بَاب الحياء
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]
أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبْدُوسٍ الْحِيرِيُّ الْمُزَكِّيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ
النَّحْوِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْهَيْثَمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَي بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمَقْدِسِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ
أَخْبَرَنَا
أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْريُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى
بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ نَبِيَّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَات يَوْم لأَصْحَابه:
اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ.
قَالُوا:
إِنَّا نَسْتَحِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
قَالَ:
لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ
فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى،
وَلْيَذْكُرُ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ
حَقَّ الْحَيَاءِ "
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول أَخْبَرَنَا أَبُو نصر الوزيري قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد قَالَ: حَدَّثَنَا الغلابي
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مخلد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ بَعْض الحكماء:
أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه وسمعته يَقُول: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول:
سمعت ابْن عَطَاء يَقُول العلم الأكبر الهيبة والحياء فَإِذَا ذهبت الهيبة والحياء
لَمْ يبق فِيهِ خير وسمعته يَقُول: سمعت أبا الفرج الورثاني يَقُول: سمعت مُحَمَّد
بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوبَ يَقُول: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك قَالَ:
سمعت ذا النون الْمِصْرِي يَقُول: الحياء وجود الهيبة
فِي القلب
مَعَ وحشة مَا سبق منك إِلَى ربك تَعَالَى وَقَالَ ذو النون: الحب ينطق والحياء
يسكت والخوف يقلق وَقَالَ أَبُو عُثْمَان: من تكلم فِي الحياء ولا يستحي من اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ فيما يتكلم بِهِ فَهُوَ مستدرج.
سمعت أبا
بَكْر بْن أشكيب يَقُول: دَخَلَ الْحَسَن بْن الحداد عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن
منازل فَقَالَ: من أين تجئ فَقَالَ: من مجلس أَبِي القاسم المذكر فَقَالَ: فيما ذا
كَانَ يتكلم فَقَالَ: فِي الحياء فَقَالَ: عَبْد اللَّهِ واعجباه من لَمْ يستح من
اللَّه تَعَالَى كَيْفَ يتكلم فِي الحياء.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس البغدادي يَقُول: سمعت
أَحْمَد بْن صَالِح يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عبدون يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس
المؤدب يَقُول: قَالَ السري إِن الحياء والأنس يطرقان القلب.
فَإِن وجدا
فِيهِ الزهد والورع حطا وإلا رحلا.
وسمعته
يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن شاذان يَقُول: سمعت الجريري يَقُول:
تعامل القرن الأَوَّل من النَّاس فيما بينهم بالدين حَتَّى رق الدين ثُمَّ تعامل
القرن الثَّانِي بالوفاء حَتَّى ذهب الوفاء ثُمَّ تعامل القرن الثالث بالمروءة
حَتَّى ذهبت المروءة ثُمَّ تعامل القرن الرابع بالحياء حَتَّى ذهب الحياء ثُمَّ
صار النَّاس يتعاملون بالرغبة والرهبة وقيل: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ
هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24]
البرهان أَنَّهَا ألقت ثوبا عَلَى وجه صنم فِي زاوية الْبَيْت، فَقَالَ يُوسُف:
ماذا تفعلين فَقَالَتْ: أستحي منه قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلام أنا أولى منك
أَن أستحي من اللَّه تَعَالَى.
وقيل: فِي
قَوْله تَعَالَى: فجاءته إحداهما تمشى عَلَى استحياء قيل إِنَّمَا استحيت منه
لأنها كانت تدعوه إِلَى الضيافة فاستحيت أَن لا يجب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام فصفة
المضيف الاستحياء وَذَلِكَ استحياء الكرم.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت
أبا مُحَمَّد البلاذري يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ العمري يَقُول: سمعت
أَحْمَد بْن أَبِي الجواري يَقُول: سمعت أبا سلمان الداراني يَقُول: قَالَ اللَّه
تَعَالَى:
عبدى إنك
مَا استحييت منى أنسيت النَّاس عيوبك وأنسيت بقاع ذنوبك ومحوت من أم الكتاب زلاتك
ولا أناقشك الحساب يَوْم الْقِيَامَة وقيل: رؤي رجل يلبي خارج الْمَسْجِد فقيل
لَهُ لا تدخل الْمَسْجِد فتصلي فِيهِ فَقَالَ: استحي منه أَن أدخل بيته وَقَدْ
عصيته وقيل: من علامات أَن لا يرى بموضع يستحيا منه وَقَالَ بَعْضهم: خرجنا ليلة
فمررنا بأجمة فَإِذَا رجل نائم وفرس عِنْدَ راسه ترعى فحركناه وقلنا لَهُ ألا تخاف
أَن تنام فِي مثل هَذَا الموضع المخوف وَهُوَ مسبع فرفع رأسه وَقَالَ: أنا أستحي
منه أَن أخاف غيره ووضع رأسه ونام وأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى عيسى عَلَيْهِ
السَّلام عظ نفسك فَإِن اتعظت فعظ النَّاس وإلا فاستح منى أَن تعظ النَّاس وقيل:
الحياء عَلَى وجوه: حياء الجناية كآدم عَلَيْهِ السَّلام لما قيل لَهُ أفرار لا
بَل حياء منك وحياء التقصير كالملائكة يقولون سبحانك مَا عبدناك حق عبادتك وحياء
الإجلال كإسرافيل عَلَيْهِ السَّلام تسربل بجناحه حياء من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
وحياء الكرم كالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يستحى من أمته أَن
يَقُول اخرجوا فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}
[الأحزاب: 53] وحياء حشمة كعلي رضى اللَّه عَنْهُ حِينَ سأل المقداد حَتَّى سأل
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن حكم المذي لمكان فاطمة رضى
اللَّه عَنْهَا وحياء الاستحقار كموسى عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: إني لتعرض لي
الحاجة من الدنيا فأستحي أَن أسألك يا رب فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: سلني
حَتَّى ملح عجينك , وعلف شاتك وحياء الإنعام هُوَ حياء الرب سبحانه يدفع إِلَى
العبد كتابا مختوما بَعْد مَا عبر الصراط وإذا فِيهِ فعلت مَا فعلت ولقد استحييت
أَن أظهر عليك فاذهب فاني قَدْ غفرت لَك.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول فِي هَذَا الْخَبَر إِن يَحْيَي بْن معاذ قَالَ:
سبحان من يذنب العبد فيستحي هُوَ منه.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر
يَقُول: سمعت زنجويه اللباد يَقُول: سمعت عَلِي بْن الْحُسَيْن الهلالي يَقُول:
سمعت إِبْرَاهِيم بْن الأشعث يَقُول: سمعت الفضيل بْن عياض يَقُول خمس من علامات
الشقاء: القسوة فِي القلب وجمود العين وقلة الحياء والرغبة فِي الدنيا وطول الأمل
وَفِي بَعْض الكتب: مَا أنصفني عبدى يدعوني فاستحيي أَن أرده ويعصيني فلا يستحيي
منى وَقَالَ يَحْيَي بْن معاذ من استحيا من اللَّه مطيعا استحيا اللَّه تَعَالَى
منه وَهُوَ مذنب.
قَالَ الأستاذ
واعلم أَن الحياء يوجب التذويب فيقال الحياء ذوبان الحشا لاطلاع المولى ويقال
الحياء انقباض القلب لتعظيم الرب وقيل: إِذَا جلس الرجل ليعظ النَّاس ناداه ملكاه
عظ نفسك بِمَا تعظ بِهِ أخاك وإلا فاستحيي من سيدك فَإِنَّهُ يراك.
وسئل الجنيد
عَنِ الحياء فَقَالَ: رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد من بينهما حالة تسمى
الحياء وَقَالَ الواسطي لَمْ يذق لذعات الحياء من لابس خرق حد أَوْ نقض عهد.
وَقَالَ
الواسطي أَيْضًا المستحي يسيل منه العرق وَهُوَ الفضل الَّذِي فِيهِ وَمَا دام فِي
النفس شَيْء فَهُوَ مصروف عَنِ الحياء.
سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق رَحِمَهُ اللَّهُ
يَقُول: الحياء ترك الدعوى بَيْنَ يدي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد الزوزني يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد الجوزجاني يَقُول: سمعت أبا بَكْر الوراق يَقُول: رُبَّمَا أصلى لِلَّهِ تَعَالَى ركعتين فأنصرف عَنْهُمَا وأنا بمنزلة من ينصرف عَنِ السرقة من الحياء.
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: