الفقه الحنبلي - بيع الجواري

فان قيل فلو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا وجب ضمانه قلنا الضارب يجب عليه غرة وههنا يضمنه بقيمته ولا قيمة له ولان الجاني أتلفه وقطع نماءه وههنا يضمنه بالحيلولة بعينه فان كان الضارب اجنبيا فالقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة عبد أو أمة وللسيد أقل الامرين من دية الجنين أو قيمته يوم سقط لان ضمان الضارب له قام مقام خروجه حيا ولذلك ضمنه للبائع وانما كان للسيد أقل الامرين لان الغرة ان كانت أكثر من القيمة فالباقي منها لورثته لانه حصل بالحرية فلا يستحق السيد منها شيئا وان كانت أقل لم يكن على الضارب أكثر منها لانه بسبب ذلك ضمن، وان ضرب الواطئ بطنها فألقت الجنين ميتا فعليه الغرة أيضا ولا يرث منها شيئا، وللسيد أقل الامرين كما ذكرنا، وان سلم الجارية المبيعة إلى البائع حاملا فولدت عنده ضمن نقص الولادة وان تلفت بذلك ضمنها لان تلفها بسبب منه وان ملكها الواطئ لم تصر بذلك أم ولد على الصحيح من المذهب لانها علقت منه في غير ملكه فأشبهت الزوجة وهكذا كل موضع حبلت في ملك غيره لا تصير له أم ولد بهذا (فصل) إذا باع المشتري المبيع الفاسد لم يصح لانه باع ملك غيره بغير اذنه، وعلى المشتري رده على البائع الاول لانه مالكه ولبائعه أخذه حيث وجده، ويرجع المشتري الثاني بالثمن على الذي باعه ويرجع الاول على بائعه فان تلف في يد الثاني فللبائع مطالبة من شاء منهما لان الاول ضامن والثاني قبضه من يد ضامنه بغير اذن صاحبه فكان ضامنا.
فان كانت قيمته أكثر من ثمنه فضمن الثاني لم يرجع بالفضل على الاول لان التلف في يده فاستقر الضمان عليه، وان ضمن الاول رجع بالفضل على الثاني (فصل) وان زاد المبيع في يد المشتري بسمن أو نحوه ثم نقص حتى عاد إلى ما كان عليه أو ولدت الامة في يد المشتري ثم مات ولدها احتمل أن يضمن تلك الزيادة لانها زيادة في عين مضمونة أشبهت الزيادة في المغصوب واحتمل أن لا يضمنها لانه دخل على أن لا يكون في مقابلة الزيادة عوض، فعلى
هذا تكون الزيادة أمانة في يده ان تلفت بتفريطه أو عدوانه ضمنها والافلا، وان تلفت العين بعد
زيادتها أسقطت تلك الزيادة من القيمة وضمنها بما بقي من القيمة حين التلف، قال القاضي وهذا ظاهر كلام احمد (فصل) وإذا باع بيعا فاسدا وتقابضا ثم أتلف البائع الثمن ثم أفلس فله الرجوع في المبيع والمشتري أسوة الغرماء وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة المشتري أحق بالمبيع من سائر الغرماء لانه في يده فكان أحق به كالمرتهن.
ولنا أنه لم يقبضه وثيقة فلم يكن أحق به كما لو كان وديعة عنده بخلاف المرتهن فانه قبضه على أنه وثيقة بحقه (فصل) وإذا قال بع عبدك من فلان بألف على أن علي خمسمائة فباعه بهذا الشرط فالبيع فاسد لان الثمن يجب أن يكون جميعه على المشتري، فإذا شرط كون بعضه على غيره لم يصح لانه لا يملك المبيع والثمن على غيره، ولا يشبه هذا ما لو قال " أعتق عبدك أو طلق امرأتك وعلي خمسمائة.
لكون هذا عوضا في مقابلة فك الزوجة ورقبة العبد ولذلك لم يجز في النكاح.
أما في مسألتنا فانه معاوضة في مقابلة نقل الملك فلا يثبت لان العوض على غيره، وان كان هذا القول على وجه الضمان صح البيع ولزم الضمان (الثالث أن يشترط شرطا يعلق البيع كقوله بعتك ان جئتني بكذا أو ان رضي فلان) فلا يصح البيع لانه علق البيع على شرط مستقبل فلم يصح كما إذا قال: بعتك إذا جاء رأس الشهر { مسألة } (وكذلك إذا قال المرتهن ان جئتك بحقك في محله والا فالرهن لك، فلا يصح البيع، الا بيع العربون وهو أن يشتري شيئا ويعطي البائع درهما ويقول ان اخدته وإلا فالدرهم لك.
فقال احمد يصح لان عمر فعله وعند أبي الخطاب أنه لا يصح) وممن روى عنه القول بفساد الشرط ابن عمر وشريح والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحدا خالفهم، والاصل في ذلك ما روى معاوية بن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " رواه الاثرم قال الاثرم قلت لاحمد ما معنى قوله لا يغلق الرهن؟ قال لا يدفع رهن إلى رجل ويقول: ان جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا والا فالرهن لك.
قال ابن المنذر هذا معنى قوله لا يغلق الرهن عند مالك والثوري واحمد وانما فسد البيع لانه معلق بشرط مستقبل فلم
يصح كالمسألة قبلها، وكما لو قال ان ولدت ناقتي فصيلا فقد بعتكه بدينار (فصل) والعربون في البيع هو أن يشتري السلعة ويدفع إلى البائع درهما أو اكثر على أنه ان أخذ السلعة احتسب به من الثمن وان لم يأخذها فهو للبائع.
يقال عربون وعربون وعربان وأربان.
قال أحمد ومحمد بن سيرين لا بأس به وفعله عمر رضي الله عنه، وعن ابن عمر أنه أجازه وقال ابن المسيب وابن سيرين لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا قال احمد هذا في معناه، وقال أبو الخطاب لا يصح وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس والحسن ولان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون رواه ابن ماجه ولانه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لاجنبي ولانه بمنزلة الخيار المجهول فانه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح كما
لو قال ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها ردهم (قال شيخنا) وهذا هو القياس وانما صار احمد فيه إلى ما روي عن نافع بن الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فان رضي عمر والا فله كذا وكذا، قال الاثرم قلت لاحمد تذهب إليه قال أي شئ أقول هذا عمر رضي الله عنه؟ وضعف الحديث المروي.
روى هذه القصة الاثرم باسناده (فصل) فاما ان دفع إليه قبل البيع درهما وقال لاتبع هذه السلعة لغيري وان لم اشترها منك فهذا الدرهم لك ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدإ وحسب الدرهم من الثمن صح لان البيع خلا عن الشرط المفسد، ويحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر كان على هذا الوجه فيحمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس والائمة القائلين بفساد بيع العربون.
وان لم يشتر السلعة في هذه الصورة لم يستحق البائع الدرهم لانه يأخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه ولا يصح جعله عوضا من انتظاره وتأخر بيعه من أجله لانه لو كان عوضا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء ولان الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار كما في الاجارة { مسألة } (وان قال بعتك على ان تنقدني الثمن إلى ثلاث أو مدة معلومة والا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه) وهذا قول أبي حنيفة والثوري وإسحاق ومحمد بن الحسن، وقال به أبو ثور
إذا كان إلى ثلاث، وحكي مثل قوله عن ابن عمر، وقال مالك يجوز في اليومين والثلاثة ونحوها وان كان عشرين ليلة فسخ البيع، وقال الشافعي وزفر البيع فاسد لانه علق فسخ البيع على غرر فلم يصح كما لو علقه بقدوم زيد.
ولنا أنه يروى عن عمر ولانه علق رفع العقد بامر يحدث في مدة الخيار فجاز كما لو شرط الخيار ولانه بيع فجاز أن ينفسخ بتأخير القبض كالصرف ولان هذا بمعنى شرط الخيار لانه كما يحتاج إلى التروي في المبيع - هل يوافقه أولا - يحتاج إلى التروي في الثمن هل يصير منقودا أولا فهما شبيهان في المعنى وان تغايرا في الصورة الا أنه في الخيار يحتاج إلى الفسخ وهذا ينفسخ إذا لم ينقد في المدة المذكورة لانه جعله كذلك.
{ مسألة } (وان باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ وعنه يبرأ الا أن يكون البائع علم العيب فكتمه) اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروي عنه أنه لا يبرأ إلا أن يعلم المشتري بالعيب وهو قول الشافعي.
وقال ابراهيم والحكم وحماد لا يبرأ إلا مما سمى، وقال شريح لا يبرأ الا مما أراه أو وضع يده عليه، وروي عنه أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه يروى ذلك عن عثمان ونحوه عن زيد بن ثابت، وهو قول مالك وقول الشافعي في الحيوان خاصة لما روي أن عبد الله ابن عمر باع زيد بن ثابت عبدا بشرط البراءة بثمانمائة درهم فأصاب به زيد عيبا فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر تحلف انك لم تعلم بهذا العيب؟ قال لا فرده عليه فباعه ابن عمر بألف درهم رواه الامام أحمد، وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت اجماعا ويتخرج
أن يبرأ من العيوب كلها بالبراءة وحكاه بعض أصحابنا رواية عن أحمد بناء على جواز البراءة من المجهول، وروي هذا عن ابن عمر، وهو قول أصحاب الرأي وقول الشافعي لما روت أم سلمة أن رجلين اختصما في مواريث درست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استهما وتوخيا وليحلل كل واحد منكما صاحبه " وهذا يدل على أن البراءة من المجهول جائزة ولانه إسقاط حق لا تسليم فيه فصح في المجهول كالطلاق والعتاق ولافرق بين المجهول وغيره فما يثبت في أحدهما يثبت في الآخر وقول عثمان قد خالفه ابن عمر فلا يبقى حجة
(فصل) وإذا قلنا بفساد هذا الشرط لم يفسد به البيع في ظاهر المذهب وهو وجه لاصحاب الشافعي لما ذكرنا من قضية ابن عمر فانهم أجمعوا على صحتها فعلى هذا لايمنع الرد بوجود الشرط.
ويكون وجوده كعدمه وعن أحمد في الشروط الفاسدة روايتان (إحداهما) يفسد بها العقد فيدخل فيها هذا البيع لان البائع انما رضي بهذا الثمن عوضا عن ماله بهذا الشرط فإذا فسد الشرط فات الرضا به فيفسد البيع لعدم التراضي.
(فصل) قال رضي الله عنه (وإن باعه دارا أو ثوبا على أنه عشرة أذرع فبان احد عشر فالبيع باطل) لانه لا يمكن اجبار البائع على تسليم الزيادة انما باع عشرة، ولا المشتري على أخذ البعض وإنما اشترى الكل وعليه ضرر في الشركة أيضا، عنه أنه صحيح والزيادة للبائع لان ذلك نفص على المشتري فلم يمنع صحة البيع كالمعيب، ثم يخير البائع بين تسليم المبيع زائدا وبين تسليم العشرة فان رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري لانه زاده خيرا وإن أبى تسليمه زائدا فللمشتري الخيار بين الاخذ والفسخ بجميع الثمن المسمى فان رضي بالاخذ أخذ بالعشرة والبائع شريك له بالذراع، وهل للبائع خيار الفسخ؟ على وجهين (أولهما) له الفسخ لان عليه ضررا في المشاركة (والثاني) لاخيار له لانه رضي ببيع الجميع بهذا الثمن فإذا وصل إليه الثمن مع بقاء جزء له فيه كان زيادة فلا يستحق بها الفسخ ولان هذا الضرر حصل بتغريره واختياره بخلاف مجبره فلا ينبغي أن يسلط به على فسخ عقد المشتري، فان بذلها البائع للمشتري بثمن أو طلبها المشتري بثمن لم يلزم الآخر القبول لانها معاوضة يعتبر فيها التراضي منهما فلا يجبر واحد منهما عليها وإن تراضيا على ذلك جاز، وإن بانت تسعة فالبيع باطل لما ذكرنا وعنه أنه صحيح والمشتري بالخيار بين الفسخ وأخذ المبيع بقسطه من الثمن، وقال أصحاب الشافعي ليس له إمساكه إلا بجميع الثمن أو الفسخ بناء على المبيع المعيب عندهم، ولنا أنه وجد المبيع ناقصا في القدر فكان له إمساكه بقسطه من الثمن كالصبرة إذا اشتراها على أنها مائة فبانت خمسين وسنبين في المعيب أن له أمساكه وأخذ الارش، فان أخذها بقسطها من الثمن فللبائع الخيار بين الرضا بذلك وبين الفسخ لانه إنما رضي ببيعها بكل الثمن فإذا لم يصل إليه ثبت له الفسخ، فان بذل له المشتري جميع الثمن لم يملك الفسخ لانه وصل إليه الثمن الذي رضيه فأشبه مالو اشترى معيبا فرضيه بجميع الثمن وان اتفقا على تعويضه عنه جاز لانها
معاوضة فجازت بتراضيهما كغيرها (فصل) وان اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت أحد عشر رد الزائد ولاخيار له ههنا لانه لاضرر في رد الزيادة وإن بانت تسعة أخذها بقسطها من الثمن، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه متى سمى الكيل في الصبرة لا يكون قبضها إلا بالكيل فان وجدها قدر حقه أخذها وإن كانت زائدة رد الزيادة وإن نقصت أخذها بقسطها من الثمن وهل له الفسخ وإذا وجدها ناقصة؟ على وجهين (أحدهما) له الخيار وهو مذهب الشافعي لانه وجد المبيع ناقصا فكان له الفسخ كغير الصبرة وكنقصان الصفة (والثاني) لاخيار له لان نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من الكيل بخلاف غيره { باب الخيار في المبيع } (وهو على سبعة أقسام: أحدها خيار المجلس ويثبت في البيع والصلح بمعناه والاجارة ويثبت في الصرف والسلم وعنه لا يثبت فيهما ولا يثبت في سائر العقود إلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين) وجملته أن خيار المجلس يثبت في البيع بمعنى أنه يقع جائزا ولكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخه ماداما مجتمعين لم يتفرقا، وهو قول اكثر أهل العلم يروى ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وأبي هريرة وأبي برزة، وبه قال سعيد بن المسيب وشريح والشعبي وعطاء وطاوس والزهري والاوزاعي وابن أبى ذئب والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وقال مالك وأصحاب الرأي يلزم العقد بالايجاب والقبول والخيار لهما لانه روي عن عمر رضي الله عنه: البيع صفقة أو خيار ولانه عقد معاوضة فلزم بمجرده كالنكاح والخلع ولنا ماروى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال إذا " تبايع الرجلان فلكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فان خير أحدهما الاخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وان تفرقا بعد ان تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " رواه الائمة ورواه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو ثور الاسملي ورواه عن نافع عن ابن عمر مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر وابن جريج والليث
ابن سعد وغيرهم وهو صريح في حكم المسألة وعاب كثير من أهل العلم على مالك مخالفته الحديث مع روايته له وثوبته عنده قال الشافعي لاأدري هل أيهم مالك نفسه أو نافعا واعظم أن أقول عبد الله بن عمر.
وقال ابن أبي ذئب يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث.
فان قيل المراد بالتفرق هاهنا التفرق بالاقوال كقوله تعالى (وما تفرق الذين أو توا الكتاب الامن بعد ما جاءتهم البينة) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " أي بالاقوال والاعتقادات قلنا هذا باطل لوجوه منها ان اللفظ لا يحتمل ما قالوه إذ ليس بين المتبايعين تفرق بقول ولا اعتقاد انما بينهما اتفاق على
البيع بعد الاختلاف فيه (الثاني) ان هذا يبطل فائدة الحديث إذ قد علم انه بالخيار قبل العقد في انشائه وإتمامه أو تركه (الثالث) انه قال في الحديث " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار بعد تبايعهما " وقال " وان تفرقا بعد ان تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " (والرابع) انه يرده تفسير ابن عمر للحديث بفعله فانه كان إذا بايع رجلا مشى خطوات ليلزم البيع وتفسير أبي برزة بقوله مثل قولنا وهما راويا الحديث وأعلم معناه وقول عمر لبيع صفقة أو خيار معناه ان البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار وبيع لم يشرط فيه سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه لانه قد روي عن الحوزجاني مثل مذهبنا ولو أراد ما قالوه لم يجز ان يعارض به قول النبي صلى الله عليه وسلم فانه لاحجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن قول الصحابي لا يحتج به إذا خالفه غيره من الصحابة وقد خالفه ابنه وأبو برزة وغيرهما، ولا يصح قياس البيع على النكاح لان النكاح لا يقع الابعد رؤية ونظر غالبا فلا يحتاج إلى الخيار بعده ولان في ثبوت الخيار فيه مضرة لما يلزم من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد وذهاب حرمتها بالرد والحاقها بالسلع المبيعة فلم يثبت الخيار لذلك ولهذا لم يثبت فيه خيار الشرط ولاخيار الرؤية والحكم في هذه المسألة ظاهر لظهور دليله وضعف ما يذكره المخالف في مقابلته (فصل) ويثبت الخيار في الصلح بمعنى البيع لانه عقد معاوضة أشبه البيع.
والهبة إذا شرط فيها عوضا معلوما ثبت فيها الخيار في احدى الروايتين بناء على الاختلاف فيها هل تصير بيعا أو لا ويثبت في الاجارة لانه عقد معاوضة أشبه البيع ويثبت في الصرف والسلم وما يشترط فيه القبض في المجلس
كبيع مال الربا بجنسه في الصحيح لما ذكرنا من الخبر والمعنى.
وعنه لا يثبت فيها قياسا على خيار الشرط فانه لا يثبت فيها رواية واحدة لان موضوعها على ان لا يبقى بينهما علقة بعد التفرق بدليل اشتراط القبض، وثبوت الخيار يبقي بينهما علقة ولا يثبت في سائر العقود وهي.
على اضرب (أحدها) لازم لا يقصد به العوض كالنكاح والخلع فلا يثبت فيهما خيار لان الخيار انما يثبت لمعرفة الحظ في كون العوض جابرا لما يذهب من ماله والعوض هاهنا ليس هو المقصود وكذلك الوقف والهبة بغير عوض ولان في ثبوت الخيار في النكاح ضررا ذكرناه (الضرب الثاني) لازم من أحد طرفيه كالرهن لازم في حق الراهن وجده فلا يثبت فيه خيار لان المرتهن يستغني بالجواز في حقه عن ثبوت الخيار والراهن يستغني بثبوت الخيار له إلى أن يقبض وكذلك الضامن والكفيل لاخيار لهما لانهما دخلا متطوعين راضيين بالغبن، وكذلك المكاتب (الضرب الثالث) عقد جائز من الطرفين كالشركة والمضاربة والجعالة والوكالة والوديعة والوصية فلا يثبت فيها خيار استغناء بجوازها والتمكن من فسخها بأصل وضعها (الضرب الرابع) ما هو متردد بين الجواز واللزوم كالمساقاة والمزارعة، وظاهر المذهب انهما جائزان فلا يدخلهما خيار، وقيل هما اجارة فلهما حكمها، والسبق والرمي الظاهر انهما جعالة فلا
يثبت فيهما خيار وقيل هما اجارة وقد ذكرناه، فأما الحوالة والاخذ بالشفعة فهو عقد لازم يستقل به أحد المتعاقدين فلا خيار فيهما لان من لا يعتبر رضاه الخيار له، إذا لم يثبت في أحد طرفيه لا يثبت في الآخر كسائر العقود، ويحتمل أن يثبت الخيار للمحيل والشفيع لانه يقصد فيهما العوض فأشبها سائر عقود المعاوضات { مسألة } (ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما لما ذكرناه) ولا خلاف في لزوم العقد بعد التفرق ما لم يكن سبب يقتضي جوازه مثل أن يجد في السلعة عيبا فيردها به أو يكون قد شرط الخيار مدة معلومة فيملك الرد فيها بغير خلاف علمناه بين أهل العلم، وفي معنى العيب أن يدلس المبيع بما يختلف به الثمن أو يشرط في المبيع صفة يختلف بها الثمن فيبين بخلافه أو يخبره في المرابحة
بثمن حال وهو مؤجل ونحو ذلك وقد دل على لزوم البيع بالتفرق قول النبي صلى الله عليه وسلم " وان تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " والمرجع في التفرق إلى عرف الناس وعاداتهم لان الشارع علق عليه حكما ولم يبينه فدل على انه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والاحراز، فان كانا في فضاء واسع كالمسجد الكبير والصحراء فبأن يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات وقيل هو ان يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة.
قال أبو الحارث سئل أحمد عن تفرقة الابدان فقال إذا أخذ هذا هكذا وأخذ هذا هكذا فقد تفرقا.
وروى مسلم عن نافع قال فكان ابن عمر إذا باع فأراد أن لا يقيله مشى هنيهة ثم رجع، وان كانا في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت أو إلى مجلس أو صفة أو من مجلس إلى بيت ونحو ذلك، فان كانا في دار صغيرة فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه، وإن كانا في سفينة صغيرة خرج أحدهما منها ومشى، وإن كانت كبيرة صعد أحدهما إلى أعلاها ونزل الآخر في أسفلها وهذا كله مذهب الشافعي، فان كان المشتري هو البائع مثل أن اشترى لنفسه من مال ولده أو اشترى لولده من نفسه لم يثبت فيه خيار المجلس لانه يتولى طرفي العقد فلم يثبت له خيار كالشفيع ويحتمل أن يثبت فيه كغيره فعلى هذا يعتبر لزومه مفارقة مجلس العقد لان الافتراق لا يمكن هاهنا لكون البائع هو المشتري، ومتى حصل التفرق لزم العقد قصدا ذلك أو لم يقصداه علماء أو جهلاه لان النبي صلى الله عليه وسلم علق الخيار على التفرق وقد وجد، ولو هرب أحدهما من الآخر لزم العقد لانه فارقه ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ولهذا كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم البيع، ولو أقاما في المجلس وسدلا بينهما سترا أو بنيا بينهما حاجزا أو ناما وقاما فمضيا جميعا ولم يتفرقا فالخيار بحاله وان طالت المدة لعدم التفرق، وقد روى أبو داود والاثرم باسنادهما عن أبي الوضئ قال غزونا غزوة لنا فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحنا من الغد وحضر الرحيل قام إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني وبينك
أبوبرزة صاحب رسول الله صلى الله وعليه وسلم فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالوا له هذه القصة
فقال أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " وما أراكما افترقتما.
فان فارق أحدهما الآخر مكرها احتمل بطلان الخيار لوجود التفرق ولانه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه، وقال القاضي لا ينقطع الخيار لانه حكم علق على التفرق فلم يثبت مع الاكراه كما لو علق عليه الطلاق ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين، فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار ان أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه يبقى الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه الاكراه فيه حتى يفارقه، وان اكرها جميعا انقطع خيارهما لان كل واحد منهما يقطع خياره بتفرقة الآخر له فأشبه مالو اكره صاحبه دونه، وذكر ابن عقيل من صور الاكراه مالو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما سبيل أو فرقت بينهما ريح.
فان خرس أحدهما قامت اشارته مقام نطقه فان لم تفهم اشارته أو جن أو أغمي عليه قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه وهذا مذهب الشافعي (فصل) ولو الحقا في العقد خيارا بعد لزومه لم يلحق وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابنا يلحقه لان لهما فسخ العقد فكان لهما إلحاق الخيار به كالمجلس.
ولنا أنه عقد لازم فلم يصر جائزا بقولهما كالنكاح وفارق المجلس فانه جائز فجاز ابقاؤه على جوازه (فصل) وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا الا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " رواه الترمذي وقال حديث حسن وقوله " الا أن يكون صفقة خيار " يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار فانه لا يلزم بتفرقهما لكونه ثابتا بعده بالشرط، ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرط فيه أن لا يكون فيه خيار فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق.
وظاهر الحديث تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع وهذا ظاهر كلام احمد في رواية الاثرم فانه ذكر له فعل ابن عمر وهذا الحديث فقال هذا الان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اختيار أبي بكر، وقال القاضي ظاهر كلام احمد جواز ذلك لان ابن عمر فعله والاول أصح لان قول النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على فعل ابن عمر، والظاهر ان ابن عمر لم يبلغه هذا ولو علمه لما خالفه
{ مسألة } (إلا أن يتبايعا على أن لاخيار بينهما أو يسقطا الخيار بعده فيسقط في احدى الروايتين، وان اسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه ان الخيار يمتد إلى التفرق ولا يبطل بالتخاير ولا بالاسقاط قبل العقد ولابعده وهو ظاهر كلام الخرقي لان أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " من غير تقييد ولا تخصيص في رواية حكيم بن حزام وأبي برزة
واكثر الروايات عن عبد الله بن عمرو.
والتقييد انما هو في حديث ابن عمر، ومتى انفرد بعض الرواة بزيادة قدم قول الاكثرين وذوي الضبط (والرواية الثانية) ان الخيار يبطل بالتخاير اختارها ابن أبي موسى وهذا مذهب الشافعي وهو الصحيح ان شاء الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر " فان خير احدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع " يعني لزم، وفي لفظ المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا الا ان يكون البيع كان عن خيار، فان كان البيع عن خيار فقد وجب البيع " متفق عليه.
والاخذ بالزيادة اولى وهي صريحة في الحكم، والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد فالتخاير في ابتدائه ان يقول بعتك ولا خيار بيننا ويقبل الآخر على ذلك فلا يكون لهما خيارا، والتخاير بعده ان يقول كل واحد منهما بعد العقد اخترت امضاء العقد والزامه أو اخترت العقد أو اسقطت خياري فيلزم العقد من الطرفين، وان اختار احدهما دون الآخر لزم في حقه وحده كما لو كان خيار الشرط فاسقطه احدهما، وقال اصحاب الشافعي في التخاير في ابتداء العقد قولان اظهرهما لا يقطع الخيار لانه اسقاط للحق قبل سببه فلم يجز كخيار الشفعة، فعلى هذا هل يبطل به العقد؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة.
ولنا ما ذكرنا من حديثي ابن عمر وذلك صريح في الحكم فلانعول على ما خالفه ولان ما أثر في الخيار في المجلس أثر فيه مقارنا للعقد كاشتراط الخيار ولانه أحد الخيارين في البيع فجاز اخلاؤه عنه كخيار الشرط، وقولهم انه اسقاط للخيار قبل سببه ممنوع فان سبب الخيار البيع المطلق، فأما البيع مع التخاير فليس سببا له ثم لو ثبت انه سبب للخيار لكن المانع مقارن له فلم يثبت حكمه، والشفعة لنا فيها منع وان سلم فالفرق بينهما ان الشفيع أجنبي من العقد فلم يصح اشتراط اسقاط
خياره في العقد بخلاف مسئلتنا (فصل) فان قال أحدهما لصاحبه أختر ولم يقل الآخر شيئا فالساكت على خياره لانه لم يوجد منه ما يبطله وأما القائل فيحتمل أن يبطل خياره لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر " رواه البخاري ولانه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار فسقط خياره وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يبطل خياره لانه خيره فلم يختر فلم يؤثر كما لو جعل لزوجته الخيار فلم تختر شيئا ويحمل الحديث على أنه خيره فاختار، والاول أولى لظاهر الحديث ولانه جعل الخيار لغيره ويفارق الزوجة لانه ملكها مالا تملك فإذا لم تقبل سقط وههنا كل واحد منهما يملك الخيار فلم يكن قوله تمليكا انما كان اسقاطا فسقط (فصل) قال رضي الله عنه (الثاني خيار الشرط وهو أن يشترط في العقد خيار مدة معلومة فيثبت فيها وان طالت) هذا قول أبي يوسف ومحمد وابن المنذر وحكي ذلك عن الحسن بن صالح وابن أبي ليلي واسحاق وأبي ثور وأجازه مالك فيما زاد على الثلاث بقدر الحاجة مثل قرية لا يصل إليها في
أقل من أربعة أيام لان الخيار لحاجته فيقدر بها، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز اكثر من ثلاث لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان جعل له الخيار ثلاثة أيام ان رضي أخذ وان سخط ترك.
ولان الخيار ينافي مقتضى البيع لانه يمنع الملك واللزوم واطلاق التصرف، وانما جاز للحاجة فجاز القليل منه وآخر حد القلة ثلاث قال الله تعالى (فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام - بعد قوله - فيأخذكم عذاب قريب) ولنا أنه حق يعتمد الشرط فرجع في تقديره إلى مشترطه كالاجل ولم يثبت ما روي عن عمر رضي الله عنه وقد روي عن أنس خلافه، وتقدير مالك بالحاجة لا يصح فانها لا يمكن ضبط الحكم بها لخفائها واختلافها وانما يرتبط بمظنتها وهو الاقدام فانه صالح أن يكون ضابطا وربط الحكم به في الثلاث وفي السلم والاجل، وقول الآخرين: إنه ينافي مقتضى البيع لا يصح لان مقتضى البيع نقل الملك والخيار لا ينافيه وان سلمنا ذلك لكن متى خولف الاصل لمعنى في محل وجب تعدية الحكم لتعدي ذلك المعنى
{ مسألة } (ولايجوز مجهولا في ظاهر المذهب، وعنه يجوز وهما على خيارهما ما لم يقطعاه أو تنتهي مدته) إذا شرط الخيار أبدا أو متى شاء، أو قال أحدهما ولي الخيار ولم يذكر مدته أو شرطاه إلى مدة مجهولة كقدوم زيد أو نزول المطر أو مشاورة انسان ونحو ذلك لم يصح في الصحيح من المذهب هذا اختيار القاضي وابن عقيل ومذهب الشافعي وعن أحمد أنه يصح وهما على خيارهما أبدا أو يقطعاه أو تنتهي مدته أن كان مشروطا إلى مدة وهو قول ابن شبرمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم وقال مالك يصح ويضرب لهما مدة يختبر المبيع في مثلها في العادة لان ذلك مقرر في العادة فإذا أطلقا حمل عليه، وقال أبو حنيفة إن اسقطا الشرط قبل مضي الثلاث أو حذفا الزائد عليها وبينا مدته صح لانهما حذفا المفسد قبل اتصاله بالعقد فوجب أن يصح كما لو لم يشترطاه ولنا انها مدة ملحقة بالعقد فلا تجوز مع الجهالة كالاجل، ولان اشتراط الخيار أبدا يقتضي المنع من التصرف على الابد وذلك ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو قال بعتك بشرط أن لا تتصرف، وقول مالك انه يرد إلى العادة لا يصح فانه لاعادة في الخيار يرجع إليها واشتراطه مع الجهالة نادر، وقول أبي حنيفة لا يصح فان المفسد هو الشرط وهو مقترن بالعقد، ولان العقد لا يخلو من أن يكون صحيحا أو فاسدا فان كان صحيحا مع الشرط لم يفسد بوجود ما شرطناه وان كان فاسدا لم ينقلب صحيحا كبيع درهم بدرهمين إذا حذف أحدهما، وإذا قلنا يفسد الشرط هل يفسد به البيع؟ على روايتين (إحداهما) يفسد وهو مذهب الشافعي لانه عقد قارنه شرط فاسد كنكاح الشغار، ولان البائع إنما رضي ببذله بهذا الثمن مع الخيار في استرجاعه والمشتري انما رضي ببذل هذا الثمن فيه مع الخيار في فسخه فلو صححناه لازلنا ملك كل واحد منهما عنه بغير رضاه وألزمناه ما لم يرض به ولان الشرط يأخذ قسطا من الثمن فإذا حذفناه وجب رد ما سقط من الثمن من أجله وذلك مجهول فيكون الثمن مجهولا فيفسد به
العقد (والثانية) لا يفسد به العقد وهو قول ابن أبي ليلى لحديث بريرة ولان العقد قد تم بأركانه والشرط زائد فإذا فسد وزال سقط الفاسد وبقي العقد بركنيه كما لو لم يشترط (فصل) وان شرطه إلى الحصاد أو الجذاذ احتمل أن يكون كتعليقه على قدوم زيد لانه يختلف
ويتقدم ويتأخر فكان مجهولا، ويحتمل أن يصح لان ذلك يتفاوت في العادة ولا يكثر تفاوته، وان شرطه إلى العطاء وأراد وقت العطاء وكان معلوما صح، وان أراد نفس العطاء فهو مجهول (فصل) وان شرطا الخيار شهرا يوما يثبت ويوما لا، فقال ابن عقيل يصح في اليوم الاول لامكانه ويبطل فيما بعده لانه إذا لزم في اليوم الثاني لم يعد إلى الجواز، ويحتمل ان يبطل الشرط كله لانه شرط واحد تناول الخيار في أيام فإذا فسد بعضه فسد جميعه كما لو شرطه إلى الحصاد { مسألة } (ولا يثبت الا في البيع والصلح بمعناه والاجارة في الذمة أو على مدة لاتلي العقد) لا نعلم خلافا في ثبوت خيار الشرط في البيع الذي لا يشترط فيه القبض في المجلس وكذلك الصلح بمعنى البيع لانه بيع بلفظ الصلح والهبة بعوض على إحدى الروايتين والاجارة في الذمة نحو أن يقول استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه لان الاجارة بيع المنافع فاشبهت بيع الاعيان، فاما الاجارة المعينة فان كانت مدتها من حين العقد دخلها خيار المجلس دون خيار الشرط لان دخوله يفضي إلى فوت بعض المنافع المعقود عليها أو استبقائها في مدة الخيار وكلاهما لا يجوز وهذا مذهب الشافعي، وذكر القاضي مرة مثل هذا ومرة قال يثبت فيها خيار الشرط قياسا على البيع، وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق بينهما، فان كانت المدة لاتلي العقد يثبت فيها خيار الشرط إذا كانت مدة الخيار لا تشتمل على شئ من مدة العقد فان كانت بعض مدة العقد تدخل في مدة الخيار لم يجز لما ذكرنا { مسألة } (وان شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة) وهذا مذهب الشافعي، وعنه يدخل وهو مذهب أبي حنيفة لان إلى تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (وايديكم إلى المرافق * ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) والخيار ثابت بيقين فلا نزيله بالشك ولنا أن موضوع (إلى) لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وكالاجل وليس ههنا شك فان الاصل حمل اللفظ على موضوعه فكأن الواضع قال متى سمعتم هذه اللفظة فافهموا منها انتهاء الغاية.
وفيما استشهدوا به حملت إلى على معنى مع بدليل، أو لتعذر حملها على موضوعها ولان الاصل لزوم العقد وإنما خولف فيما اقتضاه الشرط فيثبت ما تيقن منه وما شككنا فيه رددناه إلى الاصل.
(فصل) وان شرط الخيار إلى طلوع الشمس أو إلى غروبها صح، وقال بعض أهل العلم لا يصح توقيته بطلوعها لانها قد تتغيم فلا يعلم وقت طلوعها، ولنا أنه تعليق للخيار بامر ظاهر معلوم فصح كتعليقه بغروبها، وطلوع الشمس بروزها من الافق كما أن غروبها سقوط القرص، ولذلك لو علق طلاق
امرأته أو عتق عبده بطلوع الشمس وقع ببروزها من الافق، وإن عرض غيم يمنع المعرفة بطلوعها فالخيار ثابت حتى يتيقن طلوعها كما لو علقه بغروبها فمنع الغيم المعرفة بوقته، ولو جعل الخيار إلى طلوع الشمس من تحت السحاب أو إلى غيبتها تحته كان خيارا مجهولا { مسألة } (وان شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد ويحتمل أن يكون من حين التفرق) إذا شرط الخيار مدة معلومة اعتبرنا مدة الخيار من حين العقد في أظهر الوجهين والآخر من حين التفرق لان الخيار ثابت في المجلس حقا فلا حاجة إلى اثباته بالشرط ولان حالة المجلس كحالة العقد لان لهما فيه الزيادة والنقصان فكان كحالة العقد في ابتداء مدة الخيار بعد انقضائه والاول أصح لانها مدة ملحقة بالعقد فأشبهت الاجل، ولان الاشتراط سبب ثبوت الخيار فيجب أن يتعقبه حكمه كالملك في البيع ولانا لو جعلنا ابتداءها من حين التفرق أدى إلى جهالته لانا لا نعلم متى يتفرقان فلا نعلم متى ابتداؤه ولا وقت انتهائه، ولا يمنع ثبوت الحكم بسببين كتحريم الوطئ بالصيام والاحرام، فعلى هذا لو شرط ابتداءه من حين التفرق لم يصح إلا على قولنا بصحة الخيار المجهول، وان قلنا ابتداؤه من حين التفرق فشرط ثبوته من حين العقد صح لانه معلوم الابتداء والانتهاء، ويحتمل أن لا يصح لان خيار المجلس يغني عن خيار آخر فيمنع ثبوته والاول أولى ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا { مسألة } (وإن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلا له فيه) إذا شرط الخيار لاجنبي صح وكان اشتراطا لنفسه وتوكيلا لغيره فيه وهذا قول أبي حنيفة ومالك وللشافعي قولان (أحدهما) لا يصح وهو قول القاضي إذا أطلق الخيار لفلان أو قال لفلان دوني لان الخيار شرع لتحصيل الحظ لكل واحد من المتعاقدين بنظره فلا يكون لمن لاحظ له، وان جعل الاجنبي وكيلا صح ولنا أن الخيار يعتمد شرطهما ويفوض اليهما وقد أمكن تصحيح شرطهما وتنفيذ تصرفهما على الوجه
الذي ذكرناه فلا يجوز الغاؤه مع امكان تصحيحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون على شروطهم " فعلى هذا يكون لكل واحد من المشترط ووكيله الذي شرط له الخيار الفسخ، ولو كان المبيع عبدا فشرط الخيار له صح سواء شرطه له البائع أو المشتري لانه بمنزلة الاجنبي، وان كان العاقد وكيلا فشرط الخيار لنفسه صح فان النظر في تحصيل الحظ مفوض إليه، وان شرطه للمالك صح لانه المالك والحظ له، وان شرطه لاجنبي انبنى على الروايتين في صحة توكيل الوكيل (فصل) ولو قال بعتك على أن استأمر فلانا أو حد ذلك بوقت معلوم فهو خيار صحيح وله الفسخ قبل أن يستأمره لانا جعلنا ذلك كناية عن الخيار وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وان لم يظبطه بمدة معلومة فهو خيار مجهول فيه من الخلاف ما ذكرناه
{ مسألة } (وان شرطا الخيار لاحدهما دون صاحبه صح) يجوز شرط الخيار لاحد المتعاقدين دون الآخر ويجوز أن يشرطا لاحدهما مدة وللآخر دونها لان ذلك حقهما وانما جوز رفقا بهما فكيفما تراضيا به جاز، ولو اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما بعينه دون الآخر صح لان أكثر ما فيه أنه جمع بين مبيع فيه الخيار وبين مبيع لاخيار فيه وذلك جائز بالقياس على شراء ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه فانه يصح ويكون كل واحد منهما مبيعا بقسطه من الثمن فان فسخ البيع فيما فيه الخيار رجع بقسطه من الثمن كما لو وجد أحدهما معيبا فرده، وان شرط الخيار في أحدهما لا بعينه أو شرط الخيار لاحد المتعاقدين لا بعينه لم يصح لانه مجهول فأشبه مالو اشترى واحدا من عبدين لا بعينه، ولانه يفضي إلى التنازع فربما طلب كل واحد من المتعاقدين ضد ما يطلبه الآخر ويدعي أنني المستحق للخيار أو يطلب من له الخيار رد أحد المبيعين ويقول ليس هذا الذي شرطت لك الخيار فيه، ويحتمل أن لا يصح شرط الخيار في أحد المبيعين بعينه كما لا يصح بيعه بقسطه من الثمن وهذا كله مذهب الشافعي { مسألة } (ولمن له الخيار الفسخ بغير حضور صاحبه ولارضاه) وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف وزفر، وقال أبو حنيفة ليس له الفسخ إلا بحضور صاحبه
كالوديعة.
ولنا أنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه فلم يفتقر إلى حضوره كالطلاق، وما ذكره ينتقض بالطلاق، والوديعة لاحق للمودع فيها ويصح فسخها مع غيبته { مسألة } (فان مضت المدة ولم يفسخا بطل خيارهما) إذا انقضت مدة الخيار ولم يفسخ أحدهما بطل الخيار ولزم العقد، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال القاضي لا يلزم بمضي المدة وهو قول مالك لان مدة الخيار ضربت لحق له لا لحق عليه فلم يلزم الحكم بنفس مرور الزمان كمضي الاجل في حق المولي.
ولنا أنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالاجل، ولان الحكم ببقائها يفضي إلى بقاء الخيار في غير المدة التي شرطاه فيها والشرط يثبت الخيار فلا يجوز أن يثبت به ما لم يتناوله ولانه حكم مؤقت ففات بفوات وقته كسائر المؤقتات.
ولان البيع يقتضي اللزوم وانما يختلف موجبه بالشرط ففيما لم يتناوله الشرط يجب أن يثبت موجبه لزوال المعارض كما لو أمضياه.
وأما المولي فان المدة انما ضربت لاستحقاق المطالبة وهي تستحق بمضي المدة والحكم في هذه المسألة ظاهر (فصل) فان قال أحد المتعاقدين عند العقد (لاخلابة) فقال أحمد: أرى ذلك جائزا وله الخياران كان خلبه وإن لم يكن خلبه فليس له خيار وذلك لان رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيع فقال " إذا بايعت فقل لاخلابة " متفق عليه ولمسلم " من بايعت فقل لاخلابة " فكان إذا بايع يقول لاخلابة قال شيخنا ويحتمل أن لا يكون له خيار ويكون هذا الخبر خاصا بحبان لانه روي أنه عاش إلى زمن عثمان فكان
يبايع الناس ثم يخاصمهم فيمر بهم بعض الصحابة فيقول لمن يخاصمه ويحك إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثا وهذا يدل على اختصاصه بهذا لانه لو كان للناس عامة لقال لمن يخاصمه إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار لمن قال لاخلابة، وقال بعض الشافعية ان كانا عالمين أن ذلك عبارة عن خيار الثلاث ثبت وان علم أحدهما دون الآخر فعلى وجهين لانه روي أن حبان بن منقذ بن عمرو كان لا يزال يغبن فاتى الني صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال " إذا أنت بايعت فقل لاخلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال فان رضيت امسكت وان سخطت فارددها على صاحبها " وما ثبت في حق واحد
من الصحابة ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل، ولنا أن هذا اللفظ لا يقتضي الخيار مطلقا ولا يقتضي تقييده بثلاث والاصل اعتبار اللفظ فيما يقتضيه، والخبر الذي احتجوا به إنما رواه ابن ماجه مرسلا وهم لا يرون المرسل حجة ثم لم يقولوا بالحديث على وجهه انما قالوا انه في حق من يعلم أن مقتضاه ثبوت الخيار ثلاثا ولا يعلم ذلك أحد لان اللفظ لا يقتضيه فكيف يعلم أن مقتضاه مالا يقتضيه ولا يدل عليه، وعلى أنه إنما كان خاصا لحبان بدليل ما رويناه ولانه كان يثبت له الرد على من لم يعلم مقتضاه.
(فصل) إذا شرط الخيار حيلة على الانتفاع بالقرض ليأخذ غلة المبيع ونفعه في مدة انتفاع المقترض بالثمن ثم يرد المبيع بالخيار عند رد الثمن فلا خيار فيه لانه من الحيل ولا يحل لآخذ الثمن الانتفاع به في مدة الخيار ولا التصرف فيه قال الاثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن الرجل يشتري من الرجل الشئ ويقول لك الخيار إلى كذا وكذا مثل العقار قال هو جائز إذا لم يكن حيلة أراد أن يقرضه فيأخذ منه العقار فيستغله ويجعل له فيه الخيار ليربح فيما أقرضه بهذه الحيلة، فان لم يكن أراد هذا فلا بأس.
قيل لابي عبد الله فان أراد إرفاقه أراد أن يقرضه مالا، يخاف أن يذهب فاشترى منه شيئا وجعل له الخيار لم يرد الحيلة، فقال أبو عبد الله هذا جائز الا أنه إذا مات انقطع الخيار لم يكن لورثته.
وقول أحمد بالجواز في هذه المسألة محمول على المبيع الذي لا ينتفع إلا باتلافه أو على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدة الخيار لئلا يفضي إلى أن القرض جر منفعة { مسألة } (وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين) ينتقل الملك في بيع الخيار بنفس العقد في ظاهر المذهب ولا فرق بين كون الخيار لهما أو لاحدهما أيهما كان وهو أحد أقوال الشافعي وعن أحمد ان الملك لا ينتقل حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك والقول الثاني للشافعي وبه قال أبو حنيفة إذا كان الخيار لهما أو للبائع وان كان للمشتري خرج عن ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري لان البيع الذي فيه الخيار عقد قاصر فلم ينقل الملك كالهبة قبل القبض، وللشافعي قول ثالث أن الملك موقوف فان أمضيا البيع تبينا أن الملك للمشتري وإلا تبينا أنه لم ينتقل عن البائع
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " وقوله " من
باع نخلا بعد أن يؤبر فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع " متفق عليه " فجعله للمبتاع بمجرد اشتراطه وهو عام في كل بيع، ولانه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه كالذي لا خيار فيه، ولان البيع تمليك، بدليل أنه يصح بقوله ملكتك فيثبت به الملك كسائر البيع لان التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظه وقد اعتبره الشرع وقضى بصحته فوجب اعتباره فيما يقتضيه ويدل عليه لفظه وثبوت الخيار فيه لا ينافيه كما لو باع عرضا بعوض فوجد كل واحد منهما بما اشتراه عيبا، وقولهم إنه قاصر غير صحيح وجواز فسخه لا يوجب قصوره ولا يمنع نقل الملك فيه كبيع المعيب، وامتناع التصرف انما كان لاجل حق الغير فلا يمنع ثبوت الملك كالمرهون، وقولهم إنه يخرج عن ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري لا يصح لانه يفضي إلى وجود ملك بغير مالك وهو محال ويفضي أيضا إلى ثبوت الملك للبائع في الثمن من غير حصول عوضه للمشتري، أو إلى نقل ملكه عن المبيع من غير ثبوته في عوضه وكون العقد معاوضة يأبى ذلك، وقول أصحاب الشافعي إن الملك موقوف إن أمضيا البيع تبينا أنه انتقل وإلا فلا غير صحيح فان انتقال الملك انما ينبني على سببه الناقل وهو البيع وذلك لا يختلف بامضائه وفسخه، فان امضاءه ليس من المقتضي ولا شرطا فيه إذ لو كان كذلك لما ثبت الملك قبله والفسخ ليس بمانع فان المنع لا يتقدم المانع كما أن الحكم لا يسبق سببه ولا شرطه، ولان البيع مع الخيار سبب يثبت الملك عقيبه فيما إذا لم يفسخ فوجب أن يثبته وإن فسخ كبيع المعيب وهو ظاهر إن شاء الله تعالى { مسألة } (فما حصل من كسب أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد أو فسخاه) ما يحصل من غلات المبيع ونمائه في مدة الخيار فهو للمشتري أمضيا العقد أو فسخاه، قال أحمد فيمن اشترى عبدا ووهب له مال قبل التفرق ثم اختار البائع العبد فالمال للمشتري، وقال الشافعي إن أمضيا العقد وقلنا الملك للمشتري أو موقوف فالنماء المنفصل له، وإن قلنا الملك للبائع فالنماء له وان فسخا العقد وقلنا الملك للبائع أو موقوف فالنماء له والا فهو للمشتري ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " قال الترمذي هذا حديث صحيح وهذا من ضمان
المشترى فيجب أن يكون خراجه له، ولان الملك ينتقل بالبيع على ما بينا فيجب أن يكون نماؤه للمشتري كما بعد انقضاء الخيار ويتخرج أن يكون النماء المنفصل للبائع إذا فسخا العقد بناء على قولنا إن الملك لا ينتقل، واما النماء المتصل فهو تابع للمبيع بكل حال كما يتبعه في الرد بالعيب والمقايلة (فصل) وضمان المبيع على المشتري إذا قبضه أو لم يكن مكيلا ولا موزونا فان تلف أو نقص أو حدث به عيب في مدة الخيار فهو من ضمانه لانه ملكه وغلته له فكان من ضمانه كما بعد انقضاء الخيار ومؤنته عليه، وان كان عبدا فهل هلال شوال ففطرته عليه لذلك، وان اشترى حاملا فولدت عنده في مدة الخيار ثم ردها على البائع لزمه رد ولدها لانه مبيع حدث فيه زيادة منفصلة فلزم رده
بزيادته كما لو اشترى عبدين فسمن أحدهما عنده، وقال الشافعي في أحد قوليه لايرد الولد لان الحمل لاحكم له لانه جزء متصل بالام فلم يأخذ قسطا من الثمن كأطرافها.
ولنا أن كل ما يقسط عليه الثمن إذا كان منفصلا يقسط عليه إذا كان متصلا كاللبن وما قالوه يبطل بالجزء المشاع كالثلث والربع، والحكم في الاصل ممنوع ثم يفارق الحمل الاطراف لانه يؤول إلى الانفصال وينتفع به منفصلا ويصح افراده منفصلا والوصية به وله، ويرث إن كان من أهل الميراث ويفرد بالدية ويرثها ورثته وقولهم لا حكم للحمل لا يصح لهذه الاحكام وغيرها مما قد ذكرناه { مسألة } (وليس لواحد من المتبايعين التصرف في المبيع في مدة الخيار الا بما يحصل به تجربة المبيع) انما لم يجز لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار لانه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ولا انقطعت عنه غلته فيتصرف فيه المشتري فأما تصرفه بما يحصل به تجربة المبيع كركوب الدابة لينظر سيرها، والطحن على الرحى ليعلم قدر طحنها، وتحلب الشاة ليعلم قدر لبنها ونحو ذلك فيجوز لان ذلك هو المقصود بالخيار وهو اختبار المبيع { مسألة } (فان تصرفا فيه ببيع أو هبة أو نحوهما لم ينفذ تصرفهما) إذا تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفا ينقل الملك كالبيع والهبة والوقف أو يستغله كالاجارة والتزويج والرهن والكتابة ونحوهما لم يصح تصرفه إلا العتق على ما نذكره سواء وجد تصرف
من البائع أو المشتري لان البائع تصرف في غير ملكه والمشتري يسقط حق البائع من الخيار واسترجاع المبيع فلم يصح تصرفه فيه كالتصرف في الرهن إلا ان يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه ويبطل خياره لانه لاحق لغيره فيه وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب، قال احمد إذا اشترط الخيار فباعه قبل ذلك بربح فالربح للمبتاع لانه قد وجب عليه حين عرضه يعني بطل خياره ولزمه وهذا فيما إذا اشترط الخيار له وحده، وكذلك إذا قلنا إن البيع لا ينقل الملك وكان الخيار لهما أو للبائع وحده فتصرف فيه البائع نفذ تصرفه وصح لانه ملكه وله ابطال خيار غيره، وقال أبن أبي موسى في تصرف المشتري في المبيع قبل التفرق ببيع أو هبة روايتان (إحداهما) لا يصح لان في صحته اسقاط حق البائع من الخيار (والثانية) هو موقوف فان تفرقا قبل الفسخ صح، وان اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري قال أحمد في رواية أبي طالب إذا اشترى ثوبا بشرط فباعه بربح قبل انقضاء الشرط يرده إلى صاحبه ان طلبه فان لم يقدر على رده فللبائع قيمة الثوب لانه استهلك ثوبه أو يصالحه.
فقوله يرده ان طلبه يدل على أن وجوب رده مشروط بطلبه، وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فكان على بكر صعب لعمر فكان يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أبوه لا يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أحد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " بعنيه " فقال عمر فهو لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد الله ابن عمر فاصنع به ما شئت " وهذا يدل على التصرف قبل التفرق، والاول أصح وحديث ابن عمر ليس فيه
تصريح بالبيع فان قول عمر هو لك يحمل على أنه أراد هبته وهو الظاهر فانه لم يذكر ثمنا والهبة لا يثبت فيها الخيار، وقال الشافعي تصرف البائع في المبيع بالبيع والهبة ونحوهما صحيح لانه اما أن يكون على ملكه فيملك العقد عليه، إما أن يكون للمشتري والبائع يملك فسخه، فجعل البيع والهبة فسخا وأما تصرف المشتري فلا يصح إذا قلنا الملك لغيره وإن قلنا الملك له ففي صحة تصرفه وجهان ولنا على أبطال تصرف البائع أنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية شرعية ولا نيابة عرفية فلم يصح كما بعد الخيار، وقولهم يملك الفسخ قلنا إلا أن ابتداء التصرف لم يصادف ملكه فلم يصح كتصرف الاب فيما وهبه لولده قبل استرجاعه وتصرف الشفيع في الشقص المشفوع قبل اخذه
(فصل) فان تصرف المشتري باذن البائع أو البائع بوكالة المشتري صح التصرف وانقطع خيارهما لانه يدل على تراضيهما بامضاء البيع فينقطع به خيارهما كما لو تخايرا، وانما صح تصرفهما لان قطع الخيار حصل بالاذن في البيع فيقع بعد البيع انقطاع الخيار ويحتمل أن لا يصح تصرف البائع باذن المشتري لان البائع لا يحتاج إلى إذن المشتري في استرجاع المبيع فيصير كتصرفه بغير اذن المشتري وقد ذكرنا أنه لا يصح كذا ههنا، وكل موضع قلنا ان تصرف البائع لا ينفذ ولكن ينفسخ به البيع فانه متى أعاد ذلك التصرف أو تصرف تصرفا سواه صح لان الملك عاد إليه بفسخ البيع فصح تصرفه فيه كما لو فسخ البيع بصريح قوله ثم تصرف فيه الا إذا قلنا ان تصرفه لا ينفسخ به البيع وكذلك ان تقدم تصرفه بما ينفسخ به البيع صح تصرفه لما ذكرنا { مسألة } (ويكون تصرف البائع فسخا لبيع وتصرف المشتري اسقاطا لخياره في أحد الوجهين وفي الآخر البيع والخيار بحالهما، وان استخدام المبيع لم يبطل خياره في أصح الوجهين وكذلك ان قبلته الجارية ويحتمل أن يبطل إذا لم يمنعها) إذا تصرف البائع في المبيع بما يفتقر إلى الملك كان فسخا للبيع وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لان تصرفه يدل على رغبته في المبيع فكان فسخا للبيع كصريح القول لان الصريح انما كان فسخا للبيع لدلالته على الرضا به فما دل على الرضا به يقوم مقامه ككنايات الطلاق، وعن احمد رواية أخرى لا ينفسخ البيع بذلك لان الملك انتقل عنه فلم يكن تصرفه فيه استرجاعا له كمن وجد متاعه عند مفلس فتصرف فيه، وان تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار بما ذكرنا ونحوه مما يختص الملك كاعتاق العبد وكتابته ووطئ الجارية ومباشرتها ولمسها بشهوة ووقف المبيع وركوب الدابة لحاجته أو سكنى الدار ورمها وحصاد الزرع فما وجد من هذا فهو رضا بالمبيع ويبطل به خياره لان الخيار يبطل بالتصريح بالرضى وبدلالته ولذلك بطل خيار المعتقة بتمكينها من نفسها وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان وطئك فلا خيار لك " وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، فأما ما يستعلم به المبيع كركوب الدابة ليختبر فراهتها والطحن على الرحى ليعلم قدره ونحو ذلك فلا يدل على الرضا ولا يبطل به الخيار لانه
المقصود بالخيار وفيه وجه آخر أن تصرف المشتري لا يبطل خياره ولا يبطل الا بالتصريح كما لو ركب الدابة ليختبرها، والاول أصح لان هذا يتضمن اجازة البيع ويدل على الرضى به فيبطل به الخيار كصريح القول، ولان صريح القول انما يبطل به الخيار لدلالته على الرضى فما دل على الرضى بالمبيع يقوم مقام القول ككنايات الطلاق، وان عرضه على البيع أو باعه بيعا فاسدا، أو عرضه على الرهن، أو وهبه فلم يقبل الموهوب له بطل خياره على الوجه الاول لان ذلك يدل على الرضى به، قال احمد إذا شرط الخيار فباعه قبل ذلك يربح فالربح للمبتاع لانه وجب عليه حين عرضه (فصل) وإن استخدم المشتري المبيع ففيه روايتان (احداهما) لا يبطل خياره، قال أبو الصقر قلت لاحمد رجل اشترى جارية وله الخيار فيها يومين فانطلق بها فغسلت رأسه أو غمزت رجله أو طبخت له أو خبزت هل يستوجبها بذلك؟ قال لا حتى يبلغ منها مالا يحل لغيره قلت فان مشطها أو خظبها أو حفها هل استوجبها بذلك؟ قال قد بطل خياره لانه وضع يده عليها.
وذلك لان الاستخدام لا يختص الملك ويراد به تجربة المبيع فأشبه ركوب الدابة ليعلم سيرها.
ونقل حرب عن أحمد أنه يبطل خياره لانه انتفاع بالمبيع أشبه لمسها بشهوة.
ويمكن أن يقال ما قصد به من الاستخدام تجربة المبيع لا يبطل الخيار كركوب الدابة ليعلم سيرها وما لا يقصد به ذلك يبطل الخيار كركوب الدابة لحاجته، وإن قبلت الجارية المشتري لم يبطل خياره وهذا مذهب الشافعي، ويحتمل أن يبطل ذكره أبو الخطاب إذا لم يمنعها لان اقراره لها على ذلك يجري مجرى استمتاعه بها، وقال أبو حنيفة إن قبلته بشهوة بطل خياره لانه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره كما لو قبلها ولنا انها قبلة لاحد المتعاقدين فلم يبطل خياره كما لو قبلت البائع ولان الخيار له لا لها فلو الزمناه بفعلها لالزمناه بغير رضاه ولا دلالة عليه بخلاف ما إذا قبلها فانه يدل على الرضى بها، ومتى بطل خيار المشتري بتصرفه فخيار البائع باق بحاله لان خياره لا يبطل برضى غيره الا أن يكون تصرف باذن البائع وقد ذكرناه { مسألة } (وان أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما، وكذلك إن تلف المبيع، وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع بالقيمة) إذا تصرف أحد المتعاقدين بعتق المبيع في مدة الخيار نفذ عتق من حكمنا بالملك له، وظاهر
المذهب أن الملك للمشتري فنفذ عتقه سواء كان الخيار لهما أو لاحدهما لانه عتق من مالك جائز التصرف فنفذ كما بعد المدة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا عتق فيما لا يملك ابن آدم " يدل بمفهومه على أنه ينفذ في الملك وملك البائع الفسخ لا يمنع نفوذ العتق من المشتري كما لو باع عبدا بجارية معيبة فان عتق المشتري ينفذ مع أن للبائع الفسخ.
ولو وهب رجل ابنه عبدا فاعتقه نفذ عتقه مع ملك الاب استرجاعه ولا ينفذ عتق البائع في ظاهر المذهب، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ينفذ عتقه لانه ملكه، وإن كان الملك انتقل فانه يسترجعه بالعتق، ولنا أنه اعتاق من غير مالك فلم ينفذ كعتق الاب عبد ابنه
الذي وهبه إياه، وقد دللنا على أن الملك انتقل إلى المشتري، وان قلنا بالرواية الاخرى وان الملك لم ينتقل إلى المشتري نفذ عتق البائع دون المشتري، وان أعتق البائع والمشتري جميعا فان تقدم عتق المشتري فالحكم على ما ذكرناه، وان تقدم عتق البائع فينبغي أن لا ينفذ عتق واحد منهما لان البائع لم ينفذ عتقه لكونه أعتق غير مملوكه، ولكن حصل باعتاقه فسخ البيع واسترجاع العبد فلم ينفذ عتق المشتري، ومتى أعاد البائع الاعتاق مرة ثانية نفذ اعتاقه لانه عاد العبد إليه أشبه مالو استرجعه بصريح قوله إلا على الرواية التي تقول إن تصرف البائع لا يكون فسخا للبيع فينبغي أن ينفذ اعتاق المشتري.
ولو اشترى من يعتق عليه جرى مجرى اعتاقه بصريح قوله وقد ذكرنا حكمه، وان باع عبدا بجارية بشرط الخيار فاعتقها نفذ عتق الامة دون العبد، وان أعتق أحدهما ثم أعتق الآخر نظرت فان أعتق الامة أولا نفذ عتقها وبطل خياره ولم ينفذ عتق العبد، وإن أعتق العبد أولا انفسخ البيع ورجع إليه العبد ولم ينفذ اعتاقه ولا ينفذ عتق الامة لانها خرجت بالفسخ عن ملكه وعادت إلى سيدها الذي باعها.
(فصل) وإذا قال لعبده إذا بعتك فانت حر ثم باعه صار حرا نص عليه أحمد، وبه قال الحسن وابن ابي ليلى ومالك والشافعي وسواء شرطا الخيار أو لم يشرطاه، وقال أبو حنيفة والثوري لا يعتق لانه إذا تم بيعه زال ملكه عنه فلم ينفذ اعتاقه له، ولنا أن زمن انتقال الملك زمن الحرية لان البيع سبب لنقل الملك وشرط للحرية فيجب تغليب الحرية كما لو قال لعبده إذا مت فأنت حر ولانه علق
حريته على فعله للبيع، والصادر منه في البيع إنما هو الايجاب فمتى قال للمشتري بعتك فقد وجد شرط الحرية فيعتق قبل قبول المشتري وعلله القاضي بأن الخيار ثابت في كل بيع فلا ينقطع تصرفه فيه فعلى هذا لو تخايرا ثم باعه لم يعتق، ولا يصح هذا التعليل على مذهبنا لاننا قد ذكرنا أن البائع لو أعتق في مدة الخيار لم ينفذ اعتاقه (فصل) وإذا أعتق المشتري العبد بطل خياره وخيار البائع، وهذا اختيار الخرقي كما لو تلف المبيع على ما نذكره، وفيه رواية أخرى أنه لا يبطل خيار البائع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " فعلى هذه الرواية له الفسخ ولا رجوع بالقيمة يوم العتق (فصل) وان تلف المبيع في مدة الخيار فلا يخلوا إما أن يكون قبل القبض أو بعده فان كان قبل القبض وكان مكيلا أو موزونا انفسخ البيع، وكان من مال البائع ولا نعلم في هذا خلافا إلا أن يتلفه المشتري فيكون من ضمانه، ويبطل خياره في خيار البائع روايتان وإن كان المبيع غير المكيل والموزون فلم يمنع البائع والمشتري من قبضه فظاهر المذهب أنه من ضمان المشتري ويكون كتلفه بعد القبض، وأما إن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان (إحداهما) يبطل وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لانه خيار فسخ فبطل بتلف
المبيع كخيار الرد بالعيب إذا تلف المعيب (والثانية) لا يبطل وللبائع الفسخ ويطالب المشتري بقيمته أو مثله إن كان مثليا اختارها القاضي وابن عقيل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " ولانه خيار فسخ فلم يبطل بتلف المبيع كما لو اشترى ثوبا بثوب فتلف أحدهما ووجد الآخر بالثوب عيبا فانه يرده ويرجع بقيمة ثوبه كذا ههنا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: