مقارنة بين ابن العربي و ابن تيمية 7
تهم مردودة:
قبل أن نختم موضوعنا هذا يستحسن إجراء استعراض سريع لعينة من التهم التي ألصقت بالشيخ الأكبر ومن ثم تكفيره
بسببها.
التهمة الأولى: الولي أفضل من النبي:
يأخذ الشيخ ابن تيمية على الشيخ الأكبر مأخذين عظيمين:
1- "يقول ابن عربي: إن الأولياء أفضل من الأنبياء وسائر الأولياء يأخذون عن خاتم الأنبياء علم التوحيد وإنه هو يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول" .
2- "كما ادعى ابن عربي أنه أفضل من محمد!"
هل حقا هذا منطق الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي؟! فيما يلي بعض ما قاله في الفتوحات المكية مما يدحض كل ما يمكن أن يتوهمه متوهم عنه في هذا الأمر:
1- "... وهذا الكتاب (هو) من ذلك النمط عندنا. فوالله! ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهيّ، وإلقاء ربّاني، أو نفث روحاني في روع كياني. هذا جملة الأمر، مع كوننا لسنا برسل مشرّعين، ولا أنبياء مكلِّفين -بكسر اللام، اسم فاعل- فإنّ رسالة التشريع ونبوّة التكليف قد انقطعت عند رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- فلا رسول بعده -صلّى الله عليه وسلّم- ولا نبيّ يشرّع ولا يكلِّف، وإنما هو علم وحكمة وفهمٌ عن الله فيما شرّعه على ألسنة رسله وأنبيائه -عليهم سلام الله- وما خطّه وكتبه في لوح الوجود من حروف العالم وكلمات الحقّ...
وإنما قلنا ذلك لئلا يتوهّم متوهّم أني وأمثالي أدّعي نبوّة؛ لا والله! ما بقي إلا ميراث وسلوك على مدرجة محمد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خاصة. وإن كان للناس عامّةً، ولنا ولأمثالنا خاصةً من النبوّة (هو) ما أبقى الله علينا منها مثل المبشّرات ومكارم الأخلاق، ومثل حفظ القرآن إذا استظهره الإنسان؛ فإنّ هذا وأمثاله (هو) من أجزاء النبوّة الموروثة..... فكلّ شرع ظهر وكلّ علم؛ إنما هو ميراث محمدي في كلّ زمان ورسول ونبيّ؛ من آدم إلى يوم القيامة .
2- "فكلّ من قال من أهل الكشف: إنّه مأمور بأمر إلهيّ، في حركاته وسكناته، مخالف لأمر شرعي محمدي تكليفي، فقد التبس عليه الأمر، وإن كان صادقا فيما قال: إنّه سمع، وإنما يمكن أن ظهر له تجلّ إلهيّ، في صورة نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-، فخاطبه نبيّه. أو أقيم في سماع خطاب نبيّه. وذلك أنّ الرسول موصّل أمر الحقّ -تعالى- الذي أمر الله به عباده. فقد يمكن أن يسمع من الحقّ، في حضرة مّا، ذلك الأمر الذي قد جاءه به أوّلا رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، فيقول: أمرني الحقّ. وإنما هو في حقّه تعريف بأنّه قد أمر، وانقطع هذا النسب بمحمد -صلّى الله عليه وسلّم-، وما عدا الأوامر من الله المشروعة، فللأولياء في ذلك القدم الراسخة" .
3- "نبّهتُكَ أن تكون أوقاتك معمورة بالشرائع النبوية والسنن الأصلية" .
4- "إنّ كرامة الوليّ، وخرق العادة له، إنما كانت باتّباع الرسول، والجري على سنّته، فكأنّها من آيات ذلك النبيّ، إذ باتّباعه ظهرت للمتحقّق بالاتّباع، فلهذا جاورته" .
5- "... ورأيت الرحمة كلّها في التسليم والتلقّي من النبوّة، والوقوف عند الكتاب والسنّة. ولقد عمي الناس عن قوله -صلّى الله عليه وسلّم: "عند نبيّ لا ينبغي تنازع"، وحضور حديثه -صلّى الله عليه وسلّم- كحضوره، لا ينبغي أن يكون عند إيراده تنازع، ولا يرفع السامع صوته عند سرد الحديث النبويّ، فإنّ الله يقول: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ} ولا فرق عند أهل الله بين صوت النبيّ، أو حكاية قوله.
فما لنا إلا التهيّؤ لقبول ما يرد به المحدّث من كلام النبوّة من غير جدال، سواء كان ذلك الحديث جوابا عن سؤال أو ابتداء كلام؛ فالوقوف عند كلامه في المسألة أو في النازلة واجب. فمتى ما قيل: قال الله، أو قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ينبغي أن يُقْبِل ويتأدّب السامع، ولا يرفع صوته على صوت المحدّث إذا قال ما قال الله، أو سرد الحديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-"
6- "فالصحابة إذا نقلوا الوحي على لفظه، فهم رسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والتابعون رسل الصحابة، وهكذا الأمر جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة."
واضحٌ هنا البون الشاسع بين التهمة الموجهة له وبين قوله واعتقاده بما لا يقاس.. وحسن الظن فقط يجعلنا نتصور أن الشيخ ابن تيمية ربما حكم على أقوال محرفة سمعها من غيره عن الشيخ الأكبر!
التهمة الثانية: إيمان فرعون:
يقول الشيخ ابن تيمية: "وزعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته إن فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار.. وهذا القول كفر معلوم فساده باضطرار من دين الإسلام لم يسبق ابن عربي إليه فيما أعلم أحد من أهل القبلة بل ولا من اليهود ولا من النصارى بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون" "ولهذا كان المسلمون متفقين على أن من توقف في كفره وكونه من أهل النار فإنه يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا!! فضلا عمن يقول إنه مات مؤمنا.."
والواقع أن الشيخ ابن عربي ولا غيره لم يقل: "إن فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار" والمتابع لكلام ابن عربي في الفتوحات المكية سيجده ذكر فرعون في أكثر من 50 موضعا، ونجده لا يختلف عن علماء الأمة في مسألة كفر فرعون واستعلائه وتكبره وتجبره وادعائه الألوهية، وأنه لا موضع أقذر من موضع فرعون ، وأنه من الهالكين ، وأنه أضل قومه، وقرنه بأبي جهل، وأن "المذموم (هو) ما ادّعاه فرعون" وأنه "حصل لآسية الكمال بشرف المقام الذي شقي به فرعون ولحق بالخسران المبين" ، وأنّ من أحبّوا الرئاسة، وقصدوا إضلال العباد: كفرعون وأمثاله، هم في الشقاء إلا إن تابوا، و"إنّ الله جعل له أعداء ينازعونه في ألوهيّته كفرعون وأمثاله" وأن فرعون أشرك "من حيث خالف عقدُه قولَه" .. إلى غير ذلك.
إلا أنه في قراءته لمدلول الآيات الكريمة في سورة يونس عن فرعون لاحظ أن مسارها اللغوي ربما يدل على احتمال إيمان فرعون قبل غرقه بلحظات. يقول الشيخ الأكبر: "فلمّا رأى البأس قال: {آمنت} فتلفّظ باعتقاده الذي ما زال معه. فقال له الله -تعالى-: {ءآلآن} قلتَ ذلك. فأثبت الله بقوله: {ءآلآن} أنّه آمن عن علم محقّق، والله أعلم. وإن كان الأمر فيه احتمال" ومن ثم فإن "أمره إلى الله تعالى" "فَقَبِلَهُ الله، إن كان قَبِلَهُ، طاهرا" .
الأمر إذن متصل باللحظات الأخيرة قبل غرقه بعد قوله "آمنت"، وأنه ليس قطعيا وإنما فيه احتمال، وهو موكول إلى الله؛ فإن كان قَبِلَه فسيكون عندئذ طاهرا.
وهنا يبدو جليا أن تلك المقدمات التي ذكرها ابن تيمية ليست تماما ما ذكره الشيخ الأكبر في هذا الموضوع.. فإذا اختلت المقدمات ينبغي أن يسقط الحكم الذي بني عليها.
ومع ذلك ألم يكن الصواب والمنطقي هنا هو مناقشة الموضوع لغويا باعتبار المدخل الذي أوصل إلى ذلك والمرجع في مثل هذا الأمر هو هذا الجانب اللغوي؟ وإذا كان هناك خطأ في استنتاج أيٍّ كان فلا يصح أن يكون الحكم عندئذ إلا أنه أخطأ في استنتاجه فقط ولا يتجاوز ذلك إلى تكفيره وإباحة دمه...الخ؟
ثم إن كلام الشيخ ابن تيمية يثير عددا من التساؤلات:
هل هناك حظر على الشيخ الأكبر أو على غيره أن يأتي بفهم جديد في آيات الله لم يسبقه أحد من العلماء؟.. وما معنى التدبر في آيات الله والتفكر فيها كما أمر الله عباده؟ وأولئك العلماء الذين سبقوه وكان كل منهم قد وصل إلى فهم جديد في كتاب الله في أمر معين؛ لماذا قبلنا فهمه في ذلك الأمر الذي لم يسبقه إليه غيره؟ بل وما فائدة كتب اللغة والتفاسير إن ألزمنا كل عالم بعدم الإتيان بأي جديد تقتضيه اللغة ويقتضيه فهمه واستيعابه.. وأين مدلول حديث "من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر"؟
ثم من الذي يقرر مصير العباد إلى الجنة أو النار: أليس هو الله؟ وبالتالي فأين الصواب: هل القول بترك الأمر إلى الله في تقرير الحكم على عباده أفضل؟ أم حسم الأمر هنا مباشرة من أي كان، ومن خالف حكمه يعتبر مرتدا وكافرا يستتاب أو يسفك دمه؟ وكيف يستقيم هذا مع الحديث الشريف: "ما منكم من أحد يدخله عمله الجنة. فقال بعضهم: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته" ومع الحديث: "فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"... من الذي يحق له إلغاء حكم مثل هذه الأحاديث، ولا يكل الأمر إلى الله كما فعل رسول الله حتى فيما يتعلق به ذاته؟
وإذا أعطى كل امرئ الحق لنفسه في تقرير تكفير الآخر المخالف واستباحة دمه؛ أليست الفوضى وشريعة الغاب والخوارج تكون قد ظهرت ولكن بثوب جديد؟
قبل أن نختم موضوعنا هذا يستحسن إجراء استعراض سريع لعينة من التهم التي ألصقت بالشيخ الأكبر ومن ثم تكفيره
بسببها.
التهمة الأولى: الولي أفضل من النبي:
يأخذ الشيخ ابن تيمية على الشيخ الأكبر مأخذين عظيمين:
1- "يقول ابن عربي: إن الأولياء أفضل من الأنبياء وسائر الأولياء يأخذون عن خاتم الأنبياء علم التوحيد وإنه هو يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول" .
2- "كما ادعى ابن عربي أنه أفضل من محمد!"
هل حقا هذا منطق الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي؟! فيما يلي بعض ما قاله في الفتوحات المكية مما يدحض كل ما يمكن أن يتوهمه متوهم عنه في هذا الأمر:
1- "... وهذا الكتاب (هو) من ذلك النمط عندنا. فوالله! ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهيّ، وإلقاء ربّاني، أو نفث روحاني في روع كياني. هذا جملة الأمر، مع كوننا لسنا برسل مشرّعين، ولا أنبياء مكلِّفين -بكسر اللام، اسم فاعل- فإنّ رسالة التشريع ونبوّة التكليف قد انقطعت عند رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- فلا رسول بعده -صلّى الله عليه وسلّم- ولا نبيّ يشرّع ولا يكلِّف، وإنما هو علم وحكمة وفهمٌ عن الله فيما شرّعه على ألسنة رسله وأنبيائه -عليهم سلام الله- وما خطّه وكتبه في لوح الوجود من حروف العالم وكلمات الحقّ...
وإنما قلنا ذلك لئلا يتوهّم متوهّم أني وأمثالي أدّعي نبوّة؛ لا والله! ما بقي إلا ميراث وسلوك على مدرجة محمد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خاصة. وإن كان للناس عامّةً، ولنا ولأمثالنا خاصةً من النبوّة (هو) ما أبقى الله علينا منها مثل المبشّرات ومكارم الأخلاق، ومثل حفظ القرآن إذا استظهره الإنسان؛ فإنّ هذا وأمثاله (هو) من أجزاء النبوّة الموروثة..... فكلّ شرع ظهر وكلّ علم؛ إنما هو ميراث محمدي في كلّ زمان ورسول ونبيّ؛ من آدم إلى يوم القيامة .
2- "فكلّ من قال من أهل الكشف: إنّه مأمور بأمر إلهيّ، في حركاته وسكناته، مخالف لأمر شرعي محمدي تكليفي، فقد التبس عليه الأمر، وإن كان صادقا فيما قال: إنّه سمع، وإنما يمكن أن ظهر له تجلّ إلهيّ، في صورة نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-، فخاطبه نبيّه. أو أقيم في سماع خطاب نبيّه. وذلك أنّ الرسول موصّل أمر الحقّ -تعالى- الذي أمر الله به عباده. فقد يمكن أن يسمع من الحقّ، في حضرة مّا، ذلك الأمر الذي قد جاءه به أوّلا رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، فيقول: أمرني الحقّ. وإنما هو في حقّه تعريف بأنّه قد أمر، وانقطع هذا النسب بمحمد -صلّى الله عليه وسلّم-، وما عدا الأوامر من الله المشروعة، فللأولياء في ذلك القدم الراسخة" .
3- "نبّهتُكَ أن تكون أوقاتك معمورة بالشرائع النبوية والسنن الأصلية" .
4- "إنّ كرامة الوليّ، وخرق العادة له، إنما كانت باتّباع الرسول، والجري على سنّته، فكأنّها من آيات ذلك النبيّ، إذ باتّباعه ظهرت للمتحقّق بالاتّباع، فلهذا جاورته" .
5- "... ورأيت الرحمة كلّها في التسليم والتلقّي من النبوّة، والوقوف عند الكتاب والسنّة. ولقد عمي الناس عن قوله -صلّى الله عليه وسلّم: "عند نبيّ لا ينبغي تنازع"، وحضور حديثه -صلّى الله عليه وسلّم- كحضوره، لا ينبغي أن يكون عند إيراده تنازع، ولا يرفع السامع صوته عند سرد الحديث النبويّ، فإنّ الله يقول: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ} ولا فرق عند أهل الله بين صوت النبيّ، أو حكاية قوله.
فما لنا إلا التهيّؤ لقبول ما يرد به المحدّث من كلام النبوّة من غير جدال، سواء كان ذلك الحديث جوابا عن سؤال أو ابتداء كلام؛ فالوقوف عند كلامه في المسألة أو في النازلة واجب. فمتى ما قيل: قال الله، أو قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ينبغي أن يُقْبِل ويتأدّب السامع، ولا يرفع صوته على صوت المحدّث إذا قال ما قال الله، أو سرد الحديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-"
6- "فالصحابة إذا نقلوا الوحي على لفظه، فهم رسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والتابعون رسل الصحابة، وهكذا الأمر جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة."
واضحٌ هنا البون الشاسع بين التهمة الموجهة له وبين قوله واعتقاده بما لا يقاس.. وحسن الظن فقط يجعلنا نتصور أن الشيخ ابن تيمية ربما حكم على أقوال محرفة سمعها من غيره عن الشيخ الأكبر!
التهمة الثانية: إيمان فرعون:
يقول الشيخ ابن تيمية: "وزعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته إن فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار.. وهذا القول كفر معلوم فساده باضطرار من دين الإسلام لم يسبق ابن عربي إليه فيما أعلم أحد من أهل القبلة بل ولا من اليهود ولا من النصارى بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون" "ولهذا كان المسلمون متفقين على أن من توقف في كفره وكونه من أهل النار فإنه يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا!! فضلا عمن يقول إنه مات مؤمنا.."
والواقع أن الشيخ ابن عربي ولا غيره لم يقل: "إن فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار" والمتابع لكلام ابن عربي في الفتوحات المكية سيجده ذكر فرعون في أكثر من 50 موضعا، ونجده لا يختلف عن علماء الأمة في مسألة كفر فرعون واستعلائه وتكبره وتجبره وادعائه الألوهية، وأنه لا موضع أقذر من موضع فرعون ، وأنه من الهالكين ، وأنه أضل قومه، وقرنه بأبي جهل، وأن "المذموم (هو) ما ادّعاه فرعون" وأنه "حصل لآسية الكمال بشرف المقام الذي شقي به فرعون ولحق بالخسران المبين" ، وأنّ من أحبّوا الرئاسة، وقصدوا إضلال العباد: كفرعون وأمثاله، هم في الشقاء إلا إن تابوا، و"إنّ الله جعل له أعداء ينازعونه في ألوهيّته كفرعون وأمثاله" وأن فرعون أشرك "من حيث خالف عقدُه قولَه" .. إلى غير ذلك.
إلا أنه في قراءته لمدلول الآيات الكريمة في سورة يونس عن فرعون لاحظ أن مسارها اللغوي ربما يدل على احتمال إيمان فرعون قبل غرقه بلحظات. يقول الشيخ الأكبر: "فلمّا رأى البأس قال: {آمنت} فتلفّظ باعتقاده الذي ما زال معه. فقال له الله -تعالى-: {ءآلآن} قلتَ ذلك. فأثبت الله بقوله: {ءآلآن} أنّه آمن عن علم محقّق، والله أعلم. وإن كان الأمر فيه احتمال" ومن ثم فإن "أمره إلى الله تعالى" "فَقَبِلَهُ الله، إن كان قَبِلَهُ، طاهرا" .
الأمر إذن متصل باللحظات الأخيرة قبل غرقه بعد قوله "آمنت"، وأنه ليس قطعيا وإنما فيه احتمال، وهو موكول إلى الله؛ فإن كان قَبِلَه فسيكون عندئذ طاهرا.
وهنا يبدو جليا أن تلك المقدمات التي ذكرها ابن تيمية ليست تماما ما ذكره الشيخ الأكبر في هذا الموضوع.. فإذا اختلت المقدمات ينبغي أن يسقط الحكم الذي بني عليها.
ومع ذلك ألم يكن الصواب والمنطقي هنا هو مناقشة الموضوع لغويا باعتبار المدخل الذي أوصل إلى ذلك والمرجع في مثل هذا الأمر هو هذا الجانب اللغوي؟ وإذا كان هناك خطأ في استنتاج أيٍّ كان فلا يصح أن يكون الحكم عندئذ إلا أنه أخطأ في استنتاجه فقط ولا يتجاوز ذلك إلى تكفيره وإباحة دمه...الخ؟
ثم إن كلام الشيخ ابن تيمية يثير عددا من التساؤلات:
هل هناك حظر على الشيخ الأكبر أو على غيره أن يأتي بفهم جديد في آيات الله لم يسبقه أحد من العلماء؟.. وما معنى التدبر في آيات الله والتفكر فيها كما أمر الله عباده؟ وأولئك العلماء الذين سبقوه وكان كل منهم قد وصل إلى فهم جديد في كتاب الله في أمر معين؛ لماذا قبلنا فهمه في ذلك الأمر الذي لم يسبقه إليه غيره؟ بل وما فائدة كتب اللغة والتفاسير إن ألزمنا كل عالم بعدم الإتيان بأي جديد تقتضيه اللغة ويقتضيه فهمه واستيعابه.. وأين مدلول حديث "من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر"؟
ثم من الذي يقرر مصير العباد إلى الجنة أو النار: أليس هو الله؟ وبالتالي فأين الصواب: هل القول بترك الأمر إلى الله في تقرير الحكم على عباده أفضل؟ أم حسم الأمر هنا مباشرة من أي كان، ومن خالف حكمه يعتبر مرتدا وكافرا يستتاب أو يسفك دمه؟ وكيف يستقيم هذا مع الحديث الشريف: "ما منكم من أحد يدخله عمله الجنة. فقال بعضهم: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته" ومع الحديث: "فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"... من الذي يحق له إلغاء حكم مثل هذه الأحاديث، ولا يكل الأمر إلى الله كما فعل رسول الله حتى فيما يتعلق به ذاته؟
وإذا أعطى كل امرئ الحق لنفسه في تقرير تكفير الآخر المخالف واستباحة دمه؛ أليست الفوضى وشريعة الغاب والخوارج تكون قد ظهرت ولكن بثوب جديد؟
الكلمات المفتاحية :
شبهات و ردود
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: