معرفة التدليس وحكم المدلس و الشاذ
معرفة التدليس وحكم المدلس و الشاذ
التدليس قسمان :
أحدهما: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهما أنه سمعه منه. أو: عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه. ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر.
ومن شأنه أن لا يقول في ذلك أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما. وإنما يقول قال فلان، أو: عن فلان ونحو ذلك.
مثال ذلك: ما روينا عن علي بن خشرم قال: كنا عند بن عيينة، فقال: قال
الزهري، فقيل له: حدثكم الزهري ؟ فسكت، ثم قال: قال الزهري، فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري.
القسم الثاني: تدليس الشيوخ، وهو: أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه، فيسميه، أو يكنِّيه، أو ينسبهُ، أو يصفهُ بما لا يَعرف به، كي لا يُعرف.
مثاله: ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد، الإمام المقري: أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال: حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله. وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقَّاش المفسر المقري، فقال: حدثنا محمد بن سند، نسبه إلى جدٍ له، والله أعلم.
أما القسم الأول: فمكروه جدا، ذمَّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذما له. فروينا عن الشافعي الإمام رضي الله عنه أنه قال: التدليس أخو الكذب. وروينا عنه أنه قال: لأن أزني أَحبُ إليِّ من أن أُدلَّس. وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير.
ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس: فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك، وقالوا: لا تُقبل روايته بحال، بَّين السماع أو لم يبِّين.
والصحيح التفصيل: وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبِّين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه. وما رواه بلفظ مبين للاتصال، نحو سمعت، وحدثنا، وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول مُحتج به.
وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا: كقتادة، والأعمش، والسفيانين، وهشام بن بشير، وغيرهم.
وهذا لأن التدليس ليس كذبا، وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل.
والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبِّين قد أجراه الشافعي رضي الله عنه فيمن عرفناه دلَّس مرة، والله أعلم.
وأما القسم الثاني: فأمره أخف، وفيه تضييع للمروي عنه، وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته.
ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه، فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غَّير سمته غير ثقة، أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه، أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه، أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخصٍ واحدٍ على صورةٍ واحدةٍ.
وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين، منهم الخطيب أبو بكر، فقد كان لهَجِا به في تصانيفه، والله أعلم.
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي رحمه الله: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس.
وحكى الحافظ أبو يَعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز. ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة. فما كان، عن غير ثقة فمتروك لا يُقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحُتج به.
وذكرالحاكم أبو عبد الله الحافظ: أن الشاذ هو الحديث الذي يتَّفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. وذكر أنه يغاير المعلَّل من حيث أن المعلِّل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك.
قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول.
وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث: «إنما الأعمال بالنيات» فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه، عن رسول الله . ثم تَّفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد، على ما هو الصحيح عند أهل الحديث.
وأوضح من ذلك في ذلك: حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي نهى عن بيع الولاء وهبته. تَّفرد به عبد الله بن دينار.
وحديث مالك، عن الزهري، عن أنس: أن النبي دخل مكة وعلى رأسه مغفر. تَّفرد به مالك عن الزهري.
فكل هذه مخرجة في الصحيحين، مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تَّفرد به ثقة. وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة. وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو تسعين حرفا، يرويه عن النبي ، لا يشاركه فيها أحد، بأسانيد جياد. والله أعلم.
فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم، بل الأمر في ذلك على تفصيل نبيه فنقول:
إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المُنفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة.وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له، مزحزحا له عن حيز الصحيح.
ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال: فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تَّفرده استحسنَّا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف. وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
التدليس قسمان :
أحدهما: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهما أنه سمعه منه. أو: عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه. ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر.
ومن شأنه أن لا يقول في ذلك أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما. وإنما يقول قال فلان، أو: عن فلان ونحو ذلك.
مثال ذلك: ما روينا عن علي بن خشرم قال: كنا عند بن عيينة، فقال: قال
الزهري، فقيل له: حدثكم الزهري ؟ فسكت، ثم قال: قال الزهري، فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري.
القسم الثاني: تدليس الشيوخ، وهو: أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه، فيسميه، أو يكنِّيه، أو ينسبهُ، أو يصفهُ بما لا يَعرف به، كي لا يُعرف.
مثاله: ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد، الإمام المقري: أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال: حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله. وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقَّاش المفسر المقري، فقال: حدثنا محمد بن سند، نسبه إلى جدٍ له، والله أعلم.
أما القسم الأول: فمكروه جدا، ذمَّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذما له. فروينا عن الشافعي الإمام رضي الله عنه أنه قال: التدليس أخو الكذب. وروينا عنه أنه قال: لأن أزني أَحبُ إليِّ من أن أُدلَّس. وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير.
ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس: فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك، وقالوا: لا تُقبل روايته بحال، بَّين السماع أو لم يبِّين.
والصحيح التفصيل: وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبِّين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه. وما رواه بلفظ مبين للاتصال، نحو سمعت، وحدثنا، وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول مُحتج به.
وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا: كقتادة، والأعمش، والسفيانين، وهشام بن بشير، وغيرهم.
وهذا لأن التدليس ليس كذبا، وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل.
والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبِّين قد أجراه الشافعي رضي الله عنه فيمن عرفناه دلَّس مرة، والله أعلم.
وأما القسم الثاني: فأمره أخف، وفيه تضييع للمروي عنه، وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته.
ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه، فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غَّير سمته غير ثقة، أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه، أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه، أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخصٍ واحدٍ على صورةٍ واحدةٍ.
وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين، منهم الخطيب أبو بكر، فقد كان لهَجِا به في تصانيفه، والله أعلم.
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي رحمه الله: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس.
وحكى الحافظ أبو يَعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز. ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة. فما كان، عن غير ثقة فمتروك لا يُقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحُتج به.
وذكرالحاكم أبو عبد الله الحافظ: أن الشاذ هو الحديث الذي يتَّفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. وذكر أنه يغاير المعلَّل من حيث أن المعلِّل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك.
قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول.
وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث: «إنما الأعمال بالنيات» فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه، عن رسول الله . ثم تَّفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد، على ما هو الصحيح عند أهل الحديث.
وأوضح من ذلك في ذلك: حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي نهى عن بيع الولاء وهبته. تَّفرد به عبد الله بن دينار.
وحديث مالك، عن الزهري، عن أنس: أن النبي دخل مكة وعلى رأسه مغفر. تَّفرد به مالك عن الزهري.
فكل هذه مخرجة في الصحيحين، مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تَّفرد به ثقة. وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة. وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو تسعين حرفا، يرويه عن النبي ، لا يشاركه فيها أحد، بأسانيد جياد. والله أعلم.
فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم، بل الأمر في ذلك على تفصيل نبيه فنقول:
إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المُنفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة.وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له، مزحزحا له عن حيز الصحيح.
ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال: فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تَّفرده استحسنَّا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف. وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف. والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم.
الكلمات المفتاحية :
اعجاز الحديث النبوي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: