الفقه الحنبلي - مناسك الحج10
(فصل: والسنة نحر الابل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ويذبح البقر والغنم) السنة نحر الابل كما ذكر وممن استحب ذلك مالك والشافعي واسحاق وابن المنذر.
وقال عطاء يستحب وهي باركة وجوز الثوري واصحاب الرأي كلا الامرين ولنا ما روى زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنته لينحرها فقال:
ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وروى أبو داود باسناده عن عبد الرحمن بن ساباط أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقى من قوائمها، وفي قول الله تعالى (فإذا وجبت جنوبها) دليل على أنها تنحر قائمة وقيل في تفسير قوله تعالى (واذكروا اسم الله عليها صواف) أي قياما وكيفما نحر اجزأه قال احمد وينحر الابل معقولة على ثلاث قوائم فان خشى عليها أن تنفر اناخها، ويذبح البقر والغنم قال الله تعالى (ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وروي أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين ذبحهما بيده، فان ذبح ما ينحر أو نحرما يذبح جاز وابيح لانه لم يتجاوز محل الذبح، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أنهر الدم وذكر اسم عليه فكل " وقد روي عن احمد انه توقف في أكل البعير إذا ذبح والاول أولى لما ذكرنا.
(مسألة) (ويقول عند ذلك بسم الله والله اكبر اللهم هذا منك ولك) يستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة وان يقول " بسم لله والله اكبر " قال ابن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح يقول: بسم الله والله أكبر.
وان قال ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مما زاد على ذلك فحسن فقد روي ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح يوم العيد كبشين ثم
قال حين وجههما (وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين * ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وانا من المسلمين) " بسم الله والله اكبر اللهم منك ولك عن محمد وامته " رواه أبو داود، فان اقتصر على التسمية أو وجه الذبيحة إلى غير القبلة ترك الافضل وأجزأه هذا قول القاسم والنخعي والثوري والشافعي وابن المنذر، وكره ابن عمر وابن سيرين الاكل من الذبيحة إذا وجهت إلى غير القبلة، والصحيح أنه غير واجب لانه لم يقم عليه دليل.
(فصل) إذا قال اللهم تقبل مني ومن فلان بعد قوله اللهم هذا منك ولك فحسن وهو قول الاكثرين، وقال أبو حنيفة يكره أن يذكر اسم غير الله لقول الله تعالى (وما أهل به لغير الله) ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم وهذا نص لا يعرج على خلافه وليس عليه أن يقول عمن فان النية تجزئ بغير خلاف
(مسألة) (ولا يستحب أن يذبحها الا مسلم، وإن ذبحها بيده كان أفضل، فان لم يفعل استحب أن يشهدها) يستحب أن لا يذبح الاضحية الا مسلم لانها قربة فلا يليها غير أهل القربة، فان استناب ذميا في ذبحها اجزأت مع الكراهة وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر، وعن أحمد لا يجوز أن يذبحها الا مسلم وهو قول مالك، وممن كره ذلك علي وابن عباس وجابر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وابن سيرين، قال جابر لا يذبح النسك الا مسلم لان في حديث ابن عباس الطويل عن النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يذبح ضحاياكم إلا طاهر " ولان الشحوم تحرم علينا مما يذبحونه على رواية فيكون ذلك بمنزلة اتلافه، وحكى ابن أبي موسى رواية ثالثة أنه إن كان بعيرا لم ينحر وإلا أجزأ في أصح الروايتين (ووجه الاولى) أنه من جاز له ذبح غير الاضحية جاز له ذبح الاضحية كالمسلم، ويجوز أن يتولى الكافر ماكان قربة للمسلم كبناء المساجد والقناطر ولا نسلم تحريم الشحوم علينا بذبحهم والحديث محمول على الاستحباب والاولى أن يذبحها المسلم ليخرج من الخلاف، وذبحها بيده أفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين
أقرنين أملحين ذبحهما بيده وسمى ووضع رجله على صفاحهما ونحر البدنات الست بيده (1) التي ساقها في حجته ثلاثا وستين بدنة بيده ولان فعله قربة وتولي القربة بنفسه أولى من الاستنابة فيها والاستنابة جائزة فان النبي صلى الله عليه وسلم استناب من نحر ما بقي من بدنه (2) وهذا لا خلاف فيه، وإن لم يذبحها بيده استحب أن يحضر ذبحها لان في حديث ابن عباس الطويل " واحضروها إذا ذبحتم فانه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة " أحضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها " (مسألة) (ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها إلى آخر يومين من أيام التشريق) الكلام في وقت الذبح في ثلاثة أشياء أوله وآخره وعموم وقته أو خصوصه، أما أوله فظاهر كلامه ههنا إذا دخل وقت صلاة العيد ومضى قدر الصلاة التامة فقد دخل وقت الذبح ولا يعتبر نفس الصلاة لافرق في هذا بين أهل الامصار والقرى ممن يصلي العيد وغيرهم وهذا قول الخرقي الا أنه
قال مقدار الصلاة والخطبة وهذا مذهب الشافعي وابن المنذر لانها عبادة يتعلق آخرها بالوقت فتعلق أولها به كالصيام، وظاهر كلام أحمد أنه من شرط جواز التضحية في حق أهل المصر صلاة الامام وخطبته وعلى قياس قوله كل موضع يصلي فيه العيد روي نحو هذا عن الحسن والاوزاعي ومالك وأبي حنيفة واسحاق لما روى جندب بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " متفق عليه، وظاهر هذا اعتبار نفس الصلاة، فان ذبح بعد الصلاة وقبل الخطبة أجزأ لان النبي صلى الله عليه وسلم علق المنع على فعل الصلاة فلا يتعلق بغيره، ولان الخطبة غير واجبة فلا تكون شرطا وهذا قول الثوري وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لموافقة ظاهر الحديث، فأما غير أهل الامصار والقرى فأول الوقت في حقهم قدر الصلاة والخطبة بعد حل الصلاة في قول الخرقي، وظاهر ما ذكره شيخنا في كتاب المقنع أن أول الوقت في حقهم قدر الصلاة بعد حل الصلاة لانه لاصلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها، وقال
عطاء وقتها إذا طلعت الشمس، وقال أبو حنيفة أول وقتها في حقهم إذا طلع الفجر الثاني لانه من يوم النحر فكان وقتا لها كسائر اليوم ولنا أنها عبادة وقتها في حق أهل المصر بعد اشراق الشمس فلا يتقدم وقتها في حق غيرهم كصلاة العيد وما ذكروه يبطل بأهل المصر فان لم يصل الامام في المصر لم يجز الذبح حتى تزول الشمس عند من اعتبر نفس الصلاة لانها حينئذ تسقط فكأنه قد صلى وسواء ترك الصلاة عمدا أو خطأ لعذر أو لغير عذر، فأما الذبح في اليوم الثاني والثالث فيجوز في أول النهار لان الصلاة فيه غير واجبة، ولان الوقت قد دخل في اليوم الاول وهذا من أثنائه فلم يعتبر فيه صلاة ولا غيرها، فان صلى الامام في المصلى واستخلف من صلى في المسجد فمتى صلى في احد الموضعين جاز الذبح لوجود الصلاة التي يسقط بها الفرض عن سائر الناس ولا يستحب أن يذبح قبل الامام فان فعل أجزأه، وقال ابن أبي موسى لا تجزئه ويروى عن مالك والصحيح أنها تجزئ لما ذكرنا من الاحاديث
(فصل) والثاني في آخر وقت الذبح وآخره آخر اليوم الثاني من أيام التشريق فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم النحر ويومان بعده وهذ قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم، قال أحمد أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية قال خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنسا واليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، وروي عن علي رضي الله عنه آخره آخر أيام التشريق، وبه قال عطاء والحسن والشافعي لانه روي عن جبير ابن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيام منى كلها منحر " ولانها أيام تكبير وافطار فكانت محلا للنحر كالاوليين، وقال ابن سيرين لا يجوز الا في يوم النحر خاصة لانها وظيفة عيد فاختصت بيوم العيد كالصلاة واداء الفطرة يوم الفطر، وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد كقول ابن سيرين في أهل الامصار وكقولنا في أهل منى، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار تجوز التضحية إلى هلال المحرم لما روى أبو أمامة سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كان الرجل من المسلمين يشتري
أضحيته فيسمنها حتى يكون آخر ذي الحجة فيضحي بها.
رواه الامام أحمد باسناده وقال هذا حديث عجيب وقال أيام الاضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الاضاحي فوق ثلاث ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الاضحية إليه، ولان اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه فلم تجز التضحية فيه كاليوم الذي بعده، ولانه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي، وقد روي عنه مثل مذهبنا وحديثهم انما هو " ومنى كلها منحر " وليس فيه ذكر الايام والتكبير أعم من الذبح، وكذلك الافطار بدليل أو يوم النحر (مسألة) (ولا يجزي في ليلتيهما في قول الخرقي وقال غيره يجزئ) اختلفت الرواية عن احمد في الذبح في ليلتي يومي التشريق فعنه لا يجزئ نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية الاثرم وهو قول مالك لقول الله تعالى (ليذكروا اسم الله في أيام معدودات على ما رزقهم من بهيمة الانعام) ولانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الذبح بالليل، ولانه ليل يوم يجوز الذبح فيه فأشبه ليلة يوم النحر، ولان الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب ولا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود ولهذا قالوا يكره الذبح فيه، فعلى هذا إن ذبح ليلا لم يجزئه عن الواجب، وإن
كانت تطوعا فذبحها ليلا كانت شاة لحم ولم تكن أضحية فان فرقها حصلت القربة بتفريقها لا بذبحها، وروي عن أحمد أن الذبح يجوز ليلا اختاره أصحابنا المتأخرون، وبه قال الشافعي واسحاق وأبو حنيفة وأصحابه لان الليل زمن يصح فيه الرمي فأشبه النهار، ولان الليل داخل في مدة الذبح فجاز الذبح فيه كالايام (مسألة) (فان فات الوقت ذبح الواجب قضاء وسقط التطوع) إذا فات وقت الذبح ذبح الواجب قضاء وصنع به مايصنع بالمذبوح في وقته لان حكم القضاء حكم الاداء، فأما التطوع فهو مخير فيه، فان فرق لحمها كانت القربة بذلك دون الذبح لانها شاة لحم
وليست أضحبة، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسلمها إلى الفقراء ولا يذبحها فان ذبحها فرق لحمها وعليه ارش ما نقصها الذبح لان الذبح قد سقط بفوات وقته كالوقوف والرمي ولنا أن الذبح أحد مقصودي الاضحية فلم يسقط بفوات وقته كتفرقة اللحم، ولانه لو ذبحها
في الوقت ثم خرج قبل تفرقتها فرقها بعد ذلك، وبهذا فارق الوقوف والرمي ولان الاضحية لا تسقط بفواتها بخلاف ذلك، فان ضلت الاضحية التي وجبت بايجابه لها أو سرقت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه لانها أمانة في يده فان عادت بعد الوقت ذبحها على ما ذكرناه (فصل) فان ذبحها قبل وقتها لم تجزه وعليه بدلها إن كانت واجبة بنذر أو تعيين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " ولانها نسيكة واجبة ذبحها قبل وقتها فلزمه بدلها كالهدي إذا ذبحه قبل محله، ويجب أن يكون بدلها مثلها أو خيرا منها لانه أتلفها، فان كانت غير واجبة فهي شاة لحم ولا بدل عليه إلا أن يشاء لانه قصد التطوع فأفسده فلم يجب عليه بدله كما لو خرج بصدقة تطوع فدفعها إلى غير مستحقها فعلى هذا يحمل الحديث على الندب أو على مااذا كانت واجبة والشاة المذبوحة شاة لحم كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه يصنع بها ما شاء كشاة ذبحها للحمها لا لغير ذلك لانها إن كانت واجبة فقد لزمه ابدالها وذبح ما يقوم مقامها فخرجت هذه عن كونها واجبة كالهدي الواجب إذا عطب دون محله، وإن كانت تطوعا فقد أخرجها بذبحه أياها عن القربة فبقيت مجرد شاة
لحم ويحتمل أن يكون حكمها حكم الاضحية كالهدي إذا عطب لا يخرج عن حكم الهدي على رواية ويكون معنى قوله شاة لحم يعني أنها تفارقها في فضلها وثوابها خاصة دون مايصنع بها (مسألة) (ويتعين الهدي بقوله هذا هدي أو تقليده أو اشعاره مع النية، والاضحية بقوله هذه أضحية ولو نوى حال الشراء لم تتعين بذلك) يتعين الهدي بقوله هذا هدي أو تقليده أو اشعاره مع النية وبهذا قال الثوري واسحاق لان الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ إذا كان الفعل يدل على المقصود كمن بنى مسجدا وأذن في الصلاة
فيه، وكذلك الاضحية تتعين بقوله هذه أضحية فتصير واجبة بذلك كما يعتق العبد بقول سيده هذا حر ولا يتعين بالنية هذا مقصود الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة إذا اشتراها بنية الاضحية صارت أضحية لانه مأمور بشراء أضحية، فإذا اشتراها بالنية وقعت عنه كالوكيل قال صاحب المحرر وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله فيما نقله عن الحسن بن ثواب وأبو الحرث كما يتعين الهدي بالاشعار
ولنا أنه ازالة ملك على وجه القربة فلم تؤثر فيه النية المقارنة للشراء كالعتق والوقف، ويفارق البيع فانه لا يمكنه جعله لموكله بعد إيقاعه وههنا بعد الشراء يمكنه جعلها أضحية (فصل) فان عينها وهي ناقصة نقصا يمنع الاجزاء وجب عليه ذبحها كما لو نذر ذبحها، ولان إيجابها كنذر هدي من غير بهيمة الانعام يلزمه الوفاء به ولا يجزئه عن الاضحية الشرعية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أربع لا تجوز في الاضاحي " الحديث، ولكنه يذبحها ويثاب على ما يتصدق به منها كما يثاب على الصدقة بما لا يصلح أن يكون هديا وكما لو أعتق عن كفارته عبدا لا يجزئ في الكفارة إلا أنه ههنا لا يلزمه بدلها لان الاضحية في الاصل غير واجبة ولم يوجد منه ما يوجبها، فان زال عيبها المانع من الاجزاء كبرء المريضة والعرجاء وزوال الهزال فقال القاضي تجزئ في قياس المذهب، وقال أصحاب الشافعي لا تجزئ لان الاعتبار بحال إيجابها، ولان الزيادة فيها كانت للمساكين كما أنها لو نقصت بعد إيجابها كان عليهم ولا يمنع كونها أضحية ولنا أنها أضحية يجزئ مثلها فاجزأت كما لو لم يوجبها الا بعد زوال عيبها (مسألة) (وإذا تعيبت لم يجز بيعها ولا هبتها الا أن يبدلها بخير منها، وقال أبو الخطاب لا يجوز أيضا)
إذا تعينت لم يجز بيعها ولا هبتها، وقال القاضي يجوز أن يبيعها ويشترى خيرا منها نص عليه أحمد وهو قول عطاء ومجاهد وأبي حنيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم ساق في حجته مائة بدنة، وقدم عليا من اليمن فأشركه في بدنة رواه مسلم، والاشتراك نوع من البيع أو الهبة، ولانه يجوز ابدالها بخير منها والابدال نوع من البيع ولنا أنه قد تعين ذبحها فلم يجز بيعها كما لو نذر ذبحها بعينها ولانه جعلها لله فلم يجز بيعها كالوقف
وانما جاز ابدالها بجنسها لانه لم يزل الحق فيها عن جنسها وانما انتقل إلى خير منها فكان في المعنى ضم زيادة إليها وقد جاز ابدال المصحف ولم يجز بيعه، وأما الحديث فيحتمل انه اشرك عليا فيها قبل إيجابها، ويحتمل أن اشراكه فيها بمعنى أن عليا جاء ببدن فاشتركا في الجميع فكان بمعنى الابدال لا بمعنى البيع (1) ويجوز أن تكون الشركة في ثوابها وأجرها، فأما ابدالها بخير منها فقد نص أحمد على جوازه وهو اختيار الخرقي، وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة وأبو حنيفة ومالك ومحمد بن الحسن واختار ابو الخطاب أنه لا يجوز لان احمد نص في الهدي إذا عطب أنه يجزئ عنه، وفي الاضحية إذا
هلكت وذبحها فسرقت لا بدل عليه، ولو كان ملكه ما زال عنها لزمه بدلها في هذه المسائل ولما ذكرنا في عدم جواز بيعها وهذا مذهب أبي يوسف والشافعي وأبي ثور ولانه زال ملكه عنها لله تعالى فلم يجز أبدالها كالوقف.
ولنا ما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه وقد تأولناه على معنى الابدال، ويتعين حمله عليه لاتفاقنا على تحريم بيعها وهبتها، ولانه عدل عن العين إلى خير منها من جنسها فجاز كما لو أخرج عن بنت لبون حقة في الزكاة، ولان النذور محمولة على أصولها في الفروض وفي الفروض يجوز اخراج البدل في الزكاة فكذلك في النذور، وقوله قد زال ملكه ممنوع بل تعلق بها حق الله تعالى مع بقاء ملكه عليها بدليل أنه لو غير الواجب في ذمته فعطب أو تعيب كان له استرجاعه ولو زال ملكه عنه لم يعد إليه كالوقف والفرق بين الابدال والبيع ان الابدال لا يزيل الحق المتعلق بها من جنسها والبدل قائم مقامها فكأنها لم تزل في المعنى، وقوله الا ان يبدلها بخير منها يدل على أنه لا يجوز بدونها لانه تفويت جزء منها فلم يجز كاتلافه وهذا لا خلاف فيه ويدل على أنه لا يجوز ابدالها بمثلها لعدم الفائدة فيه، وقال القاضي في ابدالها احتمالان (أحدهما) لا يجوز ذلك (والثاني) يجوز لانه لا ينقص
مما وجب عليه شئ، ولنا انه يعتبر ما وجب عليه لغير فائدة فلم يجز كابدالها بدونها (فصل) وإذا عينها ثم مات وعليه دين لم يجز بيعها فيه سواء كان له وفاء أو لم يكن، وبه قال أبو ثور ويشبه مذهب الشافعي، وقال الاوزاعي تباع إذا لم يكن لدينه وفاء الا منها، وقال مالك
إن تشاجر الورثة فيها باعوها ولنا أنه تعين ذبحها فلم تبع في دينه كما لو كان حيا، إذا ثبت هذا فان ورثته يقومون مقامه في الاكل والصدقة والهدية لانهم يقومون مقام موروثهم فيما له وعليه (مسألة) (وله ركوبها عند الحاجة ما لم يضر بها) قال أحمد رحمه الله لا يركبها الا عند الضرورة وهو قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا " رواه أبو داود، ولانه تعلق بها حق المساكين فلم يجز ركوبها من غير ضرورة كملكهم وانما جوزناه عند الضرورة للحديث فان نقصها الركوب ضمن النقص لانه تعلق بها حق غيره فأما ركوبها مع عدم الحاجة ففيه روايتان (احداهما) لا يجوز لما ذكرنا (والثانية) يجوز لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال " أركبها " فقال يارسول الله أنها بدنة، فقال " اركبها ويلك " في الثانية أو في الثالثة متفق عليه
(مسألة) (وإن ولدت ذبح ولدها معها ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها) إذا عين أضحية فولدت فحكم ولدها حكمها سواء كان حملا حال التعيين أو حدث بعده، وبهذا قال الشافعي وعن أبي حنيفة لا يذبحه ويدفعه إلى المساكين حيا، فان ذبحه دفعه إليهم مذبوحا وارش ما نقصه الذبح لانه من نمائها فيلزمه دفعه إليهم على صفته كصوفها وشعرها.
ولنا أن استحقاق ولدها حكم ثبت للولد بطريق السراية من الام فثبت له ما ثبت لها كولد أم الولد والمدبرة، إذا ثبت هذا فانه يذبحه كما ذبحها لانه صار أضحية على وجه التبع لامه، ولا يجوز ذبحه قبل وقت ذبح أمه ولا تأخيره عن آخر الوقت كأمه، وقد روي عن علي رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال يا أمير المؤمنين: اني اشتريت هذه البقرة لاضحي بها وإنها وضعت هذا العجل، فقال علي لا تحلبها الا ما فضل عن تيسير ولدها، فإذا كان يوم الاضحى فاذبحها وولدها عن سبعة رواه سعيد والاثرم (فصل) وولد الهدية بمنزلتها أيضا كولد الاضحية إن أمكن سوقه وإلا حمله على ظهرها وسقاه من لبنها فان لم يمكنه سوقه ولا حمله صنع به ما يصنع بالهدي إذا عطب ولا فرق في ذلك بين ما عينه ابتداء، وبين ما عينه عن الواجب في ذمته، وقال القاضي في المعين بدلا عن الواجب يحتمل أن لا يتبعها
ولدها لان ما في الذمة واحد فلا يلزمه اثنان والصحيح أنه يتبع أمه في الوجوب فانه ولد هدي واجب فتبعه كالمعين ابتداء، ولما ذكر من حديث علي فان تعيبت المعينة عن واجب في الذمة وقلنا يذبحها ذبح ولدها معها لانه تبع لها، وإن قلنا يبطل تعيينها وترد إلى مالكها احتمل أن يبطل التعيين في ولدها تبعا كما ثبت تبعا قياسا على نمائها المتصل بها، واحتمل ان لا يبطل ويكون للفقراء لانه تبعها في الوجوب حال اتصاله بها ولم يتبعها في زواله لانه صار منفصلا عنها فهو كولد المبيع المعيب إذا ولد عند المشتري ثم رده لا يبطل البيع في ولدها، والمدبرة إذا قتلت سيدها قبطل تدبيرها لا يبطل في ولدها وحكم الاضحية المعينة عما في الذمة إذا تعينت وولدت كذلك على قياس الهدية لانها في معناها (فصل) ولا يشرب من لبنها إلا الفاضل عن ولدها، فان لم يفضل عنه شئ أو كان الحلب يضر بها وينقص لحمها لم يكن له أخذه والا فله أخذه والانتفاع به، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحلبها ويرش على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن فان احتلبها تصدق به لان اللبن متولد من الاضحية الواجبة فلم يجز للمضحي الانتفاع به كالولد، ولنا قول علي رضي الله عنه لا يحلبها الا فضلا عن تيسير
ولدها، ولانه انتفاع لا يضر بها ولا بولدها فأشبه الركوب ويفارق الولد فانه يمكن إيصاله إلى محله، أما اللبن فان حلبه وتركه فسد، وإن لم يحلبه تعقد الضرع وأضربها فجوز له شربه وإن تصدق به كان أفضل لان فيه خروجا من الخلاف، وإن احتلب ما يضر بها أو بولدها لم يجز له وعليه الصدقة به وإن شربه ضمنه لانه تعدى بأخذه وهكذا الحكم في الهدية، فان قيل فصوفها وشعرها إذا جزه تصدق به ولم ينتفع به فلم جوزتم له الانتفاع باللبن قلنا الفرق بينهما من وجهين (أحدهما) أن لبنها يتولد من غذائها وعلفها وهو القائم فبه فجاز صرفه إليه كما أن المرتهن إذا علف الرهن كان له أن يركب ويحلب وليس له أنى أخذ الصوف ولا الشعر (الثاني) أن الصوف والشعر ينتفع به على الدوام فجرى مجرى جلدها واجزائها واللبن يشرب ويؤخذ شيئا فشيئا فجرى مجرى منافعها وركوبها، ولان اللبن يتجدد كل يوم والصوف والشعر عين
موجودة دائمة في جميع احوال (مسألة) وله أن يجز صوفها ووبرها إذا كان أنفع لها مثل أن تكون في زمن تخف بجزه وتسمن ويتصدق هبه، وإن لا يضر بها لقرب مدة الذبح أو كان بقاؤه أنفع لها لكونه يقيها الحر والبرد
لم يجز له حزه كما لا يجوز أخذ بعض أعضائها (مسألة) (ولا يعطي الجازر بأجرته شيئا منها) وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ورخص الحسن وعبد الله بن عبيد بن عمير في اعطائه الجلد.
ولنا ما روى علي بضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلودها وجلالها وأن لا أعطي الجازر منها شيئا وقال " نحن نعطيه من عندنا " متفق عليه، ولان ما يدفعه إلى الجزار عوض عن عمله وجزارته ولا تجوز المعاوضة بشئ منها، فأما إن دفع إليه صدقة أو هبة فلا بأس لانه مستحق للاخذ فهو كغيره، بل هو أولى لانه باشرها وتاقت نفسه إليها (مسألة) (وله أن ينتفه بجلدها وجلها ولا يبيعه ولا شيئا منها) لا خلاف في جواز الانتفاع بجلودها وجلالها لان الجلد جزء منها فجاز للمضحي الانتفاع به كاللحم كان علقمة ومسروق يد بغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت رسول الله قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يحملون منها الودك ويتخذون منها الاسقية، قال " وما
ذاك " قالت نهيت عن امساك لحوم الاضاحي بعد ثلاث، فقال " انها نهيتكم للدافة التي دفت فكلا وتزودوا وتصدقوا " حديث صحيح ولانه انتفاع به فجاز كلحمها (فصل) ولا يجوز بيع شئ من الاضحية واجبة كانت أو تطوعا لانها تعينت بالذبح، قال أحمد لا يبيعها ولا يبيع شيئا منها وقال سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى.
قال الميموني قالوا لابي عبد الله فجلد الاضحية نعطيه السلاخ؟ قال لا وحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تعط في جزارتها شيئا منها " ثم قال اسناد جيد، وبه قال الشافعي وروي عن أبي هريرة، ورخص الحسن والنخعي في
الجلد أن يبيعه ويشتري به الغربال والمنخل وآلة البيت، وروي نحو ذلك عن الاوزاعي لانه ينتفع به هو وغيره فجرى مجرى تفريق لحمها، وقال أبو حنيفة يبيع ما شاء منها ويتصدق بثمنه، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه يبيع الجلد ويتصدق بثمنه وحكاء ابن المنذر عن أحمد واسحاق.
ولنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقسم جلودها وجلالها وأن لا يعطى الجازر شيئا منها وفيه دليل على وجوب الصدقة بالجلال وعلى تسويتها بالجلود، ولانه جعله الله تعالى فلم يجز بيعه وكالوقف وما ذكروه في شراء آلة
البيت يبطل باللحم لا يجوز بيعه لشراء الآلة وإن كان ينتفع به (مسألة) (فان ذبحها فسرقت فلا شئ عليه) لانها أمانة في يده، فإذا تلفت بغير تفريطه لم يضمنها كالوديعة (مسألة) (وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير اذنه اجزأت ولا ضمان على ذابحها) وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك هي شاة لحم لمالكها ارشها وعليه بدلها لان الذبح عبادة، فإذا فعلها غير صاحبها عنه بغير اذنه لم تقع الموقع كالزكاة، وقال الشافعي تجزئ وله على ذابحها ارش مابين قيمتها صحيحة ومذبوحة لان الذبح أحد مقصودي الهدي، فإذا فعله فاعل بغير اذن المضحي ضمنه كتفرقة اللحم.
ولنا على مالك أنه فعل لا يفتقر إلى النية فإذا فعله غير الصاحب أجزأ عنه كغسل ثوبه من النجاسة، وعلى الشاعفي أنها أضحية أجزأت عن صاحبها ووقعت موقعها فلم يضمن ذابحها كما لو كان باذن، ولانه اراقة دم تعينت ارقاته لحق الله تعالى فلم يضمن مريقه كقاتل المرتد بغير اذن الامام، ولان الارش لو وجب فانما يجب ما بين كونها مستحقة الذبح في هذه الايام متعينة له وما بينها مذبوحة ولا قيمة لهذه الحياة ولا تفاوت بين القيمتين فتعذر وجود الارش ووجوبه، ولانه لو وجب الارش لم يخل اما أن يجب للمضحي أو للفقراء لا جائز أن يجب للفقراء لانهم انما يستحقونها مذبوحة، ولو دفعها إليهم في الحياة لم يجز، ولا جائز أن يجب له لانه بدل شئ منها فلم يجز أن يأخذه كبدل عضو من أعضائها، ولانهم وافقونا في أن الارض لا يدفع إليه فتعذر إيجابه لعدم مستحقه (فصل) وان اشترى أضحية فلم يوجبها حتى علم بها عيبا فان شاء ردها، وان شاء أخذ أرشها
ثم أن كان عيبها يمنع الاجزاء لم يكن له التضحية بها وان لم يمنع فله ذلك والارض له فان أوجبها ثم
علم أنها معيبة فذكر القاضي أنه مخير بين ردها وأخذ أرشها فان أخذ أرشها فحكمه حكم الزائد عن قيمة الاضحية على ما نذكره، ويحتمل أن يكون الارش له لان الايجاب إنما صادفها بدون الذي أخذ أرشه فلم يتعلق الايجاب بالارش ولا بمبدله فاشبه مالو تصدق بها ثم أخذ أرشها، وعلى قول أبي الخطاب: لا يملك ردها لانه قد زال ملكه عنها بايجابها فاشبه ما لو اشترى عبدا معيبا فاعتقه ثم علم عيبه وهذا مذهب الشافعي فعلى هذا يتعين أخذ الارش، وفي كون الارش للمشتري ووجوبه في التضحية وجهان ثم ينظر فان كان عيبها لا يمنع اجزاءها فقد صح ايجابها والتضحية بها، وان كان يمنع اجزاءها فحكمه حكم ما لو اوجبها عالما بعيبها على ما ذكرناه (مسألة) (وان أتلفها أجنبي ضمنها بقيمتها، ان أتلفها صاحبها ضمنها باكثر الامرين من قيمتها أو مثلها فان ضمنها بمثلها وأخرج فضل القيمة جاز ويشتري به شاة أو سبع بدنة فان لم يبلغ اشترى به لحما فتصدق به أو يتصدق بالفضل) إذا أتلف الاضحية الواجبة صاحبها فعليه قيمتها لانها من المتقومات، وتعتبر القيمة يوم أتلفها فان غلت الغنم بعد ذلك فصار مثله خيرا من قيمتها فقال أبو الخطاب يلزمه مثله لانها أكثر الامرين ولانه يتعلق بها حق الله تعالى في ذبحها فوجب عليه مثلها ليوفي بحق الله تعالى بخلاف الاجنبي وهذا مذهب الشافعي.
وظاهر قول القاضي انه لا يلزمه الا القيمة يوم الاتلاف وهو قول أبي حنيفة لانه اتلاف أوجب القيمة فلم يجب به أكثر من القيمة يوم الاتلاف كما لو أتلفها أجنبي وكسائر المضمونات فان رخصت الغنم فزادت قيمتها على مثلها مثل ان كانت قيمتها عند اتلافها عشرة فصارت قيمة مثلها
خمسة فعليه عشرة وجها واحدا فان شاء اشترى بها أضحية واحدة تساوي عشرة، وان شاء اشترى اثنتين فان اشترى واحدة وفضل من العشرة مالا يجئ به أضحية اشترى به شركا في بدنة فان لم يتسع لذلك أو لم تمكنه المشاركة فيه وجهان (أحدهما) يشتري لحما ويتصدق به لان الذبح وتفرقة اللحم
مقصودان فان تعذر أحدهما وجب الآخر (والثاني) يتصدق بالفضل لانه إذا لم يحصل له التقرب بالاراقة كان اللحم وثمنه سواء، وان أتلفها أجنبي فعليه قيمتها يوم تلفها وجها واحدا ويلزمه دفعها إلى صاحبها فان زاد على ثمن مثلها فحكمه حكم ما لو أتلفها صاحبها وان لم تبلغ القيمة ثمن أضحية فالحكم فيه على ما مضى فيما إذا زاد على ثمن الاضحية في حج المضحي (مسألة) (فان تلفت بغير تدريطه أو سرقت أو ضلت فلا شئ عليه لانها أمانة في يده فلم يضمنها إذا لم يفرط كالوديعه) (مسألة) (وان عطب الهدي في الطريق نحره في موضعه وصبغ نعله التي في عنقه في دمه وضرب بها صفحة سنامه ليعرفه الفقراء فيأخذوه ولا يأكل منه هو ولا احد من أهل رفقته) وجملة ذلك أن من تطوع بهدي غير واجب لم يخل من حالين (أحدهما) أن ينويه هديا ولا يوجبه بلسانه ولا تقليده واشعاره فهذا لا يلزمه امضاؤه وله أولاده ونماؤه والرجوع فيه متى شاء ما لم يذبحه لانه نوى الصدقة بشئ من ماله أشبه مالو نوى الصدقة بدرهم (الثاني) أن يوجبه بلسانه أو يقلده ويشعره مع النية فيصير واجبا معينا يتعلق الوجوب بعينه دون ذمة صاحبه ويكون في يد صاحبه كالوديعة يلزمه حفظه وايصاله إلى محله فان تلف بغير تفريطه منه أو سرق أو ضل فلا ضمان عليه
كالوديعة لان الحق إنما تعلق بالعين فسقط بتلفها، وقد روى الدار قطني باسناده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أهدى تطوعا ثم ضلت فليس عليه البدل " إلا أن يشاء فان كان نذرا فعليه البدل فاما ان أتلفها أو تلفت بتفريطه فعليه ضمانه لانه أتلف واجبا لغيره فضمنه كالوديعة وان خاف عطبه أو عجزه عن المشي وصحبة الرفاق نحره موضعه وخلى بينه وبين المساكين ولم يبح له أكل شئ منه ولا لاحد من صحابته وان كانوا فقراء، ويستحب له أن يصبغ نعل الهدي المقلد في عنقه ثم يضرب بها صفحته ليعرفه الفقراء فيعلموا أنه هدي فيأخذوه، وبهذا قال الشافعي وسعيد بن جبير وروي عن ابن عمر انه أكل من هديه الذي عطب ولم يقض مكانه، وقال مالك: يباح لرفتقه ولسائر الناس غير صاحبه أو سائقه ولا يأمر أحدا يأكل منه فان أكل أو أمر من أكل أو ادخر شيئا
من لحمه ضمنه لما روى هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية بن كعب صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي.
قال " انحره ثم اغمس قلائده في دمه ثم أضرب بها صفحة عنقه ثم خل بينه وبين الناس " فيدخل في عموم قوله " خل بينه وبين الناس " رفقته وغيرهم ولنا ماروى ابن عباس رضي الله عنه ان ذؤيبا أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول " ان عطب منها شئ فخشيت عليها فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفتك " رواه مسلم، وفي لفظ " ويخليها والناس ولا يطعم منها هو ولا أحد من أصحابه " رواه الامام احمد وهذا صحيح متضمن للزيادة ومعنى خاص فيجب تقديمه على عموم ما خالفه ولا يصح قياس رفقته على غيرهم لان الانسان يشفق على رفقته
ويجب التوسعه عليهم وربما وسع عليهم من مؤنته وانما منع السائق ورفقته من الاكل منها ليلا يقصر في حفظها فيعطيها ليأكل هو ورفقته منها فتلحقه التهمة في عطبها لنفسه ورفقته فحرموها لذلك.
فان أكل منها أو باع أو أطعم غنيا أو رفقته ضمنه بمثله لحما، وان أتلفها أو تلفت بتفريطه أو خاف عطبها فلم ينحرها حتى هلكت فعليه ضمانها يوصله إلى فقراء الحرم لانه لا يتعذر عليه ايصال الضمان إليهم بخلاف العاطب، وان أطعم منها فقيرا أو أمره بالاكل منها فلا ضمان عليه لانه أوصله إلى مستحقه فأشبه ما لو فعل ذلك بعد بلوغ الهدي محله، وان تعيب ذبحه وأجزأه.
وقال أبو حنيفة لا يجزيه، ولنا أنه لو عطب لم يلزمه شئ فالعيب أولى لانه أقل وكما لو حدث به العيب حال اضجاعه فانه قد سلمه، وان تعيب بفعل آدمي فعليه ما نقصه من القيمة يتصدق به، وقال أبو حنيفة يباع جميعه ويشترى بالجمع هدي وبني ذلك على أنه لا يجزئ وقد بينا أنه يجزئ (مسألة) (وان تعيبت ذبحها وأجزأته الا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين كالفدية والمنذور في الذمة فعليه بدلها) إذا أوجب أضحية سليمة ثم حدث بها عيب بمنع الاجزاء ذبحها وأجزأته روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي واسحاق وقال أصحاب الرأي لا تجزئ لان
الاضحية عندهم واجبة فلا يبرأ منها الا باراقة دمها سليمة كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت ولناما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: ابتعنا كبشا نضحي به فأصاب الذئب من اليتة فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نضحي به رواه ابن ماجه، ولانه عيب حدث في الاضحية الواجبة فلم
بمنع الاجزاء كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ولا نسلم انها واجبة في الذمة وإنما تعلق الوجوب بعينها فاما ان تعيبت بفعله فعليه بدلها، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا عالج ذبحها فقلعت السكين عينها أجزأت استحسانا، ولنا أنه عيب أحدثه قبل ذبحه فلم يجزئه كما لو كان قبل معالجة الذبح (فصل) والواجب في الذمة من الهدي قسمان (احدهما) وجب بالنذر في ذمته (والثاني) وجب بغيره كهدي المتعة والقران والدماء الواجبة في النسك بترك واجب أو فعل محظور فمتى عين عما في ذمته شيئا فقال هذا الواجب علي فانه يتعين الوجوب فيه من غير أي أن تبرأ الذمة لانه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين فكذلك إذا كان اجبا فعينه الا أن مضمون عليه فان عطب أو سرق أو نحو ذلك لم يجزئه وعاد الوجوب إلى ذمته كما لو كان لرجل عليه دين فاشترى به مكيلا فتلف قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين إلى ذمته، ولان ذمته لم تبرأ من الواجب بتعيينه وانما تعلق الوجوب بمحل آخر فصار الدين يضمنه ضامن أو يرهن به رهنا فانه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة الدين فمتى تعذر استيفاؤه من الضامن أو تلف الرهن بقى الحق في الذمة بحاله فاما ان ساق الهدي ينوي به الواجب الذي في ذمته ولم يعينه بالقول فهذا لا يزول ملكه عنه الا بذبحه ودفعه إلى أهله وله التصرف فيه بما شاء من بيع وهبة وأكل وغير ذلك لانه لم يتعلق به حق لغيره وله نماؤه وان عطب تلف من ماله وان تعيب لم يجزئه ذبحه وعليه الهدي الذي كان واجبا ولا يبرأ الا بايصاله إلى مستحقه بمنزلة من عليه دين فحمل إلى مستحقه يقصد دفعه إليه فتلف قبل أن يوصله إليه ومتى عينه بالقول تعين فان ذبحه فسرق أو عطب فلا شئ عليه قال احمد رحمه الله إذا نحر فلم يطعمه حتى سرق
لا شئ عليه، فانه إذا نحر فقد فرغ وبهذا قال الثوري وابن القاسم صاحب مالك وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي: عليه الاعادة لانه لم يوصل الحق إلى مستحقه فأشبه ما لو لم يذحبه.
ولنا انه أدى الواجب عليه فبرئ منه كما لو فرقه، ودليل انه أدى الواجب انه لم يبق الا التفرقة وليست واجبة لانه لو خلى بينه وبين الفقراء أجزأه ولذلك لما نحر النبي صلى الله عليه وسلم البدنات قال " من شاء اقتطع " وإذا عطب هذا المعين أو تعيب عيبا يمنع الاجزاء لم يجزئه ذبحه عما في الذمة لان عليه هديا سليما ولم يوجد وكذلك إذا عين عن الاضحية التي في الذمة شاة فهلكت أو تعيبت بما يمنع الاجزاء لم تجزئ لان ذمته لم تبرأ الا بذبح شاة سليمة كما لو نذر عتق رقبة أو كان عليه عتق رقبة في كفارة فاشتراها سليمة ثم عابت عنده لم تجزئه عما في ذمته بخلاف ما لو نذر عتق عبد معين فعاب فانه يجزئ عنه (مسألة) (وهل له استرجاع هذا العاطب والمعيب؟ على روايتين) (احداهما) له استرجاعه إلى ملكه فيصنع به ما شاء.
هذا ظاهر كلام الخرقي ورواه ابن المنذر عن أحمد والشافعي واسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأى ونحوه عن عطالانه انما عينه عما في ذمته فإذا لم يقع عنه عاد إلى صاحبه كمن أخرج زكاته فبان انها غير واجبة.
وقال مالك: يأكل ويطعم من أحب من الاغنياء والفقراء ولا يبيع منه شيئا.
ولنا ما روى سعيد باسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا اهديت هديا واجبا فعطب فانحره ثم كله ان شئت واهده ان شئت وبعه ان شئت.
ويقوم به في هدي آخر ولانه متى كان له أن يأكل ويطعم الاغنياء كان له بيعه لانه ملكه (والثانية) لا يرجع المعين إلى ملكه لانه قد تعلق به حق الفقراء بتعيينه فلزم ذبحه كما لو عينه بنذره ابتداء (فصل) فان عين معيبا عما في ذمته لم يجزه ويلزمه ذبحه على قياس قوله في الاضحية إذا عينها معيبة لزمه ذبحها ولم يجزه، وان عين صحيحا فهلك أو تعيبت بغير تفريطه لم يلزمه أكثر مما كان واجبا في الذمة لان الزائد لم يجب في الذمة، وانما تعلق بالعين فسقط بتلفها كأصل الهدي إذا لم يجب بغير التعيين، وإذا أتلفه أو تلف بتفريطه لزمه مثل المعين ان كان زائدا عما في الذمة لان الزائد تعلق به حق الله تعالى فإذا فوته لزمه كاهدي المعين ابتداء
(مسألة) (وكذلك ان ضلت فذبح بدلها ثم وجدها)
إذا ضل المعين فذبح غيره ثم وجده أو عين غير الضال بدلا عما في الذمة ثم وجد الضال ذبحهما معا.
روي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال مالك والشافعي وإسحاق لما روي عن عائشة رضي الله عنها انها أهدت هديين فأضلتهما فبعث إليها ابن الزبير بهديين فنحرتهما ثم عاد الضالان فنحرتهما وقالت: هذه سنة الهدي.
رواه الدار قطبي، وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولانه تعلق حق الله تعالى بهما بايجابهما أو ذبح أحدهما وايجاب الآخر، ويتخرج ان يرجع إلى ملكه أحدهما بناء على المسألة التي قبلها فيما إذا عين عما في الذمة شاة فعطبت أو تعينت انها ترجع إلى ملكه لانه قد ذبح عما في الذمة فلم يلزمه شئ آخر كما لو عطب المعين وهذا قول أصحاب الرأي (فصل) إذا غصب شاة فذبحها عما في ذمته لم يجزه وان رضي مالكها وسواء عوضه عنها أو لم يعوضه وقال أبو حنيفة يجزيه ان رضي مالكها.
ولنا ان هذا لم يكن قربة في ابتدائه فلم يصر قربة في أثنائه كما لو ذبحها للاكل ثم نوى بها التقرب وكما لو أعتق عبدا ثم نواه عن كفارته (فصل) لا يبرأ من الهدي الا بذبحه أو نحره لان النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه فان نحره بنفسه أو وكل من نحره أجزاه وكذلك ان نحره انسان بغير اذنه في وقته وفيه اختلاف ذكرناه، وان دفعه إلى الفقراء سليما فنحروه أجزأ عنهم لانه حصل المقصود بفعلهم فأجزأه كما لو ذبحه غيرهم وان لم ينحروه فعليه ان يسترده منهم وينحره فان لم يفعل أو لم يقدر فعليه ضمانه لانه فوته بتفريطه في دفعه إليهم سليما (فصل) ويباح للفقراء الاخد من الهدي إذا لم يدفعه إليهم باحذ شيئين (أحدهما) الاذن فيه لفظا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " من شاء اقتطع " (والثاني) دلالة الحال على الاذن كالتخلية بينهم وبينه، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يباح الا باللفظ.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اصبغ نعلها في دمها واضرب به صفحتها " دليل على ان ذلك وشبهه كاف من غير لفظ ولولا ذلك لم يكن هذا مفيدا (فصل) قال رحمه الله: سوق الهدي مسنون لا يجب الا بالنذر لان النبي صلى الله عليه وسلم فعله فساق
في حجته مائة بدنة وكان يبعث بهدية وهو بالمدينة وليس بواجب لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به والاصل عدم الوجوب فان نذره وجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه " ولانه نذر طاعة
فوجب الوفاء به كنذور الطاعات (1) (مسألة) (ويستحب أن يقفه بعرفه ويجمع بين الحل والحرام ولا يجب ذلك) روي استحباب ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان ابن عمر لا يرى الهدي الا ما عرف به ونحوه عن سعيد بن جبير.
وقال مالك: أحب للقارن يسوق هديه من حيث يحرم فان ابتاعه من درن ذلك مما يلي مكة بعد أن يقفه بعرفة جاز، وقال في هدي المجامع ان لم يكن ساقه فليشتره من مكة ثم ليخرجه إلى الحل وليسقه إلى مكة.
ولنا أن المراد من الهدي نحره ونفع المساكين بلحمه وهذا لا يقف على شئ مما ذكوره ولم يرد بما قالوه دليل يوجبه فبقي على أصله (مسألة) ويسن إشعار البدن وهو أن يشق صفحة سنامها حتى يسيل الدم ويقلدها ويقلد الغنم النعل وآذان القرب والعرى) يسن تقليد الابل والبقر وإشعارها وهو أن يشق صفحة سنامها الايمن حتى يدميها في قول أهل العلم وقال أبو حنيفة هذا مثله غير جائز لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان ولانه إيلام فهو كقطع عضو منه، وقال مالك: ان كانت البقرة ذا ت سنام فلا بأس باشعارها وإلا فلا لونا ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها.
متفق عليه، وفعله الصحابة فيجب تقديمه على عموم ما احتجوا به ولانه إيلام لغرض صحيح فجاز كالكي والوسم والحجامة وفائدته أن لا تختلط بغيرها وأن يتوقاها اللص ولا يحصل ذلك بالتقليد بمفرده لانه يحتمل أن ينحل ويذهب وقياسهم ينتقض بالكي وبشعر البقرة لانها من البدن فتشعر كذات السنام.
أما الغنم فلا يسن اشعارها لانها ضعيفة وصوفها وشعرها يستر موضع إشعارها.
إذا ثبت هذا فالسنة الاشعار في صفحتها اليمنى، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك وأبو يوسف بل
يشعرها في صفحتها اليسرى، وعن أحمد مثله لان ابن عمر فعله.
ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم دعا ببدنة وأشعرها من صفحة سنامها الايمن وسلت الدم عنها بيده.
رواه مسلم.
وأما ابن عمر فقد روي عنه كمذهبنا رواه البخاري ثم فعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى من فعل ابن عمر
بغير خلاف ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في شأنه كله وإذا ساق الهدي من قبل الميقات استحب اشعاره وتقليده من الميقات لحديث ابن عباس: وان كانت غنما استحب أن يقلدها نعلا أو آذان القرب أو علافة إداوة أو عروة، وقال مالك وأبو حنيفة لا يسن تقليد الغنم لانه لو كان سنة لنقل كما نقل في الابل.
ولنا ما روي أن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ولانه إذا سن تقليد الابل مع انه يمكن تعريفها بالاشعار فالغنم أولى وان ترك التقليد والاشعار فلا شئ عليه لانه غير واجب (مسألة) (وإذا نذر هديا مطلقا فأقل ما يجزئه شاة أو سبع بدنة أو بقرة لان المطلق في النذور يحمل على المعهود الشرعي، والهدي الواجب في الشرع انما هو من النعم وأقله ما ذكرناه فحمل عليه ولهذا لما قال الله تعالى في المتعة (فما استيسر من الهدي) حمل على ما قلنا فان اختار اخراج بدنة كاملة فهو أفضل وهل تكون كلها واجبة على وجهين ذكرناهما في باب الفدية) (مسألة) (ومن نذر بدنة أجزأته بقرة) قد ذكرنا ذلك في باب الفدية (مسألة) (فان عين بنذره أجزأه ماعينه صغيرا كان أو كبيرا من الحيوان وغيره وعليه ايصاله إلى فقراء الحرم الا أن يعينه بموضع سواه) إذا عين الهدي بشئ لزمه ماعينه وأجزأه سواء كان من بهيمة الانعام أو من غيرها وسواء كان حيوانا أو غيره مما ينقل أو مما لا ينقل فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من راح يعني إلى الجمعة في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة " فذكر الدجاجة والبيضة في الهدي وعليه إيصا له إلى فقراء الحرم لانه سماه هديا وأطلق فيحمل على محل الهدي المشروع
وقد قال سبحانه (ثم محلها إلى البيت العتيق) فان كان مما ينقل كالعقار باعه وبعث ثمنه إلى الحرم فتصدق به فيه وكذلك إذا نذر هديا مطلقا أو معينا وأطلق مكانه وجب عليه ايصاله إلى فقراء الحرم وجوز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء كما لو نذر الصدقة بشاة.
ولنا قوله تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولان النذر يحمل على المعهود شرعا والمعهود في الهدي الواجب بالشرع كهدي المتعة وشبهه
ان ذبحه يكون في الحرم كذا ههنا فان عين نذره بموضع غير الحرم لزم ذبحه فيه ويفرق لحمه على مساكينه أو اطلاقه لهم لما روي أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني نذرت أن أنحر ببوانة.
قال " أبها صنم؟ " قال لا.
قال " أوف بنذرك " رواه أبو داود فان نذر الذبح بموضع فيه صنم أو شئ من الكفر أو المعاصي كبيوت النار والكنائس والبيع واشباه ذلك (1) لم يصح نذره لعموم هذا الحديث ولانه نذر معصية فلا يوف به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله " ولقوله عليه السلام " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " (مسألة) (ويستحب أن يأكل من هديه ولا يأكل من واجب الا من دم المتعة والقران) يستحب أن يأكل من هديه وسواء في ذلك ما أوجبه بالتعيين من غير أن يكون واجبا في ذمته وما نحره تطوعا من غير أن يوجبه لقول الله تعالى (فكلوا منها) وأقل أحوال الامر الاستحباب، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أكل من بدنه، وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كلوا وتزودوا " فأكلنا وتزودنا رواه البخاري.
والمستحب أن يأكل اليسير كما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فاكلام منها وحسيا من مرقها ولانه نسك فاستحب الاكل منه كالاضحية وله التزود والاكل كثيرا كما جاء في حديث جابر وتجزئه الصدقة باليسير منها كما في الاضحية فان أكلها كلها ضمن المشروع للصدقة منها كما في الاضحية، وقال ابن عقيل: حكمه في الاكل والتفريق حكم الاضحية، وحديث جابر في أن النبي صلى الله عليه وسلم انما أمر من كل جزور ببضعة يدل على خلاف قوله ولان الهدي يكثر بخلاف الاضحية.
وان
لم يأكل فحسن فان النبي صلى الله عليه وسلم لما نحر البدنات الخمس قال " من شاء اقتطع " وظاهره أنه لم يأكل منهن شيئا، وقال بعض أهل العلم يجب الاكل منها لظاهر الامر.
ولنا الحديث المذكور ولانها ذبيحة يتقرب إلى الله تعالى بها فلم يجب الاكل منها كالعقيقة (مسألة) (ولا يأكل من واجب الا دم المتعة والقران دون ما سواهما) نص عليه احمد لان سببهما غير محظور فاشبها هدي التطوع، وهذا قول أصحاب الرأي، وعن
احمد أنه يحرم الاكل من النذور وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما وهو قول ابن عمر وعطاء والحسن واسحق لان جزاء الصيد بدل والنذر جعله لله تعالى بخلاف غيرهما وقال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضا من الكفارة ويأكل مما سوى الثلاثة ونحوه مذهب مالك، لان ما سوى الثلاثة لم يسمه للمساكين ولا مدخل للاطعام فيه فاشبه التطوع وقال الشافعي لا يأكل من واجب لانه هدي وجب بالاحرام فلم يجز الاكل منه كدم الكفارة ولنا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتعن معه في حجة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة ثم ذبح عنهن النبي صلى الله عليه وسلم البقر فأكلن من لحومها، قال أحمد قد أكل من البقر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة.
وقالت عائشة إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه.
وقال ابن عمر تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فساق الهدي من ذي الحليفة.
متفق عليه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعلي من لحمها وشربا من مرقها رواه مسلم.
ولانهما دما نسك أشبها التطوع ولا يجوز الاكل من غيرهما لانه وجب بفعل محظور أشبه جزاء الصيد (فصل) فان أكل مما منع من أكله ضمنه بمثله لحما لان الجميع مضمون عليه بمثله حيوانا فكذلك ابعاضه، وكذلك إن أعطى الجازر منها شيئا ضمنه بمثله فان أطعم غنيا منها على سبيل الهدية جاز كما
يجوز له ذلك في الاضحة لان ماملك أكله ملك هديته، وإن باع شيئا منها أو أتلفه ضمنه بمثله لانه ممنوع من ذلك عطيته للجازر، وإن أتلف أجنبي منه شيئا ضمنه بقيمته لانه من غير ذوات الامثال فضمنه بقيمته كما لو أتلف لحما لآدمي معين (فصل) قال رحمه الله (والاضحية سنة مؤكدة لا تجب إلا بالنذر) أكثر أهل العلم يرون الاضحية سنة مؤكدة غير واجبة.
روي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعلقمة والاسود وعطاء والشافعي
واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال ربيعة ومالك والثوري والليث والاوزاعي وأبو حنيفة هي واجبة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من كان له سبعة ولم يصح فلا يقربن مصلانا " وعن محنف بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة " ولنا ماروى الدار قطبي باسناده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ثلاث كتبن على وهن لكم تطوع " وفي رواية " الوتر والنحر وركعتا الفجر " ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره لوا بشرته شيئا " رواه مسلم.
علقه على الارادة والواجب لا يعلق على الارادة، ولانها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة، وحديثهم قد ضعفه أصحاب الحديث ثم نحمله على الاستحباب كما قال " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " وقال: " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن صملانا " وقد روي عن أحمد في اليتيم يضحي عنه وليه إذا كان موسرا، وقال أبو الخطاب وهذا يدل على أنها واجبة والصحيح أن هذا على وجه التوسعة عليه لا سبيل الايجاب.
فان نذرها وجبت لقول النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه " وهذا نذر طاعة
(مسألة) (وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها نص عليه) وبهذا قال ربيعة وأبو الزناد، وروي عن بلال أنه قال ما أبالي ألا أضحي الا بديك ولان أضعه في يتيم قد ترب فوه أحب إلي من أن أضحي، وبهذا قال الشعبي وأبو ثور وقالت عائشة لان أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلى البيت ألفا.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء بعده، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها، وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من اراقة دم، وانه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وان الدم ليقع من الله عزوجل بمكان قبل أن يقع على الارض فطيبوا بها نفسا " رواه ابن ماجه: ولان إيثار الصدقة على الاضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عائشة في الهدي لا في الاضحية
(مسألة) ويستحب أن يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، وإن أكل أكثر جاز) قال أحمد نحن نذهب إلى حديث عبد الله يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث.
قال علقمة بعث معي عبد الله بهدية فأمرني أن آمل ثلثها، وأن أرسل إلى أهل أخيه بثلث، وأن أتصدق بثلث.
وعن ابن عمر قال: الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لاهلك وثلث للمساكين، وهذا قول اسحاق وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر.
يجعلها نصفين يأكل نصفها ويتصدق بنصف لقول الله تعالى (فكلا منها واطعموا البائس الفقير) وقال أصحاب الرأي ما كثر من الصدقة فهو أفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة، وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت لي قدر فأكل هو وعلي من لحمها وحسيا من مرقها، ونحر خمس بدنات أو ست بدنات وقال " من شاء اقتطع " ولم يأكل منهن شيئا.
ولنا ما روى ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث رواه الحافظ أبو موسى في الوظائف وقال حديث حسن، ولانه قول ابن مسعود وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف في
الصحابة.
ولان الله تعالى قال فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر) والقانع السائل، يقال قنع قنوعا إذا سأل، والمعتر الذي يعتريك أي بتعرض لك لتطعمه ولا يسأل فذكر ثلاثة أصناف فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثا، وأما الآية التي احتج بها أصحاب الشافعي فان الله تعالى لم يبين قدر المأكول منها والمتصدق به وقد نبه عليه في آيتنا وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وابن عمر بقوله، وأما خبر أصحاب الرأي فهو في الهدي، والهدي يكثر فلا يتمكن الانسان من قسمه وأخذ ثلثه فيتعين الصدقة.
والامر في هذا واسع فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها أجزأ لان الله تعالى أمر بالاكل والاطعام منها ولم يقيده بشئ فمتى أكل وأطعم فقد أتى بما أمر.
وقال أصحاب الشافعي يجوز أكلها كلها.
ولنا أن الله تعالى قال (فكلوا منها واطعموا البائس الفقير) وظاهر الامر الوجوب، وقال بعض أهل العلم يجب الاكل منها ولا تجوز الصدقة بجميعها للامر بالاكل.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات وقال " من شاء فليقتطع " ولم يأكل منهن شيئا،
ولانها ذبيحة يتقرب بها إلى الله تعالى فلم يجب الاكل منها كالعقيقة فيكون الامر للاستحباب أو للاباحة كالامر بالاكل من الثمار والزروع والنظر إليها (فصل) ويجوز أن يطعم منها كافرا وبهذا قال الحسن وأبو ثور وأصحاب الرأي وكره مالك والليث اعطاء النصراني جلد الاضحية، وقال مالك غيرهم أحب الينا.
ولنا أنه طعام له أكله فجاز اطعامه الذمي كسائر طعامه، ولانه صدقة تطوع فأشبه سائر صدقة التطوع، وأما الصدقة الا جبة منها فلا يجزئ دفعه إلى كافر لانها واجبة فأشبهت الزكاة وكفارة اليمين
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: