الفقه الحنبلي - البيع - الشركة - المواضعة -
{ مسألة } (وإن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة ليس له إلا ردهما أو إمساكهما والمطالبة بالارش) قاله القاضي، وعنه له رد أحدهما بقسطه من الثمن كما لو كان أحدهما معيب والآخر صحيحا لان المانع من الرد انما
هو تشقيص المبيع على البائع وهو موجود فيما إذا كان أحدهما صحيحا، فان تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه من الثمن في إحدى الروايتين، هذا قول الحادث العكلي والاوزاعي واسحاق وقول أبي حنيفة فيما بعد القبض لانه رد المعيب على وجه لا ضرر فيه على البائع فجاز كما لورد الجميع (والثانية) ليس له الا أخذ الارش مع إمساك الباقي منهما وهو ظاهر قول الشافعي وقول أبي حنيفة فيما قبل القبض لان في الرد تبعيض الصفقة على البائع وذلك ضرر أشبه إذا كانا مما ينقصه التفريق، والقول في قيمة التالف قول المشتري مع يمينه لانه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته ولانه بمنزلة الغارم لان قيمة التالف إذا زادت قدر ما يغرمه فهو بمنزلة المستعير والغاصب { مسألة } (وان كان أحدهما معيبا فله رده بقسطه من الثمن وعنه ليس له إلا ردهما أو إمساكهما) ووجه الروايتين ما ذكرنا فيما إذا تلف أحدهما وفيه من التفصيل والخلاف ما ذكرنا { مسألة } (فان كان المبيع مما ينقصه التفريق كمصراعي باب أو زوجي خف أو من لا يجوز التفريق بينهما كجارية وولدها فليس له رد أحدهما) لما فيه من الضرر على البائع بنقص القيمة وسوء المشاركة ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " رواه الترمذي وفي ذلك اختلاف ذكرنا فيما مضى وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله تعالى
{ مسألة } (وان اختلفا في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري ففي ايهما يقبل قوله؟ روايتان إلا ان لا يحتمل إلا قول أحدهما فالقول قوله بغير يمين) إذا اختلف المتبايعان في العيب هل كان في المبيع قبل العقد أو حدث عند المشتري، فان كان لا يحتمل الاقول أحدهما كالاصبع الزائدة والشجة المندملة التي لا يمكن حدوث مثلها والجرح الطارئ الذي لا يمكن كونه قديما فالقول قول من يدعي ذلك بغير يمين لانا نعلم صدقه فلا حاجة إلى استحلافه وان احتمل قول كل واحد منهما كالخرق في الثوب والرفو ونحوهما ففيه روايتان (إحداهما) القول قول المشتري فيحلف بالله انه اشتراه وبه هذا العيب أو انه ما حدث عنده ويكون له الخيار اختارها الخرقي لان الاصل عدم القبض في الجزء الفائت واستحقاق ما يقابله من الثمن ولزوم العقد في حقه فكان القول قول من ينفي ذلك كما لو اختلفا في قبض المبيع (والثانية) القول قول البائع مع يمينه فيحلف على حسب جوابه إن اجاب انه باعه بريئا من العيب حلف على ذلك، وان أجاب انه لا يستحق ما يدعيه من الرد حلف على ذلك.
ويمينه على البت لان الايمان كلها على البت الا ما كان على النفي في فعل الغير وعنه انها على نفي العلم فيحلف انه ما يعلم به عيبا حال البيع ذكرها ابن ابي موسى والرواية الثانية مذهب ابي حنيفة والشافعي لان الاصل سلامة المبيع وصحة العقد ولان المشتري يدعي عليه استحقاق فسخ البيع والبائع ينكره والقول قول المنكر (فصل) وإذا باع الوكيل ثم ظهر المشتري على عيب كان بالمبيع فله رده على الموكل لان المبيع يرد بالعيب على من كان له، فان كان العيب مما يمكن حدوثه فأقربه الوكيل وانكره الموكل فقال أبو الخطاب يقبل اقراره على موكله بالعيب لانه أمر يستحق به الرد فقبل اقراره به على موكله كخيار الشرط، وقال أصحاب ابي حنيفة والشافعي لا يقبل اقرار الوكيل بذلك، قال شيخنا وهو اصح لانه اقرار على الغير فلم يقبل كالاجنبي، وفارق خيار الشرط من حيث ان الموكل يعلم صفة سلعته ولا يعلم صفة العقد لغيبته عنه، فعلى هذا إذا رده المشتري على الوكيل لم يملك الوكيل رده على الموكل لان رده كاقراره وهو غير مقبول على غيره ذكره القاضي، فان انكره الوكيل فتوجهت اليمين عليه
فنكل عنها فرد عليه بنكوله فهل له رده على الموكل على وجهين (احدهما) ليس له رده لان ذلك يجري مجرى اقراره (والثاني) له رده لانه رجع إليه بغير رضاه اشبه مالو قامت به بينة (فصل) ولو اشترى جارية على انها بكرا فقال المشتري هي ثيب أو النساء الثقات ويقبل قول واحدة، فان وطئها المشتري وقال ما وجدتها بكرا خرج فيه وجهان بناء على الاختلاف في العيب الحادث
(فصل) فان رد المشتري السلعة بعيب فأنكر البائع انها سلعته فالقول قول البائع مع يمينه وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي ونحوه قال الاوزاعي فانه قال فيمن صرف دراهم فقال للصيرفي هذا درهمي يحلف الصيرفي بالله لقد وفيتك ويبرأ لان البائع منكر كون هذه سلعته ومنكر استحقاق الفسخ والقول قول المنكر، فأما ان جاء ليرد السلعة بخيار فأنكر البائع انها سلعته فحكى ابن المنذر عن أحمد أن القول قول المشتري وهو قول الثوري واسحاق وأصحاب الرأي لانهما اتفقا على استحقاق فسخ العقد والرد بالعيب بخلافه { مسألة } (ومن باع عبدا يلزمه عقوبة من قصاص أو غيره ويعلم المشتري ذلك فلا شئ له) لانه رضي به معيبا أشبه سائر المعيبات وهذا قول الشافعي، وان علم بعد البيع فله الرد أو الارش على أصلنا كغيره من العيوب { مسألة } (فان لم يعلم حتى قتل فله الارش لتعذر الرد) وهو قسط ما بين قيمته جانيا وغير جان، ولا يبطل البيع من أصله وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة والشافعي يرجع بجميع الثمن لان تلفه كان بمعنى استحق عند البائع فجرى مجرى اتلافه إياه، ولنا أنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كما لو كان مريضا فمات بدائه أو مرتدا فقتل بردته وبهذا ينتقض ما ذكروه ولا يصح قياسهم على اتلافه لانه لم يتلفه فلم يشتركا في المقتضي، وإن كانت الجناية موجبة للقطع فقطعت يده عند المشتري فقد تعيب عنده لان استحقاق القطع دون حقيقته فهل يمنع ذلك رده بعيبه؟ على روايتين { مسألة } (وان كانت الجناية موجبة للمال والسيد معسر قدم حق المجني عليه، وللمشتري الخيار
إذا لم يكن عالما، فان كان السيد موسرا تعلق الارش بذمته والبيع لازم) إذا كانت الجناية موجبة للمال أو للقود فعفي عنه إلى مال فعلى السيد فداؤه ويزول الحق عن رقبة العبد ببيعه لان للسيد الخيرة بين تسليمه وفدائه.
فإذا باعه تعين عليه فداؤه لاخراج العبد عن ملكه ولاخيار للمشتري لعدم الضرر عليه إذ الرجوع على غيره هذا إذا كان السيد موسرا وقال بعض أصحاب الشافعي لا يلزم السيد فداؤه لان أكثر ما فيه أنه التزم فداءه ولا يلزمه كما لو قال الراهن أنا أقضي الدين من الرهن ولنا أنه أزال ملكه عن الجاني فلزمه فداؤه كما لو أتلفه وبهذا قال أبو حنيفة، وان كان البائع معسرا لم يسقط حق المجني عليه من رقبة الجاني لان المالك انما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه أو ما يقوم مقامه ولا يحصل ذلك من ذمة المعسر فيبقى الحق في رقبته بحاله مقدما على حق المشتري وللمشتري خيار الفسخ ان لم يكن عالما فان فسخ رجع بالثمن وان لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبة العبد فاخذ
بها رجع المشتري بالثمن أيضا لان ارش مثل هذا جميع ثمنه وان لم تكن مستوعبة رجع بقدر أرشه وان كان عالما بعيبه راضيا بتعلق الحق به لم يرجع بشئ لانه اشترى معيبا عالما بعيبه فان اختار المشتري فداءه فله ذلك والبيع بحاله لانه يقوم مقام البائع بين تسليمه وفدائه، وحكمه في الرجوع بما فداه به على البائع حكم قضاء الدين عنه على ما نذكره في موضعه.
{ فصل } قال رضي الله عنه (السادس خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والموضعة ولابد في جميعها من معرفة المشتري برأس المال) هذه أنواع من أنواع البيع وأنا اختصت بأسماء كاختصاص السلم ويثبت فيها الخيار إذا أخبره بزيادة في الثمن أو نحو ذلك فيثبت للمشتري الخيار كما لو أخبره بأنه كاتب أو صانع فاشتراه بثمن فبان بخلافه ولا بد في جميع هذه الانواع من معرفة المشتري برأس المال لان معرفة الثمن متوقفة على العلم به والعلم بالثمن شرط فمتى فات لم يصلح البيع لفوات شرطه { مسألة } (ومعنى التولية البيع برأس المال فيقول وليتكه أو بعتك برأس ماله أو بما اشتريته أو برقمه) قال أحمد رحمه الله لا بأس ببيع الرقم والرقم هو الثمن المكتوب عليه إذا كان معلوما لهما حال العقد وهذا قول عامة العلماء وكره طاوس بيع الرقم، ولنا أنه بيع بثمن معلوم فأشبه ما لو ذكر مقداره
أو إذا قال بعتك هذا بما اشتريته وقد علماه فان لم يعلم فالبيع باطل لجهالة الثمن { مسألة } (والشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن ويصح بقوله شركتك في نصفه أو ثلثه) إذا اشترى شيئا فقال له رجل أشركني في نصفه بنصف الثمن فقال له أشركتك صح وصار شركا بينهما إذا كان الثمن معلوما لهما، ولو قال أشركني فيه أو قال الشركة فقال شركتك أو قال ولني ما اشتريت ولم يذكر الثمن فقال وليتك صح إذا كان الثمن معلوما لان الشركة تقتضي ابتياع جزء منه بقسطه من الثمن على ما ذكر والتولية ابتياعه بمثل الثمن فإذا ذكر اسمه انصرف إليه كما إذا قال أقلني فقال أقلتك، وفي حديث عن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان له أشركنا فان النبي صلى الله عليه وسلم دعا لك بالبركة فيشركهم فربما أصاب الراحلة كما هي فبعث بها إلى المنزل ذكره البخاري، ولو اشترى شيئا فقال له رجل أشركني فشركه انصرف إلى النصف لانها تنصرف إلى التسوية باطلاقها، فان اشترى اثنان عبدا فقال لهما رجل اشركاني فيه فقالا شركناك احتمل أن يكون لهما النصف لان اشراكهما لو كان من كل واحد منهما منفردا لكان له النصف فكذلك حال الاجتماع، ويحتمل أن يكون له الثلث لان الاشتراك يفيد التساوي ولا يحصل التساوي الا بجعله بينهم أثلاثا وهذا أصح لان اشراك الواحد انما اقتضى النصف لحصول التسوية به وان شركه كل واحد منهما منفردا كان له النصف ولكل
واحد منهما الربع، وان قال أشركاني فيه فشركه أحدهما فعلى الوجه الاول يكون له نصف حصة الذي شركه وهو الربع وعلى الآخر له السدس لان طلب الشركة بينهما يقتضي طلب ثلث ما في يد كل واحد منهما ليكون مساويا لهما فإذا أجابه أحدهما ثبت له الملك فيما طلب منه وان قال له أحدهما أشركناك انبنى على تصرف الفضولي.
فان قلنا يقف على الاجازة فأجازه فهل يثبت له الملك في نصفه أو ثلثه على الوجهين، ولو قال لاحدهما أشكرني في نصف هذا العبد فان قلنا يقف على الاجازة من صاحبه فأجازه فله نصف العبد ولهما نصفه وإلا فله نصف حصة الذي شركه، فان اشترى عبدا فلقيه رجل فقال أشركني في هذا العبد فقال قد شركتك فله نصفه فان لقيه آخر فقال أشركني في هذا
العبد وكان عالما بشركة الاول فله ربع العبد وهو نصف حصة الذي شركه لان طلبه للشركة رجع إلى ما ملكه المشارك وهو النصف فكان بينهما، وان لم يعلم بشركة الاول فهو طالب نصف العبد لاعتقاده أن جميع العبد لمن طلب منه المشاركة، فإذا قال له شركتك احتمل ثلاثة أوجه (احدها) ان يصير له نصف العبد ولا يبقى للذي شركه شئ لانه طلب منه نصف العبد فأجابه إليه فصار كأنه قال بعني نصف هذا العبد فقال بعتك، وهذا قول القاضي (الثاني) ان ينصرف قوله شركتك فيه إلى نصف نصيبه ونصف نصيب شريكه فيمتد في نصف نصيبه ويقف الزائد على اجازة صاحبه على إحدى الروايتين لان لفظ الشركة يقتضي بعض نصيبه ومساواة المشتري له فلو باع جميع نصيبه لم يكن له شركة لانه لا يتحقق فيه ما طلب منه (الثالث) لا يكون للثاني الا الربع بكل حال لان الشركة انما تثبت بقول البائع شركتك لان ذلك هو الايجاب الناقل للملك وهو عالم انه ليس له إلا نصف العبد فينصرف ايجابه إلى نصف ملكه، وعلى هذين الوجهين لطالب الشركة الخيار لانه إنما طلب النصف فلم يحصل له جميعه إلا أن نقول بوقوفه على الاجازة في الوجه الثاني فيخير الآخر، ويحتمل أن لا تصح الشركة أصلا لانه طلب شراء النصف فاجيب في الربع فصار بمنزلة مالو قال بعني نصف هذا العبد بعتك ربعه.
(فصل) ولو اشترى قفيزا من الطعام فقبض نصفه فقال له رجل بعني نصف هذا القفيز فباعه انصرف إلى النصف المقبوض لان البيع ينصرف إلى ما يجوز له بيعه وهو المقبوض وان اشركني في هذا القفيز بنصف الثمن ففعل لم تصح الشركة إلا فيما قبض منه فيكون النصف المقبوض بينهما لكل واحد منهما ربعه بربع الثمن لان الشركة تقتضي التسوية هكذا ذكر القاضي، قال شيخنا والصحيح ان شاء الله ان الشركة تنصرف إلى النصف كله فيكون بائعا لما يصح بيعه وما لا يصح فيصح في نصف المقبوض في أصح الوجهين ولا يصح فيما لم يقبض كما في تفريق الصفقة.
{ مسألة } (والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة) فهذا جائز لا خلاف في صحته ولا نعلم أحدا كرهه وان قال على أن أربح في كل عشرة درهما
أو قال ده يازدة أو دوازده.
فقد كرهه أحمد ورويت فيه الكراهة عن ابن عمر وابن عباس والحسن ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار، وقال اسحاق لا يجوز لان الثمن مجهول حال العقد فلم يجز كما لو باعه بما يخرج به في الحساب، ورخص فيه سعد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر لان رأس المال معلوم والربح معلوم أشبه ما إذا قال وربح عشرة دراهم ووجه الكراهة أن ابن عمر وابن عباس كرهاه ولم يعلم لهما في الصحابة مخالف ولان فيه نوعا من الجهالة فالتحرز عنها أولى وهذه كراهة تنزيه والبيع صحيح والجهالة يمكن ازالتها بالحساب فلم تضر كما لو باعه صبرة كل قفيز بدرهم أما مايخرج به الحساب فمجهول في الجملة والتفصيل { مسألة } (والمواضعة أن يقول بعتكه بها ووضيعة درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهما) المواضعة أن يخبر برأس ماله ويقول بعتك هذا به وأضع لك عشرة فيصح من غير كراهة، وان قال بوضيعة درهم من كل عشرة كره لما ذكرنا في المرابحة وصح فإذا كان رأس ماله مائة لزمه تسعون ويكون الحط عشرة، وقال قوم يكون الحط درهما من كل أحد عشر فيكون ذلك تسعة دراهم وجزأ من أحد عشر جزأ من درهم ويبقى تسعون وعشرة اجزاء من أحد عشر جزأ من درهم، وهذا غلط لان هذا يكون حطا من كل أحد عشر وهو غير ماقاله، فأما إن قال بوضعية درهم لك عشرة كانت الوضيعة من كل أحد عشر درهما درهم ويكون الباقي تسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من درهم وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وحكي عن أبي ثور أنه قال الحط ههنا عشرة مثل الاولى ولا يصح فانه إذا قال لكل عشرة درهم يكون الدرهم من غيرها فكأنه قال من كل أحد عشر درهما درهم، وإذا قال من كل عشرة درهما كان الدرهم من العدة، ولان من للتبعيض فكأنه قال آخذ من العشرة تسعة وأحط منها درهما (فصل) فان باعه السلعة مرابحة مثل أن يخبره ان ثمنها مائة ويربح عشرة ثم علم ببينة أو اقرار أن ثمنها تسعون فالبيع صحيح لانه زيادة في الثمن فلم يمنع الصحة كالعيب وللمشتري الرجوع على البائع بما زاد في الثمن وهو عشرة وحطها من الربح وهو درهم فيبقى على المشتري تسعة وتسعون درهما، وبهذا قال الثوري وابن أبي ليلى وهو أحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة يخير بين الاخذ بكل الثمن
أو يترك قياسا على المبيع.
ولنا أنه باعه برأس ماله وما قدره من الربح فإذا بان رأس ماله قدرا كان مبيعا به وبالزيادة التي
اتفقا عليها والمعيب كذلك عندنا فان له أخذ الارش ثم الفرق بينهما ان المسيب لم يرض إلا بالثمن المذكور وههنا رضي فيه برأس المال والربح المقدر، وهل للمشتري الخيار؟ فالمنصوص عن أحمد أن المشتري مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح وبين تركه نقل ذلك حنبل وهو قول للشافعي لان المشتري لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضا، ولانه ربما كان له غرض في الشراء بذلك الثمن لكونه خالفا أو وكيلا أو غير ذلك فظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار له وحكي قولا للشافعي لانه رضيه بمائة وعشرة فإذا حصل له بدون ذلك فقد زاده خيرا فلم يثبت له الخيار كما لو اشتراه على أنه معيب فبان صحيحا أو وكل في شراء معين بمائة فاشتراه بتسعين، وأما البائع فلا خيار له لانه باعه برأس ماله وحصته من الربح وقد حصل له ذلك.
(فصل) وان قال في المرابحة رأس مالي فيه مائة وأربح عشرة ثم قال غلطت رأس مالي فيه مائة وعشرة لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد ان راس ماله عليه ماقاله ثانيا ذكره ابن المنذر عن احمد واسحاق وروى أبو طالب عن أحمد إذا كان البائع معروفا بالصدق قبل قوله وإن لم يكن صدوقا جاز البيع، قال القاضي وظاهر كلام الخرقي أن القول قول البائع مع يمينه لانه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه والقول قول الامين مع يمينه كالوكيل والمضارب، والصحيح الاول وكون البائع مؤتمنا لا يوجب قبول دعواه في الخلط كالمضارب إذا أقر بربح ثم قال غلطت، وعن أحمد رواية ثالثة أنه لا يقبل قول البائع وإن أقام بينة حتى يصدقه المشتري وهو قول الثوري والشافعي لانه أقر بالثمن وتعلق به حق الغير فلا يقبل رجوعه وإن أقام بينة لاقراره بكذبها ولنا أنها بينه عادلة شهدت بما يحتمل الصدق فتقبل كسائر البينات ولا نسلم أنه أقر بخلافها فان الاقرار يكون لغير المقر وحالة اخباره بثمنها لم يكن عليه حق لغيره فلم يكن اقرارا، فان لم يكن له بينة أو كانت له بينة وقلنا لا تقبل فادعى أن المشتري يعلم غلطه فأنكر المشتري فالقول قوله، فان طلب
بيمينه فقال القاضي لا يمين عليه لانه مدع واليمين على المدعى عليه، ولانه قد أقر فيستغنى بالاقرار عن اليمين، والصحيح أن عليه اليمين أنه لا يعلم ذلك لانه ادعى ما يلزمه رد السعلة أو زيادة في ثمنها فلزمه اليمين كموضع الوفاق وليس هو ههنا مدع انما هو مدعى عليه العلم بمقدار الثمن الاول، وان قلنا يقبل قول البائع أو قامت له بينة بما ادعاه وقلنا تقبل بينته فللمشتري أن يحلفه أن وقت ما باعها لم يعلم أن شراءها أكثر ذكره الخرقي فانه لو باعها بدون ثمنها عالما لزمه البيع بما عقد عليه لكونه تعاطى سببه عالما فلزمه كمشتري المعيب عالما بعيبه، وإذا كان البيع يلزمه بالعلم فادعى عليه لزمته اليمين فان نكل قضي عليه بالنكول، وإن حلف خير المشتري بين قبوله بالثمن والزيادة التي غلط بها وحطها من الربح وبين
فسخ العقد (قال شيخنا) ويحتمل أنه إذا قال بعتك بمائة وربح عشرة ثم تبين أنه غلط بعشرة أنه لا يلزمه حط العشرة من الربح لان البائع رضي بربح عشرة في هذا المبيع فلا يكون له أكثر منها، وكذلك إن تبين أنه زاد في رأس المال لا ينقص الربح من عشرة لان البائع لم يبعه إلا بربح عشرة، فأما إن قال وأربح في كل عشرة درهما فانه يلزمه حط العشرة من الربح في الصورتين وانما أثبتنا للمشتري الخيار لانه دخل على أن الثمن مائة وعشرة فإذا بان أكثر كان عليه ضرر في التزامه فلم يلزمه كالمعيب، وإن اختار أحدهما بمائة واحد وعشرين لم يكن للبائع خيار لانه قد زاده خيرا فلم يكن له خيار كبائع المعيب إذا رضيه المشتري، وإن اختار البائع اسقاط الزيادة عن المشتري فلا خيار له أيضا لانه قد بذلها بالثمن الذي وقع عليه العقد ورضيا به { مسألة } (ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن فلم يبين ذلك للمشتري في تخييره بالثمن فللمشتري الخيار بين الامساك والرد) إذا اشتراه بثمن مؤجل لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره فان لم يفعل لم يفسد البيع وللمشتري الخيار بين أخذه بالثمن الذي وقع عليه حالا وبين الفسخ في احدى الروايتين وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لان البائع لم يرض بذمة المشتري وقد تكون ذمته دون ذمة البائع فلا يلزم الرضى بذلك وحكى ابن المنذر عن أحمد أنه إن كان المبيع قائما فهو مخير بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلا لانه الثمن
الذي اشترى به البائع والتأجيل صفة له فهو كما لو أخبره بزيادة في الثمن وإن كان قد استهلك حبس الثمن بقدر الاجل وهذا قول شريح (فصل) وان اشتراه بدنانير فاخبر انه اشتراه بدراهم أو بالعكس أو اشتراه بعوض فأخبر أنه اشتراه بثمن أو بالعكس واشباه ذلك فللمشتري الخيار بين الفسخ وبين الرضى به بالثمن الذي تبايعا به كسائر المواضع التي يثبت فيها ذلك.
(فصل) وان اشتراه ممن لاتقبل شهادته له كأبيه وابنه لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين ذلك وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد يجوز وان لم يبين لانه اشتراه بعقد صحيح وأخبر بثمنه فأشبه مالو اشتراه من أجنبي.
ولنا انه متهم في الشراء منهم لكونه يحابيهم ويسمح لهم فلم يجز ان يخبر بما اشترى منهم مطلقا كما لو اشترى من مكاتبه فانه يجب عليه ان يبين أمره لا نعلم فيه خلافا وبه يبطل قياسهم (فصل) وان اشتراه بأكثر من ثمنه حيلة مثل أن يشتريه من غلام دكانه الحر أو غيره على وجه الحيلة لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لان ذلك تدليس وحرام على ما بيناه، وان لم يكن حيلة
فقال القاضي إذا باع غلام دكانه سلعة ثم اشتراها منه بأكثر من ذلك لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لانه يتهم في حقه فهو كمن لا تقبل شهادته له والصحيح ان شاء الله ان ذلك يجوز لانه أجنبي فأشبه غيره (فصل) إذا اشترى شيئين صفقة واحدة ثم أراد بيع أحدهما مرابحة أو اشترى اثنان شيئا فتقاسماه وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة بالثمن الذي أداه فيه فان كان من المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالاجزاء كالثياب ونحوها لم يجز حتى يبين الحال على وجهه نص عليه وهذا مذهب الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي يجوز بيعه بحصته من الثمن لان الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمته كما لو كان المبيع شقصا وشفعا فان الشفيع يأخذ الشقص بحصته من الثمن، وذكر ابن ابي موسى فيما إذا اشتراه اثنان فتقاسماه رواية عن أحمد أنه يجوز بيعه مرابحة بما اشتراه لان ذلك ثمنه فهو صادق فيما أخبر به.
ولنا ان قسمة الثمن على المبيع طريقة الظن واحتمال الخطأ فيه
كثير وبيع المرابحة امانة فلم يجز فيه هذا وصار هذا كالخرص الحاصل بالظن لا يجوز ان يباع به ما يجب التماثل فيه، وأما الشفيع فلنا فيه منع وان سلم فان ما اخذه الشفيع بالقيمة للحاجة الداعية إليه لكونه لا طريق له سوى التقويم ولانه لو لم يأخذه به لا تخذه الناس طريقا إلى اسقاط الشفعة فيؤدي إلى تقويتها وهاهنا يمكن الاخبار بالحال وبيعه مساومة ولا تدعوا الحاجة إليه فان باعه ولم يبين فللمشتري الخيار بين الامساك والرد كالمسائل المذكورة وان كان من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالاجزاء كالبر والشعير المتساوي جاز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن لا نعلم فيه خلافا لان ثمن ذلك الجزء معلوم يقينا ولذلك جاز بيع قفيز من الصبرة.
وان أسلم في ثوبين بصفة واحدة فأخذهما على الصفة فله بيع احدهما مرابحة بحصته من الثمن على قياس ذلك لان الثمن ينقسم عليهما نصفين لا باعتبار القيمة، ولذلك لو أقال في أحدهما أو تعذر تسليمه كان له نصف الثمن من غير اعتبار قيمة المأخوذ منهما فكأنه أخذ كل واحد منهما منفردا وان حصل في أحدهما زيادة على الصفة جرت مجرى الحادث بعد البيع على ما نذكر ان شاء الله { مسألة } (وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار أو يؤخذ أرشا للعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال ويخبر به) وجملة ذلك أن البائع إذا أراد الاخبار بثمن السلعة وكانت بحالها لم تتغير اخبر بثمنها، فان تغير سعر السلعة بأن حط البائع بعض الثمن عن المشتري أو أشتراه في مدة الخيار لحق بالعقد واخبر به في الثمن، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وان تغير سعر السلعة وهي
بحالها فان غلت لم يلزمه الاخبار بذلك لانه زيادة فيها، وان رخصت فكذلك نص عليه احمد لانه صادق بدون الاخبار بذلك، ويحتمل أن يلزمه الاخبار بالحال، فان المشتري لو علم بذلك لم يرضها بذلك الثمن فكتمانه تغرير به فان أخبره بدون ثمنها ولم يبين الحال لم يجز لانه كذبه، فأما ما يؤخذ أرشا للعيب أو جناية عليه فذكر القاضي أنه يخبر به على وجهه، وقال أبو الخطاب يحط أرش العيب من الثمن ويخبر بالباقي وهو الذي ذكره شيخنا في هذا الكتاب لان ارش العيب عوض عما فات
به فكان ثمن الموجود ما بقي، وفي أرش الجناية وجهان (أحدهما) يحط من الثمن كأرش العيب وهو الاولى (والثاني) لا يحطه كالنماء، وقال الشافعي يحطهما من الثمن ويقول: تقوم علي بكذا.
لانه صادق فيما اخبر به أشبه مالو أخبره بالحال على وجهه ولنا أن الاخبار بالحال أبلغ في الصدق وأقرب إلى البيان وبقي التغيير والتدليس فلزمه ذلك كما يلزمه بيان العيب وقياس أرش الجناية على النماء والكسب لا يصح لان أرش الجناية عوض نقصه الحاصل بالجناية عليه فهو بمنزلة ثمن جزء منه باعه أو كقيمة أحد الثوبين إذا تلف أحدهما، والنماء زيادة لم ينقص بها المبيع ولا هي عوض عن شئ منه { مسألة } (وان جنى ففداه المشتري أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه لم يلحق به) أما إذا جنى ففداه المشتري، فانه لا يلحق بالثمن ولا يخبر به في المرابحة بغير خلاف علمناه لان هذا لم يزد به المبيع قيمة ولا ذاتا وانما هو مزيل لنقصه بالجناية والعيب الحاصل بتعلقها برقبته فأشبهت الدواء المزيل لمرضه الحادث عند المشتري، فأما الادوية والمؤنة والكسوة وعمله في السلعة بنفسه أو عمل غيره له بغير اجرة فانه لا يخبر بذلك في الثمن وجها واحدا، وان اخبر بالحال على وجهه فحسن وكذلك ما زيد في الثمن أو حط منه بعد لزوم العقد لا يخبر به، ويخبر بالثمن الاول لان ذلك هبة من احدهما للآخر فلا يكون عوضا وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يلحق بالعقد ويخبر به في المرابحة لانه بسبب العقد { مسألة } (وان اشترى ثوبا بعشرة وقصره بعشرة اخبر بذلك على وجهه، فان قال تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك؟ على وجهين، وان عمل فيه بنفسه عملا يساوي عشرة لم يجز ذلك وجها واحدا) وجملة ذلك ان من اراد البيع مرابحة والسلعة بحالها اخبر بثمنها.
وان تغيرت فهو على ضربين (أحدهما) ان تتغير بزيادة وذلك نوعان (احدهما) ان تزيد لنمائها كالسمن وتعلم صنعة أو يحدث منها نماء منفصل كالولد والثمرة والكسب فهذا إذا أراد بيعها مرابحة اخبر الثمن من غير زيادة لانه الذى ابتاعها به، وان أخذ النماء المنفصل أو استخدم الامة أو وطئ الثيب اخبر برأس المال ولم يجب تبيين الحال، وروى ابن المنذر عن احمد أنه يبين ذلك كله وهو قول اسحاق، وقال اصحاب الرأي
في الغلة يأخذها لا بأس ان يبيع مرابحة، وفي الولد والثمرة لا يبيع مرابحة حتى يبين لانه موجب العقد ولنا انه صادق فيما اخبر به من غير تغرير بالمشتري فجاز كما لو لم يزد، ولان الولد والثمرة نماء منفصل، فلم يمنع من بيع المرابحة كالغلة (النوع الثاني) ان يعمل فيها عملا مثل ان يقصرها أو يرفوها أو يخيطها أو يحملها فمتى اراد بيعها مرابحة اخبر بالحال على وجهه سواء عمل ذلك بنفسه أو استأجر من عمله هذا ظاهر كلام احمد فانه قال: يبين ما اشتراه وما لزمه ولا يجوز ان يقول تحصلت علي بكذا وبه قال الحسن وابن سيرين وابن المسيب وطاوس والنخعي والاوزاعي وابو ثور، وفيه وجه آخر انه يجوز فيما استأجر عليه ان يضم الاجرة إلى الثمن ويقول.
تحصلت علي بكذا لانه صادق، وبه قال الشعبي والحكم والشافعي.
ولنا انه تغرير بالمشتري فانه عسى انه لو علم ان بعض ما تحصلت به لاجل الصناعة لم يرغب فيها لعدم رغبته في ذلك فأشبه ما ينفق على الحيوان في مؤنته وكسوته، وعلى المتاع في خزنه (الضرب الثاني) أن يتغير بنقص كالمرض والجناية عليه أو تلف بعضه أو الولادة أو أن يتعيب أو يأخذ المشتري بعضه كالصوف واللبن ونحوه فانه يخبر بالحال ولا نعلم فيه خلافا { مسألة } (وان اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه وان قال اشتريته بعشرة جاز وقال أصحابنا يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر انه اشتراه بخمسة) المستحب في هذه المسألة وأمثالها أو يخبر بالحال على وجهه لان فيه خروجا من الخلاف وهو أبعد من التغرير بالمشتري، فان اخبر انه اشتراه بعشرة ولم يبين جاز وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد لانه صادق فيما أخبر به وليس فيه تهمة فأشبه مالو لم يربح، وروي عن ابن سرين انه يطرح الربح من الثمن الثاني ويخبر أن رأس ماله عليه خمسة، واعجب أحمد قول ابن سيرين قال فان باعه على ما اشتراه يبين أمره يعني انه ربح مرة ثم اشتراه وهذا من أحمد على الاستحباب لما ذكرناه، ولانه الثمن الذي حصل به الملك الثاني أشبه مالو خسر فيه، وقال أبو حنيفة لا يجوز بيعه مرابحة إلا أن يبين أمره أو يخبر ان رأس ماله عليه خمسة وهو قول القاضي وأصحابه لان المرابحة تضمن فيها العقود فيخبر بما تقوم عليه كما تضم أجرة الخياط والقصاب، وقد استفاد بهذا العقد الثاني تقرير الربح في العقد الاول لانه أمن أن يرد عليه، فعلى هذا ينبغي إذا طرح الربح من الثمن الثاني أن يقول تقوم علي
بخمسة ولا يقول اشتريته بخمسة لانه كذب وهو حرام فيصير كما لو ضم أجرة القصارة ونحوها إلى الثمن وأخبر به.
ولنا ما ذكرناه، وما ذكروه من ضم القصارة والخياطة فشئ بنوه على أصولهم لا نسلمه ثم لا يشبه هذا ما ذكروه لان المؤنة لزمته في هذا البيع الذي يلي المرابحة وهذا الربح في عقد آخر قبل هذا الشراء فأشبه الخسارة فيه، وأما تقويم الربح فغير صحيح فان العقد الاول قد لزم ولم يظهر
العيب ولم يتعلق به حكمه، وقد ذكرنا في مثل هذه المسألة ان للمشتري ان يرده على البائع إذا ظهر على عيب قديم وإذا لم يلزمه طرح النماء والغلة فههنا أولى، ويجئ على قولهم انه لو اشترى بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراها بعشرة فانه يخبر انها حصلت عليه بغير شئ، وان اشتراها بعشرة ثم باعها بثلاثة عشر ثم اشتراها بخمسة أخبر انها تقومت عليه بدرهمين، وان اشتراها بخمسة عشر أخبر انها تقومت عليه باثني عشر نص أحمد على نظير هذا، فان لم يربح ولكن اشتراها ثانية بخمسة أخبر بها لانها ثمن للعقد الذي يلي المرابحة، ولو خسر فيها مثل أن اشتراها بخمسة عشر ثم باعها بعشرة ثم اشتراها بأي ثمن كان أخبر به ولم يجز أن يضم الخسارة إلى الثمن الثاني ويخبر به في المرابحة بغير خلاف نعلمه وهو يدل على صحة ما ذكرناه (فصل) وان ابتاع اثنان ثوبا بعشرين ثم بذل لهما فيه اثنان وعشرون فاشترى أحدهما نصيب صاحبه فيه بذلك السعر فانه يخبر في المرابحة باحد وعشرين نص عليه وهذا قول النخعي، وقال الشعبي يبيعه على اثنين وعشرين لان ذلك الدرهم الذي كان أعطيه قد كان أحرزه ثم رجع إلى قول النخعي بعد ذلك ولا نعلم احدا خاف ذلك لانه اشترى نصفه الاول بعشرة والثاني باحد عشر فصار أحدا وعشرين (فصل) قال احمد المساومة عندي أسهل من بيع المرابحة لان بيع المرابحة يعتريه أمانة واسترسال من المشتري ويحتاج فيه إلى تعيين الحال على وجهه ولا يؤمن هوى النفس في نوع تأويل وخطر فيكون على خطر وغرر فتجنب ذلك أسلم وأولى (فصل) وان اشترى رجل نصف سلعة بعشرة واشترى آخر نصفها بعشرين ثم باعاها مساومة بثمن واحد فهو بينهما نصفان لا نعلم فيه خلافا لان الثمن عوض عنها فكان بينهما على حسب ملكهما فيها
كالاتلاف وان باعها مرابحة أو مواضعة أو تولية فكذلك نص عليه أحمد وهو قول ابن سيرين والحكم قال الاثرم قال أبو عبد الله إذا باعها فالثمن بينهما نصفان.
قلت أعطى أحدهما أكثر مما أعطى الآخر؟ فقال وان اليس الثوب بينهما الساعة سواء؟ فالثمن بينهما لان كل واحد منهما يملك مثل الذي يملك صاحبه.
وحكى أبو بكر عن أحمد ان الثمن بينهما على قدر رءوس أموالهما لان بيع المرابحة يقتضي أن يكون الثمن في مقابلة رأس المال فيكون مقسوما بينهما على حسب رءوس أموالهما، قال شخينا ولم أجد عن أحمد رواية بما قال أبو بكر، وقيل هذا وجه خرجه أبو بكر وليس برواية والمذهب الاول لان الثمن عوض المبيع وملكهما متساو فيه فكان ملكهما لعوضه متساويا كما لو باعه مساومة (فصل) قال رضي الله عنه (السابع خيار يثبت لاختلاف المتبايعين فمتى اختلفا في قدر الثمن تحالفا فيبدأ بيمين البائع فيحلف ما بعته بكذا وانما بعتكه بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وانما اشتريته بكذا)
إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة فقال البائع بعتك بعشرين، وقال المشتري بعشرة ولاحدهما بينة حكم بينهما وان لم يكن لهما بينة تحالفا، وبه قال شريح وأبو حنيفة والشافعي وهي رواية عن مالك وله رواية أخرى القول قول المشتري مع يمينه، وبه قال أبو ثور وزفر لان البائع يدعي عشرة ينكرها المشتري والقول قول المنكر، وقال الشعبي القول قول البائع أو يترادان البيع وحكاه ابن المنذر عن أحمد لما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع " رواه سعيد وابن ماجه وغيرهما والمشهور في المذهب الاول.
ويحتمل أن يكون معنى القولين واحدا وأن القول قول البائع مع يمينه فإذا حلف فرضي المشتري بذلك أخذ به وان ابى حلف أيضا وفسخ البيع لان في بعض الفاظ حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لاحدهما تحالفا " ولان كل واحد منهما مدع ومدعي عليه فان البائع يدعي عقدا بعشرين ينكره المشتري والمشتري يدعي عقدا بعشرة ينكره البائع والعقد بعشرة غير العقد بعشرين فشرعت اليمين في حقهما وهذا الجواب عما ذكروه (فصل) والمبتدئ باليمين البائع فيحلف ما بعته بكذا وانما بعته بكذا فان شاء المشتري اخذه بما قال
البائع والاحلف ما اشتريته بكذا وانما اشتريته بكذا، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يبدأ يبين المشتري لانه منكر واليمين في جنبته أقوى ولانه يقضى بنكوله ينفصل الحكم وما كان اقرب إلى فصل الخصومة كان أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع " وفي لفظ " فالقول قول البائع والمشتري بالخيار " رواه احمد ومعناه ان شاء اخذ وان شاء حلف ولان البائع اقوى جنبة لانها إذا تحالفا عاد المبيع إليه فكان أقوى كصاحب اليد وقد بينا أن كل واحد منهما منكر فيتساويان من هذا الوجه والبائع إذا حلف فهو بمنزلة نكول المشتري يحلف الآخر ويقتضى به فهما سواء ويكفي كل واحد منهما يمين واحدة لانه اقرب إلى فصل القضاء { مسألة } (فان نكل احدهما لزمه ما قال صاحبه) يعني إذا حلف البائع فنكل المشتري عن اليمين قضي عليه وان نكل المشتري حلف المشتري وقضي له، ووجه ذلك حديث ابن عمر لما باع زيدا عبدا واختلفا في عيب فيه فاحتكما إلى عثمان فوجبت على عبد الله اليمين فلم يحلف فرد عثمان عليه العبد رواه الامام احمد { مسألة } (فان تخالفا فرضي احدهما بقول صاحبه أقر العقد وإلا فلكل واحد منهما الفسخ) إذا تخالفا لم ينفسخ البيع بنفس التخالف لانه عقد صحيح فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة كما لو قامت البينة لكل واحد منهما، لكن إن رضي احدهما مما قال الآخر اجبر الآخر عليه واقر
العقد بينهما وان لم يرض واحد منهما فلكل واحد منهما الفسخ هذا ظاهر كلام أحمد ويحتمل ان يقف الفسخ على الحاكم وهو ظاهر مذهب الشافعي لان العقد صحيح وأحدهما ظالم وانما يفسخه الحاكم لتعذر امضائه في الحكم اشبه نكاح المرأة إذا زوجها الوليان وجهل السابق منهما ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أو يترادان البيع " وظاهره استقلالهما بذلك، وروي أن ابن مسعود باع الاشعث بن قيس رقيقا من رقيق الامارة فقال عبد الله بعتك بعشرين الفا، وقال الاشعث شريت منك بعشرة آلاف، فقال عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة والبيع قائم بعينه فالقول قول البائع أو يترادان البيع " قال فاني أرد البيع رواه سعيد
وروى أيضا حديثا عن عبد الملك بن عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم كان للمشتري الخيار إن شاء اخذ وان شاء ترك " وهذا ظاهر في أنه يفسخ من غير حاكم لانه جعل الخيار إليه فأشبه من له خيار الشرط ولانه فسخ لا ستدراك الظلامة أشبه الرد بالعيب ولا يشبه النكاح لان لكل واحد من الزوجين الاستقلال بالطلاق { مسألة } (وان كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها فان اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري وعنه لا يتحالفان إذا كانت تالفة والقول قول المشتري مع يمينه) إذا اختلفا في ثمن السلعة بعد تلفها فعن احمد فيها روايتان (إحداهما) يتحالفان هكذا ذكره الخرقي مثل لو كانت قائمة، وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك (والاخرى) القول قول المشتري مع يمينه اختارها أبو بكر وهو قول النخعي والثوري والاوزاعي وابي حنيفة لقوله عليه السلام في الحديث " والسلعة قائمة " مفهومه انه لا يشرع التحالف عند تلفها ولانهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واستحقاق عشرة في ثمنها، واختلفا في عشرة زائدة البائع يدعيها والمشتري ينكرها والقول قول المنكر وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث الوارد فيه ففيما عداه يبقى على القياس، ووجه الرواية الاولى عموم قوله عليه السلام " إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمشتري بالخيار " قال أحمد ولم ينقل فيه " والبيع قائم " الا يزيد بن هارون قال أبو عبد الله وقد اخطأ، رواه الخلق عن المسعودي ولم يقولوا هذه الكلمة، ولان كل واحد منهما مدع ومنكر فيشرع اليمين كحال قيام السلعة فان ذلك لا يختلف بقيام السلعة وتلفها، وقولهم تركناه للحديث قلنا لم يثبت في الحديث، قال ابن المنذر وليس في هذا الباب حديث يعتمد عليه، وعلى أنه إذا خولف الاصل لمعنى وجب تعدية الحكم بتعدي ذلك المعنى فنقيس عليه بل يثبت الحكم بالبينة فان التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة مع انه يمكن معرفة ثمنها للمعرفة بقيمتها فان الظاهر أن الثمن يكون بالقيمة فمع تعذر ذلك أولى، فإذا تحالفا
فان رضي أحدهما بما قال الآخر لم يفسخ العقد لعدم الحاجة إلى فسخه وإن لم يرضيا فلكل واحد منهما فسخه كما إذا كانت السلعة باقية ويرد الثمن إلى المشتري ويدفع المشتري قيمة السلعة إلى البائع فان
كانا من جنس واحد وتساويا بعد التقابض تقاصا، وينبغي أن لا يشرع التحالف ولا الفسخ فيما إذا كانت قيمة السلعة مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري ويكون القول قول المشتري مع يمينه لانه لا فائدة في ذلك لان الحاصل به الرجوع إلى ما ادعاه المشتري.
وإن كانت القيمة أقل فلا فائدة للبائع في الفسخ فيحتمل أن لا يشرع له اليمين ولا الفسخ لان ذلك ضرر عليه من غير فائدة، ويحتمل أن يشرع لتحصل الفائدة للمشتري، ومتى اختلفا في قيمة السلعة رجعا إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها، فان اختلفا في الصفة فالقول قول المشترى مع يمينه لانه غارم (فصل) وإن تقايلا المبيع أو رد بعيب بعد قبض البائع الثمن ثم اختلفا في قدره فالقول قول البائع لانه منكر لما يدعيه المشتري بعد انفساخ العقد أشبه ما إذا اختلفا في القبض { مسألة } (وإن ماتا فورثتهما في منزلتهما) في جميع ما ذكرناه لانهم يقومون مقامهما في أخذ مالهما وارث حقوقهما فكذلك فيما يلزمهما أو يصير لهما، ولانها يمين في المال فقام الوارث فيها مقام الموروث كاليمين في الدعوى { مسألة } (ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ظاهرا وباطنا وإن فسخ الظالم لم ينفسخ قي حقه باطنا وعليه اثم الغاصب) وجملة ذلك أن الفسخ إذ وجد منهما فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أن الفسخ ينفذ ظاهرا وباطنا لانه فسخ لا ستدراك الظلامة فهو كالرد بالعيب أو فسخ عقد بالتحالف فأشبه الفسخ باللعان.
وقال أبو الخطاب إن كان البائع ظالم لم ينفسخ العقد في الباطن لانه لا يمكنه امضاء العقد واستيفاء حقه فلا ينفسخ العقد في الباطن ولا يباح له التصرف في المبيع لانه غاصب، وإن كان المشتري ظالما انفسخ البيع ظاهرا وباطنا لعجز البائع عن استيفاء حقه فكان له الفسخ كما لو أفلس المشتري، ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين، ولهم وجه ثالث أنه لا ينفسخ في الباطن بحال وهذا فاسد لانه لو علم أنه لا ينفسخ في الباطن بحال لما أمكن فسخه في الظاهر فانه لا يباح لكل واحد منهما التصرف فيما رجع إليه بالفسخ ومتى علم ان ذلك محرم منع منه، ولان الشارع جعل للمظلوم منهما الفسخ ظاهرا وباطنا فانفسخ بفسخه في الباطن كالرد بالعيب (قال شيخنا) ويقوى عندي إن فسخه المظلوم منهما انفسخ ظاهرا وباطنا
كذلك، وإن فسخه الكاذب عالما بكذبه لم ينفسخ بالنسبة إليه لانه لا يحل به الفسخ فلم يثبت حكمه بالنسبة إليه ويثبت بالنسبة إلى صاحبه فيباح له التصرف فيما رجع إليه لانه رجع إليه بحكم من غير
عدوان منه فأشبه مالو رد عليه المبيع بدعوى العيب ولا عيب فيه { مسألة } (وان اختلفا في صفة الثمن تحالفا إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه) إذا اختلفا في صفة الثمن رجع إلى نقد البلد نص عليه في رواية الاثرم لان الظاهر أنهما لا يعقدان إلا به، وإن كان في البلد نقود رجع إلى أوسطها نص عليه في رواية جماعة فيحتمل أنه أراده إذا كان هو الاغلب والمعاملة به أكثر لان الظاهر وقوع المعاملة به أشبه إذا كان في البلد نقد واحد، ويحتمل أنه ردهما إليه مع التساوي لان فيه تسوية بينهما في الحق وتوسطا بينهما وفي العدول إلى غيره ميل على أحدهما فكان التوسط أولى، وعلى مدعي ذلك اليمين لان قول خصمه محتمل فيجب اليمين لنفي ذلك الاحتمال كوجوبها على المنكر، وإن لم يكن في البلد إلا نقدان تحالفا لانهما اختلفا في الثمن على وجه لم يترجح قول أحدهما فيتحالفان كما لو اختلفا في قدره { مسألة } (وإن اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه، وعنه يتحالفان إلا أن يكون شرطا فاسدا فالقول قول من يثبته) إذا اختلفا في أجل أو شرط أو رهن أو ضمين أو في قدر الاجل أو الرهن فالقول قول من ينفيه في احدى الروايتين مع يمينه وهذا قول أبي حنيفة لان الاصل عدمه فكان القول قول من يدعيه كأصل العقد (والثانية) يتحالفان وهو قول الشافعي لانهما اختلفا في صفة العقد فوجب أن يتحالفا كما لو اختلفا في الثمن فأما ان اختلفا فيما يفسد العقد فقال بعتك بخمس أو خيار مجهول أو في شرط فاسد، وقال لابل بعتني بنقد معلوم أو خيار معلوم إلى ثلاث فالقول قول من يدعي الصحة مع يمينه لان ظهور تعاطي المسلمين الصحيح أكثر من تعاطي الفاسد، وان قال بعتك مكرها فأنكر فالقول قول المشتري لان الاصل عدم الاكراه وصحة البيع كذلك، وان قال بعتك وأنا صبي فالقول قول المشتري نص عليه وهو قول الثوري واسحاق لانهما اتفقا على العقد واختلفا فيما يفسده فكان القول
قول من يدعي الصحة كالتي قبلها، ويحتمل أن يقبل قول من يدعي الصغر لانه الاصل وهو قول بعض أصحاب الشافعي ويفارق ما إذا اختلفا في الاكراه والشرط الفاسد من وجهين (احدهما) أن الاصل عدمه وههنا الاصل بقاؤه (والثاني) أن الظاهر من المكلف أنه لا يتعاطى إلا الصحيح وههنا ما ثبت أنه كان مكلفا، وإن قال بعتك وأنا مجنون فان لم يعلم حال جنون فالقول قول المشتري لان الاصل عدمه، وإن ثبت أنه كان مجنونا فهو كالصبي، وان قال بعتك وأنا غير مأذون لي في التجارة فالقول قول المشتري نص عليه في رواية منها لانه مكلف فالظاهر أنه لا يعقد إلا عقدا صحيحا { مسألة } (وإن قال بعتني هذين قال بل أحدهما فالقول قول البائع)
أما إذا قال بعتني هذا العبد والامة بمائة قال بل بعتك العبد بخمسين فالقول قول البائع لان المشتري يدعي عقدا ينكره البائع والقول قول المنكر، وإن قال البائع بعتك هذا العبد بألف فقال بل هو والعبد الآخر بألف فالقول قول البائع مع يمينه وهو قول أبي حنيفة لان البائع ينكر بيع العبد الزائد فكان القول قوله مع يمينه كما لو ادعى شراءه منفردا.
وقال الشافعي يتحالفان لانهما اختلفا في أحد عوضي العقد أشبه ما لو اختلفا في الثمن وهذا القول أقيس وأولى إن شاء الله تعالى { مسألة } (وان قال بعتني هذا قال بل هذا حلف كل واحد منهما على ما أنكره ولم يثبت بيع واحد منهما) وذلك مثل أن يقول البائع بعتك هذا العبد قال بل بعتني هذه الجارية لان كل واحد منهما يدعي عقدا على عين ينكرها المدعي عليه والقول قول المنكر فإذا حلف البائع ما بعتك هذه الجارية اقرت في يده وإن كان مدعيها قد قبضها ردت عليه واما العبد فان كان في يد البائع اقر في يده ولم يكن للمشتري طلبه لانه لا يدعيه وعلى البائع رد الثمن إليه لانه لم يصل إليه المعقود عليه، وإن كان في يد المشتري فعليه رده إلى البائع لانه يعترف انه لم يشتره وليس للبائع طلبه إذا بذل ثمنه لاعترافه بيعه، وإن لم يعطه ثمنه فله فسخ البيع واسترجاعه لتعذر الثمن عليه فملك الفسخ كما لو أفلس المشتري، وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه ثبت العقدان لانهما لا يتنافيان فأشبه مالو ادعى أحدهما البيع فيهما جميعا وأنكره الآخر، وإن أقام أحدهما بينة دون
الآخر ثبت ما قامت عليه البينة دون الآخر { مسألة } (وان قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري لا أسلمه حتى أقبض المبيع وكان الثمن عينا أو عرضا جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم اليهما) لان حق البائع قد تعلق بعين الثمن كما تعلق حق المشتري بعين المبيع فاستويا وقد وجب لكل واحد منهما على الآخر حق قد استحق قبضه فاجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه حقه وهذا قول الثوري وأحد أقوال الشافعي، وعن أحمد ما يدل على أن البائع يجبر على تسليم المبيع أولا وهو قول ثان للشافعي والاول أولى لما ذكرنا، وقال أبو حنيفة ومالك يجبر المشتري على تسليم الثمن قبل الاستيفاء كالمرتهن ولنا أن تسليم المبيع يتعلق به استقرار البيع وتمامه فكان تقديمه أولى ويخالف الرهن فانه لا تتعلق به مصلحة عقد الرهن والتسليم ههنا يتعلق به مصلحة عقد البيع وان كان دينا أجبر البائع على تسليم المبيع ثم أجبر المشتري على تسليم الثمن لان حق المشتري تعلق بعين المبيع وحق البائع تعلق بالذمة وتقديم ما تعلق بالعين أولى لتأكده وكذلك تقديم الدين الذي به الرهن على ما في الذمة
وكذلك تقديم أرش الجناية على الدين لذلك، وقال مالك وأبو حنيفة يجبر المشتري أولا على تسليم الثمن كالمسألة قبلها وقد ذكرنا ما يدل على خلافه، إذا ثبت هذا وأجبنا على البائع التسليم فسلم فان كان المشتري موسرا والثمن حاضرا أجبر على تسليمه وان كان الثمن غائبا عن البلد في مسافة القصر أو كان المشتري معسرا فللبائع الفسخ لان عليه ضررا في تأخير الثمن فكان له الفسخ والرجوع في عين ماله كالمفلس، وان كان الثمن في بيته أو بلده حجر على المشتري في المبيع وسائر ماله حتى يسلم الثمن لئلا يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع، وان كان غائبا عن البلد قريبا دون مسافة القصر فللبائع الفسخ في أحد الوجهين لان عليه ضررا في تأخير الثمن أشبه المفلس (والثاني) لا يثبت له خيار الفسخ لانه كالحاضر فعلى هذا يحجر على المشتري كما لو كان في البدل وهذا كله مذهب الشافعي، وقال شيخنا ويقوى عندي انه لا يجب على البائع تسليم المبيع حتى يحضر الثمن ويتمكن من تسليمه لان البائع انما رضي ببذل المبيع بالثمن فلا يلزمه دفعه قبل حصول عوضه ولان المتعاقدين سواء في المعاوضة
فيستويان في التسليم وانما يؤثر ما ذكر في الترجيح في تقديم التسليم مع حضور العوض الآخر لعدم الضرر فيه أما مع الحظر المحوج إلى الحجر أو المجوز الفسخ فلا ينبغي ان يثبت ولان شرع الحجر لا يندفع به الضرر لانه يقف على الحاكم ويتعذر ذلك في الغالب ولان ما أثبت الحجر والفسخ بعد التسليم أولى أن يمنع التسليم لان المنع أسهل من الرفع، والمنع قبل التسليم أسهل من المنع بعده ولذلك ملكت المرأة منع نفسها من التسليم قبل قبض صداقها ولم تملكه بعد التسليم على أحد الوجهين.
وكل موضع قلنا له الفسخ فانه يفسخ بغير حكم حاكم لانه فسخ للبيع فتعذر ثمنه فملكه البائع كالفسخ في عين ماله إذا أفلس المشتري وكل موضع قلنا يحجر عليه فذلك إلى الحاكم لان ولاية الحجر إليه (فصل) فان هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر فللبائع الفسخ في الحال لانه يملك الفسخ مع حضوره فمع هربه أولى وان كان موسرا أثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم ان وجد الحاكم له ما لا قضاه والا باع المبيع وقضى ثمه منه وما فضل فللمشتري وان أعوز ففي ذمته، قال شيخنا ويقوى عندي ان للبائع الفسخ بكل حال لانا ابحنا له الفسخ مع حضوره إذا كان الثمن بعيدا عن البلد للضرر في التأخير فههنا مع العجز عن الاستيفاء بكل حال أولى، ولا يندفع الضرر برفع الامر إلى الحاكم لانه قد يعجز عن اثباته عنده وقد يكون المبيع في مكان لاحاكم فيه والغالب ان لا يحضره من يعرفه الحاكم بالعدالة فاحالته على هذا تضييع لماله وهذه الفروع تقوى ما ذكرته من ان للبائع منع المشتري من قبض المبيع قبل احضار الثمن لما في ذلك من الضرر
(فصل) وليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لاجل الاستبراء وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك في القبيحة وقال في الجميلة يضعها على يدي عدل حتى تستبرأ لان التهمة تلحقه فيها فمنع منها.
ولنا انه بيع عين لاخيار فيها قد قبض ثمنها فوجب تسليمها كسائر المبيعات وما ذكره من التهمة لا يمكنه من المنع كالقبيحة ولانه ان كان استبرأها قبل بيعها فاحتمال وجود الحمل منها بعيد نادر وان كان لم يستبرئها فهو الذي ترك التحفظ لنفسه، ولو طالب المشتري البائع بكفيل لئلا تظهر حاملا لم يكن له ذلك لانه ترك التحفظ لنفسه حال العقد فلم يكن له كفيل كما لو طالب كفيلا بالثمن المؤجل
{ مسألة } (ويثبت الخيار للتخلف في الصفة وتغير ما تقدمت رؤيته وقد ذكرناه) في الفصل السادس من كتاب البيع بما يغني عن اعادته (فصل) قال رضي الله عنه (ومن اشترى مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه حتى يقبضه، وان تلف قبل قبضه فهو من مال البائع إلا ان يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد وامضائه ومطالبة متلفه ببدله وعنه في الصبرة المتعينة انه يجوز بيعها قبل قبضها، وان تلفت فهي من ضمان المشتري) ظاهر المذهب ان المكيل والموزون لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه، وهو ظاهر كلام الخرقي وكذلك قال في المعدود سواء كان متعينا كالصبرة أو غير متعين كقفيز منها، وهو ظاهر كلام احمد ونحوه قول اسحاق، وروي عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد بن ابي سليمان ان كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز بيعه قبل قبضه وما ليس بمكيل ولا موزون يجوز بيعه قبل قبضه، وقال القاضي واصحابه المراد بالمكيل والموزون والمعدود ما ليس بمتعين كالقفيز من صبرة والرطل من زبدة، فأما المتعين فيدخل في ضمان المشتري كالصبرة يبيعها من غير تسمية كيل، وقد نقل عن احمد نحو ذلك فانه قال في رواية أبي الحارث في رجل اشترى طعاما فطلب من يحمله فرجع وقد احترق فهو من مال المشتري.
وذكر الجوز جاني عنه فيمن اشترى ما في السفينة صبرة لم يسم كيلا فلا بأس أن يشترك فيها ويبيع ما شاء الا أن يكون بينهما كيل فلا يولى عليه، ونحو هذا قال مالك فانه قال فيما بيع من الطعام مكايلة أو موازنة لم يجز بيعه قبل قبضه وما بيع مجازفة أو بيع من غير الطعام مكايلة أو موازنة جاز بيعه قبل قبضه، ووجه ذلك ماروى الاوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع رواه البخاري عن ابن عمر من قوله تعليقا.
وقول الصحابي مضت السنة يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولان المبيع المعين لا يتعلق به حق توفية فكان من مال المشتري كغير المكيل والموزون ونقل عن احمد أن المطعوم لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء كان مكيلا أو موزونا أو لم يكن، فعلى هذا
يختص ذلك بالمطعوم في أنه لايدخل في ضمان المشتري الا بقبضه فان الترمذي روى عن أحمد انه
أرخص في بيع ما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب قبل قبضه، وقال الاثرم سألت أبا عبد الله عن قوله نهى عن ربح ما لا يضمن قال هذا في الطعام وما أشبهه من مأكول أو مشروب فلا يبيعه حتى يقبضه، وقال ابن عبد البر الاصح عن احمد بن حنبل ان الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فمفهومه إباحة بيع ما سواه قبل قبضه وروى ابن عمر قال رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم وهذا نص في بيع المعين وعموم قوله عليه السلام " من ابتاع طعاما فلا يبيعه (بالرفع وفي رواية فلا يبعه بالجزم والخبر في الاولى بمعنى الانشاء) حتى يستوفيه " متفق عليهما.
ولمسلم عن ابن عمر قال.
كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أن نبيعه حتى ننقله من مكانه.
وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه ولو دخل في ضمان المشتري جاز بيعه والتصرف فيه كما بعد قبضه، وهذا يدل على تعميم المنع في كل طعام مع تنصيصه على البيع مجازفة بالمنع وهو خلاف قول القاضي وأصحابه ويدل بمفهومه على أن ما عدا الطعام يخالفه في ذلك (فصل) وكل مالا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه لا يجوز له بيعه حتى يقبضه وقد ذكرنا ذلك وذكرنا الذي يحتاج إلى قبض والخلاف فيه لما ذكرنا من الاحاديث ولانه من ضمان بائعه فلم يجز بيعه كالسلم ولم نعلم بين أهل العلم في ذلك خلافا إلا ما حكي عن البتي أنه لا بأس ببيع كل شئ قبل قبضه.
قال ابن عبد البر وهذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام أظنه لم يبلغه الحديث ومثل هذا لا يلتفت إليه.
(فصل) والمبيع بصفة أو برؤية متقدمة من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع فعلى هذا لا يجوز بيعه قبل قبضه لانه يتعلق به حق توفية فجرى مجرى المكيل والموزون (فصل) وما يحتاج إلى القبض إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع، فان تلف بآفة سماوية بطل العقد ورجع المشتري بالثمن وان بان بفعل المشتري استقر عليه الثمن وكان كالقبض لانه تصرف فيه، وان اتلفه أجنبي لم يبطل العقد على قياس قوله في الجائحة ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن لان التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده وبين البقاء على العقد ومطالبة
المتلف بالمثل إن كان مثليا وبالقيمة ان لم يكن مثليا، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا، وان اتلفه البائع فقال اصحابنا الحكم فيه كما لو اتلفه اجنبي، وقال الشافعي: ينفسخ العقد ويرجع المشتري بالثمن لاغير لانه تلف يضمنه به البائع اشبه تلفه بفعل الله تعالى، وفرق اصحابنا بينهما لكونه إذا تلف بفعل
الله تعالى لم يوجد مقتض للضمان سوى حكم العقد بخلاف ما إذا اتلفه، فان اتلافه يقتضي الضمان بالمثل وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء (فصل) وان تعيب في يد البائع أو تلف بعضه بامر سماوي فالمشتري مخير بين أخذه ناقصا ولا شئ له وبين فسخ العقد والرجوع بالثمن لانه ان رضيه معيبا فكأنه اشترى معيبا عالما بعيبه لا يستحق شيئا من اجل العيب، وان فسخ العقد لم يكن له أكثر من الثمن لانه لو تلف المبيع كله لم يكن له اكثر من الثمن أو تلف بعضه لم يكن له الفسخ لذلك لانه أتلف ملكه فلم يرجع على غيره وان كان بفعل البائع فقياس قول أصحابنا أن المشتري مخير بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين أخذه والرجوع على البائع بعوض ما أتلف أو عيب، وقياس قول الشافعي أنه بمنزلة ما لو تلف بفعل الله تعالى وان كان بفعل أجنبي فله الفسخ والمطالبة بالثمن وأخذ المبيع ومطالبة الاجنبي بعوض ما أتلف (فصل) ولو باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه فان كانت في يد المشتري فهو كما لو أتلفه، وان كانت في يد البائع فهو كاتلافه وكذلك ان كانت في يد أجنبي فهو كاتلافه، وان لم يكن في يد أحد انفسخ البيع لان المبيع هلك قبل قبضه بامر لا ينسب إلى آدمي فهو كتلفه بفعل الله تعالى (فصل) ولو اشترى شاة أو عبدا أو شقصا بطعام فقبض الشاة أو العبد وباعهما أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ الاول دون الثاني ولا يبطل الاخذ بالشفعة لانه كمل قبل فسخ العقد ويرجع مشتري الطعام على مشتري الشاة أو العبد أو الشقص بقيمة ذلك لتعذر رده، وعلى الشفيع مثل الطعام لانه عوض الشقص { مسألة } (وعنه في الصبرة المتعينة أنه يجوز بيعها قبل قبضها وان تلفت فهي من ضمان المشتري) نقلها عنه أبو الحارث والجوزجاني واختاره القاضي وأصحابه ونحوه قول مالك لقول ابن عمر مضت
السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المتاع وقد ذكرنا ذلك { مسألة } (وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه وان تلف فهو من مال المشتري) وحكى أبو الخطاب رواية أخرى أنه كالمكيل والموزون في ذلك كله ما عدا المكيل والموزون والمعدود والمطعوم على ما ذكرنا فيه من الخلاف يجوز التصرف فيه قبل قبضه في أظهر الروايتين ويروى مثل هذا عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحكم وحماد والاوزاعي واسحاق، وعن احمد رواية أخرى لا يجوز بيع شئ قبل القبض اختارها ابن عقيل، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول أبي حنيفة والشافعي الا ان أبا حنيفة اختار بيع العقار قبل قبضه وإذا قلنا بجواز التصرف فيه فتلف فهو من ضمان المشترى، وقال أبو حنيفة كل مبيع قبل قبضه من ضمان البائع الا العقار، وقال الشافعي
هو من ضمان البائع في الجميع، وحكى أبو الخطاب عن أحمد مثل ذلك.
واحتجوا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع الطعام قبل قبضه، وبما روي عن ابن عباس أنه قال أرى كل شئ بمنزلة الطعام (1) (الطعام ربوي وعليه مدار المعيشة فلا يقاس عليه ما ليس مثله في ذلك) وبما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شرا الصدقات حيث تقبض، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عتاب بن أسيد إلى مكة قال " انههم عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا " ولانه لم يتم الملك عليه فلم يجز بيعه كغير المتعين أو كالمكيل والموزون.
ولنا على جواز بيعه قبل قبضه ما روى ابن عمر قال كنا نبيع الابل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " وهذا تصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين، وروى ابن عمر أنه كان على بكر صعب يعني لعمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " بعنيه " فقال هو لك يا رسول فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد الله ابن عمر فاصنع به ما شئت " وهذا ظاهر في التصرف في المبيع بالهبة قبل قبضه، واشترى من جابر جملا ونقده ثمنه ثم وهبه اياه قبل قبضه ولانه أحد نوعي المعقود عليه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالمنافع في الاجارة يجوز له اجارة العين المستأجرة قبل قبض
المنافع ولانه مبيع لا يتعلق به حق توفية فصح بيعه كالمال في يد المودع والمضارب ولنا على أنه إذا تلف فهو من ضمان المشتري قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " وهذا المبيع نماؤه للمشتري فضمانه عليه وقول ابن عمر مضت السنة ان ما ادركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع، وأما احاديثهم فقد قيل لم يصح منها الا حديث الطعام وهو حجة لنا بمفهومه فان تخصيص الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه يدل على جوازه فيما سواه وقولهم لم يتم الملك عليه ممنوع فان السبب المقتضي للملك متحقق واكثر ما فيه تخلف القبض واليد ليست شرطا في صحة البيع بدليل جواز بيع المال المودع والموروث والتصرف في الصداق وعوض الخلع عند أبي حنيفة (فصل) وما لا يجوز بيعه قبل قبضه لا يجوز بيعه لبائعه لعموم الخبر فيه قال القاضي ولو ابتاع شيئا مما يحتاج إلى قبض فلقيه ببلد آخر لم يكن له أخذ بدله ان تراضيا لانه مبيع لم يقبض فان كان مما لا يحتاج إلى قبض جاز أخذ البدل عنه الا أن يكون سلما لانه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه (فصل) وكل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه كالذي ذكرنا والاجرة وبدل الصلح إذا كانا من المكيل أو الموزون أو المعدود.
وما لا ينفسخ العقد بهلاكه يجوز التصرف فيه قبل القبض كعوض الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد وأرش الجناية وقيمة المتلف لان المقتضي للتصرف الملك وقد وجد لكن ما يتوهم فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود
عليه لم يجز بناء عقد آخر عليه تحرزا من الغرر ومالا يتوهم فيه ذلك الغرر انتفى المانع فجاز العقد عليه وهذا قول أبي حنيفة، والمهر كذلك عند القاضي، وهو قول أبي حنيفة لان العقد لا ينفسخ بهلاكه، وقال الشافعي لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه ووافقه أبو الخطاب في غير المتعين لانه يخشى رجوعه بانتقاض سببه بالردة قبل الدخول أو انفساخه بسبب من جهة المرأة أو بصفة بالطلاق أو انفساخه بسبب من غير جهتها وكذلك قال الشافعي في عوض الخلف وهذا التعليل باطل بما بعد القبض فان قبضه لايمنع الرجوع فيه قبل الدخول، فاما ما ملك بارث أو وصية أو غنيمة أو تعين ملكه فيه فانه يجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره قبل قبضه لانه غير مضمون بعقد معاوضة فهو كالمبيع المقبوض، وهذا
مذهب أبي حنيفة والشافعي وان كان لانسان في يد غيره وديعة أو عارية أو مضاربة أو جعله وكيلا فيه جاز له بيعه ممن هو في يده ومن غيره لانه عين مال مقدور على تسليمها لا يخشى انفساخ الملك فيها فهي كالتي في يده فان كان غصبا فقد ذكرنا حكمه (فصل) فان اشترى اثنان طعاما فقبضاه ثم باع أحدهما الآخر نصيبه قبل ان يقسماه احتمل أن لا يجوز وكرهه الحسن وابن سيرين فيما يكال أو يوزن لانه لم يقبض نصيبه منفردا فأشبه غير المقبوض ويحتمل الجواز لانه مقبوض لهما يجوز بيعه لا جنبي فجاز بيعه لشريكه كسائر الاموال فان تقاسماه وتفرقا ثم باع أحدهما نصيبه بذلك الكيل الذي كاله له لم يجز كما لو اشترى من رجل طعاما فاكتاله وتفرقا ثم باعه اياه بذلك الكيل وان لم يتفرقا خرج على الروايتين اللتين ذكرناهما (فصل) وكل مالا يجوز بيعه قبل قبضه لا يجوز فيه الشركة ولا التولية ولا الحوالة به، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك يجوز هذا كله في الطعام قبل قبضه لانها تختص بمثل الثمن الاول فجازت قبل القبض كالاقالة، ولنا ان التولية والشركة من أنواع البيع فان الشركة بيع بعضه بقسطه من ثمنه والتولية بيع جميعه بمثل ثمنه فيدخل في عموم النهي عن بيع الطعام قبل قبضه ولانه تمليك لغير من هو في ذمته فأشبه البيع.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: