الطرق الصوفية 1
بسم الله الرحمان الرحيم - والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين الطرق الصوفية من حيث مبدئها العام كلّها طرق صحيحة دالّة على
الله تعالى وإن تعدّدت واختلفت أحوال مشائخها ومؤسّسيها فمنهم الأقطاب ومنهم الأفراد ومنهم الأوتاد ومنهم النجباء ومنهم النقباء ..إلخ. هناك قاسم مشترك عام في السير المحمّدي بين جميع الطرق وعلى ضوئه أسّس كمّلّ العارفين من الأشياخ الكبار طرقهم ومنهم الشيخ الكامل والقطب الشامل سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ومنهم سيدي العارف الكامل القطب اللامع سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه ومنهم قطبّ زمانه وغوث أوانه سيدي أبو الحسن علي الشاذلي رضي الله عنه ومنهم القطب الكامل البحر الشامل سيدي محمد بهاء الدين نقشبند رضي الله عنه ومنهم صاحب الخصوصية الأحمدية القطب الجامع والغوث اللامع سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه وغيرهم كثير. إلاّ أنّ هذه الطرق هي أكثر الطرق إشتهارا من الطرق الصحيحة لأنّه هناك أيضا طرقا غير صحيحة فكلّ ما خالف الكتاب والسنّة فهو طريق غير صحيح ومن هنا رفض العارفون الكاذبين في طريق الله تعالى كمن جنح بمريديه الى السحر فدخل وأدخلهم في الشعوذة لذا قال تعالى نافيا عن سيّدنا سليمان كونه كان يعلّم الناس السحر كما قال تعالى ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) أو كما نراه من طرق تعتقد الاتحاد والحلول أو طرق ومذاهب في التصوّف ضلّت ضلالا بعيدا ...إلخ. فهي في هذا نظير المذاهب الفقهية فقد تعدّدت تلك المذاهب وتنوّعت فمنها المذاهب الصحيحة كالمذاهب الأربعة الموجودة اليوم عامّة وغيرها المندرسة كمذهب الأوزاعي والليث ابن سعد وأبي ثور وغيرها فكل هذه المذاهب سنيّة ومن المذاهب الفقهية مذاهب أخرى غير سنيّة كالمذهب الجعفري ومذهب الظاهرية ومذهب الخوارج .. الخ , لكن منها الضالة أو الضالّة في الكثير من فقهها كما ضلّت بعض الطرق الصوفية في سلوكها. وهي في ذلك أيضا نظير المذاهب العقائدية فقد تعددت مذاهب المعتقدين والمتكلمين فكما كان أهل السنّة على مذهبي الإمامين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما وغيرهم أيضا من مدارس أهل السنّة العقدية فكذلك كانت هناك مدارس أخرى ومذاهب في العقيدة على غير مذهب أهل السنّة كعقائد المجسمين والحشويين والمعتزلة والمرجئة والقدرية والخوارج والوهابية ... الخ. فطريق التصوّف الحقيقي ما كان في يوم من الأيام يخرج ذرّة عن حكم الكتاب والسنّة بل أسّس كمّل المشائخ طرقهم في السلوك على الكتاب والسنّة من حيث تسيير المريد على النهج القويم فمثلا قد وضعوا كلّهم ذكرا للمريد من صميم الكتاب والسنّة. فبدؤوا بداية بوضع الاستغفار كورد يومي ثمّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم كورد يومي ثمّ الهيللة كورد يومي لأنّ النصوص التوقيفية الشرعية دلّت على هذه المطالب السلوكية فما من طريق إلاّ وفيها أصل هذا الذكر فاجتمعت الطرق على تأصيل القرآن والسنّة بالذكر والمذاكرة والعلم والأدب وعلى هذا كان سير كمّل أولائك الأشياخ الذين أسّسوا طرقهم السلوكية على منهج صحيح من الكتاب والسنّة لهذا خرج كلّ قول فيهم خلاف هذا ... من درس في كتبهم وتدبّر أورادهم وجدها كلّها تشير إلى اتباع منهج الكتاب والسنّة كمن قرأ كتاب الغنية لسيدي عبد القادر الجيلاني أو الفتح الرباني أو قرأ في رسائل الإمام الرفاعي وكلامه رضي الله تعالى عنه أو قرأ في كتب غيرهم وكلامهم فكلّه يأمر باتباع الكتاب والسنّة إذ هما النوران الباقيان مناط العصمة قال عليه الصلاة والسلام ( اثنان ان تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي ). فذاك زمان أؤلائك الأشياخ أمّا الخلل كلّ الخلل فقد وقع فيمن جاء من بعدهم وانتسب إليهم بغير وجه حقّ .. أمّا بالنسبة لما عليه الطرق الحقيقية : طريقة القادرية شيخها كان ولا يزال شيخا واحدا هو سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فكلّ العارفين الكمّل من أصحاب القطبانيات والفردانيات .. الخ المقامات ممّن جاؤوا من بعده في طريقته لم يبلغوا مقامه لأنّه رضي الله عنه لم يورّث مقامه لأحد من أهل طريقته فكان هو الشيخ المنفرد بطريقته فلم ينفرد بلواء طريقته ممّن جاء من بعده من المنتسبين أحد. لهذا لا نجد أسماء طرق منسوبة الى أولائك الأقطاب والأوتاد والأفراد من أهل طريقته ولا يخفى كون من أطلق عليها بودشيشية إنّما هو لأمر عارض لا لكون الشيخ الذي كان يطعم الناس في وقت المجاعة ( الدشيشة ) رضي الله عنه وأرضاه انفرد بطريقة خاصّة في مشيخة القادرية بل كان شيخا قادريا بعد تقدّم مجاهدة منه فأحيا الله تعالى به ما اندرس من الطريقة القادرية وجدد سلوك التربية فيها وهي طريقة قد يرثها الأبناء عن الآباء فيقال ( الطريقة القادرية البودشيشية ولا يقال ( الطريقة البودشيشية القادرية ) فافهم ثمّ من سرد تاريخ نسبة الطريق في طريق القادرية يقف على كلامي من حيث نسبة الطريق لغير صاحبها سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ... وهكذا كان الشأن في طريقة سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه فجميع أقطاب الطريقة الرفاعية والنجباء والنقباء وكمّل العارفين فيها لم تنسب إليهم طرق مستقلّة عن شيخهم بل طريقة رفاعية والسبب في ذلك كون مقام سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه لم يورّثه لأحد من أهل طريقته من بعده فكان المسيطر على طريقته الى هذا الوقت لهذا جاء للقطب الغوث الرواس رضي الله عنه وهو في جامع الأزهر فربّاه وكفله وكذلك الأمر في الطريقة النقشبندية فلم يورث أحد مقام سيدي محمد بهاء الدين شاه نقشبند رضي الله عنه في مقامه لأنّه لم يجعل مقامه موروثا من بعده. وكذلك الأمر في الطريقة التيجانية فلم يجعل سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه مقامه موروثا في مريديه ونعني هنا بالمقام ليس خصوصياته وإنما مشيخة التربية في طريقته لهذا يسمون العارف الواصل المسلك في طريقته بالمقدّم فهم كلّهم مقاديم من حيث نسبتهم الى شيخهم فهم مقاديم في طريقته لأنّ طريقة سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لم يورّث فيها مقام مشيخة الطريقة لأحد من تابعيه بل هو المسيطر على طريقته لهذا يعتقد المريدون التيجانيون حضور شيخهم سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه عند الكثير من نوازلهم فتجد حتى قصائدهم كلّها مدحا فيه وهذا حقّ لأنّه شيخ الطريقة .. إلاّ طريقة الشاذلية فهي الطريقة الوحيدة اليوم فيما نعلم التي ورّث فيها سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه مقام مشيخته في الطريقة لمن بعده كرما من الله تعالى على أتباعه فلم ينفرد بمقام مشيخة طريقته بل جعله موروثا في كل زمان لذا قال سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه إنّما هو واحد عن واحد فلا يرثّ سرّ المشيخة الشاذلية إلاّ واحد عن واحد فهذا الذي عنيته بقطبانية التربية لكون سرّ مشيخة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه بقي موروثا يتوارثه واحد عن واحد إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى لهذا قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( تلميذنا أستاذ أهل زمانه ) لأنّ تلميذه شيخ مستقل في كل زمان بمشيخته فالسبب كونه ورث سرّ سيدي أبي الحسن الشاذلي في سرّ المشيخة وقطبانيتها ... من هنا تعدّدت الطرق الشاذلية فانتسبت كل طريقة لصاحبها الذي انتشر السلوك على يديه تعدّدا هائلا فكانت الدرقاوية والعلاوية والمدنية فكلّها طرق صحيحة معتبرة ...الخ. لي مبحث كتبته حول هذا الأمر منذ 6 سنوات سألحقه هنا إن شاء الله تعالى في هذه الصفحة في كون ليس جميع المأذونين في الطريقة الشاذلية بالتربية من قبل مشائخهم من كمّل العارفين تنسب الطريقة إليهم بل تنسب فقط لمن انتشر الطريق على يديه من المجددين في السلوك فكان المجدد في التربية صاحب طابع خاص فليس كلّ مأذون في الطريقة الشاذلية يكون صاحب مشيخة وصاحب طريقة بل فقط لمن ورث سرّ سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه كسيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه فنقول الطريقة العلاوية وكمريده من بعده سيدي محمد المداني رضي الله عنه فنقول الطريقة المدنية أما شيخنا اسماعيل رضي الله عنه فقد كان من الأقطاب لكنّه لم يغيّر طريقة تربية سيدي محمد المداني بل كان يربي المريدين على الطريقة المدنية .. ( فافهم ). أي كون سرّ مشيخة الشاذلية موروثا فلا يعني كون كلّ مأذون في الطريقة الشاذلية يستقلّ بطريقة خاصّة به بل قد تكون لأفراد منهم قال لي شيخنا رضي الله عنه ( لا أسامح أحدا نسب إليّ الطريقة فنحن طريقتنا مدنية - نسبة لسيدي محمد المداني رضي الله عنه – وطابعنا فيها هو شجرة الأكوان ) يعني بذلك تلك الصيغة من الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم هو طابعنا في الطريقة والمراد أي الطابع المحمّدي المسمّاة بــ ( بشجرة الأكوان ) التي يقول في بدايتها ( اللهم صلّ وسلّم على أصل شجرة الأكوان , المتفرّع من نوره ما يكون وما كان , بحر نورك المنزّه عن التحديد , المبرّأ عن ربقة الإطلاق والتقييد , عين كلّ الأعيان , المتدفّق من أصل النقطة الأزلية , المتجلّي بما هو ظاهر لسائر البريّة ..الخ ).
فلمّا كان الأمر كذلك وهو كذلك نفهم معنى قول سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( كتبي أصحابي ) أي كأنّه حاضر في كلّ زمان في طريقته ومن هنا قالوا بتشذّل القطب وقد قال هذا القول مشايخ كبار حجّة في طريق القوم منهم سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه لهذا سمّوها طريقة الأقطاب لكون مقام سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه متوارث في طريقته. فكانت لأهل طريقته نسبة مشيخة الطريق إليهم قال أحد مشائخ طريقة الشاذلية في زمن من الأزمان ( والله لو كان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه حيّا لدخل من بابي ) يشير رضي الله عنه كونه ورث سرّ مشيخة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فسرّ مشيخة الشاذلية متوارث فالمشيخة عند الشاذلية متوارثة .. بقي موضوع مهمّ أحبّ الكتابة فيه وهو كون السماع لم يكن أصلا في الطريقة الشاذلية ما فعله ولا رغّب فيه الشيخ سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وإنّما زاده من جاء بعده من أشياخ طريقته وقد حدث هذا في البيت الوفائي فالذي أحدث الإنشاد لمّا وردت واردات الوفائية هم البيت الوفائي لأنّ سيدي محمد وفا رضي الله عنه استقلّ بمشيخة الطريق حتى أنّ سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه كان يعتقد فيه ختمية الولاية فألّف كتابا في حقّه ... لهذا أيضا ترى العلم الكبير الذي عليه السادة الشاذلية في فهم القرآن العظيم وكذلك في العلوم الشرعية وفقهها ومن نظر في كتاب الحكم وفي شرح ابن عجيبة وفي قصيدة البوصيري ومشائخ الازهر والقرويين والزيتونة يدرك كون المدرسة الشاذلية من كبرى المدرسات التربوية السلوكية العلمية في العالم الإسلامي اليوم. ولا يعني هذا الاستهانة أبدا بما عليه المدارس الأخرى كالرفاعية في العلم الديني فإنّ سلوكهم كثيرا ما يكون في طلب العلم والقادرية أصحاب الأحوال الربانية فهذه مدارس أشهر من نار على علم لها أيادي بيضاء في الإسلام رضي الله عن أصحابها جميعا .. إلاّ أن طابع التيجانية جعلها سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه صلاة الفاتح فكانت طابعهم في الطريق .. هذا ويشهد الله تعالى كوني أحبّ كلّ صوفي صادق مهما كانت طريقته ولا أرى في قلبي فرقا فيما بينهم فكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم. ثمّ سنعود ان شاء الله تعالى لتقرير كون الطريقة الشاذلية وجميع الطرق متأسسة على الكتاب والسنّة بالتفصيل مع الدليل وكون ما أحدثه المتبركون فيه الغثّ كما فيه السمين وكون الحضرات والأناشيد والقصائد ليست هي أصل في السلوك وما كان يتعاطاها سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ولكن الأشياخ من بعده كان منهجهم ونظريتهم بحسب واقع الزمان. فلو سلكوا مريديهم بالقرآن لفرّوا كما قال تعالى: ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ). كما قال الصحابة رضي الله عنهم " علّمنا رسول الله الإيمان ثمّ علّمنا القرآن" رغم كون التعبّد يكون بالقرآن وحروفه وليس بالإنشاد وحروفه فحروف الشعر ليس هي حروف القرآن فالمعنى لا يتعبّد به الا مع وجود النيّة ( فافهم ) وإلاّ كان الإنشاد من جملة الغناء والترفيه.
الله تعالى وإن تعدّدت واختلفت أحوال مشائخها ومؤسّسيها فمنهم الأقطاب ومنهم الأفراد ومنهم الأوتاد ومنهم النجباء ومنهم النقباء ..إلخ. هناك قاسم مشترك عام في السير المحمّدي بين جميع الطرق وعلى ضوئه أسّس كمّلّ العارفين من الأشياخ الكبار طرقهم ومنهم الشيخ الكامل والقطب الشامل سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ومنهم سيدي العارف الكامل القطب اللامع سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه ومنهم قطبّ زمانه وغوث أوانه سيدي أبو الحسن علي الشاذلي رضي الله عنه ومنهم القطب الكامل البحر الشامل سيدي محمد بهاء الدين نقشبند رضي الله عنه ومنهم صاحب الخصوصية الأحمدية القطب الجامع والغوث اللامع سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه وغيرهم كثير. إلاّ أنّ هذه الطرق هي أكثر الطرق إشتهارا من الطرق الصحيحة لأنّه هناك أيضا طرقا غير صحيحة فكلّ ما خالف الكتاب والسنّة فهو طريق غير صحيح ومن هنا رفض العارفون الكاذبين في طريق الله تعالى كمن جنح بمريديه الى السحر فدخل وأدخلهم في الشعوذة لذا قال تعالى نافيا عن سيّدنا سليمان كونه كان يعلّم الناس السحر كما قال تعالى ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) أو كما نراه من طرق تعتقد الاتحاد والحلول أو طرق ومذاهب في التصوّف ضلّت ضلالا بعيدا ...إلخ. فهي في هذا نظير المذاهب الفقهية فقد تعدّدت تلك المذاهب وتنوّعت فمنها المذاهب الصحيحة كالمذاهب الأربعة الموجودة اليوم عامّة وغيرها المندرسة كمذهب الأوزاعي والليث ابن سعد وأبي ثور وغيرها فكل هذه المذاهب سنيّة ومن المذاهب الفقهية مذاهب أخرى غير سنيّة كالمذهب الجعفري ومذهب الظاهرية ومذهب الخوارج .. الخ , لكن منها الضالة أو الضالّة في الكثير من فقهها كما ضلّت بعض الطرق الصوفية في سلوكها. وهي في ذلك أيضا نظير المذاهب العقائدية فقد تعددت مذاهب المعتقدين والمتكلمين فكما كان أهل السنّة على مذهبي الإمامين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما وغيرهم أيضا من مدارس أهل السنّة العقدية فكذلك كانت هناك مدارس أخرى ومذاهب في العقيدة على غير مذهب أهل السنّة كعقائد المجسمين والحشويين والمعتزلة والمرجئة والقدرية والخوارج والوهابية ... الخ. فطريق التصوّف الحقيقي ما كان في يوم من الأيام يخرج ذرّة عن حكم الكتاب والسنّة بل أسّس كمّل المشائخ طرقهم في السلوك على الكتاب والسنّة من حيث تسيير المريد على النهج القويم فمثلا قد وضعوا كلّهم ذكرا للمريد من صميم الكتاب والسنّة. فبدؤوا بداية بوضع الاستغفار كورد يومي ثمّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم كورد يومي ثمّ الهيللة كورد يومي لأنّ النصوص التوقيفية الشرعية دلّت على هذه المطالب السلوكية فما من طريق إلاّ وفيها أصل هذا الذكر فاجتمعت الطرق على تأصيل القرآن والسنّة بالذكر والمذاكرة والعلم والأدب وعلى هذا كان سير كمّل أولائك الأشياخ الذين أسّسوا طرقهم السلوكية على منهج صحيح من الكتاب والسنّة لهذا خرج كلّ قول فيهم خلاف هذا ... من درس في كتبهم وتدبّر أورادهم وجدها كلّها تشير إلى اتباع منهج الكتاب والسنّة كمن قرأ كتاب الغنية لسيدي عبد القادر الجيلاني أو الفتح الرباني أو قرأ في رسائل الإمام الرفاعي وكلامه رضي الله تعالى عنه أو قرأ في كتب غيرهم وكلامهم فكلّه يأمر باتباع الكتاب والسنّة إذ هما النوران الباقيان مناط العصمة قال عليه الصلاة والسلام ( اثنان ان تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي ). فذاك زمان أؤلائك الأشياخ أمّا الخلل كلّ الخلل فقد وقع فيمن جاء من بعدهم وانتسب إليهم بغير وجه حقّ .. أمّا بالنسبة لما عليه الطرق الحقيقية : طريقة القادرية شيخها كان ولا يزال شيخا واحدا هو سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فكلّ العارفين الكمّل من أصحاب القطبانيات والفردانيات .. الخ المقامات ممّن جاؤوا من بعده في طريقته لم يبلغوا مقامه لأنّه رضي الله عنه لم يورّث مقامه لأحد من أهل طريقته فكان هو الشيخ المنفرد بطريقته فلم ينفرد بلواء طريقته ممّن جاء من بعده من المنتسبين أحد. لهذا لا نجد أسماء طرق منسوبة الى أولائك الأقطاب والأوتاد والأفراد من أهل طريقته ولا يخفى كون من أطلق عليها بودشيشية إنّما هو لأمر عارض لا لكون الشيخ الذي كان يطعم الناس في وقت المجاعة ( الدشيشة ) رضي الله عنه وأرضاه انفرد بطريقة خاصّة في مشيخة القادرية بل كان شيخا قادريا بعد تقدّم مجاهدة منه فأحيا الله تعالى به ما اندرس من الطريقة القادرية وجدد سلوك التربية فيها وهي طريقة قد يرثها الأبناء عن الآباء فيقال ( الطريقة القادرية البودشيشية ولا يقال ( الطريقة البودشيشية القادرية ) فافهم ثمّ من سرد تاريخ نسبة الطريق في طريق القادرية يقف على كلامي من حيث نسبة الطريق لغير صاحبها سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ... وهكذا كان الشأن في طريقة سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه فجميع أقطاب الطريقة الرفاعية والنجباء والنقباء وكمّل العارفين فيها لم تنسب إليهم طرق مستقلّة عن شيخهم بل طريقة رفاعية والسبب في ذلك كون مقام سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه لم يورّثه لأحد من أهل طريقته من بعده فكان المسيطر على طريقته الى هذا الوقت لهذا جاء للقطب الغوث الرواس رضي الله عنه وهو في جامع الأزهر فربّاه وكفله وكذلك الأمر في الطريقة النقشبندية فلم يورث أحد مقام سيدي محمد بهاء الدين شاه نقشبند رضي الله عنه في مقامه لأنّه لم يجعل مقامه موروثا من بعده. وكذلك الأمر في الطريقة التيجانية فلم يجعل سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه مقامه موروثا في مريديه ونعني هنا بالمقام ليس خصوصياته وإنما مشيخة التربية في طريقته لهذا يسمون العارف الواصل المسلك في طريقته بالمقدّم فهم كلّهم مقاديم من حيث نسبتهم الى شيخهم فهم مقاديم في طريقته لأنّ طريقة سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لم يورّث فيها مقام مشيخة الطريقة لأحد من تابعيه بل هو المسيطر على طريقته لهذا يعتقد المريدون التيجانيون حضور شيخهم سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه عند الكثير من نوازلهم فتجد حتى قصائدهم كلّها مدحا فيه وهذا حقّ لأنّه شيخ الطريقة .. إلاّ طريقة الشاذلية فهي الطريقة الوحيدة اليوم فيما نعلم التي ورّث فيها سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه مقام مشيخته في الطريقة لمن بعده كرما من الله تعالى على أتباعه فلم ينفرد بمقام مشيخة طريقته بل جعله موروثا في كل زمان لذا قال سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه إنّما هو واحد عن واحد فلا يرثّ سرّ المشيخة الشاذلية إلاّ واحد عن واحد فهذا الذي عنيته بقطبانية التربية لكون سرّ مشيخة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه بقي موروثا يتوارثه واحد عن واحد إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى لهذا قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( تلميذنا أستاذ أهل زمانه ) لأنّ تلميذه شيخ مستقل في كل زمان بمشيخته فالسبب كونه ورث سرّ سيدي أبي الحسن الشاذلي في سرّ المشيخة وقطبانيتها ... من هنا تعدّدت الطرق الشاذلية فانتسبت كل طريقة لصاحبها الذي انتشر السلوك على يديه تعدّدا هائلا فكانت الدرقاوية والعلاوية والمدنية فكلّها طرق صحيحة معتبرة ...الخ. لي مبحث كتبته حول هذا الأمر منذ 6 سنوات سألحقه هنا إن شاء الله تعالى في هذه الصفحة في كون ليس جميع المأذونين في الطريقة الشاذلية بالتربية من قبل مشائخهم من كمّل العارفين تنسب الطريقة إليهم بل تنسب فقط لمن انتشر الطريق على يديه من المجددين في السلوك فكان المجدد في التربية صاحب طابع خاص فليس كلّ مأذون في الطريقة الشاذلية يكون صاحب مشيخة وصاحب طريقة بل فقط لمن ورث سرّ سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه كسيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه فنقول الطريقة العلاوية وكمريده من بعده سيدي محمد المداني رضي الله عنه فنقول الطريقة المدنية أما شيخنا اسماعيل رضي الله عنه فقد كان من الأقطاب لكنّه لم يغيّر طريقة تربية سيدي محمد المداني بل كان يربي المريدين على الطريقة المدنية .. ( فافهم ). أي كون سرّ مشيخة الشاذلية موروثا فلا يعني كون كلّ مأذون في الطريقة الشاذلية يستقلّ بطريقة خاصّة به بل قد تكون لأفراد منهم قال لي شيخنا رضي الله عنه ( لا أسامح أحدا نسب إليّ الطريقة فنحن طريقتنا مدنية - نسبة لسيدي محمد المداني رضي الله عنه – وطابعنا فيها هو شجرة الأكوان ) يعني بذلك تلك الصيغة من الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم هو طابعنا في الطريقة والمراد أي الطابع المحمّدي المسمّاة بــ ( بشجرة الأكوان ) التي يقول في بدايتها ( اللهم صلّ وسلّم على أصل شجرة الأكوان , المتفرّع من نوره ما يكون وما كان , بحر نورك المنزّه عن التحديد , المبرّأ عن ربقة الإطلاق والتقييد , عين كلّ الأعيان , المتدفّق من أصل النقطة الأزلية , المتجلّي بما هو ظاهر لسائر البريّة ..الخ ).
فلمّا كان الأمر كذلك وهو كذلك نفهم معنى قول سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( كتبي أصحابي ) أي كأنّه حاضر في كلّ زمان في طريقته ومن هنا قالوا بتشذّل القطب وقد قال هذا القول مشايخ كبار حجّة في طريق القوم منهم سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه لهذا سمّوها طريقة الأقطاب لكون مقام سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه متوارث في طريقته. فكانت لأهل طريقته نسبة مشيخة الطريق إليهم قال أحد مشائخ طريقة الشاذلية في زمن من الأزمان ( والله لو كان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه حيّا لدخل من بابي ) يشير رضي الله عنه كونه ورث سرّ مشيخة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فسرّ مشيخة الشاذلية متوارث فالمشيخة عند الشاذلية متوارثة .. بقي موضوع مهمّ أحبّ الكتابة فيه وهو كون السماع لم يكن أصلا في الطريقة الشاذلية ما فعله ولا رغّب فيه الشيخ سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وإنّما زاده من جاء بعده من أشياخ طريقته وقد حدث هذا في البيت الوفائي فالذي أحدث الإنشاد لمّا وردت واردات الوفائية هم البيت الوفائي لأنّ سيدي محمد وفا رضي الله عنه استقلّ بمشيخة الطريق حتى أنّ سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه كان يعتقد فيه ختمية الولاية فألّف كتابا في حقّه ... لهذا أيضا ترى العلم الكبير الذي عليه السادة الشاذلية في فهم القرآن العظيم وكذلك في العلوم الشرعية وفقهها ومن نظر في كتاب الحكم وفي شرح ابن عجيبة وفي قصيدة البوصيري ومشائخ الازهر والقرويين والزيتونة يدرك كون المدرسة الشاذلية من كبرى المدرسات التربوية السلوكية العلمية في العالم الإسلامي اليوم. ولا يعني هذا الاستهانة أبدا بما عليه المدارس الأخرى كالرفاعية في العلم الديني فإنّ سلوكهم كثيرا ما يكون في طلب العلم والقادرية أصحاب الأحوال الربانية فهذه مدارس أشهر من نار على علم لها أيادي بيضاء في الإسلام رضي الله عن أصحابها جميعا .. إلاّ أن طابع التيجانية جعلها سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه صلاة الفاتح فكانت طابعهم في الطريق .. هذا ويشهد الله تعالى كوني أحبّ كلّ صوفي صادق مهما كانت طريقته ولا أرى في قلبي فرقا فيما بينهم فكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم. ثمّ سنعود ان شاء الله تعالى لتقرير كون الطريقة الشاذلية وجميع الطرق متأسسة على الكتاب والسنّة بالتفصيل مع الدليل وكون ما أحدثه المتبركون فيه الغثّ كما فيه السمين وكون الحضرات والأناشيد والقصائد ليست هي أصل في السلوك وما كان يتعاطاها سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ولكن الأشياخ من بعده كان منهجهم ونظريتهم بحسب واقع الزمان. فلو سلكوا مريديهم بالقرآن لفرّوا كما قال تعالى: ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ). كما قال الصحابة رضي الله عنهم " علّمنا رسول الله الإيمان ثمّ علّمنا القرآن" رغم كون التعبّد يكون بالقرآن وحروفه وليس بالإنشاد وحروفه فحروف الشعر ليس هي حروف القرآن فالمعنى لا يتعبّد به الا مع وجود النيّة ( فافهم ) وإلاّ كان الإنشاد من جملة الغناء والترفيه.
الكلمات المفتاحية :
الطرق الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: