الفقه الحنبلي - الوقف - الحاضر - الغبن
{ مسألة } (وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين وفيه وجه آخر أنه كالعتق لانه تصرف يبطل الشفعة فأشبه العتق) والصحيح أن حكمه حكم البيع فيما ذكرنا لان المبيع يتعلق به حق البائع فقلنا يمنع جواز التصرف
فمنع صحة الوقف كالرهن ويفارق الوقف العتق لانه مبني على التغليب والسراية بخلاف الوقف ولا
نسلم أن الوقف يبطل الشفعة والله أعلم { مسألة } (وان وطئ المشتري الجارية فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر ثابت النسب) لا يجوز للمشتري وطئ الجارية في مدة الخيار إذا كان الخيار لهما أو للبائع وحده لانه يتعلق بها حق البائع فلم يصح وطئها كالمرهونة ولا نعلم في هذا خلافا، فان وطئها فلا حد عليه لان الحد يدرأ بشبهة الملك فبحقيقته أولى ولا مهر لها لانها مملوكته، وان علقت منه فالولد حر يلحقه نسبه لانه من امته ولا يلزم قيمته لذلك وتصير أم ولد له، فان فسخ البائع البيع رجع بقيمتها لانه تعذر الفسخ فيها ولا يرجع بقيمة ولدها لانه حدث في ملك المشتري، وان قلنا إن الملك لا ينتقل إلى المشتري فلا حد عليه أيضا لان له فيها شبهة لوجود سبب نقل الملك إليه فيها، واختلاف أهل العلم في ثبوت الملك له، والحد يدرأ بالشبهات وعليه المهر وقيمة الولد وحكمهما حكم نمائهما، وان علم التحريم وان ملكه غير ثابت فولده رقيق { مسألة } (وان وطئها البائع وقلنا البيع ينفسخ بوطئه فكذلك، وان قلنا لا ينفسخ فعليه المهر وولده رقيق إلا إذا قلنا الملك له ولا حد فيه على كل حال) وقال أصحابنا عليه الحد إذا علم زوال ملكه وأن البيع لا ينفسخ بوطئه وهو المنصوص، وأما البائع فلا يحل له الوطئ قبل فسخ البيع، وقال بعض الشافعية له وطؤها لان البيع ينفسخ بوطئه فان كان الملك انتقل رجعت إليه، وان لم يكن انتقل انقطع حق المشتري منها فيكون واطئا لمملوكته التي لا حق لغيره فيها، ولنا أن الملك انتقل عنه فلم يحل له وطؤها لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولان ابتداء الوطئ يقع في غير ملكه حراما، ولو انفسخ البيع قبل وطئه لم يحل حتى يستبرئها ولاحد عليه، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وقال بعض أصحابنا ان علم التحريم وان مكله قد زال ولا ينفسخ بالوطئ فعليه الحد، وذكر أن أحمد نص عليه لانه لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك.
ولنا أن ملكه
يحصل بابتداء وطئه فيحصل تمام الوطئ في ملكه مع اختلاف العلماء في كون الملك له وحل الوطئ له
ولا يجب الحد مع واحدة من هذه الشبهات فكيف إذا اجتمعت مع انه يحتمل ان يحصل الفسخ باللامسة قبل الوطئ فيكون الملك قد رجع إليه قبل وطئه، ولهذا قال أحمد في المشتري إنها قد وجبت عليه فيما إذا مشطها أو خضبها أو حفها فبوضع يده عليها للجماع ولمس فرجها أولى، وعلى هذا يكون ولده منها حرا ثابت النسب ولا يلزمه قيمته ولا مهر عليه، وتصير أم ولد له، وقال أصحابنا ان علم التحريم فولده رقيق لا يلحقه نسبه، وان لم يعلم لحقه النسب وولده حر وعليه قيمته يوم الولادة وعليه المهر ولا تصير أم ولد له لانه وطئها في غير ملكه (فصل) ولا بأس بنقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار وهو قول أبي حنيفة والشافعي وكرهه مالك قال لانه في معنى بيع وسلف إذا أقبضه الثمن ثم تفاسخا البيع صار كأنه أقرضه إياه.
ولنا ان هذا الحكم من أحكام البيع فجاز في مدة الخيار كالاجارة وما ذكره لا يصح لاننا لا نجيز له التصرف فيه { مسألة } (ومن مات منهم بطل خياره ولم يورث) إذا مات أحد المتبايعين في مدة الخيار بطل خياره في ظاهر المذهب، ويبقى خيار الآخر بحاله الا أن يكون الميت قد طالب بالفسخ قبل موته فيكون لورثته، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ويتخرج ان الخيار لا يبطل، وينتقل إلى ورثته لانه حق مالي فينتقل إلى الوارث كالاجل وخيار الرد بالعيب ولانه حق فسخ فينتقل إلى الوارث كالفسخ بالتحالف، وهذا قول مالك والشافعي.
ولنا انه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة { فصل } (الثالث) خيار الغبن ويثبت في ثلاث صور (إحداها) إذا تلقى الركبان فباعهم أو اشترى منهم فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا انهم قد غبنوا غبنا يخرج عن العادة، روي انهم كانوا يتلقون الاجلاب فيشترون منهم الامتعة قبل أن يهبطوا الا سواق فربما غبنوهم غبنا بينا فيضروا بهم وربما أضروا باهل البلد لان الركبان إذا وصلوا باعوا امتعتهم والذين يتلقونهم لا يبيعونها سريعا ويترابصون بها السعة فهو في معنى بيع الحاضر للبادي فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد " وعن أبي هريرة مثله متفق عليهما، وكرهه اكثر العلماء منهم عمر بن عبد العزيز ومالك والليث والاوزاعي والشافعي واسحاق
وحكى عن أبي حنيفة أنه لم ير بذلك بأسا، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع فان خالف وتلقى الركبان واشترى منهم فالبيع صحيح في قول الجميع قاله ابن عبد البر، وعن أحمد أن البيع باطل لظاهر النهي والاول اصح لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار " رواه مسلم والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح، ولان النهي لا لمعنى في البيع بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها باثبات الخيار فأشبه بيع المصراة وفارق
بيع الحاضر للبادي فانه لا يمكن استدراكه بالخيار إذ ليس الضرر عليه انما هو على المسلمين، إذا تقرر هذا فللبائع الخيار إذا علم أنه قد غبن، وقال أصحاب الرأي لا خيار له وقد روينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ولا قول لاحد مع قوله، وظاهر المذهب انه لاخيار له الا مع الغبن لانه انما يثبت لاجل الخديعة ودفع الضرر عن البائع ولا ضرر مع عدم الغبن وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحمل اطلاق الحديث في اثبات الخيار على هذا لعلمنا بمعناه ومراده ولان النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار إذا أتى السوق فيفهم منه انه أشار إلى معرفته بالغبن في السوق ولولا ذلك لكان الخيار له من حين البيع، وظاهر كلام الخرقي ان الخيار يثبت له مجرد الغبن وان قل والاولى أن يتقيد بما يخرج عن العادة لان ما دون ذلك لا ينضبط، وقال أصحاب مالك انما نهي عن تلقي الركبان لما يفوت به من الرفق باهل السوق لئلا ينقطع عنهم ماله جلسوا من ابتغاء فضل الله، قال ابن القاسم فان تلقاها متلق فاشتراها عرضت على أهل السوق فيشتركون فيها، وقال الليث بن سعد يباع في السوق وهذا مخالف لمدلول الحديث فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للبائع إذا هبط السوق ولم يجعلوا له خيار أو جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار له يدل على أن النهي عن التلقي لحقه لا لحق غيره، ولان الجالس في السوق كالمتلقي في أن كل واحد منهما مبتغ لفضل الله ولا يليق بالحكمة فسخ عقد أحدهما والحاق الضرر به دفعا للضرر عن مثله، وليس رعاية حق الجالس أولى من رعاية حق المتلقي، ولا يمكن اشتراك أهل السوق كلهم في سلعته فلا يعرج على مثل هذا (فصل) فان تلقاهم فباعهم شيئا فهو كمن اشترى منهم ولهم الخيار إذا غبنهم غبنا يخرج عن العادة
وهذا احد الوجهين للشافعية وقالوا في الآخر النهي عن الشراء دون البيع فلا يدخل البيع فيه وهذا مقتضى قول أصحاب مالك لانهم عللوه بما ذكرنا عنهم ولا يتحقق ذلك في البيع لهم.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا تلقوا الركبان " والبائع داخل فيه ولان النهي عنه لما فيه من خديعتهم وغبنهم، وهذا في البيع كهو في الشراء، والحديث قد جاء ملطقا، ولو كان مختصا بالشراء لالحق به ما في معناه وهذا في معناه (فصل) فان خرج لغير قصد التلقي فلقي ركبا فقال القاضي: ليس له الابتياع منهم ولا الشراء وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي، ويحتمل أن لا يحرم عليه ذلك وهو قول الليث بن سعد والوجه الثاني لاصحاب الشافعي لانه لم يقصد التلقي فلم يتناوله النهي ولانه نادر فلا يكثر ضرره كمن يقصد ذلك ووجه الاول انه انما نهي عن التلقي دفعا للخديعة والغبن عنهم وذلك متحقق سواء قصد التلقي أو لم يقصده فأشبه ما لو قصد { مسألة } (الثانية النجش وهو أن يزيد في السلعة من يريد شراها ليغر المشتري فله الخيار إذا غبن)
النجش حرام وخداع قال البخاري الناجش آكل ربا خائن وهو خداع باطل لا يحل لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش متفق عليه، ولان في ذلك تغريرا بالمشتري وخديعة له، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الخديعة في النار " فان اشترى مع النجش فالشراء صحيح في قول أكثر العلماء منهم الشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد أن البيع باطل اختاره أبو بكر وهو قول مالك لان النهي يقتضي الفساد.
ولنا أن النهي عاد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع ولان النهي لحق آدمي فلم يفسد العقد كبيع المدلس، وفارق ماكان لحق الله تعالى فان حق الآدمي يمكن جبره بالخيار أو زيادة في الثمن، لكن إن كان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله فللمشتري الخيار بين الفسخ والامضاء كما في تلقي الركبان فان كان يتغابن بمثله فلا خيار له، وسواء كان النجش بمواطأة من البائع أو لم يكن، وقال أصحاب الشافعي ان لم يكن ذلك بمواطأة من البائع وعلمه فلا خيار،
واختلفوا فيما إذا كان بمواطأة منه فقال بعضهم لاخيار للمشتري لان التفريط منه حيث اشترى ما لايعرف قيمته.
ولنا أنه تغرير بالعاقد فإذا غبن ثبت له الخيار كما في تلقي الركبان، وبذلك يبطل ما ذكروه ولو قال البائع أعطيت بهذه السلعة ما لم يعط فصدقه المشتري ثم كان كاذبا فالبيع صحيح وللمشتري الخيار أيضا لانه في معنى النجش { مسألة } (الثالثة المسترسل إذا غبن الغبن المذكور) يعني إذا غبن غبنا يخرج عن العادة كما ذكرنا في تلقي الركبان، والنجش يثبت له الخيار بين الفسخ والامضاء، وبه قال مالك قال ابن أبي موسى وقد قيل قد لزمه البيع ولا فسخ له وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لان نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد كغير المسترسل وكالغبن اليسير.
ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان.
فاما غير المسترسل فانه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالعيب وكذا لو استعجل فجهل مالو تثبت لعلمه لم يكن له خيار لانه انبنى على تفريطه وتقصيره، والمسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة قال أحمد: المسترسل الذي لا يحسن أن يما كس وفي لفظ الذي لا يماكس فكأنه استرسل إلى البائع فأخذ ما اعطاه من غير مما كسة ولا معرفة بغبنه.
ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد، وحده أبو بكر في التنبيه وابن أبي موسى في الارشاد بالثلث وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " والثلث كثير " وقيل السدس والاولى تحديده بما لا يتغابن الناس به في العادة لان ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف (فصل) وإذا وقع البيع على غير متعين كقفيز من صبرة ورطل من دن فظاهر قول الخرقي انه يلزم بالتفرق سواء تقابضا أولا، وقال القاضي في موضع المبيع الذي لا يلزم إلا بالقبض كالمكيل والموزون فقد صرح بأنه لا يلزم قبل قبضه، وذكر في موضع آخر: من اشترى فقيزا من صبرتين فتلفت احداهما قبل القبض بطل العقد في التالف دون الباقي رواية واحدة، ولا خيار للبائع وهذا
تصريح باللزوم في حق البائع قبل القبض، وانه لو كان جائزا كان له الخيار سواء تلفت احداهما أو لم تتلف.
ووجه الجواز انه مبيع لا يملك بيعه ولا التصرف فيه فكان جائزا كما قبل التفرق، ولانه لو
تلف لكان من ضمان البائع.
ووجه اللزوم قول النبي صلى الله عليه وسلم " وان تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " وما ذكرناه للقول الاول ينتقض ببيع الموصوف والسلم فانه لازم مع ما ذكرناه وكذلك سائر البيع في احدى الروايتين.
(فصل) قال رضي الله عنه (الرابع خيار التدليس بما يزيد الثمن كتصرية اللبن في الضرع وتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده وجمع ماء الرحى وارساله عند عرضها فهذا يثبت للمشتري خيار الرد) التصرية جمع اللبن في الضرع يقال صرى الشاة وصرى اللبن في ضرع الشاة بالتشديد والتخفيف ويقال صرى الماء في الحوض، وصرى الطعام في فيه وصرى الماء في ظهره إذا ترك الجماع وأنشد أبو عبيدة: رأيت غلاما قد صرى في فقرته * ماء الشباب عنفوان شرته قال البخاري أصل التصرية حبس الماء.
يقال صريت الماء ويقال للمصراة المحفلة وهو من الجمع أيضا ومنه سميت مجامع الناس محافل، والتصرية حرام إذا أريد بها التدليس على المشتري لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصروا الابل " وقوله " من غشنا فليس منا " وروى ابن ماجه باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم " وراه ابن عبد البر " ولا تحل خلابة مسلم " فمن اشترى مصراة من بهيمة الانعام وهو لا يعلم تصريتها ثم علم فله الخيار في الرد والامساك روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وأنس واليه ذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وأبو يوسف وعامة أهل العلم، وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا خيار له لان ذلك ليس بعيب بدليل أنها لو لم تكن مصراة فوجدها أقل لبنا من أمثالها لم يملك ردها، والتدليس بما ليس بعيب لا يثبت الخيار كما لو علفها فانتفخ بطنها فظن المشتري أنها حامل ولنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تصروا الابل والغنم فمن ابتاعها فانه بخير النظرين بعد ان يحلبها ان شاء أمسك وان شاء ردها وصاعا من تمر " متفق عليه، وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها فمحا " رواه أبو داود ولانه تدليس بما يختلف الثمن باختلافه فوجب به الرد كالشمطاء إذا سود شعرها،
وبه يبطل قياسهم فان بياضه ليس بعيب كالكبر، وإذا دلسه ثبت له الخيار، وأما انتفاخ البطن فقد يكون لغير الحمل فلا معنى لحمله عليه وعلى أن هذا القياس يخالف النص واتباع قول النبي صلى الله عليه وسلم أولى، إذا ثبت هذا فانما يثبت الخيار إذا لم يعلم المشتري بالتصرية فان كان عالما لم يثبت له خيار، وقال أصحاب الشافعي يثبت له الخيار في وجه للخبر ولان انقطاع اللبن لم يوجد وقد يبقى على حاله كما لو
تزوجت عنينا ثم طلبت الفسخ.
ولنا أنه اشتراها عالما بالتدليس فلم يكن له خيار كما لو اشترى من سود شعرها عالما بذلك ولانه دخل على بصيرة فلم يثبت له الرد كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه وبقاء اللبن على حاله نادر بعيد لا يعلق عليه حكم، والاصل الذي قاسوا عليه ممنوع (فصل) وكذلك كل تدليس يختلف الثمن لاجله مثل أن يسود شعر الجارية أو يجعده أو يحمر وجهها أو يضمر الماء على الرحى ويرسله عند عرضها على المشتري يثبت الخيار أيضا لانه تدليس يختلف الثمن باختلافه فأثبت الخيار كالتصرية، وبهذا قال الشافعي، ووافق أبو حنيفة في تسويد الشعر وقال في تجعيده لا يثبت به خيار لانه تدليس بما ليس بعيب أشبه ما لو سود أنامل العبد ليظنه كاتبا أو حدادا وما ذكروه ينتقض بتسويد الشعر، وأما تسويد أنامل العبد فليس بمنحصر في كونه كاتبا لانه يحتمل أن يكون قد ولع بالدواة أو كان غلاما لكاتب يصلح له الدواة فظنه كاتبا طمعا لا يستحق به فسخا، فان حصل هذا من غير تدليس مثل أن اجتمع اللبن في الضرع من غير قصد، أو احمر وجه الجارية لخجل أو تعب أو يسود شعرها بشئ وقع عليه، فقال القاضي له الرد أيضا لدفع الضرر اللاحق بالمشتري والضرر واجب الدفع سواء قصد أو لم يقصد أشبه العيب، ويحتمل أن لا يثبت الخيار بحمرة الوجه بخجل أو تعب لانه يحتمل ذلك فتعين ظنه من خلقته الاصلية لطمع فأشبه سواد أنامل العبد (فصل) وان دلسه بما لا يختلف به الثمن كتبييض الشعر وتسبيطه فلا خيار للمشتري لانه لا ضرر في ذلك، وان علف الشاة فظنها المشتري حاملا أو سود أنامل العبد أو ثوبه ليظنه كاتبا أو حدادا أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن فلا خيار له لان ذلك لا ينحصر فيما ظنه المشتري لان سواد الانامل قد يكون لو لع أو خدمة كاتب أو حداد أو شروع في الكتابة وانتفاخ
البطن يكون للاكل فظنه المشتري غير ذلك طمعا لا يثبت به الخيار (فصل) فان أراد امساك المدلس مع الارش لم يكن له ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل له في المصراة ارشا بل خيره بين الامساك والرد مع صاع من تمر ولان المدلس ليس بمعيب فلم يستحق له ارشا، فان تعذر عليه الرد بتلف فعليه الثمن لانه تعذر عليه الرد ولا ارش له أشبه غير المدلس، فان تعيب عنده قبل العلم بالتدليس فله رده ورد ارش العيب عنده وأخذ الثمن وان شاء امسك ولا شئ له، وان تصرف في المبيع بعد علمه بالتدليس بطل رده كما لو تصرف في المبيع، المعيب وان أخر الرد من غير تصرف فحكمه حكم تأخير رد المعيب على ما نذكره ان شاء الله { مسألة } (ويرد مع المصراة عوض اللبن صاعا من تمر فان لم يجد التمر فقيمته في موضعه سواء كانت ناقة أو بقرة أو شاة) إذا رد المصراة لزمه بدل اللبن في قول كل من جوز ردها وهو مقدر بصاع من تمر كما جاء في
الحديث، وهذا قول الليث وإسحاق والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور، وذهب مالك وبعض الشافعية إلى أن الواجب صاع من قوت البلد لان في بعض الاحاديث " ورد معها صاعا من طعام " وفي بعضها " ورد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا " فجمع بين الاحاديث وجعل تنصيصه على التمر لانه غالب قوت البلد في المدينة لانه غالب قوت بلد آخر، وقال أبو يوسف يرد قيمة اللبن لانه ضمان متلف فيقدر بقيمته كسائر المتلفات وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى، وحكي عن زفر أنه يرد صاعا من تمر أو نصف صاع بر كقولهم في الفطرة.
ولنا الحديث الصحيح الذي أوردناه وقد نص فيه على التمر فقال " ان شاء ردها وصاعا من تمر " وللبخاري " من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فان رضيها أمسكها وان سخطها ففي حلبها صاع من تمر " ولمسلم " ردها ورد صاعا من تمر لاسمرا " يعني لايرد قمحا والمراد بالطعام في الحديث التمر لانه مطلق في أحد الحديثين مقيد في الآخر في قضية واحدة، والمطلق فيما هذا سبيله يحمل على المقيد وحديث ابن عمر في روايته جميع بن عمير التيمي قال ابن نمير هو من اكذب الناس، وقال ابن حبان كان يضع الحديث مع أن الحديث متروك الظاهر بالاتفاق إذ لا قائل بايجاب مثل لبنها أو مثلي لبنها
قمحا ثم قد شك فيه الراوي مع مخالفة الحديث الصحيح فلا يعول عليه، وقياس أبي يوسف مخالف للنص فلا يقبل ولا يبعد أن يقدر الشارع بدل هذا المتلف قطعا للخصومة والتنازع كما قدر دية الآدمي ودية أطرافه، ولا يمكن حمل الحديث على أن الصاع كان قيمة اللبن، فلذلك أوجبه لوجوه ثلاثة (أحدها) أن القيمة هي الاثمان لا التمر (الثاني) أنه أوجب في المصراة من الابل والغنم جميعا صاعا من تمر مع اختلاف لبنها (الثالث) أن لفظه للعموم فيتناول كل مصراة ولا يتفق أن تكون قيمة لبن كل مصراة صاعا وان أمكن أن يكون كذلك فيتعين ايجاب الصاع لانه القيمة التي عين الشارع ايجابها فلا يجوز العدول عنها، ويجب أن يكون صاع التمر جيدا غير معيب لانه واجب باطلاق الشارع فينصرف إلى ما ذكرناه كالصاع الواجب في الفطرة، ويكفي فيه أدنى ما يقع عليه اسم الجيد، ولا فرق بين أن تكون قيمة التمر أقل من قيمة الشاة أو أكثر أو مثلها نص عليه وليس فيه جمع بين البدل والمبدل لان التمر بدل اللبن قدره الشارع به كما قدر في يدي العبد قيمته وفي يديه ورجليه قيمته مرتين مع بقاء العبد على ملك السيد، وان عدم التمر في موضعه فعليه قيمته في موضع العقد لانه بمنزلة عين أتلفها فيجب عليه قيمتها (فصل) ولا فرق بين الناقة والبقرة والشاة فيما ذكرنا، وقال داود لا يثبت الخيار بتصرية البقرة لان الحديث " لا تصروا الابل والغنم " فدل على ان ما عداهما بخلافهما ولان الحكم ثبت فيهما بالنص، والقياس لا تثبت به الاحكام.
ولنا عموم قوله " من اشترى مصراة ومن ابتاع محفلة " ولم يفصل والخبر فيه تنبيه على تصرية البقر لان لبنها أكثر وأنفع فيثبت بالتنبيه وهو حجة عند الجميع (فصل) إذا اشترى مصراتين أو أكثر في عقد فردهن رد مع كل مصراة صاعا وبه قال الشافعي وبعض المالكية، وقال بعضهم في الجميع صاع لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من
اشترى غنما مصراة فاحتلبها فان رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر ".
ولنا قوله " من اشترى مصراة " وهذا يتناول الواحدة ولان ما جعل عوضا عن شئ في صفقتين وجب إذا كان في صفقة واحدة كأرش العيب وأما الحديث فان الضمير فيه يعود إلى الواحدة { مسألة } (فان كان اللبن بحاله لم يتغير رده وأجزأه ويحتمل أن لا يجزئه إلا التمر)
إذا احتلبها واللبن بحاله ثم ردها مع لبنها فلا شئ عليه لان المبيع إذا كان موجودا فرده لم يلزمه بدله فان أبى البائع قبوله وطلب التمر فليس له ذلك إذا كان اللبن لم يتغير ويحتمل أن يلزمه قبوله لظاهر الخبر ولانه قد نقص بالحلب لان كونه في الضرع أحفظ له ولنا انه قدر على رد المبدل فلم يلزمه البدل كسائر المبدلات مع أبدالها.
والحديث المراد به رد التمر حالة عدم اللبن لقوله " في حلبتها صاع من تمر " وقولهم الضرع أحفظ له لا يصح لانه لا يمكن ابقاؤه في الضرع على الدوام لانه يضر بالحيوان، فان تغير اللبن ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه قبوله وهو قول مالك للخبر ولانه قد نقص بالحموضة أشبه تلفه (والثاني) يلزمه قبوله لان التعهد حصل باستعلام المبيع بتعين البائع وتسليطه على حلبه فلم يمنع الرد كلبن غير المصراة (فصل) فان رضي بالتصرية فأمسكها ثم وجد بها عيبا ردها به لان رضاه بعيب لا يمنع الرد لعيب آخر كما لو اشترى أعرج فرضي به فوجده أبرص فان رد لزمه صاع من تمر عوض اللبن لانه عوض به فيما إذا ردها بالتصرية فيكون عوضا له مطلقا (فصل) ولو اشترى شاة غير مصراة فاحتلبها ثم وجد بها عيبا فله الرد، ثم ان لم يكن في ضرعها لبن حال العقد فلا شئ عليه لان اللبن الحادث بعد العقد يحدث على ملكه، وان كان فيه لبن حال العقد إلا انه يسير لا يخلو الضرع من مثله عادة فلا شئ فيه لانه لا عبرة به ولا قيمة له في العادة، وإن كان كثيرا وكان قائما بحاله انبنى رده على رد لبن المصراة وقد سبق، فان قلنا ليس له رده فبقاؤه كتلفه، وهل له رد المبيع؟ يخرج على الروايتين فيما إذا اشترى شيئا فتلف بعضه أو تعيب فان قلنا برده رد مثل اللبن لانه من المثليات والاصل ضمانها بمثلها إلا انه خولف في لبن المصراة للنص ففيما عداه يبقى على الاصل، ولاصحاب الشافعي في هذا الفصل نحو مما ذكرنا (فصل) قال ابن عقيل إذا علم التصرية قبل حلبها مثل أن أقربه البائع أو شهد به من تقبل شهادته فله ردها ولا شئ معها لان التمر انما وجب بدلا للبن المحتلب ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فان رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبها صاع من تمر " ولم يأخذ لها ههنا لبنا فلم يلزمه رد شئ معها وهذا قول مالك، قال ابن عبد البر: هذا مما لا خلاف فيه
{ مسألة } (ومتى علم التصرية فله الرد، وقال القاضي ليس له ردها إلا بعد ثلاث) اختلف أصحابنا في مدة الخيار فقال القاضي هو مقدر بثلاثة أيام ليس له الرد قبل مضيها ولا
إمساكها بعدها فان أمسكها بعدها سقط الرد قال وهو ظاهر كلام أحمد وقول بعض أصحاب الشافعي لان أبا هريرة روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وان شاء ردها ورد معها صاعا من تمر " رواه مسلم، قالوا هذه الثلاثة قدرها الشارع لمعرفة التصرية فانها لا تعرف قبل مضيها لان لبنها في أول يوم لبن التصرية وفي الثاني يجوز أن يكون نقص لتغير المكان واختلاف العلف وكذلك الثالث، فإذا مضت الثلاث استبانت التصرية وثبت الخيار على الفور ولا يثبت قبل انقضائها، وقال أبو الخطاب متى تبينت التصرية جاز له الرد قبل الثلاث وبعدها لانه تدليس يثبت الخيار فملك الرد به إذا ظهر كسائر التدليس وهو قول بعض المدلسين، فعلى هذا فائدة التقدير في الخبر بالثلاث لان الظاهر انه لا يحصل العلم إلا بها فاعتبرها لحصول العلم ظاهرا، فان حصل العلم بها أولم يحصل فالاعتبار به دونها كما في سائر التدليس، وظاهر قول ابن أبي موسى انه متى علم التصرية ثبت له الخيار في الايام الثلاثة إلى تمامها وهو قول ابن المنذر وأبي حامد من الشافعية وحكاه عن الشافعي لظاهر حديث أبي هريرة فانه يقتضي ثبوت الخيار في الايام الثلاثة كلها، وقول القاضي لا يثبت في شئ منها، وقول أبي الخطاب يسوى بينها وبين غيرها، والعمل بالخبر أولى والقياس ما قاله أبو الخطاب قياسا على سائر التدليس { مسألة } (وان صار لبنها عادة لم يكن له الرد في قياس قوله: إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج لم يملك الرد.
وقال أصحاب الشافعي له الرد في أحد الوجهين للخبر ولان التدليس كان موجودا في حال العقد فأثبت الرد كما لو نقص اللبن.
ولنا ان الرد جعل لدفع الضرر بنقص الثمن ولم يوجد فامتنع الرد ولان العيب لم يوجد ولم تختلف صفة البيع عن حالة العقد فلم يثبت التدليس ولان الخيار يثبت لدفع الضرر ولا ضرر { مسألة } (فان كانت التصرية في غير بهيمة الانعام كالامة والاتان والفرس ثبت له الخيار في
أحد الوجهين) اختاره ابن عقيل وهو ظاهر مذهب الشافعي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من اشترى مصراة " ولانه تصرية بما يختلف به الثمن فأثبت الخيار كتصرية بهيمة الانعام لان الآدمية تراد للرضاع ويرغب فيها ظئرا، ولذلك لو اشترط كثرة لبنها فبان بخلافه ملك الفسخ، والفرس تراد لولدها (والثاني) لا يثبت به الخيار لان لبنها لا يعتاض عنه في العادة ولا يقصد كلبن بهيمة الانعام، والخبر ورد في بهيمة الانعام ولا يصح القياس عليه لذلك، واللفظ العام أريد به الخاص لانه أمر في ردها بصاع من تمر ولا يجب في لبن غيرها ولانه ورد عاما وخاصا في قضية واحدة فيحمل العام على الخاص فان قلنا بردها لم يلزمه بذل لبنها ولا يرد معها شيئا لان هذا اللبن لا يباع عادة ولا يعتاض عنه { مسألة } (ولا يحل للبائع تدليس سلعته ولا كتمان عيبها) لقوله عليه السلام " من غشنا فليس منا " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام " المسلم أخو المسلم لا يحل
لمسلم باع من أخيه بيعا إلا بينه " رواه ابن ماجه، فان فعل فالبيع صحيح في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي بدليل حديث التصرية فان النبي صلى الله عليه وسلم صححه مع نهيه عنه، وقال أبو بكر ان دلس العيب فالبيع باطل لانه منهي عنه والنهي عنه والنهي يقتضي الفساد، فقيل له ما تقول في التصرية؟ فلم يذكر جوابا فدل على رجوعه (فصل) قال رضي الله عنه (الخامس خيار العيب وهو النقص كالمرض وذهاب جارحة أو سن أو زيادتها ونحو ذلك، وعيوب الرقيق من فعله كالزنا والسرقة والاباق والبول في الفراش ان كان من مميز) العيوب النقائص الموجبة لنقص المالية في عادات التجار لان المبيع انما صار محلا للعقد باعتبار صفة المالية فما يوجب نقصا فيها يكون عيبا والمرجع في ذلك إلى العادة في عرف التجار، فالعيوب في الخلقة كالجنون والجذام والبرص والصمم والعمى والعور والعرج والعفل والقرن والفتق والرتق والقرع والطرش والخرس وسائر المرض والاصبع الزائدة والناقصة والحول والخوص والسبل وهو زيادة في الاجفان والتخنيث وكونه خنثى والخصاء والتزوج في الامة والبخر فيها وهذا كله قول أبي حنيفة والشافعي، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم في الجارية تشترى ولها زوج
أنه عيب، وكذلك الدين في رقبة العبد إذا كان السيد معسرا، والجناية الموجبة للقود، ولان الرقبة صارت كالمستحقة لوجوب الدفع في الجناية والبيع في الدين ومستحقة الاتلاف بالقصاص، والزنا والبخر عيب في العبد والامة وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ليس بعيب في العبد لانه لايراد للفراش والاستمتاع بخلاف الامة.
ولنا أن ذلك ينقص قيمته وماليته فانه بالزنا يتعرض لاقامة الحد عليه والتعزير ولا يأمنه سيده على عائلته؟ والبخر يؤذي سيده ومن جالسه أوساره، والسرقة والاباق والبول في الفراش عيوب في الكبير الذي جاوز العشر، وقال أصحاب أبي حنيفة في الذي يأكل وحده ويشرب وحده، وقال الثوري واسحاق ليس بعيب حتى يحتلم لان الاحكام تتعلق به من التكليف ووجوب الحد فكذلك هذا.
ولنا أن الصبي العاقل يتحرز من هذا عادة كتحرز الكبير فوجوده منه في تلك الحال يدل على ان البول لداء في بطنه، والسرقة والاباق لخبث في طبعه.
وحد ذلك بالعشر لامر النبي صلى الله عليه وسلم بتأديب الصبي على ترك الصلاة عندها والتفريق بينهم في المضاجع.
فأما من دون ذلك فتكون هذه الامور منه لضعف عقله وعدم تثبته، وكذلك إن كان العبد يشرب الخمر ويسكر من النبيذ نص عليه أحمد لانه يوجب الحد فهو كالزنا، وكذلك الحمق الشديد والاستطالة على الناس لانه يحتاج إلى التأديب وربما تكرر فأفضى إلى تلفه، ويختص الكبير دون الصغير لانه منصوب إلى فعله، وعدم الختان ليس بعيب في العبد الصغير لانه لم يفت وقته ولا في الامة الكبيرة وبه قال الشافعي، وقال أصحاب أبي حنيفة هو عيب فيها لانه زيادة ألم أشبهت العبد.
ولنا أنه لا يجب عليها والالم فيه يقل
ولا يخشى منه التلف بخلاف العبد الكبير، فأما الكبير فان كان مجلوبا من الكفار فليس ذلك بعيب فيه لان العادة أنهم لا يختنون فصار ذلك معلوما عند المشتري فهو كديتهم، وان كان مسلما مولدا فهو عيب فيه لانه يخشى عليه منه وهو خلاف العادة (فصل) والثيوبة ليست بعيب لانها الغالب على الجواري فالاطلاق لا يقتضي خلافها هذا اختيار القاضي، وقال ابن عقيل إذا اطلق الشراء اقتضى سلامتها من الثيوبة وبقاء البكارة، فالثيوبة اتلاف جزء والاصل عدم الاتلاف والثمن يختلف باختلافه فنقول جزء يختلف الثمن ببقائه وزواله فزواله
عيب كتلف بعض اجزائها.
وتحريمها على المشتري بنسب أو رضاع ليس بعيب إذ ليس في المحل ما يوجب خللا في المالية ولا نقصا والتحريم يختص به، وكذلك الاحرام والصيام لانهما يزولان قريبا وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا وكذلك عدة البائن.
فأما عدة الرجعية فهي عيب لان الرجعية زوجة لا يؤمن ارتجاعها، ومعرفة الغناء والحجامة ليس بعيب، وحكي عن مالك في الجارية المغنية انه عيب فيها لانه محرم.
ولنا انه ليس بنقص في عينها ولا قيمتها فهو كالصناعة وكونه محرما ممنوع وإن سلم فالمحرم استعماله لا معرفته، والعسر ليس بعيب وكان شريح يرد به ولنا أنه ليس بنقص وعمله باحدى يديه يقوم مقام عمله بالاخرى، والكفر ليس بعيب وبه قال الشافعي وهو عيب عند أبي حنيفة لانه نقص لقول الله تعالى (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) ولنا أن العبيد فيهم المسلم والكافر والاصل فيهم الكفر، فالاطلاق لا يقتضي خلاف ذلك وكون المؤمن خيرا من الكافر لا يقتضي كون الكفر عيبا كما ان المتقي خير من غيره، قال الله تعالى (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) وليس عدمه عيبا.
وكونه ولد زنا ليس بعيب وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة هو عيب في الجارية لانها تراد للافتراش بخلاف العبد، قلنا ان النسب في الرقيق غير مقصود بدليل انهم يشترون مجلوبين غير معروفي النسب.
وكون الجارية لا تحسن الطبخ أو الخبز ونحوه ليس بعيب لان هذا حرفة فلم يك فقدها عيبا كسائر الصنائع.
وكونها لا تحيض ليس بعيب، وقال الشافعي هو عيب إذا كان لكبر لان من لا تحيض لا تحمل.
ولنا ان الاطلاق لا يقتضي الحيض ولاعدمه فلم يكن فواته عيبا كما لو كان لغير الكبر { مسألة } (فمن اشترى معيبا لا يعلم عيبه فله الخيار بين الرد والامساك مع الارش وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن) من اشترى معيبا يعلم عيبه أو مدلسا أو مصراة وهو عالم فلا خيار له لانه بذل الثمن فيه عالما راضيا به عوضا أشبه ما لا عيب فيه لا نعلم خلاف ذلك، وإن علم به عيبا لم يكن عالما به فله الخيار بين الامساك والفسخ سواء كان البائع علم العيب فكتمه أو لم يعلم لا نعلم فيه خلافا ولان اثبات النبي صلى الله عليه وسلم الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ولان مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب بدليل ما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اشترى مملوكا فكتب " هذا ما اشترى محمد بن عبد الله من العداء بن خالد اشترى منه عبدا - أو أمة - لا دابة ولا غائلة بيع المسلم للمسلم " ولان الاصل السلامة والعيب حادث أو مخالف للظاهر، فعند الاطلاق يحمل عليها فمتى فاتت فات بعض مقتضى العقد فلم يلزمه أخذه بالعوض وكان له الرد وأخذ الثمن كاملا (فصل) فان اختار امساك المعيب واخذ الارش فله ذلك وبه قال اسحاق، وقال أبو حنيفة والشافعي ليس له الا الامساك أو الرد ولا أرش له الا أن يتعذر رد المبيع وروي ذلك عن أحمد حكاه صاحب المحرر لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل لمشتري المصراة الخيار بين الامساك من غير أرش أو الرد ولانه يملك الرد فلم يملك أخذ جزء من الثمن كالرد بالخيار.
ولنا أنه ظهر على عيب لم يعلم به فكان له الارش كما لو تعيب عنده ولانه فات عليه جزء من المبيع فكانت له المطالبة بعوضه كما لو اشترى عشرة أقفزة فبانت تسعة أو كما لو أتلفه بعد البيع، فأما المصراة فليس فيها عيب وانما ملك الخيار بالتدليس لا لفوات جزء وكذلك لا يستحق أرشا إذا تعذر الرد، إذا ثبت هذا فمعنى الارش أن يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا فيؤخذ قسط ما بينهما من الثمن.
مثاله أن يقوم المعيب صحيحا بعشرة ومعيبا بتسعة والثمن خمسة عشر فقد نقصه العيب عشر قيمته فيرجع على البائع بعشر الثمن وهو درهم ونصف، وعلة ذلك أن المبيع مضمون على المشتري بثمنه ففوات جزء منه يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن ولاننا لو ضمناه نقص القيمة أفضى إلى اجتماع الثمن والمثمن للمشتري فيما إذا اشترى شيئا بعشرة وقيمته عشرون فوجد به عيبا ينقصه عشرة فأخذها حصل له المبيع ورجع بثمنه، وهذا لاسبيل إليه وقد نص أحمد على ما ذكرناه.
وذكره الحسن البصري فقال يرجع بقيمة العيب في الثمن يوم اشتراه.
قال أحمد هذا أحسن ما سمعته { مسألة } (وما كسب فهو للمشتري وكذلك نماؤه المنفصل وعنه لا يرده الا مع نمائه) وجملة ذلك أنه إذا أراد رد المبيع فلا يخلو اما أن يكون بحاله أو أن يكون قد زاد أو نقص فان كان بحاله رده وأخذ الثمن، وان زاد بعد العقد أو حصلت له فائدة فذلك قسمان (أحدهما) أن تكون الزيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة والحمل والثمرة قبل الظهور فانه يردها بمائها فانه يتبع
في العقود والفسوخ (القسم الثاني) أن تكون الزيادة منفصلة وهي نوعان (أحدهما) أن تكون من غير المبيع كالكسب والاجرة وما يوهب له أو يوصى له به فهو للمشتري في مقابلة ضمانه لان المبيع لو هلك كان من مال المشتري وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " ولا نعلم في هذا خلافا وقد روى ابن ماجه باسناده عن عائشة أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ما شاء الله ثم وجد به عيبا فرده فقال يا رسول الله انه استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " رواه أبو داود وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم (النوع الثاني) أن تكون الزيادة من عين المبيع كالولد والثمرة واللبن فهي للمشتري أيضا ويرد
الاصل بدونها، وبهذا قال الشافعي الا أن الولد ان كان لآدمية لم يملك ردها دونه وسنذكر ذلك وعنه ليس له رده دون نمائه قياسا على النماء المتصل، والمذهب الاول لما ذكرناه من حديث عائشة وقال مالك، ان كان النماء ثمرة لم يردها، وان كان ولدا رده لان الرد حكم فسرى إلى الولد كالكتابة، وقال أبو حنيفة: النماء الحادث في يد المشتري يمنع الرد لانه لا يمكن رد الاصل بدونه لانه من موجبه فلا يرفع العقد مع بقاء موجبه، ولا يمكن رده معه لانه لم يتناوله العقد.
ولنا انه نماء حدث في ملك المشتري فلم يمنع الرد كما لو كان في يد البائع وكالكسب ولانه نماء منفصل فجاز رد الاصل بدونه كالكسب والثمرة عند مالك، وقولهم ان النماء من موجب العقد لا يصح انما موجبه الملك ولو كان موجبا للعقد لعاد إلى البائع بالفسخ، وقول مالك لا يصح، لان الولد ليس بمبيع فلا يمكن رده بحكم رد الام، ويبطل ما ذكره بنقل الملك بالهبة والبيع وغيرهما فانه لا يسري إلى الولد بوجوده في الام فان اشتراها حاملا فولدت عند المشتري فردها رد ولدها معها لانه من جملة المبيع والولادة نماء متصل، وإن نقص المبيع فسيأتي حكمه ان شاء الله تعالى { مسألة } (ووطئ الثيب لايمنع الرد وعنه يمنع) إذا اشترى أمة ثيبا فوطئها المشتري قبل علمه بالعيب فله ردها ولا شئ عليه روي ذلك عن زيد بن ثابت، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وعثمان البتي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يمنع الرد
يروي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال الزهري والثوري وأبو حنيفة واسحاق لان الوطئ كالجناية لانه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال فوجب أن يمنع الرد كوطئ البكر، وقال شريح والشعبي والنخعي وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى يردها ومعها ارش واختلفوا فيه فقال شريح والنخعي نصف عشر ثمنها، وقال الشعبي حكومة وقال سعيد بن المسيب دنانير، وقال ابن أبي موسى مهر مثلها وحكي نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكره ابن أبي موسى رواية عن أحمد لانه إذا فسخ صار واطئا في ملك الغير لكون الفسخ رفعا للعقد من أصله.
ولنا أنه معنى لا ينقص عينها ولا قيمتها ولا يتضمن الرضا بالعيب فلم يمنع الرد كالاستخدام وكوطئ الزوج.
وما قالوه يبطل بوطئ الزوج، ووطئ البكر ينقص ثمنها.
وقولهم يكون واطئا في ملك الغير لا يصح لان الفسخ رفع العقد من حينه لامن اصله بدليل انه لا يبطل الشفعة ولا يوجب رد الكسب فيكون وطؤه في ملكه (فصل) ولو اشتراها مزوجة فوطئها الزوج لم يمنع ذلك الرد بغير خلاف نعلمه، فان زوجها المشتري فوطئها الزوج ثم أراد ردها بالعيب فان كان النكاح باقيا فهو عيب حادث، وان كان قد زال فحكمه حكم وطئ السيد، وقد استحسن أحمد أنه يمنع الرد وهو محمول على الرواية الاخرى إذ لا فرق بين هذا وبين وطئ السيد، وان زنت في يد المشتري ولم يكن عرف ذلك منها فهو عيب حادث حكمه حكم العيوب الحادثة، ويحتمل أن يكون عيبا بكل حال لانه لزمها حكم الزنا في يد المشتري
{ مسألة } (وان وطئ البكر أو تعيبت عنده فله الارش، وعنه انه مخير بين الارش وبين الرد وارش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن) إذا وطئ المشتري البكر قبل علمه بالعيب ففيه روايتان (احداهما) لا يردها ويأخذ ارش العيب وبه قال مالك وابن سيرين والزهري والثوري والشافعي وأبو حنيفة واسحاق قال ابن أبي موسى وهو الصحيح عن أحمد (والرواية الاخرى) يردها ومعها شئ اختارها الخرقي وبه قال شريح وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي ومالك وابن أبي ليلى وأبو ثور، والواجب رد ما نقص قيمتها بالوطئ فإذا كانت قيمتها بكرا مائة وثيبا ثمانين رد معها عشرين لانه بفسخ العقد يصير مضمونا عليه بقيمته بخلاف
ارش العيب الذي يأخذه المشتري، وهذا قول مالك وأبي ثور، وقال شريح والنخعي يرد عشر ثمنها وقال سعيد بن المسيب يرد عشرة دنانير وما قلناه ان شاء الله أولى، واحتج من منع ردها بان الوطئ نقص عينها وقيمتها فمنع الرد كما لو اشترى عبدا فخصاه فنقصت قيمته، ووجه الرواية الاخرى انه عيب حدث عند أحد المتبايعين لا للاستعلام فيثبت معه الخيار كالعيب الحادث عند البائع قبل القبض (فصل) وكذلك كل مبيع كان معيبا ثم حدث به عيب عند المشتري قبل علمه بالاول ففيه روايتان (احداهما) ليس له الرد وله ارش العيب القديم، وبه قال الثوري وابن شبرمة والشافعي وأصحاب الرأى، وروي ذلك عن ابن سيرين والزهري والشعبي لان الرد يثبت لازالة الضرر، وفي الرد على البائع اضرار به ولا يزال الضرر بالضرر (والثانية) له الرد ويرد ارش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن وان شاء امسكه وله الارش، وبه قال مالك واسحاق وقال الحكم يرده ولم يذكر معه شيئا، ولنا حديث المصراة فان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بردها بعد حلبها ورد عوض لبنها ولانه روي عن عثمان أنه قضى في الثوب إذا كان به عوار يرده وان كان قد لبسه، ولانه عيب حدث عند المشتري فكان له الخيار بين رد المبيع وارشه وبين ارش العيب القديم كما لو حدث لا ستعلام المبيع ولان العيبين قد استويا والبائع قد دلس والمشتري لم يدلس فكان رعاية جانبه أولى، ولان الرد كان جائزا قبل حدوث العيب الثاني فلا يزول إلا بدليل وليس في المسألة اجماع ولا نص، والقياس انما يكون على أصل وليس لما ذكروه أصل فيبقى الجواز بحاله.
إذا ثبت هذا فانه يرد ارش العيب الحادث عنده لان المبيع بجملته مضمون عليه بقيمته فكذلك أجزاؤه.
فان زال العيب الحادث عنده رده ولا شئ معه على كلتا الروايتين وبه قال الشافعي لانه زال المانع مع قيام السبب المقتضي للرد فثبت حكمه، ولو اشترى أمة فحملت عنده ثم أصاب بها عيبا فالحمل عيب للآدميات دون غيرهن لانه يمنع الوطئ ويخاف منه التلف فان ولدت فالولد للمشتري، وان نقصتها الولادة فذلك عيب، وان لم تنقصها الولادة ومات الولد ردها لزوال
العيب فان كان ولدها باقيا لم يكن له ردها دون ولدها لما فيه من التفريق بينهما وهو محرم، وقال الشريف ابن جعفر وأبو الخطاب في مسائلهما له ردها دون ولدها وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لانه موضع
حاجة فاشبه مالو ولدت حرا فانه يجوز بيعها دون ولدها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " رواه الترمذي وقال حديث حسن ولانه أمكن منع الضرر باخذ الارش أو برد ولدها معها فلم يجز ارتكاب نهي الشرع بالتفريق بينهما كما لو أراد الاقالة فيها دون ولدها، وقولهم إن الحاجة داعية إليه قلنا قد اندفعت الحاجة باخذ الارش.
أما إذا ولدت حرا فلا سبيل إلى بيعه معها بحال ولو كان المبيع حيوانا غير الآدمي فحدث فيه حمل عند المشتري لم يمنع الرد بالعيب لانه زيادة، وان علم بالعيب بعد الوضع ولم تنقصه الولادة فله رد الام وامساك الولد لان التفريق بينهما لا يحرم ولا فرق بين حملها قبل القبض وبعده، ولو اشتراها حاملا فولدت عنده ثم اطلع على عيب فردها رد الولد معها لانه من جملة المبيع والزيادة فيه نماء متصل فاشبه مالو سمنت الشاة، وان تلف الولد فهو كتعيب المبيع عنده فان قلنا له الرد فعليه قيمته، وعن أحمد لا قيمة عليه للولد، وحمل القاضي كلام أحمد على أن البائع دلس العيب، وان نقصت الام بالولادة فهو عيب حادث حكمه حكم العيوب الحادثة، ويمكن حمل كلام أحمد على أنه لاحكم للحمل وهو أحد أقوال الشافعي فعلى هذا يكون الولد حينئذ للمشتري فلا يلزمه رده مع بقائه ولاقيمته مع التلف، والاول أصح وعليه العمل (فصل) فان كان المبيع كاتبا أو صانعا فنسي ذلك عند المشتري ثم وجد به عيبا فالنسيان عيب حادث فهو كغيره من العيوب وعنه يرده ولا شئ عليه وعلله القاضى بأنه ليس بنقص في العين، ويمكن عوده بالتذكر، قال وعلى هذا لو كان سمينا فهزل والقياس ما ذكرناه فان الصناعة والكتابة مقومة تضمن في الغصب وتلزم بشرطها في البيع فاشبهت الاعيان والمنافع من السمع والبصر والعقل وامكان العود منتقض بالسن والبصر والحمل، وما روي عن أحمد محمول على ما إذا دلس بعيب (فصل) وإذا تعيب المبيع عند البائع بعد العقد وكان المبيع من ضمانه فهو كالعيب القديم، وان كان من ضمان المشتري فهو كالعيب الحادث بعد القبض، فاما الحادث بعد القبض فهو من ضمان المشتري لا يثبت الخيار وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك عهدة الرقيق ثلاثة أيام فما أصابه فيها فهو من مال البائع إلا في الجنون والجذام والبرص، فان تبين إلى سنة ثبت الخيار لما روى الحسن عن
عقبة ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل عهدة الرقيق ثلاثة أيام ولانه إجماع أهل المدينة ولان الحيوان يكون فيه العيب ثم يظهر.
ولنا انه ظهر في يد المشتري ويجوز أن يكون حادثا فلم يثبت به الخيار كسائر المبيع وكما بعد الثلاثة والسنة وحديثهم لا يثبت قال أحمد ليس فيه حديث صحيح، وقال ابن المنذر لا يثبت
في العهدة حديث، والحسن لم يلق عقبة، واجماع أهل المدينة ليس بحجة، والداء الكامن لا عبرة به وانما النقص بما ظهر لا بماكمن { مسألة } (قال الخرقي إلا أن يكون البائع دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملا) قال القاضي ولو تلف المبيع عنده ثم علم أن البائع دلس العيب رجع بالثمن كله نص عليه في رواية حنبل.
معنى دلس العيب أي كتمه عن المشتري أو غطاه عنه بما يوهم المشتري عدمه مشتق من الدلسة وهي الظلمة فكأن البائع يستر العيب، وكتمانه جعله في ظلمة فخفي على المشتري فلم يره ولم يعلم به والتدليس حرام وقد ذكرناه فمتى فعله البائع فلم يعلم به المشتري حتى تعيب المبيع في يده فله رد المبيع وأخذ ثمنه كاملا ولا ارش عليه سواء كان بفعل المشتري كوطئ البكر وقطع الثوب أو بفعل آدمي آخر مثل أن يجني عليه أو بفعل العبد كالسرقة أو بفعل الله تعالى، وسواء كان ناقصا للمبيع أو مذهبا لجملته قال احمد في رجل اشترى عبدا فأبق وأقام البينة أن اباقه كان موجودا في يد البائع يرجع على البائع بجميع الثمن لانه غر المشتري ويتبع البائع عبده حيث كان، ويحكى هذا عن الحكم ومالك لانه غره فرجع عليه كما لو غره بحرية أمة (قال شيخنا) ويحتمل أن يلزمه عوض العين إذا تلفت، وارش البكر إذا وطئها لقوله عليه السلام " الخراج بالضمان " وكما يجب عوض لبن المصراة على المشتري مع كونه قد نهى عن التصرية وقال " بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم " وقد جعل الشارع الضمان عليه لوجوب الخراج، فلو كان ضمانه على البائع لكان الخراج له لوجود علته، ولان وجوب الضمان على البائع لا يثبت إلا بنص أو إجماع، ولا نعلم لهذا أصلا ولا يشبه هذا التغرير بحرية الامة في النكاح لانه يرجع على من غره وإن لم يكن سيد الامة، وههنا لو كان التدليس من وكيل البائع لم يرجع عليه بشئ نص عليه
{ مسألة } (وان أعتق العبد أو تلف المبيع يرجع بارشه، وكذلك ان باعه غيره عالم بعيبه، وكذلك إن وهبه وان فعله عالما بعيبه فلا شئ له) إذا زال ملك المشتري عن المبيع بعتق أو موت أو وقف أو قتل أو تعذر الرد لا ستيلاد ونحوه قبل علمه بالعيب فله الارش، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي إلا أن ابا حنيفة قال في المقتول خاصة لاارش له لانه زال ملكه بفعل مضمون أشبه البيع ولنا أنه عيب لم يرض به ولم يستدرك ظلامته فكان له الارش كما لو أعتقه، والبيع ممنوع وإن سلم فقد استدرك ظلامته فيه، وأما الهبة فمن أحمد فيها روايتان (إحداهما) أنها كالبيع لانه لم ييأس من امكان الرد لاحتمال رجوع الموهوب إليه.
(والثانية) له الارش وهو أولى ولم يذكر القاضي غيرها لانه لم يستدرك ظلامته أشبه الوقف، وامكان الرد ليس بمانع من أخذ الارش عندنا بدليل
ما قبل الهبة، وان أكل الطعام أو لبس الثوب فأتلفه رجع بارشه وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة لا يرجع بشئ لانه أهلك العين فأشبه مالو قتل العبد.
ولنا أنه ما استدرك ظلامته ولارضي بالعيب فلم يسقط حقه من الارش كما لو تلف بفعل الله تعالى (فصل) إذا باع المشتري المبيع قبل علمه بالعيب فله الارش نص عليه احمد لان البائع لم يوفه ما أوجبه له العقد ولم يوجد منه الرضى به ناقصا فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه، وظاهر كلام الخرفي أنه لا ارش له سواء باعه عالما بيعه أو غير عالم.
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لان امتناع الرد كان بفعله فأشبه ما لو أتلف المبيع ولانه استدرك ظلامته ببيعه فلم يكن له ارش كما لو زال العيب (فصل) وان باعه عالما بعيبه أو وهبه أو أعتقه أو وقفه أو استولد الامة ونحوه فلا شئ له.
ذكره القاضي لان تصرفه فيه مع علمه بالعيب يدل على رضاه به أشبه مالو صرح بالرضا (قال شيخنا) وقياس المذهب أن له الارش بكل حال، وقد روي عن احمد فيما إذا باعه أو وهبه لانا خيرناه ابتداء بين رده وامساكه مع الارش فبيعه والتصرف فيه بمنزلة إمساكه ولان الارش عوض الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط ببيعه، كما لو باعه عشرة أقفزة وسلم إليه تسعة فباعها المشتري، وقولهم إنه استدرك
ظلامته لا يصح فان ظلامته من البائع ولم يستدركها منه، وإنما ظلم المشتري الثاني فلا يسقط حقه بذلك من الظالم له وهذا هو الصحيح من قول مالك، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شئ إلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الارش لانه إذا باعه فقد استدرك ظلامته، فعلى هذا إذا علم به المشتري الثاني فرده به أو أخذ ارشه منه فللاول أخذ ارشه وهو قول الشافعي إذا امتنع على المشتري الثاني رده بعيب حدث عنده لانه لم يستدرك ظلامته، وكل واحد من المشتريين يرجع بحصة العيب من الثمن الذي اشتراه به على ما تقدم (فصل) وإذا ردها المشتري الثاني على الاول وكان الاول باعها عالما بالعيب أو وجد منه ما يدل على الرضى به فليس له رده لان تصرفه رضى بالعيب، وان لم يكن علم فله رده على بائعه وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ليس له رده الا أن يكون المشتري فسخ بحكم الحاكم لانه سقط حقه من الرد ببيعه فأشبه مالو علم بعيبه.
ولنا أنه أمكنه استدراك ظلامته برده فملك ذلك كما لو فسخ الثاني بحكم حاكم أو كما لو لم يزل ملكه عنه ولا نسلم سقوط حقه، وانما امتنع لعجزه عن رده فإذا عاد إليه زال المانع فظهر جواز الرد كما لو امتنع الرد لغيبة البائع أو لمعنى آخر، وسواء رجع إلى المشتري الاول بالعيب الاول أو باقالة أو هبة أو شراء ثان أو ميراث في ظاهر كلام القاضي، وقال أصحاب الشافعي ان رجع بغير الفسخ بالعيب الاول ففيه وجهان (أحدهما) ليس له رده لانه استدرك ظلامته ببيعه ولم يزل فسخه.
ولنا أن سبب استحقاق الرد قائم وانما امتنع لتعذره بزوال ملكه فإذا زال المانع وجب
أن يجوز الرد كما لو رد عليه بالعيب، فعلى هذا إذا باعها المشتري لبائعها الاول فوجد بها عيبا كان موجودا حال العقد الاول فله الرد على البائع الثاني ثم للثاني رده عليه وفائدة الرد ههنا اختلاف الثمنين فانه قد يكون الثمن الثاني أكثر (فصل) وان استغل المشتري المبيع أو عرضه على البيع أو تصرف فيه تصرفا دالا على الرضى به قبل علمه بالعيب لم يسقط خياره لان ذلك لا يدل على الرضى به معيبا، وان فعله بعد علمه بعيبه بطل خياره في قول عامة أهل العلم.
قال ابن المنذر كان الحسن وشريح وعبيد الله بن الحسن وابن أبي ليلى
والثوري واسحاق وأصحاب الرأي يقولون إذا اشترى سلعة فعرضها على البيع بعد علمه بالعيب بطل خياره، وهذا قول الشافعي ولا أعلم فيه خلافا، فأما الارش فقال ابن أبي موسى لا يستحقه أيضا، وقد ذكرنا أن قياس المذهب استحقاق الارش.
قال أحمد أنا أقول إذا استخدم العبد فأراد نقصان العيب فله ذلك، فأما ان احتلب اللبن الحادث بعد العقد لم يسقط رده لان اللبن له فملك استيفاءه من المبيع الذي يريد رده، وكذلك ان ركب الدابة لينظر سيرها أو استخدم الامة ليختبرها أو لبس القميص ليعرف قدره لم يسقط خياره لان ذلك ليس برضا بالمبيع ولهذا لا يسقط به خيار الشرط وان استخدمها لغير ذلك استخداما كثيرا بطل رده، وان كان يسيرا لا ينقص الملك لم يبطل الخيار، قيل لاحمد ان هؤلاء يقولون إذا اشترى عبدا فوجده معيبا فاستخدمه بأن يقول ناولني هذا الثوب بطل خياره فأنكر ذلك وقال من قال هذا أو قال من أين أخذوا هذا؟ ليس هذا برضا حتى يكون شئ يبين ويطول وقد نقل عنه في بطلان خيار الشرط بالاستخدام روايتان فكذلك يخرج ههنا (فصل) فان أبق العبد ثم علم عيبه فله أخذ أرشه فان أخذه ثم قدر على العبد فان لم يكن معروفا بالاباق قبل البيع فقد تعيب عند المشتري فهل يملك رده ورد ارش العيب الحادث عنده والارش الذي أخذه على روايتين، وان كان آبقا فله رده ورد ما أخذه من الارش وأخذ ثمنه، وقال الثوري والشافعي ليس للمشتري أخذ أرشه سواء قدر على رده أو عجز عنه الا ان يهلك لانه لم ييأس من رده فهو كما لو باعه، ولنا أنه معيب لم يرض به ولم يستدرك ظلامته فيه فكان له أرشه كما لو أعتقه وفي البيع استدرك ظلامته بخلاف مسئلتنا.
(فصل إذا اشترى عبدا فأعتقه ثم علم به عيبا فأخذ أرشه فهو له.
وعنه رواية اخرى أنه يجعله في الرقاب وهو قول الشعبي لانه من جملة الرقبة التي جعلها الله فلا يرجع إليه شئ من بدلها، ولنا ان العتق إنما صادف الرقبة المعينة والجزء الذي أخذ بدله ما تناوله عتق ولا كان موجودا وليس الارش بدلا عن العبد إنما هو عن جزء من الثمن جعل مقابلا للجزء الفائت فلما لم يحصل ذلك الجزء من المبيع رجع بقدره من الثمن لامن قيمة العبد، وكلام أحمد في الرواية الاخرى يحمل على استحباب ذلك لا على
وجوبه.
قال القاضي انما الروايتان فيما إذا أعتق عن كفارته لانه إذا أعتقه عن الكفارة لا يجوز أن يرجع إليه شئ من بدله كالمكاتب إذ أدى بعض كتابته.
ولنا أنه ارش عبدا عتقه فهو كما لو تبرع بعتقه { مسألة } (وان باع بعضه فله ارش الباقي وفي ارش المبيع الروايتان وقال الخرقي له رد ملكه منه بقسطه من الثمن أو ارش العيب بقدر ملكه فيه) إذا باع بعض المبيع ثم ظهر على عيب فله ارش الباقي لانه كان له ذلك والاصل في كل ثابت بقاؤه وفي ارش المبيع ما ذكرنا من الخلاف فيما إذا باع الجميع فان أراد رد الباقي بحصته من الثمن ففيه روايتان (احداهما) له ذلك اختارها الخرقي لانه مبيع رده ممكن أشبه ما لو كان الجميع باقيا (والاخرى) لا يجوز وهي الصحيحة إذا كان المبيع عينا واحدة أو عينين ينقصهما التفريق لما فيه من الضرر على البائع بنقص القيمة أو ضرر الشركة وامتناع الانتفاع بها على الكمال كوطئ الامة وليس الثوب، وبهذا قال شريح والشعبي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقد ذكر أصحابنا في غير هذا الموضع فيما إذا كان المبيع عينين ينقصهما التفريق انه لا يجوز رد احداهما وحدها لما فيه من الضرر، وفيما إذا اشترى معيبا وتعيب عنده انه لا يملك رده الا ان يرد ارش العيب الحادث عنده فكذلك لا يجوز أن يرده في مسئلتنا معيبا بعيب الشركة أو نقص القيمة بغير شئ.
وما ذكره الخرقي يحمل على ما إذا دلس البائع العيب على ما ذكرنا فيما مضى.
وان كان المبيع عينين لا ينقصهما التفريق فهل له رد الباقية في ملكه؟ يخرج على الروايتين في تفريق للصفقة.
قال القاضي: المسألة مبنية على تفريق الصفقة سواء كان المبيع عينا واحدة أو عينين، والتفصيل الذي ذكرناه أولى { مسألة } (وان صبغه أو نسجه فله الارش ولارد له في أظهر الروايتين) فيما إذا صبغه وهو قول أبي حنيفة لان فيه ضررا على البائع وتشق المشاركة فلم تجز كما لو فصله وخاطه أو خلط المبيع بما لا يتميز منه، وعنه له الرد ويكون شريكا للبائع بقيمة الصبغ والنسج لانه رد المبيع بعينه أشبه مالو لم يصبغه ولم ينسجه، ومتى رده لزمت الشركة ضرورة، وعنه يرده ويأخذ زيادته بالصبغ كما لو قصره وهو بعيد لان إجبار البائع على بذل ثمن الصبغ إجبار على المعاوضة فلم يجز لقوله سبحانه (الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) وان قال البائع أنا آخذه وأعطي قيمة الصبغ لم يلزم المشتري ذلك، وقال
الشافعي ليس للمشتري الا رده لانه أمكنه رده فلم يملك أخذ الارش كما لو سمن عنده، ولنا أنه لا يمكنه رده الا برد شئ من ماله معه فلم يسقط حق من الارش بامتناعه من رده كما لو تعيب عنده فطلب البائع أخذه مع أخذ أرش العيب الحادث والاصل لا يسلمه فانه يستحق أخذ الارش إذا رده { مسألة } (وان اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا فان لم يكن له مكسورا قيمة كبيض الدجاج رجع بالثمن كله، وان كان له مكسورا قيمة كبيض النعام وجوز الهند فهو مخير بين أخذ ارشه وبين رده، وعنه ليس له رد ولا ارش في ذلك كله)
إذا اشترى ما لا يطلع على عيبه الا بكسره كالبيض والجوز والرمان والبطيخ فكسره فظهر عيبه ففيه روايتان (احداهما) لا يرجع على البائع بشئ وهو مذهب مالك لانه ليس من البائع تدليس ولا تفريط لعدم معرفته بعيبه وكونه لا يمكنه الوقوف عليه الا بكسره فجرى مجرى البراءة من العيوب (والثانية) يرجع عليه وهي ظاهر المذهب وقول أبي حنيفة والشافعي لان عقد البيع اقتضى السلامة من عيب ليطلع عليه المشتري فإذا بان معيبا ثبت له الخيار كالعبد ولان البائع انما يستحق ثمن المعيب دون الصحيح لانه لم يملكه صحيحا فلا معنى لايجاب الثمن كله، وكونه لم يفرط لا يقتضي أن يجب له ثمن ما لم يسلمه بدليل العيب الذي لم يعلمه في العبد.
إذا ثبت هذا فان المبيع ان كان مما لا قيمة له مكسورا كبيض الدجاج الفاسد والرمان الاسود والجوز الخرب رجع بالثمن كله لان هذا يبين به فساد العقد من أصله لكونه وقع على ما لا نفع فيه فهو كبيع الحشرات والميتات وليس عليه رد المبيع إلى البائع لانه لا فائدة فيه، وان كان الفاسد في بعضه رجع بقسطه (الثاني) أن يكون مما لعيبه قيمة كبيض النعام وجوز الهند والبطيخ الذي فيه نفع ونحوه فإذا كسره نظرت.
فان كان كسرا لا يمكن استعلام المبيع بدونه فالمشتري مخير بين رده ورد أرش الكسر وأخذ الثمن وبين أخذ أرش عيبه.
هذا ظاهر كلام الخرقي، وقال القاضي عندي لا أرش عليه لكسره لانه حصل بطريق استعلام العيب والبائع سلطه عليه حيث علم أنه لا يعلم صحته من فساده بغير ذلك، وهذا قول الشافعي.
ووجه قول الخرقي أنه نقص لم يمنع الرد فلزم رد أرشه كلبن المصراة إذا احتلبها والبكر إذا وطئها، وبها يبطل ما ذكره
بل ههنا أولى لانه لا تدليس من البائع والتصرية تدليس، وان كان كسرا يمكن استعلام المبيع بدونه إلا أنه لا يتلف المبيع بالكلية فالحكم فيه كالذي قبله عند الخرقي والقاضي والمشتري مخير بين رده وأرش الكسر وأخذ الثمن وبين أخذ أرش العيب، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية ليس له رده وله أرش العيب، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقد ذكرناه، وان كسره كسرا لا يبقي له قيمة فله أرش العيب لا غير لانه أتلفه.
وقدر أرش العيب قسط ما بين الصحيح والمعيب من الثمن فيقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا غير مكسور فيكون للمشتري قدر ما بينهما من الثمن (فصل) ولو اشترى ثوبا فنشره فوجده معيبا فان كان مما لا ينقصه النشر رده وان كان ينقصه النشر كالهسجاني الذي يطوى طاقين ملتصقين جرى ذلك مجرى جوز الهند على التفصيل المذكور فيما إذا لم يزد على ما يحصل به استعلام المبيع أو زاد كنشر من لا يعرف، وان أراد أخذ أرشه فله ذلك بكل حال { مسألة } (ومن علم العيب وأخر الرد لم يبطل خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضا من التصرف ونحوه) وهكذا ذكر أبو الخطاب لانه خيار لدفع الضرر المتحقق فكان على التراخي كخيار القصاص وعنه أنه على الفور وهو مذهب الشافعي، فمتى علم العيب وأخر الرد مع امكانه بطل خياره لانه يدل
على الرضى فأسقط خياره كالتصرف ولانه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فأشبه خيار الشفعة والاول أولى، ولا نسلم أن الامساك يدل على الرضى والشفعة تثبت لدفع ضرر غير متحقق بخلاف الرد بالعيب { مسألة } (ولا يفتقر الرد إلى رضى ولا قضاء ولا حضور صاحبه قبل القبض ولا بعده) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان كان قبل القبض افتقر إلى حضور صاحبه دون رضاه، وان كان بعده افتقر إلى رضا صاحبه أو حكم حاكم لان ملكه قد تم على الثمن فلا يزول إلا رضاه ولنا أنه رفع عقد مستحق له فلم يفتقر إلى رضا صاحبه ولا حضوره كالطلاق ولانه مستحق الرد بالعيب فلم يفتقر إلى رضا صاحبه كقبل القبض { مسألة } (فان اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو وجداه معيبا فرضي أحدهما فللآخر الفسخ في نصيبه، وعنه ليس له ذلك)
نقل عن احمد رحمه الله في ذلك روايتان حكاهما أبو بكر وابن أبي موسى (احداهما) لمن لم يرض الفسخ، وبه قال ابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف ومحمد، وإحدى الروايتين عن مالك والاخرى لا يجوز له رد مشترك رده ناقصا أشبه مالو تعيب عنده.
ولنا أنه رد جميع ما ملكه بالعقد فجاز كما لو انفرد بشرائه، والشركة إنما حصلت بايجاب البائع وانما باع كل واحد منهما نصفها فخرجت عن ملك البائع مشقصة بخلاف العيب الحادث (فصل) وان ورث اثنان خيار عيب فرضي أحدهما سقط حق الآخر من الرد لانه لو رد وحده شقصت السلعة على البائع فتضرر بذلك وإنما أخرجها من ملكه إلى واحد غير مشقصة فلا يجوز رد بعضها إليه مشقصا بخلاف المسألة التي قبلها، فان عقد الواحد مع الاثنين عقدين فكأنه باع كل واحد منهما نصفها منفردا فرد عليه أحدهما جميعا ما باعه إياه وههنا بخلافه (فصل) ولو اشترى رجل من رجلين شيئا فوجده معيبا فله رده عليهما فان كان أحدهما غائبا رد على الحاضر حصته بقسطها من الثمن ويبقى نصيب الغائب في يده حتى يقدم، ولو كان أحدهما باع العين كلها بوكالة الآخر فالحكم كذلك سواء كان الحاضر الوكيل أو الموكل.
نص أحمد على نحو من هذا، وان أراد رد نصيب أحدهما وامساك نصيب الآخر جاز لانه يرد على البائع جميع ما باعه ولم يحصل برده تشقيص لانه كان مشقصا قبل البيع (فصل) وان اشترى حلي فضة بوزنه دراهم فوجده معيبا فله رده وليس له أخذ الارش لا فضائه إلى التفاضل فيما يجب فيه التماثل، فان حدث به عيب عند المشتري فعلى احدى الروايتين يرده ويرد ارش العيب الحادث عنده وبأخذ ثمنه، وقال القاضي ليس له رده لا فضائه إلى التفاضل ولا يصح لان الرد فسخ للعقد ورفع له فلا تبقى المعاوضة وانما يدفع الارش عوضا عن العيب الحادث عنده
بمنزلة ما لو خفي عليه في ملك صاحبه من غير بيع وكما لو فسخ الحاكم عليه، وعلى الرواية الاخرى يفسخ الحاكم البيع ويرد البائع الثمن ويطالب بقيمة الحلي لانه لم يمكن اهمال العيب ولا أخذ الارش.
ولاصحاب الشافعي وجهان كهاتين الروايتين وان تلف الحلي فسخ العقد، ويرد قيمته ويسترجع الثمن
فان تلف المبيع لا يمنع جواز الفسخ، واختار شيخنا أن الحاكم إذا فسخ وجب رد الحلي وأرش نقصه كما قلنا فيما إذا فسخ المشتري على احدى الروايتين وانما يرجع إلى قيمته عند تعذره بتلف أو عجز عن رده أما مع بقائه وإمكان رده فيجب رده دون بدله كسائر المبيع إذا انفسخ العقد فيه وليس في رده ورد أرشه تفاضل لان المعاوضة قد زالت بالفسخ ولم يبق له مقابل، وإنما هذا الارش بمنزلة الجناية عليه ولان قيمته إذا زادت على وزنه أو نقصت عنه أفضى إلى التفاضل لان قيمته عوض عنه فلا يجوز ذلك إلا أن يأخذ القيمة من غير الجنس.
ولو باع قفيزا مما فيه الربا بمثله فوجد أحدهما بما أخذه عيبا ينقص قيمته دون كله لم يملك أخذ أرشه لئلا يفضي إلى التفاضل والحكم فيه على ما ذكرنا في الحكم بالدراهم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: