مقارنة بين ابن العربي و ابن تيمية 5
البقاعي وكتابه:
وفي خضم هذه التداعيات وردود الفعل صدر هذا الكتاب.. وهو المسمى "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي" لمؤلفه إبراهيم
بن عمر البقاعي والذي يعتبره المناوئون من بعد
صدوره وإلى الآن المرجع الأسمى في مواقفهم تجاه الشيخ الأكبر.. إذ لا تجد حلقة نقاش أو كتاب أو مقال لكاتب مناوئ للتصوف وللشيخ الأكبر إلا كان هذا الكتاب مرجعه الأساسي..وقد صدر مؤخرا مع كتاب آخر تحت اسم "مصرع التصوف" وواضح أن هناك اهتمام واسع بنشره..الخ. فما هو القول في هذا الكتاب وصاحبه؟
كنا قد استشهدنا فيما سبق ببعض أقوال المؤلف في كتابه وأشرنا إلى أن خلاصتها تتمثل في الحكم بتكفير الشيخ الأكبر بسبب كلامه في كتبه وعلى وجه الخصوص "فصوص الحكم" ومن ثم يلزم كل مسلم اعتقاد كفر ابن عربي وأنّ مصيره إلى النار وسوء القرار, وأن من يتوقف ويسكت لِشَكٍّ فيه فهو كافر.
ولما كان المؤلف تلميذا لابن حجر العسقلاني وزميلا للسخاوي وكلاهما لا يعتقدان بالشيخ الأكبر.. فما علينا مع ذلك إن عدنا لزميله السخاوي ونتبين تقييمه لزميله فهو أعرف به من الجميع ولن يُعتبر حكمه فيه متعسفا كونه يشاطره موقف عدم الرضا من ابن عربي.
أسهب السخاوي في ترجمة زميله البقاعي في كتابه الضوء اللامع.. وعلى الرغم من أهمية كل ما كتب عنه إلا إنا لطول حديثه عنه سنعمل على الاختصار قدر الاستطاعة.. يقول السخاوي عنه إنه (أي البقاعي): "صاحب تلك العجائب والنوائب والقلاقل والمسائل المتعارضة المتناقضة ويقال أنه يلقب ابن عويجان تصغير أعوج... ولم يعرف له كتاب في الفقه والنحو ولا في غيرهما، بل قال العلامة أبو القسم النويري، وناهيك به لصهر صاحب الترجمة: قل لصاحبك –وعيَّنَه- يشتغل بالنجوم أنه لم يعلم له بعد هذه المقالة فيه اشتغال...
أخذ بالقاهرة عن الشرف السبكي والعلاء القلقشندي والقاياتي وشيخنا وطائفة؛ منهم أبو الفضل المغربي؛ وهو الذي أعلمه بالقاعدة التي تجرّأ على كتاب الله بها. وما علمته أتقن فنّا، ولا بلغ مرتبة العلماء، بل قصارى أمره إدراجه في الفضلاء، وتصانيفه شاهدة بما قلته... ووقائعه كثيرة، وأحواله شهيرة، ودعاوية مستفيضة. أهلكه التيه والعجب، وحب الشرف والسمعة، بحيث زعم أنه قيم العصرين بكتاب الله وسنة رسوله.. وأنه لا يخرج عن الكتاب والسنة بل هو منطبع بطباع الصحابة مع رميه للناس بالقذف والفسق والكذب والجهل، وذكر ألفاظاً لا تصدر من عاقل، وأمور متناقضة، وأفعال سيئة، وحقد تام.
وما أحسن قول شيخ الحنابلة وقاضيهم العز الكناني - وكان قديماً من أكبر أصحابه- مما سمعه منه غير واحد من الثقات: "والله إنه لم يتّبع سنة واحدة، وإنّه لأشبه بالخوارج في تنميق المقاصد الخبيثة وإخراجها في قالب الديانة".
وما أحقّه بما ترجم هو به النويري المشار إليه، حيث قال مما قرأته بخطه فيه: رأيته من أفجر عباد الله؛ يظهر لمن يجهله أثواباً من الدين، وتنسكاً يملك به قلبه ويغتال عليه دينه. ليس يأمن مَن وَقَعَ بصره عليه على مال له ولا عرض! بل ولا نفس. له نفس شغفة بالشهرة، ومشفة للعلو. وعنده جرأة باللسان مفرطة، أوصلته إلى حد التهور. وقلبه ممتلئ مكراً وحسداً وكبراً. وله في كلّ من ذلك حكايات تسوّد الصحائف وتبيّض النواصي. ما سكن في بلد إلا أقام بها شرورا،ً وشحنها فجوراً. ولولا أعاذنا الله تعالى به؛ من شدة طيشه وإعجابه برأيه؛ لسعّر البلاد وأهلك العباد. إلى أن قال نقلاً عن غيره: إن أبا القسم قال له: إن قال المالكية بالقتل قلتُ بالعصمة، وإن قالوا بالعصمة قلتُ بالقتل. ثم قال: ولم يكن له في شيء من ذلك غرض معين؛ إنما كان غرضه بالخلاف؛ رجاء يرتب عليه ولايته القضاء.
وما علمت أحداً سلم من أذاه: لا الشيوخ، ولا الأقران، ولا من يليهم من كل بلد دخله بالنظم وبالنثر. حتى من خوله في النعم بعد الفاقة والعدم، وأخذ بجاهه أموراً لا يستحقها.
(التزوير): وعمل البقاعي بحضور الشرف المناوي إجلاساً ضُبط عنه أنه مِن عَمَلِ شيخه أبي الفضل المغربي له.
وحتى القاياتي الذي زعم أنه لازمه كثيراً، وأنه قرأ عليه في أصول الدين والمنطق، وسمع دروسه في الفقه.. والنحو المعاني والبيان، ومن دروسه في الكشاف، قال فيه: إنه لا يزال غلس الظاهر، دنس الأثواب، سمج اللحية. قال: ولم نعلم لذلك سبباً إلا كثرة إخلافه للوعد. قال: ولم أر مثل ولايته في كثرة التقلب، وتوالي العظائم، واضطراب الأمور، وكثرة القال والقيل؛ حتى لقد قُلِعَتْ -على قلة أيامها، وقصر زمنها- من قلوب الناس كثيراً مما غرسه فيها من المحبة. قال: على أني لم أر بعيني أوسع باطناً منه؛ يكون في غاية البغضة للإنسان وهو يريه أنه أقرب الناس عنده، ولا أدق مكراً،ولا أخفى كيداً، ولا أحفظ سراً، ولا أنكى فعلاً؛ يذبح الإنسان - كما قالوا- بفطنة وهو يضحك.
بل قال (البقاعي) عن شيخ الإسلام ابن حجر: إن فيه من سيء الخصال؛ أنه لا يعامل أحداً بما يستحقه من الإكرام في نفس الأمر بل بما يظهر له على شمائله من محبّة الرفعة، وأنه يغلط ويلج في غلطه. ووصفه بشيخ نحس.
وكتب تجاه بعض من ترجمه شيخنا في بعض مجاميعه انتقاداً يرجع إلى العلو. ووقف عليه شيخنا وضمه؛ لما يعلمه من فجوره.
وتعدى في تراجم الناس، وزاد على الحد، خصوصاً في كتابه "عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران" الذي طالعته بعد موته، وملخصه المسمى "عنوان العنوان بتجريد أسماء الشيوخ والتلامذة والأقران"، وناقض نفسه في كثيرين؛ فإنه كان يترجمهم أولاً ببعض ما يليق بهم، ثم صار بعد مخالفتهم له في أغراضه ونحو ذلك، يزيد في تراجمهم أو يغيّر ما كان أثبته أولاً.
وما أحسن قول بعضهم:
إن البقاعيَّ البذيء لفحشه
ولكذبه ومحاله وعقوقه
لو قال إن الشمس تظهر في السما
وقفت ذوو الألباب عن تصديقه
إلى غير ذلك من مجازفاته؛ كوصفه التيزيني بالتحري في شهادته. وطعنه في شهادة شيخ الناس قاطبة العز عبد السلام البغدادي؛ حميّة للشهاب الكوراني؛ لكونه توسل به في طلب المناسبات من بلاد الروم. وما اكتفى بذلك، حتى التزم له بإشهار "جمع الجوامع" له الذي شحنه بالإساءة على من اجتمع له مع العلم، وتحقيقه القطبية والولاية.
وأشنع وأبشع تجريحه لحافظ الشام ابن ناصر الدين بالتزوير. وكأغاليطه في المواليد والوفيات والأنساب، وتصحيفه مما أضربت عن بسطه، اكتفاء بمصنف حافل أفردته لها لكثرتها وقبحها، وذكرتها مختصرة مضمومة لغيرها في ذيل القراء والمعجم، وترجمة شيخنا. ومِن قبلي ذكرها ابن فهد، والزين رضوان، والبرهان الحلبي. ومن المتأخرين ابن أبي عذيبة.. وكذا أفردها غيري. بل اعتنى بعضهم بجمع أهاجي الشعراء فيه في مجلد.
(تكفير البقاعي:) ولمّا علم مقتَ الناس له، وإسماعهم إياه كل مكروه: من تكفير فما دونه، بل رام المالكي أن يرتّب عليه مقتضى ما أخبَرَتْ به البيّنة العادلة من كونه قال: "إن بعض المغاربة سأله أن يفصل في المناسبات التي عملها بين كلام الله وقوله بأي ونحوها؛ دفعاً لما لعل يُتًوهم" فترامى على الزيني بن مزهر حتى عزّزه وحكم بإسلامه، بعد أن جبن عن مقاومة المالكي فيها غير واحد من أعيان النواب.
(انتقاله إلى الشام:) ورغب عما كان باسمه كالميعاد بجامع الظاهر والمسجد الذي يعلوه سكنه، وله في أمرهما قعاقع وفراقع، وَلَمَّ أطرافه وتوجه إلى دمشق، وهو في غاية الذل. فأنزله متصرفها بالمدرسة الغزالية، وأعطاه مشيخة القراء بتربة أم الصالح. وأحسنَ هو وغيره - سيما التقي بن قاضي عجلون له - فلم يتحول عن طباعه، حتى نافره أهل دمشق أيضاً؛ إلى أن قاسى ما يفوق الوصف. وعاداه أصدقاؤه فيها؛ حتى أنه رام حين اجتياز العسكر بها المرافعة فيهم عند أميره؛ فخذل أعظم خذلان.
(معارضته الغزالي وابن عطاء الله وابن تيمية:) وعارض وهو هناك في حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، ولمّح بالحط عليه... وكذا حط على التاج بن عطاء الله، وصرح عن نفسه بأنه يبغض ابن تيمية لما كان يخالف فيه من المسائل.
وتحرك الناس من جمهور الطوائف عليه، وراسل يستفتي، وبذل معه الشمس الأمشاطي - قاضي الحنفية- الجهد، ولم يتدبر تذكير الناس بمساعدته الأمر القديم المقتضي لتعويل صاحب الترجمة عليه في كائنته. ومع ذلك؛ فاستمر يكايد ويناهد، حتى مات بعد أن تفتت كبده فيما قيل في ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة خمس وثمانين، وصُلِّيَ عليه من الغد بالجامع الأموي، ودفن بالجمرية خارج دمشق من جهة قبر عاتكة. لم يُصَلِّ عليه التقي بن قاضي عجلون وغيره.
وفي خضم هذه التداعيات وردود الفعل صدر هذا الكتاب.. وهو المسمى "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي" لمؤلفه إبراهيم
بن عمر البقاعي والذي يعتبره المناوئون من بعد
صدوره وإلى الآن المرجع الأسمى في مواقفهم تجاه الشيخ الأكبر.. إذ لا تجد حلقة نقاش أو كتاب أو مقال لكاتب مناوئ للتصوف وللشيخ الأكبر إلا كان هذا الكتاب مرجعه الأساسي..وقد صدر مؤخرا مع كتاب آخر تحت اسم "مصرع التصوف" وواضح أن هناك اهتمام واسع بنشره..الخ. فما هو القول في هذا الكتاب وصاحبه؟
كنا قد استشهدنا فيما سبق ببعض أقوال المؤلف في كتابه وأشرنا إلى أن خلاصتها تتمثل في الحكم بتكفير الشيخ الأكبر بسبب كلامه في كتبه وعلى وجه الخصوص "فصوص الحكم" ومن ثم يلزم كل مسلم اعتقاد كفر ابن عربي وأنّ مصيره إلى النار وسوء القرار, وأن من يتوقف ويسكت لِشَكٍّ فيه فهو كافر.
ولما كان المؤلف تلميذا لابن حجر العسقلاني وزميلا للسخاوي وكلاهما لا يعتقدان بالشيخ الأكبر.. فما علينا مع ذلك إن عدنا لزميله السخاوي ونتبين تقييمه لزميله فهو أعرف به من الجميع ولن يُعتبر حكمه فيه متعسفا كونه يشاطره موقف عدم الرضا من ابن عربي.
أسهب السخاوي في ترجمة زميله البقاعي في كتابه الضوء اللامع.. وعلى الرغم من أهمية كل ما كتب عنه إلا إنا لطول حديثه عنه سنعمل على الاختصار قدر الاستطاعة.. يقول السخاوي عنه إنه (أي البقاعي): "صاحب تلك العجائب والنوائب والقلاقل والمسائل المتعارضة المتناقضة ويقال أنه يلقب ابن عويجان تصغير أعوج... ولم يعرف له كتاب في الفقه والنحو ولا في غيرهما، بل قال العلامة أبو القسم النويري، وناهيك به لصهر صاحب الترجمة: قل لصاحبك –وعيَّنَه- يشتغل بالنجوم أنه لم يعلم له بعد هذه المقالة فيه اشتغال...
أخذ بالقاهرة عن الشرف السبكي والعلاء القلقشندي والقاياتي وشيخنا وطائفة؛ منهم أبو الفضل المغربي؛ وهو الذي أعلمه بالقاعدة التي تجرّأ على كتاب الله بها. وما علمته أتقن فنّا، ولا بلغ مرتبة العلماء، بل قصارى أمره إدراجه في الفضلاء، وتصانيفه شاهدة بما قلته... ووقائعه كثيرة، وأحواله شهيرة، ودعاوية مستفيضة. أهلكه التيه والعجب، وحب الشرف والسمعة، بحيث زعم أنه قيم العصرين بكتاب الله وسنة رسوله.. وأنه لا يخرج عن الكتاب والسنة بل هو منطبع بطباع الصحابة مع رميه للناس بالقذف والفسق والكذب والجهل، وذكر ألفاظاً لا تصدر من عاقل، وأمور متناقضة، وأفعال سيئة، وحقد تام.
وما أحسن قول شيخ الحنابلة وقاضيهم العز الكناني - وكان قديماً من أكبر أصحابه- مما سمعه منه غير واحد من الثقات: "والله إنه لم يتّبع سنة واحدة، وإنّه لأشبه بالخوارج في تنميق المقاصد الخبيثة وإخراجها في قالب الديانة".
وما أحقّه بما ترجم هو به النويري المشار إليه، حيث قال مما قرأته بخطه فيه: رأيته من أفجر عباد الله؛ يظهر لمن يجهله أثواباً من الدين، وتنسكاً يملك به قلبه ويغتال عليه دينه. ليس يأمن مَن وَقَعَ بصره عليه على مال له ولا عرض! بل ولا نفس. له نفس شغفة بالشهرة، ومشفة للعلو. وعنده جرأة باللسان مفرطة، أوصلته إلى حد التهور. وقلبه ممتلئ مكراً وحسداً وكبراً. وله في كلّ من ذلك حكايات تسوّد الصحائف وتبيّض النواصي. ما سكن في بلد إلا أقام بها شرورا،ً وشحنها فجوراً. ولولا أعاذنا الله تعالى به؛ من شدة طيشه وإعجابه برأيه؛ لسعّر البلاد وأهلك العباد. إلى أن قال نقلاً عن غيره: إن أبا القسم قال له: إن قال المالكية بالقتل قلتُ بالعصمة، وإن قالوا بالعصمة قلتُ بالقتل. ثم قال: ولم يكن له في شيء من ذلك غرض معين؛ إنما كان غرضه بالخلاف؛ رجاء يرتب عليه ولايته القضاء.
وما علمت أحداً سلم من أذاه: لا الشيوخ، ولا الأقران، ولا من يليهم من كل بلد دخله بالنظم وبالنثر. حتى من خوله في النعم بعد الفاقة والعدم، وأخذ بجاهه أموراً لا يستحقها.
(التزوير): وعمل البقاعي بحضور الشرف المناوي إجلاساً ضُبط عنه أنه مِن عَمَلِ شيخه أبي الفضل المغربي له.
وحتى القاياتي الذي زعم أنه لازمه كثيراً، وأنه قرأ عليه في أصول الدين والمنطق، وسمع دروسه في الفقه.. والنحو المعاني والبيان، ومن دروسه في الكشاف، قال فيه: إنه لا يزال غلس الظاهر، دنس الأثواب، سمج اللحية. قال: ولم نعلم لذلك سبباً إلا كثرة إخلافه للوعد. قال: ولم أر مثل ولايته في كثرة التقلب، وتوالي العظائم، واضطراب الأمور، وكثرة القال والقيل؛ حتى لقد قُلِعَتْ -على قلة أيامها، وقصر زمنها- من قلوب الناس كثيراً مما غرسه فيها من المحبة. قال: على أني لم أر بعيني أوسع باطناً منه؛ يكون في غاية البغضة للإنسان وهو يريه أنه أقرب الناس عنده، ولا أدق مكراً،ولا أخفى كيداً، ولا أحفظ سراً، ولا أنكى فعلاً؛ يذبح الإنسان - كما قالوا- بفطنة وهو يضحك.
بل قال (البقاعي) عن شيخ الإسلام ابن حجر: إن فيه من سيء الخصال؛ أنه لا يعامل أحداً بما يستحقه من الإكرام في نفس الأمر بل بما يظهر له على شمائله من محبّة الرفعة، وأنه يغلط ويلج في غلطه. ووصفه بشيخ نحس.
وكتب تجاه بعض من ترجمه شيخنا في بعض مجاميعه انتقاداً يرجع إلى العلو. ووقف عليه شيخنا وضمه؛ لما يعلمه من فجوره.
وتعدى في تراجم الناس، وزاد على الحد، خصوصاً في كتابه "عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران" الذي طالعته بعد موته، وملخصه المسمى "عنوان العنوان بتجريد أسماء الشيوخ والتلامذة والأقران"، وناقض نفسه في كثيرين؛ فإنه كان يترجمهم أولاً ببعض ما يليق بهم، ثم صار بعد مخالفتهم له في أغراضه ونحو ذلك، يزيد في تراجمهم أو يغيّر ما كان أثبته أولاً.
وما أحسن قول بعضهم:
إن البقاعيَّ البذيء لفحشه
ولكذبه ومحاله وعقوقه
لو قال إن الشمس تظهر في السما
وقفت ذوو الألباب عن تصديقه
إلى غير ذلك من مجازفاته؛ كوصفه التيزيني بالتحري في شهادته. وطعنه في شهادة شيخ الناس قاطبة العز عبد السلام البغدادي؛ حميّة للشهاب الكوراني؛ لكونه توسل به في طلب المناسبات من بلاد الروم. وما اكتفى بذلك، حتى التزم له بإشهار "جمع الجوامع" له الذي شحنه بالإساءة على من اجتمع له مع العلم، وتحقيقه القطبية والولاية.
وأشنع وأبشع تجريحه لحافظ الشام ابن ناصر الدين بالتزوير. وكأغاليطه في المواليد والوفيات والأنساب، وتصحيفه مما أضربت عن بسطه، اكتفاء بمصنف حافل أفردته لها لكثرتها وقبحها، وذكرتها مختصرة مضمومة لغيرها في ذيل القراء والمعجم، وترجمة شيخنا. ومِن قبلي ذكرها ابن فهد، والزين رضوان، والبرهان الحلبي. ومن المتأخرين ابن أبي عذيبة.. وكذا أفردها غيري. بل اعتنى بعضهم بجمع أهاجي الشعراء فيه في مجلد.
(تكفير البقاعي:) ولمّا علم مقتَ الناس له، وإسماعهم إياه كل مكروه: من تكفير فما دونه، بل رام المالكي أن يرتّب عليه مقتضى ما أخبَرَتْ به البيّنة العادلة من كونه قال: "إن بعض المغاربة سأله أن يفصل في المناسبات التي عملها بين كلام الله وقوله بأي ونحوها؛ دفعاً لما لعل يُتًوهم" فترامى على الزيني بن مزهر حتى عزّزه وحكم بإسلامه، بعد أن جبن عن مقاومة المالكي فيها غير واحد من أعيان النواب.
(انتقاله إلى الشام:) ورغب عما كان باسمه كالميعاد بجامع الظاهر والمسجد الذي يعلوه سكنه، وله في أمرهما قعاقع وفراقع، وَلَمَّ أطرافه وتوجه إلى دمشق، وهو في غاية الذل. فأنزله متصرفها بالمدرسة الغزالية، وأعطاه مشيخة القراء بتربة أم الصالح. وأحسنَ هو وغيره - سيما التقي بن قاضي عجلون له - فلم يتحول عن طباعه، حتى نافره أهل دمشق أيضاً؛ إلى أن قاسى ما يفوق الوصف. وعاداه أصدقاؤه فيها؛ حتى أنه رام حين اجتياز العسكر بها المرافعة فيهم عند أميره؛ فخذل أعظم خذلان.
(معارضته الغزالي وابن عطاء الله وابن تيمية:) وعارض وهو هناك في حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، ولمّح بالحط عليه... وكذا حط على التاج بن عطاء الله، وصرح عن نفسه بأنه يبغض ابن تيمية لما كان يخالف فيه من المسائل.
وتحرك الناس من جمهور الطوائف عليه، وراسل يستفتي، وبذل معه الشمس الأمشاطي - قاضي الحنفية- الجهد، ولم يتدبر تذكير الناس بمساعدته الأمر القديم المقتضي لتعويل صاحب الترجمة عليه في كائنته. ومع ذلك؛ فاستمر يكايد ويناهد، حتى مات بعد أن تفتت كبده فيما قيل في ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة خمس وثمانين، وصُلِّيَ عليه من الغد بالجامع الأموي، ودفن بالجمرية خارج دمشق من جهة قبر عاتكة. لم يُصَلِّ عليه التقي بن قاضي عجلون وغيره.
الكلمات المفتاحية :
شبهات و ردود
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: