الطرق الصوفية 2
بسم الله الرحمان الرحيم - اقتباس : سيدي أبو ضياء كتب : .. لذا يتبين الآن أن الطريقة القادرية البودشيشية المعاصرة ... طريقة جامعة لها خصوصية تتسع كثيرا عن مفهوم الانتساب الضيق للشجرة
القادرية، كما قد يتوهم من قراءة مقال سيدنا علي الصوفي. علي الصوفي كتب : اقتباس: طريقة القادرية شيخها كان ولا يزال شيخا واحدا هو سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فكلّ العارفين الكمّل من أصحاب القطبانيات والفردانيات .. الخ المقامات ممّن جاؤوا من بعده في طريقته لم يبلغوا مقامه لأنّه رضي الله عنه لم يورّث مقامه لأحد من أهل طريقته فكان هو الشيخ المنفرد بطريقته فلم ينفرد بلواء طريقته ممّن جاء من بعده من المنتسبين أحد لهذا لا نجد أسماء طرق منسوبة الى أولائك الأقطاب والأوتاد والأفراد من أهل طريقته. هناك فرق بين أخذ الطريقة والسير فيها فقد ينتسب الفقير المأذون الباحث عن قلبه وحاله إلى أكثر من طريقة ويأخذ منها بقدر حاجته منها ورغبته فيها كما إنتسب سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه إلى أكثر من طريق وأخذ منه كطريق الشاذلية بل لقد درس الحكم العطائية في تونس وتعلّق بكثير من أقطاب الشاذلية كما انتسب للقادرية وغيرها كما هو مذكور في سيرته الذاتية في كتاب جواهر المعاني وغيره من كتب السادة التيجانية رضي الله تعالى عنهم. أمّا الخلوتية فسنده متصل بها فهذا أمر أمّا الإستقلال بطريقته الخاصّة والرجوع إليها فهو أمر آخر فالأمر المقصود في كلامي واضح وهو كون الإستقلال بالطريقة يرجع نسبة الطريق إليه لهذا لمّا استقلّ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه بطريقته الخاصّة سمّيت ( الطريقة التيجانية ) لأنّ له مشيخة في التربية خاصّ به وهو صلاة الفاتح لما أغلق فهي طابعه في الطريق فصلاة الفاتح وان كانت موجودة من قبل ( فافهم ). فأمر نسبة الطرق الى أصحابها لا يكون إلاّ بالإنفراد بمشيخة السلوك على غير مثال سبقه لهذا قلنا كون أتباع الطريقة القادرية هم في حكم الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فلا ينسب في طريقته ممّن يأتي من بعده الطريقة الى نفسه كما نسبت هو إليه لأنّه لم يجعل مشيخته فيها مقاما متوارثا ( فافهم ) نعم قد يكون المريد في القادرية شيخا كبير وربّما يكون قطبا أو فردا .. الخ. لكن بخصوص التربية فإنّه لن تنسب الطريق إليه مهما علا شأنه في خصوصيته مع ربّه فهذا المقصود بكلامي إلاّ أن يستقلّ بطريقة خاصّة به كما استقلّ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لكن في الشاذلية مقام المشيخة فيه متوارث بمعنى كون شيخ الطريقة في كلّ زمان قد يكون مجدّدا فيها أي مجددا في أمر السلوك وفي طابع الطريق من حيث الفناء والبقاء الذي تجتمع كل الطرق في الوصول إلى تلك الغاية. فلا يعني كونه الإنسان يأخذ على أكثر من شيخ وطريقة كونه صاحب طريقة أو كونه جامع في تلك الطريقة فليست الطريقة القادرية جامعة لجميع الطرق بل هي طريقة خاصة بصاحبها سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وكذلك الطرق الأخرى إلا قطب التربية فهو الذي يربي في كلّ طريق فهو أستاذ كلّ زمان. حضرت مرّة تلقين الإسم من طرف قطب من أقطاب التربية لأخ لنا رفاعي فلمّا أحسّ كون الفقير الرفاعي تحدثه نفسه بترك طريق الرفاعية قال له ( ابق في طريقتك والفقير يسلكك وأنت فيها بحسب أصول الشيخ الرفاعي في التربية والتسليك ) وكذلك قال لأحد فقراء النقشبندية لمّا ذكر أوراد النقشبندية حتى أثمرت له أحوالهم ... بالنسبة للطريقة القادرية فقد كادت أن تضحى طريقة تبرّك فأحياها سيدي أو مدين بالمنور القادري البودشيشي فقد أحيا الله تعالى به التربية السلوكية القادرية في أنحاء المغرب ثمّ كونه آذن إبنه من بعده وإبن ابنه كما آذن الشيخ سيدي محمد الصوفي الذي نشر الطريق في الجزائر وهلمّ انتشرت معالم السلوك في الطريقة من جديد .. قلت : بالنسبة لما كابده وجاهده الشيخ أبو مدين بالمنور القادري البودشيشي رضي الله عنه إنّما هو بحثا منه عن الوصول والسلوك والتربية لهذا أخذ بيده جملة من العارفين في مختلف الطرق فلا يعني كونه أخذ عنه أنّه ورث أسرارهم بل أخذ ما يصلح له منهم رضي الله عنهم جميعا وإلاّ فإنّ سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه كان قطب وقته في زمانه وكان المشهور بتلقين الإسم الأعظم ... والكلام يطول .. لهذا رجع سيدي أبو مدين بالمنور بعد التأهيل إلى الزاوية القادرية فرجع إلى أصل طريقته يسلك فيها فلم يستقلّ بطريقة منسوبة له لأنّه لا طريقة له لهذا قلت كون نسبة ( البودشيشية ) هي نسبة للزاوية وليس للطريقة وذلك مما سبق يتضح كونها تسمية العامّة لتلك الزاوية وليس هي تسمية سلوكية كقولنا مثلا ( الطريقة العلاوية ) وقد أجاب سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنهم ضمن أجوبته على مسائل كون الطريقة التيجانية لا شيخ فيها بعد سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه ( فافهم هذا المعنى بارك الله فيكم ). بينما في الطريقة الشاذلية فيها شيوخ الى اليوم فقد ورّث سيدي أبو الحسن رضي الله عنه مشيخته في التربية لمن يأتي من بعده من أهل طريقته لهذا استقلّ مشلئخ بطريقته كما استقلّ بها سيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه فكان شيخا صاحب طريقة خاصّة رغم كونه شاذلي الانتساب لكنه في تربيته مستقلّ عن سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فلو جاءه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لدخل من بابه وتأدّب بآدابه لكن في الطرق الأخرى لو دخل سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه على أيّ مقدّم في الطريقة التيجانية لتأخّر ذلك المقدم وترك المجال لإمام الطريقة ( فافهم ). قال شيخنا حاكيا عن إذنه ( قبل وفاة شيخنا بسنة شرح لي سيدنا الشيخ الخمرة الشاذلية ثمّ ذاكرني في شروط الإمامة ... الخ الإذن ) ثمّ قال ( متى سألني الله عزّ وجلّ يوم القيامة من تركت من بعدك ؟ فسأقول له : لقد تركت فلانا إماما ) فالإمامة في طريق الشاذلية مقام متوارث ليس كبقية الطرق فالإمامة فيها غير متوارثة بل إمام كل طريقة هو صاحبها الذي أنشأها. فإمام التيجانية هو سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه وإمام الرفاعية هو سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه وكذلك في القادرية أما الشاذلية فالإمام فيها طبعا هو سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فهو إمام الشاذلية على الإطلاق لكنّه ترك مقام إمامته متوارثا في طريقته لهذا كانت طريقته طريقة أشياخ أي طريقة أقطاب وقد أشار إلى ذلك بقوله ( تلميذنا أستاذ أهل زمانه ) وقال ( كتبي أصحابي ) رضي الله عن جميع ساداتنا رضي الله تعالى عنهم. أمّا ما ذكرته من كون الشيخ أبو مدين بالمنور القادري البودشيشي رضي الله عنه له تلقي غيبي من الشيخ سيدي يوسف النبهاني رضي الله عنه فاعلم أنّ هذا التلقي في الحضرة المحمدية وليس هو من الحضرة الإلهية بما أنّ سيدي يوسف النبهاني عارف بالله تعالى في مقام الحضرة المحمّدية رضي الله تعالى عنه لهذا اهتمّ بشؤون تلك الحضرة فكانت جميع فيوضاته فيها فتوشك أن تكون جميع تآليفه في الحضرة المحمدية وقد قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه لما زار بلاد الشام والتقى بسيدي يوسف النبهاني رضي الله عنه : أردت أن أعرج بيوسف النبهاني إلى حضرة القدس فوجدته متشبّثا بالحضرة المحمدية فثبتّه فيها ) أمّاأسانيد الطرق التي كتبها سيدي يوسف النبهاني رضي الله عنه في بعض من كتبه فقد صرّح بنفسه كون أغلبها أخذها تبركا وليس سلوكا وتربية وهذا أمر كثير مشهور نجده عند الكثير من الناس ثمّ كون الأذون عامّة وخاصّة فالإذن بالورد العام هو الذي يحصل كثيرا أمّا الإذن بالورد الخاص فلا يكون خاصّة الا لإبن الطريقة ( فافهم ). أعلمتك بهذا سيدي كي تدرك كون حديثي ليس عن مراتب أهل الولاية وقطبانياتهم ودرجاتهم الخصوصية لأنّي وجدت خلطا في فهم ما كتبته في الأعلى من حيث أذون الطرق والإمامة فيها والسرّ التربية فيها وبين مقامات الأولياء في كلّ طريقة. ونضرب مثالا على ذلك فهذا سيدي الرواس رضي الله عنه كان في زمانه نال القطبانية العظمى والغوثية الكبرى رغم كونه لم يكن شيخا مستقلاّ في الطريقة الرفاعية ( فافهم ) فليس كلامي عن المقامات فقد يكون سيدي أبو مدين بالمنور أو ابنه سيدي الحاج العباس أو سيدي حمزة رضي الله عنهم جميعا نالوا درجات عالية في المقامات وما يدريني فلعلّهم من كبار الأقطاب فلست عن هذا أتحدّث وإنّما موضوعي واضح لمن تدبّره بتمعّن وتمهّل .. بقي بعد هذا لا إيهام في كلامي فليس كلامي موهم في شيء بل هو واضح إلاّ لمن توهّم وجود تحجير رحمة الله تعالى الواسعة في نشر الطريق ووسعها أو استنقاص من قدر ساداتنا أشياخ الطرق أو متبعيهم الذين عمّ فضلهم وظهر أمرهم ووضع الله تعالى لهم القبول في الأرض فهذا لا يقوله عاقل فضلا عن أن ينوهّمه صوفي .. اقتباس: . "ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" (أنظر تأويل هذه الآية لسيدي أبو العباس المرسي في لطائف المنن) 2. "أمتي كالمطر، لا يدرى أولها خير أم آخرها" حديث حسن رواه الطبراني... فهذه الأمة في الزيادة لا في النقصان في باب الفضل الرباني و المدد الروحاني إلى أن ينزل مظهر الروحانية في الوجود سيدنا عيسى عليه و على نبينا أفضل الصلاة و السلام... ومن يعارضكم في هذا سيدي فهل رأيت في موضوعي معنى ينافي هذا الذي ذكرته حضرتك ثمّ لو تعمدنا جدلا ما قوله في قوله عليه الصلاة والسلام ( لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ ) وقوله صلى الله عليه وسلّم ( خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) فلسنا نحن في القرون الخيرية بل في القرون الظلامية التي لا تخلو من خير طبعا لأن الخير في أمة الحبيب الى يوم القيامة .. العبد الضعيف سيدي أدافع عن جميع طرق أهل الله تعالى وأفديهم إن شاء الله تعالى بنفسي وروحي ولا أتعصّب إن شاء الله تعالى لشيخ ولا لطريقة ولا لطائفة بل أبحث إن شاء الله تعالى عن الحقّ فحيثما وجدت الحق أو اعتقدت كونه الحقّ أخذت به من باب رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. والله تعالى أعلم وأحكم
ما كتبه العبد الفقير بخصوص حقيقة الطرق لا يتناول بوجه من الوجوه قصد التفضيل بين الطرق أو التفرقة فيما بينها بل هو تحليل لواقع الطرق متوافق مع كلام كمّل المشايخ منهم سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه الذي قال لمّا سألوه عن الطريقة التيجانية قال نصّا ( لا شيخ فيها ) لا يريد بذلك معنى كونه لا مسلّكين فيها أو ليس فيها مشائخ مأذونين بالتسليك فيها فهذا غير صحيح وما قصدته في مقالي أيضا ولا يمكن أن أقصده لأنّ مخالف للدين والواقع والأدلّة كلّها بخلافه بل في كلّ طريقة مشايخ مأذونين سواء في الطريقة القادرية أو الرفاعية أو التيجانية أو النقشبندية أو الشاذلية أو الخلوتية ..الخ. ولكن ما كتبناه لا يدلّ على غير قصد صحيح يؤيّده الواقع وينصّ عليه كلام العارفين منهم كبار أقطاب التربية كالشيخ سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه في أجوبته كون الطريقة التيجانية لا شيخ فيها ( أي كلّ من جاء من بعده هم مشايخ بمعنى مقاديم لهذا يعبّر عنه السادة التيجانية بــ ( الخليفة ) أي الخليفة في طريقة سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه فلا تنسب الطريقة لهذا الخليفة أو ذاك بل لا تنسب لغير شيخها الأصلي وهو سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لهذا تعلّق مريديها إلى اليوم بشيخهم سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه روحانيا خاصّة بل يعتقدون كونه رضي الله عنه يحضر مجالس ذكرهم مع حضور النبيّ صلى الله عليه وسلّم .. فافهم. وهكذا الشأن في طريقة القادرية فالشيخ فيها هو سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وهذه الطريقة أكثر ما يتناقلها الآبناء عن الآباء فانظر مثلا في هذا العصر الأخير في المغرب فقد ورث سرّ التربية في تلك الطريقة سيدي أبو مدين بالمنور البودشيشي رضي الله عنه ثمّ من بعده كان ابنه سيدي الشيخ العباس رضي الله عنه ثمّ عنه ابنه سيدي حمزة القادري البودشيشي رضي الله عنه الشيخ الحالي فهذه الصفة خاصة وغالبة وليست عامّة ... لكن بالنسبة للطريقة الشاذلية فليس ضرورة أن يتوارثها الآباء عن الأبناء بل قلّما تجد فيها ابن ورث فيها أباه فقد ورث سيدي علي وفا رضي الله عنه من أبيه سيدي محمد وفا ( بحر الصفا ) رضي الله عنه بعدما أودع سرّ الطريقة عند غيره حتى يخلعه عليه عندما يرشد من باب قوله تعالى: ( .. فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي). أو ما كان وحدث عند بين الفاسيين رضي الله عنه لأنّ السادة الشاذلية يشترطون الأهلية في إرث السرّ والطريقة قال شيخنا رضي الله عنه: "إذا كان إبني الصلبي غير أهل لحمل سرّ الإمامة في طريق الله تعالى فلا يمكنني أن آذنه من بعدي في حمل مشعل الطريق لأنّها أمانة ولا يمكنني أن أحمّل تلك الأمانة إلاّ لمن كان أهلا لها لأنّ العزوف عن ذلك خيانة لسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم " . فالشيخ في طريق الشاذلية لا تجده إلاّ باحثا عن خليفته ليلا نهارا كي يستودع سرّه فيه لأنّ سرّ طريقة الشاذلية منتقل. ولقد انتقل سرّ التربية إلى شيخنا رضي الله عنه قبل وفاة شيخه رضي الله عنه وهذا لا يعلمه كثير من الفقراء فربّما لو سمعوه أنكروه بداهة لكون السرّ في ظنّهم لا ينتقل إلاّ بعد وفاة الشيخ لكن الحقّ كون الشيخ إذا أراد خلع السرّ على مريده قبل وفاته فله ذلك لهذا نصّب عليه الصلاة والسلام سيدنا أبا بكر إماما قبل وفاته عليه الصلاة والسلام. ومن هنا كان في الطريقة أمران الأوّل كون الشيخ في الطريقة قد يكون من غير آل شيخه والأمر الثاني قد يكون الشيخ في الطريقة من آل شيخه وهذا مبحث طويل يدخل فيه تفصيل طويل من حيث حقائق آل البيت النبوي والأئمّة فيه عليهم السلام كما يدخل فيه أبناء الأنبياء من قبل وكون أغلبهم ورثوا آبائهم الأنبياء في نبوّتهم فكانوا أنبياء لأنّ وراثة النبوّة سابقا كانت معطاة. كما قال زكرياء عليه السلام : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا ). فهذا إرث نبوي صلبي قال تعالى في خصوص السيّدة سارّة ( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) فجاءت هنا البشرى للسيّدة سارّة فهي المقصودة ذاتا بهذه البشرى فكأنّ سرّها الرباني أورثته في أبنائها لهذا لا يعتدّ اليهود بنسبة الأبناء إلى الآباء غالبا بل يعتدّون بنسبة الأبناء إلى الأمّهات لهذا ما قال سيدنا زكريا عليه السلام يرثني ويرث من آل إبراهيم بل قال ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) للأباء الأقربين وفي هذا تفصيل .. لكن لمّا ولدت السيّدة هاجر عليها السلام سيّدنا اسماعيل عليه السلام جاءت البشرى لسيّدنا إبراهيم عليه السلام ولم تأت لسيدتنا هاجر عليها السلام ( وَقَالَ إِنّي ذَاهِبٌ إِلَىَ رَبّي سَيَهْدِينِ رَبّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينِ فَبَشّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ) فجاءت البشرى لإبراهيم عليه السلام فالذي ورث سرّ سيّدنا إبراهيم في الحضرة الإلهية على تمامه وكماله هو سيّدنا إسماعيل عليه السلام كما ورث سيّدنا اسحاق عليه السلام سرّ نبوّته وهو الإرث الإبراهيمي عن طريق سارّة عليها السلام ومن اسحاق ورث يعقوب عليهما السلام لذا قال يعقوب عليه السلام ذاكرا هذه الحقيقة في معرض اخباره لما يؤول إليه إبنه يوسف عليه السلام: ( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ). فهو إرث مقامات النبوّة وأحوالها من العلم فهو للخصوصيات أعلمتك بهذا كي تعلم تلك الماهيات ومقتضى الكلام فيها بينما لم يقل له مثلا ( كما أتمها على أبيك إسماعيل ) لأنّ هذا الإرث بينهم لا علاقة له بإسماعيل عليه السلام لكنّه لمّا سألهم عن حضرة العبودية لله تعالى كما قال تعالى: ( إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ). فأجابوه بقولهم كما قال تعالى: ( قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ). فأدخلوا إسماعيل كونه هنا من جملة آبائه فذكره قبل إسحاق لأنّه سابق بالعبادة لربّه فهو أكبر سنّا وعلما لذا أوصى إبراهيم بنيه من ساداتنا الأنبياء بالإسلام لأنّه دين الفطرة وهو دين الله تعالى كما قال تعالى : (وَ وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ). وإنّما أوصى يعقوب بنيه بالإسلام الذي هو ضدّ الشرك لأّنّه دين الفطرة لأنّ الإسلام هو دين آبائه جميعا إلاّ أنّ الوصية جاءت لبني سارّة عليها السلام خاصّة لأنّ كان إسلام إبراهيم وإسماعيل أصلا ثابتا وذلك تلاحظه في قولهما ( ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمّة مسلمة ) لهذا تجد اليوم قليلا من بني إسرائيل وهو إسحاق من يكون مسلما ويدخل الإسلام دين الحقّ لأنّ شهودهم المقامات والخصوصيات أهلكهم فكان حجابا عن الله تعالى في حقّهم فاغترّوا باصطفاء الله تعالى كما قال تعالى في حقّهم: ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ). فجنحوا إلى شهود هذا الإختصاص فلم يأمنوا مكر الله تعالى بهم لنقص عبوديتهم كما قال تعالى في حقّهم وفي حقّ من اتّبعهم من النصارى في هذا المشرب السيّء ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) لذا فأوّل ما تلاحظ في اليهود والنصارى تلاحظ صفة الكبر إلاّ المؤمنون منهم الخاشعون. فإنّ التبشير بالخصوصيات والمقامات متى خلا من الأدب أهلك صاحبه مهما كانت درجته لأنّ صاحب الميل إلى الخصوصيات يريد كلّ خصيصة فيه هو فيحسد غيره كما حسد إبليس لعنه الله تعالى آدم عليه السلام فقال ( أنا خير منه ) وكما حسد اليهود المسلمين كما قال تعالى ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) فحذار أيّها المريد أن تخرّك خصوصيتك فربّما ترديك المهالك مهما كان شأنك وعظم مقدارك بل ارجع إلى بحر عبودية ربّك وقل كما قال رسولك صلى الله عليه وسلّم من قبل ( إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ). رغم كون يعقوب عليه السلام لم ذكر أبوّة إسماعيل عليه السلام في معرض تبشيره ليوسف عليه السلام في قوله ( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ). بل إسماعيل عليه السلام ألقاه أبوه ذكر براهيم في بحر التوحيد المحض في حضرة الله تعالى تتولاّه يد القدرة فهو خارج عن إرث الآباء من هذا الوجه تحديدا ونعني به وجه الخصوصيات من باب الصفات لأنّ الإرث من الآباء يكون من إرث حضرتهم المختصّة بهم فهو الإرث من خصوصياتهم خاصّة وليس الإرث من عبوديتهم عامّة قال تعالى: ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ). لأنّه إرث من الصلب كقولنا في الإرث الظاهري اليوم كونه يتوارثه الفروع من الأصول والأصول من الفروع إلاّ أنّ هناك مبحث كون إرث الأنبياء لا يجوز بل هو صدقة من حيث الظاهر فافهم أمّا الاصطفاء فهو أمر زائد عن مجرد الإرث ومجرّد الصلاح قال عليه الصلاة والسلام ( إِن الله اصطفَى من ولد إِبراهيم إسماعيل، واصْطفى من ولَدِ إِسماعِيل بنى كنانة واصْطَفَى من بنِى كِنانَة قريشا واصْطَفَى من قُريْشٍ بنِى هاشِم واصْطفانِى من بنِى هاشم ). فالإصطفاء أمر زائد عن الإرث لأنّ الإصطفاء مقامه ذاته خاصّة أمّا الأرث فأمره صفاتي فهنا وقع إصطفاء إسماعيل عليه السلام من جميع ذريّة إبراهيم عليه السلام ولا يعني هذا التقليل من شأن أولاد سيّدنا إبراهيم عليه السلام بل هم سواسية كما كان إخوة يوسف كلّهم كواكب بما فيهم يوسف لكنّ الله تعالى اصطفاه عليهم بأمر زائد.
القادرية، كما قد يتوهم من قراءة مقال سيدنا علي الصوفي. علي الصوفي كتب : اقتباس: طريقة القادرية شيخها كان ولا يزال شيخا واحدا هو سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فكلّ العارفين الكمّل من أصحاب القطبانيات والفردانيات .. الخ المقامات ممّن جاؤوا من بعده في طريقته لم يبلغوا مقامه لأنّه رضي الله عنه لم يورّث مقامه لأحد من أهل طريقته فكان هو الشيخ المنفرد بطريقته فلم ينفرد بلواء طريقته ممّن جاء من بعده من المنتسبين أحد لهذا لا نجد أسماء طرق منسوبة الى أولائك الأقطاب والأوتاد والأفراد من أهل طريقته. هناك فرق بين أخذ الطريقة والسير فيها فقد ينتسب الفقير المأذون الباحث عن قلبه وحاله إلى أكثر من طريقة ويأخذ منها بقدر حاجته منها ورغبته فيها كما إنتسب سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه إلى أكثر من طريق وأخذ منه كطريق الشاذلية بل لقد درس الحكم العطائية في تونس وتعلّق بكثير من أقطاب الشاذلية كما انتسب للقادرية وغيرها كما هو مذكور في سيرته الذاتية في كتاب جواهر المعاني وغيره من كتب السادة التيجانية رضي الله تعالى عنهم. أمّا الخلوتية فسنده متصل بها فهذا أمر أمّا الإستقلال بطريقته الخاصّة والرجوع إليها فهو أمر آخر فالأمر المقصود في كلامي واضح وهو كون الإستقلال بالطريقة يرجع نسبة الطريق إليه لهذا لمّا استقلّ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه بطريقته الخاصّة سمّيت ( الطريقة التيجانية ) لأنّ له مشيخة في التربية خاصّ به وهو صلاة الفاتح لما أغلق فهي طابعه في الطريق فصلاة الفاتح وان كانت موجودة من قبل ( فافهم ). فأمر نسبة الطرق الى أصحابها لا يكون إلاّ بالإنفراد بمشيخة السلوك على غير مثال سبقه لهذا قلنا كون أتباع الطريقة القادرية هم في حكم الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فلا ينسب في طريقته ممّن يأتي من بعده الطريقة الى نفسه كما نسبت هو إليه لأنّه لم يجعل مشيخته فيها مقاما متوارثا ( فافهم ) نعم قد يكون المريد في القادرية شيخا كبير وربّما يكون قطبا أو فردا .. الخ. لكن بخصوص التربية فإنّه لن تنسب الطريق إليه مهما علا شأنه في خصوصيته مع ربّه فهذا المقصود بكلامي إلاّ أن يستقلّ بطريقة خاصّة به كما استقلّ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لكن في الشاذلية مقام المشيخة فيه متوارث بمعنى كون شيخ الطريقة في كلّ زمان قد يكون مجدّدا فيها أي مجددا في أمر السلوك وفي طابع الطريق من حيث الفناء والبقاء الذي تجتمع كل الطرق في الوصول إلى تلك الغاية. فلا يعني كونه الإنسان يأخذ على أكثر من شيخ وطريقة كونه صاحب طريقة أو كونه جامع في تلك الطريقة فليست الطريقة القادرية جامعة لجميع الطرق بل هي طريقة خاصة بصاحبها سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وكذلك الطرق الأخرى إلا قطب التربية فهو الذي يربي في كلّ طريق فهو أستاذ كلّ زمان. حضرت مرّة تلقين الإسم من طرف قطب من أقطاب التربية لأخ لنا رفاعي فلمّا أحسّ كون الفقير الرفاعي تحدثه نفسه بترك طريق الرفاعية قال له ( ابق في طريقتك والفقير يسلكك وأنت فيها بحسب أصول الشيخ الرفاعي في التربية والتسليك ) وكذلك قال لأحد فقراء النقشبندية لمّا ذكر أوراد النقشبندية حتى أثمرت له أحوالهم ... بالنسبة للطريقة القادرية فقد كادت أن تضحى طريقة تبرّك فأحياها سيدي أو مدين بالمنور القادري البودشيشي فقد أحيا الله تعالى به التربية السلوكية القادرية في أنحاء المغرب ثمّ كونه آذن إبنه من بعده وإبن ابنه كما آذن الشيخ سيدي محمد الصوفي الذي نشر الطريق في الجزائر وهلمّ انتشرت معالم السلوك في الطريقة من جديد .. قلت : بالنسبة لما كابده وجاهده الشيخ أبو مدين بالمنور القادري البودشيشي رضي الله عنه إنّما هو بحثا منه عن الوصول والسلوك والتربية لهذا أخذ بيده جملة من العارفين في مختلف الطرق فلا يعني كونه أخذ عنه أنّه ورث أسرارهم بل أخذ ما يصلح له منهم رضي الله عنهم جميعا وإلاّ فإنّ سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه كان قطب وقته في زمانه وكان المشهور بتلقين الإسم الأعظم ... والكلام يطول .. لهذا رجع سيدي أبو مدين بالمنور بعد التأهيل إلى الزاوية القادرية فرجع إلى أصل طريقته يسلك فيها فلم يستقلّ بطريقة منسوبة له لأنّه لا طريقة له لهذا قلت كون نسبة ( البودشيشية ) هي نسبة للزاوية وليس للطريقة وذلك مما سبق يتضح كونها تسمية العامّة لتلك الزاوية وليس هي تسمية سلوكية كقولنا مثلا ( الطريقة العلاوية ) وقد أجاب سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنهم ضمن أجوبته على مسائل كون الطريقة التيجانية لا شيخ فيها بعد سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه ( فافهم هذا المعنى بارك الله فيكم ). بينما في الطريقة الشاذلية فيها شيوخ الى اليوم فقد ورّث سيدي أبو الحسن رضي الله عنه مشيخته في التربية لمن يأتي من بعده من أهل طريقته لهذا استقلّ مشلئخ بطريقته كما استقلّ بها سيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه فكان شيخا صاحب طريقة خاصّة رغم كونه شاذلي الانتساب لكنه في تربيته مستقلّ عن سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فلو جاءه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لدخل من بابه وتأدّب بآدابه لكن في الطرق الأخرى لو دخل سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه على أيّ مقدّم في الطريقة التيجانية لتأخّر ذلك المقدم وترك المجال لإمام الطريقة ( فافهم ). قال شيخنا حاكيا عن إذنه ( قبل وفاة شيخنا بسنة شرح لي سيدنا الشيخ الخمرة الشاذلية ثمّ ذاكرني في شروط الإمامة ... الخ الإذن ) ثمّ قال ( متى سألني الله عزّ وجلّ يوم القيامة من تركت من بعدك ؟ فسأقول له : لقد تركت فلانا إماما ) فالإمامة في طريق الشاذلية مقام متوارث ليس كبقية الطرق فالإمامة فيها غير متوارثة بل إمام كل طريقة هو صاحبها الذي أنشأها. فإمام التيجانية هو سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه وإمام الرفاعية هو سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه وكذلك في القادرية أما الشاذلية فالإمام فيها طبعا هو سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فهو إمام الشاذلية على الإطلاق لكنّه ترك مقام إمامته متوارثا في طريقته لهذا كانت طريقته طريقة أشياخ أي طريقة أقطاب وقد أشار إلى ذلك بقوله ( تلميذنا أستاذ أهل زمانه ) وقال ( كتبي أصحابي ) رضي الله عن جميع ساداتنا رضي الله تعالى عنهم. أمّا ما ذكرته من كون الشيخ أبو مدين بالمنور القادري البودشيشي رضي الله عنه له تلقي غيبي من الشيخ سيدي يوسف النبهاني رضي الله عنه فاعلم أنّ هذا التلقي في الحضرة المحمدية وليس هو من الحضرة الإلهية بما أنّ سيدي يوسف النبهاني عارف بالله تعالى في مقام الحضرة المحمّدية رضي الله تعالى عنه لهذا اهتمّ بشؤون تلك الحضرة فكانت جميع فيوضاته فيها فتوشك أن تكون جميع تآليفه في الحضرة المحمدية وقد قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه لما زار بلاد الشام والتقى بسيدي يوسف النبهاني رضي الله عنه : أردت أن أعرج بيوسف النبهاني إلى حضرة القدس فوجدته متشبّثا بالحضرة المحمدية فثبتّه فيها ) أمّاأسانيد الطرق التي كتبها سيدي يوسف النبهاني رضي الله عنه في بعض من كتبه فقد صرّح بنفسه كون أغلبها أخذها تبركا وليس سلوكا وتربية وهذا أمر كثير مشهور نجده عند الكثير من الناس ثمّ كون الأذون عامّة وخاصّة فالإذن بالورد العام هو الذي يحصل كثيرا أمّا الإذن بالورد الخاص فلا يكون خاصّة الا لإبن الطريقة ( فافهم ). أعلمتك بهذا سيدي كي تدرك كون حديثي ليس عن مراتب أهل الولاية وقطبانياتهم ودرجاتهم الخصوصية لأنّي وجدت خلطا في فهم ما كتبته في الأعلى من حيث أذون الطرق والإمامة فيها والسرّ التربية فيها وبين مقامات الأولياء في كلّ طريقة. ونضرب مثالا على ذلك فهذا سيدي الرواس رضي الله عنه كان في زمانه نال القطبانية العظمى والغوثية الكبرى رغم كونه لم يكن شيخا مستقلاّ في الطريقة الرفاعية ( فافهم ) فليس كلامي عن المقامات فقد يكون سيدي أبو مدين بالمنور أو ابنه سيدي الحاج العباس أو سيدي حمزة رضي الله عنهم جميعا نالوا درجات عالية في المقامات وما يدريني فلعلّهم من كبار الأقطاب فلست عن هذا أتحدّث وإنّما موضوعي واضح لمن تدبّره بتمعّن وتمهّل .. بقي بعد هذا لا إيهام في كلامي فليس كلامي موهم في شيء بل هو واضح إلاّ لمن توهّم وجود تحجير رحمة الله تعالى الواسعة في نشر الطريق ووسعها أو استنقاص من قدر ساداتنا أشياخ الطرق أو متبعيهم الذين عمّ فضلهم وظهر أمرهم ووضع الله تعالى لهم القبول في الأرض فهذا لا يقوله عاقل فضلا عن أن ينوهّمه صوفي .. اقتباس: . "ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" (أنظر تأويل هذه الآية لسيدي أبو العباس المرسي في لطائف المنن) 2. "أمتي كالمطر، لا يدرى أولها خير أم آخرها" حديث حسن رواه الطبراني... فهذه الأمة في الزيادة لا في النقصان في باب الفضل الرباني و المدد الروحاني إلى أن ينزل مظهر الروحانية في الوجود سيدنا عيسى عليه و على نبينا أفضل الصلاة و السلام... ومن يعارضكم في هذا سيدي فهل رأيت في موضوعي معنى ينافي هذا الذي ذكرته حضرتك ثمّ لو تعمدنا جدلا ما قوله في قوله عليه الصلاة والسلام ( لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ ) وقوله صلى الله عليه وسلّم ( خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) فلسنا نحن في القرون الخيرية بل في القرون الظلامية التي لا تخلو من خير طبعا لأن الخير في أمة الحبيب الى يوم القيامة .. العبد الضعيف سيدي أدافع عن جميع طرق أهل الله تعالى وأفديهم إن شاء الله تعالى بنفسي وروحي ولا أتعصّب إن شاء الله تعالى لشيخ ولا لطريقة ولا لطائفة بل أبحث إن شاء الله تعالى عن الحقّ فحيثما وجدت الحق أو اعتقدت كونه الحقّ أخذت به من باب رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. والله تعالى أعلم وأحكم
ما كتبه العبد الفقير بخصوص حقيقة الطرق لا يتناول بوجه من الوجوه قصد التفضيل بين الطرق أو التفرقة فيما بينها بل هو تحليل لواقع الطرق متوافق مع كلام كمّل المشايخ منهم سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه الذي قال لمّا سألوه عن الطريقة التيجانية قال نصّا ( لا شيخ فيها ) لا يريد بذلك معنى كونه لا مسلّكين فيها أو ليس فيها مشائخ مأذونين بالتسليك فيها فهذا غير صحيح وما قصدته في مقالي أيضا ولا يمكن أن أقصده لأنّ مخالف للدين والواقع والأدلّة كلّها بخلافه بل في كلّ طريقة مشايخ مأذونين سواء في الطريقة القادرية أو الرفاعية أو التيجانية أو النقشبندية أو الشاذلية أو الخلوتية ..الخ. ولكن ما كتبناه لا يدلّ على غير قصد صحيح يؤيّده الواقع وينصّ عليه كلام العارفين منهم كبار أقطاب التربية كالشيخ سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه في أجوبته كون الطريقة التيجانية لا شيخ فيها ( أي كلّ من جاء من بعده هم مشايخ بمعنى مقاديم لهذا يعبّر عنه السادة التيجانية بــ ( الخليفة ) أي الخليفة في طريقة سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه فلا تنسب الطريقة لهذا الخليفة أو ذاك بل لا تنسب لغير شيخها الأصلي وهو سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لهذا تعلّق مريديها إلى اليوم بشيخهم سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه روحانيا خاصّة بل يعتقدون كونه رضي الله عنه يحضر مجالس ذكرهم مع حضور النبيّ صلى الله عليه وسلّم .. فافهم. وهكذا الشأن في طريقة القادرية فالشيخ فيها هو سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وهذه الطريقة أكثر ما يتناقلها الآبناء عن الآباء فانظر مثلا في هذا العصر الأخير في المغرب فقد ورث سرّ التربية في تلك الطريقة سيدي أبو مدين بالمنور البودشيشي رضي الله عنه ثمّ من بعده كان ابنه سيدي الشيخ العباس رضي الله عنه ثمّ عنه ابنه سيدي حمزة القادري البودشيشي رضي الله عنه الشيخ الحالي فهذه الصفة خاصة وغالبة وليست عامّة ... لكن بالنسبة للطريقة الشاذلية فليس ضرورة أن يتوارثها الآباء عن الأبناء بل قلّما تجد فيها ابن ورث فيها أباه فقد ورث سيدي علي وفا رضي الله عنه من أبيه سيدي محمد وفا ( بحر الصفا ) رضي الله عنه بعدما أودع سرّ الطريقة عند غيره حتى يخلعه عليه عندما يرشد من باب قوله تعالى: ( .. فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي). أو ما كان وحدث عند بين الفاسيين رضي الله عنه لأنّ السادة الشاذلية يشترطون الأهلية في إرث السرّ والطريقة قال شيخنا رضي الله عنه: "إذا كان إبني الصلبي غير أهل لحمل سرّ الإمامة في طريق الله تعالى فلا يمكنني أن آذنه من بعدي في حمل مشعل الطريق لأنّها أمانة ولا يمكنني أن أحمّل تلك الأمانة إلاّ لمن كان أهلا لها لأنّ العزوف عن ذلك خيانة لسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم " . فالشيخ في طريق الشاذلية لا تجده إلاّ باحثا عن خليفته ليلا نهارا كي يستودع سرّه فيه لأنّ سرّ طريقة الشاذلية منتقل. ولقد انتقل سرّ التربية إلى شيخنا رضي الله عنه قبل وفاة شيخه رضي الله عنه وهذا لا يعلمه كثير من الفقراء فربّما لو سمعوه أنكروه بداهة لكون السرّ في ظنّهم لا ينتقل إلاّ بعد وفاة الشيخ لكن الحقّ كون الشيخ إذا أراد خلع السرّ على مريده قبل وفاته فله ذلك لهذا نصّب عليه الصلاة والسلام سيدنا أبا بكر إماما قبل وفاته عليه الصلاة والسلام. ومن هنا كان في الطريقة أمران الأوّل كون الشيخ في الطريقة قد يكون من غير آل شيخه والأمر الثاني قد يكون الشيخ في الطريقة من آل شيخه وهذا مبحث طويل يدخل فيه تفصيل طويل من حيث حقائق آل البيت النبوي والأئمّة فيه عليهم السلام كما يدخل فيه أبناء الأنبياء من قبل وكون أغلبهم ورثوا آبائهم الأنبياء في نبوّتهم فكانوا أنبياء لأنّ وراثة النبوّة سابقا كانت معطاة. كما قال زكرياء عليه السلام : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا ). فهذا إرث نبوي صلبي قال تعالى في خصوص السيّدة سارّة ( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) فجاءت هنا البشرى للسيّدة سارّة فهي المقصودة ذاتا بهذه البشرى فكأنّ سرّها الرباني أورثته في أبنائها لهذا لا يعتدّ اليهود بنسبة الأبناء إلى الآباء غالبا بل يعتدّون بنسبة الأبناء إلى الأمّهات لهذا ما قال سيدنا زكريا عليه السلام يرثني ويرث من آل إبراهيم بل قال ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) للأباء الأقربين وفي هذا تفصيل .. لكن لمّا ولدت السيّدة هاجر عليها السلام سيّدنا اسماعيل عليه السلام جاءت البشرى لسيّدنا إبراهيم عليه السلام ولم تأت لسيدتنا هاجر عليها السلام ( وَقَالَ إِنّي ذَاهِبٌ إِلَىَ رَبّي سَيَهْدِينِ رَبّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينِ فَبَشّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ) فجاءت البشرى لإبراهيم عليه السلام فالذي ورث سرّ سيّدنا إبراهيم في الحضرة الإلهية على تمامه وكماله هو سيّدنا إسماعيل عليه السلام كما ورث سيّدنا اسحاق عليه السلام سرّ نبوّته وهو الإرث الإبراهيمي عن طريق سارّة عليها السلام ومن اسحاق ورث يعقوب عليهما السلام لذا قال يعقوب عليه السلام ذاكرا هذه الحقيقة في معرض اخباره لما يؤول إليه إبنه يوسف عليه السلام: ( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ). فهو إرث مقامات النبوّة وأحوالها من العلم فهو للخصوصيات أعلمتك بهذا كي تعلم تلك الماهيات ومقتضى الكلام فيها بينما لم يقل له مثلا ( كما أتمها على أبيك إسماعيل ) لأنّ هذا الإرث بينهم لا علاقة له بإسماعيل عليه السلام لكنّه لمّا سألهم عن حضرة العبودية لله تعالى كما قال تعالى: ( إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ). فأجابوه بقولهم كما قال تعالى: ( قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ). فأدخلوا إسماعيل كونه هنا من جملة آبائه فذكره قبل إسحاق لأنّه سابق بالعبادة لربّه فهو أكبر سنّا وعلما لذا أوصى إبراهيم بنيه من ساداتنا الأنبياء بالإسلام لأنّه دين الفطرة وهو دين الله تعالى كما قال تعالى : (وَ وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ). وإنّما أوصى يعقوب بنيه بالإسلام الذي هو ضدّ الشرك لأّنّه دين الفطرة لأنّ الإسلام هو دين آبائه جميعا إلاّ أنّ الوصية جاءت لبني سارّة عليها السلام خاصّة لأنّ كان إسلام إبراهيم وإسماعيل أصلا ثابتا وذلك تلاحظه في قولهما ( ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمّة مسلمة ) لهذا تجد اليوم قليلا من بني إسرائيل وهو إسحاق من يكون مسلما ويدخل الإسلام دين الحقّ لأنّ شهودهم المقامات والخصوصيات أهلكهم فكان حجابا عن الله تعالى في حقّهم فاغترّوا باصطفاء الله تعالى كما قال تعالى في حقّهم: ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ). فجنحوا إلى شهود هذا الإختصاص فلم يأمنوا مكر الله تعالى بهم لنقص عبوديتهم كما قال تعالى في حقّهم وفي حقّ من اتّبعهم من النصارى في هذا المشرب السيّء ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) لذا فأوّل ما تلاحظ في اليهود والنصارى تلاحظ صفة الكبر إلاّ المؤمنون منهم الخاشعون. فإنّ التبشير بالخصوصيات والمقامات متى خلا من الأدب أهلك صاحبه مهما كانت درجته لأنّ صاحب الميل إلى الخصوصيات يريد كلّ خصيصة فيه هو فيحسد غيره كما حسد إبليس لعنه الله تعالى آدم عليه السلام فقال ( أنا خير منه ) وكما حسد اليهود المسلمين كما قال تعالى ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) فحذار أيّها المريد أن تخرّك خصوصيتك فربّما ترديك المهالك مهما كان شأنك وعظم مقدارك بل ارجع إلى بحر عبودية ربّك وقل كما قال رسولك صلى الله عليه وسلّم من قبل ( إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ). رغم كون يعقوب عليه السلام لم ذكر أبوّة إسماعيل عليه السلام في معرض تبشيره ليوسف عليه السلام في قوله ( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ). بل إسماعيل عليه السلام ألقاه أبوه ذكر براهيم في بحر التوحيد المحض في حضرة الله تعالى تتولاّه يد القدرة فهو خارج عن إرث الآباء من هذا الوجه تحديدا ونعني به وجه الخصوصيات من باب الصفات لأنّ الإرث من الآباء يكون من إرث حضرتهم المختصّة بهم فهو الإرث من خصوصياتهم خاصّة وليس الإرث من عبوديتهم عامّة قال تعالى: ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ). لأنّه إرث من الصلب كقولنا في الإرث الظاهري اليوم كونه يتوارثه الفروع من الأصول والأصول من الفروع إلاّ أنّ هناك مبحث كون إرث الأنبياء لا يجوز بل هو صدقة من حيث الظاهر فافهم أمّا الاصطفاء فهو أمر زائد عن مجرد الإرث ومجرّد الصلاح قال عليه الصلاة والسلام ( إِن الله اصطفَى من ولد إِبراهيم إسماعيل، واصْطفى من ولَدِ إِسماعِيل بنى كنانة واصْطَفَى من بنِى كِنانَة قريشا واصْطَفَى من قُريْشٍ بنِى هاشِم واصْطفانِى من بنِى هاشم ). فالإصطفاء أمر زائد عن الإرث لأنّ الإصطفاء مقامه ذاته خاصّة أمّا الأرث فأمره صفاتي فهنا وقع إصطفاء إسماعيل عليه السلام من جميع ذريّة إبراهيم عليه السلام ولا يعني هذا التقليل من شأن أولاد سيّدنا إبراهيم عليه السلام بل هم سواسية كما كان إخوة يوسف كلّهم كواكب بما فيهم يوسف لكنّ الله تعالى اصطفاه عليهم بأمر زائد.
الكلمات المفتاحية :
الطرق الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: