مسائل منتقدة على الاحناف - الطلاق و النفقة
(مَسْأَلَةُ) النَّفَقَةِ والسُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا:
هذه المسألة معدودة عند الحنفية من أمثلة مخالفة الحديث للكتاب.
وقد اتفق أهل العلم على أن المطلقة البائن الحامل
لها السكنى والنفقة، أما البائن الحائل فقد اختلفوا في وجوب السكنى والنفقة لها.
فذهب أبو حنيفة إلى وجوب السُّكنى والنفقة لها. وهو قول عمر وابن مسعود. وذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين إلى وجوب السُّكنى ولا نفقة لها. وهو قول ابن عمر وعائشة. وذهب أحمد في الرواية الثانية وهي ظاهر المذهب إلى أنه لا نفقة لها ولا سُكنى، وهو قول علي وابن عباس وجابر. أحكام القرآن (3/ 687)، والتمهيد (19/ 144)، وشرح مسلم للنووي (10/ 95)، والمغني (7/ 185).
-(أدلة الحنابلة):
استدل الحنابلة بما رواه مسلم (3778) عن الشعبي قال: دخلت على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقالت: طلقها زوجها البتة فقالت: فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، وأمرني أن أبيت في بيت ابن أم مكتوم. وفي رواية لأحمد في مُسنده (6/ 373، 417): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (انظري يا ابنة آل قيس، إنما النفقة والسُّكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سُكنَى).
-(أدلة الشافعية والمالكية):
واحتج الشافعية والمالكية لوجوب السُّكنى بظاهر قوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُم مِنْ وُجْدِكُمْ) [الطلاق: 6] ولعدم وجوب النفقة بحديث فاطمة بنت قيس من طريق مالك، مع ظاهر قوله تعالى: (وَإِن كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 6] فمفهومه أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن.
رَوَى مالك في الموطأ (1225) عن عبدالله بن يزيد عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيسٍ: أن أبا عمرِو بن حفص طلقها الْبَتَّةَ وهو غائبٌ بالشام فأرسل إليها وَكِيلُهُ بشعيرٍ فَسَخِطَتْهُ فقال: والله ما لَكِ علينا من شيء. فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: (ليس لك عليه نفقةٌ). وأمرها أن تَعْتَدَّ في بيت أم شُرِيك ثم قال: (تلك امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أصحابي اعْتَدِّي عند عبدالله ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى تَضَعِينَ ثِيابَكِ عنده).
وتأولوا خروجها بما قاله سعيد بن المسيب: تلك امرأة فتنت الناس، إنها لما طُلقت استطالت على أحمائها آذتهم بلسانها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتقل إلى بيت ابن أم مكتوم. وقال سليمان بن يسار: خروج فاطمة إنما كان عن سوء خلق. سنن أبي داود (2296).
وقال الشافعي في الأم (5/ 116): "وإنما أخرجها من بيت زوجها وأمرها أن تعتد في غيره لعِلَّة لم تذكرها فاطمة في الحديث؛ كأنها استحيت من ذكرها وقد ذكرها غيرها، وهي أنها كان في لسانها ذرب فاستطالت على أحمائها استطالة تفاحشت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بين ابن أم مكتوم".
وقيل: خرجت؛ لأنها خافت في ذلك المنزل بدليل ما رواه مسلم (3791) عن فاطمة قالت: قلت يا رسول الله، زوجي طلقني ثلاثًا، وأخاف أن يقتحم عليَّ. فأمرها أن تتحول.
ولا يخفى أن مذهب مالك والشافعي مبنيٌّ على رواية حديث فاطمة من طريق مالك، ولعل روايات الحديث الأخرى لم تثبت عندهما كما قال ابن عبدالبر في التمهيد (19 / 151).
-(أدلة الحنفية):
واحتج الحنفية بعموم قوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 6] فإن عموم الآية يشمل الطلاق البائن والطلاق الرجعي، ويوجب السُّكنى والنفقة في الحالتين، وحديث فاطمة بنت قيس خصص عموم الآية وجعلها تقتصر على الطلاق الرجعي، وهو حديث آحاد لا يصلح أن يخصص عموم القرآن.
واستدلال الحنفية على وجوب السُّكنى من الآية ظاهر، وأما وجوب النفقة فغير ظاهر؛ لأن الله تعالى رتب وجوب النفقة على الحمل، وقد أجاب الجصاص على ذلك بأن الآية قد تضمنت الدلالة على وجوب نفقة المبتوتة من ثلاثةِ أوجهٍ:
أحدها: أن السُّكنى لما كانت حقًّا في مالِ وقد أوجبها الله لها بنص الكتاب؛ إذ كانت الآية قد تناولت المبتوتة والرجعية، فقد اقتضى ذلك وجوب النفقة؛ إذ كانت السكنى حقًّا في مال وهي بعض النفقة.
والثاني: قوله: (وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ) [الطلاق: 6] والمضارة تقع في النفقة كما في السُّكنى.
والثالث: قوله: (لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ) [الطلاق: 6] والتضييق قد يكون في النفقة أيضًا، فعليه أن ينفق عليها ولا يضيق عليها فيها.
وقوله تعالى: (وَإِن كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُواآ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 6] قد انتظم المبتوتة والرجعية، ثم لا تخلو هذه النفقة من أن يكون وجوبها لأجل الحمل، أو لأنها محبوسة عليه في بيتها، فلما اتفق الجميع على أن النفقة واجبة للرجعية بالآية لا للحمل؛ بل لأنها محبوسة عليه في بيته، وجب أن تستحق المبتوتة النفقة لهذه العلة؛ إذ قد علم ضمير الآية في علية استحقاق النفقة للرجعية، فصار قوله: (فَأَنْفِقُواْ عَلَيْهِنَّ) [الطلاق: 6] لعلة أنها محبوسة عليه في بيته؛ لأن الضمير الذي تقوم الدلالة عليه بمنزلة المنطوق به.
فإن قيل: فما فائدة تخصيص الحامل بالذكر في إيجاب النفقة؟ قيل له: قد دخلت فيه المطلقة الرجعية ولم يمنع نفي النفقة لغير الحامل فكذلك في المبتوتة، وإنما ذكر الحمل؛ لأن مدته قد تطول وتقصر، فأراد إعلامنا وجوب النفقة مع طول مدة العمل التي هي في العدة أطول من مدة الحيض. أحكام القرآن (3/ 687).
واحتج الحنفية بإنكار عمر وعائشة وأسامة على فاطمة في روايتها لهذا الحديث -سيأتي ذكر أقوالهم وتخريجها-، ومعلوم أنهم كانوا لا ينكرون روايات الأفراد بالنظر والمقايسة، فلولا أنهم قد علموا خلافه من السنة ومن ظاهر الكتاب لما أنكروه عليها، وقد استفاض خبر فاطمة في الصحابة فلم يعمل به منهم أحد إلا شيئًا رُوِي عن ابن عباس وغيره. أحكام القرآن للجصاص (3/ 690).
(مَسْأَلَةُ) الْطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالعِدَّة بِالنِّسَاءِ:
أما هذه المسألة؛ فمعدودة عند الحنفية من أمثلة إعراض الصحابة عن الحديث [خبر الآحاد].
_القسم الأخير من أقسام الانقطاع الباطن بالمعارضة (عند الحنفية): هو عرض خبر الواحد على عمل الصحابة، فإن احتجوا به كان مقبولًا، وإن أعرضوا عنه كان مردودًا؛ لأن الصحابة هم الأصول في نقل الشريعة، فإعراضهم يدل على انقطاعه وانتساخه، وذلك بأن يختلفوا في حادثة بآرائهم ولم يحاج بعضهم في ذلك بحديث، كان ذلك دليلًا على زيافة الحديث المروي في تلك الحادثة؛ لأن استعمال الرأي والإعراض عن النص غير سائغ وهو مما يُنزه عنه الصحابة -رضي الله عنهم-. راجع: كشف الأسرار (3/ 18)، وأصول السرخسي (1/ 369)، وشرح المنار (2/ 648)، والتلويح (2/ 9)، والكافي (3/ 1297).
وتفرد بهذا النوع من الرد للحديث بعض الحنفية المتقدمين وعامة المتأخرين، وخالفهم في ذلك غيرهم من الأصوليين وأهل الحديث، قائلين بأن الحديث إذا ثبت وصح سنده فخلاف الصحابي إياه وتركه العمل والمحاجة به لا يوجب رده؛ لأن الخبر حجة على كافة الأمة والصحابي محجوج به كغيره، فإن قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36]، وقوله: (وَمآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاْنتَهُواْ) [الحشر: 7] وردا عامين من غير تخصيص لبعض الأمة دون البعض.
ومَنْ رَدَّهُ احتج بأن الصحابة هم الأصول في نقبل الدين لم يُتهموا بترك الاحتجاج بما هو حجة والاشتغال بما ليس بحجة، مع أنعنايتهم بالحجج كانت أقوى من عناية غيرهم بها، فترك المحاجة والعمل به عند ظهور الاختلاف فيهم دليل ظاهر على أنه سهو ممن رواه بعدهم أو منسوخ.
وأجاب الآخرون بأنه إنما يكون ذلك دليلًا إذا بلغهم الخبر ثم لم يحاجوا به، فلعلهم لم يحاجوا به لعدم بلوغه إياهم، فإنهم قد تفرقوا في البلاد بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن من سمخ الخبر لم يكن حاضرًا عند اختلافهم، ولم يبلغه اختلافهم ليروي لهم الخبر، فلا يجوز أن يُرَدَّ الحديث بمثل ذلك إذا ثبت عدالة رواته. راجع: كشف الأسرار (3/ 18).
لا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث، وأن العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان، وإنما الخلاف في عدد التطليقات التي يملكها الرجل على امرأته عند اختلاف حالهما من حيث الحرية والرق، فذهب بعضهم إلى أن المعتبر حال الرجل سواء أكانت امرأته حرة أم أمة، وذهب بعضهم إلى أن المعتبر حال المرأة سواء أكان زوجها حرًّا أم عبدًا. وذهب بعضهم إلى اعتبار الرق في أيٍّ من الزوجين. راجع: اختلاف العلماء للمروزي (1/ 139).
فقال مالك والشافعي وأحمد: إن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، فإذا طلق الحر امرأته وهي حرة أو مملوكة فطلاقها ثلاث تطليقات، وإذا طلق العبد امرأته وهي حرة أو مملوكة فطلاقه تطليقتان، وعدة الأمة قراءان تحت عبد كانت أو حر. وهو قول إسحاق وابن المسيب وأبي ثور وابن المنذر، وروي عن عمر وعثمان وزيد وعائشة وابن عباس. راجع: الموطأ (2/ 582)، وروضة الطالبين (8/ 71)، والمغني (7/ 389).
وقال أبو حنيفة: إن الطلاق والعدة جميعًا بالنساء، فإذا طلق الحر امرأته وهي أمة تطلقتينِ حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره وعدتها حيضتان، وإذا طلق العبد امرأته وهي حرة تطليقتين لم تحرم منه بتطلقتينِ حتى يطلقها ثلاثًا، فإذا طلقها ثلاثًا حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره وعدتها ثلاث حيض. وهو قول سفيان والحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد، وروي عن علي وابن مسعود. راجع: الهداية وشروحها: العناية (3/ 492)، فتح القدير (3/ 492)، نصب الراية (3/ 430)، والمبسوط (6/ 39)، وتبيين الحقائق (2/ 196)، وبدائع الصنائع (3/ 98).
وذهب عبدالله بن عمر إلى اعتبار حالة الرق في أيٍّ من الزوجين فأيهما رق نقص الطلاق برقه، حتى لا يملك عليها ثلاث تطليقات إلا إذا كانا حرين.
روى البيهقي في السنن الكبرى (7/ 369) من طريق نافع وسالم عن ابن عمر في الأمة تكون تحت الحر قال: تبين بتطلقتينِ وتعتد بحيضتين، وإذا كانت الحرة تحت العبد بانت بتطليقتينِ وتعتد ثلاث حيض.
-أدلة الجمهور:
1- روى ابن أبي شيبة وعبدالرزاق عن عثمان بن عفان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وابن مسعود موقوفًا عليهم قالوا: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء. أخرجه هذه الموقوفات ابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 101)، وعبدالرزاق في مصنفه (7/ 236)، والطبراني في معجمه الكبير (9/ 337)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 370).
قال الحافظ ابن حجر: "لم أجده مرفوعًا، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس بإسناد صحيح". الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 70).
2- روى مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار: أن نفيعًا مكاتبًا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدًا كانت تحتته امرأة حرة فطلقها اثنتين، ثم أراد أن يرتجعها فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك، فذهب فلقيه عند الدرج آخذًا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعًا فقالا: حرمت عليك حرمت عليك. أخرجه مالك في الموطأ (1204)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 368) من عدة طرق.
3- روى عبدالرزاق عن عبدالله بن زياد بن سمعان -عبدالله بن زياد بن سليمان بن سمعان اتهمه بالكذب مالك ومحمد بن سعد ويحيى بن معين وأبو داود. وقال ابن معين في رواية: ضعيف الحديث. وفي أخرى: ليس حديثه بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال علي بن المديني وعمرو بن علي: ضعيف الحديث جدًّا. وقال أبو زرعة: لا شيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث سبيله سبيل الترك. وقال البخاري: سكتوا عنه. راجع: تهذيب الكمال(14/ 526)، والجرح والتعديل (5/ 61)، وتهذيب التهذيب (5/ 193)، وميزان الاعتدال (2/ 423)- عن عبدالله بن عبدالرحمن الأنصاري عن نافع عن أم سلمة: أن غلامًا لها طلق امرأة له حرة تطليقتين، فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره). مصنف عبدالرزاق (7/ 236)، وأخرجه من طريقه الطبراني في الكبير (23/ 290).
وهو حديث منكر.
4- روى الدارقطني والبيهقي عن عبدالله بن عتبة عن عمر قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتينِ، وتعتد الأمة بحيضتينِ، فإن لم تكن تحيض فشهرينِ أو شهرًا ونصفًا.
5- واستدل ابن قدامة بأن الله تعالى خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرًا بهم؛ ولأن الطلاق خالص حق الزوج، وهو مما يختلف بالرق والحرية، فكان اختلافه به كعدد المنكوحات. المغني (7/ 389).
-أدلة الحنفية:
1- روى أبو داود (2189)، والترمذي (1218)، وابن ماجه (2080) عن أبي عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان).
قال أبو داود: وهو حديث مجهول. وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ولا يعرف له في العلم غير هذا الحديث. [مظاهر بن أسلم قال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف الحديث. وقال أبو داود: رجل مجهول، وحديثه في طلاق الأمة منكر. وقال النسائي: ضعيف. وذكره ابن حبان في الثقات. تهذيب الكمال (28/ 96) وميزان الاعتدال (4/ 130)، والثقات (7/ 528)].
وقال ابن عدي: ومظاهر بن أسلم معروف بحديث طلاق الأمة، وقد ذكرنا له حديثًا آخر وما أظن له غيرهما، وإنما أنكروا عليه حديث طلاق الأمة. الكامل (6/ 449) والحديث الآخر لمظاهر رواه ابن عدي في هذا الموضع والعقيلي في الضعفاء (2/ 141) والطبراني في المعجم الأوسط (7/ 36) عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات في كل ليلة من آخر آل عمران.
واستدلَّ أهل العلم على ضعف هذا الحديث بأمور:
الأول: اتفاق الحفاظ على ضعف مظاهر وإنكارهم عليه هذا الحديث.
الثاني: أن البيهقي روى الحديث في سننه الكبرى (7/ 369) من طريق صغدي بن سنان عن مظاهر فقال فيه: (طلاق العبد اثنتان). وليس فيه: (طلاق الأمة).
الثالث: أنا لقاسم راوي الحديث عن عائشة رُوي عنه ما يدل أن الحديث المرفوع غير محفوظ، روى البيهقي في السنن الكبرى (7/ 370) عن زيد بن أسلم قال: سُئِل القاسم بن محمد عن عدة الأمة فقال: الناس يقولون حيضتان وإنا لا نعلم ذلك في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: سئل القاسم عن الأمة كم تطلق؟ قال: طلاقها اثنتان وعدتها حيضتان. قال: فقيل له: أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؟ قال: لا.
قال الخطابي في معالم السنن (3/ 207): "الحديث حجة لأهل العراق إن ثبت، ولكن أهل الحديث ضعفوه، ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدًا".
2- روى ابن ماجه (2079)، والدارقطني في سننه (4/ 39) عن عمر بن شبيب المُسْلِيِ -وعمر بن شبيب المسلي قال عنه ابن معين: ليس بثقة. وقال يعقوب بن سفيان: ليس حديثه بشيء. وقال أبو زرعة: لين الحديث. وقال مرة: واهي الحديث. وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. تهذيب الكمال (21/ 390)، وميزان الاعتدال (4/ 204)- عن عبدالله بن عيسى عن عطية -عطية بن سعد العوفي قال عنه أحمد: ضعيف الحديث وكان هُشيم والثوري يضعفان حديثه. وقال يحيى: صالح. وقال أبو زرعة: لين. وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه. وقال الجوزجاني: مائل. قال النسائي: ضعيف. تهذيب الكمال (20/ 145)، وميزان الاعتدال (3/ 79)- عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طلاق الأمة اثنتان وقرؤها حيضتان).
قال الدارقطني: منكر غير ثابت من وجهين:
أحدهما: أن عطية ضعيف وسالم ونافع أثبت منه وأصح رواية.
والوجه الآخر: أن عمر بن شبيب ضعيف لا يحتج بروايته والله أعلم.
3- أخرج الدارقطني في سننه (3/ 311) عن سلم بن سالم -سلم بن سالم البلخي الزاهد كان ابن المبارك يكذبه، وضعفه ابن معين وقال مرة: ليس بشيء. وقال أحمد: ليس بذاك. وقال أبو زرعة: لا يُكتب حديثه. وقال النسائي: ضعيف. ميزان الاعتدال (2/ 185)- عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانت الأمة تحت الرجل فطلقها تطليقتين ثم اشتراها، لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره).
وبعد عرض أدلة المذهبين يتبين صحة ما قاله ابن الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف: "وقد رُويت أحاديث في الطرفين كلها ضعاف".
وبذلك يثبت صحة ما قَعَّدَه الحنفية من أن الحديث إذا أعرض الصحابة عن الاحتجاج به عند اختلافهم دلَّ على عدم ثبوته، وقد علمتَ أنه لا يصح شيء من أحاديث الباب مرفوعًا، وأن الصحيح منها موقوف على الصحابة -رضي الله عنهم-.
وراجع: "منهج الحنفية في نقد الحديث" الصفحات (232، 237).
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنفي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: