الشافعية فقه - الامامة - ج 40
الطريقة الثالثة :
الاستيلاء بالقوة والغلبة ، ولانعقاد الإمامة بذلك شرطان اثنان :
الشرط الأول : أن يكون المستولي جامعاً لشروط الإمامة التي سبق ذكرها، أو أن يكون أغني بهذه الشروط أو بعضها من الآخرين .
وفي عدم توفر العدالة في المستولي خلاف ، والصحيح أن إمامته تنعقد بالتغلب ، ولكنه يكون عاصياً بما فعل .
الاستيلاء بالقوة والغلبة ، ولانعقاد الإمامة بذلك شرطان اثنان :
الشرط الأول : أن يكون المستولي جامعاً لشروط الإمامة التي سبق ذكرها، أو أن يكون أغني بهذه الشروط أو بعضها من الآخرين .
وفي عدم توفر العدالة في المستولي خلاف ، والصحيح أن إمامته تنعقد بالتغلب ، ولكنه يكون عاصياً بما فعل .
الشرط الثاني : أن يكون الاستيلاء بعد موت الإمام الذي قبله ، أو بعد عزله ، بموجب شرعي صحيح ، أما إذا استولي على الأمر في حال حياته ، فإن كانت إمامة من قبله منعقدة هي الأخرى بالاستيلاء والغلبة انعقدت للغالب منهما ، وإن كانت منعقدة بالبيعة أو العهد ، لم تنعقد إمامة هذا الثاني عندئذ بالاستيلاء والغلبة ، مهما تغلب على خصمه ، أو استتب له الأمر ، وعليه يحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " . ( رواه مسلم [1853] في الإمارة ، باب : إذا بويع لخليفتين ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ) .
وروي عرفجة بن شريح رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " . ( أخرجه مسلم [1853] في الإمارة ، باب : حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع ) .
البيعة : شروطها وكيفيتها :
قلنا فيما سبق : إن البيعة هي الطريقة الأولي لانعقاد الإمامة ، والبيعة : هي العقد الذي يكون بين الخليفة وعامة الناس ، ولا يكون هذا إلا بعد شوري أهل الحل والعقد ، وأن يقع الاختيار على من استكمل صفات الإمامة تحقيقاً ، وذلك لقوله عز وجل : ? وأمرهم شوري بينهم ? ( سورة الشورى : 38).
وروي عرفجة بن شريح رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " . ( أخرجه مسلم [1853] في الإمارة ، باب : حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع ) .
البيعة : شروطها وكيفيتها :
قلنا فيما سبق : إن البيعة هي الطريقة الأولي لانعقاد الإمامة ، والبيعة : هي العقد الذي يكون بين الخليفة وعامة الناس ، ولا يكون هذا إلا بعد شوري أهل الحل والعقد ، وأن يقع الاختيار على من استكمل صفات الإمامة تحقيقاً ، وذلك لقوله عز وجل : ? وأمرهم شوري بينهم ? ( سورة الشورى : 38).
وقد كان الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل أحدهم في الإسلام ، مد يده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعه على السمع والطاعة بوصفة نبياً ، وبوصفه حاكماً ، ولعلك تذكر من ذلك بيعة العقبة الأولي والثانية في مكة ، وبيعة آحاد الصحابة رضي الله عنهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخولهم في الإسلام . ومن هذا قول عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : ( بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثره علينا ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم ) . ( رواه البخاري [6774] في الأحكام ، باب : كيف يبايع الإمام الناس ، ومسلم [1709] في الإمارة ، باب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، ومالك في الموطأ [2/445،446] في الجهاد ، باب : الترغيب في الجهاد ، والنسائي [7/138،137] في البيعة باب : البيعة على السمع والطاعة ، وابن ماجه [2866] في الجهاد ، باب : البيعة ) .
[المنشط : الأمر الذي ننشط له ، ونخف إليه ، ونؤثر فعله . المكره : الأمر الذي نكرهه ، ونتثاقل عنه . أثره علينا : الأثرة : الاستئثار بالشيء ، والانفراد به ، والمراد بالحديث : أنا نؤثر غيرنا على أنفسنا ، ونفضلهم عليها ] .
فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لابد أن يبايع الناس من ينوب منابه ، - صلى الله عليه وسلم - في إدارة أمور المسلمين ، ورعاية شؤونهم ، وتصريف أمور الدولة الإسلامية ، تعبيراً بذلك عن استمرار بيعتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - واستمرار طاعتهم له ، بطاعة خلفائه من بعده.
شروط البيعة :
وشروط البيعة لتنعقد بها الخلافة والإمامة ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن تصدر من أهل الحل والعقد ، من شتي الأقطار والبلاد .
[المنشط : الأمر الذي ننشط له ، ونخف إليه ، ونؤثر فعله . المكره : الأمر الذي نكرهه ، ونتثاقل عنه . أثره علينا : الأثرة : الاستئثار بالشيء ، والانفراد به ، والمراد بالحديث : أنا نؤثر غيرنا على أنفسنا ، ونفضلهم عليها ] .
فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لابد أن يبايع الناس من ينوب منابه ، - صلى الله عليه وسلم - في إدارة أمور المسلمين ، ورعاية شؤونهم ، وتصريف أمور الدولة الإسلامية ، تعبيراً بذلك عن استمرار بيعتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - واستمرار طاعتهم له ، بطاعة خلفائه من بعده.
شروط البيعة :
وشروط البيعة لتنعقد بها الخلافة والإمامة ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن تصدر من أهل الحل والعقد ، من شتي الأقطار والبلاد .
... وأهل الحل والعقد هم : العلماء ، والزعماء ، ووجوه الناس الذين يهرع إليهم عادة في حل المشكلات ، وتدبير الأمور ، ولا يشترط أن يجتمع على البيعة جميع أهل الحل والعقد من سائر البلدان ، كما لا يُشترط لذلك عدد معين ، بل يُكتفي بمبايعة جماهيرهم من كل بلدة ، سيان في ذلك الرجال والنساء ، سوى أن بيعة النساء تختلف عن بيعة الرجال ، بأن الأولي لا مصافحة فيها ، بل يقتصر فيها على المعاهدة باللسان ، دليل ذلك : مبايعة أهل مكة للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ، فقد بايعه الرجال والنساء ، لكنه أحجم عن مصافحة النساء .
فإذا بايع أهل الحل والعقد ، أو جماهيرهم، رجلاً ممن توفرت لديه شروط الإمامة ، انعقدت له الإمامة بذلك ، وكان على سائر المسلمين أن يدخلوا في بيعته حقيقة أو حكماً ، بأن يبايعه مباشرة ، أو يعقد العزم على السمع والطاعة له ضمن الحدود المشروعة التي سوف نتحدث عنها . وإنما لم يشترط مبايعة جميع الناس له ، واكتفي بأهل الحل والعقد منهم ، لأن أهل الحل والعقد هم الذين ينعقد بهم الإجماع الذي هو مصدر من مصادر الشريعة وإذا قام الإجماع بهم ،لم يسع بقية الناس إلا الدخول فيما اتفقوا وأجمعوا عليه ، إذ الإجماع دليل قطعي لا تجوز مخالفته .
الأمر الثاني : أن يتوفر في المبايعين من أهل الحل والعقد كل من :
درجة الاجتهاد في موضوع الإمامة وأحكامها .
ب - وصفة الشهود من العدالة وتوابعها .
فإن لم يكونوا كذلك لم تكن بيعتهم نافذة ، ولم تنعقد الإمامة بموجبها .
الأمر الثالث : أن يجيبهم إليها من وقع الاختيار على مبايعته ، بأن يظهر الموافقة بصريح العبارة أو كنايتها ، فإن امتنع عنها ، فليس لهم أن يُكرهوه عليها، ذلك لأنها عقد مراضاة واختيار ، لا يصلح أن يدخله إجبار ولا إكراه .
آثار البيعة :
فإذا بايع أهل الحل والعقد ، أو جماهيرهم، رجلاً ممن توفرت لديه شروط الإمامة ، انعقدت له الإمامة بذلك ، وكان على سائر المسلمين أن يدخلوا في بيعته حقيقة أو حكماً ، بأن يبايعه مباشرة ، أو يعقد العزم على السمع والطاعة له ضمن الحدود المشروعة التي سوف نتحدث عنها . وإنما لم يشترط مبايعة جميع الناس له ، واكتفي بأهل الحل والعقد منهم ، لأن أهل الحل والعقد هم الذين ينعقد بهم الإجماع الذي هو مصدر من مصادر الشريعة وإذا قام الإجماع بهم ،لم يسع بقية الناس إلا الدخول فيما اتفقوا وأجمعوا عليه ، إذ الإجماع دليل قطعي لا تجوز مخالفته .
الأمر الثاني : أن يتوفر في المبايعين من أهل الحل والعقد كل من :
درجة الاجتهاد في موضوع الإمامة وأحكامها .
ب - وصفة الشهود من العدالة وتوابعها .
فإن لم يكونوا كذلك لم تكن بيعتهم نافذة ، ولم تنعقد الإمامة بموجبها .
الأمر الثالث : أن يجيبهم إليها من وقع الاختيار على مبايعته ، بأن يظهر الموافقة بصريح العبارة أو كنايتها ، فإن امتنع عنها ، فليس لهم أن يُكرهوه عليها، ذلك لأنها عقد مراضاة واختيار ، لا يصلح أن يدخله إجبار ولا إكراه .
آثار البيعة :
فإن استقرت الإمامة لمن تقلدها ، إما ببيعة ، أو عهد ، أو استيلاء مع توفر الشروط التي ذكرناها ، فقد أصبح ولياً لأمور المسلمين ، وترتبت على ذلك الواجبات التالية :
أولاً : أن يُشاع بين الناس والأمة كافة أن الإمامة قد أفضت إليه ، وأن يعرف لهم بصفاته ومزاياه ، ,إن لم يعرفوه بعينه واسمه .
ثانياً : أن ينهض الإمام بالأمور التالية :
حفظ الدين على أصوله التي جاء بها الكتاب والسنة ، وأجمع عليها سلف هذه الأمة ، بحيث إذا زاغ ذو شبهة ، أو نجم مبتدع أوضح له الحجة ، وبين له الصواب ، وأخذه بما يراه من الحقوق والحدود .
تنفيذ أحكام الله تعالى المتعلقة بالمعاملات المالية والمدنية والأحوال الشخصية والجنايات وغيرها .
العمل على نشر الطمأنينة والأمن في البلدان والأقطار الإسلامية ،والطرق الموصلة بعضها ببعض ، وتحقيق المصالح الإنسانية المختلفة وحمايتها ، من اقتصادية واجتماعية وثقافية .
تحصين الحدود والثغور بالعدة الكافية ،والقوة المانعة ، وتحقيق كل ما يلزم لذلك .
النهوض بأمر الدعوة الإسلامية في شتى أقطار العالم ، وجهاد من عاند سبيل الدعوة الإسلامية ، ووقف عقبة في وجهها .
وله في سبيل تحقيق هذه الواجبات أن يستعين بما يراه من أشكال التنظيم للجهاز التنفيذي الذي يستعين به ، وبما يراه من تنصيب الولاة والقضاة والوزراء وعزلهم ، وتكون أحكامه في ذلك كله نافذة .
أولاً : أن يُشاع بين الناس والأمة كافة أن الإمامة قد أفضت إليه ، وأن يعرف لهم بصفاته ومزاياه ، ,إن لم يعرفوه بعينه واسمه .
ثانياً : أن ينهض الإمام بالأمور التالية :
حفظ الدين على أصوله التي جاء بها الكتاب والسنة ، وأجمع عليها سلف هذه الأمة ، بحيث إذا زاغ ذو شبهة ، أو نجم مبتدع أوضح له الحجة ، وبين له الصواب ، وأخذه بما يراه من الحقوق والحدود .
تنفيذ أحكام الله تعالى المتعلقة بالمعاملات المالية والمدنية والأحوال الشخصية والجنايات وغيرها .
العمل على نشر الطمأنينة والأمن في البلدان والأقطار الإسلامية ،والطرق الموصلة بعضها ببعض ، وتحقيق المصالح الإنسانية المختلفة وحمايتها ، من اقتصادية واجتماعية وثقافية .
تحصين الحدود والثغور بالعدة الكافية ،والقوة المانعة ، وتحقيق كل ما يلزم لذلك .
النهوض بأمر الدعوة الإسلامية في شتى أقطار العالم ، وجهاد من عاند سبيل الدعوة الإسلامية ، ووقف عقبة في وجهها .
وله في سبيل تحقيق هذه الواجبات أن يستعين بما يراه من أشكال التنظيم للجهاز التنفيذي الذي يستعين به ، وبما يراه من تنصيب الولاة والقضاة والوزراء وعزلهم ، وتكون أحكامه في ذلك كله نافذة .
ثالثاً : أن تدخل ألأُمة كافة في طاعته ، والانصياع لأوامره ، فيما لا معصية فيه ، لقول الله عز وجل : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ? ( سورة النساء : 59) ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " ( رواه البخاري [6725] في الأحكام ، باب : السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ، ومسلم [1839] في الإمارة ، باب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، وغيرهما عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ) .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : ( أجمع العلماء على وجوبا ـ أي الطاعة ـ في غير معصية ، وعلى تحريمها في المعصية ) .
ولا فرق في وجوب الطاعة له بين أن يكون عادلاً أو جائراً ، ما دامت الطاعة بذاتها ليست في معصية .
فإذا أمر بمعصية حرمت طاعته فيها ، ووجب الجهر بالحق حيثما كان ، أما الخروج عليه بمحاولة خلعه أو قتاله ، فلا يجوز بإجماع المسلمين ، لما فيه من تعريض وحدة المسلمين للتصدع والفتنة . وكالأمر بالمعصية تلبسه بها ، يجب على المسلمين ـ إذا كان مجاهراً بها ـ بيان الحق والجهر بالإنكار عليه ، دون قتاله والخروج عليه .
هذا إذا لم يتلبس بكفر أو يأمر به ، فأما إذا فعل ذلك فإن إمامته تُلغي ، ويصبح المسلمون في حل من بيعتهم له .
وسنذكر تفصيل ذلك عند البحث في عزل الإمام .
حكم الشورى ، والأحكام التي تشرع فيها الشورى :
الشورى ، والمشورة : هي الاستعانة بآراء الآخرين للوصول إلى الحقيقة ، وحل المشكلات على أساسها .
وتنقسم أحكام الشورى الإسلامية إلي طائفتين :
الطائفة الأولي :
أحكام ترتبط بنصوص بينة واضحة من الكتاب أو السنة ، أو تعتمد على دليل الإجماع .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : ( أجمع العلماء على وجوبا ـ أي الطاعة ـ في غير معصية ، وعلى تحريمها في المعصية ) .
ولا فرق في وجوب الطاعة له بين أن يكون عادلاً أو جائراً ، ما دامت الطاعة بذاتها ليست في معصية .
فإذا أمر بمعصية حرمت طاعته فيها ، ووجب الجهر بالحق حيثما كان ، أما الخروج عليه بمحاولة خلعه أو قتاله ، فلا يجوز بإجماع المسلمين ، لما فيه من تعريض وحدة المسلمين للتصدع والفتنة . وكالأمر بالمعصية تلبسه بها ، يجب على المسلمين ـ إذا كان مجاهراً بها ـ بيان الحق والجهر بالإنكار عليه ، دون قتاله والخروج عليه .
هذا إذا لم يتلبس بكفر أو يأمر به ، فأما إذا فعل ذلك فإن إمامته تُلغي ، ويصبح المسلمون في حل من بيعتهم له .
وسنذكر تفصيل ذلك عند البحث في عزل الإمام .
حكم الشورى ، والأحكام التي تشرع فيها الشورى :
الشورى ، والمشورة : هي الاستعانة بآراء الآخرين للوصول إلى الحقيقة ، وحل المشكلات على أساسها .
وتنقسم أحكام الشورى الإسلامية إلي طائفتين :
الطائفة الأولي :
أحكام ترتبط بنصوص بينة واضحة من الكتاب أو السنة ، أو تعتمد على دليل الإجماع .
فهذه الأحكام لا شأن لها بالشورى ، ولا يستطيع أحد من الناس أيا كان في مستواه أو علمه أن يغير منها ، أو يطور فيها ، وإنما وظيفة الحاكم أن يسهر على تنفيذها ، كما جاءت بها النصوص ، أو كما استقر عليه الإجماع .
الطائفة الثانية :
أحكام اجتهادية ، وهي تنقسم إلي قسمين :
القسم الأول : أحكام مقررة في علم الله تعالى ، تستوعبها أدلة التشريع من القرآن ، أو السنة ، أو الإجماع ، أو القياس ، ولكنها خفية تحتاج في استنباطها من أدلتها إلى بحث وجهد ، فهذه أحكام تبليغية من الله عز وجل في جملتها وتفصيلها ، يبرم في أمرها المجتهدون من علماء المسلمين ، سواء كانوا حكاماً أو رعايا .
القسم الثاني : أحكام أنزل الله تعالى كلياتها ، ووكل أمر تفاصيلها ، وكيفية تطبيقاتها إلي مصلحة المسلمين ، وما تقتضيه ظروفهم وأوضاعهم المتطورة ، عن طريق ما يراه الحاكم المسلم ببصيرته الواعية ، وإخلاصه في خدمة المسلمين .
فهذه الأحكام تسمي أحكام الإمامة ، أو أحكام السياسة الشرعية ، لا يبرم في شأنها إلا الحاكم المجتهد ، وقد مر بك في أول هذا الباب أمثلة لهذه الأحكام .
فالطائفة الثانية بقسميها خاضعة للشورى ، بحيث لا يجوز أن يبرم الإمام الحكم في شيء منها إلا بعد الرجوع إلي مشورة نخبة صالحة من علماء المسلمين ومجتهد يهم .
ودليل هذا من القرآن الكريم ، قول الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام : ? وشاورهم في الأمر ? (سورة آل عمران : 159) ، وقوله تبارك وتعالى ـ في معرض مدح الجماعة المسلمة ـ: ? وأمرهم شوري بينهم ? ( سورة الشورى : 38) .
ومن السنة النبوية ما ثبت من استشارته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في مختلف شؤون المسلمين ، مما ليس فيه وحي جازم ، كاستشارته إياهم في غزوة بدر ، وغزوة أُحد ، والخندق ، واستشارته لهم في أساري بدر ، وفي صلح الحديبية ، والأمثلة كثيرة كثيرة .
والدليل على
أن الطائفة الأولي من الأحكام لا مجال للشورى فيها ، قول الله عز وجل : وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً? ( سورة الأحزاب : 36) وأنه - صلى الله عليه وسلم
- لم يكن يستشير في شيء من هذه الأحكام أصحابه ، بل كان يلزم نفسه وإياهم بها كما
وردت .الطائفة الثانية :
أحكام اجتهادية ، وهي تنقسم إلي قسمين :
القسم الأول : أحكام مقررة في علم الله تعالى ، تستوعبها أدلة التشريع من القرآن ، أو السنة ، أو الإجماع ، أو القياس ، ولكنها خفية تحتاج في استنباطها من أدلتها إلى بحث وجهد ، فهذه أحكام تبليغية من الله عز وجل في جملتها وتفصيلها ، يبرم في أمرها المجتهدون من علماء المسلمين ، سواء كانوا حكاماً أو رعايا .
القسم الثاني : أحكام أنزل الله تعالى كلياتها ، ووكل أمر تفاصيلها ، وكيفية تطبيقاتها إلي مصلحة المسلمين ، وما تقتضيه ظروفهم وأوضاعهم المتطورة ، عن طريق ما يراه الحاكم المسلم ببصيرته الواعية ، وإخلاصه في خدمة المسلمين .
فهذه الأحكام تسمي أحكام الإمامة ، أو أحكام السياسة الشرعية ، لا يبرم في شأنها إلا الحاكم المجتهد ، وقد مر بك في أول هذا الباب أمثلة لهذه الأحكام .
فالطائفة الثانية بقسميها خاضعة للشورى ، بحيث لا يجوز أن يبرم الإمام الحكم في شيء منها إلا بعد الرجوع إلي مشورة نخبة صالحة من علماء المسلمين ومجتهد يهم .
ودليل هذا من القرآن الكريم ، قول الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام : ? وشاورهم في الأمر ? (سورة آل عمران : 159) ، وقوله تبارك وتعالى ـ في معرض مدح الجماعة المسلمة ـ: ? وأمرهم شوري بينهم ? ( سورة الشورى : 38) .
ومن السنة النبوية ما ثبت من استشارته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في مختلف شؤون المسلمين ، مما ليس فيه وحي جازم ، كاستشارته إياهم في غزوة بدر ، وغزوة أُحد ، والخندق ، واستشارته لهم في أساري بدر ، وفي صلح الحديبية ، والأمثلة كثيرة كثيرة .
ولكن ينبغي أن تعلم أنه لا يوجد للشورى أي أثر ملزم للإمام الذي يستشير : أي أن الإمام ليس ملزماً أن يأخذ رأي الأكثرية مثلاً من مجلس شوراه ، كما هو الشأن بالنسبة لكثير من النظم الديموقراطية . بل إن واجب الإمام أن يستعين بما عند أهل العلم والبصيرة من وجوه الرأي ، وأن يتبصر بما عندهم من العلم والنظر ، لعل لديهم من ذلك ما لم يتنبه هو إليه ، فإذا استعرض وجوه النظر والاجتهادات كلها ، كان عليه بعد ذلك أن يتخير أقربها إلي الصحة ، وأشبهها بالحكم الإلهي الثابت في علم الله عز وجل ، وقد علمت أن الحديث إنما هو عن الإمام الذي توفرت فيه شروط الإمامة من علم وصل إلي درجة الاجتهاد ، وإخلاص في الدين ، وأمانة في الخلق .
وخلاصة الفرق أن مجلس الشورى في النظم الوضعية مشرع ، ومن ثم فإن رأي الأكثرية ملزم ، ومجلس الشورى في الشريعة الإسلامية ناقب وباحث عن حكم الله عز وجل ، فهو ليس مشرع ، ولذلك يستوي فيه القلة والكثرة الغالبة ، إذ قد يهتدي إلى حكم الله عز وجل واحد منهم ، أو كثرة ساحقة فيهم . فأيهم ظهر الحق على لسانه وجب إتباعه ، وإنما يفوقهم الإمام بمزيد من البصيرة الدالة على حكم الله عز وجل ، بدليل ما وقع عليه إجماعهم من مبايعته وارتضائه حاكماً فيهم مقدماً بينهم ، فكان في اختياره لواحد من الآراء ما يدل على رجحانه على غيره ، ومن ثم فإنه يجب على كافة المسلمين إتباعه ، والاجتماع عليه .
الأُسس التي
ينبغي أن تنهض عليها علاقة الإمام بالأُمة :
ليس الإمام ـ بعد أن علمت أهم أحكام الإمامة وشروطها ـ أكثر من خليفة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حراسة أحكام الله تعالى عن أن تضيع أو تبدل ، وفي الإشراف على سلامة تنفيذها ، ولا ريب أن سلامة تنفيذ هذه الأحكام هي الضمانة لانتشار الأمن والطمأنينة ، وأسباب الخير والسعادة في أفراد الأمة . ولذلك :
فالإمام إذاً ، لا يتمتع بأي سلطة تشريعية ، إذ إن سلطة التشريع خصيصة محصورة في ذات الله عز وجل ، وحتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا مبلغاً عن حكم الله تعالى ، فإذا اجتهد في حكم وقضي به فإن المعول في نفاذه ومشروعيته على إقرار الله له عن طريق الوحي .
ومن ثم فإن الإمام لا يتمتع ـ بسبب كونه إماماً ـ بأي امتيازات يعلو بها على بقية الناس في نطاق الأحكام الشرعية المختلفة ، من قضاء وعقود وعقوبات وغيرها .
فشهادته مثلاً ، لا تعلو في قيمتها القضائية عن شهادة غيره ، لا في العدد ولا في الأهمية المعنوية . بل ليس له ـ وهو حاكم ـ أن يحكم بين أحد من الناس بموجب علمه فيه ، أي لا يجوز أن يكون حاكماً وشاهداً بآنٍ واحد . بل هو إما حاكم ، فلا قيمة لشهادته ، وإنما يستند في حكمه إلي شهادة الشهود الصالحين ، وإما شاهد ، فينبغي عندئذ أن يتخلي عن حاكميته ، ويقف شاهداً في الموضوع أمام حاكم آخر يُنيبه عنه .
وقد ترافع اثنان إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء خلافته ، فقال له المدعى : إن هذا ظلمني (وذكر له ظلامته ) ثم قال : وأنت يا أمير المؤمنين أعرف الناس بذلك . فقال له عمر رضي الله عنه : إن شئت قضيت بينكما ولا اشهد ، وإن شئت شهدت لك ، ولا أقضي .
وليس له من منصبه الذي يتمتع به ما ينجيه من أي حد ، أو قصاص ، أو عقوبة يستوجبها بفعل صدر منه ، أو ما يخفف عنه من العقوبة التي استحقها كغيره ، لأمر ما صدر عنه .
ليس الإمام ـ بعد أن علمت أهم أحكام الإمامة وشروطها ـ أكثر من خليفة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حراسة أحكام الله تعالى عن أن تضيع أو تبدل ، وفي الإشراف على سلامة تنفيذها ، ولا ريب أن سلامة تنفيذ هذه الأحكام هي الضمانة لانتشار الأمن والطمأنينة ، وأسباب الخير والسعادة في أفراد الأمة . ولذلك :
فالإمام إذاً ، لا يتمتع بأي سلطة تشريعية ، إذ إن سلطة التشريع خصيصة محصورة في ذات الله عز وجل ، وحتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا مبلغاً عن حكم الله تعالى ، فإذا اجتهد في حكم وقضي به فإن المعول في نفاذه ومشروعيته على إقرار الله له عن طريق الوحي .
ومن ثم فإن الإمام لا يتمتع ـ بسبب كونه إماماً ـ بأي امتيازات يعلو بها على بقية الناس في نطاق الأحكام الشرعية المختلفة ، من قضاء وعقود وعقوبات وغيرها .
فشهادته مثلاً ، لا تعلو في قيمتها القضائية عن شهادة غيره ، لا في العدد ولا في الأهمية المعنوية . بل ليس له ـ وهو حاكم ـ أن يحكم بين أحد من الناس بموجب علمه فيه ، أي لا يجوز أن يكون حاكماً وشاهداً بآنٍ واحد . بل هو إما حاكم ، فلا قيمة لشهادته ، وإنما يستند في حكمه إلي شهادة الشهود الصالحين ، وإما شاهد ، فينبغي عندئذ أن يتخلي عن حاكميته ، ويقف شاهداً في الموضوع أمام حاكم آخر يُنيبه عنه .
وقد ترافع اثنان إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء خلافته ، فقال له المدعى : إن هذا ظلمني (وذكر له ظلامته ) ثم قال : وأنت يا أمير المؤمنين أعرف الناس بذلك . فقال له عمر رضي الله عنه : إن شئت قضيت بينكما ولا اشهد ، وإن شئت شهدت لك ، ولا أقضي .
وليس له من منصبه الذي يتمتع به ما ينجيه من أي حد ، أو قصاص ، أو عقوبة يستوجبها بفعل صدر منه ، أو ما يخفف عنه من العقوبة التي استحقها كغيره ، لأمر ما صدر عنه .
ويقدر له من
الأجر على قيامه بالمهام التي وكلت إليه ، ما يقرره مجلس الشورى بالعرف ، وحسب ما
تقتضيه متطلبات الحياة الكريمة المشروعة .
وإذاً فإن علاقة الإمام بالناس قائمة على الأُسس التالية :
الإمام مستخلف فيهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن خلفائه من بعده ، مع ملاحظة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يُوحي إليه ، وكانت آراؤه الاجتهادية أحكاماً شرعية إذا أقرها الوحي ولم يردها أما خلفاؤه من بعده فليس أمامهم إلا كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وما أجمع عليه المسلمون، وما أمره الله بأن يجتهد فيه، وهو داخل في عموم دلالة السنة.
الإمام ولىّ لأمور المسلمين العامة، وهو التي لا تغني فيها ولاية الأفراد بعضهم على بعض. ومن ثمّ فتصرفاته في أمورهم منوطة بالمصلحة، أي لا تعتبر عنها أحكام الله عز وجل، لا لسيادة يتمتع بها عليهم، بل ليمكنوه من العمل على تحقيق مصالحهم العامة، والتنسيق بينهما وبين مصالح الأفراد.
الإمام هو الذي يباشر الإشراف على عمل من دونه من الولاة والوزراء والقضاة، فيما وكّل إليهم من الخدمات المختلفة للأُمة، فهو مرجعها فيما قد يكون لها من شكوى أو ظلامة عند أحد من ولاته أو موظفيه، وليس له أن يفوّض الأمور إلى من دونه، ثم ينصرف إلى شؤونه وملاذه، أو مصالحه الخاصة.
يقول الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية: ( عليه أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفّح الأحوال، لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملّة، ولا يعّول على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين، ويغش الناصح).
وعلاقة الإمام بالأمة بناءً على ذلك كله، هي علاقة خادم أمين بمخدومه، ورب الأسرة الرحيم بأفراد أسرته، ويبذل جهده لإسعادها ، ولا يدّخر وسعاً لنشر الأمن والرخاء في ربوعها، ينساق لتحقيق ذلك كله بروح من الرحمة والإخلاص، لا بدافع من الوظيفة أو الإكراه.
ما ينعزل به الإمام:
وإذاً فإن علاقة الإمام بالناس قائمة على الأُسس التالية :
الإمام مستخلف فيهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن خلفائه من بعده ، مع ملاحظة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يُوحي إليه ، وكانت آراؤه الاجتهادية أحكاماً شرعية إذا أقرها الوحي ولم يردها أما خلفاؤه من بعده فليس أمامهم إلا كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وما أجمع عليه المسلمون، وما أمره الله بأن يجتهد فيه، وهو داخل في عموم دلالة السنة.
الإمام ولىّ لأمور المسلمين العامة، وهو التي لا تغني فيها ولاية الأفراد بعضهم على بعض. ومن ثمّ فتصرفاته في أمورهم منوطة بالمصلحة، أي لا تعتبر عنها أحكام الله عز وجل، لا لسيادة يتمتع بها عليهم، بل ليمكنوه من العمل على تحقيق مصالحهم العامة، والتنسيق بينهما وبين مصالح الأفراد.
الإمام هو الذي يباشر الإشراف على عمل من دونه من الولاة والوزراء والقضاة، فيما وكّل إليهم من الخدمات المختلفة للأُمة، فهو مرجعها فيما قد يكون لها من شكوى أو ظلامة عند أحد من ولاته أو موظفيه، وليس له أن يفوّض الأمور إلى من دونه، ثم ينصرف إلى شؤونه وملاذه، أو مصالحه الخاصة.
يقول الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية: ( عليه أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفّح الأحوال، لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملّة، ولا يعّول على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين، ويغش الناصح).
وعلاقة الإمام بالأمة بناءً على ذلك كله، هي علاقة خادم أمين بمخدومه، ورب الأسرة الرحيم بأفراد أسرته، ويبذل جهده لإسعادها ، ولا يدّخر وسعاً لنشر الأمن والرخاء في ربوعها، ينساق لتحقيق ذلك كله بروح من الرحمة والإخلاص، لا بدافع من الوظيفة أو الإكراه.
ما ينعزل به الإمام:
ينعزل الإمام
عن الإمامة بواحد من الأسباب التالية:
السبب الأول: الكفر، سواء كان صريح القول، أو بأي فعل أو قول يستلزم الكفر، فإذا صدر من الإمام ذلك بطلت إمامته، وخرجت الأُمة عن بيعته، ووجب عليهم الخروج عليه وخلعه.
أما موجبات الفسق، سواء بارتكاب المحظورات، أو باعتناق بعض البدع غير المكفرة، فلا يستوجب العزل.
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: ( أجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق) ، ذلك لأن ضرر الفتنة التي قد تنشأ عن عزله يفوق في الغالب ضرر بقائه متلبساً بالفسق .
فقد علمت سابقاً أن الإمامة لا تنعقد لفاسق ابتداءً ، فأما الفسق الطارئ بعد انعقاد الإمامة ، فلا نعزل به الإمام لما قد علمت . وإن كان الفسق منه معصية وحراماً .
السبب الثاني : طروء نقص جسمي في شيء من أعضائه أو حواسه ، بحيث يقعده عن القيام بواجبات الإمامة ، كزوال البصر ، أو السمع ، أو كانقطاع يده أو رجله أو نحو ذلك . والعبرة ليست بشكل النقص ، بل بما يترتب عليه من تعذر القيام بمهام الإمامة والحكم ، فإن كان بحيث لا يضير في شيء من ذلك فلا يستوجب العزل ، ولا يعتبر مجرد الشين في الجسم موجباً للعزل .
ومثل نقص شيء من الحواس والأعضاء فيما ذكرنا طروء خبل أو جنون ولو كان متقطعاً ، فإذا كان من الشدة والكثرة بحيث يؤثر على نهوضه بواجبات الحكم عُزل وإلا فلا .
السبب الثالث : طروء نقص في إمكان التصرف ، وهو يكون لأحد سببين:
السبب الأول: الكفر، سواء كان صريح القول، أو بأي فعل أو قول يستلزم الكفر، فإذا صدر من الإمام ذلك بطلت إمامته، وخرجت الأُمة عن بيعته، ووجب عليهم الخروج عليه وخلعه.
أما موجبات الفسق، سواء بارتكاب المحظورات، أو باعتناق بعض البدع غير المكفرة، فلا يستوجب العزل.
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: ( أجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق) ، ذلك لأن ضرر الفتنة التي قد تنشأ عن عزله يفوق في الغالب ضرر بقائه متلبساً بالفسق .
فقد علمت سابقاً أن الإمامة لا تنعقد لفاسق ابتداءً ، فأما الفسق الطارئ بعد انعقاد الإمامة ، فلا نعزل به الإمام لما قد علمت . وإن كان الفسق منه معصية وحراماً .
السبب الثاني : طروء نقص جسمي في شيء من أعضائه أو حواسه ، بحيث يقعده عن القيام بواجبات الإمامة ، كزوال البصر ، أو السمع ، أو كانقطاع يده أو رجله أو نحو ذلك . والعبرة ليست بشكل النقص ، بل بما يترتب عليه من تعذر القيام بمهام الإمامة والحكم ، فإن كان بحيث لا يضير في شيء من ذلك فلا يستوجب العزل ، ولا يعتبر مجرد الشين في الجسم موجباً للعزل .
ومثل نقص شيء من الحواس والأعضاء فيما ذكرنا طروء خبل أو جنون ولو كان متقطعاً ، فإذا كان من الشدة والكثرة بحيث يؤثر على نهوضه بواجبات الحكم عُزل وإلا فلا .
السبب الثالث : طروء نقص في إمكان التصرف ، وهو يكون لأحد سببين:
أحدهما :
الحجر: كأن يستولي عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور ، فهذا الحجر لا يكون
سبباً لانعزاله ، ولا يقدح في استمرار إمامته ، ولكن يُنظر في حكم المستولي
وسياسته ، فإن كان جاريين وفقاً لأحكام الدين ومقتضي العدل ، وجب إقراره عليها ، مع
استمرار حكم الإمامة للإمام الأصلي ، أما إن كانت أحكام المستولي خارجة عن حكم
الدين ومقتضي العدالة ، فلا يجوز إقراره عليها ، بل يجب على المسلمين كف يده ،
وبذل كل ما في الوسع لإزالة تغلبه .
ثانيهما : القهر : ويقصد به أن يقع الإمام في قبضة عدوٌّ قاهر لا سبيل للخلاص منه ، ففي هذه الحالة يجب على الأمة كافة العمل بكل الوسائل على استنفاذه ، وهو مستمر حكماً في إمامته ، ما كان مرجو الخلاص ، مأمول الفكاك ، فإذا وقع اليأس من إمكان استنقاذه ، فإن إمامته تُلغي عن الاعتبار ، وعلى أهل الحل والعقد المبادرة باختيار غيره ، فإن كُتب للأول الخلاص بعد مبايعة الثاني لم يعد إلى الإمامة ، أو قبل مبايعته عاد إلى الإمامة دون الحاجة إلى عقد أو بيعة جديدة له .
السبب الرابع : أن ينعزل الإمام نفسه : بأن يستقيل عن الحكم لأمر ما ، فإن كان في المسلمين من يمكن أن يقوم مقامه ، ممن تتوفر فيه شروط الإمامة ، وإن كان دونه في الكفاءة والمقدرة ، صحت استقالته ، وعُزل بذلك عن الحكم ، وإن لم يكن في المسلمين من يقوم مقامه ، أو يسد مسده لم تقبل استقالته ، ولم يكن لعزله نفسه أي أثر شرعي صحيح ، إذ إن للمسلمين حينئذ أن يحملوه حملاً على الإمامة ، وعليه أن يقبلها راضياً أو كارهاً .
والإمامة وإن كانت ـ كما قلنا فيما مضى ـ عقد تراض بين طرفين ، إلا أنها في مثل هذه الحالة تصبح عقد إجبار ، شأنها كشأن كثير من العقود الرضائية التي تصبح عقوداً جبرية لأسباب استثنائية طارئة ـ وشأنها في ذلك شأن فروض الكفاية عند تعين من يقوم بها ، فإنها تصبح فرض عين بالنسبة إليه .
ثانيهما : القهر : ويقصد به أن يقع الإمام في قبضة عدوٌّ قاهر لا سبيل للخلاص منه ، ففي هذه الحالة يجب على الأمة كافة العمل بكل الوسائل على استنفاذه ، وهو مستمر حكماً في إمامته ، ما كان مرجو الخلاص ، مأمول الفكاك ، فإذا وقع اليأس من إمكان استنقاذه ، فإن إمامته تُلغي عن الاعتبار ، وعلى أهل الحل والعقد المبادرة باختيار غيره ، فإن كُتب للأول الخلاص بعد مبايعة الثاني لم يعد إلى الإمامة ، أو قبل مبايعته عاد إلى الإمامة دون الحاجة إلى عقد أو بيعة جديدة له .
السبب الرابع : أن ينعزل الإمام نفسه : بأن يستقيل عن الحكم لأمر ما ، فإن كان في المسلمين من يمكن أن يقوم مقامه ، ممن تتوفر فيه شروط الإمامة ، وإن كان دونه في الكفاءة والمقدرة ، صحت استقالته ، وعُزل بذلك عن الحكم ، وإن لم يكن في المسلمين من يقوم مقامه ، أو يسد مسده لم تقبل استقالته ، ولم يكن لعزله نفسه أي أثر شرعي صحيح ، إذ إن للمسلمين حينئذ أن يحملوه حملاً على الإمامة ، وعليه أن يقبلها راضياً أو كارهاً .
والإمامة وإن كانت ـ كما قلنا فيما مضى ـ عقد تراض بين طرفين ، إلا أنها في مثل هذه الحالة تصبح عقد إجبار ، شأنها كشأن كثير من العقود الرضائية التي تصبح عقوداً جبرية لأسباب استثنائية طارئة ـ وشأنها في ذلك شأن فروض الكفاية عند تعين من يقوم بها ، فإنها تصبح فرض عين بالنسبة إليه .
فإن ذهب السبب الموجب للعزل قبل أن ينصب غيره لم يكن ذلك موجباً لأن يعود إلي الإمامة بشكل آلي ، بل لا بد من بيعة جديدة له من أهل الحل والعقد .
خاتمة :
تنصيب الإمام بهذا الشكل الذي رأيت ، ولتحقيق المهام التي تحدثنا عنها واجب متعلق بأعناق المسلمين حيثما كانوا ، فإن لم ينهضوا به تحقيقاً لأمر الله عز وجل باؤوا جميعاً بإثم كبير ، إذ هو ـ بالإضافة إلي الضرورات الدينية والاجتماعية والسياسية المختلفة ـ شعيرة كبري من شعائر الإسلام التي يجب أن تكون بارزة حية في بلاد المسلمين .
ولا يجوز تعدد الإمام في وقت واحد ، إذ إن من مهام الإمامة تجميع شمل المسلمين كافة في كافة أقطارهم وبلدانهم ، وتعدد الأئمة ينافي ذلك منافاة واضحة .
والله سبحانه وتعالى أعلم وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين .
الكلمات المفتاحية :
الفقه الشافعي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: