مصطلحات صوفية : الفناء و البقاء
أشار
الْقَوْم بالفناء إِلَى سقوط الأوصاف المذمومة وأشاروا بالبقاء إِلَى قيام الأوصاف
المحمودة بِهِ، وإذا كَانَ العبد لا يخلوا عَن أحد هذين القسمين فمن المعلوم
أَنَّهُ إِذَا لَمْ يكن أحد القسمين كَانَ القسم الآخر لا محالة فمن فني عَن
أوصافه المذمومة ظهرت عَلَيْهِ الصفات المحمودة، ومن غلبت عَلَيْهِ الخصال
المذمومة استترت عَنْهُ الصفات المحمودة.
واعلم أَن
الَّذِي يتصف بِهِ العبد أفعال وأخلاق وأحوال، فالأفعال: تصرفاته باختياره
والأخلاق جبلة فِيهِ ولكن تتغير بمعالجته عَلَى مستمر العادة، والأحوال: ترد عَلَى
العبد عَلَى وجه الابتداء لكن صفاؤها بَعْد زكاء الأعمال فِيهِ كالأخلاق من هَذَا
الوجه، لأن العبد إِذَا نازل الأخلاق بقلبه فينفي بجهده سفاسفها من اللَّه
عَلَيْهِ بتحسين أخلاقه، فَكَذَلِكَ إِذَا واظب عَلَى تزكية أعماله ببذل وسعه من
اللَّه عَلَيْهِ بتصفية أحواله بَل بتوفية أحواله فمن ترك مذموم أفعاله بلسان
الشرعية يقال إنه فني عَن شهواته فَإِذَا فني عَن شهواته بقي بصدق إنابته، ومن
عالج أخلاقه فنفى عَن قلبه الحسد والحقد والبخل والشح والغضب والكبر وأمثال هَذَا
من رعونات النفس يقال فني عَن سوء الخلق، فَإِذَا فني عَن سوء الخلق بقي بالفتوة
والصدق،
ومن شاهد
جريان القدرة فِي تصاريف الأَحْكَام يقال: فني عَن حسبان الحدثان من الخلق،
فَإِذَا فني عَن توهم الآثار من الأغيار بقي بصفات الحق، ومن استولى عَلَيْهِ
سلطان الحقيقة حَتَّى لَمْ يشهد من الأغيار لاعينا ولا أثرا ولا رسما ولا طللا
يقال إنه فني عَنِ الخلق، وبقي بالحق ففناء العبد عَن أفعاله الذميمة وأحواله
الخسيسة بعدم هذه الأفعال، وفناؤه عَن نَفْسه وعن الخلق بزوال إحساسه بنفسه وبهم
فَإِذَا فني عَنِ الأفعال والأخلاق والأحوال فلا يَجُوز أَن يَكُون مَا فني عَنْهُ
من ذَلِكَ موجودا، وإذا قيل فني عَن نَفْسه وعن الخلق فنفسه موجودة والخلق موجودون
ولكنه لا علم لَهُ بِهِمْ ولابه ولا إحساس ولا خبر فتكون نَفْسه موجودة والخلق موجودين
ولكنه غافل عَن نَفْسه وعن الخلق أجمعين غَيْر محس بنفسه وبالخلق وَقَدْ ترى الرجل
يدخل عَلَى ذي سلطان أَوْ محتشم فيذهل عَن نَفْسه وعن أهل مجلسه هيبة وربما يذهل
عَن ذَلِكَ المحتشم حَتَّى إِذَا سئل بَعْد خروجه من عنده عَن أهل مجلسه وهيئات
ذَلِكَ الصدر وهيئات نَفْسه لَمْ يكن الإخبار عَن شَيْء قَالَ اللَّه تَعَالَى:
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31] لَمْ
يجدن عِنْدَ لقاء يُوسُف عَلَيْهِ السَّلام عَلَى الوهلة ألم قطع الأيدي وهن
أضعف
النَّاس وقلن: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] ولقد كَانَ بشرا وقلن {إِنْ هَذَا
إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] وَلَمْ يكن ملكا فهذا تغافل مخلوق عَن أحواله
عِنْدَ لقاء مخلوق فَمَا ظنك بمن تكاشف بشهود الحق سبحانه فلو تغافل عَن إحساسه
بنفسه وأبناء جنسه فأي أعجوبة فِيهِ فمن فني عَن جهله بقي بعلمه، ومن فني عَن
شهوته بقى بإنابته، ومن فني عَن رغبته يفي بزهادته، ومن فني عَن منيته بقي
بإرادته،
وَكَذَلِكَ القول فِي جَمِيع صفاته، فَإِذَا فني
العبد عَن صفته بِمَا جري ذكره يرتقي عَن ذَلِكَ بفنائه عَن رؤية فنائه، وإلى هَذَا أشار قائلهم: فقوم تاه فِي أرض بقفر وقوم تاه فِي ميدان
حبه فأفنوا ثُمَّ أفنوا ثُمَّ أفنوا وأبقوا بالبقا من قرب ربه فالأول فناء عَن نَفْسه وصفاته
ببقائه بصفات الحق ثُمَّ فناؤه عَن صفات الحق بشهوده الحق ثُمَّ فناؤه عَن شهود فنائه باستهلاكه فِي وجود الحق
الكلمات المفتاحية :
مصطلحات صوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: