مصطلحات صوفية : الحال
معنى يرد
عَلَى القلب من غَيْر تعمد مِنْهُم ولا اجتلاب ولا اكتساب لَهُمْ من طرب أَوْ حزن
أَوْ بسط أَوْ قبض أَوْ شوق أَوِ انزعاج أَوْ هيبة أَوِ احتياج، فالأحوال مواهب
والمقامات مكاسب، والأحوال تأتي من
غَيْر الوجود والمقامات تحصل ببذل المجهود
وصاحب المقام ممكن فِي مقامه وصاحب الحال مترق عَن حاله.
وسئل ذو
النون الْمِصْرِي عَنِ العارف، فَقَالَ: كَانَ ههنا فَذَهَبَ.
وَقَالَ
بَعْض المشايخ: الأحوال كالبروق فَإِن بقي فحَدِيث نفس.
وَقَالُوا:
الأحوال كاسمها يَعْنِي أَنَّهَا كَمَا تحل بالقلب تزول فِي الوقت، وأنشدوا:
لو لَمْ تحل
مَا سميت حالا ... وكل مَا
حال فَقَدْ زالا
انظر إِلَى
الفيء إِذَا مَا انتهى ... يأخذ فِي النقص إِذَا طالا
وأشار قوم
إِلَى بقاء الأحوال ودوامها، وَقَالُوا: إنها إِذَا لَمْ تدم وَلَمْ تتوال، فَهِيَ
لوائح وبواده، وَلَمْ يصل صاحبها بَعْد إِلَى الأحوال، فَإِذَا دامت تلك الصفة
فعند ذَلِكَ تسمى حالا، وَهَذَا أَبُو عُثْمَان الحيري، يَقُول: منذ أربعين سنة
مَا أقامني اللَّه تعالي فِي حال فكرهته أشار إِلَى دوام الرضا، والرضا من جملة
الأحوال،
فالواجب فِي
هَذَا أَن يقال: إِن من أشار إِلَى بقاء الأحوال فصحيح مَا قَالَ فَقَدْ يصير
المعني شربا لأحد فيري بِهِ ولكن لصاحب هذه الحال أحوال هِيَ طوارق لا تدوم فَوْقَ
أحواله الَّتِي صارت شربا لَهُ فاذا دامت هذه الطوارق هل كَمَا دامت الأحوال
المتقدمة ارتقى إِلَى أحوال أخر فَوْقَ هذه وألطف من هذه فأبدا يَكُون فِي الترقي.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول فِي معني قَوْله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه ليغان عَلَى قلبي حَتَّى أستغفر اللَّه تَعَالَى فِي اليوم
سبعين مرة أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبدا فِي الترقي من
أحواله فَإِذَا ارتقي من حالة إِلَى حالة أعلى مِمَّا كَانَ فِيهَا فربما حصل لَهُ
ملاحظة إِلَى مَا ارتقي عَنْهَا فكان بعدها غينا بالإضافة إِلَى مَا حصل فِيهَا
فابدا كانت أحواله فِي التزايد ومقدورات الحق سبحانه من الألطاف لا نهاية لَهَا
فَإِذَا كَانَ حق الحق تَعَالَى العز، وَكَانَ الوصول إِلَيْهِ بالتحقيق محالا
فالعبد أبدا فِي ارتقاء أحواله فلا معنى يوصل إِلَيْهِ إلا وَفِي مقدوره سبحانه
مَا هُوَ فوقه يقدر أَن يوصله إِلَيْهِ وعلى هَذَا يحمل قولهم: حسنات الأبرار
سيئات المقربين وسئل الجنيد عَن هَذَا فأنشد:
طوارق أنوار
تلوح إِذَا بدت ...
فتظهر كتمانا وتخبر عَن جمع
ومن ذَلِكَ
القبض والبسط وهما حالتان بَعْد ترقي العبد عَن حالة الخوف والرجاء، فالقبض:
للعارف بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف ومن الفصل
بَيْنَ القبض والخوف والبسط والرجاء أَن الخوف إِنَّمَا يَكُون من شَيْء فِي
المستقبل إِمَّا أَن يخاف فوت محبوب أَوْ هجوم محذور، وَكَذَلِكَ الرجاء إِنَّمَا
يَكُون بتأميل محبوب فِي المستقبل أَوْ بتطلع زوال محذور وكفاية مكروه فِي
المستأنف.
وَأَمَّا
القبض: فلمعني حاصل فِي الوقت، وَكَذَلِكَ البسط فصاحب الخوف والرجاء تعلق قلبه
فِي حالتيه بآجله وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عَلَيْهِ فِي عاجله،
ثُمَّ تتفاوت نعوتهم فِي القبض والبسط عَلَى حسب تفاوتهم فِي أحوالهم، فمن وارد
يوجب قبضا ولكن يبقى مساغ للأشياء الأخر لأنه غَيْر مستوف، ومن مقبوض لا مساغ لغير
وارده يوجب قبضا ولكن يبقى مساغ للأشياء الأخر لأنه غَيْر مستوف ومن مقبوض لا مساغ
لغير وارده فِيهِ لأنه مأخوذ عَنْهُ بالكلية بوارده كَمَا قَالَ بَعْضهم: أنا ردم
أي لا مساغ فِي، وَكَذَلِكَ المبسوط قَدْ يَكُون فِيهِ بسط يسع الخلق فلا يستوحشن
من أَكْثَر الأشياء ويكون مبسوطا لا يؤثر فِيهِ شَيْء بحال من الأحوال.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: دَخَلَ بَعْضهم عَلَى أَبِي بَكْر
القحطي وَكَانَ لَهُ ابْن يتعاطى مَا يتعاطاه الشباب وَكَانَ ممر هَذَا الداخل
عَلَى هَذَا الابن فَإِذَا هُوَ مَعَ أقرانه فِي اشتغاله ببطالته
فرق قلبه
وتألم القحطي، وَقَالَ: مسكين هَذَا الشيخ كَيْفَ ابتلي بمقاساة هَذَا الابن؟ فلما
دَخَلَ عَلَى القحطي وجده كَأَنَّهُ لا خبر لَهُ بِمَا يجري عَلَيْهِ من الملاهي
فتعجب منه وَقَالَ: فديت من لا تؤثر فِيهِ الجبال الرواسي فَقَالَ القحطي: إنا
قَدْ حررنا عَن رق الأشياء فِي الأزل.
ومن أدنى
موجبات القبض أَن يرد عَلَى قلبه وارد موجبه إشارة إِلَى عتاب ورمز باستحقاق تأديب
فيحصل فِي القلب لا محالة قبض وَقَدْ يَكُون موجب بَعْض الواردت إشارة إِلَى تقريب
أَوْ إقبال بنوع لطف وترحيب فيحصل للقلب بسط، وَفِي الجملة قبض كُل أحد عَلَى حسب
بسطه، وبسطه عَلَى حسب قبضه، وَقَدْ يَكُون قبض يشكل عَلَى صاحبه سببه يجد فِي
قلبه قبضا لا يدري موجبه ولا سببه، فسبيل صاحب هَذَا القبض التسليم حَتَّى يمضي
ذَلِكَ الوقت، لأنه لو تكلف نفيه أَوِ استقبل الوقت قبل هجومه عَلَيْهِ باختياره
زاد فِي قبضه ولعله يعد ذَلِكَ منه سوء أدب وإذا استسلم لحكم الوقت فعن قريب يزول
القبض فَإِن الحق سبحانه قَالَ: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة: 245]
وَقَدْ يَكُون بسط يرد بغته ويصادف صاحبه فلته لا يعرف لَهُ سببا يهز صاحبه
ويستفزه، فسبيل صاحبه السكون ومراعاة الأدب فَإِن فِي هَذَا الوقت لَهُ خطرا عظيما
فليحذر صاحبه مكرا خفيا كَذَا قَالَ بَعْضهم: فتح عَلِي بَاب من البسط فزللت زلة
فحجبت عَن مقامي، ولهذا قَالُوا: قف عَلَى البساط وإياك والانبساط وَقَدْ عد أهل
التحقيق مطلق القبض والبسط من جملة مَا استعاذوا منه، لأنهما بالإضافة إِلَى مَا
فوقهما من استهلاك العبد واندراجه فِي الحقيقة فقر وضر.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن يَحْيَي يَقُول: سمعت
جَعْفَر بْن مُحَمَّد يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول: الخوف من اللَّه يقبضني والرجاء
منه يبسطني والحقيقة تجمعني والحق يفرقني إِذَا قبضني بالخوف أفناني عني، وإذا
بسطني بالرجاء ردني عَلِي، وإذا جمعني بالحقيقة أحضرني، وإذا فرقني بالحق أشهدني
غيرى فغطائي عَنْهُ فَهُوَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ كُلهُ محركي غَيْر ممسكي وموحشي
غَيْر مؤنسي فأنا بحضوري أذوق طعم وجودي، فليته أفناني عني فمتعني أَوْ غيبني عني
فروحني
ومن ذَلِكَ
الهيبة والأنس وهما فَوْقَ القبض والبسط فكما أَن القبض فَوْقَ رتبة الخوف والبسط
فَوْقَ منزلة الرجاء، فالهيبة أعلى من القبض والأنس أتم من البسط وحق الهيبة
الغيبة , فَكُل هائب غائب , ثُمَّ الهائبون يتفاوتون فِي الهيبة عَلَى حسب تباينهم
فِي الغيبة فمنهم وَمِنْهُم، وحق الأنس صحوا بحق فَكُل مستأنس صاح ثُمَّ يتباينون
حسب تباينهم فِي الشرب ولهذا قَالُوا: أدني محل الأنس أَنَّهُ لو طرح فِي لظى لَمْ
يتكدر عَلَيْهِ أنسه.
قَالَ
الجنيد رحمه اللَّه: كنت أسمع السري يَقُول: يبلغ العبد إِلَى حد لو ضرب وجهه
بالسَيْف لَمْ يشعر وَكَانَ فِي قلبي منه شَيْء حَتَّى بان لي أَن الأمر كَذَلِكَ.
وحكي عَن
أَبِي مقاتل العكي أَنَّهُ قَالَ: دخلت عَلَى الشبلي وَهُوَ ينتف الشعر من حاجبه
بمنقاش فَقُلْتُ: يا سيدي أَنْتَ تفعل هَذَا بنفسك ويعود ألمه إِلَى قلبي فَقَالَ:
ويلك الحقيقة ظاهرة لي ولست أطيقها فَهُوَ ذا فأنا أدخل الألم عَلَى نفسي لعلي أحس
بِهِ فيستتر عني، فلست أجد الألم وليس يستتر عني وليس لي بِهِ طاقة، وحال الهيبة
والأنس وإن جلتا فأهل الحقيقة يعدونها نقصا لتضمنهما تغير العبد، فَإِن أهل
التمكين سمت أحوالهم عَنِ التغير وَهُمْ محو فِي وجود العين فلا هيبة لَهُمْ ولا
أَنَس ولا علم ولا حس والحكاية معروفة عَن أَبِي سَعِيد الخراز
أَنَّهُ قَالَ: تهت فِي البادية مرة فكنت أقول:
أتيه فلا
أدري من التيه من أنا ... سِوَى مَا يَقُول النَّاس فِي
وَفِي جنسي
أتيه عَلَى
جن البلاد وإنسها ...
فَإِن لَمْ أجد شخصا أتيه عَلَى نفسي
قَالَ فسمعت
هاتفا يهتف بي وَيَقُول:
أيا من يرى
الأسباب أعلى وجوده ...
ويفرح بالتيه الدني وبالأنس
فلو كنت من
أهل الوجود حقيقة ... لغبت
عَنِ الأكوان والعرش والكرسي
وكنت بلا
حال مَعَ اللَّه واقفا ... تصان عَنِ التذكار للجن والإنس.
وإنما يرتقي العبد عَن هذه الحالة بالوجود
الكلمات المفتاحية :
مصطلحات صوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: