بَاب التوحيد
قَالَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163]
أَخْبَرَنَا
الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ فَوْرَكٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ خَرْزَاذَ
قَالَ: حَدَّثَنَا مَسِيحُ بْنُ
حَاتِمٍ الْعُكْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحُجْبِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمٍ الْعَتَكِيِّ , عَنِ ابْنِ
أَبِي صَدَقَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا
رَجُلٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلا التَّوْحِيدَ
فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْتَحِقُونِي ثُمَّ ذَرُوا
نِصْفِي فِي الْبَرِّ وَنِصْفِي فِي الْبَحْرِ فِي يَوْمِ رِيحٍ فَفَعَلُوا
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلرِّيحِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ
بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ:
اسْتِحْيَاءً مِنْكَ فَغَفَرَ لَهُ.
قَالَ
الأستاذ: التوحيد هُوَ الحكم بأن اللَّه واحد والعلم بأن الشيء واحد أَيْضًا توحيد
يقال وحدته إِذَا وصفته بالوحدانية كَمَا يقال: شجعت فلانا إِذَا نسبته إِلَى
الشجاعة ويقال فِي اللغة: وحد يحد فَهُوَ واحد ووحد ووحيد كَمَا يقال: فرد فَهُوَ
فارد وفرد وفريد وأصل أحد وحد فقلبت الواو همزة والواو المفتوحة قَدْ تقلب همزة
كَمَا تقلب المك { [والمضمومة ومنه امْرَأَة أسماء بمعنى وسماء من الوسامة ومعنى
كونه سبحانه واحدا عَلَى لسان العلم قيل: هُوَ الَّذِي لا يصح فِي وصفه الوضع
والرفع بخلاف قولك إِنْسَانا واحدا لأنك تقول إِنْسَان بلا يد ولا رجل فيصح رفع
شَيْء منه والحق سبحانه أحدي الذات بخلاف اسم الجملة الحاملة
وَقَالَ
بَعْض أهل التحقيق: معنى أَنَّهُ واحد نفي القسيم لذاته ونفي التشبيه عَن حقه
وصفاته ونفى الشريك مَعَهُ فِي أفعاله ومصنوعاته.
والتوحيد
ثلاثة: توحيد الحق للحق وَهُوَ علمه بأنه واحد وخبره عَنْهُ بأنه واحد
وَالثَّانِي: توحيد الحق سبحانه للخلق وَهُوَ حكمه سبحانه بأن العبد موحد وخلقه
توحيد العبد والثالث: توحيد الخلق للحق سبحانه وَهُوَ علم العبد بأن اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ واحد وحكمه وإخباره عَنْهُ بأنه واحد فَهَذِهِ جملة فِي معنى التوحيد
عَلَى شرط الإيجاز والتحديد واختلفت عبارات الشيوخ عَن معنى التوحيد سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد
اللَّهِ بْن شاذان يَقُول: سمعت يُوسُف بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت ذا النون
الْمِصْرِي يَقُول: وَقَدْ سئل عَنِ التوحيد فَقَالَ: أَن تعلم أَن قدرة اللَّه
تَعَالَى فِي الأشياء بلا مزاج وصنعه للأشياء بلا علاج وعلة كُل شَيْء صنعه ولا
علة لصنعه ومهما تصور فِي نفسك شَيْء فالله عَزَّ وَجَلَّ بخلافه وسمعته يَقُول:
سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن عَطَاء
يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح يَقُول: قَالَ الجريري: لَيْسَ لعلم
التوحيد إلا لسان التوحيد.
وسئل الجنيد
عَنِ التوحيد فَقَالَ: إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته أَنَّهُ
الْوَاحِد الَّذِي لَمْ يلد وَلَمْ يولد بنفي لأضداد والأنداد والأشباه بلا تشبيه
ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ} [سورة الشورى: 11] وَقَالَ الجنيد: إِذَا تناهت عقول العقلاء فِي
التوحيد تناهت إِلَى الحيرة.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا الْحُسَيْن بْن مقسم يَقُول: سمعت
جَعْفَر بْن مُحَمَّد يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول ذَلِكَ، وسئل الجنيد عَنِ
التوحيد فَقَالَ: معنى تضمحل فِيهِ الرسوم وتندرج فِيهِ العلوم ويكون اللَّه
تَعَالَى كَمَا لَمْ يزل.
وَقَالَ
الحصري
أصولنا فِي التوحيد خمسة أشياء: رفع الحدث وإفراد القدم، وهجر الإخوان، ومفارقة
الأوطان، ونسيان مَا علم وجهل.
سمعت
مَنْصُور بْن خلف المغربي يَقُول: كنت فِي صحن الجامع بِبَغْدَادَ يَعْنِي: جامع
الْمَنْصُور والحصري يتكلم فِي التوحيد فرأيت ملكين يعرجان إِلَى السماء فَقَالَ
أحدهما لصاحبه: الَّذِي يَقُول هَذَا الرجل علم التوحيد والتوحيد غيره يَعْنِي:
كنت بَيْنَ اليقظة والنوم وَقَالَ فارس: التوحيد هُوَ إسقاط الوسائط عِنْدَ غلبة
الحال والرجوع إِلَيْهَا عِنْدَ الأَحْكَام وأن الحسنات لا تغير الأقسام من
الشقاوة والسعادة.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا بَكْر بْن شاذان يَقُول: سمعت الشبلي
يَقُول: التوحيد صفة الموحد حقيقة وحلية الموحد رسما.
وسئل الجنيد
عَن توحيد الخاص فَقَالَ: أَن يَكُون العبد شبحا بَيْنَ يدي اللَّه سبحانه تجري
عَلَيْهِ تصاريف تدبيره فِي مجاري أحكام قدرته فِي لجج بحار توحيده بالفناء عَن
نَفْسه وعن دعوة الخلق لَهُ وعن استجابته بحقائق وجوده ووحدانيته فِي حقيقة قربه
بذهاب حسه وحركته لقيام الحق سبحانه لَهُ فيما أراد منه وَهُوَ أَن يرجع آخر العبد
إِلَى أوله فيكون كَمَا كَانَ قبل أَن يَكُون وسئل البوشنجي عَنِ التوحيد فَقَالَ:
غَيْر مشبه الذات ولا منفي الصفات.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول:
سمعت أبا الْحَسَن العنبري يَقُول: سمعت سهل بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول وَقَدْ سئل
عَن ذَات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: ذَات اللَّه تَعَالَى موصوفة بالعلم غَيْر
مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالأبصار فِي دار الدنيا وَهِيَ موجودة بحقائق الإيمان
من غَيْر حد ولا إحاطة ولا حلول وتراه العيون فِي العقبى ظاهرا فِي ملكه وقدرته
قَدْ حجب الخلق عَن معرفة كنه ذاته ودلهم عَلَيْهِ بآياته
فالقلوب
تعرفه والعقول لا تدركه ينظر إِلَيْهِ المؤمنون بالأبصار من غَيْر إحاطة ولا إدراك
نهاية، وَقَالَ الجنيد: أشرف كلمة فِي التوحيد مَا قاله أَبُو بَكْر الصديق رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: سبحان من لَمْ يجعل لخلقه سبيلا إِلَى معرفته إلا بالعجز عَن
معرفته.
قَالَ
الأستاذ أَبُو القاسم: لَيْسَ يريد الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لا يعرف،
لأن عِنْدَ المحققين العجز عجز عَنِ الموجود دُونَ المعدوم كالمقعد عاجز عَن قعوده
إذ لَيْسَ بكسب لَهُ لا فعل والقعود موجود فِيهِ كَذَلِكَ العارف عاجز عَن معرفته
والمعرفة موجودة فِيهِ لأنها ضرورية وعند هذه الطائفة المعرفة بِهِ سبحانه فِي
الانتهاء ضرورة فالمعرفة الكسبية فِي الابتداء وإن كانت معرفة عَلَى التحقيق فلم
يعدها الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا بالإضافة إِلَى المعرفة الضرورية
كالسراج عِنْدَ طلوع الشَّمْس وانبساط شعاعها عَلَيْهِ.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن سَعِيد البصرى بالكوفة يَقُول:
سمعت ابْن الأعرابي يَقُول: قَالَ الجنيد: التوحيد الَّذِي انفرد بِهِ الصوفية
هُوَ إفراد القدم عَنِ الحدث والخروج عَنِ الأوطان وقطع المحاب وترك مَا علم وجهل
وأن يَكُون الحق سبحانه مكان الجميع.
وَقَالَ
يُوسُف بْن الْحُسَيْن: من وقع فِي بحار التوحيد لا يزداد عَلَى ممر الأوقات إلا
عطشا وَقَالَ الجنيد: علم التوحيد مباين لوجوده ووجوده مفارق لعمله.
وَقَالَ
الجنيد أَيْضًا: علم التوحيد طوي بساطه منذ عشرين سنة والناس يتكلمون فِي حواشيه.
سمعت بْن
الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد الأَصْبَهَانِي يَقُول: وقف رجل
عَلَى الْحُسَيْن بْن مَنْصُور فَقَالَ: من الحق الَّذِي يشيرون إِلَيْهِ فَقَالَ:
معل الأنام ولا يعتل
وسمعته
يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت الشبلي يَقُول: من اطلع عَلَى
ذرة من علم التوحيد ضعف عَن حمل بقة لثقل مَا حمله.
سمعت أبا
حاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر السراج يَقُول: سئل الشبلي فقيل لَهُ:
أَخْبَرَنَا عَن توحيد مجرد وبلسان حق مفرد فَقَالَ: ويحك من أجاب عَنِ التوحيد
بالعبارة فَهُوَ ملحد ومن أشار إِلَيْهِ فَهُوَ ثنوي ومن أومأ إِلَيْهِ فَهُوَ
عابد وثن ومن نطق فِيهِ فَهُوَ غافل ومن سكت عَنْهُ فَهُوَ جاهل ومن توهم أَنَّهُ
واصل فليس لَهُ حاصل ومن رأى أَنَّهُ قريب فَهُوَ بعيد ومن تواجد فَهُوَ فاقد وكل
مَا ميز تموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم فِي أتم معانيكم فَهُوَ مصروف مردود
إليكم محدث مصنوع مثلكم وَقَالَ يُوسُف بْن الْحُسَيْن: توحيد الخاصة أَن يَكُون
بسره ووجده وقلبه كَأَنَّهُ قائم بَيْنَ يدي اللَّه تَعَالَى يجري عَلَيْهِ تصاريف
تدبيره وأحكام قدرته فِي بحار توحيده بالفناء عَن نَفْسه وذهب حسه لقيام الحق
سبحانه لَهُ فِي مراده منه فيكون كَمَا هُوَ قبل أَن يَكُون فِي جريان حكمه سبحانه
عَلَيْهِ وقيل: التوحيد للحق سبحانه والخلق طفيلي، وقيل: التوحيد إسقاط الياءات لا
تقول لي وبي ومني وإلي وقيل لأبي بَكْر الطمستاني: مَا التوحيد فَقَالَ: توحيد ,
وموحد , وموحد , هذه ثلاثة قَالَ رويم: التوحيد محو آثار البشرية وتجرد الألوهية.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول فِي آخر عمره وَكَانَ قَد اشتدت بِهِ العلة
فَقَالَ: من أمارات التأييد حفظ التوحيد فِي أوقات الحكم ثُمَّ قَالَ كالمفسر
لقوله مشيرا إِلَى مَا كَانَ فِيهِ من حاله: هُوَ أَن يقرضك بمقاريض القدرة فِي
إمضاء الأَحْكَام قطعة قطعة وأنت شاكر حامد
وَقَالَ
الشبلي: مَا شم روائح التوحيد من تصور عنده التوحيد وَقَالَ أَبُو سَعِيد الخراز:
أول مقام لمن وجد علم التوحيد وتحقق بِذَلِكَ فناء ذكر الأشياء عَن قلبه وانفراده
بالله عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الشبلي لرجل أتدري لَمْ لا يصح توحيدك فَقَالَ: لا
قَالَ لأنك تطلبه بك وَقَالَ ابْن عَطَاء: علامة حقيقة التوحيد نسيان التوحيد
وَهُوَ أَن يَكُون القائم بِهِ واحدا ويقال: من النَّاس من يَكُون فِي توحيده
مكاشفا بالأفعال يرى الحادثات بالله تَعَالَى وَمِنْهُم من هُوَ مكاشف بالحقيقة
فيضمحل إحساسه بِمَا سواه فَهُوَ يشاهد الجمع سرا بسر وظاهره بوصف التفرقة.
سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول:
سمعت عَلِي بْن مُحَمَّد القزويني يَقُول: سمعت القنفد يَقُول: سئل الجنيد عَنِ التوحيد فَقَالَ: سمعت قائلا يَقُول: وغنى لي من قلبي وغنيت
كَمَا غنى وكنا حينما كَانُوا وكانوا حينما كُنَّا فَقَالَ السائل: أهلك الْقُرْآن والأخبار فَقَالَ: لا
ولكن الموحد يأخذ أعلى التوحيد من أدنى الْخَطَّاب وأيسره.
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: