الفقه الحنبلي - السكنى والنفقة
ما رفعه فانها تعتد سنة تسعة أشهر منها تتربص فيها لتعلم براءة رحمها لان هذه غالب مدة الحمل فإذا لم يبن
الحمل فيها علم براءة الرحم ظاهرا فتعتد بعد ذلك عدة لآيسات ثلاثة أشهر، هذا قول
عمر رضي الله عنه.
قال الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والانصار لا ينكره منهم منكر علمناه، وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، وروي ذلك عن الحسن، وقال الشافعي في قول آخر تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر لان هذه المدة هي التي تتيقن بها براءة رحمها فوجب اعتبارها احتياطا.
وحكى شيخنا مثل ذلك في المذهب، وقال الشافعي في الجديد تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الاياس فتعتد حينئذ بثلاثة أشهر وهذا قول جابر بن زيد وعطاء وطاوس والشعبي والنخعي والزهري والثوري وأبي عبيد وأهل العراق ولان الاعتداد بالاشهر جعل بعد الاياس فلم يجز قبله وهذه ليست آيسة ولانها ترجو عود الدم فلم تعتد بالشهور كما لو تباعد حيضها لعارض ولنا الاجماع الذي ذكرناه حكاه الشافعي ولان الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها وهذا يحصل به براءة رحمها فاكتفي به ولهذا اكتفي في حق ذات القروء بثلاثة قروء وفي حق الآيسة بثلاثة أشهر ولو روعي اليقين لاعتبر أقصى مدة الحمل ولان عليها في تطويل العدة ضررا فانها تمنع من الازواج وتحبس دائما ويتضرر الزوج بايجاب السكنى والنفقة عليه وقد قال ابن عباس لا تطولوا عليها الشقة كفاها تسعة أشهر، فان قيل فإذا مضت تسعة أشهر فقد علم براءة رحمها ظاهر فلم اعتبرتم بثلاثة أشهر بعدها؟ قلنا الاعتداد بالقروء والاشهر انما يكون عند عدم الحمل وقد تجب العدة مع العلم ببراءة رحمها بدليل ما لو علق طلاقها بوضع الحمل فوضعته وقع الطلاق ولزمها العدة (مسألة) (وإن كانت أمة اعتدت أحد عشر شهرا تسعة أشهر للحمل وشهرين للعدة) وهذا مبني على أن الحرة تعتد بتسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة على ما ذكرنا في المسألة قبلها وأن عد
الامة شهران لان مدة الحمل تتساوى فيها الحرة والامة لكونه أمرا حقيقيا فإذا يئست من الحمل اعتدت عدة آيسة شهرين وعلى قولنا ان عدة الامة شهر ونصف تكون عدتها عشرة أشهر ونصفا ومن جعل عدتها ثلاثة أشهر فهي كالحرة سواء (فصل) فان عاد الحيض إليها في السنة ولو في آخرها أو عاد إلى الامة قبل انقضاء عدتها على ما فيها من الاختلاف لزمها الانتقال إلى القروء لانها الاصل فبطل بها حكم البدل وان عاد بعد مضيها
ونكاحها لم تعد إلى القروء لان عدتها انقضت وحكمنا بصحة نكاحها فلم تبطل كما لو اعتدت الصغيرة بثلاثة أشهر وتزوجت ثم حاضت، وان حاضت بعد السنة وقبل نكاحها ففيه وجهان (أحدهما) لا تعود لان العدة انقضت بالشهور فلم تعتد كالصغيرة (والثاني) تعود لانها من ذوات القروء وقد قدرت على المبدل قبل تعلق حق زوج بها فلزمها العود كما لو حاضت في السنة (فصل) فان حاضت حيضة ثم ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فهي كالمسألة التي قبلها تعتد سنة من وقت انقطاع الحيض وذلك لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تجلس تسعة أشهر فان لم يتبين بها حمل تعتد بثلاثة أشهر فذلك سنة ولا نعلم له مخالفا.
قال ابن المنذر قضى به عمر بين المهاجرين والانصار لا ينكره منكر، وقال
الاثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن الرجل يطلق امرأته فتحيض حيضة ثم ترتفع حيضتها؟ قال أذهب إلى حديث عمر إذا رفعت حيضتها فلم تدر مما ارتفعت فانها تنتظر سنة، قيل له فحاضت دون السنة؟ فقال ترجع إلى الحيض، قيل له فان ارتفعت حيضتها لا تدري مما ارتفعت؟ قال تقعد سنة أخرى وهذا قول كل من وافقنا في المسألة قبلها وذلك لانها لما ارتفعت حيضتها حصلت مرتابة فوجب أن تنتقل إلى الاعتداد بسنة كما لو ارتفع حيضها حين طلقها ووجب عليها سنة كاملة، لان العدة لا تبني على عدة أخرى ولذلك لو حاضت حيضة أو حيضتين ثم يئست انتقلت إلى ثلاثة أشهر كاملة ولو اعتدت الصغيرة شهرا أو شهرين ثم حاضت انتقلت إلى ثلاثة قروء (فصل) فان كان عادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها لم تنقض عدتها إلا بثلاث حيضات، وإن طالت لان هذه لم يرتفع حيضها ولم يتأخر عن عادتها فهي من ذوات القروء باقية على عادتها فأشبهت من لم يتباعد حيضها ولا نعلم فيه مخالفا (مسألة) (وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض والمستحاضة اليائسة ثلاثة أشهر وعنه سنة) إذا بلغت الجارية سنا تحيض فيه النساء في الغالب فلم تحض كخمس عشرة سنة فعدتها ثلاثة أشهر وهو ظاهر قول الخرقي وقول أبو بكر وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وضعف أبو بكر الرواية
المخالفة لهذا وقال رواه أبو طالب فخالف فيها أصحابه فروى أبو طالب عن أحمد أنها تعتد سنة، وقال
القاضي هذه الرواية أصح لانه متى أتى عليها زمان الحيض فلم تحض حصلت مرتابة يجوز أن يكون بها حمل منع حيضها فيجب أن تعتد بسنة كالتي ارتفع حيضها بعد وجوده ولنا قول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) وهذه من اللائي لم يحضن، ولان الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها ولهذا لو حاضت قبل بلوغ سن تحيض لمثله النساء في الغالب مثل أن تحيض لعشر سنين اعتدت بالحيض، وفارق من ارتفع حيضها فانها من ذوات القروء (مسألة) (وهكذا حكم المستحاضة الناسية) وجملة ذلك القول في المستحاضة وهي لا تخلو اما أن تكون لها حيض محكوم بعادة أو تمييز أولا فان كان لها محكوم به فحكمها فيه حكمها غير المستحاضة إذا مرت لها ثلاثة قروء فقد انقضت عدتها.
قال أحمد المستحاضة تعتد أيام اقرائها التي تعرف فان علمت أن لها في كل في شهر حيضة ولم تعلم موضعها فعدتها ثلاثة أشهر، وإن شكت في شئ تربصت حتى تستيقن أن القروء الثلاث قد انقضت، وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها أو ناسية لا تعرف لها وقتا ولا تمييزا فعن أحمد فيها روايتان (احداهما) أن عدتها ثلاثة أشهر وهو قول عكرمة وقتادة وأبي عبيد لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة
بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة فجعل لها حيضة كل شهر، ولاننا نحكم لها بحيضة في كل شهر تترك فيها الصلاة والصيام ونثبت فيها سائر أحكام الحيض فيجب أن تنقضي بها العدة لان ذلك من أحكام الحيض (والرواية الثانية) تعتد سنة بمنزلة من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، قال أحمد إذا كانت اختلطت ولم تعلم اقبال الدم وادباره اعتدت سنة لحديث عمر لان به يتبين الحمل وهو قول مالك وإسحاق لانها لم تتيقن لها حيضا مع أنها من ذوات القروء فكانت عدتها سنة كالتي ارتفع حيضها، وعلى الرواية الاولى
ينبغي أن يقال اننا متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها، وإن قلنا القروء الاطهار فطلقها في آخر شهر ثم مضى لها شهران وهل الثالث انقضت عدتها وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض ورضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به) أما إذا عرفت ارتفاع الحيض بعارض من مرض أو نفاس أو رضاع فانها تنتظر زوال العارض وعود الدم وإن طال إلا أن تصير في سن الاياس وقد ذكرناه فتعتد حينئذ عدة الآيسات وقد روى الشافعي في مسنده باسناده عن حبان بن منفذ أنه طلق امرأته طلقة واحدة وكان لها منه بنيه ترضعها فتباعد حيضها ومرض حبان فقيل له انك إن مت ورثتك فمضى إلى عثمان وعنده علي وزيد
ابن ثابت فسأله عن ذلك فقال عثمان لعلي وزيد ما تريان فقالا نرى أنها ان ماتت ورثها وان مات ورثته لانها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من الابكار اللائي لم يبلغن المحيض فرجع حبان إلى أهلة فانتزع البنت منها فعاد إليها الحيض فحاضت حيضتين ومات حبان قبل انقضاء الثالثة فورثها عثمان رضي الله عنه.
وروى الاثرم باسناده عن محمد بن يحيي بن حبان أنه كانت عند جده امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الانصارية وهى مرضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت الانصارية لم أحض فاختصموا إلى عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه (فصل) (السادس امرأة المفقود الذى انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله أو في مفازة مهلكة أو بين الصفين إذا قتل قوم أو من غرق مركبه ونحو ذلك فانها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة) وجملة ذلك أنه إذا غالب الرجل عن امرأته لم يخل من حالين أحدهما أن تكون غيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلا ونهارا أو يخرج إلى الصلاة
فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجة ويرجع فلا يظهر له خبر أو يفقد بين الصفين أو من انكسر مركبه فيغرق بعض رفقته أو يفقد في مهلكة كبرية الحجاز ونحوها فمذهب أحمد الظاهر عنه أن
زوجته تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا وتحل للازواج قال الاثرم قيل لابي عبد الله تذهب إلى حديث عمر وقال هو أحسنها يروى عن عمر من ثمانية وجوه ثم قال زعموا أن عمر رجع عن هذا هؤلاء الكذابين، قلت فروى من وجه ضعيف أن عمر قال بخلاف هذا قال لا الا أن يكون انسان يكذب، وقلت له مرة ان انسانا قال لي ان أبا عبد الله قد ترك قوله في المفقود بعدك فضحك ثم قال من ترك هذا القول أي شئ يقول؟ وهذا قول عمر عثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير قال أحمد خسمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وقتادة والليث وعلي بن المديني وعبد العزيز بن أبي سلمة وبه يقول مالك والشافعي في القديم الا أن مالكا قال ليس في انتظار من يفقد في القتال وقت، وقال سعيد بن المسيب في امرأة المفقود بين الصفين تتربص سنة لان غلبة هلاكه ههنا أكثر من غلبة غيره لوجود سببه، وقد نقل عن أحمد أنه قال كنت أقول إذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا تزوجت وقد ارتبت فيها وهبت الجواب فيها لما اختلف الناس فكأني أحب السلامة، وهذا توقف يحتمل الرجوع عما قاله وتتربص أبدا، ويحتمل التورع ويكون المذهب ما قاله أولا، قال القاضي أكثر أصحابنا على أن المذهب رواية واحدة وعندي أن المسألة على روايتين، وقال أبو بكر الذي أقول به ان صح الاختلاف في المسألة ان لا نحكم بحكم ثان الا بدليل على الانتقال، وان ثبت الاجماع فالحكم فيه على ما نص عليه.
وظاهر المذهب
على ما حكيناه أولا نقله عن أحمد الجماعة وقد أنكر أحمد رواية من روى عنه الرجوع على ما حكيناه من رواية الاثرم وقال أبو قلابة والنخعي والثوري وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد لا تتزوج امرأة المفقود حتى تتيقين موته أو فراقة لما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها زوجها " وروي الحكم وحماد عن علي لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي موته أو طلاقه،
ولانه شك في زوال الزوجية فلم تثبت به الفرقة كما لو كان ظاهرها السلامة ولنا ما روي الاثرم والجوزجاني باسنادهما عن عبيد بن عمير قال: فقد رجل في عهد عمر فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال انطلقي فتربصي أربع سنين ففعلت ثم أتته فقال انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرا ففعلت ثم أتته فقال أين ولي هذا الرجل؟ فجاء وليه فقال طلقها ففعل فقال لها عمر انطلقي فتزوجي من شئت فتزوجت ثم جاء زوجها الاول فقال له عمر أين كنت؟ فقال يا أمير المؤمنين استهوتني الشياطين قال فوالله ما أدري في أي أرض الله، كنت عند قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون فكنت فيمن غنموه فقالوا لى أنت رجل من الانس وهؤلاء الجن فما لك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري فقالوا بأية أرض الله تحب أن تصبح قلت المدينة هي أرضي فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرة فخيره عمر إن
شاء امرأته وإن شاء الصداق فاختار الصداق وقال قد حبلت لا حاجة لي فيها.
قال أحمد يروى عن عمر من ثمانية وجوه ولم يعرف في الصحابة له مخالف وروي الجوزجاني وغيرهم باسنادهم عن علي امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم تطلقها ولي زوجها وتعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا فان جاء زوجها المفقود بعد ذلك خير بين الصداق وبين امرأته وقضي به عثمان أيضا، وقضي به ابن الزبير في مولاة لهم وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تنكر فكانت اجماعا، فأما الحديث الذي رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت ولم يذكره أصحاب السنن وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلا والمسند عنه مثل قولنا، ثم يحمل ما رووه على المفقود الذي ظاهر غيبته السلامة جمعا بينه وبين ما رويناه وقولهم انه شك في زوال الزوجية ممنوع فان الشك ما يتساوي فيه الامران والظاهر في مسئلتنا الهلاك (فصل) وهل يعتبر ان يطلقها ولي زوجها ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة قروء؟ فيه روايتان (احداهما) يعتبر ذلك لانه في حديث عمر الذي رويناه، وقد قال أحمد هو أحسنها، وذكر في حديث علي أنه يطلقها ولي زوجها (الثانية) لا يعتبر كذلك قاله ابن عمر وابن عباس وهو القياس فان ولي الرجل لا ولاية له في طلاق امرأته ولاننا حكمنا عليها بعدة الوفاة فلا يجب عليها مع ذلك عدة الطلاق كما لو
تيقنت وفاته ولانه قد وجد دليل هلاكه على وجه اباح التزويج لها وأوجب عليها عدة الوفاة فأشبه ما لو شهد به شاهدان (مسألة) (وهل تفتقر إلى رفع الامر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة؟ على روايتين) (احداهما) تفتقر لانها مدة تختلف فيها فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدة العنة، فعلى هذا يكون ابتداء المدة من آن ضربها الحاكم (والثانية) لا تفتقر لانها تعتبر لاباحة النكاح فلم تفتقر إلى الحاكم كمدة من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خيره وبعده اثره ولان هذا ظاهر في موته فكان ابتداء المدة منه كما لو شهد به شاهدان وللشافعية وجهان كالروايتين (مسألة) (وإذا حكم الحاكم بالفرقة نفد حكمه في الظاهر دون الباطن فلو طلق الاول صح طلاقه) لانا حكمنا بالفرقة على أن الظاهر هلاكه فإذا ثبتت حياته انتقض ذلك الظاهر ولم يبطل طلاقه كما لو شهدت به بينة كاذبة ولذلك خير في أخذها وكذلك إن ظاهر أو آلى أو قذف لان نكاحه باق بدليل تخيبره في أخذها، وقال أبو الخطاب القياس أننا إذا حكمنا بالفرقة نفذ ظاهرا وباطنا فتكون امراة
الثاني ولا خيار للاول لانها بانت منه بفرقة الحاكم في محل مختلف فيه فنفذ حكمه في الباطن كما لو فسخ نكاحها لعسرته أو عيبه فلهذا لم يقع طلاقه وان لم يحكم بفرقته باطنا فهي امرأة الاول ولا خيار له (مسألة) (فإذا فعلت ذلك يعني تربصت أربع سنين واعتدت عدة الوفاة ثم تزوجت ثم قدم زوجها الاول فان كان قبل أن تتزوج فهي امرأته) وقال بعض أصحاب الشافعي إذا ضربت لها المدة فانقضت بطل نكاح الاول والذي ذكرنا أولى لاننا انما أبحنا لها التزويج لان الظاهر موته فإذا بان حيا انخرم ذلك الظاهر وكان النكاح بحاله كما لو شهدت البينة بموته فبان حيا ولانه أحد المالكين فأشبه مالك المال فان قدم بعد التزويج وكان قبل دخول الثاني بها فكذلك ترد إليه وليس على الثاني صداق لاننا تبينا أن النكاح باطل ولم يتصل به
دخول، أحمد أما قبل الدخول فهي امرأته وانما تخير بعد الدخول، وهذا قول عطاء والحسن وخلاس بن عمرو النخعي وقتادة ومالك واسحاق، وقال القاضي فيه رواية أخرى أنه يخير اخذه من عموم قول أحمد إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين الصداق وبين امرأته، والصحيح أن عموم كلام أحمد يحمل على خصوصه في رواية الاثرم وأنه لا يتخير الا بعد الدخول فتكون زوجة الاول رواية واحدة لان النكاح انما صح في الظاهر دون الباطن فإذا قدم تبينا أن النكاح كان باطلا لانه صادف امرأة ذات زوج فكان باطلا كما لو شهدت بينة بموته، وتعود إلى الزوج بالعقد الاول كما لو لم تتزوج
(مسألة) (وان قدم بعد دخول الثاني بها خير الاول بين أخذها فتكون امرأته بالعقد الاول وبين صداقها وتكون زوجة الثاني) وهذا قول مالك لاجماع الصحابة عليه فروي معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قالا ان جاء زوجها الاول خير بين المرأة وبين الصداق الذي ساق هو رواه الجوزجاني والاثرم وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وقال على ذلك في الحديث الذي رويناه ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا.
فعلى هذا ان أمسكها الاول فهي زوجته بالعقد الاول، والمنصوص عن أحمد ان الثاني لا يحتاج إلى طلاق لان نكاحه كان باطلا في الباطن وقال القاضي قياس قوله أنه يحتاج إلى طلاق لان هذا نكاح مختلف في صحته فكان مأمورا بالطلاق ليقطع حكم العقد الثاني كسائر الا نكحة الفاسدة ويجب على الاول اعتزالها حتى تقضي عدتها من الثاني، وان لم يخترها الاول فانها تكون مع الثاني ولم يذكروا لها عقدا جديدا.
قال شيخنا: والصحيح أنه يجب أن تستأنف لها عقدا لاننا تبينا بطلان عقده بمجئ الاول ويحمل قول الصحابة على هذا لقيام الدليل عليه فان زوجة الانسان لا تصير زوجة لغيره بمجرد تركه لها (مسألة) (ويأخذ منه صداقها) أي يأخذ الزوج الاول من الزوج الثاني إذا تركها له صداقها لقضاء الصحابة بذلك (مسألة) (وهل يأخذ منه صداقها الذي أعطاها أو الذي اعطاها الثاني؟ على روايتين)
اختلف عن أحمد فيما يرجع به فروي عنه أنه يرجع بالصداق الذي أصدقها هو وهو اختيار أبي بكر وقول الحسن والزهري وقتادة وعلي بن المديني لقضاء علي وعثمان أنه يخير بينها وبين الصداق الذي ساق إليها هو ولانه أتلف عليه المعوض فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا عن الشهادة، فعلى هذا ان كان لم يدفع إليها الصداق لم يرجع بشئ وان كان دفع بعضه رجع بما دفع ويحتمل أن يرجع عليه بالصداق وترجع المرأة عليه بما بقي عليه من صداقها، وعن أحمد أنه يرجع عليه بالمهر الذي أصدقها الثاني لان الاتلاف من جهته والرجوع عليه بقيمته والبضع لا يتقوم الا على زوج أو من جرى مجراه فيجب الرجوع عليه بالمسمى الثاني دون الاول وهل يرجع الزوج الثاني على الزوجة بما أخذ منه؟ فيه روايتان ذكر ذلك أبو عبد الله بن حامد (احداهما) يرجع به لانها غرامة لزمت الزوج بسبب وطئه لها فرجع بها كالمغرور، ولان ذلك يقضي إلى أن يلزمه مهران بوطئ واحد (والثانية) لا يرجع لان الصحابة لم يقضوا بالرجوع فان سعيد بن المسيب روى أن عليا وعثمان قضيا في المرأة التي لا تدري ما مهلك زوجها أن تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ثم تتزوج ان بدا لها، فان جاء زوجها خير اما امرأته واما الصداق فان اختار الصداق فالصداق على زوجها الآخر وتثبت عنده، وان اختار امرأته عزلت من زوجها الآخر حتى تنقضي
عدتها، وان قدم زوجها وقد توفي زوجها الآخر ورثت واعتدت عدة المتوفي عنها زوجها وترجع إلى إلى الاول رواه الجوزجاني ولان المرأة لا تعزير منها فلم يرجع عليها بشئ كغيرها وان قلنا يرجع عليها فان كان قد دفع إليها الصداق رجع به وان كان لم يدفعه إليها دفعه إلى الاول ولم يرجع عليها بشئ وان كان قد دفع بعضه رجع بما دفع، وان قلنا لا يرجع عليها وكان قد دفع إليها الصداق لم يرجع به وان لم يكن دفعه إليها لزمه دفعه ويدفع إلى الاول صداقا آخر (فصل) قال شيخنا (والقياس أن ترد إلى الاول ولا خيار)
لان زوجها لم يطلقها ولم ينفسخ نكاحه فردت إليه كما لو تزوجت لبينة قامت بوفاته ثم تبين كذبها بقدومه الا أن يفرق الحاكم بينهما ونقول بوقوع الفرقة باطنا فينفسخ نكاح الاول لان نكاحه انفسخ بحكم حاكم ووقوع نكاح الثاني بعد بطلان نكاح الاول وقضاء عدتها فأشبه ما لو طلقها الاول فتكون زوجة الثاني بكل حال لذلك وعن أحمد التوقف في أمره وقد ذكرناه فيما مضى والمذهب الاول أولى (فصل) إذا فقدت الامة زوجها لغيبة ظاهرها الهلاك تربصت أربع سنين ثم اعتدت للوفاة شهرين وخمسة أيام، وهذا اختيار أبي بكر، وقال القاضي تتربص نصف تربص الحرة ورواه أبو طالب عن
أحمد وهو قول الاوزاعي والليث لانها مدة مضروبة للمرأة لعدم زوجها فكانت الامة فيه على النصف من الحرة كعدة الوفاة.
ولنا أن الاربع السنين مضروبة لكونها أكثر مدة الحمل في الامة والحرة سواء فاستويا في التربص لها كالتسعة الاشهر في حق من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه وكالحمل نفسه، وبهذا ينتقض قياسهم فأما العبد فان كانت زوجته حرة فتربصها كتربص تحت الحر، وان كانت أمة فهي كالامة تحت الحر لان العدة معتبرة بالنساء دون الرجال وكذلك مدة التربص، وحكي عن الزهري ومالك أنه يضرب له نصف أجل الحرة، والاولى ما قلناه لانه تربص مشرع في حق المرأة لفرقة زوجها فأشبهت العدة (الثاني) من انقطع خبره لغيبية ظاهرها السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة واباق العبد وطلب العلم والسياحة فان امرأته تبقى أبدا حتى تتقين موته روى ذلك عن علي واليه ذهب ابن شبرمة وابن ابى ليلى وأبو حنيفة والشافعي في الجديد، وروي عن أبي قلابة والنخعي وأبي عبيد وقال مالك، والشافعي
في القديم تتربص أربع سنين وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا وتحل للازواج لانه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطئ بالعنة وتعذر النفقة بالاعسار فلان يجوز ههنا لتعذر الجميع اولى.
واحتجوا بحديث عمر الذي ذكرناه في المفقود مع موافقة الصحابة وتركهم انكاره ونقل أحمد بن اصرم عن احمد إذا مضى عليه تسعون سنة قسم ماله، وهذا يقضي ان زوجته تعتد عده الوفاة ثم تتزوج، قال أصحابنا انما اعتبر تسعين سنة من
يوم ولادته لان الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته كما لو كان فقده لغيبة ظاهرها الهلاك، والمذهب الاول لان هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل أربع سنين أو كما قبل التسعين ولان هذا التقدير بغير توقيف فلا ينبغي ان يصار إليه إلا بالتوقيف ولان تقدير هذا بتسعين سنة من يوم ولادته يقضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة ولا نظير لهذا وخبر عمر ورد فيمن غيبته ظاهرها الهلاك فلا يقاس عليه غيره (فصل) فان كانت غيبة غير منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فهذا ليس لامرأته ان تتزوج في قول أهل العلم أجمعين إلا ان تتعذر الانفاق عليها من ماله فلها ان تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه.
وأجمعوا ان امرأة الاسير لا تنكح حتى يعلم يقين وفاته هذا قول النخعي والزهري ويحيى الانصاري ومكحول والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وإسحاق وأصحاب الرأي، وان أبق العبد فزوجته على الزوجية حتى تعلم موته أو ردته وبه قال الاوزاعي والثوري والشافعي وإسحاق وقال الحسن اباقه طلاقه
ولنا أنه ليس بمفقود فلم ينفسخ نكاحه كالحر ومن تعذر الانفاق من ماله على زوجته فحكمه في الفسخ حكم ما ذكرنا إلا ان العبد نفقة زوجته على سيده أو في كسبه فيعتبر تعذر الانفاق في محل الوجوب (فصل) إذا تزوج الرجل امرأة لها ولد من غيره فمات ولدها فان أحمد قال يعتزل امرأته حتى تحيض حيضة وهذا يروى عن علي بن أبي طالب والحسن ابنه ونحوه عن عمر بن الخطاب وعن الحسين بن علي والصعب بن جثامة وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والنخعي ومالك وإسحاق وأبو عبيد قال عمر بن عبد العزيز حتى ينظر بها حمل اولا، وانما قالوا ذلك لانها ان كانت حاملا حين موته ورثه حملها وان حدث الحمل بعد الموت لم يرثه وان كان للميت ولد أو أب أو جد لم يحتج إلى استبرائها لان الحمل لا ميراث له وان كانت حاملا فقد تبين حملها فلم يحتج إلى استبرائها لان الحمل معلوم، وان كانت آيسة لم يحتج إلى استبرائها لليأس من حملها، وان كانت ممن يمكن حملها ولم يتبين بها حمل ولم يعتزلها زوجها فأتت بولد قبل ستة أشهر ورث وان أتت به بعد ستة أشهر من حين وطئها بعد موت ولدها لم يرث لانا لا نتيقن وجوده حال موته وهذا يروى عن سفيان وهو قياس قول الشافعي
(مسألة) ومن مات عنها زوجها أو طلقها وهو غائب فعدتها من يوم مات أو طلق وان لم تجتنب ما تجتنبه المعتدات وعنه ان ثبت ذلك بينة فكذلك وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر) والمشهور في المذهب أنه متى مات عنها أو طلقها زوجها فعدتها من يوم موته وطلاقه قال أبو بكر لا خلاف
عن أبي عبد الله علمه ان العدة تجب من حين الموت والطلاق إلا ما رواه إسحاق بن ابراهيم وهذا قول ابن عمر وابن عباس وابن مسعود ومسروق وعطاء وجابر بن زيد وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وطاوس وسليمان بن يسار وأبي قلابة وأبي العالية والنخعي ونافع ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد ان قامت بذلك بينة فكما ذكرنا وإلا فعدتها من يوم يأتيها الخبر وروي ذلك عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز ويروى عن علي والحسن وقتادة وعطاء وخلاس بن عمرو ان عدتها من يوم يأتيها الخبر لان العدة من اجتناب اشياء وما اجتنبها ولنا أنها لو كانت حائلا فوضعت حملها غير عالمة بفرقة زوجها لا نقضت عدتها فكذلك سائر أنواع العدد ولانه زمان عقيب الموت أو الطلاق فوجب ان تعتد به كما لو كان حاضرا ولان القصد غير معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة تنقضي عدتهما من غير قصد ولم يعدم ههنا إلا القصد وسواء في هذا اجتنبت ما تجتنبه المعتدات أو لم تجتنبه فان الاحداد الواجب ليس بشرط في العدة فلو تركته قصدا أو عن غير قصد لا نقضت عدتها فان الله تعالى قال (يتربص بانفسهن أربعة أشهر وعشرا - وقال يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء - وقال - فعدتهن ثلاثة أشهر - وقال - وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن) وفي الاشتراط الاحداد مخالفة هذه النصوص فوجب ان تشترط
(مسألة) (وعده الموطوءة بشبهة عدة المطلقة وكذلك المزني بها وعنه أنها تستبرأ بحيضة) وبهذا قال الشافعي لان وطئ الشبهة وفي النكاح الفاسد في شغل الرحم ولحوق النسب كالوطئ في النكاح الصحيح فكان مثله فيما تحصل به البراءة وان وطئت المزوجة بشبهة لم يحل لزوجها وطؤها قبل قضاء عدتها كيلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب وله الاستمتاع منها بما دون الفرج في أحد الوجهين
لانها زوجة حرم وطؤها لعارض يختص بالفرج فابيح الاستمتاع منها بما دونه كالحيض (والثاني) لا تحل لان ما حرم الوطئ حرم دواعيه كالاحرام (فصل) كذلك المزني بها عدتها عدة الموطؤة بشبهة وبهذا قال الحسن والنخعي وعن أحمد رواية أخرى أنها تستبرأ بحيضة ذكرها ابن أبي موسى وهو قول مالك لان المقصود به معرفة البراءة من الحمل فاشبه استبراء الامة، وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لا عدة عليها وهو قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لان العدة لحفظ النسب وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يدل على ذلك ولنا انه وطئ يقتضي شغل الحرم فوجبت العدة منه كوطئ الشبهة ولنا وجوبها كعدة المطلقة فلانها حرة فاشبهت الموطؤة بشبهة، وقولهم انما تجب لحفظ النسب قلنا لو وجب لذلك لما وجب على الملاعنة المنفي ولدها والآيسة والصغيرة ولما وجب استبراء الامة التي لا يلحق ولدها بالبائع ولو وجب كذلك
كان استبراء الامة على البائع ثم لو ثبت أنها وجبت فالحاجة إليها داعية فان المزني بها إذا تزوجت قبل الاعتداد اشتبه ولد الزوجة بالولد من الزنا فلا يحصل حفظ النسب (فصول تتعلق بالمفقود) إذا اختارت امرأة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره فلها النفقة مادام حيا وينفق عليها من ماله لانها محكوم لها بالزوجية فيجب لها النفقة كما لو علمت حياته، فإذا تبين أنه كان حيا وقدم فلا كلام وان تبين أنه مات أو فارقها فلها النفقة إلى يوم موته أو بينونتها منه ويرجع عليها بالباقي لاننا تبينا أنها انفقت مال غيره أو انفقت من ماله وهي غير زوجة له، وان رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها مدة فلها النفقة في مدة التربص ومدة العدة لان مد العدة لم يحكم فيها ببينونتها من زوجها فهي محبوسة عليه بحكم الزوجية فاشبه ما قبل العدة واما مدة العدة فانها غير منتفية بخلاف عدة الوفاة فان موته متقين، وما بعد العدة ان تزوجت أو فرق الحاكم بينهما سقطت نفقتها لانها اسقطتها بخروجها عن حكم نكاحه وان لم تتزوج ولا فرق الحاكم بينهما فنفقتها باقية لانها لم تخرج من نكاحه، فان قدم الزوج بعد ذلك وردت إليه عادت نفقتها من حين الرد، وقد روى الاثرم والجوزجاني عن ابن عمر وابن عباس قالا تنتظر امرأة المفقود أربع سنين قال ابن عمر ينفق عليها من مال زوجها وقال ابن عباس إذا يجحف ذلك بالورثة
ولكنها تستدين فإذا جاء زوجها أخذت من ماله وان مات اخذت من نصيبها.
من الميراث وقالا ينفق عليها
بعد في العدة بعد الاربع سنين مال زوجها جميعه أربعة اشهر وعشرا، وان قلنا ليس لها ان تتزوج لم تسقط نفقتها ما لم تتزوج، فان تزوجت سقطت نفقتها لانها بالتزوج تخرج عن يديه وتصير ناشزا، وان فرق بينهما فلا نفقة لها مادامت في العدة فإذا انقضت فلم تعد إلى مسكن زوجها فلا نفقة لها أيضا لانها باقية على النشوز وان عادت إلى مسكنه احتمل ان تعود النفقة لان النشوز المسقط لنفقتها قد زال ويحتمل انها لا تعود لانها ما سلمت نفسها إليه، وان عاد فتسلمها عادت نفقتها، ومتى انفق عليها ثم بان ان الزوج كان قد مات قبل ذلك حسب عليها ما أنفق عليها من حين موته من ميراثها فان لم يرث شيئا فهو عليها لانها انفقت من مال الوارث ما لا تستحقه، فاما نفقتها على الزوج الثاني فان قلنا لها ان تتزوج فنكاحها صحيح حكمه في النفقة حكم الانكحة الصحيحة وان قلنا ليس لها ان تتزوج فلا نفقة لها فان انفق لم يرجع بشئ لانه متطوع إلا ان يجبره الحاكم على ذلك فيحتمل ان يرجع بها لانه الزمه أداء ما لم يكن واجبا عليه ويحتمل ان لا يرجع به لان ما حكم به الحاكم لا يجوز نقضه ما لم يخالف كتابا أو سنة أو اجماعا فان فارقها بتفريق الحاكم أو غيره فلا نفقة لها، إلا ان تكون حاملا فينبني وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل اولها من اجله؟ فان قلنا هي للحمل فلها النفقة لان نسب الحمل لاحق به فيجب عليه الانفاق على ولده وان قلنا لها من اجله فلا نفقة لها لانها في غير نكاح صحيح فاشبه حمل الموطوءة بشبهة، وإذا اتت بولد يمكن كونه من الثاني لحقه نسبه لانها صارت فراشا له وقد علمنا ان الولد ليس من الاول لانها
تربصت بعد فقده اكثر من مدة الحمل وتنقضي عدتها من الثاني بوضعه لان الولد منه، وعليها ان ترضعه اللبأ لان الولد لا يقوم بدنه إلا به فان ردت إلى الاول فله منعها من رضاعه كما له ان يمنعها من رضاع أجنبي لان ذلك يشغلها عن حقوقه إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه التلف فليس له منعها من رضاعه لان هذا حال ضرورة فان ارضعته في بيت المال الزوج الاول لم تسقط نفقتها لانها في قبضته ويده وان ارضعته في غير بيته بغير إذنه فلا نفقة لها لانها ناشز وان كان باذنه خرج على الروايتين فيما إذا سافرت باذنه
(فصل) في ميراثها من الزوجين وتوريثهما منها، متى مات زوجها الاول أو ماتت قبل تزويجها للثاني ورثته وورثها وكذلك ان تزوجت الثاني فلم يدخل بها لاننا تبينا أنه متى قدم قبل الدخول بها ردت إليه بغير تخيبر، وذكر القاضي فيها رواية أنه يخير فيها، فعلى هذه الرواية حكمها حكم ما لو دخل بها الثاني فأما إذا دخل بها الثاني وقدم زوجها الاول فاختارها ردت إليه وورثها وورثته ولم ترث الثاني ولم يرثها لانه لا زوجية بينهما، وان مات أحدهما قبل اختيارها اما في الغيبة أو بعد قدومه فان قلنا أن لها أن تتزوج ورثت الزوج الثاني وورثها ولم ترث الاول لم يرثها، ولان من خير بين شيئين فتعذر أحدهما تعين الآخر، وان ماتت قبل اختيار الاول خير فان اختارها ورثها وان يخترها ورثها الثاني، هذا ظاهر قول أصحابنا.
وأما على ما اختاره شيخنا فانها لا ترث الثاني ولا يرثها بحال إلا أن يجدد لها عقدا أو لا يعلم أن الاول كان حيا ومتى علم أن الاول كان حيا ورثها وورثته الا أن يختار تركها فتبين منه بذلك فلا
ترثه ولا يرثها، وعلى قول أبي الخطاب ان حكمنا بوقوع الفرقة بتفريق الحاكم ظاهر أو باطنا ورثت الثاني وورثها دون الاول وان لم يكن يحكم بوقوع الفرقة باطنا ورثت الاول وورثها دون الثاني، فأما عدتها منهما فمن ورثته اعتدت لوفاته عدة الوفاة، وان مات الثاني في موضع لا ترثه فالمنصوص عن أحمد أنها تعتد عدة الوفاة في النكاح الفاسد، فعلى هذا عليها عدة الوفاة لوفاته وهو اختيار أبي بكر، وقال ابن حامد لا عدة عليها لوفاته لكن تعتد من وطئه بثلاثة قروء، فان ماتا معا اعتدت لكل واحد منهما وبدأت بعدة الاول فان أكملتها اعتدت للآخر، وان مات الاول أولا فكذلك، وان مات الثاني أولا بدأت بعدته فان مات الاول انقطعت عدة الثاني ثم ابتدأت عدة الاول فإذا أكملتها أتمت عدة الثاني، وان علم موت أحدهما وجهل موت الآخر أو جهل موتهما فعليها أن تعتد عدتين من حين تيقنت الموت وتبدأ بعدة الاول لانه أسبق وأولى وان كانت حاملا فبوضع الحمل تنقضي عدة الثاني لان الولد منه ثم تبتدى، بعدة الوفاة أربعة أشهر وعشر.
(فصل) إذا تزوجت امرأة المفقود في وقت ليس لها أن تتزوج فيه نحو أن تتزوج قبل مضي المدة التي يباح لها التزوج بعدها أو كانت غيبة زوجها ظاهرها السلامة أو ما أشبه هذا فنكاحها باطل
وقال القاضي ان تبين أن زوجها قد مات وانقضت عدتها منه أو فارقها وانقضت عدتها ففي صحة نكاحها وجهان (أحدهما) هو صحيح لانها ليست في نكاح ولا عدة فصح تزويجها كما لو علمت ذلك
(والثاني) لا يصح لانها معتقدة تحريم نكاحها وبطلانه، وأصل هذا من باع عينا في يده يعتقدها لموروثة فبان موروثه ميتا والعين مملوكة له بالارث هل يصح البيع؟ فيه وجهان كذا ههنا ومذهب الشافعي مثل هذا.
ولنا أنها تزوجت في مدة منعها الشرع النكاح فيها فلم يصح كما لو تزوجت المعتدة في عدتها والمرتابة قبل زوال الريبة.
(فصل) وان غاب رجل عن زوجته فشهد ثقات بوفاته فاعتدت زوجته للوفاة أبيح لها أن تتزوج فان عاد الزوج بعد ذلك فحكمه حكم المفقود يخير زوجها بين أخذها وتركها وله الصداق، وكذلك ان تظاهرت الاخبار بموته، وقد روى الاثرم باسناده عن أبي المليح عن سهية أن زوجها صيفي بن فشيل نعى لها من قيذائيل فتزوجت بعده ثم ان زوجها الاول قدم فاتينا عثمان وهو محصور فأشرف علينا ثم ثم قال كيف اقضي بينكما وأنا على هذه الحال؟ فقلنا قد رضينا بقولك فقضى أن يخير الزوج الاول بين الصداق وبين المرأة فلما قتل عثمان أتينا عليا فخير الزوج الاول بين الصداق والمرأة فاختار الصداق فأخذ مني الفين ومن زوجي الآخر الفين فان حصلت الفرقة بشهادة مصحورة فما حصل من غرامة فعليهما لانهما سبب في إيجابها وان شهدا بموت رجل فقسم ماله ثم قدم فما وجده من ماله أخذه وما تلف منه أو تعذر رجوعه فيه فله تضمين الشاهدين لانهما سبب الاستيلاء عليه وللمالك تضمين المتلف لانه أتلف ماله بغير إذنه.
(فصل) وان وطئت المعتدة بشبهة أو غيرها أتت عدة الاول ثم استأنف العدة من الوطئ، إنما كان كذلك لان العدتين من رجلين لا يتداخلان لكونهما حقين لرجلين أشبه الدينين فتم عدة الاول وتجب للثاني عدة كاملة بعد قضاء عدة الاول
(مسألة) (وان كانت بائنا فأصابها المطلق عمدا فكذلك) لانها قد صارت اجنبية منه فأشبه وطئ الاجنبي، وان أصابها بشبهة استأنفت العدة من الوطئ ودخلت فيها بقية الاولى لان الوطئ بالشبهة يلحق به النسب فدخلت بقية الاولى في العدة الثانية (مسألة) (وان تزوجت في عدتها لم تنقطع عدتها حتى تدخل بها فتنقطع حينئذ) وجملة ذلك ان المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها اجماعا لقول تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يلغ الكتاب أجله) ولان العدة انما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب فان تزوجت فالنكاح باطل لانها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الاول فكان نكاحا باطلا كما لو تزوجت وهي في نكاحه، ويجب أن يفرق بينه وبينها فان لم يدخل بها فالعدة بحالها لا تنقطع بالعقد الثاني لانه باطل لا تصير به المرأة فراشا ولا يستحق عليه بالعقد شئ وتسقط نفقتها وسكناها عن الزوج الاول لانها ناشز، وان وطئها انقطعت العدة سواء علم التحريم أو جهله، وقال أبو حنيفة لا ينقطع لان كونها فراشا لغير من له العدة لا يمنعها كما لو وطئت بشبهة وهي زوجة فانها تعتد وان كانت فراشا للزوج،
وقال الشافعي ان وطئها عالما بأنها معتدة وانه محرم فهو زان فلا تنقطع العدة بوطئه لانها لا تصير به فراشا ولا يلحق به نسب، وان كان جاهلا أنها معتدة أو بالتحريم انقطعت العدة بالوطئ لانها تصير به فراشا، والعدة تراد للاستبراء وكونها فراشا ينافي ذلك فوجب ان يقطعها فأما طريانه عليها فلا يجوز ولنا ان هذا وطئ بشبهة نكاح فتنقطع به العدة كما لو جهل، وقولهم إنها لا تصير به فراشا قلنا لكنه لا يحلق الولد الحادث من وطئه بالزوج الاول فهما سيان، إذا ثبت هذا فعليه فراقها فان لم يفعل وجب التفريق بينهما.
(مسألة) (ثم إذا فارقها بنت على عدة الاول ثم استأنفت العدة من الثاني إنما بنت على عدة الاول لان حق أسبق ولان عدته وجبت عن وطئ في نكاح صحيح فإذا كملت عدة الاول وجب عليها أن تعتد من الثاني ولا تتداخل العدتان لانهما من رجلين، وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة تتداخلان فتأتي بثلاثة قروء بعد مفارقة الثاني تكون عن بقية عدة الاول وعدة للثاني لان القصد معرفة براءة الرحم وهذا يحصل
به براءة الرحم منهما جميعا.
ولنا ما روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحت في عدتها فضربها عمر رضي الله عنه وضرب زوجها ضربات بمحفقة وفرق
بينهما ثم قال.
أيما امرأة نكحت في عدتها فان كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها يفرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الاول ثم اعتدت من الآخر ولا ينكحها أبدا وروى باسناده عن علي انه قضي في التي يتزوج في عدتها في انه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما افسدت من عدة الاول وتعتد من الآخر وهذان قولا سيدين من الخلفاء لم يعرف لها في الصحابة مخالف ولانهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالدينين واليمينين ولانه حبس يستحقه الرجال على النساء فلم يجزان تكون المرأة في حبس رجلين كالزوجة (مسألة) (وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة أو في نكاح فاسد فقياس المذهب تحريم نكاحها على الواطئ وغيره) قال شيخنا والاولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه ان كان يلحقه نسب والدها لان العدة لحفظ مائه وصيانة نسبه ولا يصان ماؤه المحترم عن مائه المحترم ولا يحفظ نسبه عنه ولذلك ابيح للمختلعة نكاح من خالعها ومن لا يلحقه نسب ولدها كالزانية لا يحل له نكاحها لانه يقضي إلى اشتباه النسب فالواطئ كغيره في ان النسب لا يلحق بواحد منهما.
(مسألة) (وان أتت بولد من احدهما انقضت عدتها منه ثم اعتدت للآخر ايهما كان)
وجملة ذلك ان التي تزوجت في عدتها إذا كانت حاملا انقضت عدتها بوضع حملها لقول الله تعالى (واولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن) فان كان يمكن ان تكون من الاول دون الثاني هو ان تأتى به لدون ستة اشهر من وطئ الثاني واربع سنين فما دونها من فراق الاول فانه يلحق بالاول وتنقضي عدتها منه بوضعه ثم تعتد بثلاثة قروء عن الثاني وان امكن كونه من الثاني دون الاول وهو ان تأتي به لستة اشهر فما
زاد إلى اربع سنين من وطئ الثاني ولاكثر من اربع سنين منذ بانت من الاول فهو ملحق بالثاني وحده تنقضي به عدتها منه ثم تتم عدة الاول وتقدم عدة الثاني ههنا لانه لا يجوز ان يكون الحمل من إنسان والعدة من غيره (مسألة) (وان امكن ان يكون منهما وهو ان تأتي به لستة اشهر فصاعدا من وطئ الثاني ولاربع سنين فما دونها من بينونتها من الاول اري القافة معهما فان الحقه بالاول لحق به كما لو امكن ان يكون منه دون الثاني وان الحقته بالثاني لحق به وكان الحكم كما لو امكن ان يكون من الثاني دون الاول فان الحقته بهما لحق بهما) ومقتضي المذهب ان تنقضي عدتها به منهما جميعا لان نسبه ثبت منهما كما تنقضي عدتها به من الواحد الذي ثبت نسبه منهما فاما ان نفته القافة عنهما فحكمه حكم ما لو اشكل امره فعلى هذا تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء لانه ان كان من الاول فقد اتت بما عليها من عدة الثاني وان كان من الثاني فعليها ان تكمل عدة
الاول لتسقط الفرض بيقين ولا ينفي الولد عنهما لقول القافة لان عمل القافة ترجيح احد صاحبي الفراش لا في النفى عن الفراش كله ولهذا لو كان صاحب الفراش واحدا فنفته القافة عنه لم ينتف بقولها فاما ان ولدت لدون ستة اشهر من وطئ الثاني ولاكثر من اربع سنين من فراق الاول لم يلحق بواحد منهما ولا تنقضي عدتها منه لانا نعلم انه من وطئ آخر فتنقضي به عدتها من ذلك الوطئ ثم تتم عدة الاول وتستأنف عدة الثاني لانه قد وجد ما يقتضي عدة ثالثة وهو الوطئ الذي حملت منه فيجب عليها عدتان واتمام العدة الاولى (مسألة) (وللثاني ان ينكحها بعد انقضاء العدتين وعنه انها تحرم عليه على التأبيد) اما الزوج الاول فان كان طلق ثلاثا لم تحل له بهذا النكاح وان وطئ فيه لانه نكاح باطل وان طلق دون الثلاث فله نكاحها بعد العدتين وان كانت رجعية فله رجعتها في عدتها منه وأما الزوج الثاني ففيه روايتان (احداهما) تحرم عليه على التأبيد وبه قال مالك والشافعي في القديم لقول عمر رضي الله عنه لا ينكحها ابدا ولانه استعجل الحق في غير وقته فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل موروثه ولانه يفسد النسب فيوقع التحريم المؤبد كاللعان (والثانية) تحل له قال الشافعي في الجديد
له نكاحها بعد قضاء عدة الاول ولا يمنع من نكاحها في عدتها منه لانه وطئ يلحق به النسب فلا يمنع من نكاحها في عدتها منه كالوطئ في النكاح ولان العدة انما شرعت حفظا للنسب وصيانة للماء
والنسب لاحق به ههنا فاشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها، قال شيخنا وهذا قول حسن موافق النظر ولنا على اباحتها بعد العدتين انه لا يخلوا اما ان يكون تحريمها بالعقد أو بالوطئ في النكاح الفاسد أو بهما وجميع ذلك لا يقتضي التحريم بدليل ما لو نكحها بلا ولي ووطئها ولانه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد فهذا اولى ولان آيات الاباحة عامة كقول تعالى (واحل لكم ما وراء ذلكم - وقوله - والمحصنات من المؤمنات) فلا يجوز تخصيصها بغير دليل وما روى عن عمر في تحريمها فقد خالفه على فيه وروى عن عمر انه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي فان عليا قال إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب فقال عمر: وردا الجهالات إلى السنة ورجع إلى قول علي وقياسهم يبطل بما إذا زنى بها فأنه قد استعجل وطأها ولا تحرم عليه على التأبيد ووجه تحريمها قبل قضاء عدة الثاني عليه قول الله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ولانه وطئ يفسد به النسب فلم يجز النكاح في العدة منه كوطئ الاجنبي (فصل) إذا تزوج معتدة وهما عالمان بالعدة وبتحريم النكاح فيها ووطئها فمها زانيان عليهما حد الزنا ولا مهر لها ولا يلحقه النسب وإن كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم ثبت النسب وانتفى الحد ووجب المهر وان علم هو دونها فعليه الحد والمهر ولا يلحقه النسب وان علمت هي دونه فعليها الحد ولا مهر لها ويلحقه النسب وانما كان كذلك لان هذا نكاح متفق على بطلانه فاشبه نكاح ذوات المحارم
(مسألة) (وان وطئ رجلان امرأة فعليها عدتان لها الحديث عمر وعلي الذي ذكرناه فيما إذا تزوجت في عدتها ولانهما حقان مقصود ان لادميين فلم يتداخلان كالدينين) (فصل) إذا خالع الرجل امرأته أو فسخ نكاحه فله أن يتزوجها في عدتها في قول الجمهورية قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وشذ بعض التاخرين فقال لا يحل له نكاحها ولا خطبتها لانها معتدة
ولنا أن العدة لحفظ نسبه وصيانة مائه ولا يصان ماؤه عن مائه إذا كانا من نكاح صحيح فإذا تزوجها انقطعت العدة لان المرأة تصير فراشا له بعقده ولا يجوز أن تكون زوجته معتدة (فصل) إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى من العدة لانهما طلاقان لم يتخللهما وطئ ولا رجعة فأشبها الطلقتين في وقت واحد (مسألة) (وان راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها استأنفت العدة من الطلاق الثاني لانه طلاق من نكاح اتصل به المسيس (مسألة) (وان طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف؟ على روايتين) (أولاهما) أنها تستأنف لان الرجعة أزالت شعث الطلاق الاول ورد بها إلى النكاح الاول فصار الطلاق الثاني طلاقا من نكاح اتصل به المسيس (والثانية) تبني لان الرجعة لا تزيد على النكاح الجديد، ولو نكحها ثم طلقها قبل المسيس لم يلزمها
لذلك الطلاق عدة فكذلك الرجعة فان فسخ النكاح قبل الرجعة يخلع أو غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق لان موجبها في العدة موجب الطلاق ولا فرق بينهما واحتمل أن تستأنف العدة لانهما جنسان بخلاف الطلاق وان لم يرتجعها بلفظه لكنه وطئها في عدتها فهل تحصل بذلك رجعة؟ فيه روايتان (احداهما) تحصل فيكون حكمها حكم من ارتجعها بلفظة ثم وطئها سواء (والثانية) لا تحصل الرجعية به ويلزمها استئناف عدة لانه وطئ في نكاح تشعت فهو كوطئ الشبهة وتدخل بقية عدة الطلاق فيها لانهما من رجل واحد، وان حملت من هذا الوطئ فهل تدخل فيها بقية الاولى؟ على وجهين (احدهما) تدخل لانهما من رجل واحد (والثاني) لا تدخل لانهما من جنسين فعلى هذا إذا وضعت حملها أتمت عدة الطلاق، وان وطئها وهي حامل ففي تداخل العدتين وجهان، وان قلنا تتداخلان فانقضاؤها معا بوضع الحمل وان قلنا لا تتداخلان فانقضاء عدة الطلاق بوضع الحمل وتستأنف عدة الوطئ بالقروء (مسألة) (وان طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها قبل دخوله بها فعلى روايتين) (إحداهما) تستأنف، وهو قول أبي حنيفة لانه طلاق لا يخلو من عدة فأوجب عدة مستأنفة
كالاول (والثانية) لا يلزمها استئناف عدة، اختارها شيخنا، وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن لانه طلاق في نكاح قبل المسيس فلم يوجب عدة لعموم قوله سبحانه (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم)
عليهن من عدة تعتدونها)، وذكر القاضي في كتاب الروايتين أنه لا يلزمها استئناف العدة رواية واحدة لكن يلزمها اتمام بقية العدة الاولى لان اسقاطها يفضي إلى اختلاط المياه لانه تتزوج امرأة ويطؤها ويخلعها ثم يتزوجها ويطلقها في الحال ويتزوجها الثاني في يوم واحد (فصل) وان خلعها حاملا ثم طلقها وهي حامل انقضت عدتها بوضع الحمل على كلتا الروايتين ولا نعلم فيه مخالفا ولا تنقضي عدتها قبل وضع حملها بغير خلاف نعلمه، وان وضعت حملها قبل النكاح الثاني فلا عدة عليها للطلاق من النكاح الثاني بغير خلاف أيضا لانه نكحها بعد قضاء عدة الاول، وان وضعته بعد النكاح الثاني وقبل طلاقه فمن قال يلزمها استئناف عدة أوجب عليها الاعتداد بعد طلاق الثاني بثلاثة قروء ومن قال لا يلزمها استئناف عدة لم يوجب عليها ههنا عدة لان العدة الاولى انقضت بوضع الحمل إذ لا يجوز أن تعتد الحامل بغير وضعه وان كانت من ذوات القروء أو الشهور فنكحها الثاني بعد مضي قرء أو شهر ثم مضي قرآن أو شهران قبل طلاقه من النكاح الثاني فقد انقطعت العدة بالنكاح الثاني وان قلنا تستأنف العدة فعليها عدة تامة بثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر وان قلنا تبنى أتمت العدة الاولى بقرأين أو شهرين (فصل) فان طلقها طلاقا رجعيا فنكحت في عدتها من وطئها فقد ذكرنا أنها تبني على عدة الاول ثم تستأنف عدة الثاني ولزوجها الاول رجعتها في بقية عدتها منه، لان الرجعة إمساك للزوجة وطريان الوطئ من أجنبي على النكاح لا يمنع الزوج إمساك زوجته كما لو كانت في صلب النكاح، وقيل
ليس له رجعتها لانها محرمة عليه فلم يصح له ارتجاعها كالمرتدة.
والصحيح الاول فان التحريم لا يمنع الرجعة كالاحرام، ويفارق الردة لانها جارية إلى بينونة بعد الرجعة بخلاف العدة، وإذا انقضت عدتها منه فليس له رجعتها في عدة الثاني لانها ليست منه وإذا ارتجعها في عدتها من نفسه وكانت بالقروء أو بالاشهر انقطعت عدته بالرجعة وابتدأت عدة من الثاني ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدة الثاني كما لو
وطئت بشبهة في صلب نكاحه، وإن كانت معتدة بالحمل لم يكن شروعها في عدة الثاني قبل وضع الحمل لانها بالقروء فإذا وضعت حملها شرعت في عدة الثاني وتنقدم عدة الثاني عن الاول فإذا أكملتها شرعت في إتمام عدة الاول، وله حينئذ أن يرتجعها لانها في عدته، وإن إحب أن يرتجعها فحال حملها ففيه وجهان: (أحدهما) ليس له ذلك لانها ليست في عدته وهي محرمة عليه فأشبهت الاجنبية أو المرتدة.
(الثاني) له رجعتها لان عدتها منه لم تنقض وتحريمها لا يمنع رجعتها كالمحرمة.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويجب الاحداد على المعتدة من الوفاة وهل يجب على البائن؟ على روايتين، ولا يجب على الرجعية والموطوءة بشبهة أو زنا أو في نكاح فاسد أو يملك اليمين) لا نعلم خلافا بين أهل العلم في وجوب الاحداد على المتوفي عنها زوجها إلا عن الحسن فانه قال لا يجب الاحداد هو قول شذ به عن أهل العلم وخالف فيه السنة فلا يعرج عليه.
(مسألة) (ويستوي في وجوبه الحرة والامة والمسلمة والذمية والكبيرة والصغيرة وقال أصحاب الرأي لا إحداد على ذمية ولا صغيرة لانهما غير مكلفين) ولنا عموم الاحاديث التي نذكرها إن شاء الله ولان غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا وأنما يفترقان في الاثم فكذلك الاحداد ولان حقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة فكذلك فيما عليها.
(مسألة) (وهل يجب على البائن؟ على روايتين) (احداهما) يجب عليها وهو قول سعيد بن المسيب وأبي عبيد وأبى ثور وأصحاب الرأي.
(والثانية) لا يجب عليها وهو قول عطاء وربيعة ومالك وابن المنذر ونحوه قال الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " وهذه عدة الوفاة فيدل على أن الاحداد أنما يجب في عدة الوفاة، ولانها معتدة من غير وفاة فلم يجب عليها الاحداد كالرجعية والموطوءة بشبهة، ولان الاحداد في عدة الوفاة لاظهار الاسف على فراق زوجها وموته فاما الطلاق فانه فارقها باختيار نفسه وقطع نكاحها فلا معني لتكلفها الحزن عليه
ولان المتوفي عنها لو أتت بولد لحق الزوج وليس له من ينفيه فاحتيط عليها بالاحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة فان زوجها باق فهو يحتاط عليها بنفسه وينفي ولدها إذا كان من غيره، ووجه
الرواية الاولى أنها معتدة بائن من نكاح فلزمها الاحداد كالمتوفي عنها زوجها وذلك لان العدة تحرم النكاح فحرمت دواعيه بخلاف الرجعية فانها زوجة والموطوءة بشبهة ليست معتدة من نكاح فلم تكمل الحرمة فأما الحديث فانما مدلوله تحريم الاحداد على ميت غير الزوج ونحن نقول به، ولهذا جاز الاحداد ههنا بالاجماع، فإذا قلنا يلزمها الاحداد فحكمها حكم المتوفي عنها زوجها من توقي الطيب والزينة في نفسها على ما نذكره إن شاء الله وذكر شيخنا في كتاب الكافي أن المختلعة كالبائن فيما ذكرنا من الخلاف والصحيح أنه لا يجب عليها لانها يحل لزوجها الذي خالعها أن يتزوجها في عدة بخلاف البائن بالثلاث (مسألة) (ولا إحداد على الرجعية بغير خلاف نعلمه) لانها في حكم الزوجات لها أن تتزين لزوجها وتستشرف له ليرغب فيها وتنفق عنده كما تفعل في صلب النكاح ولا إحداد على المنكوحة نكاحها فاسدا لانها ليست زوجة على الحقيقة ولا لها من كانت تحل له وتحزن على فقده كذلك الموطوءة بشبهة والمزني بها، ولا إحداد على غير الزوجات كأم الولد إذا مات سيدها والامة التي يطؤها سيدها إذا مات عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " (مسألة) (والاحداد اجتناب الطيب والزنية والتحسين كلبس الحلى والملون من الثياب للتحسين)
وجملة ذلك أن الحادة يجب عليها اجتناب ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ويحسنها وذلك أربعة أمور (أحدهما) الطيب ولا خلاف في تحريمه عند من أوجب الاحداد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها نبذة من قسط أو اظفار " متفق عليه وردت زينب بنت أم سلمة قالت دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان
فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضها وقالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة اشهر وعشرا " متفق عليه ولان الطيب يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة، ولا يحل لها استعمال الادهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والياسمين والبان وما اشبهه لانه استعمال للطيب، فاما الادهان بغير المطيب كالزيت والشيرج والسمن فلا بأس به لانه ليس بطيب (الثاني) اجتناب الزينة وذلك واجب في قول عامة أهل العلم منهم ابن عمرو ابن عباس وعطاء وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك وينهون عنه وهو ثلاثة أقسام (أحدها) الزينة في نفسها فيحرم عليها ان تختضب وان تحمر وجهها بالكلكون وان تبيضة باسفيداج العرائس وان تجعل عليه صبرا يصفره وان تنفش وجهها وبدنها وان تخفف وجهها وما أشبهه مما يحسنها وان تكتحل بالاثمد من غير ضرورة لما روت ام سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " المتوفي عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلى ولا تختضب
ولا تكتحل " رواه النسائي وأبو داود وروت ام عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فانها تحد أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو اظفار " متفق عليه وعن ام سلمة قالت جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها افتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا " مرتين أو ثلاثا متفق عليه وروت ام سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال " ماذا يا ام سلمة " قلت انما هو صبر ليس فيه طيب قال " انه يشب الوجه لا تجعلنه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فانه خضاب " قالت قلت بأي شئ امتشط؟ قال " بالسدر وتغلفين به رأسك " ولان الكحل من أبلغ الزينة والزينة تدعو إليها وتحرك الشهوة فهي كالطيب وأبلغ منه، وحكي عن بعض الشافعية ان للسوداء ان تكتحل وهو مخالف للخبر والمعنى فانه يزنيها ويحسنها.
فان اضطرت الحادة إلى الكحل بالاثمد للتداوي به فلها ان تتكحل ليلا وتمسحه نهارا، ورخص فيه عند الضرورة
عطاء والنخعي ومالك وأصحاب الرأي لما روت ام حكيم بنت اسد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء فارسلت مولاة لها إلى ام سلمة تسألها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحل ألا ما لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار.
رواه أبو داود والنسائي وانما تمنع
من الكحل بالاثمد لانه الذي يحصل به الزينة، فاما الكحل بالتوتيا والغزروت ونحوهما فلا بأس به لانه لا زينة فيه بل يفتح العين ويزيدها مرها ولا تمنع من جعل الصبر على وجهها من بدنها لانه انما منع منه في الوجه لانه يصفره فيشبه الخضاب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " انه يشب الوجه " ولا تمنع من التنظيف بتقليم الاظفار ونتف الابط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه ولا من الاغتسال بالسدر والامتشاط به لحديث ام سلمة ولانه يراد للتنظيف لا للطيب (القسم الثاني) زينة الثياب فتحرم عليها الثياب المصبغة للتحسين كالمعصفر والمزعفر وسائر الاحمر وسائر الملون للتحسين كالازرق الصافي والاخضر الصافي والاصفر فلا يجوز لبسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تلبس ثوبا مصبوغا " وقوله لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق فاما ما لا يقصد بصيغة حسنة كالكحلي والاسود والاخضر المشبع فلا يمنع منه لانه ليس بزينة، وما صبغ غزله ثم نسج ففيه احتمالان (أحدهما) يحرم لبسه لانه أحسن وأرفع ولانه مصبوغ للحسن فاشبه ما صبغ بعد نسجه (والثاني) لا يحرم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ام سلمة " الاثوب عصب قال القاضي هو ما صبغ غزله قبل نسجه ولانه لم يصبغ وهو ثوب فاشبه ما كان حسنا من الثياب غير مصبوغ والاول أصح، واما العصب فالصحيح انه نبت تصبغ به الثياب قال صاحب الروض: الورس والعصب بنتان باليمن لا ينبتان إلا به فارخص النبي صلى الله عليه وسلم للحادة في لبس ما صبغ بالعصب لانه في معنى ما صبغ لغير التحسين اما ما صبغ غزله للتحسين كالاحمر والاصفر فلا معنى لتجويز لبسه مع حصول الزينة بصبغه كحصولها بما صبغ بعد نسجه
(القسم الثالث) الحلي فيحرم عليها لبس الحلي كله حتى الخاتم في قوله عامة أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا الحلي " وقال عطاء يباح حلي الفضة دون الذهب ولا يصح لعموم النهي ولان الحلى يزيدها حسنا
ويدعو إلى مباشرتها قال الشاعر وما الحلي إلا زينة لنقيصة * * تتم من حسن إذا الحسن قصرا (مسألة) (ولا يحرم عليها الابيض من الثياب وان كان حسنا) سواء كان من قطن أو كتان أو صوف أو ابريسم لان حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره كما ان المرأة إذا كانت حسنة الخلقة لا يلزمها ان تغير لونها وتشوه نفسها ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي والاسود والاخضر المشبع لانه لا يراد للزينة اشبه الابيض، قال الخرقي وتجتنب النقاب وما في في معناه مثل البرقع ونحوه لان المعتدة مشبهة بالمحرمة والمحرمة تمنع من ذلك فان احتاجت إلى ستر وجهها سدلت عليه كما تفعل المحرمة، ويحتمل ان لا تمنع من ذلك لانه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معني المنصوص وانما منعت منه المحرمة لانها ممنوعة من تغطية وجهها بخلاف الحادة ولان المحرمة يحرم عليها لبس القفازين بخلاف الحادة، ويجوز لها لبس الثياب المزعفرة وغيرها من الثياب المصبوغة والحلي، والحادة يحرم عليها ذلك فلا يصح القياس ولان المبتوتة لا يحرم عليها النقاب فان وجب عليها الاحداد فكذلك المتوفي عنها زوجها (فصل) وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه روي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر
وابن مسعود وام سلمة رضي الله عنهم وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق قال ابن عبد البر وبه يقول جماعة فقهاء الامصار بالحجاز والشام والعراق ومصر، وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء تعتد حيث شاءت روي ذلك عن علي وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم قال ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها أهله وسكتت في وصيتها وان شاءت خرجب لقول الله تعالى (فان خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت رواهما أبو داود ولنا ما روت فريعة بنت مالك بن سنان اخت أبي سعيد انها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته ان زوجها خرج في طلب أعبد له ابقوا فقتلوه بطرف القدوم فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أرجع إلى اهلي فان زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " قالت فخرجت
حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو امر بي فدنيت له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف قلت " فرددت عليه القصة فقال " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " فاعتدت فيه أربعة اشهر وعشرا فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلى فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضي به رواه مالك في موطئه والاثرم وهو حديث صحيح قضي به عثمان في جماعة الصحابة فلم ينكروه إذا ثبت هذا فانه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به سواء كان لزوجها أو باجارة أو عارية لان النبي
صلى الله عليه وسلم قال لفريعة " امكثي في بيتك " ولم تكن في بيت يملكه زوجها وفي بعض الفاظه " اعتدي في البيت الذي اتاك فيه نعي زوجك " وفي لفظ " اعتدي حيث أتاك الخبر " فان اتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها أو اعتدت فيه وقال سعيد بن المسيب والنخعي لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها اتباعا للفظ الخبر الذي رويناه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " امكثي في بيتك " واللفظ الآخر قضية في عين والمراد به هذا فان قضايا الاعيان لا عموم لها ثم لا يمكن حمله على العموم فانه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية إذا أتاها الخبر وهي فيها (مسألة) (إلا ان تدعو ضرورة إلى خروجها منه بان يحولها مالكه أو تخشى على نفسها) وجملة ذلك أنها أذا خافت هدما أو غرما أو عدوا أو نحو ذلك أو حولها صاحب المنزل لكونه عارية
رجع فيها أو باجارة انقضت مدتها أو منعها السكنى تعديا أو امتنع من اجارته أو طلب به أكثر من اجر المثل أو لم تجد ما تكتري به أو لم تجد إلا من مالها فلها ان تنتقل لانها حال عذر ولا يلزمها بذل أجرة المسكن وانما الواجب عليها السكنى لا تحصيل المسكن وإذا تعذرت السكنى سقطت وتسكن حيث شاءت ذكره القاضي وذكر أبو الخطاب أنها تنتقل إلى اقرب ما يمكنها النقلة إليه وهو مذهب الشافعي لانه قرب إلى موضع الوجوب أشبه من وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان فانه ينقلها إلى موضع يجدهم فيه
ولنا أن الواجب سقط لعذر ولم يرد الشرع له ببدل فلا يجب كما لو سقط الحج للعجز عنه وفوات شرط والمعتكف إذا لم يقدر على الاعتكاف في المسجد ولان ذكروه اثبات حكم بلا نص ولا معنى نص فان معنى الاعتداد في بيتها لا يوجد في السكنى فيما قرب منه ويفارق أهل السهمان فان القصد نفع الاقرب وفي نقلها إلى أقرب موضع يجده نفع الاقرب
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: