الفقه الحنبلي - احكام الميت - السقط

المروذي عن
أحمد انه قال: يعجبني أن يغسل الميت وعليه ثوب يدخل يده من تحت الثوب قال: وكان أبو قلابة إذا غسل ميتا جلله بثوب، وقال القاضي: السنة أن يغسل في قميص رقيق ينزل الماء فيه ولا يمنع أن يصل إلى يديه، وويدخل يده في كم القميص فيمرها على بدنه والماء يصب، فان كان القميص ضيقا فتق رأس الدخاريص وأدخل يده فيه، وهذا مذهب الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه، وقال سعد اصنعوا پي كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه وقد أرادوا خلعه فنودوا ألا تخلعوه واستروا نبيكم ولنا ان تجريد الميت أمكن لتغسيله وتطهيره، والحي يتجرد إذا اغتسل فكذلك الميت ولانه إذا اغتسل في ثوبه ينجس الثوب بما يخرج وقد لا يطهر بصب الماء عليه فينجس الميت به، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فذلك خاص له، ألا ترى انهم قالوا: نجرده كما نجرد موتانا كذلك روته عائشة، قال ابن عبد البر روي ذلك عنها من وجه صحيح، فالظاهر ان تجريد الميت فيما عدا العورة كان مشهورا عندهم ولم يكن هذا ليخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر انه كان بأمره لانهم كانوا ينتهون إلى رأيه ويصدرون عن أمره في الشرعيات، واتباع أمره وفعله أولى من اتباع غيره، ولان ما يخشى من تنجيس قميصه بما يخرج منه كان مأمونا في حق النبي صلى الله عليه وسلم لانه طاهر حيا وميتا بخلاف غيره، وانما قال سعد: إلحدوا لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم
* (مسألة) * (ويستر الميت عن العيون، ولا يحضره إلا من يعين في غسله) يستحب ستر الميت وأن يغسل في بيت إن أمكن لانه أستر له، فان لم يكن بيت جعل بينه وبين السماء سترا، وكان ابن سيرين يستحب أن يكون البيت الذي يغسل فيه مظلما ذكره أحمد، وروى أبو داود باسناد له قال: أوصى الضحاك أخاه سالما قال: إذا غسلتني فاجعل حولي سترا، واجعل بيني وبين السماء سترا، وذكر القاضي ان عائشة قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فجعلنا بينها وبين السقف سترا، وانما استحب ذلك لئلا يستقبل السماء بعورته، وانما استحب ستر الميت، وأن لا يحضره إلا من يعين في غسله لانه يكره النظر إلى الميت إلا لحاجة
لانه ربما كان بالميت عيب يكتمه ويكره أن يطلع عليه بعد موته وربما حدث منه أمر يكره الحي أن يطلع منه على مثله، وربما ظهر فيه شئ هو في الظاهر منكر فيتحدث به فيكون فضيحة وربما بدت عورته فشاهدها، ويستحب للحاضرين غض أبصارهم عنه إلا لحاجة كذلك، ولهذا أجبنا أن يكون الغاسل ثقة أمينا ليستر ما يطلع عليه.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليغسل موتاكم المأمونون " رواه ابن ماجه، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ليله أقربكم منه ان كان يعلم، فان كان لا يعلم فمن ترون عنده حظا من ورع " رواه الامام أحمد.
وقال القاضي: لوليه
أن يدخل كيف شاء والاولى ما ذكرنا ان شاء الله لان العلة تقتضي التعميم * (مسألة) * (ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ويعصر بطنه عصرا رفيقا ويكثر صب الماء حينئذ) يستحب للغاسل أن يبدأ فيحني الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به الجلوس لان في الجلوس أذية، ثم يمر يده على بطنه يعصره عصرا ليخرج ما معه من نجاسة كيلا يخرج بعد ذلك، ويكثر صب الماء حينئذ ليخفى ما يخرج منه ويذهب به الماء.
ويستحب أن يكون بقربه مجمر فيه بخور حتى لا يظهر منه ريح.
وروي عن أحمد انه قال لا يعصر بطن الميت في المرة الاولى، ولكن في الثانية، وقال في موضع آخر يعصر بطنه في الثالثة يمسح مسحا رفيقا مرة واحدة، وقال أيضا: عصر بطن الميت في الثانية أمكن، لان الميت لا يلين حتى يصيبه الماء (فصل) فان كانت امرأة حاملا لم يعصر بطنها لئلا يؤذي أم الولد، لما روت أم سليم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها فليبدأن ببطنها فليمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، فان كانت حبلى فلا يحركنها " رواه الخلال
* (مسألة) * (ثم يلف على يده خرقة فينجيه ولا يحل مس عورته، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة)
يستحب للغاسل إذا عصر بطن الميت أن ينجيه فيلف على يده خرقة خشنة بمسحه بها لئلا يمس عورته لان النظر إلى عورة الميت حرام فمسها أولى، ويزيل ما على بدنه من نجاسة لان الحي يبدأ بذلك في اغتساله من الجنابة، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة لما روي ان عليا رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص.
قال القاضي: يعد الغاسل خرقتين يغسل باحداهما السبيلين وبالاخرى سائر بدنه * (مسألة) * (ثم ينوي غسلهما ويسمي) النية في غسل الميت واجبة على الغاسل، وفي وجوب التسمية روايتان كغسل الجنابة، وانما أوجبناها على الغاسل لتعذرها من الميت ولان الحي هو المخاطب بالغسل.
وقال القاضي وابن عقيل ويحتمل أن لا تعتبر النية لان القصد التنظيف فأشبه غسل النجاسة، والصحيح الاول لانه لو كان كذلك لما وجب غسل متنظف ولجاز غسله بماء الورد، وكل ما يحصل به التنظيف وانما هو غسل تعبد فأشبه غسل الجنابة * (مسألة) * قال (ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفى منخريه فينظفها ويوضيه ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه)
وجملة ذلك انه إذا نجى الميت وأزال النجاسة بدأ بعد ذلك فوضاه وضوء الصلاة فيغسل كفيه ثم يأخذ خرقة خشنة فيبلها ويجعلها على أصبيعيه فيسمح أسنانه وأنفه حتى ينظفهما ويكون ذلك في رفق ثم يغسل وجهه ويتمم وضوءه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " متفق عليه ولان الحي يبدأ بالوضوء في غسله ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه في قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأبو حنيفة، وقال الشافعي يمضمضه وينشقه كما يفعل الحي ولنا ان ذلك لا يؤمن معه وصوله إلى جوفه فيفضي إلى المثلة به ولا يؤمن من خروجه في اكفانه فيفسدها
* (مسألة) * (ثم يضرب السدر فيغسل برغوته رأسه ولحيته وسائر بدنه، ثم يغسل شقه الايمن ثم الايسر يفعل ذلك ثلاثا) يستحب أن يبدأ الغاسل بعد وضوء الميت بغسل رأس الميت فيغسله برغوة السدر ويغسل بدنه بالتفل يفعل ذلك ثلاثا، والمنصوص عن أحمد رحمه الله انه يستحب أن يغسل ثلاثا بماء وسدر قال صالح: قال أبي: الميت يغسل بماء وسدر ثلاث غسلات.
قلت فيبقى عليه؟ قال أي شئ يكون هو أنقى له.
وذكر عن عطاء ان ابن جريج قال له انه يبقى عليه السدر إذا غسل به كل مرة، قال عطاء هو طهور، واحتج أحمد بحديث أم عطية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته قال " اغسلنها ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو أكثر من ذلك ان رأيتن بماء وسدر واجعلن في الاخيرة كافورا " متفق عليه وذهب كثير من أصحابنا المتأخرين إلى انه لا يترك في الماء سدر يغيره ثم اختلفوا فقال ابن حامد يطرح في كل المياه شئ يسير من السدر لا يغيره ليجمع بين العمل بالحديث ويكون الماء باقيا على اطلاقه، وقال القاضي وأبو الخطاب يغسل أول مرة بالسدر ثم يغسل بعد ذلك بالماء القراح فيكون الجميع غسلة واحدة ويكون الاعتداد بالآخر دون الاول، لان أحمد رحمه الله شبه غسله بغسل الجنابة، ولان السدر ان غير الماء سلبه الطهورية، وان لم يغيره فلا فائدة في ترك يسير لا يؤثر، والاول ظاهر كلام أحمد ويكون هذا من قوله دالا على ان تغيير الماء بالسدر لا يخرجه عن طهوريته، فان لم يجد السدر غسله بما يقوم مقامه ويقرب منه كالخطمي ونحوه لحصول المقصود به، وان غسله بذلك مع وجود السدر جاز لان الشرع ورد بهذا لمعنى معقول وهو التنظيف فيتعدى إلى كل ما وجد فيه المعنى، قال أبو الخطاب: ويستحب أن يخضب رأس المرأة ولحية الرجل بالحناء ويستحب أن يبدأ بشقه الايمن فيغسل وجهه ويده اليمنى من المنكب إلى الكفين وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وهو مستلق ثم يصنع ذلك بالجانب الايسر ثم يرفعه من جانبه ولا
يكبه لوجهه فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يعود فيحرفه على جنبه الايمن ويغسل شقه الايسر كذلك، هكذا ذكره ابراهيم النخعي والقاضي وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأن
بميامنها " وهو أشبه بغسل الحي (فصل) والواجب غسلة واحدة لانه غسل واجب من غير نجاسة أصابته فكان مرة واحده كغسل الجنابة.
قال عطاء: يجزيه غسلة واحدة ان نقوه، وقد روي عن أحمد انه قال: لا يعجبني إن غسل واحدة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا " وهذا على سبيل الكراهة دون الاجزاء لما ذكرنا، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم " اغسلوه بماء وسدر " ولم يذكر عددا (فصل) والحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل، قال ابن المنذر هذا قول من نحفظ عنه من علماء الامصار، وقد قال الحسن وسعيد بن المسيب: ما مات ميت الا جنب، وقيل عن الحسن انه يغسل الجنب للجنابة والحائض للحيض ثم يغسلان للموت، والاول أولى لانهما خرجا من أحكام التكليف ولم يبق عليهما عبادة واجبة، وانما الغسل للميت تعبد وليكون في حال خروجه من الدنيا على أكمل حال من النظافة وهذا يحصل بغسلة واحدة ولان الغسل الواحد يجزي من وجد في حقه شيئان كالحيض والجنابة كذا هذا (فصل) وقال بعض أصحابنا: يتخذ الغاسل ثلاث أواني آنية كبيرة يجمع فيه الماء الذي يغسل به الميت تكون بالبعد منه، واناءين صغيرين يطرح من أحدهما على الميت والثالث يغرف به من الكبير في الصغير الذي يغسل به الميت ليكون الكبير مصونا، فإذا فسد الماء الذي في الصغير وطار فيه من رشاش الماء كان ما بقى في الكبير كافيا، ويستعمل في كل أموره الرفق به في تقليبه وعرك أعضائه وعصر بطنه وتليبن مفاصله وفي سائر أموره احتراما له فانه مشبه بالحي في حرمته ولا يأمن ان عنف به أن ينفصل منه عضو فيكون مثلة به وقد قال صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " وقال " ان الله يحب الرفق في الامر كله "
* (مسألة) * (فان لم ينفق بالثلاث وخرج منه شئ غسله إلى خمس فان زاد فالى سبع) إذا فرغ الغاسل من الغسلة الثالثة لم يمر يده على بطن الميت لئلا يخرج منه شئ، فان رأى الغاسل انه لم ينق بالثلاث غسله خمسا أو سبعا إن رأى ذلك ولا يقطع إلا على وتر.
قال الامام أحمد
ولا يزاد على سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا " لم يزد على ذلك وجعل ما أمر به وترا، وقال أيضا " اغسلنها وترا " فان لم ينق بالسبع فقال شيخنا: الاولى غسله حتى ينقى لقوله صلى الله عليه وسلم " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك " ولان الزيادة على الثلاث انما كانت للانقاء أو للحاجة إليها، فكذلك ما بعد السبع، ولا يقطع إلا على وتر لما ذكرنا، ولم يذكر أصحابنا انه يزيد على سبع (فصل) فان خرج من الميت نجاسة بعد الثلاث وهو على مغتسله من قبله أو دبره غسله إلى خمس فان خرج بعد الخمس غسله إلى سبع، ويوضيه في الغسلة التي تلي خروج النجاسة.
قال صالح قال أبي يوضأ الميت مرة واحدة إلا أن يخرج منه شئ فيعاد عليه الوضوء وهذا قول ابن سيرين وإسحق، واختار أبو الخطاب انه يغسل موضع النجاسة ويوضأ ولا يجب اعادة غسله وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة لان خروج النجاسة من الحي بعد غسله لا يبطله فكذلك الميت، وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أن القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك بماء وسدر " فان خرجت منه نجاسة من غير السبيلين فقال أحمد في رواية أبي داود: الدم أسهل من الحدث يعني الدم الذي يخرج من أنفه أسهل من الحدث في انه لا يعاد له الغسل لان الحدث ينقض الطهارة بالاتفاق ويسوى بين قليله وكثيره، ويحتمل انه إن أراد الغسل لا يعاد من يسيره كما لا ينقض الوضوء بخلاف الخارج من السبيلين * (مسألة) * (ويجعل في الغسلة الاخيرة كافورا) يستحب أن يجعل في الغسلة الاخيرة كافورا لشده ويبرده ويطيبه لقول النبي صلى الله عليه
وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته " اغسلنها بالسدر وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك واجعلن في الغسة الاخيرة كافورا " وفي حديث أم سليم " فإذا كان في آخر غسلة من الثالثة أو غيرها فاجعلن ماء فيه شئ من كافور وشئ من سدر ثم اجعلي ذلك في جرة جديدة ثم أفرغيه عليها وابدئي برأسها حتى يبلغ رجليها "
* (مسألة) * (والماء الحار والخلال والاشنان يستعمل إن احتيج إليه) هذه الثلاثة تستعمل عند الحاجة إليها مثل أن يحتاج إلى الماء الحار لشدة البرد، أو الوسخ لا يزول إلا به، وكذلك الاشنان يستعمل إذا كان على الميت وسخ.
قال أحمد إذا طال ضنا المريض غسل بالاشنان يعني انه يكثر وسخه فيحتاج إلى الاشنان ليزيله، والخلال يحتاج إليه لاخراج شئ والاولى أن يكون من شجرة كالصفصاف ونحوه ومما ينقي ولا يجرح، وإن جعل على رأسه قطنا فحسن ويتتبع ما تحت أظفاره فينقيه فان لم يحتج إلى شئ من ذلك لم يستحب استعماله وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة والمسخن أولى لكن حال انه ينقي مالا ينقي البارد ولنا ان البارد يمسكه والمسخن يرخيه ولهذا يطرح الكافور في الماء ليشده ويبرده والانقاء يحصل بالسدر إذا لم يكثر وسخه، فان كثر ولم يزل إلا بالحار صار مستحبا * (مسألة) * (ويقص شاربه ويقلم أظافره ولا يسرح شعره ولا لحيته) متى كان شارب الميت طويلا استحب قصه وهذا قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد بن جبير وإسحق، وقال أبو حنيفة ومالك لا يؤخذ من الميت شئ لانه قطع شئ منه فلم يستحب كالختان، ولاصحاب الشافعي اختلاف كالقولين
ولنا قول أنس: اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم.
والعروس يحسن ويزال عنه ما يستقبح من الشارب وغيره ولان تركه يقبح منظره فشرع إزالته كفتح عينيه وفمه، ولانه فعل مسنون في الحياة لا مضرة فيه فشرع بعد الموت كالاغتسال، وعلى هذا يخرج الختان لما فيه من المضرة، وإذا أخذ منه جعل مع الميت في أكفانه، وكذلك كل ما أخذ منه من شعر أو ظفر أو غيرها فانه يغسل ويجعل معه في أكفانه لانه جزء من الميت فأشبه أعضاءه (فصل) فأما قص الاظفار إذا طالت ففيها روايتان.
إحداهما لا تقلم وينقى وسخها وهو ظاهر كلام الخرقي لان الظفر لا يظهر كظهور الشارب فلا حاجة إلى قصه، والثانية يقص إذا كان فاحشا نص عليه لانه من السنة ولا مضرة فيه فيشرع اخذه كالشارب، ويمكن حمل الرواية الاولى على ما
إذا لم يفحش.
ويخرج في نتف الابط وجهان بناء على الروايتين في قص الاظفار لانه في معناه (فصل) فأما العانة ففيها وجهان: أحدهما لا تؤخذ وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول ابن سيرين ومالك وأبي حنيفة.
وروي عن أحمد أن أخذها مسنون وهو قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد ابن جبير وإسحق لان سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت ولانه شعر يسن إزالته في الحياة أشبه قص الشارب، والصحيح الاول لانه يحتاج في أخذها إلى كشف العورة ولمسها وهتك الميت وذلك محرم لا يفعل لغير واجب، ولان العانة مستورة يستغنى بسترها عن إزالتها لانها لا تظهر بخلاف الشارب.
فإذا قلنا بأخذها فقال أحمد تؤخذ بالموسى أو بالمقراض.
وقال القاضي تزال بالنورة لانه أسهل ولا يمسها، ووجه قول أحمد انه فعل سعد، والنورة لا يؤمن أن تتلف جلد الميت، ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين
(فصل) فأما الختان فلا يشرع لانه إبانة جزء من أعضائه وهذا قول أكثر أهل العلم.
وحكي عن بعض أهل العلم انه يختن حكاه الامام أحمد، والاول أولى لما ذكرناه، ولا يحلق رأس الميت وقال بعض أصحاب الشافعي يحلق إذا لم يكن له جمة للتنظيف، والاول أولى لانه ليس من السنة في الحياة وانما يراد لزينة أو نسك، ولا يطلب شئ من ذلك ها هنا (فصل) وإن جبر عظمه بعظم فجبر ثم مات فان كان طاهرا لم ينزع وإن كان نجسا وأمكن إزالته من غير مثلة أزيل لانه نجاسة مقدور عى إزالتها من غير ضرر، وإن أفضى إلى المثلة لم يقلع وإن كان في حكم الباطن كالحي، وإن كان عليه جبيرة يفضي نزعها إلى مثلة مسح عليها كحال الحياة وإلا نزعها وغسل ما تحتها.
قال أحمد في الميت تكون أسنانه مربوطة بذهب إن قدر على نزعه من غير أن تسقط بعض أسنانه نزعه، وإن خاف سقوط بعضها تركه (فصل) ومن كان مشنجا أو به حدب أو نحو ذلك فأمكن تمديده بالتليين والماء الحار فعل ذلك وإن لم يمكن إلا بعسف تركه بحاله، فان كان على صفة لا يمكن تركه على النعش إلا على وجه يشهر بالمثلة ترك في تابوت أو تحت صكبه كما يصنع بالمرأة لانه أصون له وأستر
ويستحب أن يترك فوق سرير المرأة شئ من الخشب أو الجريد مثل القبلة ويترك فوقه ثوب ليكون أستر لها.
وقد روي ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أول من صنع لها ذلك بأمرها.
(فصل) فأما تسريح رأسه ولحيته فكرهه أحمد، وقالت عائشة: علام تنصون ميتكم؟ أي لا تسرحوا رأسه بالمشط ولان ذلك بقطع شعره وينتفه وهذا مذهب أبي حنيفه.
وقد روى عن
أم عطية قالت: مشطناها ثلاثة قرون متفق عليه.
قال أحمد انما ضفرن وأنكر المشط فكأنه تأول قولها مشطناها على انها أرادت ضفرناها لما ذكرنا والله أعلم * (مسألة) * (ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها) يستحب ضفر شعر المرأة ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها ويلقى من خلفها، وبهذا قال الشافعي وإسحق وبن المنذر.
وقال الاوزاعي وأصحاب الرأي لا يضفر ولكن يرسل مع خديها من الجانبين ثم يرسل عليه الخمار لان ضفره يحتاج إلى تسريحه فيتقطع وينشف ولنا ما روت أم عطية قالت: ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها تعني بنت النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
ولمسلم فضفرنا شعرها ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها، وفي حديث أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم واضفرن شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهنها بالرجال * (مسألة) * (ثم ينشفه بثوب) وذلك مستحب لئلا تبتل أكفانه، وفي حديث ابن عباس في غسل النبي صلى الله عليه وسلم قال: فجففوه بثوب ذكره القاضي وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (فان خرج منه شئ بعد السبع حشاه بالقطن فان لم يستمسك فبالطين الحر)
متى خرجت من الميت نجاسة بعد السبع لم يعد إلى الغسل نص عليه أحمد لان اعادة غسله
يفضي إلى الحرج، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثلاثا أو خمسا أو سبعا في حديث أم عطية، لكن يحشوه
بالقطن أو يلجم بالقطن كما تفعل المستحاضة ومن به سلس البول، فان لم يمسكه ذلك حشى بالطين الخالص الصلب الذي له قوة يمسك المحل
* (مسألة) * (ثم يغسل المحل ويوضأ) وقد ذكر عن أحمد انه لا يوضأ وهو قول لاصحاب الشافعي والاولى ان شاء الله انه يوضأ كالجنب إذا أحدث بعد الغسل لتكون طهارته كاملة * (مسألة) * (فان خرج منه شئ بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل) قال شيخنا رحمه الله لا نعلم في ذلك خلافا إذا كان الخارج يسيرا لما في اعادة الغسل من المشقة الكثيرة لانه يحتاج إلى اخراجه واعادة غسله وغسل أكفانه وتجفيفها أو ابدالها ثم لا يؤمن مثل هذا في المرة الثانية والثالثة فسقط ذلك، ولا يحتاج أيضا إلى اعادة وضوئه ولا غسل موضع النجاسة
دفعا لهذه المشقة ويحمل بحاله، وقد روي عن الشعبي ان ابنة له لما لفت في أكفانها بدا منها شئ.
فقال الشعبي: ارفعوا.
وان كان كثيرا.
فالظاهر عنه انه يحمل أيضا لما ذكرنا، وعنه انه يعاد غسله ويطهر كفنه لانه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد * (مسألة) * (ويغسل المحرم بماء وسدر ولا يلبس المخيط ولا يخمر رأسه ولا يقرب طيبا) إذا مات المحرم لم يبطل حكم احرامه بموته ويجنب ما يجنبه المحرم من الطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط وقطع الشعر، روي ذلك عن عثمان وعلي وابن عباس وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحق، وقال مالك والاوزاعي وأبو حنيفة يبطل احرامه بموته ويصنع به ما يصنع بالحلال.
وروي ذلك عن عائشة وابن عمر وطاوس لانها عبادة شرعية فبطلت بالموت كالصلاة والصيام ولنا ما روى ابن عباس أن رجلا وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه، فان الله يبعثة يوم القيامة ملبدا "
وفي رواية " ملبيا " متفق عليه.
فان قيل هذا خاص له لانه يبعث يوم القيامة ملبيا قلنا حكم النبي صلى الله عليه وسلم في واحد حكمه في مثله إلا ان يرد تخصيصه، ولهذا ثبت حكمه في شهداء أحد وفي سائر الشهداء قال أبو داود سمعت أحمد يقول: في هذا الحديث خمس سنن - كفنره في ثوبيه أي يكفن في ثوبين، وأن يكون في الغسلات كلها سدر، ولا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيبا، وكون الكفن من جميع المال.
قال أحمد في موضع يصب عليه الماء صبا، ولا يغسل كما يغسل الحلال، وانما كره عرك رأسه ومواضع الشعر كيلا ينقطع شعره (فصل) واختلف عن أحمد في تغطية وجهه فعنه لا يغطى نقلها عنه اسماعيل بن سعيد لان في بعض الحديث " ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " وعنه لا بأس بتغطية وجهة.
نقلها عنه سائر أصحابه لحديث ابن عباس المذكور فانه أصح ما روي فيه وليس فيه سوى المنع من تغطية الرأس، ولا يلبس المخيط لانه يحرم عليه في حياته فكذلك بعد الموت، واختلف عن أحمد أيضا في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه لا يغطى رجلاه كذلك ذكره الخرقى.
وقال الخلال لا أعرف هذا في الاحاديث ولا رواه أحد عن أبي عبد الله غير حنبل وهو عندي وهم من حنبل، والعمل على انه يغطى جميع المحرم إلا رأسه ولان المحرم لا يمنع من تغطية رجليه في حياته فكذلك بعد موته، فان كان الميت امرأة محرمة ألبست القميص وخمرت كما تفعل في حياتها ولم تقرب طيبا ولم يغط وجهها لانه يحرم عليها في حياتها فكذلك بعد موتها، فان ماتت المتوفى عنها زوجها في عدتها احتمل أن لا تطيب لانها ممنوعة حال حياتها، واحتمل أن تطيب لان التطيب انما حرم لكونه يدعو إلى نكاحها وقد زال بالموت وهو أصح، ولاصحاب الشافعي وجهان
* (مسألة) * (والشهيد لا يغسل إلا أن يكون جنبا) إذا مات الشهيد في المعركة لم يغسل رواية واحدة إذا لم يكن جنبا، وهذا قول أكثر أهل العلم ولا نعلم خلافا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب فانهما قالا يغسل ما مات ميت إلا جنبا ولنا ما روى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم
متفق عليه.
إذا ثبت هذا فيحتمل ان ترك الغسل لما يتضمنه من ازالة أثر العبادة المستطاب شرعا فانه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون دم والريح ريح مسك " رواه البخاري.
وروى عبد الله بن ثعلبة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " زملوهم بدمائهم فانه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك " رواه النسائي، ويحتمل ان الغسل لا يجب إلا من أجل الصلاة إلا ان الميت لا فعل له فأمرنا بغسله ليصلى عليه، فمن لم تجب الصلاة عليه لم يجب غسله كالحي، ويحتمل ان الشهداء في المعركة يكثرون فيشق غسلهم فعفي عنه لذلك (فصل) فان كان الشهيد جنبا غسل وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك لا يغسل لعموم الخبر في الشهداء وعن الشافعي كالمذهبين ولنا ما روي ان حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما شأن حنظلة فاني رأيت الملائكة تغسله " قالوا انه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلى القتال رواه ابن إسحق في المغازي ولانه غسل واجب لغير الموت فلم يسقط بالموت كغسل النجاسة.
وحديثهم ورد في شهداء أحد وحديثنا خاص في حنظلة وهو من شهداء أحد فيجب تقديمه، وعلى هذا كل من وجب عليه الغسل بسبب سابق على الموت كالمرأة تطهر من حيض أو نفاس ثم تقتل فهي كالجنب لما ذكرنا من العلة، ولو قتلت في حيضها أو نفاسها لم يجب الغسل لان الطهر شرط في الغسل أو في السبب الموجب فلا يثبت الحكم بدونه، فان أسلم ثم استشهد قبل الغسل فلا غسل عليه لانه روي ان اصيرم بني عبد الاشهل أسلم يوم أحد ثم قبل فلم يؤمر بغسل * (مسألة) * (وينزع عنه السلاح والجلود ويزمل في ثيابه وان أحب فيكفنه في غيرها) أما دفنه في ثيابه فلا نعلم فيه خلافا وقد ثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ادفنوهم في ثيابهم " وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وابن ماجه، وليس ذلك بواجب لكنه الاولى، ويجوز للولي أن ينزع ثيابه ويكفنه بغيرها، وقال أبو حنيفة لا ينزع ثيابه لظاهر إلخبر
ولنا ما روي أن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر رواه يعقوب بن شيبة وقال هو صالح الاسناد، وحديثهم يحمل على الاباحة والاستحباب، إذا ثبت هذا فانه ينزع عنه ما لم يكن من عامة لباس الناس من الجلود والفراء والحديد.
قال أحمد لا يترك عليه فرو ولا خف ولا جلد وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك لا ينزع عنه فرو ولا خف ولا محشو لعموم الخبر وهو قوله " ادفنوهم في ثيابهم " وما رويناه أخص فكان أولى * (مسألة) * (ولا يصلى عليه في أصح الروايتين) وهذا قول مالك والشافعي وإسحق، وعن أحمد رواية أخرى انه يصلى عليه اختارها الخلال وهو قول الثوري وأبي حنيفة إلا ان كلام أحمد رحمه الله في هذه الرواية يشير إلى ان الصلاة عليه مستحبة غير واجبة، وقد صرح بذلك في رواية المروذي فقال: الصلاة عليه أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأه، وقال في موضع آخر يصلى عليه وأهل الحجاز لا يصلون عليه وما تضره الصلاة لا بأس به، فكأن الروايتين في استحباب الصلاة لا في وجوبها، إحداهما يستحب لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر متفق عليه، وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد.
ووجه الرواية الاولى ما روى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم متفق عليه، وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد فانه صلى عليهم في القبور بعد سنين وهم لا يصلون على القبر أصلا ونحن لا نصلي عليه بعد شهر، وحديث ابن عباس يرويه الحسن بن عمارة وهو ضعيف، وقد أنكر عليه شعبة رواية هذا الحديث، إذا ثبت هذا فيحتمل أن يكون سقوط الصلاة عليهم لكونهم أحياء عند ربهم، والصلاة انما شرعت في حق الموتى، ويحتمل ان ذلك لغناهم عن الشفاعة لهم، فان الشهيد يشفع في سبعين من أهله فلا يحتاج إلى شفيع، والصلاة انما شرعت للشفاعة (فصل) والبالغ وغيره سواء في ترك غسله والصلاة عليه إذا كان شهيدا وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر، وقال أبو حنيفة لا يثبت حكم الشهادة لغير البالغ لانه ليس من أهل القتال
ولنا انه مسلم قتل في معترك المشركين بقتالهم أشبه البالغ ولانه يشبه البالغ في غسله والصلاة عليه إذا لم يكن شهيدا فيشبه في سقوط ذلك عنه بالشهادة، وقد كان في شهداء أحد حارثة بن النعمان وهو صغير، والحديث عام في الكل وما ذكروه يبطل بالنساء * (مسألة) * (وإن سقط من دابته ووجد ميتا لا أثر به أو حمل فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه) إذا سقط من دابته فمات أو وجد ميتا ولا أثر به فانه يغسل ويصلى عليه، نص عليه أحمد.
وتأول الحديث: ادفنوهم بكلومهم فإذا كان به كلم (1) لم يغسل، وهذا قول أبي حنيفة في الذي يوجد ميتا لا أثر به.
وقال الشافعي لا يغسل بحال لانه مات بسبب من أسباب القتال ولنا أن الاصل وجوب الغسل فلا يسقط بالاحتمال ولان سقوط الغسل في محل الوفاق مقرون بمن كلم فلا يجوز ترك اعتبار ذلك (فصل) وكذلك ان حمل فأكل أو طال بقاؤه لان النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه وكان شهيدا رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما ثم مات وظاهر كلام الخرقي انه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلي عليه، وإن مات في المعركة أو عقب حمله لم يغسل ولم يصل عليه.
وقال مالك إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسل، وقال أحمد في موضع: ان تكلم أو أكل أو شرب صلي عليه.
وعن أحمد انه سئل عن المجروح إذا بقي في المعركة يوما إلى الليل ثم مات فرأى أن يصلى عليه.
وقال أصحاب الشافعي ان مات حال الحرب لم يغسل ولم يصل عليه وإلا غسل وصلى عليه.
قال شيخنا: والصحيح التحديد بما ذكرنا من طول الفصل والاكل لان الاكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة وطول الفصل يدل على ذلك وقد ثبت اعتبارهما في كثير من المواضع.
وأما الكلام والشرب وحالة الحرب فلا يصح التحديد بشئ منها لما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد " من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ " فقال رجل أنا أنظر يا رسول الله، فنظر فوجده جريحا به رمق.
فقال له: ان رسول الله أمرني أن أنظر في الاحياء أنت أم في الاموات؟ قال: فأنا في الاموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام.
وذكر الحديث قال:
ثم لم أبرح أن مات، وروي ان اصيرم بني عبد الاشهل وجد صريعا يوم أحد فقيل له: ما جاء بك؟ قال أسلمت ثم جئت، وهما من شهداء أحد دخلا في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " ادفنوهم بدمائهم وثيابهم " ولم يغسلا ولم يصل عليهما وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب، وفي حديث أهل اليمامة عن ابن عمر انه طاف في القتلى فوجد أبا عقيل الانفي قال فسقيته ماء وبه أربعة عشر جرحا كلها قد خلص إلى مقتل، فخرج الماء من جراحاته كلها فلم يغسل (فصل) فان كان الشهيد قد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو.
وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لانه مات بغير أيدي المشركين أشبه من أصابه ذلك في غير المعترك ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه فأصاب نفسه بالسيف.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخوكم يا معشر المسلمين " فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه.
فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال " نعم وأنا له شهيد " وعامر بن الاكوع بارز مرحبا
__________
(1) الكلم الجرح وجمعه كلوم كفرح وقروح، وجرح وجروح
يوم خيبر فذهب سيف له فرجع سيفه على نفسه فكانت فيها نفسه فلم يفرد عن الشهداء بحكم ولانه شهيد المعركة أشبه ما لو قتله الكفار، وبهذا فارق ما لو كان في المعترك (فصل) ومن قتل من أهل العدل في المعركة فحكمه في الغسل حكم من قتل في معركة المشركين وقال القاضي يخرج على روايتين كالمقتول ظلما ولنا ان عليا رضي الله عنه لم يغسل من قتل معه وعمار أوصى أن لا يغسل وقال ادفنوني في ثيابي فأني مخاصم ولانه شهيد المعركة أشبه قتيل الكفار وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي في أحد قوليه يغسلون لان أسماء غسلت ابنها عبد الله بن الزبير والاول أولى لما ذكرنا، فأما عبد الله بن الزبير فانه أخذ وصلب فصار كالمقتول ظلما ولانه ليس بشهيد المعركة، وأما الباغي فيحتمل أن يغسل ويصلى عليه اختاره الخرقي والقاضي، ويحتمل إلحاقه بأهل العدل لانه لم ينقل غسل أهل الجمل
وصفين من الجانبين ولانهم يكثرون في المعترك فيشق عليهم غسلهم أشبهوا أهل العدل، وهل يصلى على أهل العدل فيه احتمالان: أحدهما لا يصلى عليهم لانهم أشبهوا شهداء المشركين، ويحتمل أن يصلى عليهم لان عليا رضي الله عنه صلى عليهم، والمرجوم يغسل ويصلى عليه، وكذلك المقتول قصاصا كسائر الموتى * (مسألة) * (ومن قتل مظلوما فهل يلحق بالشهيد على روايتين) احداهما يغسل ويصلى عليه اختارها اخلال وهو قول الحسن ومذهب مالك والشافعي لان رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك أشبه المبطون ولان هذا لا يكثر القتل فيه فلم يجز إلحاقه بشهيد المعترك، والثانية حكمه حكم الشهيد وهو قول الشعبي والاوزاعي وإسحق في الغسل لانه شهيد أشبه شهيد المعترك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (فصل) فأما الشهيد بغير قتل كالمعطون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والنفساء فانهم يغسلون ويصلى عليهم لا نعلم فيه خلافا، إلا انه روي عن الحسن لا يصلى على النفساء ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة مانت في نفاسها فقام وسطها متفق عليه.
وصلى المسلمون على عمر وعلي رضي الله عنهما وهما شهيدان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهداء خمس: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وكلهم غير الشهيد في سبيل الله يغسلون ويصلى عليهم ولان النبي صلى الله عليه وسلم ترك غسل شهيد المعركة لما يتضمنه من ازالة الدم المستطاب شرعا أو لمشقة غسلهم لكثرتهم أو لما فيهم من الجراح ولا يوجد ذلك ها هنا * (مسألة) * (وإذا ولد السقط لاكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه) السقط الولد الذي تضعه المرأة لغير تمام أو ميتا، فان خرج حيا واستهل غسل وصلى عليه
بغير خلاف حكاه ابن المنذر اجماعا، وان خرج ميتا فقال أحمد إذا أتى له أربعة أشهر غسل وصلي عليه.
وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين واسحق، وصلى ابن عمر على ابن لابيه ولد ميتا، وقال الحسن وابراهيم والحكم وحماد ومالك والاوزاعي وأصحاب الرأي لا يصلى عليه حتى يستهل
وللشافعي قولان كالمذهبين لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل " رواه الترمذي، ولانه لم يثبت له حكم الحياة ولا يرث ولا يورث فلا يصلى عليه كمن دون أربعة أشهر ولنا ما روى المغيرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " والسقط يصلى عليه " رواه أبو داود والترمذي.
وفي رواية الترمذي " والطفل يصلى عليه "، وقال هذا حديث حسن صحيح وذكره أحمد واحتج به، ولحديث أبي بكر الصديق انه قال: ما أحد أحق أن يصلى عليه من الطفل ولانه نسمة نفخ فيها الروح فيصلى عليه كالمستهل فان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في حديث الصادق والمصدوق انه ينفخ فيه الروح لاربعة أشهر، وحديثهم قال الترمذي: قد اضطرب الناس فيه فرواه بعضهم مرفوعا، قال الترمذي: كان هذا أصح من المرفوع وانما لم يرث لانه لا يعلم حياته حال موت موثه وذلك من شرط الارث والصلاة من شرطها أن تصادق من كانت فيه حياة، وقد علم ذلك بما ذكرنا من الحديث ولان الصلاة دعاء له ولوالديه فلم يحتج فيها إلى الاحتياط واليقين بخلاف الميراث.
فأما من لم يبلغ أربعة أشهر فلا يغسل ولا يصلى عليه ويلف في خرقة ويدفن لعدم وجود الحياة لا نعلم فيه خلافا إلا عن ابن سيرين فانه قال: يصلى عليه إذا علم انه نفخ فيه الروح.
وحديث الصادق المصدوق يدل عى انه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد الاربعة أشهر وقبل ذلك لا يكون نسمة فلا يصلى عيه كسائر الجمادات ذكره شيخنا، وحكى ابن أبي موسى انه يصلى على السقط إذا استبان فيه بعض خلق الانسان والاول أولى (فصل) ويستحب أن يسمى السقط لانه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " سموا أسقاطكم فانهم أسلافكم " رواه ابن السماك باسناده، قيل انهم يسمون ليدعون يوم القيامة باسمائهم، فإذا لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمى اسما يصلح لهما جميعا كسلمة وقتادة وهبة الله وما أشبه * (مسألة) * (ومن تعذر غسله يمم) من تعذر غسله لعدم الماء وللخوف عليه من التقطع بالغسل كالمجدور والغريق والمحترق يمم إذا أمكن كالحي العادم للماء أو الذي يؤذيه الماء، وإن أمكن غسل بعضه غسل ويمم للباقي كالحي، ويحتمل
ألا يمم ويصلى عليه على حسب حاله، ذكره ابن عقيل لان المقصود بغسل الميت التنظيف ولا يحصل ذلك
بالتيمم، والاول أصح ان أمكن غسله بأن يصب عليه الماء صبا ولا يمس غسل كذلك والله أعلم * (مسألة) * (وعلى الغاسل ستر ما رأه ان لم يكن حسنا) ينبغي للغاسل ومن حضر إذا رأى من الميت شيئا مما يحب الميت ستره أن يستره ولا يحدث به لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من غسل ميتا ثم لم يفش ما عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه ابن ماجه، وقال " من ستر عورة مسلم ستره الله في الدنيا والاخرة " فان رأى حسنا مثل أمارات الخير من وضاءة الوجه والتبسم ونحو ذلك استحب اظهاره ليكثر الترحم عليه والتشبه بجميل سيرته، قال ابن عقيل الا أن يكون مغموصا عليه في الدين والسنة، مشهورا ببدعة فلا بأس باظهار السر عليه لتحذر طريقته، وعلى هذا ينبغي أن يكتم ما يرى عليه من أمارات الخير لئلا يغتر به فيقتدى به في بدعته * (فصل في الكفن) * * (مسألة) * (ويجب كفن الميت في ماله مقدما على الدين وغيره) من الوصية والميراث لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولان سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت ويكون ذلك من رأس ماله لان حمزة ومصعب رضي الله عنهما لم يوجد لكل واحد منهما الا ثوب فكفن فيه ولان لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت، ولا ينتقل إلى الورثة من مال الميت الا ما فضل عن حاجته الاصلية وهذا قول أكثر أهل العلم وفيه قولان شاذان: أحدهما قول خلاس بن عمرو: ان الكفن من الثلث، والآخر قال طاوس: ان كان المال قليلا فمن الثلث.
والصحيح الاول لما ذكرنا، وكذلك مؤونة دفنه وتجهيزه ومالا بد للميت منه قياسا على الكفن: فأما الحنوط والطيب فليس بواجب ذكره ابن حامد لانه لا يجب في الحياة فكذلك بعد الموت: وقال القاضي يحتمل انه واجب لانه مما جرت العادة به، وليس بصحيح لان العادة جرت بتحسين الكفن وليس بواجب، ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين * (مسألة) * (فان لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته الا الزوج لا يلزمه كفن امرأته)
إذا لم يكن للميت مال فكفنه على من تلزمه مؤونته في الحياة وكذلك دفنه وما لا بد للميت منه لان ذلك يلزمه حال الحياة فكذلك بعد الموت الا الزوج لا يلزمه كفن امرأته وهذا قول الشعبي وأبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي: وقال بعضهم يجب على الزوج واختلف فيه عن مالك واحتجوا بأن كسوتها واجبة عليه في الحياة فوجب كفنها كسيد العبد ولنا ان النفقة والكسوة وجبت في النكاح للتمكين من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبه ما لو انقطع بالفرقة في الحياة ولانها بانت منه في الموت فأشبهت الاجنبية
وفارقت المملوك فان نققته بحق الملك لا بالانتفاع، ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته والوالد تجب نفقته بالقرابة، ولا تبطل بالموت بدليل ان السيد والوالد أحق بدفنه وتوليه.
إذا تقرر هذا فان لم يكن لها مال فعلى من تلزمه نفقتها من الاقارب، فان لم يكن ففي بيت المال كمن لا زوج لها (فصل) ويستحب تحسين الكفن لما روى مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل فقال " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " فان تساح الورثة جعل بحسب حال الحياة ان كان موسرا كان حسنا رفيعا على نحو ما كان يلبس في حال الحياة، وان كان دون ذلك فعلى حسب حاله وليس لثمنه حد لان ذلك يختلف باختلاف البلدان والاوقات ولان التحديد انما يكون بنص أو اجماع ولم يوجد واحد منهما.
وقال الخرقي إذا تشاح الورثة في الكفن جعل بثلاثين، وان كان موسرا فبخمسين وهذا محمول على وجه التقريب، ولعل الجيد في زمنه والمتوسط كان يحصل بهذا القدر، وقد روي عن ابن مسعود انه أوصى أن يكفن بنحو من ثلاثين درهما (فصل) والمستحب أن يكفن في جديد الا أن يوصي الميت بغيره فتمتثل وصيته كما روي عن الصديق رضي الله عنه انه قال: كفنوني في ثوبي هذين فان الحي أحوج إلى الجديد من الميت وانما هما للهلة والتراب رواه البخاري بمعناه، وذهب ابن عقيل إلى ان التكفين في الخليع أولى لهذا الخبر والاول أولى لدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه به * (مسألة) * (ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يبسط بعضها فوق بعض بعد تجميرها)
الافضل عند امامنا رحمه الله أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة لا يزيد عليها ولا ينقص منها قال الترمذي، والعمل عليها عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو مذهب الشافعي، ويستحب كون الكفن أبيض لان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " البسوا من ثيابكم البياض فانه أطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم " رواه النسائي، وحكي عن أبي حنيفة ان المستحب أن يكون في إزار ورداء وقميص لما روى عبد الله ابن المغفل ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في قميصه ولان النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه رواه النسائي ولنا قول عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه، وهو أصح حديث يروى في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعرف بأحواله، ولهذا لما ذكر لها قول الناس ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في برد، قالت: قد أتي بالبرد ولكنهم لم يكفنوه فيه فحفظت ما أغفله غيرها، وقالت أيضا: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلة وقال: أكفن فيها؟ ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكفن فيها فتصدق بها رواه مسلم، ولان حال الاحرام
أكمل أحوال الحي، وهو لا يلبس المخيط فكذلك حالة الموت.
وأما إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي قميصه فانما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي لانه كان سأله ذلك ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل انما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبي عن كسوته العباس قميصه يوم بدر (فصل) ويستحب تجمير الاكفان وهو تجميرها بالعود فيجعل العود على النار في مجمر ثم يبخر به الكفن حتى تعبق رائحته ويكون ذلك بعد أن يرش عليه ماء الورد لتعلق به الرائحة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا " رواه الامام أحمد وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود، ولان هذا عادة الحي عند غسله وتجديد ثيابه أن تجمر بالطيب والعود فكذلك الميت
* (مسألة) * (ثم يوضع عليها مستلقيا ويجعل الحنوط فيما بينها ويجعل منه في قطن يجعل بين إليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة لطرف كالتبان يجمع إليتيه ومثانته ثم يجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده وإن طيبه كله كان حسنا) وجملة ذلك ان المستحب أن يؤخذ أوسع اللفائف وأحسنها فتبسط أولا لتظهر للناس لان هذا عادة الحي يجعل الظاهر أفخر ثيابه ويجعل عليها حنوطا ثم تبسط الثانية التي تليها في الحسن والسعة عليها ويجعل فوقها حنوطا وكافورا ثم تبسط فوقها الثالثة ويجعل فوقها حنوطا وكافورا ولا يجعل على وجه العليا ولا على النعش شيئا من الحنوط لان الصديق رضي الله عنه قال: لا تجعلوا على أكفاني حنوطا ثم يحمل الميت مستورا بثوب فيوضع عليها مستلقيا لانه أمكن لادراجه فيها، ويجعل من الحنوط والكافور في قطن ويجعل منه بين إليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئا ان خرج منه حين تحريكه، ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان وهو السراوبل بلا أكمام ليجمع إليتيه ومثانته ويجعل باقي الطيب على منافذ وجهه في فيه ومنخره وعينيه لئلا يحدث منهن حادث وكذلك في الجراح النافذة ويترك منه على مواضع السجود تشريفا لهذه الاعضاء المختصة بالسجود، ويطيب رأسه ولحيته لان الحي يتطيب هكذا، وإن طيبه كله كان حسنا * (مسألة) * (ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الايمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الايسر) وانما استحب ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الايمن إذا وضع على يمينه في القبر ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه لانه أحق بالستر من رجليه، فالاحتياط لستره بتكثير ما عنده أولى ثم يجمع ما فضل جمع وطرف العمامة (1) فيرده عند رأسه ورجليه، وإن خاف انتشارها عقدها فإذا وضعه في قبره حلها لان عقد هذا انما كان للخوف من انتشارها وقد أمن بدفنه
__________
(1) كذا بالاصل وفي المغنى (ثم يجمع ما فضل عند رأسه ورجليه فيرده على رأسه ورجليه)
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لما أدخل نعيم بن مسعود الاشجعي القبر نزع الاخلة بفيه وعن ابن مسعود وسمرة نحوه ولا يخرق الكفن لانه افساد له
(فصل) وتكره الزيادة في الكفن على ثلاثة أثواب لما فيه من اضاعة المال وقد نهى عنه عليه السلام، ويحرم ترك شئ مع الميت من ماله لغير حاجة لما ذكرنا إلا مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ترك تحته قطيفة في قبره فان ترك نحوه فلا بأس * (مسألة) * (وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز) التكفين في القميص واللفافة والمئزر جائز إلا ان الاول أفضل، وهذا جائز لا كراهة فيه، فان النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات رواه البخاري، فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك، وقال أحمد إن جعلوه قميصا فأحب إلي أن يكون مثل قميص له كمان وتخاريصان وأزرار ولا يزر عليه القيص (فصل) قال أبو داود قلت لاحمد يتخذ الرجل كفنه يصلي فيه أياما أو قلت يحرم فيه ثم يغسله ويضعه لكفنه فرآه حسنا؟ قال: يعجبني أن يكون جديدا أو غسيلا وكره أن يلبسه حتى يدنسه (فصل) ويجوز التكفين في ثوبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته دابته " وكفنوه في ثوبين " رواه البخاري (فصل) قال أحمد: يكفن الصبي في خرقة وان كفن في ثلاثة فلا بأس، وكذلك قال إسحق ونحوه قال سعيد بن المسيب والثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ان ثوبا يجزيه، وان كفن في ثلاثة فلا بأس * (مسألة) * (وتكفن المرأة في خمسة أثواب إزار وخمار وقميص ولفافتين) قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب منهم الشعبي ومحمد بن سيرين والنخعي والاوزاعي والشافعي وإسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان عطاء يقول تكفن في ثلاثة أثواب درع وثوب تحت الدرع تلف به وثوب فوقه تلف فيه.
وقال موسى
ابن سليمان: درع وخمار ولفافة والصحيح الاول، وانما استحب ذلك لان المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك بعد الموت، ولما كانت تلبس المخيط في احرامها
وهو أكمل أحوال الحي استحب إلباسها إياه بعد موتها بخلاف الرجل، وقد روى أبو داود باسناده عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا الخفاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبا ثوبا، وروت أم عطية ان النبي صلى الله عليه وسلم ناولها إزارا ودرعا وخمارا وثوبين (فصل) قال المروذي: سألت أبا عبد الله في كم تكفن الجارية إذا لم تبلغ؟ قال في لفافتين وقميص لا خمار فيه، وكفن ابن سيرين بنتا له قد أعصرت أي قاربت المحيض في قميص ولفافتين، وروي في بقير ولفافتين.
قال أحمد النقير القميص الذي ليس له كمان.
والحد الذي تصير به الجارية في حكم المرأة في الكفن هو البلوغ، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " مفهومه ان غيرها لا تحتاج إلى خمار في صلاتها كذلك في كفنها وروى عن أحمد أكثر أصحابه: إذا كانت بنت تسع يصنع بها ما يصنع بالمرأة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة وهي بنت تسع، وقالت عائشة إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة
(فصل) قال أحمد لا يعجبني أن يكفن في شئ من الحرير، وكره ذلك الحسن وابن المبارك وإسحق قال ابن المنذر: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم، وفي جواز تكفين المرأة بالحرير احتمالان: أحدهما الجواز وهو أقيس لانه من لبسها في حياتها، والثاني المنع لانها انما تلبسه في حياتها لانها محل للزينة والشهوة وقد زال ذلك، وعلى كل حال فهو مكروه، وكذلك يكره تكفينها بالمعصفر ونحوه لما ذكرنا قال الاوزاعي: لا تكفين في الثياب المصبغة إلا ما كان من العصب يعني ما صنع بالعصب وهو بنت باليمن (فصل) وان أحب أهل الميت أن يروه لم يمنعوا لما روى جابر قال: لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وقالت عائشة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل: والحديثان صحيحان * (مسألة) * (والواجب من ذلك ثوب يستر جميعه لما روت أم عطية قالت: لما فرغنا يعني من غسل
ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الينا حقوه فقال " اشعرنها اياه " ولم يزد على ذلك رواه البخاري، وقال معنى اشعرنها الففنها فيه ولان العورة المغلظة يجزي في سترها ثوب واحد فكفن الميت أولى، وهذا وجه لاصحاب الشافعي، وظاهر مذهبهم ان الواجب ما يستر العورة كالحي: وقال القاضي لا يجزي للقادر أقل من ثلاثة أثواب، وروي نحوه عن عائشة.
قال: لانه لو أجزأ أقل منها لم يجز التكفين بها في حق من له أيتام احتياطا لهم والصحيح الاول، وما احتج به القاضي لا يصح لانه يجوز التكفين بالحسن مع حصول الاجزاء بما دونه (فصل) فان لم يجد ثوبا يستر جميعه ستر رأسه وجعل على رجليه حشيش أو ورق كما روي عن مصعب انه قتل يوم أحد فلم يوجد له شئ يكفن فيه إلا نمرة، فكات إذا وضعت على رأسه بدت رجلاه وإذا وضعت على رجليه خرج رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطى رأسه ويجعل على رجليه الاذخر رواه البخاري، فان لم يجد الا ما يستر العورة سترها كحال الحياة، فان كثر القتلى وقلت الاكفان كفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، قال أنس: كثر القتلى وقلت الثياب يعني يوم أحد قال: فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد رواه أبو داود والترمذي وهذا لفظه وقال حديث حسن غريب
* (فصل في الصلاة على الميت) * والصلاة على الميت فرض كفاية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله الا الله " * (مسألة) * (السنة أن يقوم الامام عند رأس الرجل ووسط المرأة) المستحب أن يقوم الامام في صلاة الجنازة حذاء رأس الرجل ووسط المرأة، وان وقف في غير هذا الموضع خالف السنة وصحت صلاته وبه قال اسحق والشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال الخرقي: يقوم عند صدر الرجل وهو قريب من القول الاول لقرب أحدهما من الآخر، فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر، وقال أبو حنيفة يقوم عند صدر الرجل والمرأة لانهما سواء، فإذا وقف عند صدر الرجل فكذلك المرأة، وقال مالك يقف عند وسط الرجل لان ذلك يروى عن ابن مسعود
ويقف عند منكب المرأة لان الوقوف عند أعاليها أمثل وأسلم، وروى سعيد قال حدثني خالد بن يزيد بن أبي مالك الدمشقي قال حدثي أبي قال: رأيت واثلة بن الاسقع يصلي على الجنائز فإذا كانوا رجالا صفهم ثم قام أوسطهم، وإذا كانوا رجالا ونساء جعل رأس أول امرأة عند ركبة الرحل ثم يقوم وسط الرجال ولنا ما روي ان أنسا صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام حبال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه، قال نعم.
فلما فرغ قال احفظوا، قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وعن سمرة قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها متفق عليه.
والمرأة تخالف الرجل في موقف الصلاة فجاز أن تخالفه ها هنا، وقيام الامام عند وسطها أستر لها فكان اؤلى * (مسألة) * (ويقدم إلى الامام أفضلهم ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الرجل، وقال القاضي يسوى بين رؤوسهم) إذا كانت الجنائز نوعا واحدا قدم أفضلهم إلى الامام لان الافضل يلي الامام في صف المكتوبة فكذلك ها هنا، وقد دل على الاصل قوله عليه السلام " ليلني منكم اولوا الاحلام والنهى فان تساووا في الفضل قدم الاكبر فالاكبر " نص عليه أحمد في رواية الميموني، فان تساووا قدم السابق وقال القاضي يقدم السابق وان كان صبيا ولا تقدم المرأة وان كانت سابقة لموضع الذكورية، فان تساووا قدم الامام من شاء، فان تشاحوا أقرع بينهم (فصل) فان كانوا أنواعا كرجال وصبيان وخناثى ونساء قدم الرجال بغير خلاف في المذهب الا ما حكينا من قول القاضي إذا سبق الصبي وهذا قول أكثر أهل العلم ثم يقدم بعدهم الصبيان.
هذا المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقال الخرقي يقدم النساء
على الصبيان لان المرأة شخص مكلف فهي أحوج إلى الشفاعة.
وروى عمار مولى الحارث بن نوفل انه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي القبلة فأنكرت ذلك وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد
وأبو قتادة وأبو هريرة فقالوا هذا السنة ولنا انهم يقدمون عليهن في الصف في الصلاة المكتوبة إذا اجتمعوا فكذلك عند اجتماع الجنائز كالرجال.
فأما حديث عمار فالصحيح فيه انه جعلها مما يلي القبلة وجعل ابنها مما يليه كذلك رواه سعيد وعمار مولى بني سلمة عن عمار مولى بني هاشم، وأخرجه كذلك أبو داود والنسائي وغيرهما ولفظه قال: شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فقلنا لهم.
فقالوا السنة أما الحديث الاول فغير صحيح فان زيد بن عمر هو ابن أم كلثوم الذي صلي عليه معها وكان رجلا له أولاد، كذلك قال الزبير بن بكار ولان زيدا ضرب في حرب كانت بين بني عدي في خلافة بعض بني أمية فصرع وحمل فمات ومثل هذا لا يكون الا رجلا (فصل) ولا نعلم خلافا في تقديم الخنثى على المرأة لانه يحتمل أن يكون رجلا، وأدنى أحواله مساواته لها، ويقدم الحر على العبد لشرفه وتقديمه عليه في الامامة وذلك في تقديم الكبير على الصغير لذلك.
وقد روى الخلال باسناده عن علي رضي الله عنه في جنازة حر وعبد ورجل وامرأة وصغير وكبير، يجعل الرجل مما يلي الامام والمرأة أمام ذلك، والكبير مما يلي الامام والصغير أمام ذلك، والحر مما يلي الامام والمملوك أمام ذلك، فان اجتمع حر صغير وعبد كبير فقال أحمد في رواية الحسن ابن محمد يقدم الحر وإن كان غلاما، ونقل أبو الحارث يقدم الاكبر.
قال شيخنا وهو أصح إن شاء الله تعالى لانه يقدم في الصف في الصلاة، وقول علي متعارض فانه قد قال: يقدم الكبير على الصغير كقوله يقدم الحر على العبد (فصل) وإذا اجتمع رجل وامرأة فصلى عليهما جميعا جعل رأس الرجل حذاء وسط المرأة في إحدى الروايتين عن أحمد اختاره أبو الخطاب ليكون موقف الامام عند رأس الرجل ووسط المرأة، والرواية الثانية يسوي بين رؤسهم اختارها القاضي وهو قول ابراهيم وأهل مكة وأبي حنيفة ويروى ذلك عن ابن عمر، وروى سعيد باسناده عن الشعبي ان أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر توفيا جميعا فأخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: