مصطلحات صوفية : الجمع والفرق
لفظ الجمع
والتفرقة يجري فِي كلامهم كثيرا وَكَانَ الأستاذ أَبُو عَلِي الدقاق يَقُول: الفرق
مَا نسب إليك والجمع مَا سلب عَنْك، ومعناه أَن مَا يَكُون كسبا للعبد من إقامة
العبودية وَمَا يليق بأحوال البشرية فَهُوَ
فرق، وَمَا يَكُون من قبل الحق من
إبداء معان وإسداء لطف وإحسان فَهُوَ جمع هَذَا أدني أحوالهم فِي الجمع والفرق،
لأنه من شهود الأفعال فمن أشهده الحق سبحانه أفعاله من طاعاته ومخالفته فَهُوَ
عَبْد بوصف التفرقة، ومن أشهده الحق سبحانه مَا يوليه من أفعال نَفْسه سبحانه
فَهُوَ عَبْد يشاهد الجمع، فإثبات الخلق من بَاب التفرقة وإثبات الحق من نعت
الجمع، ولابد للعبد من الجمع والفرق، فَإِن من لا تفرقة لَهُ لا عبودية لَهُ، ومن
لا جمع لَهُ لا معرفة لَهُ، فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] إشارة إِلَى
الفرق وقوله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] إشارة إِلَى الجمع، وإذا خاطب
العبد الحق سبحانه بلسان نجواه إِمَّا سائلا أَوْ داعيا أَوْ مثنيا أَوْ شاكرا أَوْ
متنصلا أَوْ مبتهلا قام فِي محل التفرقة، وإذا أصغي بسره إِلَى مَا يناجيه بِهِ
مولاه واستمع قلبه مَا يخاطبه بِهِ فيما ناداه أَوْ ناجاه أَوْ عرفه معناه أَوْ
لوح لقلبه وأراه فَهُوَ يشاهد الجمع.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: أنشد قوال بَيْنَ يدي الأستاذ أَبِي
سهل الصعلوكي رحمه اللَّه تَعَالَى:
جعلت تنزهي
نظري إليكا.
وَكَانَ
أَبُو القاسم النصرأباذي رحمه اللَّه حاضرا فَقَالَ الأستاذ أَبُو سهل: جعلت بنصب
التاء، وَقَالَ النصرأباذي: بَل جعلت بضم التاء فَقَالَ الأستاذ أَبُو سهل: أليس
عين الجمع أتم: فسكت النصرأباذي.
وسمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ أَيْضًا يحكي هذه الحكاية عَلَى هَذَا الوجه ومعني هَذَا
أَن من قَالَ: جعلت بضم التاء يَكُون إخبار عَن حال نَفْسه فكأن العبد يَقُول
هَذَا وإذا قَالَ: جعلت بالفتح فكأنه يتبرأ من أَن يَكُون ذَلِكَ بتكلمه بَل يخاطب
مولاه فَيَقُول: أَنْتَ الَّذِي خصصتني بِهَذَا لا أنا بتكلفي، فالأول عَلَى خطر
الدعوى وَالثَّانِي بوصف التبري من الحول والإقرار بالفصل والطول وفرق بَيْنَ من
يَقُول بجهدي أشهدك وبين من يَقُول بفضلك ولطفك أشهدك وجمع الجمع فَوْقَ هَذَا ويختلف النَّاس فِي هذه الجملة عَلَى
حسب تباين أحوالهم وتفاوت درجاتهم فمن أثبت نَفْسه وأثبت الخلق ولكن شاهد الكل
قائما بالحق، فهذا هُوَ جمع وإذا كَانَ مختطفا عَن شهود الخلق مصطلما عَن نَفْسه
مأخوذا بالكلية عَنِ الإحساس بكل غَيْر بِمَا ظهر واستولى من سلطان الحقيقة فذاك جمع
الجمع، والتفرقة.
شهود
الأغيار لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والجمع شهود الأغيار بالله وجمع الجمع الاستهلاك
بالكلية وفناء الإحساس بِمَا سِوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ غلبات الحقيقة
وبعد هَذَا حال عزيزة يسميها الْقَوْم الفرق الثَّانِي وَهُوَ أَن يرد إِلَى الصحو
عِنْدَ أوقات أداء الفرائض ليجري عَلَيْهِ الفرائض فِي أوقات فيكون رجوعا لِلَّهِ
بالله تَعَالَى لا للعبد بالعبد فالعبد يطالع نَفْسه فِي هذه الحالة فِي تصريف
الحق سبحانه يشهد مبدأ ذاته وعينه بقدرته ومجري أفعاله وأحواله عَلَيْهِ بعلمه
ومشيئته وأشار بَعْضهم بلفظ الجمع والفرق إِلَى تصريف الحق جمع الخلق، فجمع الكل
فِي التقليب والتصريف من حيث إنه منشئ ذواتهم ومجري صفاتهم ثُمَّ فرقهم فِي
التنويع ففريقا أسعدهم وفريقا أبعدهم وأشقاهم وفريقا هداهم وفريقا أضلهم وأعماهم وفريقا حجبهم عَنْهُ وفريقا جذبهم إِلَيْهِ وفريقا آنسهم
بوصلته وفريقا آيسهم من رحمته وفريقا أكرمهم بتوفيقه وفريقا اصطلمهم عِنْدَ رومهم
لتحقيقه وفريقا أصحاهم وفريقا محاهم وفريقا قربهم وفريقا غيبهم وفريقا أدناهم
وأحضرهم ثُمَّ أسقاهم فأسكرهم وفريقا أشقاهم وأخرهم ثُمَّ أقصاهم وهجرهم وأنواع
أفعال لا يحيط بِهَا حصر ولا يَأْتِي عَلَى تفصيلها شرح ولا ذكر وأنشدوا لجنيد
رحمه اللَّه فِي معني الجمع والتفرقة:
وتحققتك فِي
سري ... فناجاك
لساني
فاجتمعنا
لمعاني ... وافترقنا
لمعاني
إِن يكن
غيبك التعظيم ... عَن لحظ
عياني
فلقد صيرك
الوجد ... من الأحشاء
داني
وأنشدوا:
إِذَا مَا بدالي
تعاظمته ... فأصدر فِي
حال من لَمْ يرد
جمعت وفرقت عني بِهِ ... ففرد التواصل مثنى العدد
الكلمات المفتاحية :
مصطلحات صوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: