسه، لان الميت إذا كان مفتوح العينين والفم قبح منظره، ولا يؤمن دخول الهوام فيه والماء في وقت غسله.
قال بكر بن عبد الله المزني ويقول الذي يغمضه: بسم الله وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل على بطنه شئ من الحديد كالمرآة ونحوها لئلا ينتفخ بطنه ويلين مفاصله وهو أن يردد ذراعيه إلى عضديه وعضديه إلى جنبيه ثم يرددهما ويرد ساقيه إلى فخذيه وفخذيه إلى بطنه ثم يرددهما ليكون ذلك أبقى للينه فيكون أمكن للغاسل في تمكينه وتمديده.
قال أصحابنا ويستحب ذلك عقيب موته قبل قسوتها ببرودته، فان شق عليه ذلك تركه، ويخلع ثيابه لئلا يحمى فيسرع إليه الفساد والتغير ويسجيه بثوب يستره لما روت عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة، متفق عليه، ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به بأرفق ما يقدر عليه.
قال أحمد تغمض المرأة عينيه إذا كانت ذات محرم، قال ويكره للحائض
والجنب تغميضه وأن يقرباه وكره ذلك علقمة، وروي نحوه عن الشافعي، وكره الحسن وابن سيرين وعطاء أن تغسل الحائض والجنب الميت ونحوه قال مالك، وقال ابن المنذر يغسله الجنب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن لا ينجس " ولا نعلم بينهم خلافا في صحة تغسيلهما وتغميضهما له، ولكن الاولى أن يكون المتولي لذلك طاهرا لانه أكمل وأحسن، ويوضع على سرير غسله أو لوح لانه أحفظ له ولا يدعه على الارض لئلا يسرع إليه التغير بسبب نداوة الارض، ويكون متوجها منحدرا نحو رجليه لينصب عنه ماء الغسل وما يخرج منه ولا يستنقع تحته فيفسده * (مسألة) * (ويسارع في قضاء دينه) لما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " رواه الامام احمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن.
وعن سمرة قال: صلى نبي الله صلى الله عليه
وسلم الصبح فقال " ها هنا أحد من بني فلان؟ " قالوا نعم.
قال " فان صاحبكم محتبس على باب الجنة في دين عليه " رواه الامام أحمد، وإن تعذر ايفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه كما فعل أبو قتادة لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ولم يصل عليها، قال أبو قتادة: صل عليها يا رسول الله وعلي دينه رواه البخاري * (مسألة) * (ويسارع في تفريق وصيته ليتعجل له ثوابها يجريانها على الموصى له) * (مسألة) * (ويستحب المسارعة في تجهيزه إذا تيقن موته لانه أصون له وأحفظ له من التغيير) قال أحمد كرامة الميت تعجيله لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إني لارى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فانه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " رواه أبو داود.
ولا بأس أن ينتظر بها مقدار ما يجتمع لها جماعة لما يؤمل من الدعاء له إذا صلى عليه ما لم يخف عليه أو يشق على الناس نص عليه أحمد، وإن شك في أمر الميت اعتبر بظهور أمارات الموت من انفصال كفيه واسترخاء رجليه وميل أنفه وانخساف صدغيه وامتداد جلدة وجهه، فان مات فجأة كالمصعوق أو خائف
من حرب أو سبع أو تردى من جبل انتظر به هذه العلامات حتى يتيقن موته.
قال الحسن في المصعوق ينتظر به ثلاثا.
قال أحمد وربما تغير في الصيف في اليوم والليلة.
قال فكيف تقول؟ قال يترك بقدر ما يعلم انه ميت.
قيل له من غدوة إلى الليل؟ قال نعم * (فصل في غسل الميت) * * (مسألة) * (غسل الميت ودفنه وتكفينه والصلاة عليه فرض كفاية) لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته راحلته " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوب " متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " ودفنه فرض كفاية لان في تركه أذى للناس به وهتك حرمته، وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا * (مسألة) * (وأحق الناس به وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الاقرب فالاقرب من عصباته ثم ذوا أرحامه إلا الصلاة عليه فان الامير أحق بها بعد وصيه)
أحق الناس بغسل الميت وصيه في ذلك.
وقال أصحاب الشافعي: أولى الناس بغسل الميت عصباته الاقرب فالاقرب، فان كان له زوجة فهل تقدم على العصبات؟ فيه وجهان ولنا على تقديم الوصي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين فقدما بذلك، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة ولانه حق للميت فقدم فيه وصيه على غيره كتفريق ثلثه (فصل) فان لم يكن له وصي فالعصبات أولى الناس به وأولاهم أبوه ثم جده وان علا، ثم ابنه ثم ابن ابنه وان نزل، ثم الاقرب فالاقرب من عصباته على ترتيب الميراث لانهم أحق بالصلاة عليه (فصل) وأحق الناس بالصلاة عليه وصيه، وهذا قول سعيد بن زيد وأنس وأبي برزة وزيد ابن أرقم وأم سلمة.
وقال الثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة تقدم العصبات لانها ولاية تترتب بترتيب العصبات فالولي فيها أولى كولاية النكاح ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم فان أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر قاله أحمد.
قال وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وأبو بكرة أوصى أن يصلي عليه أبوبرزة، وقال غيره عائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة، وابن مسعود أوصى أن يصلى عليه الزبير، وأبو سريحة أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم، فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم فيصلي عليها.
فقال ابنه أيها الامير ان أبي أوصى أن يصلى عليه زيد بن أرقم.
فقدم زيدا.
وهذه قضايا اشتهرت ولم يظهر لها مخالف فكانت إجماعا.
ولانه حق للميت فانها شفاعة له فقدم وصيه فيها كتفريق ثلثه، وولاية النكاح يقدم عندنا فيها الوصي أيضا على الصحيح، وان سلمت
فليست حقا له، انما هي حق للمولى عليه، ولان الغرض في الصلاة الدعاء والشفاعة إلى الله عزوجل، فالميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحا وأقرب اجابة بخلاف ولاية النكاح، فان كان الوصي فاسقا أو مبتدعا لم يقبل الوصية كما لو كان الوصي ذميا، وان كان الاقرب إليه كذلك لم يقدم وصلى غيره كما يمنع من التقديم في الصلوات الخمس
* (مسألة) * (والامير أحق بالصلاة عليه بعد الوصي) وقال به أكثر أهل العلم.
وقال الشافعي في أحد قوليه يقدم الولي قياسا على تقديمه في النكاح ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يومن الرجل في سلطانه " وقال أبو حازم شهدت حسينا حين مات الحسن يدفع في قفا سعيد بن العاص ويقول تقدم لو لا السنة ما قدمتك.
وسعيد أمير المدينة وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى أحمد باسناده عن عماد مولى بني هاشم قال شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي وزيد بن عمرو فصلى عليهما سعيد بن العاص وكان أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم ابن عمر والحسن والحسين.
وقال علي رضي الله عنه: الامام أحق من صلى على الجنازة، وعن ابن مسعود نحو ذلك، وهذا أشهر ولم ينكر فكان اجماعا ولانها صلاة شرعت فيها الجماعة فقدم فيها الامير كسائر الصلوات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يصلون على الجنائز، ولم ينقل الينا انهم استأذنوا أولياء الميت في التقديم والمراد بالامير ها هنا الامام، فان لم يكن فالامير من جهته، فان لم يكن فالنائب من قبله في الامامة فان لم يكن فالحاكم (فصل) وأحق الناس بالصلاة بعد ذلك العصبات وأحقهم الاب ثم الجد أبو الأب وان علا ثم الابن ثم ابنه وان نزل، ثم الاخ العصبة ثم ابنه ثم الاقرب فالاقرب ثم المولى المعتق ثم عصباته، هذا الصحيح من المذهب.
وقال أبو بكر، في تقديم الاخ على الجد قولان، وحكي عن مالك تقديم الابن على الاب لانه أقوى تعصيبا منه، والاخ على الجد لانه يدلي بالابن والجد يدلي بالاب ولنا انهما استويا في الادلاء، والاب أرق وأشفق، ودعاؤه لابنه أقرب إلى الاجابة، فكان أولى كالقريب مع البعيد، ولان المقصود بالصلاة الدعاء للميت والشفاعة له بخلاف الميراث (فصل) وان اجتمع زوج المرأة وعصباتها فأكثر الروايات عن أحمد تقديم العصبات، وهو ظاهر كلام الخرقي وقول سعيد بن المسيب والزهري ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها منه، وروي عن أحمد تقديم العصبات، قال ابن عقيل وهي أصح لان أبا بكر صلى على زوجته ولم يستأذن اخوتها، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول الشعبي
وعطاء وعمر بن عبد العزيز وإسحق
ولنا انه يروى عن عمر انه قال لاهل امرأته: أنتم أحق بها، ولان الزوج قد زالت زوجيته بالموت فصار أجنبيا والقرابة لم تزل، فعلى هذه الرواية ان لم يكن لها عصبات فالزوج أولى لان له سببا وشفقة فكان أولى من الاجنبي (فصل) فان اجتمع أخ من أبوين، وأخ من أب، ففي تقديم الاخ من الابوين أو التسوية وجهان بناء على الروايتين في ولاية النكاح والحكم في الاعمام وأولادهم وأولاد الاخوة كذلك فان انقرض العصبة فالمولى المنعم، ثم عصباته ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الاقرب فالاقرب ثم الاجانب، فان استوى وليان في الدرجة فأحقهما أولاهما بالامامة في المكتوبات، وقال القاضي يحتمل تقديم الاسن وهو ظاهر مذهب الشافعي لانه أقرب إلى اجابة الدعاء وأعظم عند الله قدرا، والاول أولى لقوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وفضيلة السن معارضة بفضيلة العلم وقد رجحها الشارع في سائر الصلوات مع انه يقصد فيها اجابة الدعاء والحظ للمأمومين، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال " أئمتكم شفعاؤكم " ولا يسلم ان المسن الجاهل أعظم قدرا عند الله من العالم والاقرب اجابة، فان استووا وتشاحوا اقرع بينهم كما في سائر الصلوات (فصل) ومن قدمه الولي فهو بمنزلته، لانها ولاية ثبتت له فكانت له الاستنابة فيها كولاية النكاح (فصل) وان كان القريب عبدا فالحر البعيد أولى منه لان العبد لا ولاية له في النكاح ولا المال، كذلك هذا.
فان اجتمع صبي ومملوك ونساء، فالمملوك أولى لانه تصح امامته بهما، فان لم يكن الا نساء وصبيان فقياس المذهب انه لا يصح أن يؤم أحد الجنسين الآخر، ويصلي كل نوع لانفسهم وامامهم منهم، ويصلي النساء جماعة وامامتهن في وسطهن نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يصلين منفردات لا يسبق بعضهن بعضا، وان صلين جماعة جاز ولنا انهن من أهل الجماعة فسن أن يصلين جماعة كالرجال، وما ذكروه من كونهن منفردات لا يسبق بعضهن بعضا تحكم لا يصار إليه الا بدليل، وقد صلي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على سعد
ابن أبي وقاص رواه مسلم (فصل) فان اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم فيمن يتقدم للصلاة عليهم قدم أولاهم بالامامة في الفرائض وقال القاضي يقدم من سبق ميته ولنا انهم تساووا فأشبهوا الاولياء إذا تساووا في الدرجة مع قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وان أراد ولي كل ميت افراد ميته بصلاة جاز * (مسألة) * (وأحق الناس بغسل المرأة وصيها ثم الاقرب فالاقرب من نسائها أمها ثم بنتها ثم بناتها ثم أخواتها كما ذكرنا في حق الرجل)
وكل من لها رحم ومحرم بحيث لو كانت رجلا لم يحل له نكاحها أولى بها ممن لا رحم لها وبعدها التي لها رحم وليست بمحرم، كبنات العم والعمات وبنات الخال والخالة، فهن أولى من الاجانب، وبهذا قال الشافعي ان لم يكن لها زوج، فان كان لها زوج فهل يقدم على النساء؟ فيه وجهان: أحدهما يقدم لانه ينظر منها إلى ما لا ينظر النساء، والثاني يقدم النساء على الزوج لان الزوجية تزول بالموت والرحم لا يزول كما ذكرنا في حق الرجل * (مسألة) * ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في احدى الروايتين، كذلك السيد مع سريته) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله تعالى في غسل كل واحد من الزوجين الآخر، فروي عنه الجواز فيهما نقلها عنه حنبل، وروى عنه المنع مطلقا حكاها ابن المنذر، وروي عنه التفرقة وهو جواز غسل الزوج دون الزوجة، والقول بجواز غسل المرأة زوجها قول أهل العلم حكاه ابن المنذر اجماعا، قالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نساؤه رواه أبو داود، وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس ففعلت، وغسل أبا موسى امرأته أم عبد الله، قال أحمد ليس فيه اختلاف بين الناس، وعنه لا يجوز، حكى عنه صالح ما يدل على ذلك لانها فرقة بين الزوجين أشبهت الطلاق، ولانها أحد الزوجين أشبهت الآخر (فصل) والمشهور عن أحمد جواز غسل الرجل زوجته، وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن يزيد
وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي سلمة وأبي قتادة وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحق، وعن أحمد رواية ثانية، ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة والثوري لان الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق ولنا ما روى ابن المنذر أن عليا رضي الله عنه غسل فاطمة عليها السلام واشتهر ذلك فلم ينكر فكان اجماعا، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة " لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك " رواه ابن ماجه، والاصل في إضافة الفعل إلى الشخص أن يكون للمباشرة فان حمله على الامر يبطل فائدة التخصيص، ولانه أحد الزوجين فأبيح له غسل صاحبه كالآخر.
والمعنى في ذلك ان كل واحد من الزوجين يسهل عليه اطلاع الآخر على عورته لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على ما يمكنه لما كان بينهما من المودة والرحمة، وما قاسوا عليه لا يصح لانه يمنع الزوجة من النظر بخلاف هذا ولانه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة.
ولو وضعت حملها عقيب موته كان لها غسله وقد انقضت عدتها * (فصل) * فان طلق امرأته طلاقا بائنا ثم مات أحدهما في العدة لم يجز لواحد منهما غسل الآخر لان اللمس والنظر محرم حال الحياة فبعد الموت أولى، وإن كان الطلاق رجعيا وقلنا الرجعية محرمة فكذلك، وان قلنا هي مباحة فحكمها حكم الزوجين لانها ترثه ويرثها ويباح له وطؤها والخلوة والنظر
إليها أشبه سائر الزوجات (فصل) وحكم أم الولد حكم الزوجة فيما ذكرنا، واختار ابن عقيل انه لا يجوز لها غسل سيدها لانها عتقت بموته، ولم يبق علقة من ميراث ولا غيره، وهو قول أبي حنيفة واحد الوجهين لاصحاب الشافعي ولنا انها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع فكذلك في الغسل، والميراث ليس من جملة المقتضي بدليل ما لو كان أحد الزوجين رقيقا والاستبراء ها هنا كالعدة.
فأما غيرها من الاءماء فيجوز لسيدها غسلها في أصح الروايتين.
ذكره أبو الخطاب لانه يلزمه كفنها ودفنها ومؤنتها فهي أولى من الزوجة، وهل يجوز لها غسل سيدها؟ قال شيخنا: يحتمل أن لا يجوز لان الملك انتقل فيها إلى غيره، ويحتمل أن يجوز ذلك لسريته لانها محل استمتاعه ويلزمها الاستبراء بعد موته أشبهت أم الولد،
فان مات الزوج قبل الدخول بامرأته احتمل أن لا يباح لها غسله لانه لم يكن بينهم استمتاع حال الحياة (فصل) فان كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها، لان الكافر لا يغسل المسلم، لان النية واجبة في الغسل ولا تصح من الكافر.
وقال الشافعي يكره لها غسله، فان غسلته جاز لان القصد التنظيف، وليس لزوجه غسلها لان المسلم لا يغسل الكافر، ولا يتولى دفنه ما يأتي، ولانه لا ميراث بينهما ولا موالاة، وقد انقطعت الزوجية بالموت، ويتخرج جواز ذلك بناء على غسل المسلم الكافر وهو مذهب الشافعي (فصل) وليس لغير من ذكرنا من الرجال غسل أحد من النساء، ولا لاحد من النساء غسل غير من ذكرنا من الرجال، وإن كن ذات رحم محرم، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقد روي عن أحمد انه حكي له عن أبي قلابة غسل ابنته فاستعظم ذلك ولم يعجبه، وذلك انها محرمة حال الحياة فلم يجب غسلها كالاجنبية وأخته من الرضاع، فان لم يوجد من يغسلها من النساء فقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يغسل أخته إذا لم يجد نساء؟ قال لا.
قلت فكيف يصنع؟ قال يغسلها وعليها ثيابها يصب الماء صبا.
قلت لاحمد وكذلك كل ذات محرم تغسل وعليها ثيابها؟ قال نعم.
وذلك لانه لا يحل مسها، والاولى انها تيمم كالاجنبية.
لان الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف، ولا إزالة النجاسة.
بل ربما كثرت أشبه ما لو عدم الماء.
وقال الحسن ومحمد ومالك والشافعي لا بأس بغسل ذات محرمه عند الضرورة * (مسألة) * (وللرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين وفي ابن السبع وجهان) أما غسل النساء للطفل الصغير فهو اجماع حكاه ابن المنذر، واختلف أهل العلم في حده فقال أحمد لهن غسل من له دون سبع سنين.
وقال الحسن إذا كان فطيما أو فوقه، وقال الاوزاعي ابن أربع أو خمس، وقال أصحاب الرأي الذي لم يتكلم
ولنا أن من له دون سبع سنين لم يؤمر بالصلاة، ولم يخير بين أبويه، ولا عورة له أشبه ما لو سلموه فأما من بلغ السبع ففيه وجهان (أحدهما) يجوز اختاره أبو بكر لانه غير مكلف أشبه ما قبل السبع،
(والثاني) لا يجوز اختاره ابن حامد وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الاثرم، وقيل سئل عن غلام ابن سبع سنين تغسله المرأة؟ فقال هو ابن سبع وهو يؤمر بالصلاة، ولو كان أقل من سبع كان أهون عندي، وحكى أبو الخطاب فيمن بلغ السبع روايتين، والصحيح ان من بلغ عشرا ليس للنساء غسله لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وفرقوا بينهم في المضاجع " وأمر بضربهم على الصلاة لعشر، فاما من بلغ السبع والعشر ففيه احتمالان ووجههما ما ذكرنا، وأما الجارية إذا لم تبلغ سبعا فقال القاضي وأبو الخطاب يجوز للرجال غسلها، وقال الخلال: القياس التسوية بينهما لكل واحد منهما على الآخر فعلى قولنا حكمها حكم الغلام، ولا يغسل الرجل من بلغت عشرا لما ذكرنا في الصبي ويحتمل أن يحد ذلك بتسع في حق الجارية لقول عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة وفيما قبل ذلك الوجهان، ونقل عن أحمد رحمه الله كراهة ذلك وقال النساء أعجب الي، وذكر له أن الثوري قال: تغسل المرأة الصبي والرجل الصبية، فقال لا بأس أن تغسل المرأة الصبى، وأما الرجل يغسل الصبية فلا أجترئ عليه إلا أن يغسل الرجل ابنته الصغيرة، ويروى عن أبي قلابة انه غسل ابنة له صغيرة وهو قول الحسن، وكره غسل الرجل الصغيرة سعيد والزهرى، قال شيخنا: وهذا أولى من قول الاصحاب، لان عورة الجارية أفحش من عورة الغلام، ولان العادة مباشرة المرأة للغلام الصغير، والنظر إلى عورته في حال تربيته ومسها، ولم تجر العادة للرجل بمباشرة عورة الجارية حال الحياة فكذلك حالة الموت، وهذا اختيار شيخنا والله أعلم (فصل) ويصح أن يغسل المحرم الحلال والحلام المحرم لان كل واحد منهما تصح طهارته وغسله * (مسألة) * (وإذا مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل يمم في أصح الروايتين وفي الاخرى يصب عليه الماء من فوق قميص ولا يمس) إذا مات رجل بين نسوة أجانب، أو امرأة بين رجال أجانب، أو مات خنثى مشكل، فانه ييمم في الصحيح من المذهب.
وهذا قول سعيد بن المسيب والنخعي وحماد ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي، والوجه الثاني يغسل في قميص ويجعل الغاسل على يده خرقة وفيه رواية أخرى انه يغسل من فوق القميص يصب عليه الماء صبا ولا يمس، وهو قول الحسن وإسحق
ولنا ما روى واثلة بن الاسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال " ولان الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف
ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت، ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أولى، كما لو عدم الماء فأما ان ماتت الجارية بين محارمها الرجال فقد ذكرناه * (مسألة) * (ولا يغسل مسلم كافرا ولا يدفنه إلا أن لا يجد من يواريه غيره) إذا مات كافر مع مسلمين لم يغسلوه سواء كان قريبا لهم أو لا، ولا يتولوا دفنه إلا أن لا يجدوا من يواريه وهذا قول مالك، وقال أبو حفص العكبري: يجوز له غسسل قريبه الكافر ودفنه، وحكاه قولا لاحمد وهو مذهب الشافعي لما روي عن علي رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ان عمك الشيخ الضال قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فواره " رواه أبو داود والنسائي ولنا انه لا يصلي عليه ولا يدعو له فلم يكن له غسله كالاجنبي، والحديث يدل علي مواراته وله ذلك إذا خاف من التغير به والضرر ببقائه، قال أحمد في يهودي أو نصراني مات وله ولد مسلم: فليركب دابته ويسر أمام الجنازة، وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر رضي الله عنه * (مسألة) * (وإذا أخذ قي غسله ستر عورته وجرده، وقال القاضي يغسل في قميص واسع الكمين) يجب ستر عورة الميت بغير خلاف علمناه وهو ما بين سرته إلى ركبته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " رواه أبو داود، قال ابن عبد البر: وروي " الناظر من الرجال إلى فروج الرجال كالناظر منهم إلى فروج النساء والمتكشف ملعون " قال أبو داود: قلت لاحمد الصبي يستر كما يستر الكبير (أعني) الصبي الميت في الغسل؟ قال: أي شئ يستر منه ليست عورته بعورة ويغسله النساء
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: