الطرق الصوفية 3
بسم الله الرحمان الرحيم - فلمّا كان شأن إسماعيل كذلك لعدم نسبة البشرى لأمّه بل زفّت البشرى لأبيه به فأسكنه عند بيت الله المحرّم في واد غير ذي زرع كما قال تعالى: ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ). فانظر قوله كيف قال تحديدا ( من ذريتي ) ولم يقل ( ذريتي ) فكأنه كان على وحي بما سيرزقه الله تعالى من سارّة عليها السلام فرجع إليها بعد أن أسكن هاجر واسماعيل عليهما السلام تحديدا عند بيت الله المحرّم ثمّ لما شرع في بناء بيت الكعبة كان معه سيدنا اسماعيل عليه السلام يبني معه كما قال تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ثمّ قالا عليهما السلام كما قال تعالى ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ). فبعد بناء البيت سألا القبول لذا قالا ( إنّك أنت السميع ) لدعائنا ( العليم ) بنوايانا الصالحة فلمّا تمّ القبول سألا ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) لأنّ الإسلام دين الفطرة وهو دين العبودية المحضة والصفاء التام ثمّ دعوا بهذه الصفة التي هي صفة الإسلام التي هي حال ذاتي لتعلّق الإسلام بالحضرة الإلهية بسريانها في ذريتهما الذين هم المسلمين فسألا بقولهما كما قال تعالى ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) نهاية الاستسلام لك وهم الذاتيون. ثمّ سألا بعد ذلك ( وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ) أي في هذا المشرب الذاتي الحاوي للأسماء والصفات ثمّ سألا ( وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) فذكرا مقام التوبة لهما ولذريتهما من بعدهما ومقام التوبة الحقيقة هو الرجوع للمولى والخروج عن ملاحظة السوى قال تعالى في بيان معرفة حقيقة الإسلام ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) أنظر قوله بتدبّر ( لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ). فسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم هو الفتى الذاتي لذا كان أوّل المسلمين ولهذا لم يقل موسى عليه السلام لمّا أفاق بعد صعقه بسبب طلبه نظر الرؤية كونه أوّل المسلمين بل قال كما قال تعالى ( فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) فرجع إلى ذكر مقام الإيمان بعد أن سأل النظر وهو في مقام الإحسان لذا قال ( سبحانك ) رجوع منه وتوبة وأوبة كما قالت الملائكة ( سبحانك لا علم لنا الا ما علّمتنا ) وقال يونس ( سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين ). ثمّ بعد ذلك سألاّ في دعائهما ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ). أي ابعث فيهم رسولا من وصفهم وهو الأميّة الأميّة التي هي للذاتية والإسلام الذي هو للسلوك والعروج إلى الحضرة الإلهية على صفة الظاهر والباطن التي هي صفة أهل الكمال كما قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ) فماذا تطلبون يا بني إسماعيل أو لم يعطكم الله تعالى أكثر ممّا أعطى بني إسحاق ويعقوب فجعلكم الذاتيين وجعل رسولكم رحمة للعالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين. فانظر كي ادّخرك الله تعالى أيها المسلم إلى آخر الزمان بما تراه من الأقطاب والأفراد والأبدال والأوتاد والعارفين في هذه الأمة ومن أصحاب السلوك والعروج ومن العلماء العاملين والمجاهدين في سبيل نصرة الدين ألا ترى ذلك أيّها المسلم وأنت محفوظ بدعاء أبويك إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ومحفوظ بدعاء مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فماذا تخشى بعد هذا هل تخشى على أمّة الإسلام ؟ اطمئنّ فرغم الزلازل والفتن ستبقى رايتها عالية خفّاقة فقط قم بما يجب عليك من نصرة الشريعة المحمدية في ذاتك ومن حولك وفي غيرك . فمتى شاهدت بيت الله تعالى الحرام اليوم وشاهدت وفود الحجيج وزرت مدينة خير خلق الله تعالى صلى الله عليه وسلّم تدرك عظمة هذه الأمّة وكيف اغتاظ أعداؤها منها ففعلوا كلّ ما بوسعهم للقضاء عليها ولكنّ الله تعالى ناصر دينه وعبده رسوله ولو كره الكافرون. ونعني خاصّة ذرية إسماعيل الذين هم من العرب المستعربة الذين رسول الله صلى الله عليه وسلّم منهم وليس كل العرب فهناك من الأعراب العاربة كما قال تعالى: ( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ). فالعرب المستعربة هم أبناء إسماعيل عليه السلام فتلك هي الذرية المسلمة خاصّة وهي قبائل موجودة إلى اليوم خاصّة في شبه الجزيرة العربية وقد تفرّق في البلاد العربية كثير منهم حقيقة لذا فرّقوا بين العرب العدنانية وبين العرب قحطانية فجعلوا القحطانية أصل العرب وكون العرب المستعربة تعرّبت بسبب نسبتهم إليها فليس كلّ العرب من المسلمين بل منهم النصارى ومنهم اليهود ومنهم الكفار بلا دين ..إلخ لكن الأغلبية الساحقة مسلمة والحمد لله تعالى فهم كثير لكنّهم اليوم كما ورد في الحديث غثاء كغثاء السيل .. من المفسرين والعلماء من ذهب كون الذبيح هو إسحاق لكن الجمهور على كونه إسماعيل وهذا قولنا ورأينا والله تعالى أعلى وأعلم. قلت : إشارة الذبح كون إسماعيل عليه السلام فتى متحرّر في عالم الصفات فلا يتقيّد بأبيه إبراهيم إلأ من حيث كونه الشيخ المربي والإمام الموصل عامّة لا من حيث كونه أبيه خاصّة لهذا لم يكن في نسل بني إسماعيل النبوّة كما كانت في نسل بني إسحاق.. فلم يكن إسماعيل صفاتيا في هذا الإرث بل كان ذاتيا من حيث الإسلام .. لأنّ الإسلام أمر الله تعالى به سيّدنا إبراهيم عليه السلام: ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ). فأصبح الأسلام صفة وطبعا لسيّدنا إبراهيم لذا هو الذي سمّانا المسلمين أي سمّانا حالا قبل أن يسمّينا مقالا ( فافهم ) وذلك في قوله ( أسلمت لرب العالمين ) فهو سمّانا بهذا الإسم فذكر هنا التسمية وكون الإسم أمرا ذاتيا وليس صفاتيا أعني هذا الإسم الجامع لأحوال الدين ومقاماته العبودية الذي هو الإسلام هو مشرب ذاتي لذا أُمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون أوّل المسلمين وأوّل العابدين لأنّ أوّل العابدين هو أوّل المسلمين ( فافهم ).
من هنا ندرك حقائقا وأمورا بعد بعثته عليه الصلاة والسلام في كون آل بيته هم منه صلى الله عليه وسلّم لكنّهم من إبنته فاطمة عليها السلام فكان ميراث النبوّة في آل بيته لكن على وجه الخصوصيات من مقامات فجميع مقامات آل البيت الشريف هي حقّ لا مرية فيه وأغلب طرق أهل الله تعالى أسّسها مشايخ من آل البيت الأشراف وهناك طرق أخرى أيضا أسّسها من ليس هو من آل البيت نسبا ولكنّه روحا من آل البيت كما قال عليه الصلاة والسلام :" سلمان منّا آل البيت " رغم كونه فارسيّا فهي نسبة معنوية وليس صلبية. فكلامنا هنا عن النسبة الصلبية التي ضلّ بها أقوام نُسِب إليهم سوء أدب مع نسبته صلى الله عليه وسلّم الروحية المعنوية إذ أنّه أبو الأرواح صلى الله عليه وسلّم هذا كي تعلم كون آل بيته تابعين حضرته المحمّدية أمّا من لم يكونوا من آل بيته فهم تابعون للحضرة العلية على المنهاج والسير المحمّدي ومنهم كبار الصحابة الكرام كالصدّيق أبي بكر وعمر وعثمان وأبي ذرّ وغيرهم رضي الله تعالى عن جميعهم. من هنا تمازيت طرق أهل الله تعالى من حيث الإرث فيها ومن حيث المشيخة فيها وهي وإن كانت كلّها تدلّ على الله تعالى وكلّها غايتها واحدة وسيرها واحد إلاّ أنّ لكلّ واحدة منها خصائصا لا توجد في الطريقة الأخرى. لكن الذي أردت قوله كون الطريق متى كان سرّ المشيخة والإمامة فيها متوارث يكون فيها العارفون بالله تعالى كثيرون قال سيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه: " برّكت أربعة آلاف عارف كلّهم يدلون على الله تعالى " وقال سيدي محمّد المداني رضي الله عنه وهو وارث سرّ الشاذلية في زمانه : " لقد فتح الله تعالى على أربعين فقيرا من فقراء سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه في زيارة واحدة للشيخ أحمد العلاوي رضي الله عنه". لهذا اشتهرت الطريقة العلاوية في العالم أجمع لأنّها طريقة سلوك وليس تبرّك فأصل الطرق للسلوك ليس أكثر وهناك الكثير من الناس من يظنّ كون العارف إذا وصل إلى الحقيقة المحمّدية فهو شيخ كامل رغم كونه وهو في ذلك المقام غير مفتوح عليه بالفتح الكبير وهو مقام البقاء بعد الفناء قال تعالى: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ). هذا وقد يجرّنا الموضوع إلى ذكر حضرات الأنبياء وما فيها من خصائص ظاهرة مذكورة في القرآن وكذلك أحوالهم ومشاربهم فهي ظاهرة في القرآن غاية الظهور فإنّه ليس بعد كتاب الله تعالى مصدر علم إلاّ ما كان من السنّة التي تفسّر وتفصّل هذا القرآن فأهل القرآن هم أهل الله وخاصّته. فذكر خصوصيات المقامات والطرق وحقائقها ليس فيه بأس فما أمرنا ولا أشرنا إلى ترك طرق الصالحين ولا إلى استنقاص شيخ أو فقير أو مدد أو علم فما بالك بالاستنقاص من طرق كمّل المشايخ من كبار العارفين بالله تعالى فأيّ سماء تظلّني بعد ذلك أو أرض تقلّني وإنّما هو حديث عن الطرق بصفة عامّة وذكر بعضا من حقائقها الجزئية وليس الكليّة إذ لو أخرج عارف قادري أو تيجاني أو نقشبندي ما اختصّه الله تعالى به من الفهم والعلم والتوحيد والتفريد لربّما سكتّ أنا وشيخي أبد الدهر. وإني لمّا زرت القاهرة وذهبت إلى بيت سيدي أحمد محمّد الحافظ التيجاني رضي الله عنه رأيت عنده في الزاوية هناك ليلا مشايخا كبارا لو لم يكن في مصر إلاّ هم لكفَوْها لكنّها تبقى مباحث تفصيلية لا تستدعي من إخواني كلّ ذاك التهويل من كوني أصدّ الناس عن أشياخ التربية وعن العارفين وكون كلامي يستحقّ الغربلة وأنّه من كلام المنتديات ...إلخ. فلا يجب أن يصل التهويل إلى هذه الدرجة فالعبد الفقير ما نطقت كفرا ولا وقعت في شيخ ولا استنقصت من طريقة أبدا وهذه كتاباتي معلومة وموجودة فليرجع إليها من يريد أن يقف على جملة فلسفتي حول التصوّف بصفة عامّة ومذهبي فيه خصوصا موضوعي:" التجاوزات بتوزيع الرتب والمقامات " فكيف بمن يتّهمنا بما يتّهمنا به وهو يقرأ في موضوعنا " التجاوزات " إنّ هذا لشيء عجاب. ولكن عندما يسوء الظنّ بسبب سوء الفهم تكثر الدعوى ويلبّس الحقّ بالباطل ويقع العبد في الشيء الذي فرّ منه إذ لولا وجود مسألة الخصوصيات في قلب المعترض وفكره لما أحسّ بها وإنما لما كانت عنده مسألة محورية اعترض عن الحديث في الخصوصيات لكي لا يسمع ولا يقرأ ما لا يأتي على غير مزاعمه وما أبرئ نفسي إنّ النفس أمارة بالسوء ولا أدّعي كوني عالما ولا عارفا بل كلامي ليس بحجّة ولا هو قرآن يؤخذ منه ويردّ رغم كوني أميل إلى الأدلّة والحجج في كلّ موضوع. فلا يجرّني عدم الموافقة على معنى أو موضوع إلى الوقوع في عرض صاحبه واتهامه بما ليس فيه وكون كلامه يحتاج إلى غربلة وأنّه كلام منتديات وأنّه مكتوب لغير وجه الله تعالى وأنّه صدّ عن الحقّ فما هكذا تورد الإبل يا سعد ولا ينفع التهويل فيما ليس هو بكفر ولا زندقة ولا شرك ولا بدعة بل لو أخرجنا ما في كتب السادّة من كلامهم ما كتبوه في حقّهم من مديح وثناء وفي حقّ طرقهم ممّا يذكرون فيه خصائصهم لعمّ الإنتفاع بنور كلامهم .. نعم الأصل أن لا تذكر الخصائص والمقامات والتفضيلات لذاته وهذا العبد الفقير الذي انتهجه منهجا فلا أذكر إن شاء الله تعالى خصوصية أو مقام إلا يكون الغرض منه توجيه المسلمين نحو حضرة ربّهم. مرّة كنت في لقاء مع فقراء لا أذكر إسم شيخهم وكان شيخهم شاذليا فكان هذا المقدّم طوال اللقاء ينشد في قصائد مدح خير خلق الله صلى الله عليه وسلّم فقلت له يا سيدي إلى متى سنبقى في الحضرة المحمّدية هيا اعرج بنا إلى الحضرة الإلهية فغضب واحمرّ لونه وكأنّي كفرت والعياذ بالله تعالى ورفض ذلك فقلت له حينها : يا سيدي الحضرة المحمّدية مرحلة من مراحل السير وليس هي كلّ السير ..إلخ. لكن قد لا يفهم هذا الكلام إلاّ قلّة من الخلق فربّما يفهمون كونه الجفاء والعزوف عن الإتصال بالنبيّ عليه الصلاة والسلام أو ميل الى تقليل الصلاة والسلام عليه أو التقليل من محبّتة رغم كون هذا كلّه ليس مقصودا ولا يجوز أو يحلّ أو يمكن أن يقصده مسلم وهذا معلوم ضرورة , طبعا هذا كلام عام وليس خاصّا ولا يعني أحدا غيري. لهذا يا إخواني يجب أن يتعيّن الفهم ويغلب حسن الظنّ على القلوب والعقول فحسن الظنّ جميل ولو كنت مخطئا ولكن سوء الظنّ سيء ولو كنت محقّا فهل يرضيك ان تجرّح في إخوانك وتعرض بهم هل يفرحك هذا أم أنه يشفي غليلك ؟ هل سيجزيك الله تعالى على ذلك ؟ أم كون النصيحة تكون فضيحة ؟ وتكون بالتعريض والاتهام والتنقيص ؟ أم كونك لا تلومك في الله لومة لائم بحسب ظنّك ؟ ولا تلومك في الحق لومة ؟ فأين حدود الأدب إذن في طريق التصوّف الذي يرفع شعاره ؟ فهل أسألت العبد الفقير الأدب مع الأولياء رضي الله تعالى عنهم في ذكر بعض نواميس طرقهم وترتيباتها التربوية ؟ أقول : هذا تلبيس نفس وإلاّ من رجع إلى الله تعالى يرى بنور قلبه الحقّ من الباطل ولو كان هذا الحقّ أمر فرعي لا حاجة للناس به ولكنه يبقى حقّ في تلك الشاكلة ولا أدعي كوني أقول الحقّ ولكني أكره التعريض بالآخرين فهم مجازون على اجتهادهم ولو أخطأوا في معرفة علوم وفنون التصوّف وهي على كلّ تبقى مباحث لا تضرّ أحدا و لا تخرجه عن الملّة. فهذا شيخ الإسلام سيدي إبراهيم الرياحي رضي الله عنه كان شاذليا كبيرا فلمّا سمع بما عليه الطريقة التيجانية في زمان صاحبها انتسب إليه وأخذ الطريق عليه ودخل الى الطريقة التيجانية فهل قدح ذلك في إيمانه من شيء ؟ لكنّنا لا ندعو أحدا ولا نأمر فقيرا بالخروج من طريقة ودخول في طريقة أخرى إلا إذا كانت الطريقة التي هو فيها طريقة تبرّك وليس طريقة سلوك فيتعيّن هنا البحث عن الشيخ المأذون والموصّل إلى الله تعالى. في أجوبتي على أسئلة سيدي فارس النور ذكرت ذلك بتفصيله فمن شاء فليرجع إليها فهي نافعة إن شاء الله تعالى في بابها لهذا قلت العبد الفقير لا يجوز أن تقرأ لي موضوعا فتحكم به عليّ فهذا ظلم بل إقرأ مذهبي كلّه في التصوّف كي تفهم فلسفتي فيه كما لك فلسفتك فيه والسلام. لا يعترض على كلامي في موضوع " الطرق الصوفية " إلا صاحب دعوى أما الصادق فسيقول الحمد لله على وجود النسبة الالهية والحمد لله على وجودنا فيها اما الذي تحسس من ذكر الخصائص فاعلم انه صاحب دعوى والفاهم سيفهم حتما.
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ). فانظر قوله كيف قال تحديدا ( من ذريتي ) ولم يقل ( ذريتي ) فكأنه كان على وحي بما سيرزقه الله تعالى من سارّة عليها السلام فرجع إليها بعد أن أسكن هاجر واسماعيل عليهما السلام تحديدا عند بيت الله المحرّم ثمّ لما شرع في بناء بيت الكعبة كان معه سيدنا اسماعيل عليه السلام يبني معه كما قال تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ثمّ قالا عليهما السلام كما قال تعالى ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ). فبعد بناء البيت سألا القبول لذا قالا ( إنّك أنت السميع ) لدعائنا ( العليم ) بنوايانا الصالحة فلمّا تمّ القبول سألا ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) لأنّ الإسلام دين الفطرة وهو دين العبودية المحضة والصفاء التام ثمّ دعوا بهذه الصفة التي هي صفة الإسلام التي هي حال ذاتي لتعلّق الإسلام بالحضرة الإلهية بسريانها في ذريتهما الذين هم المسلمين فسألا بقولهما كما قال تعالى ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) نهاية الاستسلام لك وهم الذاتيون. ثمّ سألا بعد ذلك ( وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ) أي في هذا المشرب الذاتي الحاوي للأسماء والصفات ثمّ سألا ( وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) فذكرا مقام التوبة لهما ولذريتهما من بعدهما ومقام التوبة الحقيقة هو الرجوع للمولى والخروج عن ملاحظة السوى قال تعالى في بيان معرفة حقيقة الإسلام ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) أنظر قوله بتدبّر ( لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ). فسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم هو الفتى الذاتي لذا كان أوّل المسلمين ولهذا لم يقل موسى عليه السلام لمّا أفاق بعد صعقه بسبب طلبه نظر الرؤية كونه أوّل المسلمين بل قال كما قال تعالى ( فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) فرجع إلى ذكر مقام الإيمان بعد أن سأل النظر وهو في مقام الإحسان لذا قال ( سبحانك ) رجوع منه وتوبة وأوبة كما قالت الملائكة ( سبحانك لا علم لنا الا ما علّمتنا ) وقال يونس ( سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين ). ثمّ بعد ذلك سألاّ في دعائهما ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ). أي ابعث فيهم رسولا من وصفهم وهو الأميّة الأميّة التي هي للذاتية والإسلام الذي هو للسلوك والعروج إلى الحضرة الإلهية على صفة الظاهر والباطن التي هي صفة أهل الكمال كما قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ) فماذا تطلبون يا بني إسماعيل أو لم يعطكم الله تعالى أكثر ممّا أعطى بني إسحاق ويعقوب فجعلكم الذاتيين وجعل رسولكم رحمة للعالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين. فانظر كي ادّخرك الله تعالى أيها المسلم إلى آخر الزمان بما تراه من الأقطاب والأفراد والأبدال والأوتاد والعارفين في هذه الأمة ومن أصحاب السلوك والعروج ومن العلماء العاملين والمجاهدين في سبيل نصرة الدين ألا ترى ذلك أيّها المسلم وأنت محفوظ بدعاء أبويك إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ومحفوظ بدعاء مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فماذا تخشى بعد هذا هل تخشى على أمّة الإسلام ؟ اطمئنّ فرغم الزلازل والفتن ستبقى رايتها عالية خفّاقة فقط قم بما يجب عليك من نصرة الشريعة المحمدية في ذاتك ومن حولك وفي غيرك . فمتى شاهدت بيت الله تعالى الحرام اليوم وشاهدت وفود الحجيج وزرت مدينة خير خلق الله تعالى صلى الله عليه وسلّم تدرك عظمة هذه الأمّة وكيف اغتاظ أعداؤها منها ففعلوا كلّ ما بوسعهم للقضاء عليها ولكنّ الله تعالى ناصر دينه وعبده رسوله ولو كره الكافرون. ونعني خاصّة ذرية إسماعيل الذين هم من العرب المستعربة الذين رسول الله صلى الله عليه وسلّم منهم وليس كل العرب فهناك من الأعراب العاربة كما قال تعالى: ( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ). فالعرب المستعربة هم أبناء إسماعيل عليه السلام فتلك هي الذرية المسلمة خاصّة وهي قبائل موجودة إلى اليوم خاصّة في شبه الجزيرة العربية وقد تفرّق في البلاد العربية كثير منهم حقيقة لذا فرّقوا بين العرب العدنانية وبين العرب قحطانية فجعلوا القحطانية أصل العرب وكون العرب المستعربة تعرّبت بسبب نسبتهم إليها فليس كلّ العرب من المسلمين بل منهم النصارى ومنهم اليهود ومنهم الكفار بلا دين ..إلخ لكن الأغلبية الساحقة مسلمة والحمد لله تعالى فهم كثير لكنّهم اليوم كما ورد في الحديث غثاء كغثاء السيل .. من المفسرين والعلماء من ذهب كون الذبيح هو إسحاق لكن الجمهور على كونه إسماعيل وهذا قولنا ورأينا والله تعالى أعلى وأعلم. قلت : إشارة الذبح كون إسماعيل عليه السلام فتى متحرّر في عالم الصفات فلا يتقيّد بأبيه إبراهيم إلأ من حيث كونه الشيخ المربي والإمام الموصل عامّة لا من حيث كونه أبيه خاصّة لهذا لم يكن في نسل بني إسماعيل النبوّة كما كانت في نسل بني إسحاق.. فلم يكن إسماعيل صفاتيا في هذا الإرث بل كان ذاتيا من حيث الإسلام .. لأنّ الإسلام أمر الله تعالى به سيّدنا إبراهيم عليه السلام: ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ). فأصبح الأسلام صفة وطبعا لسيّدنا إبراهيم لذا هو الذي سمّانا المسلمين أي سمّانا حالا قبل أن يسمّينا مقالا ( فافهم ) وذلك في قوله ( أسلمت لرب العالمين ) فهو سمّانا بهذا الإسم فذكر هنا التسمية وكون الإسم أمرا ذاتيا وليس صفاتيا أعني هذا الإسم الجامع لأحوال الدين ومقاماته العبودية الذي هو الإسلام هو مشرب ذاتي لذا أُمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون أوّل المسلمين وأوّل العابدين لأنّ أوّل العابدين هو أوّل المسلمين ( فافهم ).
من هنا ندرك حقائقا وأمورا بعد بعثته عليه الصلاة والسلام في كون آل بيته هم منه صلى الله عليه وسلّم لكنّهم من إبنته فاطمة عليها السلام فكان ميراث النبوّة في آل بيته لكن على وجه الخصوصيات من مقامات فجميع مقامات آل البيت الشريف هي حقّ لا مرية فيه وأغلب طرق أهل الله تعالى أسّسها مشايخ من آل البيت الأشراف وهناك طرق أخرى أيضا أسّسها من ليس هو من آل البيت نسبا ولكنّه روحا من آل البيت كما قال عليه الصلاة والسلام :" سلمان منّا آل البيت " رغم كونه فارسيّا فهي نسبة معنوية وليس صلبية. فكلامنا هنا عن النسبة الصلبية التي ضلّ بها أقوام نُسِب إليهم سوء أدب مع نسبته صلى الله عليه وسلّم الروحية المعنوية إذ أنّه أبو الأرواح صلى الله عليه وسلّم هذا كي تعلم كون آل بيته تابعين حضرته المحمّدية أمّا من لم يكونوا من آل بيته فهم تابعون للحضرة العلية على المنهاج والسير المحمّدي ومنهم كبار الصحابة الكرام كالصدّيق أبي بكر وعمر وعثمان وأبي ذرّ وغيرهم رضي الله تعالى عن جميعهم. من هنا تمازيت طرق أهل الله تعالى من حيث الإرث فيها ومن حيث المشيخة فيها وهي وإن كانت كلّها تدلّ على الله تعالى وكلّها غايتها واحدة وسيرها واحد إلاّ أنّ لكلّ واحدة منها خصائصا لا توجد في الطريقة الأخرى. لكن الذي أردت قوله كون الطريق متى كان سرّ المشيخة والإمامة فيها متوارث يكون فيها العارفون بالله تعالى كثيرون قال سيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه: " برّكت أربعة آلاف عارف كلّهم يدلون على الله تعالى " وقال سيدي محمّد المداني رضي الله عنه وهو وارث سرّ الشاذلية في زمانه : " لقد فتح الله تعالى على أربعين فقيرا من فقراء سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه في زيارة واحدة للشيخ أحمد العلاوي رضي الله عنه". لهذا اشتهرت الطريقة العلاوية في العالم أجمع لأنّها طريقة سلوك وليس تبرّك فأصل الطرق للسلوك ليس أكثر وهناك الكثير من الناس من يظنّ كون العارف إذا وصل إلى الحقيقة المحمّدية فهو شيخ كامل رغم كونه وهو في ذلك المقام غير مفتوح عليه بالفتح الكبير وهو مقام البقاء بعد الفناء قال تعالى: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ). هذا وقد يجرّنا الموضوع إلى ذكر حضرات الأنبياء وما فيها من خصائص ظاهرة مذكورة في القرآن وكذلك أحوالهم ومشاربهم فهي ظاهرة في القرآن غاية الظهور فإنّه ليس بعد كتاب الله تعالى مصدر علم إلاّ ما كان من السنّة التي تفسّر وتفصّل هذا القرآن فأهل القرآن هم أهل الله وخاصّته. فذكر خصوصيات المقامات والطرق وحقائقها ليس فيه بأس فما أمرنا ولا أشرنا إلى ترك طرق الصالحين ولا إلى استنقاص شيخ أو فقير أو مدد أو علم فما بالك بالاستنقاص من طرق كمّل المشايخ من كبار العارفين بالله تعالى فأيّ سماء تظلّني بعد ذلك أو أرض تقلّني وإنّما هو حديث عن الطرق بصفة عامّة وذكر بعضا من حقائقها الجزئية وليس الكليّة إذ لو أخرج عارف قادري أو تيجاني أو نقشبندي ما اختصّه الله تعالى به من الفهم والعلم والتوحيد والتفريد لربّما سكتّ أنا وشيخي أبد الدهر. وإني لمّا زرت القاهرة وذهبت إلى بيت سيدي أحمد محمّد الحافظ التيجاني رضي الله عنه رأيت عنده في الزاوية هناك ليلا مشايخا كبارا لو لم يكن في مصر إلاّ هم لكفَوْها لكنّها تبقى مباحث تفصيلية لا تستدعي من إخواني كلّ ذاك التهويل من كوني أصدّ الناس عن أشياخ التربية وعن العارفين وكون كلامي يستحقّ الغربلة وأنّه من كلام المنتديات ...إلخ. فلا يجب أن يصل التهويل إلى هذه الدرجة فالعبد الفقير ما نطقت كفرا ولا وقعت في شيخ ولا استنقصت من طريقة أبدا وهذه كتاباتي معلومة وموجودة فليرجع إليها من يريد أن يقف على جملة فلسفتي حول التصوّف بصفة عامّة ومذهبي فيه خصوصا موضوعي:" التجاوزات بتوزيع الرتب والمقامات " فكيف بمن يتّهمنا بما يتّهمنا به وهو يقرأ في موضوعنا " التجاوزات " إنّ هذا لشيء عجاب. ولكن عندما يسوء الظنّ بسبب سوء الفهم تكثر الدعوى ويلبّس الحقّ بالباطل ويقع العبد في الشيء الذي فرّ منه إذ لولا وجود مسألة الخصوصيات في قلب المعترض وفكره لما أحسّ بها وإنما لما كانت عنده مسألة محورية اعترض عن الحديث في الخصوصيات لكي لا يسمع ولا يقرأ ما لا يأتي على غير مزاعمه وما أبرئ نفسي إنّ النفس أمارة بالسوء ولا أدّعي كوني عالما ولا عارفا بل كلامي ليس بحجّة ولا هو قرآن يؤخذ منه ويردّ رغم كوني أميل إلى الأدلّة والحجج في كلّ موضوع. فلا يجرّني عدم الموافقة على معنى أو موضوع إلى الوقوع في عرض صاحبه واتهامه بما ليس فيه وكون كلامه يحتاج إلى غربلة وأنّه كلام منتديات وأنّه مكتوب لغير وجه الله تعالى وأنّه صدّ عن الحقّ فما هكذا تورد الإبل يا سعد ولا ينفع التهويل فيما ليس هو بكفر ولا زندقة ولا شرك ولا بدعة بل لو أخرجنا ما في كتب السادّة من كلامهم ما كتبوه في حقّهم من مديح وثناء وفي حقّ طرقهم ممّا يذكرون فيه خصائصهم لعمّ الإنتفاع بنور كلامهم .. نعم الأصل أن لا تذكر الخصائص والمقامات والتفضيلات لذاته وهذا العبد الفقير الذي انتهجه منهجا فلا أذكر إن شاء الله تعالى خصوصية أو مقام إلا يكون الغرض منه توجيه المسلمين نحو حضرة ربّهم. مرّة كنت في لقاء مع فقراء لا أذكر إسم شيخهم وكان شيخهم شاذليا فكان هذا المقدّم طوال اللقاء ينشد في قصائد مدح خير خلق الله صلى الله عليه وسلّم فقلت له يا سيدي إلى متى سنبقى في الحضرة المحمّدية هيا اعرج بنا إلى الحضرة الإلهية فغضب واحمرّ لونه وكأنّي كفرت والعياذ بالله تعالى ورفض ذلك فقلت له حينها : يا سيدي الحضرة المحمّدية مرحلة من مراحل السير وليس هي كلّ السير ..إلخ. لكن قد لا يفهم هذا الكلام إلاّ قلّة من الخلق فربّما يفهمون كونه الجفاء والعزوف عن الإتصال بالنبيّ عليه الصلاة والسلام أو ميل الى تقليل الصلاة والسلام عليه أو التقليل من محبّتة رغم كون هذا كلّه ليس مقصودا ولا يجوز أو يحلّ أو يمكن أن يقصده مسلم وهذا معلوم ضرورة , طبعا هذا كلام عام وليس خاصّا ولا يعني أحدا غيري. لهذا يا إخواني يجب أن يتعيّن الفهم ويغلب حسن الظنّ على القلوب والعقول فحسن الظنّ جميل ولو كنت مخطئا ولكن سوء الظنّ سيء ولو كنت محقّا فهل يرضيك ان تجرّح في إخوانك وتعرض بهم هل يفرحك هذا أم أنه يشفي غليلك ؟ هل سيجزيك الله تعالى على ذلك ؟ أم كون النصيحة تكون فضيحة ؟ وتكون بالتعريض والاتهام والتنقيص ؟ أم كونك لا تلومك في الله لومة لائم بحسب ظنّك ؟ ولا تلومك في الحق لومة ؟ فأين حدود الأدب إذن في طريق التصوّف الذي يرفع شعاره ؟ فهل أسألت العبد الفقير الأدب مع الأولياء رضي الله تعالى عنهم في ذكر بعض نواميس طرقهم وترتيباتها التربوية ؟ أقول : هذا تلبيس نفس وإلاّ من رجع إلى الله تعالى يرى بنور قلبه الحقّ من الباطل ولو كان هذا الحقّ أمر فرعي لا حاجة للناس به ولكنه يبقى حقّ في تلك الشاكلة ولا أدعي كوني أقول الحقّ ولكني أكره التعريض بالآخرين فهم مجازون على اجتهادهم ولو أخطأوا في معرفة علوم وفنون التصوّف وهي على كلّ تبقى مباحث لا تضرّ أحدا و لا تخرجه عن الملّة. فهذا شيخ الإسلام سيدي إبراهيم الرياحي رضي الله عنه كان شاذليا كبيرا فلمّا سمع بما عليه الطريقة التيجانية في زمان صاحبها انتسب إليه وأخذ الطريق عليه ودخل الى الطريقة التيجانية فهل قدح ذلك في إيمانه من شيء ؟ لكنّنا لا ندعو أحدا ولا نأمر فقيرا بالخروج من طريقة ودخول في طريقة أخرى إلا إذا كانت الطريقة التي هو فيها طريقة تبرّك وليس طريقة سلوك فيتعيّن هنا البحث عن الشيخ المأذون والموصّل إلى الله تعالى. في أجوبتي على أسئلة سيدي فارس النور ذكرت ذلك بتفصيله فمن شاء فليرجع إليها فهي نافعة إن شاء الله تعالى في بابها لهذا قلت العبد الفقير لا يجوز أن تقرأ لي موضوعا فتحكم به عليّ فهذا ظلم بل إقرأ مذهبي كلّه في التصوّف كي تفهم فلسفتي فيه كما لك فلسفتك فيه والسلام. لا يعترض على كلامي في موضوع " الطرق الصوفية " إلا صاحب دعوى أما الصادق فسيقول الحمد لله على وجود النسبة الالهية والحمد لله على وجودنا فيها اما الذي تحسس من ذكر الخصائص فاعلم انه صاحب دعوى والفاهم سيفهم حتما.
الكلمات المفتاحية :
الطرق الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: