الفقه الحنبلي - البيع 1
(فصل) وكذلك ما فتح صلحا بشرط أن يكون لاهله كأرض الحيرة والليس وبانقيا وأرض بني صلوبا وما في معناها فيجوز بيعها لانها ملك لاهلها فهي كالمساكن وكذلك كل أرض أسلم أهلها عليها كأرض
المدينة وشبهها فانها ملك لاهلها يجوز بيعها لذلك { مسألة } (وتجوز اجارتها) لانها مستأجرة في أيدي أربابها واجارة المستأجر جائزة على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى (وعن أحمد أنه كره بيعها) لما ذكرنا (وأجاز شراءها) لانه كالاستنقاذ لها فجاز كشراء الاسير، ولانه قد روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وإذا قلنا بصحة الشراء فانها تكون في أيدي المشتري على ما كانت في يد البائع يؤدي خراجها ويكون معنى الشراء ههنا نقل اليد من البائع إلى المشتري بعوض إلا ما كان قبل مائة سنة أو ما كان من اقطاع عمر رضي الله عنه على ما ذكرناه، فان اشتراها وشرط الخراج على البائع كما فعل ابن مسعود فهو كراء لا شراء وينبغي أن يشترط بيان مدته كسائر الاجارات { مسألة } (ولايجوز بيع رباع مكة ولا إجارتها وعنه يجوز ذلك)
اختلف الرواية في بيع رباع مكة واجارة دورها فروي أن ذلك غير جائز وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري وأبي عبيد وكرهه اسحاق لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم في مكة " لاتباع رباعها، ولا تكرى بيوتها " رواه الاثرم، وعن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " مكة حرام بيع رباعها حرام اجارتها " رواه سعيد بن منصور في سننه وروي أنها كانت تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره مسدد في مسنده ولانها فتحت عنوة ولم تقسم فصارت موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الارض التي فتحها المسلمون عنوة ولم يقسموها ودليل أنها فتحت عنوة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وانها لم تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي، وانما حلت لي ساعة من نهار " متفق عليه.
وروت أم هانئ أنها قالت أجرت حموين لي فأراد علي قتلهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله: أني أجرت
حموين لي فزعم ابن أمي علي أنه قاتلهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت " متفق عليه.
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل أربعة فقتل منهم ابن خطل ومقيس بن ضبابة فدل على أنها فتحت عنوة (والرواية الثانية) أنه يجوز ذلك روي ذلك عن طاوس وعمر وبن دينار وهو قول الشافعي وابن المنذر وهو أظهر في الحجة لان النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له أين تنزل غدا؟ قال " وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ " متفق عليه، يعني أن عقيلا باع رباع أبي طالب لانه ورثه دون اخوته لكونه كان على دينه دونهما ولو كانت غير مملوكة لما أثر بيع عقيل شيأ ولان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم دور بمكة كأبي بكر والزبير وحكيم بن حزام وأبي سفيان وسائر أهل مكة فمنهم من باع ومنهم من ترك داره فهي في يد أعقابهم، وقد باع حكيم بن حزام دار الندوة فقال له ابن الزبير بعت مكرمة قريش فقال يا ابن أخي ذهبت المكارم إلى التقوى أو كما قال، واشترى معاوية منه دارين، واشترى عمر رضى الله عنه دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف ولم يزل أهل مكة يتصرفون في دورهم تصرف الملاك بالبيع وغيره ولم ينكره منكر فكان اجماعا، وقد قرره النبي صلى الله عليه وسلم بنسبة دورهم إليهم فقال " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
ومن أغلق بابه فهو آمن " وأقر هم في دورهم ورباعهم ولم ينقل أحدا عن داره ولا وجد منه ما يدل على زوال أملاكهم وكذلك من بعده من الخلفاء حتى ان عمر مع شدته في الحق لما احتاج إلى دار للسجن لم يأخذها إلا بالبيع.
ولانها أرض حية لم يرد عليها صدقة محرمة فجاز بيعها كسائر الارض وما روي من الاحاديث في خلاف هذا فهو ضعيف.
وأما كونها فتحت عنوة فهو صحيح لا يمكن دفعه الا ان النبي صلى الله عليه وسلم أقر اهلها فيها على أملاكهم ورباعهم فيدل ذلك على أنه تركها لهم كما ترك لهوازن نساءهم وابناءهم (1) كان الاولى أن يقول كما أعتقهم بقوله " أنتم الطلقاء ") وعلى القول الاول من كان ساكن دار أو منزل فهو أحق به يسكنه ويسكنه وليس له بيعه ولا أخذ اجرته.
ومن احتاج إلى مسكن فله بذلك الاجرة فيه.
وان احتاج إلى الشراء فله ذلك كما فعل عمر رضي الله عنه.
وكان أبو عبد الله إذا سكن اعطاهم أجرتها.
فان سكن بأجرة جاز أن لا يدفع إليهم الاجرة ان امكنه لانهم لا يستحقونها.
وقد روي ان سفيان سكن
في بعض رباع مكة وهرب ولم يعطهم اجرة فأدركوه فأخذوها منه، وذكر لاحمد فعل سفيان فتبسم فظاهر
هذا انه اعجبه قال ابن عقيل وهذا الخلاف في غير مواضع المناسك.
اما بقاع المناسك كموضع المسعى والرمي فحكمه حكم المساجد بغير خلاف (فصل) ومن بنى بمكة بآلة مجلوبة من غير ارض مكة جاز بيعها كما يجوز بيع ابنية الوقوف وانقاضها، وان كانت من تراب الحرم وحجارته انبنى جواز بيعها على الروايتين في بيع رباع مكة لانها تابعة لها وهكذا تراب كل وقف وانقاضه قال احمد واما البناء بمكة فاني اكرهه قال اسحاق البناء بمكة على وجه الاستخلاص لنفسه لا يحل وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له الا تبني لك بمنى بيتا فقال " منى مناخ من سبق ".
{ مسألة } (ولايجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون ونقع البئر ولا ما في المعادن الجارية من القار والملح والنفط ولا ما ينبت في ارضه من الكلا والشوك ومن اخذ منه شيئا ملكه) الانهار النابعة في غير ملك كالانهار الكبار لا تملك بحال ولا يجوز بيعها، ولو دخل إلى ارض رجل لم يملكه بذلك كالطير فدخل إلى ارضه ولكل احد اخذه وتملكه، الا ان يحتفر منه ساقية فيكون احق بها من غيره، واما ما ينبع في ملكه كالبئر والعين المستنبطة بنفس النهر وارض العين مملوكة لمالك الارض فالماء الذى فيها غير مملوك في ظاهر المذهب لانه يجزي من تحت الارض فأشبه الماء الجاري في النهر إلى ملكه وهذا احد الوجهين لاصحاب الشافعي، والوجه الآخر يملك لانه نماء الملك.
وقد روي عن احمد نحو ذلك فانه قيل له قي رجل له ارض ولآخر ماء فيشترك صاحب الارض وصاحب الماء في الزرع يكون بينهما؟ فقال لا بأس اختاره أبو بكر وهذا يدل من قوله على ان الماء مملوك لصاحبه، وفي معنى الماء المعادن الجارية في الاملاك كالقار والنفط والموميا والملح، وكذلك الحكم في الكلا والشوك النابت في ارضه فكذلك كله يخرج على الروايتين في الماء، والصحيح ان الماء لا يملك فكذلك هذه وجواز بيع ذلك مبني على ملكه قال احمد: لا يعجبني بيع الماء البتة وقال الاثرم: سمعت ابا عبد الله يسئل عن قوم بينهم نهر تشرب منه ارضوهم لهذا يوم ولهذا يومان يتفقون عليه الحصص فجاء يومي ولا احتاج إليه اكريه بدراهم؟ قال ما ادري اما النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن بيع الماء قيل له انه ليس يبيعه انما يكريه قال انما احتالوا بهذا ليحسنوه فأي شئ هذا الا البيع؟
وروى الاثرم باسناده عن جابر واياس بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان يباع وروى ابو عبيد والا ثرم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون شركاء في ثلاث في النار والكلا والماء " فان قلنا يملك جاز بيعه وان قلنا لا يملك فصاحب الارض احق به من غيره لكونه في ملكه فان دخل غيره بغير اذنه فأخذه ملكه لانه يباح في الاصل فأشبه مالو عشش في ارضه طائر أو دخل إليها صيد أو نضبت عن سمك فدخل إليها داخل فأخذه { مسألة } (الا انه لا يجوز له الدخول إلى ملك غيره بغير اذنه) لانه تصرف في ملك الغير بغير
اذنه اشبه ما لو دخل لغير ذلك (وعنه يجوز بيعه) وهذا مبني على انه يملك وقد ذكرناه (فصل) والخلاف في بيع ذلك انما هو قبل حيازته.
فأما ما يحوزه من الماء في انائه أو يأخذه من الكلا في حبله أو يحوزه في رحله أو يأخذه من المعادن فانه يملكه بذلك بغير خلاف بين اهل العلم فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لان يأخذ أحدكم حبلا فيأخذ حزمة حطب فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطي أو منع " رواه البخاري، وقد روى أبو عبيد في الاموال عن المشيخة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء الا ما حمل منه.
وعلى ذلك مضت العادة في الامصار ببيع الماء في الروايا والحطب والكلا من غير نكير وليس لاحد أن يشرب منه ولا يتوضأ ولا يأخذ إلا بأذن مالكه لانه ملكه.
قال أحمد: إنما نهي عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره ويجوز بيع البئر نفسها والعين ومشتريها أحق بملئها، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة؟ " أو كما قال فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من يهودي بامر النبي صلى الله عليه وسلم وسبلها للمسلمين، وروي أن عثمان اشترى منه نصفها باثني عشر الفا ثم قال لليهودي اختر اما أن تأخذها يوما وآخذها يوما واما أن تنصب لك عليها دلوا وأنصب عليها دلوا فاختار يوما ويوما فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين فقال اليهودي أفسدت علي بئري فاشتر باقيها فاشتراه بثمانية آلاف، وفي هذا دليل على صحة بيعها وتسبيلها وملك ما يسقيه منها وجواز قسمة مائها بالمهايأة وكون مالكها أحق بمائها وجواز قسمة ما فيه حق وليس بمملوك
(فصل) فاما المصانع المتخذة لمياه الامطار تجتمع فيها ونحوها من البرك وغيرها فالاولى أنه يملك ماؤها ويصح بيعه إذا كان معلوما لانه مباح حصله بشئ معد له كالصيد يحصل في شبكة والسمك في بركة معدة له ولا يحصل أخذ شئ منه بغير اذن مالكه وكذلك إن جرى من نهر غير مملوك ماء إلى بركة في أرضه يستقر الماء فيها لا يخرج منها فحكمه حكم مياه الامطار تجتمع في البركة قياسا عليه والله أعلم.
(فصل) إذا اشترى ممن في ماله حلال وحرام كالسلطان الظالم والمرابي فان علم أن المبيع من حلال فهو حلال وان علم أنه من الحرام فهو حرام ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم لان الظاهر أن ما في يد الانسان ملكه، فان لم يعلمه من أيها هو كره لاحتمال التحريم فيه ولم يبطل البيع لامكان الحلال سواء قل الحرام أو كثر وهذا هو الشبهة، وبقدر قلة الحرام أو كثرته تكثر الشبهة وتقل قال احمد لا يعجبني أن يأكل منه وذلك لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبراء لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك ان يرتع فيه الاوان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه " متفق عليه واللفظ لمسلم ولفظ البخاري " فمن ترك ما اشتبه عليه كان لما استبان اترك، ومن اجتزأ على ما يشك فيه من المأثم أو شك أن يواقع ما استبان " وروى الحسن بن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " وهذا مذهب الشافعي (فصل) والمشكوك فيه على ثلاثة أضرب ما أصله الحظر كالذبيحة في بلدة فيها مجوس وعبدة أو ثان
يذبحون فلا يجوز شراؤها وان جاز أن تكون ذبيحة مسلم لان الاصل التحريم فلا يجوز الا بيقين أو ظاهر وكذلك ان كان فيها اخلاط من المسلمين والمجوس لم يجز شراؤها لذلك والاصل فيه حديث عدي بن حاتم " إذا أرسلت كلبك فخالط أكلبا لم يسم عليها فلا تأكل فانك لا تدري أيها قتله " متفق عليه.
فاما ان كان ذلك في بلد الاسلام فالظاهر إباحتها لان المسلمين لا يقرون في بلدهم بيع مالا يحل بيعه ظاهرا (الثاني) ما أصله الاباحة كالماء يجده متغيرا لا يعلم بنجاسة تغيره أو غيرها فهو طاهر في الحكم لان الاصل الطهارة لا يزول عنها الا بيقين أو ظاهر ولم يوجد واحد منهما، والاصل في ذلك
حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة انه يجد الشئ قال " لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " متفق عليه (الثالث) ما لا يفرق له أصل كرجل في ماله حلال وحرام فهذا هو الشبهة التي الاولى تركها على ما ذكرناه وعملا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وجد تمرة ساقطة فقال " لولا أني أخشى أنها من الصدقة لاكلتها " وهو من باب الورع (فصل) وكان أحمد لا يقبل جوائز السلطان وينكر على ولده وعمه قبولها ويشدد في ذلك.
وممن كان لا يقبلها سعيد بن المسيب والقاسم وبشر بن سعيد ومحمد بن واسع الثوري وابن المبارك، وكان هذا منهم على سبيل الورع لا على أنها حرام فان احمد قال: جوائز السلطان أحب الي من الصدقة وقال ليس أحد من المسلمين إلا وله في هذه الدراهم نصيب فكيف أقول إنها سحت وممن كان يقبل جوائزهم ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم مثل الحسن والحسين وابن جعفر ورخص فيه الحسن البصري ومكحول الزهري والشافعي.
واحتج بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ومات ودرعه مرهونة عنده وأجاب يهوديا دعاه وأكل من طعامه وقد اخبر الله تعالى أنهم أكالون للسحت، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا بأس بجوائز السلطان فان ما يعطيكم من حلال أكثر مما يعطيكم من الحرام وقال لا تسأل السلطان شيئا وان أعطى فخذ فان ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام (فصل) قال أحمد رضي الله عنه فيمن معه ثلاثة دراهم فيها درهم حرام يتصدق بالثلاثة وان كان معه مائتا درهم فيها عشرة دراهم حرام تصدق بالعشرة لان هذا كثير وذاك قليل، قيل له قال سفيان ما كان دون العشرة يتصدق به وما كان أكثر يخرج؟ قال نعم لا يجحف به قال القاضي ليس هذا على سبيل التحديد وإنما هو على سبيل الاختيار لانه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل فانه يسهل اخراج الكل والواجب في الموضعين اخراج قدر الحرام والباقي له وهذا لان تحريمه لم يكن لتحريم عينه وانما حرم لتعلق حق غيره به فإذا أخرج عوضه زال التحريم كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي بعوضه وسواء كان قليلا أو كثيرا، والورع إخراج ما يتيقن به إخراج عين الحرام ولا يحصل ذلك إلا باخراج الجميع لكن لما شق ذلك في الكثير ترك لاجل المشقة فيه
واقتصر على الواجب.
ثم يختلف هذا باختلاف الناس فمنهم من لا يكون له سوى الدراهم اليسيرة فيشق اخراجها لحاجته إليها ومنهم من يكون له كثير فيستغني عنها فيسهل اخراجها والله تعالى أعلم
(فصل) (الخامس أن يكون مقدورا على تسليمه فلا يجوز بيع الآبق ولا الشارد ولا الطير في الهواء ولا السمك في الماء ولا المغصوب الا من غاصبه أو ممن يقدر على أخذه منه) بيع العبد الآبق لا يجوز سواء علم بمكانه أو جهله وكذلك ما في معناه من الجمل الشارد والفرس العائر وشبههما وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وروي عن ابن عمر أنه اشترى من بعض ولده بعيرا شاردا وعن ابن سيرين لا بأس ببيع الآبق إذا كان علمهما فيه واحدا وعن شريح مثله.
ولنا ماروى أبو هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر رواه مسلم وهذا بيع غرر ولانه غير مقدور على تسليمه فلم يجز بيعه كالطير في الهواء فان حصل في يد إنسان جاز بيعه لامكان تسليمه (فصل) ولا يجوز بيع الطير في الهواء مملوكا كان اولا اما المملوك فلانه غير مقدور عليه وغير المملوك لا يجوز لعلتين عدم القدرة وعدم الملك لحديث أبي هريرة قيل في تفسيره هو بيع الطير في الهواء والسمك في الماء ولا نعلم في هذا خلافا ولا فرق بين كون الطائر يألف الرجوع اولا يألفه لانه لا يقدر على تسليمه الآن وانما يقدر إذا عاد.
فان قيل فالغائب في مكان بعيد لا يقدر على تسليمه في الحال، قلنا الغائب يقدر على استحضاره والطير لا يقدر صاحبه على رده الا أن يرجع هو بنفسه ولا يستقل مالكه برده فيكون عاجزا عن تسليمه لعجزه عن الواسطة التي يحصل بها تسليمه بخلاف الغائب وان باعه الطير في البرج نظرت فان كان البرج مفتوحا لم يجز لان الطير ان لم يمكن تسليمه فان كان مغلقا ويمكن أخذه جاز بيعه وقال القاضي ان لم يمكن أخذه الا بتعب ومشقة لم يجز بيعه وهذا مذهب الشافعي.
وهو ملغي بالبعيد الذي لا يمكن إحضاره الا بتعب ومشقة، وفرقوا بينهما بان البعيد تعلم الكلفة التي يحتاج إليها في احضاره بالعادة وتأخير التسليم مدته معلومة، والصحيح أن تفاوت المدة في احضار البعيد واختلاف المشقة أكبر من التفاوت في إمساك طائر من البرج، والعادة
تكون في هذا كالعادة في ذلك فإذا صح في البعيد مع كثرة التفاوت وشدة اختلاف المشقة فهذا اولى (فصل) ولا يجوز بيع السمك في الآجام هذا قول اكثر أهل العلم وروي عن ابن مسعود انه نهى عنه وقال إنه غرر وكرهه الحسن النخعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور ولا نعلم لهم مخالفا لما ذكرنا من الحديث والمعنى، فان باعه في الماء جاز بثلاثة شروط أحدها أن يكون مملوكا وان يكون الماء رقيقا لايمنع مشاهدته ومعرفته، وان يمكن اصطياده لانه مملوك معلوم يمكن تسليمه فجاز بيعه كالموضوع في طست في الماء.
وان اختل شرط مما ذكرنا لم يجز بيعه لفوات الشرط وروي عن عمر بن عبد العزيز وابن أبى ليلى فيمن له أجمة يحبس السمك فيها يجوز بيعه لانه يقدر على تسليمه ظاهرا أشبه ما يحتاج إلى مؤنة في الكيل أو الوزن والنقل.
ولنا قول ابن مسعود وابن عمر لا تشتروا السمك في الماء لانه غرر ولان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وهذا منه ولانه لا يقدر على تسليمه الا بعد اصطياده أشبه الطير في الهواء ولانه مجهول أشبه اللبن في الضرع ويفارق ما قاسوا عليه، لان ذلك من مؤنة القبض وهذا يحتاج إلى مؤنة ليمكن قبضه، فاما ان كانت له بركة له فيها سمك
يمكن اصطياده بغير كلفة والماء رقيق لايمنع المشاهدة صح بيعه على ما ذكرنا، وان لم يمكن الا بكلفة ومشقة وكانت يسيرة بمنزلة اصطياد الطائر من البرج فالقول فيه كالقول في بيع الطائر في البرج على ما ذكرنا من الخلاف وان كانت كثيرة تتطاول المدة فيه لم يجز بيعه للعجز عن تسليمه في الحال والجهل بامكان التسليم (فصل) ولا يجوز بيع المغصوب لعدم امكان تسليمه فان باعه لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولامكان قبضه، وكذلك ان باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وان ظن انه قادر على استنقاذه ممن هو في يده صح البيع فان عجز عن استنقاذه فله الخيار بين الفسخ والامضاء لان العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض فهو كما لو باعه فرسا فشردت قبل تسليمها أو غائبا بالصفة فعجز عن تسليمه (فصل) (السادس أن يكون معلوما برؤية أو صفة يحصل بها معرفته فان اشترى ما لم يره ولم يوصف له أو رآه ولم يعلم ما هو أو ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم لم يصح البيع وعنه يصح وللمشتري خيار الرؤية)
اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله في بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته فالمشهور عنه انه لا يصح بيعه وبهذا قال الشعبي والنخعي والحسن والاوزاعي ومالك واسحاق وهذا أحد قولي الشافعي.
وفيه رواية أخرى أنه يصح وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي واحتج من أجازه بعموم قوله تعالى (وأحل الله البيع) وبما روي عن عثمان وطلحة أنهما تبايعا داريهما أحداهما بالكوفة والاخرى بالمدينة فقيل لعثمان إنك قد غبنت فقال ما ابالي أني بعت ما لم أره.
وقيل لطلحة فقال لي الخيار لانني اشتريت ما لم أره، فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة.
وهذا اتفاق منهم على صحة البيع ولانه عقد معاوضة فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه كالنكاح.
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع الغرر رواه مسلم، ولانه باع ما لم يره ولم يوصف له فلم يصح كبيع النوى في التمر، ولانه بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم والآية مخصوصة بما ذكرنا من الاصل، وأما حديث عثمان وطلحة فيحتمل أنهما تبايعا بالصفة ومع ذلك فهو قول صحابي وقد اختلف في كونه حجة ولا يعارض به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنكاح لا يقصد منه المعاوضة ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ولا يدخله شئ من الخيارات، وفي اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات واضرار بهن ولان الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع.
فان قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه " والخيار لا يثبت الا في عقد صحيح قلنا: هذا يرويه عمربن ابراهيم الكردي وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب وشعر الجارية ونحوهما، فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لاجله كان كبيع الغائب فان قلنا بصحة بيع الغائب فللمشتري الخيار في اشهر الروايتين وهو قول أبي حنيفة ويثبت الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والامضاء ويكون على الفور فان اختار الفسخ انفسخ العقد وان لم يختر لزم العقد لان الخيار خيار الرؤية فوجب أن يكون عندها وقيل يتقيد بالمجلس وان اختار الفسخ قبل
الرؤية انفسخ لان العقد غير لازم في حقه فملك الفسخ كحالة الرؤية وان اختار امضاء العقد لم يلزم لان
الخيار يتعلق بالرؤية ولانه يؤدي إلى الزام العقد على المجهول فيفضي إلى الضرر وكذلك لو تبايعا على أن لا يثبت الخيار للمشترى لم يصح الشرط كذلك.
وهل يفسد به البيع؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع (فصل) ويعتبر لصحة العقد الرؤية من المتعاقدين وان قلنا بصحة البيع مع عدم الرؤية فباع ما لم يره فله الخيار عند الرؤية، وان لم يره المشتري فلكل منهما الخيار وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لاخيار للبائع لحديث عثمان وطلحة ولاننا لو أثبتنا له الخيار لثبت لتوهم الزيادة والزيادة في المبيع لا تثبت الخيار بدليل مالو باع شيئا على أنه معيب فبان غير معيب لم يثبت الخيار له ولنا أنه جاهل بصفة المعقود عليه فأشبه المشتري.
فأما الخبر فانه قول طلحة وجبير وقد خالفهما عثمان وقوله أولى لان البيع يعتبر فيه الرضا منهما فتعتبر الرؤية التي هي مظنة الرضا منهما { مسألة } (وان ذكر له من صفته ما يكفي في السلم أو رآه ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهرا صح في أصح الروايتين ثم ان وجده لم يتغير فلا خيار له، وان وجده متغيرا فله الفسخ والقول في ذلك قول المشترى مع يمينه) إذا ذكر له من صفات المبيع ما يكفي في صحة السلم صح بيعه في ظاهر المذهب وهو قول أكثر أهل العلم وعنه لا يصح حتى يراه لان الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع فلم يصح البيع بها كالذي لا يصح السلم فيه ولنا أنه بيع بالصفة فصح كالسلم ولا نسلم أن الصفة لا يحصل بها المعرفة فانها تحصل بالصفات الظاهرة التي لا يختلف بها الثمن ظاهرا ولهذا اكتفي به في السلم ولانه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية.
وأما ما لا يصح السلم فيه فانما لم يصح بيعه بالصفة لانه لا يمكن ضبطه بها.
إذا ثبت هذا فانه متى وجده على الصفة لم يكن له الفسخ وبهذا قال ابن سيرين وأيوب ومالك والعنبري واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه له الخيار بكل حال لانه يسمى بيع خيار الرؤية ولان الرؤية من تمام هذا العقد فأشبه غير الموصوف ولاصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين، ولنا أنه سلم له المعقود عليه بصفاته فلم يكن له خيار كالمسلم فيه ولانه مبيع موصوف فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الاحوال كالسلم.
وقولهم انه يسمي بيع خيار الرؤية لا تعرف صحته فان ثبت فيحتمل انه يسميه من يرى ثبوت الخيار فلا يحتج به على غيره فاما ان وجده بخلاف الصفة فله الخيار ويسمى خيار الخلف في
الصفة لانه وجد الموصوف بخلاف الصفة فلم يلزمه كالمسلم فيه وان اختلفا في اختلاف الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه لان لاصل براءة ذمته من الثمن فلم يلزمه ما لم يقربه أو يثبت ببينة أو ما يقوم مقامها (فصل) والبيع بالصفة نوعان (احدهما) بيع عين معينة مثل أن يقول بعتك عبدي التركي ويذكر صفاته فهذا ينفسخ العقد عليه برده على البائع وتلفه قبل قبضه لكون المعقود عليه معينا فيزول العقد بزوال محله، ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه كبيع الحاضر (الثاني) بيع موصوف غير معين مثل ان يقول بعتك عبدا تركيا ثم يستقصى صفات السلم فهذا في معنى السلم فمتى سلم إليه عبدا على غير
ما وصف فرده أو على ما وصف فابدله لم يفسد العقد لان العقد لم يقع على غير هذا فلم ينفسخ العقد برده كما لو سلم إليه في السلم غير ما وصف له فرده ولا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه وهذا قول الشافعي لانه بيع في الذمة فلم يجز التفرق فيه قبل قبض احد العوضين كالسلم وقال القاضي يجوز التفرق فيه قبل القبض لانه بيع حال فجاز التفرق فيه قبل القبض كبيع العين (فصل) فان رأيا المبيع ثم عقدا البيع بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه جاز في قول أكثر اهل العلم وحكي عن احمد رواية اخرى لا يجوز حتى يرياها حالة العقد وحكي ذلك عن الحكم وحماد ولان ما كان شرطا في صحة العقد يجب ان يكون موجودا حال العقد كالشهادة في النكاح، ولنا أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد والشرط انما هو العلم والرؤية طريق العلم ولهذا اكتفي بالصفة المحصلة للعلم والشهادة في النكاح تراد لحل العقد والاستيثاق عليه فلهذا اشترطت حال العقد ويقرر ما ذكرناه ما لو رأيا دارا اوقفا في بيت منها أو ارضا ووقفا في طرفها وتبايعاها صح بلا خلاف مع عدم المشاهدة للكل في الحال، ولو كانت الرؤية المشروطة للبيع مشروطة حال العقد لا اشترط رؤية جميعه، إذا ثبت ذلك فمتى وجد المبيع بحاله لم يتغير لزمه البيع، وإن كان ناقصا ثبت له الخيار لان ذلك كحدوث العيب، وإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري مع يمينه لانه يلزمه الثمن فلا يلزمه ما لم يعترف به فأما إن عقدا البيع بعد رؤية المبيع بمدة يتحقق فيها فساد المبيع لم يصح البيع لانه مما لا يصح بيعه، وإن كان يتغير فيها لم يصح بيعه أيضا لانه مجهول، وكذلك ان كان الظاهر تغيره فان كان يحتمل التغير
وعدمه وليس الظاهر تغيره صح بيعه لان الاصل السلامة ولم يعارضه ظاهر فيصح بيعه كما لو كانت الغيبة يسيرة وهذا ظاهر مذهب الشافعي { مسألة } (ولايجوز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأرة، والنوى في التمر) بيع الحمل في البطن فاسد بغير خلاف، قال ابن المنذر أجمعوا على أن بيع الملاقيح والمضامين غير جائز، وانما لم يجز بيع الحمل في البطن لوجهين (أحدهما) الجهالة فانه لا تعلم صفته ولا حياته (والثاني) أنه غير مقدور على تسليمه بخلاف الغائب فانه يقدر على الشروع في تسليمه، وقد روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين، قال أبو عبيد الملاقيح ما في البطون وهي الاجنة، والمضامين ما في أصلاب الفحول فكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضربه الفحل في عامه أو في أعوام وأنشد إن المضامين التي في الصلب * ماء الفحول في الظهور الحدب وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المجر، قال ابن الاعرابي المجر ما في بطن الناقة والمجر الربا والمجر القمار والمجر المحاقلة والمزابنة (فصل) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع حبل الحبلة ومعناه نتاج النتاج قاله أبو عبيد وعن ابن عمر قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج
الناقة ثم تحمل التي نتجت فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم وكلا البيعين فاسد، أما الاول فلانه بيع معدوم، وإذا لم يجز بيع الحمل فبيع حمله أولى، وأما الثاني فلانه بيع إلى أجل مجهول (فصل) ولا يجوز بيع اللبن في الضرع، وبه قال الشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ونهى عنه ابن عباس وأبو هريرة وكرهه طاوس ومجاهد.
وحكي عن مالك أنه يجوز أياما معلومة إذا عرفا حلابها لسقي الصبي كلبن الظئر وأجازه الحسن وسعيد بن جبير ومحمد بن مسلمة، ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع رواه الخلال وابن ماجه، ولانه مجهول الصفة والمقدار فأشبه الحمل، ولانه بيع عين لم تخلق فلم يصح كبيع ما تحمل الناقة والعادة في
ذلك تختلف وأما لبن الظئر فانما جاز للحضانة لانه موضع حاجة (فصل) ولا يجوز بيع المسك في الفأرة وهو الوعاء الذي يكون فيه.
قال الشاعر: إذا التاجر الهندي راح بفأرة * من المسك راحت في مفارقهم تجري فان فتح وشاهد ما فيه جاز بيعه وإن لم يشاهد لم يجز بيعه للجهالة، وقال بعض الشافعية يجوز لان بقاءه في فأرته مصلحة له فانه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته أشبه ما مأكوله في جوفه، ولنا أنه يبقى خارج وعائه من غير ضرورة وتبقى رائحته فلم يجز بيعه مستورا كالدر في الصدف وما مأكوله في جوفه اخراجه يفضي إلى تلفه، فالتفصيل في بيعه مع وعائه كالتفصيل في بيع السمن في ظرفه على ما نذكره (فصل) ولا يجوز بيع النوى في التمر والبيض في الدجاجة للجهل بها ولا نعلم في هذا اختلافا، فأما بيع الصوف على الظهر فالمشهور أنه لا يجوز بيعه لما ذكرنا من الحديث، ولانه متصل بالحيوان فلم يجز افراده بالعقد كأعضائه، وعنه أنه يجوز بشرط جزء في الحال لانه معلوم يمكن تسليمه فجاز بيعه كالرطبة وفارق الاعضاء لكونها لا يمكن تسليمها مع بقاء الحيوان سالما والخلاف فيه كالخلاف في اللبن في الضرع، فان اشتراه بشرط القطع وتركه حتى طال فحكمه حكم الرطبة إذا طالت على ما نذكره في موضعه { مسألة } (فأما بيع الاعمى وشراؤه فان أمكنه معرفة المبيع بالذوق إن كان مطعوما أو بالشم إن كان مشموما صح بيعه وشراؤه، وإن لم يمكن جاز بيعه بالصفة كالبصير وله خيار الخلف في الصفة) وبهذا قال مالك وقال أبو حنيفة له الخيار إلى معرفته بالبيع اما بحسه أو ذوقه أو وصفه وقال عبيد الله بن الحسن شراؤه جائز وإذا أمر إنسانا بالنظر إليه لزمه.
وقال الشافعي لا يجوز الا على الوجه الذي يجوز فيه بيع المجهول أو يكون قد رآه بصيرا ثم اشتراه قبل مضي زمن يتغير فيه المبيع لانه مجهول الصفة عند العاقد فلم يصح كبيع البيض في الدجاجة والنوى في التمر ولنا أنه يمكن الاطلاع على المقصود ومعرفته فأشبه بيع البصير، ولان اشارة الاخرس تقوم مقام عبارته فكذلك شم الاعمى وذوقه، فأما البيض والنوى فلا يمكن الاطلاع عليه ولا وصفه بخلاف مسئلتنا { مسألة } (ولايجوز بيع الملامسة) وهو أن يقول بعتك ثوبي هذا انك متى لمسته فهو عليك بكذا أو يقول أي ثوب لمسته فهو لك بكذا
(ولا بيع المنابذة) وهو أن يقول أي ثوب نبذته الي فهو علي بكذا (ولابيع الحصاة) وهو ان يقول ارم هذه الحصاة
فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا أو يقول بعتك من هذه الارض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا لا نعلم بين أهل العلم خلافا في فساد هذه المبايعات، والملامسة أن يبيعه شيئا ولا يشاهده على أنه متى لمسه وقع البيع، والمنابذة أن يقول أي ثوب نبذته الي فقد اشتريته بكذا هكذا فسره احمد في الظاهر عنه ونحوه قال مالك والاوزاعي، وفيما روى البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل ان يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه.
وروى مسلم عن أبي هريرة في تفسيرهما قال هو لمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه ولم ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه، وعلى التفسير الاول لا يصح البيع فيهما لعلتين (احداهما) الجهالة (والثانية) كونه معلقا على شرط وهو نبذ الثوب أو لمسه له، وان عقد البيع قبل نبذه ولمسه فقال بعتك ما تلمسه من هذه الثياب أو ما أنبذه إليك فهو غير معين ولا موصوف فأشبه مالو قال بعتك واحدا منها.
فأما بيع الحصاة فقد روى مسلم عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة واختلف في تفسيره فقيل هو أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم، وقيل هو أن يقول بعتك من هذه الارض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا، وقيل هو أن يقول بعتك هذا بكذا على اني متى رميت هذه الحصاة وجب البيع، وكل هذه البيوع فاسدة لما فيها من الغرر والجهل والله تعالى أعلم { مسألة } (ولايجوز أن يبيع عبدا غير معين، ولا عبدا من عبيد، ولا شاة من قطيع، ولا شجرة من بستان، ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين، ولا هذا القطيع الاشاة غير معينة، وان استثنى معينا من ذلك جاز) لا يجوز ان يبيع عبدا غير معين لانه مجهول ولانه غرر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، ولا عبدا من عبيده سواء قلوا أو كثروا وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا باعه عبدا من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار له صح لان الحاجة تدعو إليه، ولو كانوا أكثر لم يصح لانه يكثر الغرر
ولنا انه مما تختلف أجزاؤه وقيمته فلا يجوز شراء بعضه غير معين ولاشياع كالاربعة ولانه لا يصح من غير شرط الخيار فلا يصح مع شرطه كالاربعة ولا حاجة إلى هذا فان الاختيار يمكن قبل العقد ويبطل ما قالوه بالاربعة، ولايجوز بيع شاة من القطيع لان شياه القطيع غير متساوية القيم فتكون مجهولة ولان ذلك يفضي إلى التنازع، وكذلك إن باع شجرة من بستان لا يصح لما ذكرنا ولان فيه غررا فيدخل في عموم النهي عن بيع الغرر (فصل) وان باع هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين، أو هذا القطيع إلا شاة غير معينة لم يصح نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم، وقال مالك يصح أن يبيع مائة شاة الا شاة يختارها، ويبيع ثمرة حائط ويستثني ثمرة نخلات يعدها ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، قال الترمذي هذا حديث صحيح، ونهى عن بيع الغرر ولانه مبيع مجهول فلم يصح كما لو قال إلا شاة مطلقة ولانه مبيع مجهول فلم يصح كما لو قال بعتك شاة تختارها من القطيع، وضابط هذا الباب انه لا يصح استثناء ما لا يصح بيعه منفردا أو بيع
ما عداه منفردا عن المستثنى ونحوه مذهب أبي حنيفة والشافعي إلا ان أصحابنا استثنوا من هذا سواقط الشاة للاثر الوارد فيبقى فيما عداه على قضية الاصل، فان استثنى معينا من ذلك جاز لان المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوما ولا يبقى فيه غرر ولان نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا الا أن تعلم يدل على الصحة إذا كانت معلومة ولا نعلم في هذا خلافا { مسألة } (وان باع قفيزا من هذه الصبرة صح) لانه معلوم لكون أجزائها لا تختلف فلا تفضي إلى الجهالة، وكذلك إذا باعه رطلا من دن أو من زبرة حديد يصح لذلك، وحكي عن داود انه لا يصح لانه غير مشاهد ولا موصوف.
ولنا ان المبيع مقدر معلوم من جملة يصح بيعها أشبه إذا باع نصفها وما ذكره قياس وهو لا يحتج بالقياس ثم لا يصح لانه إذا شاهد الجميع فقد شاهد البعض { مسألة } (وان باعه الصبرة الا قفيزا أو ثمرة الشجرة الا صاعا لم يصح وعنه يصح) إذا باع صبرة واستثنى منها قفيزا أو أقفزة أو باع ثمرة بستان واستثنى منها صاعا أو آصعا لم يصح في ظاهر المذهب، روي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والشافعي والاوزاعي واسحاق وابي ثور وأصحاب
الرأي.
وفيه رواية أخرى أنه يجوز وهو قول ابن سيرين وسالم بن عبد الله ومالك لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا الا أن تعلم وهذه ثنيا معلومة ولانه معلوم أشبه إذا استثنى منها جزءا مشاعا ووجه الاولى ما روى البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا ولان المبيع انما علم بالمشاهدة لا بالقدر، والاستثناء يغير حكم المشاهدة لانه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة فلم يجز، ويخالف الجز فانه لا يعتبر حكم المشاهدة ولا يمنع المعرفة بها، وكذلك إذا باع ثمرة شجرة واستثنى أرطالا فالحكم فيه على ما ذكرا.
وقال القاضي في شرحه يصح لان الصحابة رضي الله عنهم أجازوا استثناء سواقط الشاة والصحيح ما ذكرناه، وهذه المسألة أشبه بمسألة استثناء الصاع من الحائط والمعنى الذي ذكرناه ثم متحقق هاهنا (فصل) فان استثنى من الحائط شجرة بعينها جاز لان المستثنى معلوم ولا يؤدي إلى الجهالة في المستثنى منه، وان استثنى شجرة غير معينة لم يصح لان المستثنى مجهول.
وقال مالك يصح أن يستثنى ثمرة نخلات يعدها وقد ذكرناه، وقد روي عن ابن عمر أنه باع ثمرة بأربعة آلاف واستثنى طعام القنيان وهذا يحتمل أنه استثنى نخلا معينا بقدر طعام القنيان لانه لو حمل على غير ذلك كان مخالفا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا الا ان تعلم، ولان المستثنى متى كان مجهولا لزم ان يكون الباقي بعده مجهولا فلم يصح بيعه كما لو قال بعتك من هذه الثمرة طعام القنيان (فصل) وان استثنى جزءا معلوما من الصبرة أو الحائط مشاعا كثلاث أو اربع أو اجزاء كثلاثة اثمان صح البيع والاستثناء ذكره اصحابنا وهو مذهب الشافعي، وقال أبو بكر وابن ابى موسى لا يجوز ولنا انه لايؤدي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه فصح كما لو استثنى شجرة بعينها وذلك لا معنى بعتك هذه الصبرة إلا ثلثها اي بعتك ثلثيها، وان باع حيوانا واستثنى ثلثه جاز ومنع منه القاضي قياسا على استثناء الشحم ولا يصح لان الشحم مجهولا لا يصح افراده بالبيع وهذا معلوم يصح افراده بالبيع
فصح استثناؤه كالشجرة المعينة، وقياس المعلوم على المجهول في الفساد لا يصح فعلى هذا يصيران شريكين فيه للمشتري ثلثاه وللبائع ثلثه
(فصل) وإذا قال بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز لان القفيز معلوم والمكوك معلوم ولا يفضي إلى جهالة، ولو قال بعتك هذه الثمرة بأربعة دراهم الا بقدر درهم صح لان قدره معلوم من المبيع وهو الربع فكأنه قال بعتك ثلاثة ارباع هذه الثمرة بأربعة دراهم، وان قال الا ما يساوي درهما لم يصح لان ما يساوي الدرهم يكون الربع واكثر واقل فيكون مجهولا فيبطل { مسألة } (وان باعه ارضا الا جريبا أو جريبا من ارض يعلمان جربانها صح وكان مشاعا فيها والا لم يصح) إذا باعه ارضا الا جريبا يريدان بذلك قدرا غير مشاع لم يصح لان الارض لا تساوي اجزاؤها فيكون البيع مجهولا فهو كما لو باعه شاة من قطيع أو عبدا من عبيد، وإن كان الجريب المستثنى مشاعا في الارض وهما يعلمان جربانها صح لانها إذا كانت عشرة اجربة فقد باع تسعة اعشار هذه الارض وهو معلوم بالمشاهدة وان لم يعلما جربانها لم يصح لان المبيع غير معلوم فهو كما لو باع هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين وكذلك إن باعه جريبا من هذه الارض إن اراد قدرا غير مشاع لم يصح، وان باعه مشاعا وهما يعلمان جربانها صح، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح لان الجريب عبارة عن بقعة بعينها وموضعه مجهول.
ولنا ان الجريب من عشرة عشرها ولو قال بعتك عشر هذه الارض صح فكذلك إذا باعه منها جريبا مشاعا وهي عشرة.
وما قالوه غير مسلم لانه عبارة عن قدر كما ان المكيال عبارة عن قدر فإذا أضافه إلى جملة كان ذلك جزأ منها، وان كانا لا يعلمان ذرعان الدار لم يصح لان الجملة غير معلومة واجزاء الارض مختلفة فلا يمكن أن يكون معينا ولا مشاعا، وان قال بعتك من الارض من هنا إلى هنا جاز لانه معلوم، وان قال عشرة أذرع ابتداؤها من هنا إلى حيث ينتهي الذرع لم يصح لان الموضع الذي ينتهي إليه الذرع لا يعلم حال العقد، وان قال بعتك نصيبي من هذه الدار ولا يعلم قدر نصيبه أو قال نصيبا منها أو سهما لم يصح للجهالة وان علماه صح، وان قال بعتك نصف داري مما يلي دارك لم يصح نص عليه لانه لا يدري إلى أين ينتهي فيكون مجهولا (فصل) وحكم الثوب حكم الارض الا أنه إذا قال بعتك من هذا الثوب من هذا الموضع إلى هذا صح فان كان القطع لا ينقصه قطعاه، وان كان ينقصه وشرط البائع أن يقطع له أو رضي بقطعه هو والمشتري جاز، وان تشاحا في ذلك كانا شريكين فيه كما يشتركان في الارض، وقال القاضي
لا يصح لانه لا يقدر على التسليم الا بضرر أشبه مالو باعه نصفا معينا من الحيوان، ولنا أن التسليم ممكن ولحوق الضرر لايمنع التسليم إذا حصل الرضا فهو كما لو باعه نصف حيوان مشاعا وفارق نصف الحيوان المعين فانه لا يمكن تسليمه مفردا الا باتلافه واخراجه عن المالية { مسألة } (وان باعه حيوانا مأكولا الا رأسه أو جلده أو اطرافه صح وان استثنى حمله أو شحمه لم يصح) إذا باعه حيوانا مأكولا واستثنى رأسه أو جلده أو اطرافه صح نص عليه احمد رحمه الله وقال مالك يصح في السفر دون الحضر لان المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجوز له شراء اللحم دونها.
وقال
أبو حنيفة والشافعي لا يجوز لانه لا يجوز افراده بالبيع فلم يجز استثناؤه كالحمل ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا الا أن تعلم وهذه معلومة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها، وروى أبو بكر في الشفاء باسناده عن جابر عن الشعبي قال: قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقرة باعها رجل واشترط رأسها فقضى بالشروى يعني ان يعطى رأسا مثل رأس، ولان المستثنى والمستثنى منه معلومان فصح كما لو باع حائطا واستثنى منه نخلة معينة، وكونه لا يجوز افراده بالبيع لا يمنع صحة استثنائه كما أن الثمرة قبل التأبير لا يجوز افرادها بالبيع بشرط كشرط التبقية ويجوز استثناؤها والحمل مجهول وفيه منع.
فان امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر ويلزمه قيمة ذلك على التقريب نص عليه لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قضى في رجل اشترى ناقة وشرط ثنياها فقال اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فاعطوه بحساب ثنياها من ثمنها (فصل) فان استثنى شحم الحيوان لم يصح نص عليه أحمد، قال أبو بكر لا يختلفون عن ابي عبد الله أنه لا يجوز ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا الا أن تعلم، ولانه مجهول لا يصح افراده بالبيع فلم يصح استثناؤه كفخذها، وان استثنى الحمل لم يصح الاستثناء لما ذكرنا وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والشافعي، نقل عن أحمد صحته، وبه قال الحسن والنخعي واسحاق وأبو ثور لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما باع جارية واستثنى ما في بطنها، ولانه يصح استثناؤه في العتق
فصح في البيع قياسا عليه.
ولنا ما تقدم في الصحيح من حديث ابن عمر أنه أعتق جارية واستثنى ما في بطنها لان الثقات الحفاظ حدثوا بالحديث فقالوا أعتق جارية والاسناد واحد.
قاله أبو بكر ولا يلزم من الصحة في العتق الصحة في البيع لان العتق لا تمنعه الجهالة ولا العجز عن التسليم، ولا تعتبر فيه شروط البيع (فصل) وإن باع جارية حاملا بحر، فقال القاضي لا يصح وهو مذهب الشافعي لانه يدخل في البيع فكأنه مستثنى.
والاولى صحته لا المبيع معلوم وجهالة الحمل لا تضر لانه ليس بمبيع ولا مستثنى باللفظ، وقد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ كما لو باع أمة مزوجة صح ووقعت منفعة البضع مستثناة بالشرع ولو استثناها بلفظه لم يجز، ولو باع أرضا فيها زرع للبائع أو نخلة مؤبرة وقعت منفعتها مستثناة مدة بقاء الزرع والثمرة ولو استثناها بقوله لم يجز (فصل) ولو باعه سمسما واستثنى الكسب لم يجز لانه قد باعه الشريج في الحقيقة وهو غير معلوم فانه غير معين ولا موصوف ولان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، وكذلك إن باعه قطنا، واستثنى الحب لم يجز للجهالة، وكذلك إن باعه السمسم واستثنى الشيرج لم يجز لذلك { مسألة } (ويجوز بيع ما مأكوله في جوفه وبيع الباقلا والجوز واللوز في قشريه والحب المشتد في سنبله) يجوز بيع ما مأكوله في جوفه كالرمان والبيض والجوز لا نعلم فيه خلافا لان الحاجة تدعو إلى بيعه كذلك لكونه يفسد إذا أخرج من قشره
(فصل) ويجوز بيع الجوز واللوز والفستق والباقلا والرطب في قشريه مقطوعا وفي شجره وبيع الطلع قبل تشقيقه مقطوعا وفي شجره وبيع الحب المشتد في سنبله، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي لا يجوز حتى ينزع قشره الا على إلا في الطلع والسنبل في أحد القولين، واحتج بأنه مستور بما لا يدخر عليه ولا مصلحة فيه فلم يجز بيعه كتراب الصاغة والمعادن وبيع والحيوان المذبوح في سلخه.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وعن بيع السنبل حتى يبيض وتؤمن العاهة فمفهومه إباحة بيعه إذا بدا صلاحه وابيض سنبله ولانه مستور بحائل من أصل خلقته فجاز بيعه كالرمان والبيض والقشر الاسفل، ولا يصح قولهم ليس من مصلحته فانه لاقوام له في شجره إلا به، والباقلا
يؤكل رطبا وقشره يحفظ رطوبته ولان الباقلا يباع في أسواق المسلمين من غير نكير وهذا إجماع، وكذلك الجوز واللوز في شجرهما والحيوان المذبوح يجوز بيعه في سلخه فانه إذا جاز بيعه قبل ذبحه وهو مراد للذبح فكذلك إذا ذبح كما أن الرمانة إذا جاز بيعها قبل كسرها فكذلك إذا كسرت، وأما تراب الصاغة والمعادن فلنا فيهما منع وان سلم فليس ذلك من أصل الخلقة في تراب الصاغة ولا بقاؤه فيه من مصلحته بخلاف مسألتنا.
(فصل) (السابع أن يكون الثمن معلوما فان باعه السلعة برقمها أو بألف درهم ذهبا وفضة أو بما ينقطع به السعر أو بما باع به فلان أو بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح البيع وان كان فيه نقد واحد انصرف إليه) يشترط أن يكون الثمن في البيع معلوما عند المتعاقدين لانه أحد العوضين فاشترط العلم به كالآخر وقياسا على رأس مال السلم فان باعه السلعة برقمها وهما لا يعلمانه أو أحدهما لم يصح البيع للجهالة فيه وكذلك ان باعه بألف درهم ذهبا وفضة لانه مجهول ولانه بيع غرر فيدخل في عموم النهي عن بيع الغرر، وان باعه بمائة ذهبا وفضة لم يصح البيع، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصح ويكون نصفين لان الاطلاق يقتضي التسوية كالاقرار، ولنا أن قدر كل واحد منهما مجهول فلم يصح كما لو قال بمائة بعضها ذهب وقوله إنه يقتضي التسوية ممنوع فانه لو فسره بغير ذلك صح.
وكذلك لو أقر له بمائة ذهبا وفضة فالقول قوله في قدر كل واحد منهما.
وان باعه بما ينقطع السعر به أو بما باع به فلان عبده وهما لا يعلمانه أو أحدهما لم يصح لانه مجهول، وان باعه بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح لجهالته وإن كان فيه نقد واحد انصرف إليه لانه تعين بانفراده وعدم مشاركة غيره ولهذا لو أقر بدينار أو أوصى به انصرف إليه.
{ مسألة } (وان قال بعتك بعشرة صحاح أو احدى عشرة مكسرة أو بعشرة نقد أو عشرين نسيئة لم يصح) لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة وهذا هو كذلك فسره مالك والثوري واسحاق، وهذا قول أكثر أهل العلم لانه لم يجزم له ببيع واحد أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين ولان الثمن مجهول فلم يصح كالبيع بالرقم المجهول، وقد روي عن طاوس والحكم وحماد أنهم قالوا لا بأس أن يقول أبيعك بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا فيذهب إلى أحدهما فيحتمل انه جرى بينها بعد ما يجري في العقد فكأن المشتري قال أنا آخذه بالنسيئة بكذا
فقال خذه أو قد رضيت ونحو ذلك فيكون عقدا كافيا فيقول كقول الجمهور، فعلى هذا إن لم يوجد ما يدل على الايجاب أو ما يقوم مقامه لم يصح لان ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجابا.
وقد روي عن أحمد أنه قال فيمن قال ان خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم أنه يصح فيتحمل أن لا يلحق به هذا البيع فيخرج وجها في الصحة ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن العقد ثم يمكن أن يصح لكونه جعالة بخلاف البيع ولان العمل الذي يستحق به الاجرة لا يمكن وقوعه الا على احدى الصفتين فتتعين الاجرة المسماة عوضا فلا يفضي إلى التنازع وهذا بخلافه { مسألة } (وان باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم والقطيع كل شاة بدرهم صح) إذا باعه الصبرة كل قفيز بدرهم صح وان لم يعلما قدر قفزانها حال العقد وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يصح في قفيز واحد ويبطل فيما سواه لان جملة الثمن مجهولة فلم يصح كبيع المتاع برقمه، ولنا أن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لاشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهو وكيل الصبرة فجاز كما لو باع ما رأس ماله اثنان وسبعون لكل ثلاثة عشر درهم فانه لا يعلم في الحال وإنما يعلم بالحساب كذا ههنا ولان المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم قدر ما يقابل كل جزء من المبيع فصح كالاصل المذكور وكذلك حكم الثوب والارض والقطيع من الغنم إذا كان مشاهدا فباعه إياه كل ذراع بدرهم أو كل شاة بدرهم صح وان لم يعلما قدر ذلك حال العقد لما ذكرنا في الصبرة { مسألة } (وان باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح لان من للتبعيض وكل للعدد فيكون ذلك العدد منها مجهولا) ويحتمل أن يصح البيع بناء على قوله في الاجارة إذا أجره كل شهر بدرهم.
قال ابن عقيل وهو الاشبهة كالمسألة التي قبلها لان من وان أعطيت البعض فما هو بعض مجهول بل قد جعل لكل جزء معلوم منها ثمنا معلوما فهو كما لو قال قفيزا منها وكمسألة الاجارة (فصل) وإن قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزا أو انقصك قفيزا لم يصح لانه لا يدري أيزيده أم ينقصه.
وان قال على أن أزيدك قفيزا لم يجز لان القفيز مجهول.
وان قال على أن
أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الاخرى أو بصفة يعلم بها صح لان معناه بعتك هذه الصبرة وقفيزا من هذه الاخرى بعشرة دراهم، وان قال على أن أنقصك قفيزا لم يصح لان معناه بعتك هذه الصبرة إلا قفيزا كل قفيز بدرهم وشئ مجهول، ولو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الاخرى لم يصح لافضائه إلى جهالة في الثمن في التفصيل لانه يصير قفيزا وشيئا بدرهم وهما لا يعرفانه لعدم معرفتهما بكمية ما في الصبرة من القفزان.
ولو قصد أني احط ثمن قفيز من الصبرة ولا احتسب به لم يصح للجهالة التي ذكرناها.
وان علما قدر فقزان الصبرة أو قال هذه عشرة أقفزة بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة أو وصفه بصفة يعلم بها صح لان معناه بعتك كل قفيز وعشرة بدرهم وان لم يعلم القفزان وجعله هبة لم يصح وان أراد أني لا احتسب
عليك بثمن قفيز منها صح أيضا لانهما لما علما جملة الصبرة علما ما ينقص من الثمن، ولو قال على أن أنقصك قفيزا صح لان معناه بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم، وحكي عن أبي بكر أنه يصح في جميع المسائل على قياس قول أحمد لانه يجيز الشرط ولا يصح ما قاله لان المبيع مجهول فلا يصح بيعه بخلاف الشرط الذي لا يفضي إلى الجهالة.
وما لا تتساوى أجزاؤه كالارض والثوب والقطيع من الغنم فيه نحو من مسائل الصبرة.
وان قال بعتك هذه الارض أو هذه الدار أو هذا الثوب أو هذا القطيع بألف درهم صح إذا شاهداه وان قال بعتك نصفه أو ثلثه أو ربعه بكذا صح وان قال بعتك من الثوب كل ذراع بدرهم أو من القطيع كل شاة بدرهم لا يصح لانه مجهول (فصل) ويصح بيع الصبرة جزافا مع جهل المتبايعين بقدرها لا نعلم فيه خلافا وقد نص عليه أحمد ودل عليه حديث ابن عمر وهو قوله، كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه متفق عليه، ولانه معلوم بالرؤية فصح بيعه كالثياب والحيوان، ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة فان ذلك يشق لكون الحب بعضه على بعض ولا يمكن بسطها حبة حبة، ولان الحب تتساوى أجزاؤه في الظاهر فاكفتي برؤية ظاهره بخلاف الثوب فان نشره لا يشق وتختلف أجزاؤه ولايحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة لانه علم ما اشترى بأبلغ الطرق وهو
الرؤية، وكذلك لو قال بعتك نصف هذه الصبرة أو جزأ منها معلوما لان ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه كالحيوان، قال ابن عقيل ولا يصح هذا إلا ان تكون الصبرة متساوية الاجزاء، فان كانت مختلفة مثل صبرة بقال القرية لم يصح، ويحتمل أن يصح لانه يشتري منها جزءا مشاعا فيستحق من جيدها ورديئها بقسطه ولا فرق بين الاثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافا، وقال مالك لا يجوز في الاثمان لان لها خطرا ولا يشق وزنها ولا عددها فأشبه الرقيق والثياب ولنا أنه معلوم بالمشاهدة أشبه المثمنات والنقرة والحلي ويبطل بذلك ما قال.
وأما الرقيق فأنه يجوز بيعهم إذا شاهدهم ولم يعدهم، وكذلك الثياب إذا شراها ورأى جميع أجزائها (فصل) فان كان البائع يعلم قدر الصبرة لم يجز بيعها جزافا نص عليه أحمد وهو اختيار الخرقي.
وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة، وبه قال مالك واسحاق وروي ذلك عن طاوس، قال مالك لم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك، وعن أحمد رحمه الله أنه مكروه غير محرم فقد روى بكر بن محمد عن أبيه عنه أنه سئل عن الرجل يبيع الطعام جزافا وقد عرف كيله، فقلت له وإن مالكا يقول إذا باع الطعام ولم يعلم المشتري فان اختار أن يرده رده قال: هذا تغليظ شديد ولكن لا يعجبني إذا عرف كيله إلا أن يخبره فان باعه فهو جائز عليه وقد أساء.
ولم ير أبو حنيفة والشافعي بذلك بأسا لانه إذا جاز البيع مع جهلهما بمقداره فمع العلم من أحدهما أولى.
ووجه الاول ما روى الاوزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من عرف مبلغ شئ فلا يبيعه جزافا حتى يبينه " قال القاضي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كيله وأيضا الاجماع الذي نقله مالك ولان البائع لا يعدل إلى البيع جزافا مع علمه بقدر الكيل الا للتغرير ظاهرا وقد قال عليه السلام " من غشنا
فليس منا " فصار كتدليس البيع فان باع ما علم كيله صبرة فظاهر كلام أحمد في رواية محمد بن الحكم ان البيع صحيح لازم وهو قول أبي حنيفة والشافعي لان المبيع معلوم لهما ولا تغرير من أحدهما أشبه مالو علما كيله أو جهلاه ولم يثبت ما روي من النهي فيه، وانما كرهه أحمد كراهة تنزيه لاختلاف العلماء فيه ولان تسويتهما في العلم أو الجهل أبعد من التغرير.
وقال القاضي وأصحابه هذا بمنزلة التدليس والغش
ان علم به المشتري فلا خيار له لانه دخل على بصيرة فهو كمن اشترى مصراة يعلم تصريتها، وإن لم يعلم ان البائع كان عالما بذلك فله الخيار في الفسخ والامضاء وهذا قول مالك لانه غش وغرر من البائع فصح العقد معه ويثبت للمشتري الخيار، وذهب بعض أصحابه إلى أن البيع فاسد والنهي يقتضي الفساد (فصل) فان أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل فالبيع صحيح، فان قبضه باكتياله تم البيع والقبض، وان قبضه بغير كيل كان بمنزلة قبضه جزافا إن كان البيع باقيا كاله عليه، فان كان قدر حقه الذي أخبره فقد استوفاه، وان كان زائدا رد الفضل وان كان ناقصا أخذ النقص، وان كان قد تلف فالقول قول القابض مع يمينه سواء قل القبض أو كثر لان الاصل عدم القبض وبقاء الحق وليس للمشتري التصرف في الجميع قبل كيله لان للبائع فيه علقة فانه لو زاد كانت الزيادة له ولا يتصرف في أقل من حقه بغير كيل لان ذلك يمنعه من معرفة كيله، وان تصرف فيما يتحقق انه مستحق له مثل أن يكون حقه قفيزا فيتصرف في ذلك أو في أقل منه بالكيل ففيه وجهان (أحدهما) له ذلك لانه تصرف في حقه بعد قبضه فجاز كما لوكيل له (والثاني) لا يجوز لانه لا يجوز له التصرف في الجميع فلم يجز له التصرف في البعض كما قبل القبض، فان قبضه بالوزن فهو كما لو قبضه جزافا، فأما ان أعلمه بكيله ثم باعه إياه مجازفة على انه له بذلك الثمن سواء زاد أو نقص لم يجز لما روى الاثرم باسناده عن الحكم قال: قدم طعام لعثمان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اذهبوا بنا إلى عثمان نعينه على طعامه " فقام إلى جنبه فقال عثمان في هذه الغرارة كذا وكذا وأبيعها بكذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سميت الكيل فكل " قال أحمد إذا أخبره البائع ان في كل قارورة منها كذا رطلا فأخذ بذلك ولا يكتاله فلا يعجبني لقوله فعثمان " إذا سميت الكيل فكل " قيل له انهم يقولون إذا فتح فسد.
قال فلم لا يفتحون واحدة ويتركون الباقي (فصل) ولو كان طعاما وآخر يشاهده فلمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيل ثان لانه شاهد كيله أشبه مالو كيل له وعنه يحتاج إلى كيل للخبر وكالبيع الاول ولو كاله بائع للمشتري ثم اشتراه منه فكذلك لما ذكرنا، ولو اشترى اثنان طعاما فاكتالاه ثم اشترى احدهما حصة شريكه قبل تفرقهما فهو جائز، وان لم يحضر المشتري الكيل لم يجز الا بكيل.
وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى
لابد من كيله، وان باعه الثاني في هذه المواضع على أنه صبرة جاز ولم يحتج إلى كيل ثان ينقله كالصبرة (فصل) قال أحمد في رجل يشتري الجوز فيعد في مكيل ألف جوزة ثم يأخذ الجوز كله على ذلك العيار لا يجوز.
وقال في رجل ابتاع أعكاما كيلا وقال للبائع كل لي عكما منها وأخد ما بقي على هذا الكيل أكره هذا حتى يكيلها كلها.
قال الثوري كان أصحابنا يكرهون هذا وذلك لان ما في
العكوم يختلف فلا يعلم ما في بعضها بكيل البعض، والجوز يختلف فيكون في أحد المكيلين أكثر من الآخر فلا يصح تقديره بالكيل كما لا يصح تقدير المكيل بالوزن ولا الموزون بالكيل (فصل) وان باع الادهان في ظروفها جملة وقد شاهدها جاز لان اجزاءها لا تختلف فهي كالصبرة وكذلك الحكم في العسل والدبس والخل وسائر المائعات التي لا تختلف، فان باعه كل رطل بدرهم أو باعه رطلا منه أو أرطالا معلومة يعلم ان فيها اكثر منها أو باعه أجزاء مشاعة أو أجزاء أو باعه اياه مع الظرف بعشرة دراهم أو بثمن معلوم جاز، وان باعه السمن والظرف كل رطل بدرهم وهما يعلمان مبلغ كل واحد منهما صح لانه قد علم المبيع والثمن، وان لم يعلما ذلك جاز أيضا لانه قد رضي أن يشتري الظرف كل رطل بدرهم وما فيه كذلك فأشبه مالو اشترى ظرفين في أحدهما سمن وفي آخر زيت كل رطل بدرهم.
وقال القاضي لا يصح لان وزن الظرف يزيد وينقص فيدخل على غرر.
والاول أصح لان بيع كل واحد منهما منفردا يصح كذلك، فكذلك إذا جمعهما كالارض المختلفة الاجزاء والثياب وغيرها.
فأما إن باعه كل رطل بدرهم على أن يزن الظرف فيحسب عليه بوزنه ولا يكون مبيعا وهما يعلمان زنة كل واحد منهما صح لانه إذا علم ان الدهن عشرة والظرف رطل كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهما، وان كانا لا يعلمان زنة الظرف والدهن لم يصح لانه يؤدي إلى جهالة الثمن في الحال، وسواء جهلا زنتهما جميعا أو زنة أحدهما كذلك (فصل) وان وجد في ظرف الدهن ربا فقال ابن المنذر قال أحمد واسحاق ان كان سمانا عنده سمن أعطاه بوزنه سمنا، وان لم يكن عنده سمن أعطاه بقدر الرب من الثمن والزمه شريح بقدر الرب سمنا بكل حال، وقال الثوري إن شاء أخذ الذي وجد ولا يكلف أن يعطيه بقدر الرب سمنا.
ولنا أنه وجد المبيع بكيل ناقصا فأشبه ما لو اشترى صبرة فوجد تحتها ربوة أو اشتراها على انها عشرة أقفزة فبانت تسعة فانه يأخذ الموجود بقسطه من الثمن، كذلك هذا فعلى هذا انما يأخذ الموجود بقسطه من الثمن ولا يلزم البائع أن يعطيه سمنا سواء كان موجودا عنده أو لم يكن، فان تراضيا على اعطائه سمنا جاز (فصل) وان باعه بمائة درهم إلا دينارا لم يصح ذكره القاضي لانه قصد استثناء قيمة الدينار وذلك غير معلوم، واستثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا ولانه استثناء من غير الجنس فلم يصح كما لو قال بمائة إلا قفيزا من حنطة ويجئ على قول الخرقي انه يصح فيمن استثنى في الاقرار عينا من ورق أو ورقا من عين فانه يصح، فعلى هذا يحذف من الجملة بقيمة الدينار، ولو قال بمائة إلا قفيزا من حنطة لم يصح لانه استثناء من غير الجنس.
فأما الذهب والفضة فهما كالجنس الواحد (فصل في تفريق الصفقة) (وهو أن يجمع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز) صفقة واحدة بثمن واحد (وله ثلاث صور (إحداها) أن يبيع معلوما ومجهولا) كقولك بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الاخرى بكذا فهذا بيع باطل بكل حال ولا أعلم في بطلانه خلافا لان المجهول لا يصح بيعه بجهالته والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته لان معرفته انما تكون بتقسيط الثمن عليهما والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط
(الثانية) باع مشاعا بينه وبين غيره بغير إذن شريكه كعبد مشترك بينهما أو ما يقسم عليه الثمن بالاجزاء كقفيزين متساويين لهما فيصح في ملكه بقسطه من الثمن ويفسد في نصيب الآخر، والثاني لا يصح فيهما وأصل الوجهين ان أحمد نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين (احداهما) يفسد فيهما (والثانية) يصح في الحرة.
الوجه الاول قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر لا يصح وهو قول أبى ثور لان الصفقة جمعت حلالا وحراما فغلب التحريم، ولان الصفقة إذا لم يمكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكل كالجمع بين الاختين وبيع درهم بدرهمين، ووجه الاول ان كل واحد منهما له حكم لو كان منفردا فإذا جمع بينهما ثبت لكل واحد حكمه كما لو باع شقصا وسيفا ولان ما يجوز بيعه قد صدر فيه البيع من أهله في محله بشرطه فصح كما لو انفرد، ولان البيع سبب اقتضى الحكم في محلين
فامتنع حكمه في أحد المحلين لنبوتة عن قبوله فيصح في الآخر كما لو وصى بشئ لآدمي وبهيمة.
وأما الدرهمان والاختان فليس واحد منهما أولى بالفساد من الآخر فلذلك فسد فيهما وهذا بخلافه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: