بَاب الصدق
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]
أَخْبَرَنَا
الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ فَوْرَكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ
بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لا يَزَالُ الْعَبْدُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ
حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى صِدِّيقًا، وَلا يَزَالُ يَكْذِبُ
وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا
قَالَ
الأستاذ: والصدق عماد الأمر وَبِهِ تمامه وفيه نظامه وَهُوَ تالي درجة النبوة
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: 69] الآية والصادق الاسم اللازم من
الصدق والصديق المبالغة منه وَهُوَ الكثير الصدق الَّذِي الصدق غالبه كالسكير
والخمير وبابه وأقل الصدق استواء السر والعلانية والصادق من صدق فِي أقواله
والصديق من صدق فِي جَمِيع أقواله وأفعاله وأحواله وَقَالَ أَحْمَد بْن خضرويه: من
أراد أَن يَكُون اللَّه تَعَالَى مَعَهُ فليلزم الصدق فَإِن اللَّه تَعَالَى
قَالَ: إِن اللَّه مَعَ الصادقين.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول:
سمعت الفرغاني يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول: الصادق يتقلب فِي اليوم أربعين مرة
والمرائي يثبت عَلَى حالة واحدة أربعين سنة وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الداراني: لو
أراد الصادق أَن يصف مَا فِي قلبه مَا نطق بِهِ لسانه.
وقيل: الصدق
القول بالحق فِي مواطن الهلكة.
وقيل: الصدق
موافقة السر النطق، وَقَالَ القناد: الصدق منع الحرام من الشدق.
وَقَالَ
عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد: الصدق الوفاء لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بالعمل.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس البغدادي يَقُول: سمعت
جَعْفَر بْن نصير يَقُول: سمعت الحريري يَقُول: سمعت سهل بْن عَبْد اللَّهِ
يَقُول: لا يشم رائحة الصدق عَبْد داهن نَفْسه أَوْ غيره.
وَقَالَ
أَبُو سَعِيد الْقُرَشِيّ: الصادق الَّذِي يتهيأ لَهُ أَن يموت ولا يستحي من سره
لو كشف قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
[البقرة: 94] .
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: كَانَ أَبُو عَلَى الثقفي يتكلم يوما فَقَالَ
لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن منازل: يا أبا عَلي استعد للموت فلابد منه فَقَالَ أَبُو
عَلَى: وأنت يا عَبْد اللَّهِ استعد للموت فلابد منه فتوسد عَبْد اللَّهِ ذراعه
ووضع رأسه وَقَالَ: قَدْ مت فانقطع أَبُو عَلِي لأنه لَمْ يمكنه أَن يقابله بِمَا
فعل لأنه كَانَ لأبي عَلَي علاقات وَكَانَ عَبْد اللَّهِ مجردا لا شغل لَهُ.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الدينوري يتكلم
فصاحت عجوز فِي المجلس صيحة فَقَالَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاس: موتي فقامت وخطت
خطوات ثُمَّ التفتت إِلَيْهِ وَقَالَتْ: قَدْ مت ووقعت ميتة.
وَقَالَ
الواسطي: الصدق صحة التوحيد مَعَ القصد.
وقيل: نظر
عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد إِلَى غلام من أَصْحَابه قَدْ نحل بدينه فَقَالَ: يا
غلام أتديم الصوم؟ فَقَالَ: ولا أديم الإفطار فَقَالَ: أتديم القيام بالليل؟
فَقَالَ: ولا أديم النوم فَقَالَ: فَمَا الَّذِي أنحلك فَقَالَ: هوى دائم وكتمان
دائم عَلَيْهِ فَقَالَ: عَبْد الْوَاحِد اسكت فَمَا أجرأك فقام الغلام وخطا خطوتين
وَقَالَ: إلهي إِن كنت صادقا فخذني فخر ميتا.
وحكى عَن
أَبِي عَمْرو الزجاجي أَنَّهُ قَالَ: ماتت أمي فورثت منها دار فبعتها بخمسين
دِينَار وخرجت إِلَى الحج فلما بلغت بابل استقبلني واحد من القناقنة وَقَالَ: إيش
معك؟ فَقُلْتُ: فِي نفس الصدق خير ثُمَّ قُلْت: خمسون دِينَار فَقَالَ: ناولنيها
فناولته الصرة فعدها فَإِذَا هي خمسون دِينَار فَقَالَ: خذها فلقد أخذني صدقك
ثُمَّ نزل عَنِ الدابة وَقَالَ: اركبها فَقُلْتُ: لا أريد فَقَالَ: لا وألح عَلَى
فركبتها فَقَالَ: وأنا عَلَى أترك فلما كَانَ العام المستقبل لحق بي ولازمني
حَتَّى مَات.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت
جعفرا الخواص يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم الخواص يَقُول: الصادق لا تراه إلا فِي فرض
يؤديه أَوْ فضل يعمل لربه فِيهِ.
وسمعته
يَقُول: سمعت أبا الْحُسَيْن بْن مقسم يَقُول: سمعت جعفرا الخواص يَقُول: سمعت
الجنيد يَقُول: حقيقة الصدق أَن تصدق فِي مواطن لا ينجيك منها إلا الكذب وقيل: ثلاثة
لا تخطئ الصادق الحلاوة والهيبة والملاحة.
وقيل: أوحى
اللَّه إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلام يا دَاوُد من صدقني فِي سريرته صدقته
عِنْدَ المخلوقين فِي علانيته.
وقيل:
دَخَلَ إِبْرَاهِيم بْن دوحة مَعَ إِبْرَاهِيم بْن ستنبة البادية فَقَالَ:
إِبْرَاهِيم بْن ستنبة اطرح مَا معك من العلائق قَالَ فطرحت كُل شَيْء إلا دِينَار
فَقَالَ: يا إِبْرَاهِيم لا تشغل سرى اطرح مَا معك من العلائق قَالَ: فطرحت
الدينار، ثُمَّ قَالَ: يا إِبْرَاهِيم اطرح مَا معك من العلائق فتذكرت أَن معى
شسوعا للنعل فطرحتها فَمَا احتجت فِي الطريق إِلَى شسع إلا وجدته بَيْنَ يدي
فَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن ستنبة: هكذا من عامل اللَّه تَعَالَى بالصدق وَقَالَ ذو
النون: الصدق سَيْف اللَّه مَا وضع عَلَى شَيْء إلا قطعه ,
وَقَالَ سهل
بْن عَبْد اللَّهِ: أول خيانة الصديقين حديثهم مَعَ أنفسهم.
وسئل فتح
الموصلي عَنِ الصدق فأدخل يده فِي كير الحداد وأخرج الحديدة المحماة ووضعها عَلَى
كفه وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصدق وَقَالَ يُوسُف بْن أسباط: لأن أبيت ليلة أعامل
اللَّه تَعَالَى بالصدق أحب إلي من أَن أضرب بسَيْفي فِي سبيل اللَّه تَعَالَى.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: الصدق أَن تكون كَمَا ترى من نفسك أَوْ ترى من
نفسك كَمَا تكون.
وسئل الحرث المحاسبي عَن علامة الصدق فَقَالَ:
الصادق هُوَ الَّذِي لا يبالي لو خرج عَلَى قدر لَهُ فِي قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب اطلاع النَّاس عَلَى مثاقيل
الذر من حسن عمله ولا يكره أَن يطلع النَّاس عَلَى السيئ من عمله فَإِن كراهته لِذَلِكَ دليل عَلَى أَنَّهُ يحب الزيادة عندهم وليس هَذَا من أخلاق الصديقين وَقَالَ بَعْضهم من لَمْ يؤد الفرض الدائم لا يقبل منه الفرض المؤقت قيل مَا الفرض الدائم قَالَ: الصدق وقيل: إِذَا طلبت اللَّه بالصدق أعطاك مرآة تبصر فِيهَا كُل شَيْء من عجائب الدنيا والآخرة وقيل: عليك بالصدق حيث تخاف أَنَّهُ يضرك فَإِنَّهُ ينفعك ودع الكذب حيث ترى أَنَّهُ ينفعك فَإِنَّهُ يضرك وقيل: كُل شَيْء شَيْء ومصادقة الكذاب لا شَيْء وقيل: علامة الكذب جوده باليمين بغير مستحلف وَقَالَ ابْن سيرين: الْكَلام أوسع من أَن يكذب ظريف وقيل: مَا أملق تاجر صدوق.
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: