الفقه الحنبلي - احكام الجنائز
* (مسألة) * (ثم يكبر أربع تكبيرات يقرأ في الاولى الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية) وجملة ذلك ان التكبير على الجنازة أربع لا يجوز النقص منها ولا تسن الزيادة عليها لان النبي صلى الله عليه وسلم كبر
على النجاشي أربعا متفق عليه.
فيكبر الاولى ثم يستعيذ في الصحيح من
المذهب.
وقال القاضي يخرج على روايتين كالاستفتاح ويقرأ الحمد يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم كسائر الصلوات، ولا يسن الاستفتاح في المشهور عنه، قال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بسبحانك اللهم وبحمدك؟ قال ما سمعت.
قال ابن المنذر: كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة ولم نجده في كتب سائر أهل العلم، وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري لان الاستعاذة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح كسائر الصلوات ولنا ان صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف ولهذا لا يقرأ فيها بعد الفاتحة بشئ وليس فيها ركوع ولا سجود.
فأما التعوذ فهو سنة للقراءة مطلقا في الصلاة وغيرها لقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ولاصحاب الشافعي في الاستعاذة والاستفتاح وجهان (فصل) وقراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الشافعي وإسحق، وقال الثوري والاوزاعي ومالك وأبو حنيفة لا يقرأ فيها بشئ لان ابن مسعود قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها قولا ولا قراءة ولان مالا ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة ولنا ما روت أم شريك قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب رواه ابن ماجه.
وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الجنازة اربعا وقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى رواه الشافعي في مسنده، ثم هو داخل في عموم قوله عليه السلام " لا صلاة لمن لا يقرأ بأم القرآن " ولانها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كسائر الصلوات.
وحديث ابن مسعود إن سح فانما قال: لم يوقت أي لم يقدر، ولا يدل هذا على نفي أصل القراءة، وقد روى عنه ابن المنذر انه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب، ثم لا يعارض ما رويناه لانه نفي مقدم عليه الاثبات وفارق سجود التلاوة فانه لا قيام فيه والقراءة محلها القيام، ويستحب اسرار القراءة والدعاء والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم فيها لا نعلم فيه خلافا ولا يقرأ بعد الفاتحة شيئا.
وقد روي عن ابن عباس انه جهر بفاتحة الكتاب في صلاة الجنازة، قال أحمد: انما جهر ليعلمهم (فصل) ويكبر الثانية ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، لما روي عن ابن عباس انه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة، وعن أبي أمامة بن سهل انه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن من السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سرا في نفسه.
رواه الشافعي في مسنده.
وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كصفة الصلاة عليه في التشهد نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه كيف نصلي عليك؟ علمهم ذلك، وإن أتى بها على غير صفة التشهد فلا بأس لان القصد مطلق الصلاة.
وقال القاضي يقول: اللهم صلى على ملائكتك المقربين، وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات وأهل الارضين، انك على كل شئ قدير.
لان أحمد قال في رواية عبد الله يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي على الملائكة المقربين * (مسألة) * (ويدعو في التكبيرة الثالثة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " رواه أبو داود.
والدعاء ها هنا واجب لهذا الحديث ولانه المقصود فلا يجوز الاخلال به، ويكفي أدنى دعاء لهذا الحديث.
قال أحمد: ليس على الميت دعاء مؤقت والاولى أن يدعو لنفسه ولوالديه وللميت وللمسلمين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى أبو إبراهيم الاشهلي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال " اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهرنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وروى أبو داود عن أبي هريرة مثل
حديث أبي ابراهيم وزاد " اللهم من أحييته منا فأحيه على الايمان، ومن توفيته منا فتوفه على الاسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده " وفي حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أنت ربها، فأنت خلقتها، وأنت هديتها للاسلام، وأنت قبضتها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر له " رواه أبو داود.
وعن عوف بن مالك الاشجعي قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول " اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، واكرم نزله واوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس، وابدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار " حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت، رواه مسلم.
وذكر ابن أبي موسى انه يقول مع ذلك: الحمد لله الذي أمات وأحيا، الحمد لله الذي يحي الموتى، له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والسناء، وهو على كل شئ قدير.
اللهم انه عبدك ابن عبدك ابن أمتك، وأنت خلقته ورزقته، وأنت أمته وأنت تحييه، وأنت تعلم سره، جئناك شفعاء له، فشفعنا فيه.
اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، انك ذو وفاء وذمة.
اللهم وقه من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم.
اللهم إن كان محسنا فجازه باحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه.
اللهم قد نزل بك، وأنت خير منزول به، فقيرا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه.
اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره " وقال الخرقي
يقول في الدعاء: اللهم انه عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، ولا نعلم إلا خيرا، وقوله لا نعلم إلا خيرا انما يقوله لمن لم يعلم منه شرا لئلا يكون كاذبا.
وقد روى القاضي حديثا عن عبد الله بن الحارث عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الصلاة على الميت " اللهم اغفر لاحيائنا وأمواتنا وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا.
اللهم ان عبدك وابن عبدك نزل بفنائك، فاغفر له وارحمه، ولا نعلم إلا خيرا " فقلت وأنا أصغر الجماعة يا رسول الله وإن لم أعلم خيرا؟ قال " لا تقل إلا ما تعلم " وانما شرع هذا للخبر ولان النبي صلى الله عليه وسلم لما أثني عنده على جنازة بخير قال " وجبت " وأثني على جنازة أخرى بشر قال " وجبت " ثم قال " ان بعضكم على بعض شهداء "
رواه أبو داود.
وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ما من عبد مسلم يموت فشهد له اثنان من جيرانه الادنين بخير إلا قال الله تعالى قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت له ما أعلم " رواه الامام أحمد في المسند، في لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ما من مسلم يموت فيقوم رجلان من جيرانه الادنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيرا.
إلا قال الله تعالى قد قبلت شهادتهما لعبدي وغفرت له ما لا يعلمان " أخرجه للالكائي * (مسألة) * (وإن كان صبيا جعل مكان الاستغفار له اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وأجرا وشفيعا مجابا، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، واجعله في كفالة أبيه ابراهيم، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، وقه برحمتك عذاب الجحيم، اللهم اغفر لاسلافنا وافراطنا ومن سبقنا بالايمان) وبأي شئ دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأ * (مسألة) * (ثم يقف بعد الرابعة قليلا ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه) ظاهر كلام شيخنا رحمه الله انه لا يدعو بعد الرابعة نقل ذلك عن أحمد جماعة من أصحابه انه قال: لا أعلم فيه شيئا لانه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل، وعن أحمد انه يدعو ثم يسلم لانه قيام في صلاة الجنازة فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل الرابعة.
قال ابن أبي موسى وأبو الخطاب يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وقيل يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.
والخلاف ها هنا في الاستحباب ولا خلاف في المذهب انه غير واجب.
وقد روى الجوزجاني باسناده ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا ثم يقول ما شاء الله ثم ينصرف.
قال الجوزجاني: أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف، فان الامام إذا كبر ثم سلم خفت أن يكون تسليمه قبل أن يكبر آخر الصفوف، فان كان هكذا فالله عزوجل الموفق له، وإن كان غير ذلك فاني أبرأ إلى الله عزوجل من أن أتأول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا لم يرده، أو أراد خلافه
(فصل) والتسليم واجب فيها لقوله عليه السلام " وتحليلها التسليم " والسنة أن يسلم على الجنازة
تسليمة واحدة.
قال أحمد: التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها اختلاف إلا عن ابراهيم، روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس وابن أبي أوفى وواثلة بن الاسقع وبه قال سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وأبو إمامة بن سهل والقاسم بن محمد وابراهيم النخعي والثوري وابن عيينة وابن المبارك وعبد الرحمن ابن مهدي وإسحق.
قال ابن المبارك: من سلم على الجنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل، واختار القاضي أن المستحب تسليمتان وواحدة تجزي وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياسا على سائر الصلوات ولنا ما روى عطاء بن السائب ان النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة رواه الجوزجاني ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، واختيار القاضي في هذه المسألة مخالف لقول إمامه وأصحابه ولاجماع الصحابة والتابعين رحمة الله عليهم.
ويستحب أن يسلمها عن يمينه وإن سلم تلقاء وجهه فلا بأس.
وسئل أحمد يسلم تلقاء وجهه؟ قال كل هذا جائز.
وأكثر ما روي فيه عن يمينه، قيل خفية؟ قال نعم.
يعني إن الكل جائز.
والتسليم عن يمينه أولى لانه أكثر ما روي وهو أشبه يسائر الصلوات.
قال أحمد: يقول السلام عليكم ورحمة الله وروى عنه علي بن سعيد انه قال: إذا قال السلام عليكم أجزأه، وروى الخلال باسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه صلى على يزيد بن المكفف فسلم واحدة عن يمينه السلام عليكم (فصل) وروي عن مجاهد انه قال: إذا صليت فلا تبرح مصلاك حتى ترفع.
قال ورأيت عبد الله بن عمر لا يبرح مصلاه إذا صلى على جنازة حتى يراها على أيدي الرجال.
قال الاوزاعي لا تنقص الصفوف حتى ترفع الجنازة * (مسألة) * (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) أجمع أهل العلم على ان المصلي على الجنازة يرفع يديه في التكبيرة الاولى، ويستحب أن يرفع يديه في كل تكبيرة، يروى ذلك عن سالم وعمر بن عبد العزيز وعطاء وقيس بن أبي حازم والزهري وإسحق وابن المنذر والاوزاعي والشافعي، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة لا يرفع يديه إلا في الاولى لان كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الايدي في جميع الركعات
ولنا ما روى عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل تكبيرة رواه ابن أبي موسى.
وعن ابن عمر وأنس انهما كانا يفعلان ذلك ولانها تكبيرة حال الاستقرار أشبهت الاولى وما قاسوا عليه ممنوع.
إذا ثبت ذلك فانه يحط يديه إذا رفعهما عند انقضاء التكبيرة
ويضع يده اليمنى على اليسرى كما في بقية الصلوات، وفيما روى ابن أبي موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع بمينه على شماله (فصل) والواجب من ذلك التكبيرات والقيام وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء للميت والسلام لما ذكرنا من قبل.
ويشترط لها النية وسائر شروط المكتوبة قياسا عليها إلا الوقت ويسقط بعض واجباتها عن المسبوق على ما سيأتي، ولا يجزي أن يصلي على الجنازة راكبا لانه يفوت القيام الواجب وهو قول أبي حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا (فصل) ويستحب أن يصف في الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف لما روى الخلال باسناده عن مالك بن هبيرة وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب " قال فكان مالك بن هبيرة إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة أجزاء.
قال الترمذي هذا حديث حسن.
قال أحمد أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف.
قيل له فان كان وراءه أربعة؟ قال يجعلهم صفين في كل صف رجلين، وكره أن يكون في صف رجل واحد وذكر ابن عقيل ان عطاء بن أبي رباح روى ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكانوا سبعة فجعل الصف الاول ثلاثة والثاني اثنين والثالث واحدا.
قال ابن عقيل ويعايابها فيقال أين تجدون فذا انفراده أفضل؟ قال شيخنا: ولا أحسب هذا الحديث صحيحا فانني لم أره في غير كتاب ابن عقيل وقد صار أحمد إلى خلافه ولو علم فيه حديثا لم يعده إلى غيره، والصحيح في هذا أن يجعل كل اثنين صفا (فصل) ويستحب تسوية الصف في صلاة الجنازة نص عليه أحمد.
وقيل لعطاء حد على
الناس أن يصفوا على الجنازة كما يصفون في الصلاة؟ قال لا قوم يدعون ويستغفرون.
وكره أحمد قول عطاء هذا وقال يسوون صفوفهم فانها صلاة ولان النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذى مات فيه وخرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا متفق عليه.
وعن أبي المليح انه صلى على جنازة فالتفت فقال استووا ولتحسن شفاعتكم * (مسألة) * (وان كبر الامام خمسا كبر بتكبيره، وعنه لا يتابع في زيادة على أربع، وعنه يتابع إلى سبع) لا يختلف المذهب انه لا تجوز الزيادة على سبع تكبيرات ولا النقص من أربع، والاولى أن لا يزاد على أربع فان كبر الامام خمسا تابعه المأموم في ظاهر المذهب، ولا يتابعه فيما زاد عليها كذلك رواه الاثرم وهو ظاهر كلام الخرقي، وعنه لا يتابعه في زيادة على أربع ولكن لا يسلم الا مع الامام،
نقلها عنه حرب اختارها ابن عقيل، وهذا قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي لانها زيادة غير مسنونة للامام فلا يتابعه المأموم فيها كالقنوت في الركعة الاولى والرواية الاولى هي الصحيحة.
قال الخلال كل من روى عن أبي عبد الله يخالف حربا ولنا ما روي عن زيد بن أرقم انه كبر على جنازة خمسا وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها أخرجه مسلم ورواه سعيد وفيه فسئل عن ذلك فقال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى سعيد باسناده عن مولى لحذيفة انه كبر على جنازة خمسا فقيل له؟ فقال مولاي وولي نعمتي صلى على جنازة وكبر عليها خمسا، وذكر حذيفة ان النبي صلى عليه وسلم فعل ذلك، وباسناده أن عليا صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه خمسا، وروى الخلال باسناده قال: كل ذلك قد كان أربعا وخمسا وأمر الناس بأربع.
قال أحمد في اسناد حديث زيد بن أرقم اسناده جيد، ومعلوم ان المصلين معه كانوا يتابعونه وهذا أولى مما ذكروه.
فأما ان زاد على خمس ففيه أيضا روايتان: احداهما لا يتابعه المأموم لان المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلافها، والثانية يتابعه إلى سبع.
قال الخلال ثبت القول عن أبي عبد الله انه يكبر مع الامام إلى سبع ثم لا يزاد عليه، وهذا قول بكر بن عبد الله المزني لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كبر على حمزة سبعا رواه ابن شاهين وكبر علي على
ابن أبي قتادة سبعا وعلى سهل بن حنيف ستا وقال انه بدري.
وروى أن عمر رضى الله عنه جمع الناس فاستشارهم فقال بعضهم كبر النبي صلى الله عليه وسلم سبعا، وقال بعضهم أربعا فجمع عمر الناس على أربع تكبيرات وقال: هو أطول الصلاة.
وإذا قلنا لا يتابعه لم يسلم حتى يسلم امامه.
قال ابن عقيل لا يختلف قول أحمد إذا كبر الامام زيادة على أربع انه لا يسلم قبل امامه على الروايات الثلاث بل يقف ويسلم معه وهو مذهب الشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة ينصرف كما لو قام الامام إلى خامسة.
قال أبو عبد الله ما أعجب حال الكوفيين سفيان ينصرف إذا كبر الخامسة والنبي صلى الله عليه وسلم كبر خمسا وفعله زيد بن أرقم وحذيفة.
وقال ابن مسعود كبر ما كبر امامك ولان هذه زيادة مختلف فيها فلم يسلم قبل امامه إذا اشتغل به كما لو صلى خلف من يقنت في صلاة يخالفه المأموم في القنوت فيها، وهذا يخالف ما قاسوا عليه من وجهين: أحدهما ان زيادة الركعة الخامسة لا خلاف فيه، الثاني ان الركعة زيادة فعل وهذه زيادة قول، وكل تكبيرة قلنا يتابع الامام فيها فله فعلها وما لا فلا (فصل) فان زاد على سبع لم يتابعه نص عليه أحمد.
وقال في رواية أبي داود: ان زاد على سبع فينبغي أن يسبح به ولا أعلم أحدا قال بالزيادة على سبع الا عبد الله بن مسعود.
قال علقمة روي ان أصحاب عبد الله قالوا له ان أصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمسا فلو وقت لنا وقتا؟ فقال إذا تقدمكم امام فكبروا ما يكبر فانه لا وقت ولا عدد.
رواه سعيد والاثرم، والصحيح انه لا يزاد عليها
لانه لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولكن لا يسلم حتى يسلم امامه لما ذكرنا (فصل) والافضل أن لا يزيد على أربع لان فيه خروجا من الخلاف وأكثر أهل العلم يرون التكبير أربعا منهم عمر وابنه وزيد بن ثابت وجابر وابن أبي أوفى والحسن بن علي والبراء بن عازب وابو هريرة وعقبة بن عامر وابن الحنفية وعطاء والاوزاعي وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعا متفق عليه، وكبر على قبر بعدما دفن أربعا، وجمع عمر الناس على أربع ولان أكثر الفرائض لا يزيد على أربع
(فصل) ولا يجوز النقص من أربع وروي عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثة ولم يعجب ذلك أبا عبد الله وقال قد كبر أنس ثلاثا ناسيا فأعادو لانه خلاف ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولان الصلاة الرباعية إذا أنقص منها ركعة بطلت كذا هنا فعلى هذا ان نقص منها تكبيرة عامدا بطلت لانه ترك واجبا فيها عمدا وان تركها سهوا احتمل أن يعيدها كما فعل أنس واحتمل أن يكبرها ما لم يطل الفصل كما لو نسي ركعة ولا يشرع لها سجود سهو في الموضعين (فصل) قال أحمد يكبر إلى سبع ثم يقطع لا يزيد على ذلك حتى ترفع الاربع، قال أصحابنا إذا كبر على جنازة ثم جئ بأخرى كبر الثانية عليهما أو ينويهما فان حئ بثالثة كبر الثالثة عليهن ونواهن فان جئ برابعة كبر الرابعة عليهن ونواهن ثم يكمل التكبير عليهن إلى سبع ليحصل للرابعة أربع إذ لا يجوز النقصان منهن ويحصل للاولى سبع وهو أكثر ما ينتهي إليه التكبير فان جئ بخامسة لم ينوها بالتكبير لانه دائر بين أن يزيد على سبع أو ينقص في تكبيرها عن أربع، وكلاهما لا يجوز وهكذا ان جئ بثانية بعد أن كبر الرابعة لم يجز أن يكبر عليها الخامسة لما بينا، فان أراد أهل الجنازة الاولى دفعها قبل سلام الامام لم يجز لان السلام ركن لا تتم الصلاة الا به إذا تقرر هذا فانه يقرأ في التكبيرة الخامسة الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في السادسة ويدعو للميت في السابعة ليكمل لجميع الجنائز القراءة والاذكار كما كمل لهن التكبيرات وذكر ابن عقيل وجها قال يحتمل أن يكبر ما زاد على الاربع متابعا كما قلنا في القضاء للمسبوق، والصحيح الاول لان ما بعد الاول جنائز فاعتبر في الصلاة عليهن شروط الصلاة كالاولى * (مسألة) * (ومن فاته شئ من التكبير قضاه على صفته وقال الخرقى يقضيه متتابعا) يستحب للمسبوق في صلاة الجنازة قضاء ما فاته منها وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأى لقوله عليه السلام " فما أدركتم فصلوا " وفي لفظ " فأتموا " وقياسا على سائر الصلوات ويكون القضاء على صفة الاداء لما
ذكرنا، فعلى هذا إذا أدرك الامام في الدعاء تابعه فيه فإذا سلم الامام كبر وقرأ الفاتحة ثم كبر وصلى
على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وسلم وقال الشافعي متى دخل المسبوق في الصلاة ابتدأ الفاتحة ثم أتى بالصلاة في الثانية، ووجه الاولى أن المسبوق في سائر الصلوات يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة على صفة ما فاته فينبغي أن يأتي ها هنا بالقراءة على صفة ما فاته قياسا عليه.
وقال الخرقي يقضيه متتابعا وكذلك روي عن أحمد وحكاه عن ابراهيم قال يبادر بالتكبير متتابعا، لما روى نافع عن ابن عمر انه قال لا يقضي فان كبر متتابعا فلا بأس ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان إجماعا وكذا قال ابن المنذر يقضيه متواليا وقال القاضي وأبو الخطاب: ان رفعت الجنازة قبل اتمام التكبير قضاه متواليا وإن لم ترفع قضاه على صفته كما سبق.
* (مسألة) * (فان سلم ولم يقضه فعلى روايتين) احداهما لا تصح وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي لما ذكرنا من الحديث والمعنى، والثانية تصح اختارها الخرقي لما ذكرنا من حديث ابن عمر.
وقد روي عن عائشة انها قالت: يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفى علي بعض التكبير؟ قال " ما سمعت فكبري، وما فاتك فلا قضاء عليك " وهذا صريح، ولانها تكبيرات متواليات حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد.
وحديثهم ورد في الصلوات الخمس بدليل قوله في صدر الحديث " فلا تأتوها وأنتم تسعون " وفي رواية سعى في جنازة سعد حتى سقط رداؤه عن منكبيه فعلم انه لم يرد بالحديث هذه الصلاة، والقياس على سائر الصلوات لا يصح لانه لا يقضي في شئ من الصلوات التكبير المنفرد ويبطل بتكبيرات العيد (فصل) إذا أدرك لامام بين تكبيرتين فعن أحمد انه ينتظر الامام حتى يكبر معه وهو قول أبي حنيفة والثوري وإسحق لان التكبيرات كالركعات ثم لو فاتته ركعة لم يتشاغل بقضائها كذلك التكبيرة، والثانية يكبر ولا ينتظر وهو قول الشافعي لانه في سائر الصلوات إذا أدرك الامام كبر معه ولم ينتظر، وليس هذا اشتغالا بقضاء ما فاته وانما يصلي معه ما أدركه فيجزيه ذلك كالذي يتأخر عن تكبير الامام قليلا وعن مالك كالروايتين.
قال ابن المنذر: سهل أحمد في القولين جميعا ومتى أدرك الامام في التكبيرة الاولى فكبر وشرع في القراءة ثم كبر الامام قبل أن يتمها فانه يكبر ويتابعه ويقطع القراءة كالمسبوق في بقية الصلوات إذا ركع الامام قبل اتمامه القراءة
* (مسألة) * (ومن فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إلى شهر) من فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فان دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي موسى وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم وهو مذهب الاوزاعي والشافعي.
وقال النخعي والثوري ومالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الميت
إلا للولي إذا كان غائبا ولا يصلى على القبر إلا كذلك، ولو جاز ذلك لصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعصار ولنا ما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا مات فقال " فدلوني على قبره " فأتى قبره فصلى عليه متفق عليه.
وعن ابن عباس انه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم بقبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه قال أحمد ومن يشك في الصلاة على القبر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان، ولان غير الولي من أهل الصلاة فسنت له الصلاة كالولي وانما لم يصل على قبر النبي صلى الله عليه وسلم لانه لا يصلى على القبر بعد شهر (فصل) ولا يصلى على القبر بعد شهر ويصلى قبله وبهذا قال بعض أصحاب الشافعي.
وقال بعضهم يصلى عليه أبدا واختاره ابن عقيل لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين حديث صحيح.
وقال بعضهم يصلى عليه ما لم يبل جسده، وقال أبو حنيفة يصلي عليه الولي خاصة إلى ثلاث.
وقال إسحق يصلي عليه الغائب إلى شهر والحاضر إلى ثلاث ولنا ما روى سعيد بن المسيب ان أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر.
قال أحمد: أكثر ما سمعت ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد ابن عبادة بعد شهر، ولانها مدة يغلب على الظن بقاء الميت أشبهت الثلاثة أو كالغائب، وتجويز الصلاة عليه مطلقا باطل بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلى عليه الآن اجماعا، وكذلك التحديد ببلى الميت لكونه عليه السلام لا يبلى، فان قيل فالخبر دل على الصلاة بعد شهر فكيف منعتموه.
قلنا تحديده بالشهر يدل على ان صلاته عليه الصلاة والسلام كانت عند رأس الشهر ليكون مقاربا للحد
وتجوز الصلاة بعد الشهر قريبا منه لدلالة الخبر عليه، ولا يجوز بعد ذلك لعدم وروده فيه (فصل) ومن صلى عليها مرة فلا تسن له اعادة الصلاة عليها، وإذا صلى على الجنازة لم توضع لاحد يصلي عليها ويبادر بدفنها.
قال القاضي الا أن يرجى مجئ الولي فتؤخر الا أن يخاف تغيره، وقال ابن عقيل لا ينتظر به أحدا لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن البراء " عجلوا به فانه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " وأما من أدرك الجنازة ممن لم يصل فله أن يصلي عليها فعله علي وأنس وسلمان بن ربيعة وأبو حمزة رضي الله عنهم (فصل) ويصلى على القبر وتعاد عليه الصلاة جماعة وفرادى نص عليهما أحمد.
وقال وما بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ابن عباس قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصفوا خلفه فكبر أربعا.
متفق عليه * (مسألة) * (ويصلى على الغائب بالنية فان كان في أحد جانبي البلد لم تصح عليه بالنية في أصح الوجهين)
تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية بعيدا كان البلد أو قريبا، فيستقبل القبلة ويصلي عليه كصلاته على الحاضر، وسواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن وبهذا قال الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية كقولهما ليس من شرط الصلاة على الجنازة حضورها بدليل ما لو كان في البلد ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه وصلى بهم بالمصلى فكبر عليه أربعا متفق عليه.
فان قيل فيحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم زويت له الارض فأري الجنازة قلنا لم ينقل ذلك ولو كان لاخبر به ولنا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت ما يقتضي اختصاصه ولان الميت مع البعد لا تجوز الصلاة عليه، وان رئي ثم لو اختصت الرؤية بالنبي صلى الله عليه وسلم لا اختصت الصلاة به وقد صف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فصلى بهم، فان قيل لم يكن بالحبشة من يصلي عليه.
قلنا ليس هذا مذهبكم فانكم لا تجيزون الصلاة على الغريق والاسير، وإن كان لم يصلى عليه ولان هذا بعيد لان النجاشي كان ملك الحبشة
وقد أظهر اسلامه فيبعد انه لم يوافقه أحد يصلي عليه (فصل) فان كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر في أصح الوجهين اختاره أبو حفص البرمكي لانه يمكنه الحضور للصلاة عليه أو على قبره أشبه ما لو كانا في جانب واحد والثاني يجوز كما لو كان في بلد آخر.
وقد روي عن ابن حامد انه صلى على ميت مات في أحد جانبي بغداد وهو في الآخر * (فصل) * وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر كالصلاة عى القبر لانه لا يعلم بقؤه من غير تلاش أكثر من ذلك، فعلى هذا قال ابن عقيل في أكيل السبع والمحترق بالنار يحتمل أن لا يصلى عليه لذهابه، ويصلى على الغريق إذا غرق قبل الغسل كالغائب البعيد لان الغسل تعذر لمانع أشبه الحي إذا غجز عن الغسل والتيمم صلى على حسب حاله * (مسألة) * (ولا يصلي الامام على الغال ولا من قتل نفسه) الغال هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذها لنفسه ويختص بها فهذا لا يصلي عليه الامام ولا على قاتل نفسه عمدا ويصلي عليهما سائر الناس نص على هذا أحمد: وقال عمر بن عبد العزيز والاوزاعي لا يصلى على قاتل نفسه بحال لان من لا يصلي عليه الامام لا يصلي عليه غيره كشهيد المعركة، وقال عطاء والنخعي والشافعي يصلي الامام وغيره على جميع المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الحلال باسناده ولنا ما روى جابر بن سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم جاؤه برجل قد قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه
رواه مسلم.
وروى أبو داود نحوه، وعن زيد بن خالد الجهني قال: توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صلوا على صاحبكم " فتغيرت وجوه القوم، فلما رآى ما بهم قال " ان صاحبكم غل من الغنيمة " احتج به أحمد واختص الامتناع بالامام لان النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على الغال قال " صلوا على صاحبكم " وروي انه أمر بالصلاة على قاتل نفسه، وكان صلى الله عليه وسلم هو الامام فألحق به من ساواه في ذلك، ولا يلزم من ترك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ترك صلاة غيره
فانه كان في بدء الاسلام لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له ويأمرهم بالصلاة عليه، فان قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لان صلاته سكن.
قلنا ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه به دليل.
فان قيل فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين.
قلنا ثم صلى عليه بعد، فروى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول " هل ترك لدينه من وفاء " فان حدث انه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال للمسلمين " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله الفتوح قام فقال " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين وترك دينا علي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته " قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
ولو لا النسخ كان كمسئلتنا، وهذه الاحاديث خاصة فيجب تقديمها على قوله " صلوا على من قال لا إله إلا الله " * (فصل) * قال أحمد: لا أشهد الجهمية ولا الرافضة ويشهده من شاء، قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على أقل من ذا: الدين والغلول وقاتل نفسه، وقال: لا يصلى على الواقفي " وقال أبو بكر بن عياش: لا أصلي على رافضي ولا حروري.
وقال الفريابي: من شتم أبا بكر فهو كافر لا يصلى عليه.
قيل له فكيف تصنع به وهو يقول لا إله إلا الله؟ قال لا تمسوه بأيديكم ادفعوا بالخشب حتى تواروه.
وقال أحمد: أهل البدع لا يعادون ان مرضوا، ولا تشهد جنائزهم ان ماتوا، وهو قول مالك.
قال ابن عبد البر: وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم لعموم قوله عليه السلام " صلوا على من قال لا إله إلا الله " ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة بأدون من هذا فأولى أن تترك الصلاة به، وروى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان لكل أمة مجوسا وان مجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، فان مرضوا فلا تعودوهم، وان ماتوا فلا تشهدوهم " رواه الامام أحمد * (فصل) * ولا يصلى على أطفال المشركين لان لهم حكم آبانهم الامن حكمنا باسلامه بان يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفردا من أبويه أو من أحدهما فانه يصلى عليه، وقال أبو ثور فيمن سبي مع أحد أبويه لا يصلى عليه حتى يختار الاسلام ولنا أنه محكوم باسلامه أشبه من سبي منفردا منهما
* (فصل) * ويصلى على سائر المسلمين أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيرهم قال أحمد من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا نصلى عليه وندفنه ونصلي على ولد الزنا والزانية والذي يقاد منه في القصاص أو يقتل في حد.
وسئل عمن لا يعطى زكاة ماله قال نصلي عليه ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل نفسه والغال وهذا قول عطاء والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة قال لا يصلى على البغاة ولا على المحاربين لانهم باينوا أهل الاسلام أشبهوا أهل دار الحرب وقال مالك لا يصلى على من قتل في حد لان أبا برزة الاسلمي قال لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه، رواه أبو داود ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الخلال وروي عن أبي شميلة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الانصار يحملون جنازة على باب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ قالوا مملوك لآل فلان قال " أكان يشهد أن لا إله الا الله " قالوا نعم ولكنه كان وكان فقال " أكان يصلي؟ " قالوا قد كان يصلي ويدع فقال لهم " ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه " وأما أهل الحرب فلا يصلى عليهم لكفرهم لا تقبل فيهم شفاعة ولا يستجاب فيهم دعاء وقد نهينا عن الاستغفار لهم، وأما ترك الصلاة على ماعز فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليه لعذر بدليل أنه صلى على الغامدية فقال له عمر ترجمها وتصلي عليها فقال " لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم " كذلك رواه الاوزاعي وروى معمر وهشام أنه أمرهم بالصلاة عليها والله أعلم * (مسألة) * (وان وجد بعض الميت غسل وصلي عليه وعنه لا يصلى على الجوارح) وهذا المشهور في المذهب وهو مذهب الشافعي وعنه لا يصلى على الجوارح نقلها عنه ابن منصور قال الخلال ولعله قول قديم لابي عبد الله والاول الذي استقر عليه قوله.
وقال أبو حنيفة ومالك ان وجد الاكثر صلي عليه والا فلا لانه بعض لا يزيد على النصف فلم يصل عليه كالذي بان في حياة صاحبه والشعر والظفر.
ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم قال أحمد صلى أبو أيوب على رجل وصلى عمر على عظام بالشام
وصلى أبو عبيدة على رءوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد باسناده وقال الشافعي القى طائر يدا بمكة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم نعرف من الصحابة مخالفا في ذلك ولانه بعض من جملة تجب الصلاة عليها فيصلى عليه كالاكثر وفارق مابان في الحياة لانه من جملة لا يصلى عليها والشعر والظفر لا حياة فيه
* (فصل) * وان وجد الجزء بعد دفن الميت غسل وصلي عليه ودفن إلى جانب القبر أو نبش بعض القبر ودفن فيه ولا حاجة إلى كشف الميت لان ضرر نبش الميت وكشفه أعظم من الضرر بتفرقة أجزائه.
* (مسألة) * (وإن اختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه صلي على الجميع ينوي من يصلى عليه) قال أحمد ويجعلهم بينه وبين القبلة ثم يصلي عليهم، وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان المسلمون أكثر صلي عليهم والا فلا لان الاعتبار بالاكثر بدليل أن دار المسلمين الظاهر فيها الاسلام لكثرة المسلمين بها وعكسها دار الحرب لكثرة الكفار بها ولنا أنه أمكن الصلاة على المسلمين من غير ضرر فوجب كما لو كانوا أكثر ولانه إذا جاز أن يقصد بصلاته ودعائه الاكثر جاز أن يقصد الاقل ويبطل ما قالوه بما إذا اختلطت أخته باجنبيات أو ميتة بمذكيات فانه يثبت الحكم للاقل دون الاكثر * (فصل) * وإن وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر؟ نظر إلى العلامات من الختان والثياب والخضاب فان لم يكن عليه علامة وكان في دار الاسلام غسل وصلي عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل ولم يصل عليه، نص عليه أحمد لان الاصل أن من كان في دار فهو من أهلها يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل.
* (مسألة) * (ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يخف تلويثه) وبهذا قال الشافعي وإسحق وأبو ثور وداود وكره ذلك مالك وأبو حنيفة لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ له " رواه أحمد في المسند
ولنا ما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن ييضاء إلا في المسجد، وروى سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه قال صلي على أبي بكر في المسجد وقال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال صلي على عمر بالمسجد وهذا كان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر فكان اجماعا ولانها صلاة فلم يمنع منها في المسجد كسائر الصلوات وحديثهم يرويه صالح مولى التؤمه وقد قال فيه ابن عبد البر: من أهل العلم من لا يحتج بحديثه أصلا لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه عن ابن أبي ذئب خاصة ثم يحمل على من خيف منه الانفجار وتلويث المسجد.
* (فصل) * فاما الصلاة على الجنازة في المقبرة ففيها روايتان احداهما لا بأس بها لان النبي صلى
صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو في المقبرة، وقال ابن المنذر ذكر نافع أنه صلي على عائشة وأم سلمة وسط قبور البقيع، صلى على عائشة أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر وفعله عمر بن عبد العزيز والرواية الثانية يكره، روي ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي والشافعي واسحق وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الارض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " ولانه ليس بموضع للصلاة غير صلاة الجنازة فكرهت فيه صلاة الجنازة كالحمام * (مسألة) * (وإن لم يحضره إلا النساء صلين عليه) لان عائشة رضي الله عنها أمرت أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه، ولان الصلاة على الميت صلاة مشروعة فتشرع في حقهن كسائر الصلوات * (فصل في حمل الميت ودفنه) * * (مسألة) * (يستحب التربيع في حمله) ومعناه الخذ بقوائم السرير الاربع وهو سنة لقول ابن مسعود رضي الله عنه: إذا اتبع أحدكم جنازة فيأخذ بجوانب السرير الاربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فانه من السنة رواه سعيد في سننه وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
* (مسألة) * قال (وهو أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى ثم ينتقل إلى المؤخرة ثم يضع قائمته اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى المؤخرة) هذا صفة لتربيع في المشهور في المذهب اختاره الخرقي واليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وعن أحمد أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة وهو مذهب اسحق، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب ولانه أخف، ووجه الاول أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالاول.
* (مسألة) * (وإن حمل بين العمودين فحسن) حكاه ابن المنذر عن عثمان وسعد بن مالك وابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير وقال به الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وكرهه النخعي والحسن وأبو حنيفة واسحق والصحيح الاول لان الصحابة رضى الله عنهم فعلوه وفيهم أسوة حسنة وقال مالك ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء ونحوه قال الاوزاعي واتباع الصحابة رضي الله عنهم فيما فعلوه وقالوه أحسن * (مسألة) * (ويستحب الاسراع بها)
لا نعلم فيه خلافا بين الائمة رحمهم الله وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أسرعوا بالجنازة فان تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وان كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " متفق عليه واختلفوا في الاسراع المستحب فقال القاضي هو اسراع لا يخرج عن المشي المعتاد وهو قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي يخب ويرمل، لما روى أبو داود عن عيبنة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص وكنا نمشي مشيا خفيفا فلحقنا أبو بكر فرفع سوطه فقال لقد رأيثنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرمل رملا: ولنا ما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر عليه بجنازة تمخض مخضا فقال " عليكم بالقصد في جنائزكم " رواه الامام أحمد في المسند ولان الاسراف في الاسراع يمخضها ويؤذي حامليها ومتبعيها ولا يؤمن على الميت، وقال ابن عباس في جنازة ميمونة لا تزلزلوا وارفقوا فانها أمكم * (فصل) * واتباع الجنائز سنة لقول البراء أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز متفق عليه
واتباع الجنائز على ثلاثة أضرب أحدها، أن يصلي عليها ثم ينصرف قال زيد بن ثابت إذا صليت فقد قضيت الذي عليك، وقال أبو داود رأيت أحمد ما لا احصي صلى على جنائز ولم يتبعها إلى القبر
ولم يستأذن، الثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن فله قيراطان - قيل وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين " متفق عليه.
الثالث: أن يقف بعد الدفن فيستغفر له ويسأل الله له التثبيت ويدعو له بالرحمة فانه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتا وقف فقال " استغفروا الله (1) واسألوا الله له التثبيت فانه الآن يسئل " رواه أبو داود، وروي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده عند الدفن أول البقرة وخاتمتها ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعا متفكرا في حاله متعظا بالموت وبما يصير إليه الميت، لا يتحدث بأحاديث الدنيا ولا يضحك، قال سعد بن معاذ ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها ورأى بعض السلف رجلا يضحك في جنازة فقال تضحك وأنت تتبع الجنازة لا كلمتك أبدا * (مسألة) * (ويستحب أن يكون المشاة أمامها والركبان خلفها) أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة، روي ذلك عن أبى بكر وعمر وعثمان وابن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير وأبي قتادة وأبي أسيد وشريح والقاسم بن محمد وسالم والزهري ومالك والشافعي.
وقال الاوزاعي وأصحاب الراي المشي خلفها أفضل لما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجنازة متبوعة ولا تتبع ليس منها من تقدمها " وقال علي رضي الله عنه: فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي قدامها كفضل المكتوبة على التطوع سمعته من رسول
__________
(1) كذا والرواية المشهورة " استغفروا لاخيكم " الخ
الله صلى الله عليه وسلم، ولانها متبوعة فيجب أن تقدم كالامام في الصلاة.
ولهذا قال في الحديث الصحيح " من تبع جنازة "
ولنا ما روى ابن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازه، رواه أبو داود والترمذي وعن أنس نحوه رواه ابن ماجه قال ابن المنذر ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازه، وقال أبو صالح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون أمام الجنازة ولانهم شفعاء له بدليل قوله عليه السلام " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة لهم يشفعون له الا شفعوا فيه " رواه مسلم، والشفيع يتقدم المشفوع له، وحديث ابن مسعود يرويه أبو ماجد وهو مجهول، قيل ليحيى من أبو ماجد هذا؟ قال طائر طار قال الترمذي سمعت محمد بن اسماعيل يضعف هذا الحديث والحديث الآخر لم يذكره أصحاب السنن وقالوا هو ضعيف ثم نحمله على من تقدمها إلى موضع الصلاة أو الدفن ولم يكن معها وقياسهم يبطل بسنة الصبح والظهر فانها تابعة لهما وتتقدمهما في الوجود * (فصل) * ويكره الركوب في اتباع الجنائز لما روى ثوبان قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال " ألا تستحون أن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب " رواه الترمذي.
فان ركب فالسنة أن يكون خلف الجنازة، قال الخطابي: في الراكب لا أعلمهم اختلفوا
في أنه يكون خلفها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الراكب يمشي خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها " رواره أبوداد والترمذي، ولفظه " الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها.
والطفل يصلى عليه " وقال هذا حديث صحيح ولان سير الراكب أمامها يؤذي المشاة، فأما الركوب في الرجوع من الجنازة فلا بأس به.
قال جابر بن سمرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس، قال الترمذي هذا حديث صحيح * (فصل) * ويكره رفع الصوت عند الجنائز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنائز بصوت، قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباد انه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال.
وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا وإسحق قول القائل خلف الجنازة استغفروا له.
قال الاوزاعي بدعة.
وقال سعيد بن المسيب في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول استغفروا له غفر الله لكم.
وقال فضيل بن عمرو بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلا يقول: استغفروا له غفر الله لكم.
فقال ابن عمر لا غفر الله لك.
رواهما سعيد.
قال أحمد ولا يقول خلف الجنازة سلم رحمك الله فانه بدعة،
ولكن يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله ويذكر الله إذا تناول السرير.
ومس الجنازة بالايدي أو الاكمام والمناديل محدث مكروه ولا يؤمن معه فساد الميت، وقد منع العلماء مس القبر فمس الجسد مع احتمال الاذى أولى بالمنع * (فصل) * ويكره اتباع الميت بنار، قال ابن المنذر: يكره ذلك كل من يحفظ عنه من أهل العلم روي عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل ومعقل بن يسار وأبي سعيد وعائشة وسعيد بن المسيب أنهم وصوا أن لا يتبعوا بنار، وروى ابن ماجه أن أبا موسى حين حضره الموت قال: لا تتبعوني بمجمر.
قالوا له أو سمعت فيه شيئا؟ قال نعم.
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار " فان دفن ليلا فاحتاجوا إلى ضوء فلا بأس به انما كره المجامر فيها البخور، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج، قال الترمذي هذا حديث حسن * (فصل) * ويكره اتباع النساء الجنائز لما روي عن أم عطية قالت: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا متفق عليه.
كره ذلك ابن مسعود وابن عمر وأبو امامة وعائشة ومسروق والحسن والنخعي والاوزاعي وإسحق.
وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج فإذا نسوة جلوس، قال " ما يجلسكن؟ " قلن ننتظر الجنازة.
قال " هل تغسلن " قلن لا.
قال " هل تحملن " قلن لا.
قال " هل تدلين فيمن
يدلي " قلن: لا.
قال " فارجعن مأزورات غير مأجورات " رواه ابن ماجه.
وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم لقي فاطمة قال " ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ " قالت يا رسول الله أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به.
قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلعلك بلغت معهم الكدى " قالت معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر.
قال " لو بلغت معهم الكدى " فذكر تشديدا رواه أبو داود
* (فصل) * فان كان مع الجنازة منكر يراه أو يسمعه، فان قدر على انكاره وإزالته زاله، وان لم
يقدر على ازالته ففيه وجهان: أحدهما ينكره ويتبعها فيسقط فرضه بالانكار ولا يترك حقا لباطل، (والثاني) يرجع لانه يؤدي إلى استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك
* (مسألة) * (ولا يجلس من تبعها حتى توضع) وممن رأى ان لا يجلس حتى توضع عن أعناق الرجال الحسن بن علي وابن عمر وأبو هريرة
وابن الزبير والنخعي والشعبي والاوزاعي واسحق، ووجه ذلك ما روى مسلم باسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع " وقال الشافعي
هذا منسوخ بقول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد رواه مسلم.
قال إسحق معنى قول علي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الجنازة قام ثم ترك ذلك بعد.
وعلى هذا التفسير لا يصح
دعوى النسخ، وليس في اللفظ عموم فيعم الامرين جميعا فلم يجز النسخ بأمر محتمل ولان قول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد يدل على ابتداء فعل القيام، وها هنا انما وجدت منه الاستدامة إذ ثبت هذا فأظهر الروايتين أنه أريد وضعها عن أعناق الرجال وهو قول من ذكرنا من قبل.
وقد روي الحديث " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع بالارض " ورواه أبو معاوية " حتى يوضع في اللحد " وحديث سفيان أصح.
وأما من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي إليه.
قال الترمذي: روي عن بعض
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انهم كانوا يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهي إليهم، وإذا جاءت وهو جالس لم يقم لها لما يأتي بعد
* (مسألة) * (وان جاءت وهو جالس لم يقم لها لما ذكرنا من حديث علي وقد فسره اسحق بما حكينا) وقد روي عن أحمد انه قال: ان قام لم أعبه وان قعد فلا بأس.
وذكر ابن أبي موسى والقاضي
ان القيام مستحب لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه " رواه مسلم.
وقد ذكرنا ان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك القيام لها
والاخذ من آخر أمره أولى.
وقد روي في حديث ان يهوديا رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام للجنازة
فقال يا محمد: هكذا نصنع؟ فترك النبي صلى الله عليه وسلم القيام لها
* (مسألة) * (ويدخل قبره من عند رجل القبر ان كان أسهل عليهم) المستحب أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل سلا إلى القبر روي ذلك عن ابن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الانصاري والنخعي والشعبي والشافعي.
وقال أبو حنيفة توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة ثم يدخل القبر معترضا لانه يروى عن علي رضي الله عنه، وقال النخعي حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الاول يدخلون موتاهم من قبل القبلة وان السل شئ أحدثه أهل المدينة ولنا ان الحارث أوصى أن يليه عند موته عبد الله بن يزيد الانصاري فصلى عليه ثم دخل القبر فأدخله من رجلي القبر وقال هذه السنة وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الامام أحمد.
وروى ابن عمر وابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا، وما ذكر عن النخعي لا يصح لان مذهبه بخلافه ولانه لا يجوز على العدد الكثير أن يغيروا سنة الا بسبب ظاهر أو سلطان
قاهر ولم ينقل شئ من ذلك، ولو نقل فسنة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على فعل أهل المدينة فأما ان كان أخذه من قبل القبلة أو من رأس القبر أسهل عليهم فلا حرج فيه لان استحباب أخذه من عند رجل القبر انما كان طلبا للاسهل.
قال أحمد كل لا بأس به * (فصل) * قال أحمد يعمق القبر إلى الصدر الرجل والمرأة في ذلك سواء.
كان الحسن
وابن سيرين يستحبان ذلك، وروى سعيد باسناده ان عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة ولا يعمقوا، فان ما على ظهر الارض أفضل مما سفل منها.
وذكر أبو الخطاب انه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " احفروا وأوسعوا وأعمقوا " رواه أبو داود ولان ابن عمر أوصى بذلك.
والمنصوص عن أحمد ما ذكرنا أولا لان التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة وقوله صلى الله عليه وسلم " اعمقوا " ليس فيه بيان قدر التعميق ولم يصح ما رووه عن ابن عمر، ولو صح عند أحمد لم يعده إلى غيره.
إذا ثبت هذا فانه يستحب تحسينه وتعميقه وتوسيعه للخبر.
وقد روى زيد بن أسلم قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال اصنعوا كذا اصنعوا كذا ثم قال: " ما بي أن يكون يغني عنه شيئا، ولكن الله يحب إذا عمل العمل أن يحكم " قال معمر وبلغني انه قال " ولكنه أطيب لانفس أهله " رواه عبد الرزاق في كتاب الجنائز * (مسألة) * قال (ولا، يسجى القبر الا أن يكون لامرأة) قال الشيخ رحمه الله لا نعلم في استحباب تغطية قبر المرأة خلافا بين أهل العلم، وقد روى ابن سيرين ان عمر قال يغطى قبر المرأة، ومن علي رضي الله عنه بقوم قد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: انما يصنع هذا بالنساء ولان المرأة عورة ولا يؤمن أن يبدو منها شئ فيراه الحاضرون فأما قبر للرجل فيكره ستره لما ذكرنا وكرهه عبد الله بن يزيد ولم يكرهه أصحاب الرأي وأبو ثور والاول أولى لان فعل علي يدل على كراهته ولان كشفه أمكن وأبعد من التشبه بالنساء مع ما فيه من اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: