الفقه الحنبلي - العقيقة - البيع

(فصل) وإذا نذر أضحية في ذمته ثم ذبحها فله أن يأكل منها، وقال القاضي من أصحابنا يمنع من الاكل منها وهو ظاهر كلام أحمد وبناه على الهدي المنذور.
ولنا أن النذر محمول على المعهود والمعهود من الاضحية الشرعية ذبحها والاكل منها والنذر لا يغير من صفة المنذور إلا الايجاب وفارق الهدي فان الهدي الاجب بأصل الشرع لا يجوز الاكل منه فالمنذور محمول عليه (فصل) ويجوز ادخار لحوم الاضاحي فوق ثلاث في قول عامة أهل العلم ولم يجزه علي وابن عمر رضي الله عنهما لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الاضاحي فوق ثلاث.
ولنا أن النبي قال " كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الاضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدالكم " رواه مسلم، وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " انما نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا " قال أحمد رحمه الله فيه أسانيد صحاح، فأما علي وابن عمر فلم تبلغهما الرخصة وقد كانا سمعا النهي فروياه على ما سمعوه (فصل) ولا يضحي عما في البطن روي ذلك عن ابن عمر وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا
وليس للعبد والمدبر والمكاتب وأم الولد أن يضحوا إلا باذن سادتهم لانهم ممنوعون من التصرف بغير اذنهم والمكاتب ممنوع من التبرع والاضحية تبرع، فاما من نصفه حراذا ملك يجزئه الحر فله أن يضحي بغير اذن سيده لان له التبرع بغير اذن (مسألة) (ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا حتى يضحي وهل ذلك حرام؟ على وجهين؟ لما روت أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي " رواه مسلم، وفي رواية " ولا من بشرته " رواه مسلم ظاهر هذا التحريم وهو قول بعض أصحابنا، وحكاه ابن المنذر عن أحمد واسحاق وسعيد بن المسيب، وقال القاضي وجماعة من أصحابنا هو مكروه غير محرم، وبه قال مالك والشافعي
لقول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شئ أحله الله له حتى ينحر الهدي.
متفق عليه، وقال أبو حنيفة لا يكره ذلك لانه لا يحرم عليه الوطئ واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الاظفار كما لو لم يرد أن يضحي.
ولنا الحديث المذكور وظاهره التحريم وهذا يرد القياس وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه وتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولانه يجب حمل حديثهم على غير ما تناوله محل النزاع لوجوه (منها) أن اقل أحوال النهي الكراهة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل مانهي عنه وإن كان مكروها قال الله تعالى اخبارا عن شعيب عليه السلام (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها كم عنه) (ومنها) أن عائشة انما تعلم ظاهرا ما يباشرها به من المباشرة أو ما يفعله دائما كاللباس والطيب، أما قص الشعر وتقليم الاظفار مما لا يفعله في الايام إلا مرة فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، فان احتمل ارادته فهو احتمال بعيد وما كان هكذا فاحتمال تخصيصه قريب فيكفي فيه أدنى دليل وخبرنا دليل قوي فكان أولى بالتخصيص ولان عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة تخبر عن قوله والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصا له، إذا ثبت هذا فانه يترك قطع الشعر وتقليم الاظفار، فان فعل استغفر الله ولا فدية عليه اجماعا ساء فعله عمدا أو ناسيا
(فصل) قال ابن أبي موسى يستحب أن يحلق رأسه عقيب الذبح ولم يذكر له وجها والله أعلم ولعله لما كان ممنوعا منه قبل الذبح استحب له ذلك كالمحرم (فصل) قال رضي الله عنه (والعقيقة سنة مؤكدة) العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود، وقيل هي الطعام الذي يصنع ويدعى إليه من أجل المولود.
قال أبو عبيد العقيقة الشعر الذي على المولود، وجمعها عقائق ثم إن العرب سمت الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة على عادتهم في تسمية الشئ باسم سببه أو ما يجاوره ثم اشتهر ذلك حتى صار من الاسماء العرفية بحيث لا يفهم من العقيقة عند الاطلاق إلا الذبيحة، وقال ابن عبد البر: أنكر احمد هذا التفسير وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه، ووجهه أن أصل العق القطع، ومنه عق والدين إذا قطعهما، والذبح قطع الحلقوم والمرئ والودجين
والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم منهم ابن عباس وابن عمر وعائشة وفقهاء التابعين وأئمة الامصار وقال أصحاب الرأي ليست سنة وهي من أمر الجاهلية لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقل " ان الله لا يجب العقوق " فكأنه كره الاسم وقال " من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل " رواه مالك في الموطأ وقال الحسن وداود هي واجبة وروي عن بريدة أن الناس يعرضون عليها كما يعرضون على الصلوات الخمس لما روى سلمة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه " وعن أبي هريرة مثله قال احمد اسناده جيد، وروي حديث سمرة الاثرم وأبو داود، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام بشاتين مكافئتين (1) وعن الجارية بشاة، وظاهر الامر الوجوب ولنا على أنها مستحبة هذه الاحاديث، وعن أمر كرز الكعبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة " وفي لفظ " عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاة " رواه أبو داود وقد دل على استحبابها الاجماع.
قال أبو الزناد من أمر الناس كانوا يكرهون تركه، وقال احمد رضي الله عنه العقيقة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدعق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الغلام مرتهن بعقيقته " وهو إسناد جيد يرويه أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم ومن جعلها من أمر الجاهلية فهو لان هذه الاخبار لم تبلغه، والدليل على عدم وجوبها ما احتج به أصحاب الرأي من الخبر، وما روي فيها من الاخبار محمولة على تأكيد الاستحباب جمعا بين الاخبار فانه أولى من التعارض ولانها ذبيحة لسرور حادث فلم تكن واجبة كالوليمة (فصل) وهي أفضل من التصدق بقيمتها نص عليه احمد قال: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه احيا سنة.
قال أحمد احياء السنن واتباعها أفضل، وقد ورد فيها من تأكيد الاحاديث التى رويناها ما لم يرد في غيرها (مسألة) (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة) يروى ذلك عن ابن عباس وعائشة وهو قول أكثر القائلين بها.
منهم الشافعي وأبو ثور وكان ابن عمر يقول: شاة شاة عن الغلام والجارية، لما روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن شاة، وعن الحسين شاة.
رواه أبو داود وكان الحسن وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة لان العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد والجارية لا يحصل بها سرور فلا يشرع لها عقيقة.
ولنا حديث عائشة وأم كرز وما رووه محمول على الجواز.
إذا ثبت هذا فيستحب أن تكون الشاتان متماثلتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم شاتان مكافأتان، وفي رواية مثلان قال احمد يعني متقاربتين أو متساويتين لما جاء من الحديث فيه، ويجوز فيها الذكر والانثى لانه روي في حديث أم كرز أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ولا بأس أن تكون ذكورا أو أناثا " رواه سعيد وابن داود والذكر أفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وضحى بكبشين والعقيقة تجري مجرى الاضحية والافضل في لونها البياض ويستحب استحسانها واستسمانها واستعظامها لما ذكرنا في الاضحية لانها تشبهها فان خالف ذلك أو عق بكبش واحد أجزأ لما روينا من حديث الحسن والحسين (مسألة) (وتذبح يوم سابعه ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقا فان فات ففي أربعة عشر فان فات ففي إحدى وعشرين) السنة أن تذبح العقيقة يوم السابع لما ذكرنا من حديث سمرة.
قال شيخنا ولا نعلم خلافا بين أهل العلم القائلين بمشروعيتها في استحباب ذبحها يوم السابع.
يستحب أن
يحلق رأس الصبي يوم السابع ويسمى لحديث سمرة وأن يتصدق بوزن شعره من الفضة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة لما ولدت الحسن " احلقي رأسه وتصدقي وزن شعره فضة على المساكين والاوقاص " يعني أهل الصفة رواه الامام أحمد، وروى سعيد في سننه عن محمد بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وضحى بكبشين.
والعقيقة تجري مجرى الاضحية والافضل في لونها البياض، وأنه تصدق بوزن شعورهما ورقا وأن فاطمة رضي الله عنها كانت إذا ولدت ولدا حلقت شعره وتصدقت بوزن شعره ورقا: وإن سماه قبل السابع فحسن لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولد لي الليلة ولد فسميته باسم أبي ابراهيم " والغلام الذي جاء به أنس بن مالك فحنكه وسماه عبد الله.
ويستحب أن يحسن اسمه لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " انكم تدعون يوم القيامة
بأسمائكم وأسماء آبائكم فاحسنوا أسماكم " رواه أبو داود وقال عليه الصلاة والسلام " أحب الاسماء إلى الله عبد الله والرحمن " رواه مسلم وهو حديث صحيح وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال " أحب الاسماء إلى الله أسماء الانبياء " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " وفي رواية " لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي " (فصل) فان فات الذبح في السابع ففي أربع عشرة، فان فات ففي إحدى وعشرين، وهذا قول اسحاق لانه روي عن عائشة رضي الله عنها، والظاهر أنها لا تقوله إلا توفيقا فان ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأ لحصول المقصود بذلك فان تجاوز إحدى وعشرين احتمل أن يستحب في كل سابع فيجعله في ثمان وعشرين، فان لم يكن ففي خمس وثلاثين، وعلى هذا قياسا على ما قبله، واحتمل أن يجوز في كل وقت لان هذا قضاء فائت فلم يتوقف كقضاء الاضحية وغيرها فان لم يعق أصلا فبلغ الغلام وكسب فقد سئل احمد عن هذه المسألة فقال ذلك على الوالد يعني لا يعق عن نففسه لان السنة في حق غيره وقال عطاء والحسن يعق عن نفسه لانه مشروعة عنه ولانه مرتهن بها فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه ولنا أنها مشروعة في حق الوالد فلا يفعلها غيره كالاجنبي وكصدقة الفطر (فصل) يكره أن يلطخ رأس الصبي بدم عن احمد والزهري ومالك والشافعي وابن المنذر
وحكي عن الحسن وقتادة أنه مستحب، وحكاه ابن أبي موسى قولا في المذهب لما روي في حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويدمى " رواه همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا قال هذا إلا الحسن وقتادة وأنكره سائر أهل العلم وكرهوه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " مع الغلام العقيقة فهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الاذى " رواه أبو داود وهذا يقتضي أن لا يمس بدم لانه أذي، وروى زيد بن عبد المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم " قال مهنا ذكرت هذا الحديث لاحمد فقال: ما أظرفه.
رواه ابن ماجه ولم يقل عن أبيه، ولان هذا تنجيس له فلا يشرع كلطخه بغيره من النجاسات، وقال بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لاحدنا غلام ذبح شاة ويلطخ رأسه بدمها، فلما جاء الاسلام كنا نذبح شاة
ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران.
رواه أبو داود فاما رواية من روى ويدمى فقال أبو داود ويسمي أصح هكذا قال سلام بن أبي مطيع عن قتادة واياس بن دغفل عن الحسن ووهم همام وقال: ويدمى قال احمد قال فيه ابن أبي عروبة يسمى، وقال همام يدمى، وما اره الاخطأ وقبل هو تصحيف من الراوي (مسألة) (وينزعها أعضاء ولا يكسر عظمها وحكمها حكم الاضحية) يستحب أن يفصلها أعضاء ولا يكسر عظامها لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت السنة شاتان مكافأتان عن الغلام وعن الجارية شاة يطبخ جدولا لا يكسر عظم ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع.
قال أبو عبيد الهروي في العقيقة تطبخ جدولا لا يسكر لها عظم أي عضوا عضوا وهو الجدل بالدال غير المعجمة والارب والشلو والعضو والوصل كله واحد إنما فعل بها ذلك لانها أول ذبيحة ذبحت عن الغلام فاستحب ذلك تفاؤلا بالسلامة كذلك قالت عائشة وروي أيضا عن عطاء وابن جريج وبه قال الشافعي (فصل) وحكمها حكم الاضحية في سنها وما يجزئ منها، وما لا يجزئ، ويستحب فيها من الصفة ما يستحب فيها وكانت عائشة تنقول ائتوني به أعين أقرن.
قال عطاء الذكر أحب إلى من الانثى والضأن أحب الينا من المعز، ويكره فيها ما يكره في الاضحية وهي: الشرقاء والخرقاء والمقابلة
والمدابرة، ويستحب استشراف العين والاذن كما ذكرنا في الاضحية سواء لانها تشبهها فتقاس عليها وحكمها في الاكل والهدية والصدقة حكم الاضحية، وبهذا قال الشافعي وقال ابن سيرين اصنع بلحمها كيف شئت، وقال ابن جريح تطبخ بماء وملح وتهدى في الجيران والصديق ولا يتصدق منها بشئ وسئل احمد عنها فحكى قول ابن سيرين، وهذا يدل على أنه ذهب إليه وسئل هل يأكلها كلها؟ قال: ألم أقل يأكلها كلها ولا يتصدق منها بشئ؟ والاشبه قياسها على الاضحية لانها نسيكة مشروعة غير واجبة أشبهت الاضحية، ولانها أشبهتها في صفتها وسنها وقدرها وشروطها فكذلك في مصرفها وإن طبخها ودعا من أكلها فحسن (فصل) قال أحمد رحمه الله: يباع الجلد والرأس والسقط ويتصدق به ونص في الاضحية على
خلاف هذا وهو أقيس في مذهبه لانها ذبيحة الله فلا يباع منها شئ كالهدي، ولانه يمكن الصدقة به فلا جاجة إلى بيعه، وقال أبو الخطاب يحتمل أن ينقل حكم إحداهما إلى الاخرى فيخرج في المسئلتين روايتان، ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن الاضحية ذبيحة شرعت يوم النحر فأشبهت الهدي، والعقيقة شرعت عند سرور حادث وتجدد نعمة أشبهت الذبح في الوليمة، ولان الذبيحة ههنا لم تخرج عن ملكه فكان له أن يفعل بها ما شاء من بيع وغيره، والصدقة بثمن ما بيع منها بمنزلة الصدقة به في فضلها وثوابها وحصول النفع به فكان له ذلك (فصل) قال بعض أهل العلم: يستحب للوالد أن يؤذن في أذن ابنه حين يولد لما روى عبد الله ابن رافع عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له مولود أخذه في خرقة فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وسماه وروينا ان رجلا قال لرجل عند الحسن يهنيه بانب: ليهنك الفارس، فقال الحسن: وما يدرك أفارس هو أو حمار؟ فقال كيف نقول؟ قال قل؟ بورك لك في الموهوب؟ وشكرت الواهب؟ وبلغ أشده؟ ورزقت بره.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يحنك أولاد الانصار بالتمر.
وروى أنس رضي الله عنه قال: ذهب بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد قال " هل معك تمر؟ " فناولته تمرات فلاكهن ثم فغرفاه ثم مجه
طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد قال " هل معك تمر؟ " فناولته تمرات فلاكهن ثم فغرفاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنظروا إلى حب الانصار التمر " وسماه عبد الله (مسألة) (ولا تسن الفرعة وهي ذبح أول ولد الناقة ولا العتيرة وهي ذبيحة رجب) هذا قول علماء الامصار سوى ابن سيرين فانه كان يذبح العتيرة في رجب ويروي فيها شيئا
والفرعة والفرع بفتح الراء أول ولد الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم في الجاهلية فنهوا عنها قال ذلك أبو عمرو الشيباني وقال أبو عبيد: العتيرة هي الرجبية كان أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمرا نذر أن يذبح من غنمه شاة في رجب وهي العتائر، والصحيح ان شاء الله تعالى انهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر جعلوا ذلك سنة فيما بينهم كالاضحية في الاضحى وكان منهم من ينذرها كما قد ينذر الاضحية بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة " وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الاسلام تقريرا لما كان في الجاهلية وهو يقتضى ثبوتها بغير نذر ثم نسخ بعد، ولان العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة فان الانسان لو نذر ذبح شاة في أي قت كان لزمه الوفاء بنذره وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة.
قال ابن المنذر: هذا حديث ثابت.
ولنا على أنها لا تسن ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا فرع ولا عتيرة " متفق عليه.
وهذا الحديث متأخر على الامر بها فيكون ناسخا ودليل تأخر أمران (أحدهما) ان راويه أبو هريرة وهو متأخر الاسلام فان اسلامه في سنة فتح خيبر وهي السنة السابعة من الهجرة (والثاني) أن الفرع والعتيرة كان فعلها أمرا متقدما على الاسلام فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رفع له، ولو قدرنا تقدم النهي عن الامر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها، وهذا خلاف الظاهر، إذا ثبت هذا فان المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته فلو ذبح انسان ذبيحة فقي رجب أو ذبح ولد الناقة لجاته إلى ذلك أو للصدقة به واطعامه لم يكن ذلك مكروها والله تعالى أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم (وبه نستعين) كتاب البيع البيع مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا واشتقاقه من الباع لان كل واحد من المتبايعين يمد باعه للاخذ والاعطاء، ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك سمى البيع صفقة والاصل في جوازه الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى (وأحل الله البيع) وقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) وقوله (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقوله (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الاسلام تأثموا فيه فانزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) يعني في مواسم الحج، وعن ابن الزبير نحوه رواه البخاري، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم
__________
ليعلم أن كتاب البيع في الشرح الكبير متأخر عن موضعه هنا فقدمناه لاجل موافقته للمغني للاستفادة من الكتابين قراءة ومراجعة
" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " متفق عليه، وروى رفاعة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال " يا معشر التجار " فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال " ان التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح في أحاديث كثيرة سوى هذه، واجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة والحكمة تقتضيه لان حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه ولا يبذله صاحبه بغير عوض ففي تجويز البيع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته (مسألة) (وله صورتان (إحداهما) الايجاب والقبول.
فالايجاب ان يقول البائع بعتك أو ملكتك أو نحوهما، والقبول أن يقول المشتري أبتعت أو قبلت أو ما في معناهما فان تقدم القبول الايجاب جاز في احدى الروايتين) إذا تقدم القبول الايجاب بلفظ الماضي كقوله ابتعت منك فقال بعتك صح في أصح الروايتين لان لفظ القبول والايجاب وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما فيصح كما لو تقدم الايجاب (والثانية) لا يصح لانه عقد معاوضة فلم يصح مع تقدم القبول كالنكاح ولان القبول مبني على الايجاب فإذا لم يتقدم الايجاب فقد أتى بالقبول في غير محله فوجوده كعدمه، فان تقدم بلفظ الطلب فقال: بعني ثوبك بكذا فقال بعتك ففيه روايتان أيضا (احداهما) يصح لما ذكرنا وهو قول مالك والشافعي (والثانية) لا يصح وهو قول أبى حنيفة لانه لو تأخر عن الايجاب لم يصح به البيع فلم يصح إذا تقدم كلفظ الاستفهام ولانه عقد عري عن القبول فلم ينعقد كما لو لم يطلب فاما ان تقدم بلفظ الاستفهام مثل أن يقول أتبيعني ثوبك بكذا فيقول بعتك لم يصح بحال.
نص عليه احمد
وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لان ذلك ليس بقبول ولا استدعاء (مسألة) (وان تراخى القبول عن الايجاب صح ماداما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه والا فلا) لان حالة المجلس كحالة العقد بدليل أنه يكتفى بالقبض فيه لما يشترط قبضه، فان تفرقا عن المجلس أو تشاغلا بما يقطعه لم يصح لان العقد انما يتم بالقبول فلم يتم مع تباعده عنه كالاستثناء والشرط وخبر المبتدأ الذي لايتم الكلام الا به
(مسألة) (الثانية المعاطاة) وهو أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع خذ هذا بدرهم فيأخذه، وقال القاضي لا يصح هذا الا في الشئ اليسير نص احمد على صحة هذا البيع فيمن قال لخباز كيف تبيع الخبز؟ قال كذا بدرهم قال زنه وتصدق به فإذا وزنه فهو عليه وقول مالك نحو من هذا فانه قال: يقع البيع بما يعتقده الناس بيعا، وقال بعض الحنفية يصح في خسائس الاشياء: وهو قول القاضي لان العرف انما جرى به في الشئ اليسير ومذهب الشافعي أن البيع لا يصح الا بايجاب وقبول، وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا ولنا أن الله تعالى أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف كما رجع إليه في القبض والاحراز والتفريق، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولان البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم.
وانما علق الشرع عليه أحكاما وأبقاه على ما كان فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الايجاب والقبول.
ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا، ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله ولم يتصور منهم اهماله والغفلة عن نقله ولان البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط الايجاب والقبول لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ولم يخف حكمه لانه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا واكلهم المال بالباطل ولم ينقل ذلك
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه ولان الناس يتبايعون بالمعاطاة في كل عصر ولم ينقل انكاره قبل مخالفينا فكان اجماعا ولان الايجاب والقبول انما يرادان للدلالة فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه (فصل) وكذلك الحكم في الايجاب والقبول في الهبة والهدية والصدقة فانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه وقد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحبشة وغيرها وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة.
متفق عليه وروى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه " أهدية أم صدقة؟ " فان قيل صدقة قال لاصحابه " كلوا " ولم يأكل وان قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم وفي حديث سلمان
رضي الله عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر فقال: هذا شئ من الصدقة رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه " كلوا " ولم يأكل ثم أتاه ثانية بتمر فقال رأيتك لا تأكل الصدقة وهذا شئ أهديته لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بسم الله " وأكل ولم ينقل قبول ولا أمر بايجاب وانما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية ولو كان الايجاب والقبول شرطا في هذه العقود لشق ذلك ولكانت أكثر العقود فاسدة وأكثر أموالهم محرمة وهذا ظاهر ان شاء الله تعالى (فصل) قال رضي الله عنه (ولا يصح البيع الا بشروط سبعة (أحدها) التراضي به وهو أن يأتيا به اختيارا لقول الله تعالى (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فان كان أحدهما مكرها لم يصح لعدم الشرط الا أن يكره بحق كالذي يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه فيصح لانه قول حمل عليه لحق فصح كاسلام المرتد) (فصل) (الثاني أن يكون العاقد جائز التصرف وهو المكلف الرشيد فلا يصح من غير عاقل
كالطفل والمجنون والمبرسم والسكران والنائم لانه قول يعتبر له الرضى فلم يصح من غير عاقل كالاقرار وسواء أذن له وليه أو لم يأذن (فأما الصبى المميز والسفيه فيصح تصرفهما باذن وليهما) في احدى الروايتين (ولا يصح بغير اذنهما إلا في الشئ اليسير) يصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي فيه في احدى الروايتين.
وهو قول أبي حنيفة (والاخرى) لا يصح حتى يبلغ وهو قول الشافعي لانه غير مكلف فأشبه غير المميز، ولان العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصح به التصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفي التدريج فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة ولنا قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) معناه اختبروهم لتعلموا رشدهم وإنما يتحقق ذلك بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ليعلم هل تغير أولا ولانه عاقل مميز محجور عليه فيصح تصرفه باذن وليه كالعبد، وفارق غير المميز فانه لا تحصل له المصلحة بتصرفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة إلى اختباره لانه قد علم حاله، وقولهم ان العقل لا يمكن الاطلاع عليه قلنا يعلم ذلك بتصرفاته وجريانها على وفق المصلحة كما يعلم في حق البالغ
فان معرفة رشده شرط لدفع ماله إليه وصحة تصرفه كذا ههنا، فاما إن تصرف بغير اذن وليه
لم يصح تصرفه الا في الشئ اليسير، وكذلك تصرف غير المميز لما روي أن أبا الدرداء رضي الله عنه اشترى من صبي عصفورا فأرسله ذكره ابن أبي موسى، ويحتمل أن يصح ويقف على اجازة الولي وهو قول أبي حنيفة وهو مبني على تصرف الفضولي وسنذكره ان شاء الله تعالى، وكذلك الحكم في تصرف السفية باذن وليه فيه روايتان (احداهما) يصح لانه عقد معاوضة فملكه بالاذن كالنكاح وقياسا على الصبي المميز، يحقق هذا ان الحجر على الصبي أعلى من الحجر عليه فههنا أولى بالصحة ولاننا لو منعنا تصرفه بالاذن لم يكن لنا طريق إلى معرفة رشده واختباره) (والثانية) لا يصح لان الحجر عليه لتبذيره وسوء تصرفه فإذا اذن له فقد أذن فيما لا مصلحة فيه فلم يصح كما لو أذن في بيع ما يساوي عشرة بخمسة وللشافعي وجهان كهاتين ويصح تصرفه في الشئ اليسير كالصبي (فصل) (الثالث: أن يكون المبيع مالا وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة) (فيجوز بيع البغل والحمار ودود القز وبذره والنحل منفردا أو في كواراته) قوله لغير ضرورة احتراز من الميتة والمحرمات التي تباح في حال المخمصة والخمر يباح دفع اللقمة بها، فكل عين مملوكة يجوز اقتناؤها والانتفاع بها في غير حال الضرورة يجوز بيعها إلا ما استثناه الشرع كالكلب وأم الولد والوقف لان الملك سبب إطلاق التصرف، والمنفعة المباحة يباح له استبقاؤها فجاز له أخذ عوضها وأبيح لغيره بذل ماله فيها توصلا إليها ودفعا لحاجته بها كسائر ما أبيح نفعه، وسواء في ذلك ما كان طاهرا كالثياب والعقار وبهيمة
الانعام والخيل والصيود أو مختلفا في نجاسته كالبغل والحمار لا نعلم في ذلك خلافا، ويجوز بيع الجحش الصغير والفهد الصغير وفرخ البازي إذا قلنا بجواز بيعهما لانه ينتفع به في المال فأشبه طفل العبيد (فصل) ويجوز بيع دود القز وبذره وقال أبو حنيفة إن كان مع دود القز قز جاز بيعه وإلا فلا لانه لا ينتفع بعينه فهو كالحشرات وقيل لا يجوز بيع بذره، ولنا أنه حيوان طاهر يجوز اقتناؤه لتملك ما يخرج منه أشبه البهائم ولان الدود وبذره طاهر منتفع به فجاز بيعه كالثوب، وقوله لا ينتفع بعينه
يبطل بالبهائم التي لا يحصل منها نفع سوى النتاج ويفارق الحشرات التي لا نفع فيها أصلا فان نفع هذه كثير لان الحرير الذي هو اشرف الملابس إنما يحصل منها (فصل) ويجوز بيع النحل إذا شاهدها محبوسة بحيث لا يمكنها أن تمتنع، وقال أبو حنيفة لا يجوز بيعها منفردة كما ذكر في دود القز، ولنا أنه حيوان طاهر يخرج من بطنه شراب فيه منافع للناس فجاز بيعه كبهيمة الانعام، واختلف أصحابنا في بيعها في كواراتها فقال القاضي لا يجوز لانه لا يمكن مشاهدتها جميعا ولانها لا تخلو من عسل يكون مبيعا معها وهو مجهول.
وقال أبو الخطاب يجوز بيعها في كواراتها منفردة عنها فانه يمكن مشاهدتها في كواراتها إذا فتح رأسها يعرف كثرته من قلته، وخفاء بعضه لايمنع صحة بيعه كالصبرة وكما لو كان في وعاء فان بعضه يكون على بعض فلا يشاهد إلا ظاهره والعسل يدخل في البيع تبعا فلا تضر جهالته كأساسات الحيطان، فان لم يمكن مشاهدته لكونه مستورا بأقراصه ولم يعرف لم يجز بيعه لجهالته
(فصل) وفي بيع العلق التي ينتفع بها كالتي تعلق على صاحب الكلف فيمص الدم والديدان التي تترك في الشص فتصاد بها السمك وجهان: أصحهما جواز بيعها لحصول نفعها فهي كالسمك (والثاني) لا يجوز بيعها لانها لا ينتفع بها إلا نادرا فشبهت ما لانفع فيه.
(مسألة) (ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد في إحدى الروايتين إلا الكلب اختارها الخرقي.
والاخرى لا يجوز اختارها أبو بكر) يجوز بيع الهر وبه قال ابن عباس والحسن وابن سيرين والحكم وحماد والثوري ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وعن أحمد أنه كره ثمنها وروي ذلك عن أبي هريرة وطاوس ومجاهد وجابر ابن زيد اختاره أبو بكر لما روى مسلم عن جابر أنه سئل عن ثمن السنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور رواه أبو داود ولنا أنه حيوان يباح اقتناؤه من غير وعيد في حبسه فجاز بيعه كالبغل والحمار، ويمكن حمل الحديث على غير المملوك منها وعلى ما لانفع فيه منها بدليل ما ذكرناه (فصل) ويجوز بيع الفيل وسباع البهائم والطير الذي يصلح للصيد كالفهد والصقر والبازي
والعقاب والطير المقصود صوته كالهزار والبلبل والببغة وأشباه ذلك وبهذا قال الشافعي، وقال أبو بكر عبد العزيز وابن أبى موسى لا يجوز بيع الفهد والصقر والفيل ونحوها لانها نجسة فلم يجز بيعها كالكلب
ولنا انه حيوان يباح اقتناؤه من غير وعيد في حبسه فأبيح بيعه كالبغل والحمار وما ذكروه يبطل بالبغل والحمار وحكمهما حكم سباع البهائم في الطهارة والنجاسة واباحة الاقتناء والانتفاع.
فأما الكلب فان الشرع توعد على اقتنائه وحرمه إلا في حال الحاجة فصارت اباحته ثابتة بطريق الضرورة ولان الاصل اباحة البيع لقول الله تعالى (وأحل الله البيع) حرم منه ما استثناه الشرع لمعان غير موجودة في هذا فيبقى على أصل الاباحة، فان كان الفهد والصقر ونحوها ليس بمعلم ولا يقبل التعليم لم يجز بيعه لعدم النفع به، وإن أمكن تعليمه جاز بيعه لان مآله إلى الانتفاع أشبه الجحش الصغير فأما ما يصاد عليه كالبومة التي يجعل عليها شباشا ليجمع الطير إليها فيصيده الصياد فيحتمل جواز بيعها للنفع الحاصل منها ويحتمل المنع لان ذلك مكروه لما فيه من تعذيب الحيوان وكذلك اللقلق ونحوه (فصل) فأما بيض ما لا يؤكل لحمه من الطير فان لم يكن فيه نفع لم يجز بيعه طاهرا كان أو نجسا وان كان ينتفع به بأن يصير فرخا وكان طاهرا جاز بيعه لانه طاهر منتفع به أشبه أصله، وان كان نجسا كبيض البازي والصقر ونحوه فحكمه حكم فرخه، وقال القاضي لا يجوز بيعه لنجاسته وكونه لا ينتفع به في الحال وما ذكر ملغى بفرخه وبالجحش الصغير (فصل) قال أحمد رحمه الله أكره بيع القرد.
قال ابن عقيل هذا محمول على بيعه للاطافة به واللعب فأما بيعه لمن ينتفع به لحفظ المتاع والدكان ونحوه فيجوز لانه كالصقر وهذا مذهب الشافعي وقياس قول أبي بكر وابن أبي موسى المنع من بيعه مطلقا (مسألة) (ويجوز بيع العبد المرتد المريض وفي بيع الجاني والقاتل في المحاربة ولبن الآدميات وجهان)
حكم بيع المرتد حكم القاتل في صحة بيعه وسائر أحكامه، وبيعه جائز لان قتله غير متحتم لاحتمال رجوعه إلى الاسلام ولانه مملوك منتفع به، وخشية هلاكه لا تمنع صحة بيعه كالمريض فانا لا نعلم خلافا
في صحة بيع المريض (فصل) ويصح بيع العبد الجاني في أصح الوجهين سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ على النفس أو ما دونها موجبة للقصاص أو غير موجبة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر لا يصح بيعه لانه تعلق برقبته حق آدمي فمنع صحة بيعه كالرهن.
بل حق الجناية آكد لانها تقدم على حق المرتهن.
ولنا أنه حق غير مستقر في الجاني يملك أداءه من غيره فلم يمنع البيع كالزكاة أو حق ثبت بغير رضى سيده فلم يمنع بيعه كالدين في ذمته أو تصرف في الجاني فجاز كالعتق، وان كان الحق قصاصا فهو يرجى سلامته ويخشى تلفه وذلك لا يمنع كالمريض، أما الرهن فان الحق متعلق فيه لا يملك سيده ابداله ثبت الحق فيه برضاه وثيقة للدين فلو أبطله بالبيع سقط حق الوثيقة الذي التزمه برضاه واختياره (فصل) فاما القاتل في المحاربة فان تاب قبل القدرة عليه فهو كالجاني وان لم يتب حتى قدر عليه فقال أبو الخطاب هو كالقاتل في غير محاربة لانه عبد قن يصح اعتاقه ويملك استخدامه فصح بيعه كغير القاتل، ولانه يمكنه الانتفاع به إلى حين قتله، ويعتقه فيجر به ولاء أولاده فجاز بيعه كالمريض المأيوس من برئه، وقال القاضى لا يصح بيعه لانه تحتم قتله واتلافه واذهاب ماليته وحرم ابقاؤه فصار بمنزلة ما لا ينتفع به من الحشرات والميتات، وهذه المنفعة اليسيرة مفضية به إلى قتله لا يتمهد بها محلا للبيع كالمنفعة الحاصلة من الميتة لسد رمق أو إطعام كلب، والاولى أصح فانه كان محلا للبيع والاصل بقاء ذلك فيه وانحتام إتلافه لا يجعله تالفا بدليل أن أحكام الحياة من التكليف وغيره لا تسقط عنه ولا تثبت
أحكام الموتى له من أرث ماله ونفوذ وصيته وغيرها، ولان خروجه عن حكم الاصل لا يثبت إلا بدليل ولانص فيه ولا إجماع، ولا يصح قياسه على الحشرات والميتات لان تلك لم يكن فيها منفعة فيما مضى ولافي الحال وعلى أن هذا المحتم يمكن زواله لزوال ما يثبت به من الرجوع عن الاقرار والرجوع من الشهود ولو لم يمكن زواله فأكثر ما فيه تحقق تلفه، وهذا يجعله كالمريض المأيوس من برئه وبيعه جائز (فصل) فاما بيع لبن الآدميات فرويت الكراهة فيه عن احمد، واختلف أصحابنا في جوازه وهو قول ابن حامد ومذهب الشافعي.
وذهب جماعة من أصحابنا إلى تحريم بيعه، وهو مذهب أبي
حنيفة ومالك لانه مائع خارج من آدمية فلم يجز بيعه كالعرق ولانه جزء من آدمي فلم يجز بيعه أشبه سائر أجزائه.
والاول أصح لانه طاهر منتفع به فجاز بيعه كلبن الشاة ولانه يجوز أخذ العوض عنه في اجارة الظئر فأشبه المنافع ويفارق العرق فانه لانفع فيه.
ولذلك لا يباع عرق الشاة ويباع لبنها وسائر أجزاء الآدمي يجوز بيعها فانه يجوز بيع العبد والامة.
وانما حرم بيع الحر لانه غير مملوك وحرم بيع العضو المقطوع لانه لانفع فيه (مسألة) (وفي جواز بيع المصحف وكراهة شرائه وابداله روايتان) قال احمد لا أعلم في بيع المصاحف رخصة ورخص في شرائها.
وقال الشراء أهون.
وممن كره بيعها ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وسعيد بن جبير واسحاق قال ابن عمر وددت أن الايدي تقطع في بيعها.
وقال أبو الخطاب يجوز بيع المصحف مع الكراهة وهي رواية عن احمد لانه منتفع به فأشبه سائر كتب العلم، وهل يكره شراؤه وابداله؟ على روايتين ورخص في بيعها الحسن والحكم وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي لان البيع يقع على الورق والجلد وبيعه مباح ولنا قول الصحابة ولم نعلم لهم مخالفا في عصرهم، ولانه يشتمل على كلام الله تعالى فتجب صيانته عن البيع والابتذال (يقول الاخرون ان المبتذل ما لا يباع وانفس الجواهر تباع وان بيعه يسهل على الناس الانتفاع به تعميم هدايته وكتبه محمد رشيد رضا) أما الشراء فهو أسهل لانه استنقاذ للمصحف وبذل لماله فيه فجاز كما جاز شراء رباع مكة واستئجار دورها ولم ير بيعها ولا أخذ اجرتها، وكذلك دفع الاجرة إلى الحجام لا يكره مع كراهية كسبه والرواية الاخرى يكره لان المقصود منه كلام الله تعالى فيجب صيانته عن الابتذال وفي جواز شرائه التسبب إلى ذلك والمعونة عليه، ولا يجوز بيعه لكافر فان اشتراه فالبيع باطل وبه
قال الشافعي، وقال أصحاب الرأي يجوز ويجبر على بيعه لانه أهل للشراء والمصحف محل، له ولنا أنه يمنع من استدامة الملك عليه فمنع من ابتدائه كسائر مالا يجوز بيعه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله ايديهم، فلا يجوز تمكينهم من التوسل إلى نيل أيديهم اياه { مسألة } (ولا يجوز بيع الحشرات ولا الميتة ولا شئ منها ولا سباع البهائم التي لا تصلح للصيد)
لا يجوز بيع الميتة ولا الخنزير ولا الدم.
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول به، وذلك لما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم وهو بمكة يقول " ان الله ورسوله حرم بيع الميتة والخمر والخنزير والاصنام " متفق عليه ولا يجوز بيع مالا نفع فيه كالحشرات كلها وسباع البهائم التي لا تصلح للاصطياد كالاسد والذئب، وما لا يؤكل ولا يصاد به من الطير كالرخم والحدأة والغراب الابقع وغراب البين وبيضها لانه لا نفع فيه فأخذ ثمنه أكل للمال بالباطل ولانه ليس فيها نفع مباح أشبهت الخنزير { مسألة } (ولايجوز بيع الكلب أي كلب كان لا نعلم فيه خلافا في المذهب) وبه قال الحسن وربيعة.
وحماد والشافعي وداود، ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر بن عبد الله وعطاء والنخعي رو أجاز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها وأخذ ثمنها، وعنه لا يجوز بيع الكلب العقور واختلف أصحاب مالك فقال قوم لا يجوز.
وقال قوم يجوز بيع الكلب المأذون في امساكه ويكره لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور الا كلب الصيد ولانه يباح الانتفاع به.
ويصح نقل اليد فيه والوصية به فصح بيعه كالحمار ولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهى متفق عليه وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثمن الكلب خبيث " رواه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب فان جاء يطلبه فاملؤا كفه ترابا رواه أبودواد ولانه حيوان نهي عن اقتنائه في غير حال الحاجة أشبه الخنزير، وأما حديثهم فقال الترمذي لا يصح اسناد هذا الحديث.
قال الدارقطني الصحيح أنه موقوف على جابر وقال أحمد هذا من الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف (فصل) ولا يحل قتل الكلب المعلم لانه محل منتفع به مباح اقتناؤه فحرم اتلافه كالشاة.
ولا نعلم في هذا خلافا ولا غرم على قاتله وهذا مذهب الشافعي.
وقال مالك وعطاء عليه الغرم لما ذكرنا في تحريم قتله.
ولنا أنه محل يحرم أخذ عوضه لخبثه فلم يجب غرمه باتلافه كالخنزير.
وانما حرم اتلافه لما فيه من الاضرار وهو منهي عنه.
فاما قتله ما لا يباح امساكه من الكلاب فان كان أسود بهيما أبيح قتله لانه شيطان كما جاء في حديث أبي ذر ولما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لو لا أن الكلاب
أمة من الامم لامرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم " وكذلك يباح قتل الكلب العقور لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " متفق عليه ويقتل كل واحد من هذين وان كان
معلما لما ذكرنا من الحديثين.
وعلى قياس الكلب العقور كل ما آذى الناس وضرهم في أنفسهم وأموالهم يباح قتله ولانه يؤذي بلا نفع أشبه الذئب وما لا مضرة فيه لا يباح قتله للخبر المذكور.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها وقال " عليكم بالاسود البهيم ذي النقطتين فانه شيطان " رواه مسلم (فصل) ويحرم اقتناء الكلاب الاكلب الصيد والماشية والحرث لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من اتخذ كلبا الا كلب ماشية أوصيد أوزرع نقص من أجره كل يوم قيراط " متفق عليه.
وان اقتناه لحفظ البيوت لم يجز للخبر، ويحتمل الا باحة وهو قول بعض أصحاب الشافعي لانه في معنى الثلاثة والاول أصح لان قياس غير الثلاثة عليها يبيح ما تناول أول الخبر تحريمه قال القاضي وليس هو في معناها فقد يحتال اللص باخراجه بشئ يطعمه أياه ليسرق المتاع، أما الذئب فلا يحتمل هذا في حقه ولان اقتناءه في البيوت يؤذي المارة بخلاف الصحراء (فصل) ويجوز تربية الجرو الصغير لاحد الثلاثة في أقوى الوجهين لانه قصده لذلك فيأخذ حكمه كما جاز بيع الجحش الصغير الذى لانفع فيه في الحال لمآله إلى الانتفاع ولانه لو لم يتخذ الصغير لما أمكن جعل الكلب للصيد أذ لا يصير معلما إلا بالتعلم ولا يمكن تعلمه إلا بتربيته واقتنائه مدة يعلمه فيها قال الله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن) ولا يوجد كلب معلم بغير تعليم.
والثاني لا يجوز لانه ليس من الثلاثة (فصل) ومن اقتنى كلب صيد ثم ترك الصيد مدة وهو يريد العود إليه لم يحرم اقتناؤه في مدة تركه لان ذلك لا يمكن التحرز منه، وكذلك لو حصد صاحب الزرع زرعه أبيح اقتناؤه حتى يزرع زرعا آخر، وكذلك لو هلكت ماشيته أو باعها وهو يريد شراء غيرها فله أمساك كلبها لينتفع به في التي
يشتريها، فان اقتنى كلب الصيد من لا يصيد به احتمل الجواز لاستثنائه في الخبر مطلقا واحتمل المنع لانه اقتناء من غير حاجة أشبه غيره من الكلاب، ومعنى كلب الصيد أي كلب يصيد به وهكذا الاحتمالان فيمن اقتنى كلبا ليحفظ له حرثا أو ماشية إن حصلت أو يصيد به ان احتاج إلى الصيد وليس في الحال حرث ولا ماشية، ويحتمل الجواز لقصده ذلك كما لو حصد الزرع وأراد زرع غيره (مسألة) (ولا يجوز بيع السرجين النجس) وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجوز ولان أهل الامصار يبتاعونه لزرعهم من غير نكير فكان اجماعا ولنا أنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة وما ذكروه ليس باجماع لان الاجماع اتفاق أهل العلم ولم يوجد ولانه رجيع نجس فلم يجز بيعه كرجيع الآدمي (فصل) ولا يجوز بيع الحر ولا ما ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها وملكها لا نعلم في ذلك خلافا وقد روى البخاري باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عزوجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره " { مسألة } (ولايجوز بيع الادهان النجسة)
في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه لان أكله حرام لا نعلم فيه خلافا لان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال " ان كان مائعا فلا تقربوه " من المسند وإذا كان حراما لم يجز بيعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " ولانه نجس فلم يجز بيعه قياسا على شحم الميتة وعنه يجوز بيعه لكافر يعلم نجاستها لانه يعتقد حلها ويستبيح أكلها ولانه قد روي عن أبي موسى لتوا به السويق وبيعوه ولا تبيعوه من مسلم وبينوه، والصحيح الاول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها، ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " متفق عليه.
ولانه لا يجوز بيعها من مسلم فلا يجوز بيعها لكافر كالخمر والخنزير فانهم يعتقدون حله ولايجوز بيعه لهم ولانه دهن نجس فلم يجز بيعه لكافر كشحوم الميتة.
قال شيخنا ويجوز أن يدفع إلى الكافر في فكاك مسلم ويعلم الكافر بنجاسته لانه ليس ببيع في الحقيقة انما هو استنقاذ المسلم به
{ مسألة } (وفي جواز الاستصباح بها روايتان ويخرج على ذلك جواز بيعها) اختلفت الرواية في الاستصباح بالزيت النجس فروي عنه انه لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم في السمن الذي ماتت فيه الفأرة " وان كان مائعا فلا تقربوه " ولا النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال " لا، هو حرام " متفق عليه.
وهذا في معناه وهو قول ابن المنذر وعنه اباحته لان ذلك يروى عن ابن عمر وهو قول الشافعي لانه أمكن الانتفاع به من غير ضرر فجاز كالطاهر وهذا اختيار الخرقي، فعلى هذا يستصبح به على وجه لا تتعدى نجاسته إما أن يجعل في ابريق ويصب منه في المصباح ولا يمس وإما أن يدع على رأس الجرة التي فيها الزيت سراجا مثقوبا ويطبقه على رأس اناء الزيت، وكلما نقص زيت السراج صب فيه ماء بحيث يرتفع الزيت فيملا السراج وما أشبه هذا، وعلى قياس هذا كل انتفاع لا يفضي إلى التنجيس بها يجوز ويتخرج على جواز الاستصباح به جواز بيعه وهكذا ذكره أبو الخطاب لانه يجوز الانتفاع به من غير ضرورة فجاز بيعه كالبغل والحمار، وهل تطهر بالغسل فيه وجهان ذكرناهما فيما مضى، وإذا قلنا تطهر بالغسل فالقياس يقتضي جواز بيعها لانها عين نجسة تطهر بالغسل أشبهت الثوب النجس.
وكره أحمد رحمه الله أن تدهن بها بالجلود وقال تجعل منها الاسقية، ونقل عن ابن عمر انه يدهن بها الجلود وعجب أحمد من هذا فيحتمل أن يحمل على ما لا تتعدى نجاسته كالنعال كما قلنا في جلود الميتة (فصل) فأما شحوم الميتة وشحم الكلب والخنزير فلا يجوز الاستصباح به ولا الانتفاع به في جلود ولا سفن ولا غيرها لما ذكرنا من الحديث، وإذا استصبح بالزيت النجس فاجتمع من دخانه شئ فهو نجس لان جزء منه، والنجاسة لا تطهر بالاستحالة فان علق بشئ عفي عن يسيره لمشقة التحرز عنه وإن كثر لم يعف عنه (فصل) ولايجوز بيع الترياق الذى فيه لحوم الحيات لان نفعه انما يحصل بالاكل وهو محرم فخلا
من نفع مباح فلم يجز بيعه كالميتة، ولا يجوز التداوي به ولا بسم الافاعي، فأما سم النبات فان كان لا ينتفع به أو يقتل قليله لم يجز بيعه لعدم نفعه، وان أمكن التداوي بيسيره كالسقمونيا جاز بيعه لانه طاهر منتفع به
(فصل) (الرابع أن يكون مملوكا له أو مأذونا له في بيعه فان باع ملك غيره بغير إذنه أو اشترى بعين ماله شيئا بغير إذنه لم يصح وعنه يصح ويقف على اجازة المالك) إذا اشترى بعين مال غيره أو باع ماله بغير اذنه ففيه روايتان (إحداهما) لا يصح البيع وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر (والثانية) يصح البيع والشراء ويقف على أجازة المالك فان أجازه نفذ ولزم البيع وإن لم يجزه بطل وهو قول مالك وإسحاق وبه قال أبو حنيفة في البيع.
فأما الشراء فيقع للمشتري عنده بكل حال لما روى عروة بن الجعد البارقي ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق، قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار والشاة وأخبرته فقال " بارك الله لك في صفقة يمينك " رواه ابن ماجه والاثرم ولانه عقد له مجيز حال وقوعه فصح وقفه على اجازته كالوصية بزيادة على الثلث ووجه الرواية الاولى قول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام " لاتبع ما ليس عندك " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح يعني مالا تملك لانه ذكره جوابا له حين سأله انه يبيع الشئ ويمضي ويشتريه ويسلمه.
ولاتفاقنا على صحة بيع ماله الغائب ولانه باع مالا يقدر على تسليمه فأشبه الطير في الهواء.
فأما الوصية فيتأخر فيها القبول عن الايجاب، ولا يعتبر أن يكون لها مجيز حال وقوع العقد ويجوز فيها من الغرر مالايجوز في البيع، وحديث عروة نحمله على ان وكالته كانت مطلقة بدليل انه يسلم ويستلم وليس ذلك لغير المالك باتفاقنا { مسألة } (وان اشترى له في ذمته بغير إذنه صح فان أجازه من اشترى له ملكه وإلا لزم من اشتراه) إذا اشترى في ذمته لانسان شيئا بغير اذنه صح لانه متصرف في ذمته لا في مال غيره وسواء نقد الثمن من مال الغير أو لا لان الثمن هو الذي في الذمة والذي نقده عوضه ولذلك قلنا انه إذا اشترى ونقده الثمن بعد ذلك كان له البدل، وان خرج مغصوبا لم يبطل العقد وانما وقف الامر على اجازة الآخر لانه قصد الشراء له فان أجازه لزمه وعليه الثمن وان لم يقبله لزم من اشتراه (فصل) وإن باع سلعة وصاحبها حاضر ساكت فحكمه حكم مالو باعها بغير اذنه في قول الاكثرين منهم أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي قال ابن أبي ليلى سكوته اقرار لانه يدل على الرضا كسكوت
البكر في الاذن في النكاح.
ولنا ان السكوت محتمل فلم يكن إذنا كسكوت الثيب، وفارق سكوت البكر لوجود الحياء المانع من الكلام في حقها وليس ذلك موجودا هاهنا { مسألة } (ولايجوز بيع مالا يملكه ليمضي ويشتريه ويسلمه رواية واحدة) وهو قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا لان حكيم بن حزام قال للنبي صلى الله عليه وسلم ان الرجل يأتيني يلتمس من البيع ما ليس عندي فأمضي إلى السوق فاشتريه ثم أبيعه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لاتبع ما ليس عندك " حديث حسن صحيح ولانه يبيع ما لا يقدر على تسليمه أشبه بيع الطير في الهواء
{ مسألة } (ولا يجوز بيع ما فتح عنوة ولم يقسم كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها إلا المساكن وأرضا من العراق فتحت صلحا وهي الحيرة والليس وبانقيا وأرض بني صلوبا لان عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها في كل عام ولم تقدر مدتها لعموم المصلحة فيها) لا يجوز بيع شئ من الارض الموقوفة ولا شراؤه كأرض الشام ونحوها في ظاهر المذهب وقول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، وروي ذلك عن عبد الله ابن مغفل وقبيصة بن ذؤيب وميمون بن مهران والاوزاعي ومالك وأبي اسحاق الفزاري.
قال الاوزاعي لم تزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية ويكرهه علماؤهم، وقال: أجمع رأي عمر وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ظهروا على أهل الشام على اقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونها ويؤدون خراجها إلى المسلمين ويرون أنه لا يصلح لاحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الارض طوعا ولاكرها وكرهوا ذلك لما كان من ايقاف عمر وأصحابه الارضين المحبوسة على آخر هذه الامة من المسلمين لاتباع ولا تورث قوة على جهاد من لم يظهر عليه بعد من المشركين، وقال الثوري إذا أقر الامام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها، وروى نحو هذا عن ابن سيرين والقرظي، لما روى عبد الرحمن بن زيد أن ابن مسعود اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها، وروي عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبقر (1) في الاهل والمال، ثم قال
عبد الله وكيف بمال بزاذان وبكذا وكذا؟ وهذا يدل على أن له مالا بزا ذان ولانها أرض لهم فجاز بيعها كأرض الصلح، وقد روي عن أحمد أنه قال: كان الشراء أسهل يشتري الرجل ما يكفيه ويغنيه عن الناس وهو رجل من المسلمين وكره البيع، قال شيخنا وانما رخص في الشراء والله أعلم لان بعض الصحابة اشترى ولم يسمع عنهم البيع، ولان الشراء استخلاص للارض ليقوم فيها مقام من كانت في يده والبيع.
أخذ عوض عما لا يملكه ولا يستحقه فلا يجوز ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم فانه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا أراضيهم.
وقال الشعبي اشترى عتبة بن فرقد أرضا على شاطئ الفرات ليتخذ فيها قصا فذكر ذلك لعمر فقال ممن اشتريتها؟ قال من اربابها، فلما اجتمع المهاجرون والانصار قال هؤلاء أربابها فهل اشتريت منهم شيئا؟ قال لا، قال فارددها إلى من اشتريتها منه وخذ مالك.
وهذا قول عمر في المهاجرين والانصار بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم فلم ينكر فكان اجماعا ولا سبيل إلى وجود اجماع أقوى من هذا وشبهه إذ لا سبيل إلى نقل قول جميع الصحابة في مسألة ولا إلى نقل قول العشرة ولم يوجد الاجماع إلا القول المنتشر، فان قيل فقد خالفه ابن مسعود بما ذكر عنه.
قلنا لا نسلم المخالفة وقولهم اشترى قلنا المراد به أكرى كذا قال أبو عبيد، والدليل عليه قوله على أن يكفيه جزيتها ولا يكون مشتريا لها وجزيتها على غيره وقد روى عنه القاسم أنه قال: من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار والذل وهذا يدل على أن الشراء هنا الاكتراء وكذلك كل من رويت عنه الرخصة في الشراء محمول
__________
(1) التبقر التوسع
على ذلك وقوله فكيف بمال بزاذان ليس فيه ذكر الشراء، ولان المال الارض فيحتمل أنه أراد من السائمة أو الزرع أو نحوه، ويحتمل أنه أراد أرضا اكتراها وقد يحتمل أنه أراد بذلك غيره وقد يعيب الانسان الفعل المعيب من غيره (جواب ثان) أنه يتناول الشراء وبقي قول عمر في النهي عن البيع غير معارض، فأما المعنى فلانها موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الوقوف والدليل على وقفها النقل والمعنى أما النقل فما نقل من
الاخبار أن عمر لم يقسم الارض التي افتتحها وتركها لتكون مادة للمسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله إلى يوم القيامة وقد نقلنا بعض ذلك وهو مشهور تغني شهرته عن نقله وأما المعنى فلانها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ثم لورثته (الظاهر أن تكون لورثتهم) ولمن انتقلت إليه عنهم ولم تكن مشتركة بين المسلمين، ولانه لو قسمت لنقل ذلك ولم يخف بالكلية فان قيل فهذا لا يلزم منه الوقف لانه يحتمل أنه تركها للمسلمين عامة فتكون فيئا للمسلمين والامام نائبهم فيفعل ما يرى فيه المصلحة من بيع وغيره، ويحتمل أنه تركها لاربابها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، قلنا أما الاول فلا يصح لان عمر انما ترك قسمتها لتكون مادة للمسلمين كلهم ينتفعون بها مع بقاء أصلها وهذا معنى الوقف، ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان الذين افتتحوها أحق بها ولا يجوز أن يمنعها أهلها لمفسدة ثم يخص بها غيرهم مع وجود المفسدة المانعة والثاني أظهر فسادا من الاول لانه إذا منعها المسلمين المستحقين كيف يخص بها أهل الذمة المشركين الذين لا حق لهم ولا نصيب؟ (فصل) وإذا بيعت هذه الارض فحكم بصحة البيع حاكم صح لانه مختلف فيه فصح بحكم الحاكم كسائر المختلفات، وإن باع الامام شيئا لمصلحة رآها مثل أن يكون في الارض ما يحتاج إلى عمارته ولا يعمرها الا من يشتريها صح أيضا لان فعل الامام كحكم الحاكم، وقد ذكر ابن عائذ في كتاب فتوح الشام قال: قال غير واحد من مشايخنا إن الناس سألوا عبد الملك والوليد وسليمان ان يأذنوا لهم في شراء الارض من أهل الذمة فأذنوا لهم على ادخال أثمانها في بيت المال، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك الاشرية لاختلاط الامور فيها لما وقع فيها من المواريث ومهور النساء وقضاء الديون ولما لم يقدر على تخليصه ولا معرفة ذلك كتب كتابا قرئ على الناس: إن من اشترى شيئا بعد سنة مائة إن بيعه مردود.
وتسمى سنة مائة سنة المدة فتناهى الناس عن شرائها ثم اشتروا أشرية كبيرة كانت يأيدي أهلها تؤدي العشر ولا جزية عليها، فلما أفضى الامر إلى المنصور ورفعت إليه تلك الاشرية وأن ذلك أضر بالخراج وكسره فأراد ردها إلى أهلها فقيل له قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها.
فبعث المعدلين منهم عبد الله بن يزيد إلى حمص، واسماعيل بن عباس إلى بعلبك، وهضاب بن طوق ومحرز ابن زريق إلى الغوطة، وأمرهم أن لا يضعوا على القطائع والاشرية القديمة خراجا ومنعوا الخراج
على ما بقي بأيدي الانباط وعى الاشرية المحدثة من سنة مائة إلى السنة التي عدل فيها فعلى هذا ينبغي أن يجزئ ما باعه امام أو بيع باذنه أو تعذر رد بيعه هذا المجزئ في أن يضرب عليه خراج بقدر ما يحتمله ويترك في يد مشتريه أو من انتقل إليه إلا ما بيع قبل المائة سنة فانه لا خراج عليه كما نقل في هذا الخبر
(فصل) وحكم إقطاع هذه الارض حكم بيعها في أن ما كان من عمر رضي الله عنه أو ما كان قبل مائة سنة فهو لا هله وما كان بعد المائة ضرب عليه الخراج كما فعل المنصور إلا أن يكون بغير اذن الامام فيكون باطلا، وذكر ابن عائذ في كتابه باسناده عن سليمان بن عتبة أن أمير المؤمنين عبد الله بن محمد أظنه المنصور سأله في مقدمه الشام سنة ثلاث أو أربع وخمسين عن الارضين التي بأيدي أبناء الصحابة يذكرون أنها قطائع لآبائهم قديمة فقلت يا أمير المؤمنين إن الله تعالى لما أظهر المسلمين على بلاد الشام وصالحوا أهل دمشق وأهل حمص كرهوا أن يدخلوها دون أن يتم ظهورهم واثخانهم في عدوالله وعسكروا في مرج بردان المرة إلى مرج شعبان حسي بردا - مروج كانت مباحة فيما بين أهل دمشق وقراها ليست لاحد منهم فأقاموا بها حتى وطأ الله بهم المشركين قهرا وذلا فاختبأ كل قوم محلهم وهيئوا فيها بناء فرفع إلى عمر فأمضاه عمر لهم وأمضاه عثمان من بعده إلى ولاية أمير المؤمنين قال فقد أمضيناه لهم! وعن الاحوص بن حكيم أن المسلمين الذين فتحوا حمص لم يدخلوها وعسكروا على نهر الاوند فأحيوه فأمضاه لهم عمر وعثمان وقد كان أناس منهم تعدوا ذاك إلى حبس الاوند الذي على باب الرتبتين فعسكروا في برجه مسلحة لمن خلفهم من المسلمين، فلما بلغهم ما أمضاه عمر للمعسكرين على نهر الاوند سألوا أن يشركوهم في تلك القطائع فكتب إلى عمر فيه فكتب أن يعوضوا مثله من المروج التي كانوا عسكروا فيها على باب الرتبتين فلم تزل تلك القطائع على شاطئ الاوند وعلى باب حمص وعلى باب الرتبتين ماضية لاهلها لاخراج عليها تؤدي العشر (فصل) وهذا الذي ذكرناه في الارض المغلة، أما المساكن فلا بأس بحيازتها وبيعها وشرائها وسكناها، قال أبو عبيد ما علمنا أحدا كره ذلك وقد اقتسمت بالكوفة خططا في زمن عمر رضى الله عنه باذنه وبالبصرة وسكنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الشام ومصر وغيرهما من
البلدان فما غاب ذلك احد ولا انكره
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: