مصطلحات صوفية : الوجد و التواجد
التواجد
والوجد والوجود فالتواجد: استدعاء الوجد بضرب اختيار وليس لصاحبه
كمال الوجد إذ لو كَانَ لكان واجدا وباب التفاعل أكثره عَلَى إظهار الصفة وليست
كَذَلِكَ،
قَالَ الشاعر:
إِذَا
تخازرت وما بي من خزر ... ثُمَّ كسرت العين من غَيْر ما
عور
فقوم
قَالُوا: التواجد غَيْر مُسْلِم لصاحبه لما يتضمن من التكليف ويبعد عَنِ التحقيق،
وقوم قَالُوا: إنه مُسْلِم للفقهاء المجردين الَّذِينَ ترصدوا لوجدان هذه المعاني
وأصلهم خبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابكوا فَإِن لَمْ تبكوا
فتباكوا والحكاية المعروفة لأبي مُحَمَّد الجريري رحمه اللَّه أَنَّهُ قَالَ: كنت
عِنْدَ الجنيد وهناك ابْن مسروق وغيره، وثم قوال، فقام ابْن مسروق وغيره والجنيد
ساكن فَقُلْتُ: يا سيدي مَالِك فِي السماع شَيْء، فَقَالَ الجنيد: {وَتَرَى
الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88]
ثُمَّ قَالَ: وأنت يا أبا مُحَمَّد مَالِك فِي السماع شَيْء؟ فَقُلْتُ: يا سيدي
أنا إِذَا حضرت موضعا فِيهِ سماع وهناك محتشم أمسكت عَلَى نفسي وجدى فَإِذَا خلوت
أرسلت وجدى فتواجدت فأطلق فِي هذه الحكاية التواجد وَلَمْ ينكر عَلَيْهِ الجنيد
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: لما راعى أدب الأكابر فِي حال
السماع حفظ اللَّه عَلَيْهِ وقته لبركات الأدب حَتَّى يَقُول أمسكت عَلَى نفسي
وجدى، فَإِذَا خلوت أرسلت وجدي فتواجدت، لأنه لا يمكن إرسال الوجد إِذَا شئت بَعْد
ذهاب الوقت وغلباته ولكنه لما كَانَ صادقا فِي مراعاة حرمة الشيوخ حفظ اللَّه
تَعَالَى عَلَيْهِ وقته حَتَّى أرسل وجده عِنْدَ الخلوة فالتواجد ابتداء الوجد
عَلَى الوصف الَّذِي جرى ذكره وبعد هَذَا الوجد، والوجد مَا يصادف قلبك ويرد عليك
بلا تعمد وتكلف ولهذا قَالَ المشايخ: الوجد المصادفة، والمواجيد ثمرات الأوراد
فَكُل من ازدادت وظائفه ازدادت من اللَّه تَعَالَى لطائفه.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: الورادات من حيث الأوراد فمن لا ورد
لَهُ بظاهره لا وارد لَهُ فِي سرائره، وكل وجد فِيهِ من صاحبه شَيْء فليس بوجد،
وكما أَن مَا يتكلفه العبد من معاملات ظاهره يوجب لَهُ حلاوة الطاعات، فَمَا
ينازله العبد من أحكام باطنه يوجب لَهُ المواجيد.
فالخلاوات
ثمرات المعاملات والمواجيد نتائج المنازلات، وَأَمَّا الوجود فَهُوَ بَعْد
الارتقاء عَنِ الوجد ولا يَكُون وجود الحق إلا بَعْد خمود البشرية لأنه لا يَكُون
للبشرية بقاء عِنْدَ ظهور سلطان الحقيقة،
وَهَذَا
معني قَوْل أَبِي الْحُسَيْن النوري أنا منذ عشرين سنة بَيْنَ الوجد والفقد أي
إِذَا وجدت ربي فقدت قلبي وإذا وجدت قلبي فقدت ربي وَهَذَا معني قَوْل الجنيد علم
التوحيد مباين لوجوده ووجوده مباين لعلمه وَفِي هَذَا المعني أنشدوا.
وجودي أَن
أغيب عَنِ الوجود ...
بِمَا يبدو عَلِي من الشهود
فالتواجد
بداية والوجود نهاية والوجد واسطة بَيْنَ البداية والنهاية.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول التواجد يوجب استيعاب العبد والوجد يوجب استغراق
العبد والوجود يوجب استهلاك العبد فَهُوَ كمن شهد البحر ثُمَّ ركب البحر ثُمَّ غرق
فِي البحر وترتيب هَذَا الأمر قصود ثُمَّ ورود ثُمَّ شهود ثُمَّ وجود ثُمَّ خمود
وبمقدار الوجود يحصل الخمود وصاحب الوجود لَهُ صحو ومحو فحال صحوه بقاؤه بالحق
وحال محوه فناؤه بالحق وهاتان الحالتان أبدا متعاقبتان عَلَيْهِ، فَإِذَا غلب
عَلَيْهِ الصحو بالحق فبه يصول وَبِهِ يَقُول: قَالَ عَلَيْهِ السَّلام فيما أخبر
عَنِ الحق فبي يسمع وبي ويبصر.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول:
وقف رجل عَلَى حلقه الشبلي فسأله
هل تظهر
آثار صحة الوجود عَلَى الواجدين؟ فَقَالَ: نعم نور يزهر مقارنا لنيران الاشتياق
فتلوح عَلَى الهياكل آثارها كَمَا قَالَ ابْن المعتز:
وأمطر الكأس
ماء من أبارقها ...
فأنبت الدر فِي أرض من الذهب
وسبح
الْقَوْم لما رأوا عجبا ... نورا من الماء فِي نار من العنب
سلافة
ورثتها عاد عَن إرم ... كانت
ذخيرة كسرى عَن أب فأب
وقيل لأبي
بَكْر الدقي: إِن جهما الدقي أخذ شجرة بيده فِي حال السماع فِي ثوارنه فقلعها من
أصلها فاجتمعا فِي دعوة وَكَانَ الدقي كف بصره فقام جهم الدقي يدور فِي هيجانه
فَقَالَ الدقي: إذ قرب مني أرونيه وَكَانَ الدقي ضعيفا فمر بِهِ، فلما قرب منه
قَالُوا لَهُ: هَذَا هُوَ، فأخذ الدقي ساق جهم فوقفه فلم يمكنه أَن يتحرك، فَقَالَ
جهم: أيها الشيخ التوبة التوبة فخلاه.
قَالَ الأستاذ
الإِمَام أدام أخدم اللَّه جماله.
فكان ثوران
جهم فِي حق وإمساك الدقي بساقه بحق ولما علم جهم أَن حال الدقي فَوْقَ حاله رجع
إِلَى الاتصاف واستسلم وكذا من كَانَ بحق لا يستعصي عَلَيْهِ شَيْء، فأما إِذَا
كَانَ الغالب عَلَيْهِ المحو فلا علم ولا عقل ولا فَهُمْ ولا حس.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رحمه اللَّه يذكر بإسناده أَن أبا عقال المغربي أقام
بمكة أربع سنين لَمْ يأكل وَلَمْ يشرب إِلَى أَن مَات.
ودخل بَعْض
الفقراء عَلَى أَبِي عقال فَقَالَ لَهُ: سلام عليكم،
فَقَالَ
لَهُ أَبُو عقال: وعليكم السَّلام فَقَالَ الرجل: أنا فُلان فَقَالَ.
أَبُو عقال:
أَنْتَ فُلان؟ كَيْفَ أَنْتَ وكيف حالك؟ وغاب عَن حالته قَالَ هَذَا الرجل:
فَقُلْتُ لَهُ: سلام عليكم فَقَالَ: وعليكم السَّلام كَأَنَّهُ لَمْ يرني قط ففعلت
مثل هَذَا غَيْر مرة، فعلمت أَن الرجل غائب فتركته وخرجت من عنده.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عُمَر
بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت امْرَأَة أَبِي عَبْد اللَّهِ التروغندي تقول: لما كانت أَيَّام المجاعة والناس يموتون من الجوع دَخَلَ أَبُو
عَبْد اللَّهِ التروغندي بيته فرأى فِي بيته مقدار منون حنطه فَقَالَ: النَّاس يموتون من الجوع وَفِي بَيْتِي حنطة فخولط فِي عقله فَمَا كَانَ يفيق إلا فِي أوقات الصلاة يصلي الفريضة ثُمَّ يعود إِلَى حالته، فلم يزل كَذَلِكَ إِلَى أَن مَات دلت هذه الحكاية عَلَى أَن هَذَا الرجل كَانَ محفوظا عَلَيْهِ آداب الشريعة عِنْدَ غلبات أحكام الحقيقة وَهَذَا هُوَ صفة أهل الحقيقة ثُمَّ كَانَ سبب غبيته عَن تمييزه شفقته عَلَى الْمُسْلِمِينَ وهنا أقوى سمة لتحققه فِي حالة
الكلمات المفتاحية :
مصطلحات صوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: