الفقه الحنبلي - السكنى - الرضاع
(فصل) ولا سكنى للمتوفي عنها إذا كانت حائلا رواية واحدة وان كانت حاملا فعلى روايتين، وللشافعي فيها قولان (أحدهما) لها السكنى لقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم
متاعا إلى الحول غير اخراج) فنسخ بعض المدة وبقي باقيها على الوجوب ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر فريعة بالسكنى في بيتها من غير استئذان الورثة ولو لم تجب السكنى لم يكن لها أن تسكن الا باذنهم كما أنها ليس لها أن تتصرف في مال زوجها بغير اذنهم ولنا أن الله تعالى انما جعل للزوجة ثمن التركة أو ربعها وجعل باقيها لسائر الورثة والمسكن من التركة فوجب أن لا تستحق منه أكثر من ذلك، وأما إذا كانت حاملا وقلنا لها السكنى فلانها حامل من زوجها فوجبت لها السكنى قياسا على المطلقة فأما الآية التي احتجوا بها فانها منسوخة، وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فريعة بالسكنى فقضية في عين يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن الوارث يأذن في ذلك أو تكون السكنى واجبة عليها ويتقيد ذلك بالامكان واذن الوارث من جملة ما يحصل به الامكان فإذا قلنا لها
السكنى فهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت تسكنة من الورثة والغرماء من رأس مال المتوفي ولا يباع في دينه بيعا يمنعها السكنى حتى تقضي العدة وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء وان تعذر ذلك المسكن فعلى الوارث أن يكتري لها مسكنا من مال الميت فان لم يفعل أجبره الحاكم وليس لها أن تنتقل الا لعذر كما ذكرنا، وان اتفق الوارث والمرأة على نقلها عنه لم يجز لان السكنى ههنا يتعلق لها حق الله سبحانه وتعالى فلم يجز اتفاقهما على ابطالها بخلاف سكنى النكاح فانه حق لهما ولان السكنى ههنا من الاحداد فلم يجز الانفاق على تركها كسائر خصال الاحداد وليس لهم اخراجها
الا ان تأتي بفاحشة مبينة لقول الله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) وهو أن يطول لسانها على أحمائها وتؤذيهم بالسب ونحوه روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الاكثرين وقال ابن مسعود والحسن هي الزنا لقول الله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) واخراجهن هو لاقامة حد الزنا ثم ترد إلى مكانها
ولنا أن الآية تقتضي الاخراج من المسكن وهذا لا يتحقق فيما قالاه، وأما الفاحشة فهي اسم للزنا وغيره من الاقوال الفاحشة يقال أفحش الرجال في قوله ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالت له عائشة يا رسول الله قلت لفلان بئس اخو العشيرة - ثم النت له القول لما دخل قال - يا عائشة ان الله لا يحب الفحش ولا التفحش " إذا ثبت هذا فان الورثة يخرجونها عن ذلك المسكن إلى مسكن آخر من الدار ان كانت كبيرة تجمعهم فان كانت لا تجمعهم أو لم يكمن نقلها إلى غيرها في الدار أو لم يتخلصوا من أذاها بذلك فلهم نقلها وقال بعض أصحابنا ينتقلون هم عنها لان سكناها واجب في المكان وليس بواجب عليهم والنص يدل على أنها تخرج فلا يعرج على ما خالفه ولان الفاحشة منها فكان الاخراج لها، وان كان أحماؤها هم الذين يؤذونها ويفحشون عليها نقلوهم دونها فانها لم تأت بفاحشة فلا تخرج بقتضى النص ولان الذنب لهم فيخصون بالاخراج، وان كان المسكن لغير الميت فيتبرع صاحبه باسكانها فيه لزمها الاعتداد به، وان أبى أن يسكنها الا بالاجرة وجب بذلها من مال الميت الا أن يتبرع انسان
ببدلها ويلزمها الاعتداد به فان حولها مالك المكان أو طلب أكثر من أجر المثل فعلى الورثة اسكانها ان كان للميت تركة يستأجر لها به مسكن لانه حق لها يقدم على الميراث فان اختارت النقلة عن المسكن الذي ينقلونها إليه فلها ذلك لان سكناها به حق لها وليس بواجب عليها فان المسكن الذي كان تجب عليها السكنى به هو الذي تسكنه حين موت زوجها وقد سقطت عنها السكنى به وسواء كان المسكن الذي كانت به لابويها أو لاحدهم أو لغيرهم، وان كانت تسكن في دار لها فاختارت الاقامة فيها والسكنى بها متبرعة أو بأجرة تأخذها من التركة جاز وعلى الورثة بذل الاجرة إذا طلبتها وان طلبت أن تسكنها
غيرها وتنتقل عنها فلها ذلك لانه ليس عليها أن تؤجر دارها ولا تعيرها وعليهم اسكانها (فصل) فأما إذا قلنا ليس لها السكنى فتطوع الورثة باسكانها في مسكن زوجها أو السلطان أو أجنبي لزمها الاعتداد به وان منعت السكنى أو طلبوا منها الاجرة فلها أن تنتقل عنه إلى غيره كما ذكرنا فيما إذا أخرجها المؤجر عند انقضاء الاجارة وسواء قدرت على الاجرة أو عجرت لانه انما تلزمها السكنى
لا تحصيل المسكن، وان كانت في مسكن لزوجها فأخرجها الورثة منه وبذلوا لها مسكنا آخر لم تلزمها السكنى به ولذلك ان أخرجت من المسكن الذي هي به أو خرجت لاي عارض كان لم تلزمها السكنى في موضع معين سواه سواء بذله الورثة أو غيرهم لانها انما يلزمها الاعتداد في بيتها الذي كانت فيه لا في غيره، وكذلك إذا قلنا لها السكنى فتعذر سكناها في مسكنها وبذل لها سواه وان طلبت مسكنا بأجرة أو بغيرها لزم الورثة تحصيله ان خلف الميت تركة تفي بذلك وتقدم على الميراث لانه حق على الميت فأشبه الدين، فان كان على الميت دين يسترق تركته ضربت بأجرة المسكن لان حقها مساو لحقوق الغرماء وتستأجر بما يخصها موضعها تسكنه، وكذلك الحكم في المطلقة إذا حجر على الزوج قبل أن يطلقها ثم طلقها فانها تضرب بأجرة المسكن كمدة العدة مع الغرماء إذا كانت حاملا فان قيل فهل لا قدمتم حق الغرماء لانه أسبق؟ قلنا لان حقها ثبت عليه بغير اختياره فشاركت الغرماء فيه كما لو أتلف المفلس مالا لانسان أو جنى عليه، وإن مات وهي في مسكنه لم يجز اخراجها منه لان حقها تعلق
بين المسكن قبل تعلق حقوق الغرماء بعينه فكان حقها مقدما كحق المرتهن، وإن طلب الغرماء بيع هذا المسكن وتترك السكنى لها مدة العدة لم يجز لانها انما تستحق السكنى إذا كانت حاملا ومدة الحمل مجهولة فتصير كما لو باعها واستثنى نفعها مدة مجهولة، وإن إراد الورثة قسمة مسكنها على وجه يضر بها في السكنى لم يكن لهم ذلك، وإن أرادو التعليم بخطوط من غير نقض ولا بناء جاز لانه لا ضرر عليها فيه (فصل) إذا قلنا إنها تضرب مع الغرماء بقدر مدة عدتها فانها تضرب بمدة عادتها في وضع الحمل ان كانت حاملا وإن كانت مطلقة من ذوات القرء وقلنا لها السكنى ضربت بمدة عادتها في القرء فان لم تكن
لها عادة ضربت بغالب عادات النساء وهي تسعة أشهر للحمل وثلاثة أشهر لكل قرء شهر أو بما بقي من ذلك إن كان قد مضى من مدة حملها شئ لانه لا يمكن تأخير القسمة لحق الغرماء فإذا ضربت بذلك فوافق الصواب لم يزد ولم ينقص استقر الحكم ويستأجر بما يحصل لها مكانا تسكنه فإذا تعذر ذلك سكنت حيث شاءت، وإن كانت المدة أقل مما ضربت مثل ان وضعت حملها لستة أشهر أو تربصت
ثلاثة قروء في شهرين فعليها رد الفضل وتضرب فيه بحصتها منه، وإن طالت العدة أكثر من ذلك مثل أن وضعت حملها في عام أو رأت ثلاثة قروء في نصف عام رجعت بذلك على الغرماء كما يرجعون عليها في صورة النقص، ويحتمل أن لا ترجع به وتكون في ذمة زوجها لاننا قدرنا ذلك مع تجويز الزيادة فلم يكن لها الزياة عليه (مسألة) (ولا تخرج ليلا وتخرج نهارا لحوائجها سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها) لما روى جابر قال طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجذ نخلها فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تصديق منه أو تفعلي خيرا " رواه النسائي وأبو داود، وروى مجاهد قال استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن يا رسول نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تحدثن عند احداكن
حتى إذا أردتن فلتؤب كل واحدة إلى بيتها " وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلا الا لضرورة ولان الليل مظنة الفساد بخلاف النهار فانه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه، وإن وجب عليها حق لا يمكن اسيتفاؤه الا بها كاليمين والحد وكانت ذات خدر بعث إليها الحاكم من يستوفي الحق منها في منزلها، وإن كانت برزة جاز احضارها لا ستيفائه وترجع إلى منزلها إذا فرغت (فصل) والامة كالحرة في الاحداد والاعتداد في منزلها إلا أن سكناها في العدة كسكناها في حياة زوجها للسيد امساكها نهار أو يرسلها ليلا فان أرسلها ليلا ونهارا اعتدت زمانها كله في المنزل وعلى الورثة اسكانها كالحرة سواء.
(فصل) والبدوية كالحضرية في الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنه فيه فان انتقلت الحلة انتقلت معهم لانها لا يمكنها المقام وحدها، وان انتقل غير أهلها لزمها المقام مع أهلها، وان انتقل
أهلها انتقلت معهم الا أن يبقى من الحلة من لا تخاف على نفسها معهم فتخير بين الاقامة والرجل والرحيل، وان هرب أهلها فخافت هربت معهم فان أمنت أقامت لقضاء العدة في منزلها (فصل) فان مات صاحب السفينة وامرأته في السفينة ولها مسكن في البر فحكمها حكم المسافرة في البر على ما نذكره، وإن لم يكن لها مسكن سواها وكان لها فيها بيت يمكنها السكنى فيه بحيث لا تجتمع مع الرجال وأمكنها المقام فيه بحيث تأمن على نفسها ومعها محرمها لزمها أن تعتد به، وإن كانت ضيقة وليس معها محرمها أو لا يمكنها الاقامة فيها إلا بحيث تختلط بالرجال ولزمها الانتقال عنها إلى غيرها (مسألة) (وان أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها، وان مات بعده فلها الخيار بين البلدين) إذا أذن للمرأة زوجها في النقلة من بلد إلى بلد أو من دار إلى دار أخرى فمات قبل انتقالها من الدار وقبل خروجها من البلد لزمها الاعتداد في الدار وكذلك ان مات قبل خروجها من الدار لانها بيتها وسواء مات قبل نقل
متاعها من الدار أو بعده لانها مسكنها ما لم تنتقل عنها وان مات بعد انتقالها إلى الثانية اعتدت فيها لانها مسكنها وكذلك ان مات بعد وصولها إلى البلد الآخر على قياس ذلك، وان مات وهي بينهما فهي مخيرة لانها لا مسكن لها منهما فان الاولى خرجت عنها منتقلة فخرجت عن كونها مسكنا لها والثانية لم تسكن بها فهما سواء وكذلك ان مات بعد خروجها من البلد لما ذكرناه وقيل يلزمها الاعتداد في الثانية لانها المسكن الذي أذن لها زوجها في السكنى به وهذا يمكن في الدارين، فأما إذا كانا بلدين لم يلزمها الانتقال إلى البلد الثاني بحال لانها إنما كانت تنتقل لغرض زوجها في صحبتها إياه وإقامتها معه فلو ألزمناها ذلك بعد موته لكلفناها السفر الشاق والتغرب عن وطنها وأهلها والمقام مع غير محرمها والمخاطرة بنفسها مع فوات الغرض وظاهر حال الزوج أنه لم علم أنه يموت لما نقلها فصارت الحياة مشروطة في النقلة.
فأما ان انتقلت إلى الثانية ثم عادت إلى الاولى لنقل متاعها
فمات زوجها وهي بها فعليها الرجوع إلى الثانية لانها صارت مسكنها بانتقالها وانما عادت إلى الاول لحاجة والاعتبار بمسكنها دون موضعها، وان مات وهي في الثانية فقالت أذن لي زوجي في السكنى بهذا
المكان وأنكر ذلك الورثة أو قالت إنما أذن لي زوجي في المجئ إليه لا في الاقامة به وأنكر ذلك لورثة فالقول قولها لانها أعرف بذلك منهم، وكل موضع قلنا يلزمها السفر عن بلدها فهو مشروط بوجود محرم يسافر معها والا من على نفسها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم من أهلها " أو كما قال (مسألة) (وان سافر بها فمات في الطريق وهي قريبة لزمها العود) لانها في حكم الاقامة وان.
تباعدت خيرت بين البلدين لان البلدين تساويا فكانت الخيرة إليها فيما المصلحة لها فيه لانها أخبر بمصلحتها.
(فصل) وان أذن لها زوجها في السفر لغير النقلة فخرجت ثم مات زوجها فالحكم في ذلك كالحكم في سفر الحج على ما نذكره من التفصيل وإذا مضت إلى مقصدها فلها الاقامة حتى تقضي ما خرجت إليه وتنقضي حاجتها من تجارة أو غيرها فان كان خروجها لنزهة أو زيادة ولم يكن قدر لها مدة فانها تقيم اقامة
المسافر ثلاثا وان كان قدر لها مدة فلها إقامتها لان سفرها بحكم اذنه فكان لها اقامة ما أذن لها فيه فإذا مضت مدتها أو قضت حاجتها ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره أتمت العدة في مكانها وان أمكنها الرجوع لكن لا يمكنها الوصول إلى منزلها حتى تنقضي عدتها لزمها الاقامة في مكانها لان الاعتداد وهي مقيمة أولى من الاتيان به في السفر، وان كانت تصل وقد بقي من عدتها شئ لزمها العود لتأتي بالعدة في مكانها.
(مسألة) (وان أذن لها في الحج فاحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها وان لم تخش وهي في بلدها أو قرية يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها والا مضت في سفرها وان لم تكن أحرمت به أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم تخش الفوات)
وجملة ذلك أن المعتدة ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا غيره روي ذلك عن عمر وعثمان وبه قال
سعيد بن المسيب ومالك والشافعي والثوري وأصحاب الرأي فان خرجت فمات زوجها في الطريق رجعت ان كانت قريبة لانها في حكم الاقامة، وان تباعدت مضت في سفرها، وقال مالك ترد ما لم تحرم، والصحيح ما ذكرنا لانه يضر بها وعليها مشقة ولابد لها من سفر وان رجعت، ويحد القريب بما لا تقصر إليه الصلاة والبعيد بما تقصر فيه قاله القاضي وهو قول أبي حنيفة الا انه لا يرى القصر الا في مدة ثلاثة أيام، فعلى قوله متى كان بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام لزمها الرجوع إليه، وان كان فوق ذلك لزمها المضي إلى مقصدها إذا كان بينها وبينه دون ثلاثة أيام، وان كان بينها وبينه ثلاثة أيام وفي موضعها الذي هي به مكان يمكنها الاقامة فيه لزمتها والاقامة وإلا مضت إلى مقصدها، وقال الشافعي ان فارقت البينان فلها الخيار بين الرجوع والتمام لانها صارت في موضع أذن لها زوجها فيه وهو السفر فأشبه ما لو بعدت ولنا على وجوب الرجوع على القريبة ما روى سعيد باسناده عن سعيد بن المسيب قال توفى أزواج نساؤهن حاجات أو معتمرات فردهن عمر من ذي الحليفة حتى يعتددن في بيوتهن ولانه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن تعتد فلزمها كما لو لم تفارق البنيان.
وعلى أن البعيدة لا يلزمها الرجوع لان عليها مشقة وتحتاج إلى سفر طويل في رجوعها أشبهت من بلغت مقصدها، وان اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها في عدتها، ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر فلها المضي في سفرها كالبعيدة ومتى رجعت وقد بقي عليها شئ من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها بلا خلاف بينهم لانه أمكنها الاعتداد فيه فهو كما لو لم تسافر منه (فصل) ولو كان عليها حجة الاسلام فمات زوجها لزمتها العدة في منزلها، وان فاتها الحج لان العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الاتيان به بعدها، وان مات زوجها بعد احرامها بحج الفرض أو بحج أذن لها فيه وكان وقت الحج متسعا لا يخاف فوته ولا فوت الرفقة لزمها الاعتداد في
منزلها لامكان الجمع بين الحقين، وان خشيت فوات الحج لزمها المضي فيه وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمها المقام، وإن فاتها لانها معتدة فلم يجز أن تنشئ سفرا كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها
ولنا أنهما عبادتان استويا في الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الاسبق منهما كما لو سبقت العدة ولان الحج آكد لانه أحد أركان الاسلام والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن بعد سفرها إليه، وإن أحرمت بالحج بعد موت زوجها وخشيت فواته احتمل أن يجوز لها المضي إليه لما في بقائها على الاحرام من المشقة واحتمل أن تلزمها العدة في منزلها لانها أسبق ولانها فرطت وغلظت على نفسها فإذا قضت العدة وأمكنها السفر إلى الحج لزمها ذلك فان أدركته والا تحللت بعمرة وحكمها في القضاء حكم من فاته الحج وإن لم يمكنها السفر فهي كالمحصرة التي يمنعها زوجها من السفر وحكم الاحرام بالعمرة كذلك إذا خيف فوات الرفقة أو لم يخف (مسألة) (وأما المبتوتة فلا تجب عليها عدة الوفاة في منزله وتعتد حيث شاءت نص عليه قال
أصحابنا لا يتعين الموضع الذي تسكنه المبتوتة في الطلاق سواء قلنا لها السكنى أو لم نقل بل يتخير الزوج بين اقرارها في موضع طلاقها وبين نقلها إلى مسكن مثلها لحديث فاطمة بنت قيس يذكر في النفقات إن شاء الله تعالى.
والمستحب اقرارها لقوله سبحانه (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) ولان فيه خروجا من الخلاف فان الذين يرون لها السكنى يوجبون عليها الاعتداد في منزلها فان كان في بيت يملك الزوج سكناه يصلح لمثلها اعتدت فيه فان ضاق عنهما انتقل عنها لانه يستحب سكناها في البيت الذي طلقها فيه وان اتسع الموضع لهما وأمكنهما السكنى في موضع منفرد كالحجرة وعلو الدار وبينهما باب مغلق جاز وسكن الزوج في الباقي كالحجرة بين المتجاورين وإن لم يكن بينهما باب مغلق لكن لها موضع تستتر فيه بحيث لا يراها ومعها محرم تتحفظ به جاز وتركه أولى ولا يجوز مع عدم المحرم لان الخلوة لاجنبية محرمة وإن امتنع من إسكانها وكانت ممن لها عليه السكنى أجبره الحاكم فان لم يكن ثم
حاكم رجعت على الزوج وإن وجد الحاكم ففي رجوعها روايتان فان كان الزوج حاضرا ولم يمنعها المسكن فاكترت لنفسها مسكنا أو سكنت في موضع تملكه لم ترجع لانها تبرعت بذلك وإن عجز الزوج عن اسكانها لعسرته أو غيبة أو امتنع منه مع المقدرة سكنت حيث شاءت.
(باب في استبراء الاماء) ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع: (أحدهما) إذا ملك أمة لم يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بمباشرة أو قبلة حتى يستبرئها إلا المسبية هل له الاستمتاع منها بما دون الفرج؟ على روايتين) من ملك أمة بسبب من أسباب الملك كالبيع والهبة والارث وغير ذلك لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها بكرا كانت أو ثيبا صغيرة أو كبيرة ممن تحمل أو ممن لا تحمل هذا قول الحسن وابن سيرين
وأكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
وقال ابن عمر لا يجب استبراء البكر وهو قول داود لان الغرض بالاستبراء معرفة براءتها من الحمل وهذا معلوم في البكر فلا حاجة إلى الاستبراء وقال الليث إن ان ممن لا يحمل مثلها لم يجب استبراؤها لذلك وقال عثمان البتي يجب الاستبراء على البائع دون المشتري لانه لو زوجها لكان الاستبراء على السيد دون الزوج كذلك ههنا.
ولنا ما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام أو طاس أن توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض رواه أحمد في المسند.
وعن رويفع بن ثابت قال انني لا أقول إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه أبو داود وفي لفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يقول " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه
الاثرم ولانه ملك جارية محرمة عليه فلم تحل له قبل استبرائها كالبنت التي تحمل ولانه سبب وجب للاستبراء فلم تفترق الحال فيه بين البكر والثيب والتي لا تحمل كالعدة قال أبو عبد الله قد بلغني أن العذراء تحمل فقال له بعض أهل المجلس نعم قد كان في جيراننا.
وذكره بعض أصحاب الشافعي وما ذكروه يبطل بما إذا اشتراها من امرأة أو صبي أو من تحرم عليه برضاع أو غيره وما ذكره البتي لا يصح لان الملك قد يكون بالسبي والارث والوصية فلو لم يستبرئها المشتري أفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب والفرق بين البيع والتزويج أن التزويج لا يراد الا للاستمتاع فلا يجوز الا فيمن تحل له فوجب ان يتقدمه الاستبراء ولهذا لا يصح تزويج معتدة ولا مرتدة ولا مجوسية ولا وثنية ولا محرمة بالرضاع ولا المصاهرة والبيع يراد لغير ذلك فصح قبل الاستبراء ولهذا صح في هذه المحرمات ووجب الاستبراء على المشتري لما ذكرناه (مسألة) (ويحرم الاستمتاع بالقبلة والنظر لشهوة)
والاستمتاع بها فيما دون الفرج إذا لم تكن مسبية رواية واحدة وقال الحسن لا يحرم من المستبرأة الا فرجها وله ان يستمتع منها بما شاء ما لم يمس لان النبي صلى الله عليه وسلم انما نهى عن الوطئ ولانه تحريم للوطئ مع ثبوت الملك فاختص بالفرج كالحيض.
ولنا انه استبراء يحرم الوطئ فحرم الاستمتاع كالعدة ولانه لا يأمن كونها حاملا من بائعها فتكون ام ولد فلا يصح بيعها فيكون مستمتعا بأم ولد غيره وبهذا فارق الحائض فاما المسبية ففيها روايتان (احداهما) تحريم مباشرتها وهو ظاهر كلام الخرقي وهو الظاهر عن احمد إذا كان لشهوة قياسا على العدة ولانه داعية إلى الوطئ المحرم المفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب فأشبهت المبيعة والرواية الثانية لا يحرم لما روي عن ابن عمر انه قال وقع في سهمي يوم جلولاء جارية كان عنقها ابريق فضة فما ملكت نفسي ان قمت إليها فقبلتها والناس ينظرون ولانه لا نص في المسبية ولا يصح قياسها على المبيعة لانها تحتمل ان تكون ام ولد للبائع فيكون مستمتعا بأم ولد غيره ومباشر لمملوكة غيره والمسبية مملوكة له على كل حال وانما حرم وطؤها لئلا يسقى ماءه زرع غيره.
(مسألة) (وسواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة أو مجبوب أو من رجل قد استبرأها ثم لم يطأها لقوله عليه الصلاة والسلام " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " ولانه يجوز ان تكون حاملا من غير البائع فوجب استبراؤها كالمسبية من امرأة.
(مسألة) (وان اعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها ولها نكاح غيره ان لم يكن بائعها يطؤها) إذا اشترى امة فاعتقها قبل استبرائها لم يجز ان يتزوجها حتى يستبرئها وبه قال الشافعي وقال أصحاب الرأي له ذلك ويروى ان الرشيد اشترى جارية فتاقت نفسه إلى جماعها قبل استبرائها وامره أبو يوسف ان يعتقها ويتزوجها ويطأها قال أبو عبد الله وبلغني ان المهدي اشترى جارية فأعجبته فقيل له اعتقها وتزوجها قال أبو عبد الله ما أعظم هذا ابطلوا الكتاب والسنة جعل الله على الحرائر العدة من أجل الحمل فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها الا وتعتد من اجل الحمل وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبراء الامة بحيضة من أجل الحمل ففرج يوطأ يشتريه ثم يعتقها على المكان ثم يتزوجها فيطؤها يطؤها رجل اليوم ويطؤها الآخر غدا فان كانت حاملا كيف يصنع؟ هذا نقض الكتاب والسنة قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا توطأ الحامل حتى تضع ولا غير الحامل حتى تحيض " وهذا لا يدري اهي حامل أم لا؟ ما اسمج هذا قيل له ان قوما يقولون هذا فقال قبح الله هذا وقبح من يقوله وفيما نبه عليه أبو عبد الله من الادلة كفاية إذا ثبت هذا فليس له تزويجها لغيره قبل استبرائها إذا لم يعتقها لانها ممن يجب استبراؤها فلم يجز ان تتزوج كالمعتدة وسواء في ذلك المستبرأة من رجل يطؤها أو من رجل قد اشتراها ثم لم يطأها أو ممن لا يمكنه الوطئ كالصبي والمجبوب والمرأة وقال الشافعي إذا اشترها ممن لا يطؤها فله تزويجها سواء اعتقها أو لم يعتقها وله ان يتزوجها إذا اعتقها لانها ليست فراشا وقد كان لسيدها تزويجها قبل
بيعها فجاز ذلك بعد بيعها ولانها لو عتقت على البائع باعتاقه أو غيره لجاز لكل أحد نكاحها فكذلك إذا اعتقها المشتري.
ولنا عموم قوله عليه السلام " لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة ولانها امة يحرم عليه وطؤها قبل استبرائها
فحرم عليه تزويجها والتزوج بها كما لو كان بائعها يطؤها فأما ان اعتقها في هذه الصورة فله تزويجها لغيره لانها حرة لم تكن فراشا فأبيح لها النكاح كما لو اعتقها البائع وفارق الموطؤة فانها فراش يجب عليها استبراء نفسها فحرم عليها النكاح كالمعتدة وفارق ما إذا اراد سيدها نكاحها فانه لم يكن له وطؤها بملك اليمين فلم يكن له ان يتزوجها كالمعتدة ولان هذا يتخذ حيلة على ابطال الاستبراء فحرم بخلاف تزويجها لغيره (مسألة) (والصغيرة لا يوطأ مثلها هل يجب استبراؤها؟ على وجهين) (احدهما) يجب وهو ظاهر كلام احمد في أكثر الروايات عنه فانه قال تسبترأ وان كانت في المهد وتحرم مباشرتها على هذه الرواية كالكبيرة لان الاستبراء يجب عليها بالعدة كذلك هذا وروي عنه أنه قال ان كانت صغيرة تأتى شيئا يسيرا إذا كانت رضيعة وقال في رواية أخرى تستبرأ بحيضة ان كانت تحيض وإلا ثلاثة أشهر ان كانت ممن يوطأ ويحبل فظاهر هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول مالك وهو الصحيح لان سبب الاباحة متحقق وليس على تحريمها دليل فانه لا نص فيه ولا معنى نص ولا يراد لبراءة الرحم ولا يوجد الشغل في حقها
(مسألة) (وان اشترى زوجته لم يلزمه استبراؤها لانها فراش له) فلم يلزمه استبراؤها من مائه لكن يستحب ذلك ليعلم هل الولد من النكاح ليكون عليه ولاء له لانه عتق بملكه ولا تصير به الجارية ام ولد أو هو حادث في ملك يمينه فلا يكون عليه ولاء تصير به الامة ام ولد ومتى تبين حملها فله وطؤها لانه قد تبين الحمل وزال الاشتباه (مسألة) (أو عجزت مكاتبته حلت لسيدها بغير استبراء) وبهذا قال أبو حنيفة وكذلك ان ارتدت امته ثم اسلمت أو زوج الرجل أمته فطلقها الزوج لم يلزم السيد استبراؤها وقال الشافعي يجب عليه الاستبراء في هذا كله لانه زال ملكه عن استمتاعها ثم عاد فاشبهت المشتراه.
ولنا انه لم يتجدد ملكه عليها فاشبهت المحرمة إذا حلت وان فك امته من الرهن حلت بغير استبراء بغير خلاف فكذلك هذا ولان الاستبراء انما شرع لمعنى مظنته تجديد الملك فلا يشرع مع تخلف المظنة والمعنى
(مسألة) (أو اسلمت امته المجوسية أو المرتدة أو الوثنية التي حاضت عنده أو كان هو المرتد فاسلم فهي حلال بغير استبراء) إذا ملك مجوسية أو وثنية فاسلمت قبل استبرائها لم تحل حتى يستبرئها أو يتم ما بقي من استبرائها لما مضى فان استبرأها ثم اسلمت بغير استبراء وقال الشافعي لا تحل حتى يجدد استبراءها بعد اسلامها لان ملكه تجدد على استمتاعها فاشبه من تجدد ملكه على رقبتها.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة " وهذا ورد في سبايا أو طاس وهن مشركات ولم يأمر في حقهن باكثر من حيضة ولانه لم يتجدد ملكه عليها ولا اصابها وطئ من غيره فلم يلزمه استبراؤها كما لو حلت المحرمة، ولان الاستبراء انما وجب كيلا يفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب ومظنة ذلك تجديد الملك على رقبتها ولم يوجد.
(مسألة) (أو اشترى مكاتبه ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز أو اشترى عبده التاجر امة فاستبرأها ثم أخذها سيده منه فانها تحمل بغير استبراء لان ملكه ثابت على ما في يد عبده فقد حصل استبراؤها في ملكه) واما إذا اشترى مكاتبه امة فاستبرأها ثم صارت إلى سيده ولم تكن من ذوات رحم المكاتب فعلى السيد استبراؤها لان ملكه تجدد عليها إذ ليس للسيد ملك ما في يد مكاتبه فان كانت من ذوات محارمه فانها تباح للسيد بغير استبراء كذلك ذكره أصحابنا لانه يصير حكمها حكم المكاتب ان رق رقت وان عتق عتقت والمكاتب عبد ما بقى عليه درهم.
(فصل) فان وطئ الجارية التي يلزمه استبراؤها قبل استبرائها اثم والاستبراء باق بحاله لانه حق عليه فلا يسقط بعدوانه فان لم تعلق منه استبرأها بما كان يستبرئها به قبل الوطئ وتبني على ما مضى من الاستبراء وان علقت منه فمتى وضعت حملها استبرأها بحيضة ولا يحل له الاستمتاع بها في حال حملها
لانه لم يستبرئها، وان وطئها وهي حامل حملا كان موجودا حين البيع من غير البائع فمتى وضعت حملها انقضى استبراؤها قال احمد ولا يلحق بالمشتري ولا يبيعه ولكن يعتقه لانه قد شرك فيه لان الماء يزيد
في الولد وقد روى أبو داود باسناده عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بامرأة مجح على فسطاط فقال " لعله يريد ان يلم بها؟ - قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لقد هممت ان العنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له أو كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ " ومعناه انه ان استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لانه ليس بولده وان اتخذه مملوكا له لم يحل له لانه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد وعن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وطئ الحبالى حتى يضعن ما في بطونهم رواه النسائي.
(مسألة) (وان وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض اجزأ ويحتمل ان لا يجزئ) لا يكون الاستبراء إلا بعد ملك المشترى لجميع الامة فلو ملك بعضها ثم ملك باقيها لم يحتسب الاستبراء إلا من حين ملك باقيها فان ملكها ببيع فيه الخيار انبنى على نقل الملك في مدته فان قلنا ينتقل فابتداء الاستبراء من حين البيع وان قلنا لا ينتقل فابتداؤه من حين انقطع الخيار وان كان البيع معيبا فابتداؤه من حين البيع لان العيب لا يمنع نقل الملك بغير خلاف، فان ابتدأ الاستبراء بعد البيع وقبل القبض اجزأ في اظهر الوجهين لان الملك ينتقل به والثاني لا يجزئ لان القصد معرفة براءتها من مال البائع ولا يحصل ذلك مع كونها في يده.
(مسألة) (وان باع امته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها وان كان قبله فعلى روايتين) اما إذا عادت إليه بعد القبض وافتراقهما لزمه استبراؤها لانه تجديد ملك سواء كان المشتري لها
رجل أو امرأة وان كان ذلك قبل افتراقهما أو قبل غيبة المشتري بالجارية فعليه الاستبراء أيضا في إحدى الروايتين، وهو مذهب الشافعي لانه تجديد ملك والثانية ليس عليه استبراء وهذا قول أبي حنيفة إذا تقايلا قبل القبض لانه لا فائدة في الاستبراء مع يقين البراءة (مسألة) (وإذا اشترى امة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول وجب استبراؤها) نص عليه أحمد وقال هذه حيلة وضعها أهل الرأي لابد من استبراء لانها تجدد الملك فيها ولم يحصل استبراؤها في ملكه فلم تحل بغير استبراء كما لو لم تكن مزوجة ولان اسقاطه ههنا ذريعة إلى اسقاط الاستبراء في حق من أراد اسقاطه بان يزوجها عند بيعها ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع والحيل حرام
(مسألة) (وان كان بعده لم يجب في أحد الوجهين) اما إذا كان الزوج دخل بها ثم طلقها فعليها العدة ولا يلزم المشتري استبراؤها لان ذلك قد حصل بالعدة ولانها لو عتقت لم يجب عليها مع العدة استبراء ولانها قد استبرأت نفسها ممن كانت فراشا له فاجزأ ذلك كما لو استبرأت نفسها من سيدها إذا كانت خالية من زوج، وان استبرأها وهي معتدة من زوجها لم يجب عليه الاستبراء لانها لم تكن فراشا لسيدها وقد حصل الاستبراء من الزوج بالعدة ولذلك لو عتقت في هذه الحال لم يجب عليها استبراء وقال أبو الخطاب في المزوجة هل يدخل الاستبراء في العدة؟ على وجهين وقال القاضي في المعتدة يلزم السيد استبراؤها بعد قضاء العدة ولا يتداخلان لانهما من رجلين
ومفهوم كلام أحمد ما ذكرناه أولا لانه عدل فيما قبل الدخول بانها حيلة وضعها أهل الرأي ولا يوجد ذلك ههنا ولا يصح قولهم ان الاستبراء من رجلين فان السيد ههنا ليس له استبراء.
(فصل) إذا كانت الامة لرجلين فوطئاها ثم باعاها لرجل آخر اجزأ استبراء واحد لانه يحصل به معرفة البراءة، فان قيل فلو اعتقاها الزمتموها استبراءين قلنا وجوب الاستبراء في حق المعتقة معلل بالوطئ ولذلك لو اعتقها وهي ممن لا يطؤها لم يلزمها استبراء وقد وجد الوطئ من اثنين فلزمها حكم وطئها وفي مسئلتنا هو معلل بتجديد الملك لا غير ولهذا يجب على المشتري الاستبراء سواء كان سيدها يطؤها أو لم يكن والملك واحد فوجب ان يتجدد الاستبراء الثاني إذا وطئ امته ثم أراد تزويجها لم يجزئ حتى يستبرئها، وان أراد بيعها فعلى روايتين، وان لم يكن بائعها يطؤها لم يجب استبراؤها في الموضعين.
اما إذا أراد تزويجها وكان يطؤها وجب عليه استبراؤها قبل تزويجها وجها واحدا لان الزوج لا يلزمه استبراء فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب وهو قول الثوري والشافعي وقال أصحاب الرأي ليس عليها استبراء لان له بيعها فكان له تزويجها كالتي لا يصيبها وتستبرئ بحيضة وقال عطاء وقتادة عدتها حيضتان كعدة الامة المطلقة.
ولنا انها فراش لسيدها فلم يجز ان تنتقل إلى فراش غيره بغير استبراء كما لو مات عنها ولانها موطؤة وطأ له حق فلزمه استبراؤها قبل التزويج كالموطوء بشبهة، ولانه يفضي إلى أن يطأها سيدها اليوم
وزوجها غدا فيفضي إلى اختلاط المياه وهذا لا يحل ويفارق البيع فانها لا تصير للمشتري فراشا حتى يستبرئها فلا يفضي إلى اختلاط المياه، ولهذا يصح بيع المزوجة والمعتدة بخلاف تزويجها على أن لنا
في البيع منعا أيضا أنه لا يجوز، فان أراد بيعها وكان لا يطؤها أو كانت آيسة فليس عليه استبراؤها لكن يستحب ذلك ليعلم خلوها من الحمل فيكون أحوط للمشتري وأقطع للنزاع، قال أحمد وان كانت لامرأة فاني أحب أن لا تبيعها حتى تستبرئها بحيضة فهو أحوط لها وان كان يطؤها أو كانت آيسة فليس عليه استبراء لان انتفاء الحمل معلوم وان كانت ممن يحمل وجب عليه استبراؤها في أصح الروايتين، وبه قال النخعي والثوري والثانية لا يجب عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لان عبد الرحمن بن عوف باع جارية كان يطؤها قبل استبرائها ولان الاستبراء على المشتري فلا يجب على البائع ولان الاستبراء في حق الحرة آكد ولا يجب قبل النكاح وبعده كذلك لا يجب في الامة قبل البيع وبعده.
ولنا أن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية كان يطؤها قبل استبرائها فروي عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: باع عبد الرحمن جارية كان يقع عليها قبل أن يستبرئها فظهر بها حمل عند الذي اشتراها فخاصموه إلى عمر فقال له عمر كنت تقع عليها؟ قال نعم قال فبعتها قبل أن تستبرئها؟ قال نعم قال ما كنت لذلك بخليق قال فدعا القالة فنظروا إليه فألحقوه به ولانه تجب على المشتري الاستبراء لحفظ مائه فكذلك البائع ولانه قبل الاستبراء مشكوك في صحة البيع وجوازه لاحتمال أن تكون أم ولد فيجب الاستبراء لازالة الاحتمال ولانه قد يشتريها من لا يستبرئها فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب فان باع فالبيع صحيح في الظاهر لان الاصل عدم الحمل ولان عمر وعبد الرحمن لم يحكما بفساد البيع في الامة التي باعها قبل استبرائها إلا بلحاق الولد به ولو كان البيع باطلا قبل ذلك لم يحتج
إلى ذلك، قال شيخنا وذكر أصحابنا الروايتين في كل امة يطؤها من غير تفريق بين الآيسة وغيرها والاولى أن ذلك لا يجب في الآيسة لان علة الوجوب احتمال الحمل وهو وهم بعيد والاصل عدمه
فلا يثبت به حكم بمجرده.
(فصل) إذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم يخل من أحوال خمسة (أحدهما) أن يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله وأتت بولد لدون ستة أشهر أو يكون البائع ادعى الولد فصدقه المشتري فان الولد يكون للبائع والجارية أم ولد له والبيع باطل (والثاني) أن يكون أحدهما استبرأها ثم أتت بولد لاكثر من ستة أشهر من حين وطئها المشتري فالولد للمشتري والجارية أم ولد له (الحال الثالث) أن تأتي به لاكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما لها ولاقل من ستة أشهر منذ وطئها المشتري فلا يلحق نسبه بواحد منهما، يكون ملكا للمشتري ولا يملك فسخ البيع لان الحمل تجدد في ملكه ظاهرا فان ادعاه كل واحد منهما فهو للمشتري لانه ولد في ملكه مع احتمال كونه منه، وان ادعاه البائع وحده فصدقه المشتري لحقه وكان البيع باطلا وان كذبه فالقول قول المشتري في ملك الولد لان الملك انتقل إليه ظاهرا فلا تقبل دعوى البائع فيما يبطل حقه كما لو أقر بعد البيع أن الجارية مغصوبة أو معتقة وهل يثبت نسب الولد مع البائع؟ فيه وجهان (أحدهما) يثبت لانه نفع للولد من غير ضرر على المشترى فيقبل قوله فيه كما لو أقر لولده بمال (والثاني) لا يقبل لان فيه ضررا على المشتري فانه لو أعتقه كان أبوه أحق بماله منه ميراثا وكذلك لو أقر عبد ان كل واحد منهما باخوة صاحبه لم يقبل إلا ببينة
(الحال الرابع) أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ وطئها المشتري وقبل استبرائها فنسبه لاحق بالمشتري فان ادعاه البائع فأقر له المشتري لحقه وبطل البيع وان كذبه فالقول قول المشتري، وان ادعى كل واحد منهما أنه من الآخر عرض على القافة فألحق بمن ألحقته به لحديث عبد الرحمن بن عوف ولانه يحتمل أن يكون من كل واحد منهما فان ألحقته بهما لحق بهما وينبغي أن يبطل البيع فتكون الجارية أم ولد للبائع لانا نتبين أنها كانت حاملا منه قبل بيعها.
(الحال الخامس) أتت به لاقل من ستة أشهر منذ باعها ولم يكن أقر بوطئها فالبيع صحيح في الظاهر
والولد مملوك للمشتري فان ادعاه البائع فالحكم فيه كما ذكرنا في الحال الثالث سواء (الموضع الثالث) إذا أعتق أم ولده أو امته التي كان يصيبها أو مات عنها لزمها الاستبراء لانها صارت فراشا له فلم تحل لغيره قبل استبرائها لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب إلا أن تكون مزوجة أو معتدة فلا يلزمها استبراء وإذا زوج أم ولده ثم مات عتقت ولم يلزمها استبراء لانها محرمة على المولى وليست له فراشا وانما هي فراش للزوج فلم يلزمها الاستبراء ممن ليست له فراشا ولانه لم يزوجها حتى استبرأها فان لا يحل له تزويجها قبل استبرائها، وفيه خلاف ذكرناه، وكذلك ان أعتقها أو مات عن أمة كان يطؤها أو أعتقها فهي على ما ذكرنا، فان زوجها فطلقها الزوج قبل دخوله بها فلا عدة عليها أيضا لانه لم يوجد في حقها ما يوجب الاستبراء فان طلقها بعد المسيس أو مات عنها قبل ذلك أو بعده فلها عدة حرة كاملة ولانها قد صارت حرة في حال وجوب العدة عليها، وان مات سيدها وهي في عدة الزوج
عتقت ولم يلزمها استبراء لما ذكرناه ولانه زال فراشه عنها قبل موته فلم يلزمها استبراء من أجله كغير أم الولد إذا باعها ثم مات وتبني على عدة امة ان كان طلاقها بائنا وكانت متوفى عنها وان كانت رجعية بنت على عدة حرة على ما ذكرناه، وان بانت من الزوج قبل الدخول بطلاق أو بانت بموت زوجها أو طلاقه بعد للدخول فأتمت عدتها ثم مات سيدها فعليها الاستبراء لانها عادت إلى فراشه وقال أبو بكر لا يلزمها استبراء لا أن يردها السيد إلى نفسه لان فراشه قد زال بتزويجها ولم يتجدد لها ما يردها إليه فأشبهت الامة التي لم يطأها.
(مسألة) (وان مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما وبين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الوفاة حسب وليس عليها استبراء) لان السيد ان كان مات أولا فقد مات وهي زوجة وان كان مات آخرا فقد مات وهي معتدة وليس عليها استبراء في هاتين الحالتين وعليها أن تعتد بعد موت الآخر منهما عدة حرة لانه يحتمل أن سيدها مات أولا ثم مات زوجها وهي حرة فلزمتها عدة الحرائر لتخرج من العدة بيقين وكذلك على قول أبي بكر لانه ليس عليها عدة استبراء لان فراش سيدها قد زال عنها ولم تعد إليه فتلزمها
عدة حرة لما ذكرنا.
(مسألة) (وان كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة فعليها بعد موت الآخر منهما أطول
الاجلين من أربعة أشهر وعشر واستبراء بحيضة) لانه يحتمل أن السيد مات أولا فيكون عليها عدة الحرة من الوفية ويحتمل أنه مات آخرا بعد انقضاء عدتها من الزوج وعودها إلى فراشه فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين قال ابن عبد البر وعلى هذا جميع القائلين من العلماء بان عدة أم الولد من سيدها حيضة ومن زوجها شهران وخمس ليال وقول أصحابنا الشافعي في هذا الفصل كقولنا وكذلك قول أبي حنيفة وأصحابه الا أنهم جعلوا مكان الحيضة ثلاث حيضات بناء على أصلهم في استبراء أم الولد وقال ابن المنذر حكمها حكم الاماء وعليها شهران وخمسة أيام ولا أنقلها إلى حكم الحرائر الا باحاطة أن لزوج مات بعد المولى وقيل إن هذا قول أبي بكر عبد العزيز أيضا والذي ذكرناه أحوط (فصل) فأما الميراث فانها لا ترث من زوجها شيئا لان الاصل الرق والحرية مشكوك فيها فلم ترث مع الشك والفرق بين العدة والارث ان إيجاب العدة عليها استظهار لا ضرر فيه على غيرها وإيجاب الارث إسقاط لحق غيرها ولان الاصل تحريم النكاح عليها فلا يزول إلا بيقين والاصل عدم الميراث لها فلا يزول إلا بيقين فان قيل أليس زوجة المفقود لو مات وقف ميراثه مع الشك في إرثه؟ قلنا الفرق بينهما أن الاصل ههنا الرق والشك في زواله وحدوث الحال التي يرث فيها والمفقود الاصل حياته والشك في موته وخروجه عن كونه وارثا فافترقا.
(فصل) فان أعتق أم ولده أو أمته التي كان يصيبها أو غيرهما ممن تحل له إصابتها ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك في الحال من غير استبراء لان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وقال صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن
تعليمها ثم أعتقها وتزوجها، ولم يذكر استبراء ولان الاستبراء لصيانة مائه وحفظ نسبه عن الاختلاط
بماء غيره ولا يصان ماؤه عن مائه ولهذا كان له أن يتزوج مختلفة في عدتها.
وقد روي عن أحمد في الامة التي لا يطؤها: إذا أعتقها لا يتزوجها بغير استبراء، لانه لو باعها لم تحل للمشتري بغير استبراء، والصحيح أنها لا تحل له لانه يحل له وطؤها بملك اليمين فكذلك بالنكاح كالتي كان يصيبها ولان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها ولم يقل إنه كان قد أصابها، والحديث الآخر يدل على حلها له بظاهره لدخولها في العموم ولانها تحل لمن يتزوجها سواه فله أولى ولانه لو استبرأها ثم أعتقها ثم تزوجها في الحال كان جائزا حسنا فكذلك هذه فانه تارك لوطئها ولان وجوب الاستبراء في حق غيره انما كان لصيانة مائه عن الاختلاط بغيره ولا يوجد ذلك ههنا وكلام أحمد محمول على من استبرأها ثم تزوجها قبل استبرائها.
(فصل) إذا كانت له أمة يطؤها فاستبرأها ثم أعتقها لم يلزمها استبراء لانها خرجت عن كونها فراشا باستبرائها وإن باعها فأعتقها المشتري قبل وطئها لم تحتج إلى استبراء لذلك وان باعها قبل استبرائها فأعقتها المشتري قبل وطئها واستبرائها فعليها استبراء نفسها فان مضى بعض الاستبراء في ملك المشتري لزمها اتمامه بعد عتقها ولا ينقطع بانتقال الملك فيها لانها لم تصر فراشا للمشتري ولم يلزمها استبراء باعتاقه (مسألة) (وإن اشترك رجلان في وطئ أمة لزمها استبراءان) وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين يلزمها استبراء واحد لان القصد معرفة براءة الرحم ولذلك لا يجب استبراء بأكثر من حيضة واحدة وبراءة الرحم تعلم باستبراء واحد ولنا أنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالعدتين ولانهما استبراءان من رجلين فأشبها العدتين وما ذكروه يبطل بالعدتين من رجلين (فصل) قال شيخنا رحمه الله (والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملا)
ولا خلاف في ذلك بحمد الله لقول الله تعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع حملها " ولان عدة الحرة والامة والمتوفي عنها والمطلقة واستبراء كل أمة إذا كانت حاملا بوضع حملها ولان المقصود من العدة والاستبراء معرفة براءة الرحم من
الوضع وهذا يحصل بوضعه ومتى كانت حاملا بأكثر من واحد فلا ينقضي استبراؤها حتى تضع آخر حملها على ما ذكرناه في المعتدة (مسألة) (أو بحيضة إن كانت ممن تحيض) وقد اختلف أهل العلم في أم الولد مات عنها سيدها ولم تكن حاملا فالمشهور عن أحمد أن استبراءها يحصل بحيضة روي ذلك عن ابن عمر وعثمان وعائشة والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وأبي قلابة ومالك والشافعي وأبي ثور وروي عن احمد أنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وهو قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وخلاس بن عمرو وعمر بن ابن عبد العزيز والزهري والاوزاعي واسحاق لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال لا تفسدوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد إذا توفي عتدها سيدها أربعة أشهر وعشر رواه أبو داود ولانها حرة تعتد للوفاة فكانت عدتها أربعة أشهر وعشر كالزوجة الحرة.
وحكى أبو الخطاب رواية ثالثة أنها تعتد شهرين وخمسة أيام.
قال شيخنا ولم اجد هذه الرواية عن احمد في الجامع ولا أظنها صحيحة عن احمد وروى ذلك عن عطاء وطاوس وقتادة لانها حين الموت امة فكانت عدتها عدة امة كما لو مات رجل عن زوجته الامة فعتقت بعد موته ويروى عن علي وابن مسعود وعطاء والنخعي والثوري واصحاب الرأي ان عدتها ثلاث حيض لانها حرة تستبرئ فكان استبراؤها ثلاث حيض كالحرة المطلقة ولنا انه استبراء لزوال الملك عن الرقبة فكان حيضة في حق من تحيض كسائر استبراء المعتقات والمملوكات ولانه استبراء الغير لزوجات والموطوءات فاشبه ما ذكرنا قال القاسم بن محمد سبحان الله يقول الله تعالى في كتابه (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا) ما هن بازواج واما حديث عمرو بن
العاص فضعيف قال ابن المنذر ضعف احمد وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص وقال محمد بن موسى سألت أبا عبد الله عن حديث عمرو بن العاص فقال لا يصح وقال الميموني رأيت أبا عبد الله يعجب من حديث عمرو بن العاص هذا ثم قال اين سنة النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في هذا؟ وقال اربعة شهر وعشر
انما هي عدة الحرة من النكاح وانما هذه امة خرجت من الرق إلى الحرية ويلزم من قال بهذا ان يورثها وليس لقول من قال تعتد بثلاث حيض وجه وانما تعتد بذلك المطلقة وليست هذه مطلقة ولا في معنى المطلقة وأما قياسهم اياها على الزوجات فلا يصح فانها ليست زوجة ولا في حكم لزوجة ولا مطقة ولا في حكم المطلقة (فصل) ولا يكفي في الاستبراء طهر ولا بعض حيضة وهو قول أكثر أهل العلم وقال بعض اصحاب مالك متي طعنت في الحيضة فقد تم استبراؤها وزعم انه مذهب مالك وقال الشافعي في احد قوليه يكفي طهر واحد إذا كان كاملا وهو ان يموت في حيضها فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية وتم استبراؤها وهكذا الخلاف في الاستبراء كله وبنوا هذا على أن القروء الاطهار وهذا يرده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " وقال رويفع بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر " من كان يؤمر بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه الاثرم وهذا صريح فلا يعول على ما خالفه ولان الواجب الذي يدل على البراءة هو الحيض لان الحامل لا تحيض فأما الطهر فلا دلالة فيه على البراءة فلا يجوز ان يعول في الاستبراء على ما لا دلالة فيه عليه دون ما يدل عليه وبناؤهم قولهم هذا على ان القروء الاطهار وبناء للخلاف على الخلاف وليس ذلك بحجة ثم لم يمكنهم بناء هذا على ذاك حتى خالفوه فجعلوا الطهر الذي طلقها فيه قرءا ولم يجعلوا الطهر الذي مات فيه سيد ام الولد قرءا فخالفوا الحديث والمعني فان قالوا ان بعض الحيضة المقترن بالطهر يدل على البراءة قلنا فيكون الاعتماد حينئذ على بعض الحيضة وليس ذلك قرءا عند احد إذا تقرر هذا فمات عنها وهي طاهر فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة حلت فان كانت حائضا لم تعتد ببقية ملك الحيضة ولكن متى طهرت من الحيضة الثانية حلت لان الاستبراء هذه بحيضة فلا بد من حيضية كاملة (مسألة) (أو يمضي شهر ان كانت آيسة أو صغيرة وعنه بثلاثة اشهر اختارها الخرقي) يروى عن احمد رحمه الله في ذلك ثلاث روايات (أحدهما) ثلاثة اشهر وهو قول الحسن وابن سيرين والنخعي وأبي قلابة واحد قولي الشافعي وسأل عمر بن العزيز اهل المدينة والقوابل فقالوا
لا تستبرئ الحبلى في اقل من ثلاثة اشهر فاعجبه قولهم، والثانية انها تستبرأ بشهر وهو قول
ثان للشافعي لان الشهر قائم مقام القرء في حق الحرة والامة المطلقة فكذلك في الاستبراء وذكر القاضي رواية ثالثة انها تستبرأ بشهرين كعدة الامة المطلقة قال شيخنا ولم ار لذلك وجها ولو كان استبراؤها بشهرين لكان استبراء ذات القرء بقرأين ولم نعلم به قائلا وقال سعيد بن المسيب وعطاء والضحاك والحكم في الامة التي لا تحيض تسبترأ بشهر ونصف ورواه حنبل عن احمد انه قال.
قال عطاء ان كانت لا تحيض فخمس واربعون ليلة قال عمي كذلك اذهب لان عدة الامة المطلقة الآيسة كذلك والمشهور عن احمد الاول قال احمد بن القسم قلت لابي عبد الله كيف جعلت ثلاثة اشهر مكان حيضة وانما جعل الله في القرآن مكان كل حيضة شهرا؟ فقال انما قلنا اشهر من أجل الحمل فانه لا يبين في أقل من ذلك فان عمر بن العزيز سأل عن ذلك وجمع اهل العلم والقوابل فاخبروا ان الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر فاعجبه ذلك ثم قال الا تسمع قول ابن مسعود ان النطفة اربعين يوما ثم علقه اربعين يوما ثم مضغة بعد ذلك قال أبو عبد الله فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة وهي لحم فتبين حينئذ وقال لي هذا معروف عند النساء فاما شهر فلا معنى فيه ولا نعلم به قائلا ووجه استبرائها بشهر ان الله تعالى جعل الشهر مكان الحيضة وكذلك اختلفت الشهور باختلاف الحيضات فكانت عدة الحرة الآيسة ثلاثة اشهر مكان ثلاثة قروء وعدة الامة شهرين مكان قرأين وللامة المستبرأة التي ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه عشرة أشهر تسعة للحمل وشهر مكان الحيضة فيجب ان يكون مكان الحيضة ههنا شهرا كما في حق من ارتفع حيضها فان قيل فقد وجدتم ما دل على البراءة وهو تسعة أشهر قلنا وههنا ما يدل على البراءة وهو الاياس فاستويا (مسألة) (ومن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر للحمل وشهر مكان الحيضة) وفي هذه المسألة روايتان: (إحداهما) أنها تستبرأ بعشرة أشهر (والثانية) بسنة، تسعة أشهر للحمل لانه غالب عادات النساء في الحمل، وثلاثة أشهر مكان الثلاثة التي تستبرأ بها الآيسات وقد ذكرنا أن المختار عند احمد في الآيسة استبراؤها بثلاثة أشهر واختار ههنا أن جعل مكان
الحيضة شهرا لان اعتبار تكرارها في الآيسة لنعلم براءتها من الحمل وقد علمت براءتها منه ههنا بمضي
غالب مدته فجعل الشهر مكان الحيضة على وفق القياس، فأما ان علمت ما رفع حيضها من مرض أو غيره فانها لا تزال في الاستبراء حتى يعود الحيض فتستبرئ نفسها بحيضة إلا أن تصير آيسة فتستبرئ نفسها استبراء الآيسات فان ارتابت بنفسها فهي كالحرة المستبرئة وقد ذكرنا حكمها في العدد والله سبحانه وتعالى أعلم كتاب الرضاع الاصل في التحريم بالرضاع الكتاب والسنة والاجماع اما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى (وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ذكرهما الله سبحانه في جملة المحرمات واما السنة فما روت عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " متفق عليه وفي لفظ " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " رواه النسائي وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة " لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وهي ابنة اخي من الرضاعة " متفق عليه في اخبار كثيرة نذكر أكثرها في تضاعيف الباب ان شاء الله تعالى وأجمع علماء الامة على التحريم بالرضاع إذا ثبت ذلك فان تحريم الام والاخت ثبت بنص الكتاب وتحريم البنت بالبينة فانه إذا حرمت الاخت فالبنت أولى وسائر المحرمات ثبت تحريمهن بالسنة وتثبت المحرمية لانها فرع على التحريم إذا كان
بسبب مباح وأما بقية أحكام النسب من النفقة والارث والعتق ورد الشهادة وغير ذلك فلا يتعلق به لان النسب أقوى منه فلا يقاس عليه في جميع أحكامه وإنما شبه به فيما نص عليه فيه (مسألة) (إذا حملت المرأة من رجل ثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فارضعت به طفلا صار ولدا لهما في تحريم النكاح واباحة النظر والخلوة وثبوت المحرمية وأولاده وان سلفوا أولاد أولادهما وصار أبويه واباؤهما اجداده وجداته وأخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته وأخوة الرجل وأخواته اعمامه وعماته وتنتشر حرمة الرضاع من المرتضع إلى أولاده وأولاد اولاده وان سفلوا فيصيرون اولادا لهما) وجملة ذلك ان المرأة إذا حملت من رجل يثبت نسب ولدها منه وثاب لها منه لبن فارضعت به طفلا رضاعا محرما صار الطفل المرضع ابنا للمرضعة بغير خلاف وصار أيضا ابنا لمن نسب الحمل إليه فصار في التحريم واباحة النظر والخلوة ولدا لهما وأولاده من البنين والبنات وأولاد أولادهما وان نزلت
درجتهم وجميع أولاد المرأة المرضعة من زوجها ومن غيره وجميع أولاد الرجل الذي نسب الحمل إليه من المرضعة وغيرها اخوة المرتضع واخواته واولاد أولادهما أولاد اخوته وأخواته وان نزلت درجتهم وام المرضعة جدته وأبوها جده وأخوتها أخواله واخواتها خالاته وأبو الرجل جده وأمه جدته واخوته اعمامه وأخواته عماته وجميع اقاربهما ينسبون إلى المرتضع كما ينسبون إلى ولدهما من النسب لان اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة فنشر التحريم اليهما ونشر الحرمة إلى الرجل وإلى
اقاربه وهو الذي يسمى لبن الفحل وفي التحريم به اختلاف ذكر في باب المحرمات في النكاح، والحجة فيه ما روت عائشة ان افلح اخا أبي القعيس استاذن علي بعد ما أنزل الحجاب فقلت والله لا آذن له حتى استاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان الرجل ليس هو ارضعني ولكن ارضعتني المرأة فقال " ائذني له فانه عمك تربت يمينك " قال عروة فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول " حرموا من الرضاع ما تحرموا من النسب " متفق عليه وسئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين فارضعت إحداهما جارية والاخرى غلاما هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال لا اللقاح واحد.
قال مالك اختلف قديما في الرضاعة من قبل الاب ونزل برجال من أهل المدينة في أزواجهم منهم محمد بن المنكدر وابن أبي حبيبة فاستفتوا في ذلك فاختلف عليهم ففارقوا زوجاتهم، فاما الولد المرتضع فان الحرمة تنتشر إليه وإلى اولاده وان نزلوا (مسألة) (ولا ينتشر إلى من في درجته من أخوته وأخواته ولا من هو أعلى منه من آبائه وامهاته واعمامه وعماته وأخواله وخالاته فلا تحرم المرضعة على أبي المرتضع ولا أخيه، ولا تحرم ام المرتضع ولا أخته على أبيه من الرضاع ولا أخيه فيجوز للمرضعة نكاح أبي الطفل المرتضع وأخيه وعمه وخاله، ولا يحرم على زوج المرضعة نكاح ام الطفل المرتضع ولا أخته ولا عمته ولا خالته، ولا بأس ان يتزوج أولاد المرضعة وأولاد زوجها اخوة الطفل المرتضع واخواته)
قال أحمد لا بأس ان يتزوج الرجل أخت أخيه من الرضاع ليس بينهما رضاع ولا نسب وانما الرضاع بين الجارية وأخيه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: