الفقه الحنبلي - الرضاع - النفقات
(مسألة) (وان ارضعت بلبن ولدها من الزنا طفلا صار ولدا لها وحرم على الزاني تحريم المصاهرة ولم تثبت حرمة الرضاع في حقه في قول الخرقي وقال أبو بكر تثبت) قال أبو الخطاب وكذلك الولد المنفي
باللعان الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح ان من شرط ثبوت الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذي ثاب اللبن بوطئه ان يكون لبن حمل ينسب إلى الواطئ كالوطئ في نكاح أو وطئ يملك يمين أو شبهة، فاما لبن الزاني والولد المنفي باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما في مفهوم كلام الخرقي وهو قول ابن حامد ومذهب الشافعي، وقال أبو بكر عبد العزيز ينشر الحرمة بينهما لانه معنى ينشر الحرمة فاستوى فيه مباحه ومحظوره كالوطئ، يحققه ان الوطئ حصل منه لبن وولد ثم ان الولد ينشر الحرمة بينه وبين الواطئ كذلك اللبن، ولانه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة فينشرها إلى الواطئ كصورة الاجماع، ووجه القول الاول ان التحريم بينهما فرع لحرمة الابوة فلما لم تثبت حرمة الابوة لم يثبت ما هو فرع لها، ويفارق تحريم ابنته من الزنا لانها من نطفته حقيقة بخلاف مسئلته، ويفارق تحريم المصاهرة فان التحريم ثم لا يقف على ثبوا النسب ولهذا تحرم ام زوجته وابنتها من غير نسب وتحريم الرضاع مبني على النسب ولهذا قال عليه الصلاة السلام " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "
وقال أبو الخطاب في الولد المنفي باللعان انه في تحريم الرضاع على الملاعن كتحريم ولد الزنا على الزاني، قال شيخنا ويحتمل ان لا يثبت حكم الرضاع في حق الملاعن بحال لانه ليس بولده حقيقة ولا حكما، فاما المرضعة فان الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب إليها عند الجميع وكذلك يحرم جميع أولادها واقاربها الذين يحرمون على إولادها على هذا المرتضع كما في الرضاعة باللبن المباح، وان كان المرتضع جارية حرمت على الملاعن بغير خلاف أيضا لانها ريبته فانها بنت امرأته من الرضاع وتحرم على الزاني عند من برى تحريم المصاهرة وكذلك تحريم بناتها وبنات المرضع من العلماء كذلك (مسألة) (وان وطئ رجلان امرأة بشبهة فاتت بولد فارضعت بلبنه طفلا صار ابنا لمن يثبت نسب المولود منه سواء ثبت بالقافة أو بغيرها) لان تحريم الرضاع فرع على ثبوت النسب وان الحق بهما كان المرتضع ابنا لهما لان المرتضع في
كل موضع تبع للمناسب فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله وان لم يلحق بواحد منهما ثبت التحريم بالرضاع في حقهما وإذا لم يثبت نسبه منهما لتعذر القافة أو لاشتباهه عليهم أو نحو ذلك حرم عليهما تغليبا للحظر فانه يحتمل ان يكون منهما ويحتمل ان يكون ابن أحدهما فيحرم عليه اقاربه دون اقارب
الآخر فقد اختلطت اخته بغيرها فحرم الجميع كما لو علم اخته بعينها ثم اختطلت باجنبيات، وان انتفى عنهما جميعا بان تأتي به لدون ستة اشهر من وطئهما أو لاكثر من أربع سنين من وطئ الآخر انتفى المرتضع عنهما أيضا، فان كان المرتضع جارية حرمت عليهما تحريم المصاهرة وتحرم أولادهما عليهما أيضا لانها ابنة موطوءتهما فهي ابنة لهما (مسألة) (وان ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم لم ينشر الحرمة نص عليه في لبن البكر وعنه ينشرها ذكرها ابن ابي موسى) قال شيخنا والظاهر أنه قول ابن حامد ومذهب مالك والثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لقول الله تعالى (وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم) ولانه لبن امرأة فتعلق به التحريم كما لو ثاب بوطئ ولان ألبان النساء خلقت لغذاء الاطفال وان كان هذا نادرا فجنسه معتاد (والرواية الثانية) لا ينشر الحرمة لانه نادر لم تجر العادة به لتغذية الاطفال فاشبه لبن الرجال والاول أصح (مسألة) (ولا ينشر الحرمة غير لبن المرأة فلو ارتضع طفلان من رجل أو بهيمة أو خنثى مشكل لم ينشر الحرمة وقال ابن حامد يوقف أمر الخنثى حتى يتبين امره) وجملة ذلك أن ابنين لو ارتضعا من بهيمة لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم منهم الشافعي
وابن القاسم وأبو ثور وأصحاب الرأي وكذلك لو ارتضعا من رجل لم يصيرا أخوين ولم تنشر الحرمة بينه وبينهما في قول علمتهم وقال الكرابيسى يتعلق به التحريم لانه لبن آدمي أشبه لبن المرأة، وحكي عن بعض السلف أنهما إذا ارتضعا من لبن بهيمة صارا أخوين وليس ذلك صحيحا لان هذا لا يتعلق به تحريم الامومة فلا يثبت به تحريم الاخوة لان الاخوة فرع على الامومة، وكذلك لا يتعلق به تحريم
الابوة ولان هذا اللبن لم يخلق لغذاء المولود الآدمي فلم يتعلق به التحريم كسائر الطعام، فان ثاب لخنثى مشكل لبن لم يثبت به التحريم لانه لم يثبت كونه امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك، وقال ابن حامد يقف الامر حتى ينكشف أمر الخنثى، فعلى هذا يثبت التحريم إلى أن يتقين كونه رجلا لانه لا يأمن كونه محرما (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا تثبت الحرمة بالرضاع الا بشرطين) (أحدهما) أن يرتضع في الحولين فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم يثبت هذا قول أكثر أهل العلم روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة واليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور ورواية عن مالك، وروي عنه إن زاد شهرا جاز، وروي شهران وقال أبو حنيفة: يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا لقوله سبحانه (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ولم يرد بالحمل حمل الاحشاء لانه يكون سنتين فعلم أنه أراد الحمل في الفصال، وقال زفر: مدة الرضاع ثلاث سنين وكانت عائشة رضي الله عنها
ترى رضاعة الكبير تحرم ويروى هذا عن عطاء والليث وداود لما روي أن سهلة بنت سهيل قالت: يا رسول الله انا كنا نرى سالما ولدا فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلا وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " أرضيعه " فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها فبذلك كانت عائشة تأخذ: تأمر بنات أخواتها وبنات اخوتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وان كان كبيرا، وأبت ذلك أم سلمة وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس رواه النسائي وأبو داود وغيرهما ولنا قول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فجعل تمام الرضاعة حولين كاملين فيدل على أنه لا حكم لها بعدهما، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انه أخي من الرضاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظرن من اخوانكن فانما الرضاعة من المجاعة " متفق عليه وعن أم سلمة
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعند هذا يتعين حمل خبر أبي حذيفة على أنه خاص له دون الناس كما قال سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقول أبي حنيفة تحكم يخالف ظاهر الكتاب والسنة وقول الصحابة
فقد روينا عن ابن عباس أن المراد بالحمل البطن وبه استدل على أن أقل الحمل ستة أشهر، وقد دل على هذا قول الله تعالى (وفصاله في عامين) فلو حمل على ما قاله أبو حنيفة لكان مخالفا لهذه الآية: إذا ثبت هذا فالاعتبار بالعامين لا بالفطام فلو فطم قبل الحولين ثم ارتضع فيهما حصل التحريم ولو لم يفطم حتى يجاوز الحولين ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم، وقال ابن القاسم صاحب مالك لو ارتضع بعد الفطام في الحولين لم يحرم لقوله عليه الصلاة والسلام " وكان قبل الفطام " ولنا قوله سبحانه (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وروي عنه عليه الصلاة والسلام " لا رضاع الا ما كان في الحولين " والفطام معتبر بمدته لا بنفسه (مسألة) (فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم يثبت التحريم وقال أبو الخطاب إذا ارتضع بعد الحولين بساعة لم يحرم وقال القاضي لو شرع في الخامسة فحال الحول قبل كمالها لم يثبت التحريم) ولا يصح هذا لان ما وجد من الرضعة في الحولين كاف في التحريم بدليل ما لو انفصل مما بعده فلا ينبغي أن يسقط حكمه باتصال ما لا اثر له به (الثاني) (أن يرتضع خمس رضعات وعنه ثلاث يحرمن وعنه واحدة) الصحيح من المذهب أن الذي يتعلق به التحريم خمس رضعات فصاعدا روي هذا عن عائشة وابن مسعود وابن الزبير وعطاء وطاوس وهو قول الشافعي، وعن أحمد رواية ثانية ان قليل الرضاع يحرم كما يحرم كثيره وروي ذلك عن
على وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والاوزاعي والثوري والليث وأصحاب الرأي وزعم الليث أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر به الصائم، واحتجوا بقول الله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة) وقوله عليه الصلاة والسلام " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وعن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت ابي اهاب فجاءت سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما؟ " متفق عليه ولانه فعل يتعلق به تحريم مؤبد فلم يعتبر فيه العدد كحريم أمهات النساء ولا يلزم اللعان لانه قول (والرواية الثالثة) لا يحرم الا ثلاث رضعات وبه قال أبو ثور وأبو عبيد وداود وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحرم المصة ولا المصتان " وعن أم الفضل بنت الحارث قالت قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " لا تحرم الا ملاجة ولا الا ملاجتان " رواهما مسلم ولان ما يعتبر فيه العدد والتكرار يعتبر فيه الثلاث، وروي عن حفصة لا يحرم دون عشر رضعات وروي ذلك عن عائشة لان عروة روي في حديث سهلة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا " أرضعيه عشر رضعات فيحرم بلبنها " ولنا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والامر
على ذلك رواه مسلم، وروى مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة عن سهلة بنت سهيل " ارضعي سالما خمس رضعات " فتحرم بلبنها ولانها فسرتها السنة وبينت الرضاعة المحرمة وصريح ما رويناه يخص مفهوم ما رووه فيجمع بين الاخبار بحملها على الصريح الذي رويناه (مسألة) (ومتى أخذ الثدي فامتص منه ثم تركه أو قطع فهي رضعة فان عاد فأخذه فهي رضعة أخرى بعد ما بينهما أو قرب) يشترط أن تكون الرضعات متفرقات، وبه قال الشافعي والمرجع في معرفة الرضعة إلى العرف لان الشرع ورد به مطلقا ولم يحدها بزمن ولا مقدار فدل على أنه ردهم إلى العرف فإذا ارتضع الصبي وقطع قطعا بينا باختياره كان ذلك رضعة فإذا عاد كانت رضعة أخرى فاما ان قطع لضيق نفس أو للانتقال من ثدي إلى ثدي أو لشئ يلهيه أو قطعت عليه المرضعة فان لم يعد قريبا فهي رضعة فان عاد في الحال ففيه وجهان (أحدهما) أن الاول رضعة فإذا عاد فهي رضعة أخرى وهذا اختيار أبي بكر وظاهر كلام أحمد
في رواية حنبل فانه قال اما ترى الصبي يرضع من الثدي فإذا أدركه النفس أمسك عن الثدي ليتنفس ويستريح؟ فإذا فعل ذلك فهي رضعة وذلك لان الاولى رضعة لو لم يعد فكانت رضعة وان عاد كما لو قطع باختياره
(والوجه الآخر) أن جميع ذلك رضعة وهو مذهب الشافعي الا فيما إذا قطعت عليه المرضعة ففيه وجهان لانه لو حلف لا اكلت اليوم الا أكلة واحدة فاستدام الاكل زمنا أو قطع لشرب ماء أو انتقال من لون إلى لون أو انتظار لما يحمل إليه من الطعام لم يعد الا اكلة واحدة فكذا ههنا والاولى أولى لان اليسير من السعوط والوجور رضعة فكذا هذا، وقال ابن حامد إن قطع لعارض وعاد في الحال فهي رضعة وان تباعدوا وانتقل من امرأة إلى أخرى فهما رضعتان كما ذكرنا في الاكل (مسألة) (والسعوط والوجور كالرضاع في أحدى الروايتين) السعوط أن يصيب في أنفه اللبن من إناء أو غيره فيدخل والوجور أن يصيب في حلقه من غير الثدي) واختلفت الرواية في التحريم بها فأصبح الروايتين أن التحريم يثبت بهما كما يثبت بالرضاع، وهو قول الشعبي والثوري وأصحاب الرأي وبه قال مالك في الوجور (والثانية) لا يثبت التحريم بهما وهو اختيار أبي بكر ومذهب داود وعطاء الخراساني في السعوط لان هذا ليس برضعا وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع، ولانه حصل من غير ارتضاع فأشبه مال وحصل من جرح في بدنه ولنا ما روي ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم " رواه أبو داود ولان هذا يصل إليه اللبن كما يصل بالارتضاع ويحصل به من انبات اللحم وانشاز العظم ما يحصل بالرضاع فيجب أن يساويه في التحريم والانف سبيل لفطر الصائم فكان سبيلا للتحريم كالرضاع بالفم
(فصل) وإنما يحرم من ذلك كالذي يحرم بالرضاع وهو خمس في الرواية المشهورة فانه فرع على الرضاع فيأخذ حكمه فان ارتضع دون الخمس وكمل الخمس بسعوط ووجور أو أسعط وأوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم لانا جعلناه كالرضاع في أصل التحريم فكذلك في اكمال العدد ولو حلب
في اناء لبنا دفعة واحدة ثم سقي الغلام في خمسة أوقات فهو خمس رضعات فانه لو أكل من طعام خمس دفعات متفرقات لكان قد أكل خمس أكلات وان حلب في إناء خمس حلبات في خمسة أوقات ثم سقي دفعة واحدة كان رضعة واحدة كما لو جعل الطعام في إناء واحد في خمسة أوقات ثم أكله دفعة واحدة كان أكلة واحدة، وحكي عن الشافعي في الصورتين عكس ما قلناه اعتبارا بخروجه من المرأة لان الاعتبار بالرضاع والوجور فرعه ولنا أن الاعتبار بشرب الصبي له لانه المحرم ولهذا يثبت التحريم به من غير رضاع، ولو ارتضع بحيث يصل إلى فيه ثم مجه لم يثبت التحريم فكان الاعتبار به وما وجد منه إلا دفعة واحدة فكان رضعة واحدة وان سقاه في أوقات فقد وجد في خمسة أوقات فكان خمس رضعات فاما ان سقاه اللبن المجموع جرعة بعد جرعة متتابعة، فظاهر قول الخرقي أنه رضعة واحدة لان المعتبر في الرضعة العرف وهم لا يعدون هذا رضعات فأشبه ما لو أكل الطعام لقمة بعد لقمة فأنه لا يعد أكلات ويحتمل أن يخرج على ما إذا قطعت عليه المرضعة الرضاع على ما قدمناه
(فصل) فان عمل اللبن جبنا ثم أطعمه الصبي ثبت به التحريم، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحرم به لزوال الاسم، وكذلك على الرواية التي نقول لا يثبت التحريم بالوجور لا يثبت ههنا بطريق الاولى.
ولنا أنه واصل من الحلق يحصل به انبات اللحم وانشاز العظم فحصل به التحريم كما لو شربه (مسألة) (ويحرم لبن الميتة واللبن المشوب ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يثبت التحريم بهما) المنصوص عن أحمد في رواية ابراهيم الحربي في لبن الميتة إنه ينشر الحرمة، وهو اختيار أبي بكر وقول أبي ثور والاوزاعي وابن القاسم وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال أبو بكر الخلال لا ينشر الحرمة وتوقف عنه أحمد في رواية مهنأ، وهو مذهب الشافعي لانه لبن ممن ليس هو بمحل للولادة فلم يتعلق به التحريم كلبن الرجل ولنا أنه وجد الرضاع على وجه يثبت اللحم وينشز العظم من امرأة فأثبت التحريم كحال الحياة
ولانه لا فارق بين شربه في حياتها وموتها الا الحياة والموت أو النجاسة وهذا لا أثر له فان اللبن لا يموت والنجاسة لا تؤثر كما لو حلب في إناء نجس ولانه لو حلب منها في حياتها فشربه به بعد موتها لنشر الحرمة وبقاؤه في ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لان ثديها لا يزيد على الاتاء في عدم الحياة وهي لا تزيد على عظم الميتة في ثبوت النجاسة
(فصل) ولو حلبت المرأة لبنها في إناء ثم ماتت فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرما، وبه قال أبو ثور والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لانه لبن امرأة حلب في حياتها فأشبه ما لو شربه وهي في الحياة.
(مسألة) (ويحرم اللبن المشوب) ذكره الخرقي والمشوب المختلط بغيره وسواء اختلط بطعام أو شراب أو غيره في قول الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو بكر قياس قوله أحمد أنه لا يحرم لانه وجور وقال ابن حامد إن غلب اللبن حرم وإلا فلا وهو قول أبي ثور والمزني لان الحكم للاغلب ولانه يزول بذلك الاسم والمعنى، ونحوه قول أصحاب الرأي وزادوا فقالوا ان كانت النار مست اللبن حتى انضجت الطعام أو حتى تغير فليس برضاع ووجه الاول أن اللبن متى كان ظاهرا فقد حصل شربه ويحصل به انبات اللحم وانشاز العظم فحرم كما لو كان غالبا وهذا فيما إذا كانت صفات اللبن باقية فأما ان صب في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت به التحريم لان هذا ليس بمشوب ولا يحصل به التغذي ولا انبات اللحم وانشاز العظم، وحكي عن القاضي أن التحريم يثبت به وهو قول الشافعي لان أجزاء اللبن حصلت في بطته أشبه ما لو كان لونه ظاهرا ولنا أن هذا ليس برضاع ولا في معناه فوجب أن لا يثبت حكمه فيه (فصل) فان حلب من نسوة وسقي الصبي فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن لانه لو شيب
بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعا محرما فكذلك إذا شيب بلبن آخر (مسألة) (والحقنة لا تنشر الحرمة نص عليه وقال ابن حامد ينشرها) المنصوص عن أحمد ان الحقنه لا تحرم قاله أبو الخطاب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وقال ابن حامد
وابن أبي موسى يحرم وهو من مذهب الشافي لانه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر فتعلق به التحريم كالرضاع ولنا أن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة كما لو قطر في احليله ولانه ليس برضاع ولا في معناه فلم يجز اثبات حكمه ويفارق فطر الصائم فانه لا يعتبر فيه اثبات اللحم ولا انشاز العظم وهذا لا يحرم فيه إلا ما انبت اللحم وانشز العظم ولانه وصل اللبن إلى الباطن من غير الحلق أشبه ما لو وصل من جرح.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا تزوج كبيرة لم يدخل بها وثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة احداهن في الحولين حرمت الكبيرة على التأبيد وثبت نكاح الصغيرة وعنه ينفسخ نكاحهما)، إذا تزوج كبيرة وصغيرة فارضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها فسد نكاح الكبيرة في الحال وحرمت على التأبيد وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الاوزاعي نكاح الكبيرة ثابت وتنزع منه الصغيرة ولا يصح ذلك فان الكبيرة صارت من أمهات النساء فتحرم ابدا
لقول الله (وأمهات نسائكم) ولم يشترط دخوله بها فأما الصغيرة ففيها روايتان (إحداهما) نكاحها ثابت لانها ربيبة ولم يدخل بامها فلا تحرم لقول الله (فان لم تكونوا دخلتهم بهن فلا جناح عليكم) (والرواية الثانية) ينفسخ نكاحها، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة لانهما صارتا إماء وبنتا واجتمعتا في نكاحه والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحهما كما لو صارتا اختين وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقدا واحدا ولنا أنه أمكن إزاله الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة وهي أولى به لان نكاحها محرم على التأبيد فلم يبطل نكاحهما به كما لو ابتدأ العقد على أخته وأجنبية ولان الجمع طرأ على نكاح الام والبنت فاختص الفسخ بنكاح الام كما لو أسلم وتحته امرأة وبنتها وفارق الاختين لانه ليست احداهما أولى بالفسخ من الاخرى وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما لان الدوام أقوى من الابتداء (مسألة) (وان أرضعت اثنتين منفردتين انفسخ نكاحهما على الرواية الاولى وعلى الثانية ينفسخ
نكاح الاولى ويثبت نكاح الثانية) أما انفساخ نكاح الصغيرتين فلانهما صارتا اختين واجتمعتا في الزوجية فينفسخ نكاحهما كما لو
أرضعتها معا، وهذا على الرواية الاولى التي تقول ينفسخ نكاح الكبيرة وحدها فأما على الرواية التي تقول ينفسخ نكاحهما معا فانه يثبت نكاح الاخيرة من الصغيرتين لان الكبيرة لما أرضعت الصغيرة أولا انفسخ نكاحها ثم ارضعت الاخرى فلم تجتمع معهما في النكاح فلم ينفسخ نكاحها (فصل) إذا أرضعت الصغيرة أجنبية انفسخ نكاحهما أيضا، وهذا قول أبي حنيفة والمزني وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر ينفسخ نكاح الاخيرة وحدها لان سبب البطلان حصل بها وهو الجمع فأشبه ما لو تزوج إحدى الاختين بعد الآخرى ولنا أنه جمع بين الاختين في النكاح فانفسخ نكاحهما كما لو أرضعتهما معا وفارق ما لو عقد على واحدة بعد أخرى فان عقد الثانية لم يصح فلم يصير به جامعا بينهما وههنا حصل الجمع برضاع الثانية ولا يمكن القول بانه لم يصح فحصلتا معا في نكاحه وهما أختان لا محالة (مسألة) (وان أرضعت الثلاث متفرقات انفسخ نكاح الاولتين وثبت نكاح الثالثة على الرواية الاولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الجميع لانهما صارتا أختين في نكاحه وثبت نكاح الثالثة لان رضاعها بعد انفساخ نكاح الكبيرة والصغيرتين اللتين قبلها فلم يصادف اخوتها جمعا في النكاح) (مسألة) (وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معا بأن تلقم كل واحدة منهما ثديا فيمتصان معا أو تحلب من لبنها في إناء فتسقيهما معا انفسخ نكاح الجميع لانهن صرن أخوات في نكاحه)
لانها إذا أرضعت إحداهن منفردة لم ينفسخ نكاحها لانها منفردة ثم إذا أرضعت اثنتين بعد ذلك مجتمعات انفسخ نكاح الجميع لانهن أخوات في النكاح، هذا على الرواية الاولى، وعلى الثانية ينفسخ نكاح الام والاولى بالاجتماع ثم ينفسخ نكاح الاثنتين لكونهما صارتا أختين معا.
(مسألة) (وله أن يتزوج من شاء من الاصاغر)
لان تحريمهن تحريم جمع لا تحريم تأبيد فانهن ربائب لم يدخل بأمهن وإن كان دخل بالام حرم الكل عليه على الابد لانهن ربائب مدخول بامهن.
(مسألة) (وكل امرأة تحرم ابنتها عليه كأمه وأخته وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه) لانها تصير ابنتها وكل رجل تحرم ابنته كأخيه وابنه وأبيه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه وفسخت نكاحها لانها صارت ابنة من تحرم ابنته عليه، وان أرضعتها امرأة أحد هؤلاء بلبن غيره لم تحرم عليه لانها صارت ربيبة زوجها، وان أرضعتها من لا تحرم بنتها كعمته وخالته لم تحرمها عليه، ولو تزوج بنت عمه فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لانها ان أرضعت الزوج صار عم زوجته وان أرضعت الزوجة صارت عمته وان أرضعتهما جميعا صار عمها وصارت عمته.
وان تزوج بنت عمته فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لانها ان أرضعت الزوج صار خالها وان أرضعت الزوجة صارت عمته.
وان تزوج بنت خاله فارضعت جدتهما الزوج صار عم زوجته
وان أرضعتها صارت خالته، وان تزوج ابنة خالته فأرضعت الزوج صار خال زوجته وان أرضعتها صارت خالة زوجها (فصل) وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول فان الزوج يرجع عليه نصف مهرها الذي يلزمه لها لانه قرره عليه بعد أن كان بعرض السقوط وفرق بينه وبين زوجته فلزمه ذلك كشهود الطلاق إذا رجعوا وانما لزمه نصف مهر الصغيرة لان نكاحها انفسخ قبل دخوله بها من غير جهتها والفسخ إذا جاء من أجنبي كان كطلاق الزوج في وجوب الصداق عليه (مسألة) (وان أفسدت نكاحها قبل الدخول فلا مهر لها لان فسخ نكاحها بسبب من وجهتها فسقط صداقها كما لو ارتدت وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا، فعلى هذا إذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاح الصغرى فعلى الزوج نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى لما ذكرنا، وبهذا قال الشافعي وحكي عن بعض أصحابه أنه يرجع بجميع صداقها لانها أتلفت البضع فوجب ضمانه، وقال أصحاب الرأي ان كانت المرضعة أرادت الفساد رجع عليها بنصف الصداق والا فلا يرجع بشئ وقال مالك لا يرجع بشئ
ولنا على أنه يرجع عليها بالنصف انها قررته عليه وألزمته إياه وأتلفت عليه ما في مقابلته فوجب عليها الضمان كما لو أتلفت عليه المبيع.
ولنا على أبي حنيفة أن ما ضمن في العدة ضمن في الخطأ كالمال ولانها أفسدت نكاحه وقررت عليه نصف الصداق فأشبه ما لو قصدت الافساد.
ولنا على أن الزوج انما يرجع بالنصف انه لم يغرم إلا النصف فلم يجب لم أكثر مما غرم ولانه بالفسخ رجع إليه بدل النصف الآخر فلم يجب له بدل ما أخذ بدله مرة أخرى، ولان خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له وانما ضمنت المرضعة ههنا لما ألزمت الزوج ما كان معرضا للسقوط بسبب يوجد من الزوجة فلم يرجع ههنا أكثر مما ألزمته.
(فصل) والواجب نصف المسمى لا نصف مهر المثل لانه انما يرجع بما غرم والذي غرم نصف ما فرض لها فرجع به وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي يرجع بنصف مهر المثل لانه ضمان متلف فكان الاعتبار بقيمته دون ما ملكه به كسائر الاعيان ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له بدليل ما لو قتلت نفسها أو ارتدت أو ارضعت من ينفسخ نكاحها بارضاعه فانها لا نغرم له شيئا انما الرجوع ههنا بما غرم فلا يرجع بغيره ولانه لو رجع بقيمة المتلف لرجع بمهر المثل كله ولم يختص بالنصف ولان شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا لزمهم نصف المسمى كذلك ههنا.
(مسألة) وان افسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها ويجب على زوجها وان افسده
غيرها وجب مهرها ولم يرجع به على احد ونص احمد على انه يرجع بالمهر كله) قال القاضي وهو مذهب الشافعي لان المرأة تستحق المهر كله على زوجها فيرجع بما لزمه كنصف المهر في غير المدخول بها، قال شيخنا والصحيح ان شاء الله انه لا يرجع على من أفسده بعد الدخول بشئ لانه لم يقرر على الزوج شيئا ولم يلزمه اياه فلم يرجع عليه بشئ كما لو افسدت المرأة نكاح نفسها ولانه
لو ملك الرجوع بالصداق بعد الدخول لسقط إذا كانت المرأة هي المفسدة للنكاح كما قبل الدخول ولان خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم على ما ذكرناه فيما مضى وكذلك لا يجب مهر المثل وانما رجع الزوج بنصف المسمى قبل الدخول لانها قررته عليه وكذلك يسقط إذا كانت هي المفسدة لنكاحها قبل الدخول ولم يوجد ذلك ههنا وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ولانه لو رجع بالمهر بعد الدخول لم يخل اما ان يكون رجوعه ببدل البضع الذي فوتته أو بالمهر الذي أداه: لا يجوز أن يكون ببدل البضع لانه لو وجب بدله لوجب له على الزوجة إذا فات بفعلها أو بقتلها ولكان الواجب لها مهر مثلها ولا يجوز ان يجب لها بدل ما اداه إليها لذلك ولانها ما أوجبته ولا لها اثر في ايجابه ولا تقريره (مسألة) (وان افسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها)
قال شيخنا لا نعلم بينهم خلافا في ذلك وان الزوج لا يرجع عليها بشئ إذا كان اداه إليها ولا في انها إذا افسدته قبل الدخول انه يسقط وانه يرجع عليها بما أعطاها (مسألة) (فإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاحها فعليه نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى) ولا مهر للكبرى ان كان قبل الدخول لانها افسدت نكاح نفسها وقد ذكرنا وجه ذلك ان كان المفسدة غيرهما (مسألة) (فلو دبت الصغرى إلى الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات انفسخ نكاح الكبيرة وحرمت على التأبيد، فان كان دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة وانفسخ نكاحها ولا مهر للصغيرة) لانها فسخت نكاح نفسها وعليه مهر الكبيرة يرجع به على الصغيرة عند أصحابنا ولا يرجع به على ما اخترناه وان لم يكن دخل بالكبيرة فعليه نصف صداقها يرجع به في مال الصغيرة لانها فسخت نكاحها، وان ارتضعت الصغيرة منها رضعتين وهي نائمة ثم أنتهبت الكبيرة فأنمت لها ثلاث رضعات فقد حصل الفساد بفعليهما فينقسط الواجب عليهما وعليه مهر الكبيرة وثلاثة اعشار مهر الصغيرة ويرجع به على الكبيرة وان لم يكن دخل بالكبيرة فعليه خمس مهرها يرجع به على الصغيرة وهل ينفسخ نكاح الصغيرة؟ على روايتين
(فصل) وان ارضعت بنت الكبيرة الصغيرة فالحكم في التحريم والفسخ حكم ما لو أرضعتها الكبيرة لانها صارت جدتها والرجوع بالصداق على المرضعة التي افسدت النكاح، وان ارضعتها ام الكبيرة انفسخ نكاحهما معا لانهما صارتا اختين، فان كان لم يدخل بالكبيرة فله ان ينكح من شاء منهما ويرجع على المرضعة بنصف صداقها وان كان دخل بالكبيرة فله نكاحها لان الصغيرة لا عدة عليها وليس له نكاح الصغيرة حتى تنقضي عدة الكبيرة لانها قد صارت اختها فلا ينكحها في عدتها وكذلك الحكم ان ارضعتها جدة الكبيرة لانها تصير عمة الكبيرة أو خالتها والجمع بينهما محرم، وكذلك ان ارضعتها أختها أو زوجة اخيها بلبنه لانها صارت بنت أخت الكبيرة أو بنت اخيه وكذلك ان ارضعتها اختها أو بنت اختها ولا يحرم في شئ من هذا واحدة منهن على التأبيد لانه تحريم جمع الا إذا ارضعتها بنت الكبيرة وقد دخل بامها (مسألة) (وإذا كان لرجل خمس امهات اولاد لهن منه لبن فارضعن امرأة الصغرى كل واحدة منهن رضعة حرمت عليه في احد الوجهين) لانها ارتضعت من لبنه خمس رضعات فكمل رضاعها من لبنه فصار ابا لها كما لو أرضعتها واحدة منهن والوجه الثاني لا يصير ابا لها لانه رضاع لم تثبت به الامومة فلم يثبت به الابوة كلبن البهيمة ولا تحرم أمهات الاولاد لانه لم يثبت لهن أمومة (فصل) فان ارضعن طفلا كذلك لم يصرن امهات له وصار المولى ابا له وهذا قول ابن حامد لانه
ارتضع من لبنه خمس رضعات، وفيه وجه آخر لا نثبت الابوة لانه رضاع لم يثبت الا مرمة فلم يثبت الابوة كالارتضاع بلبن الرجل، والاول اصح لان الابوة انما تثبت لكونه رضع من لبنه لا لكون المرضعة أما له، ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين وإذا قلنا بثبوت الابوة حرمت عليه المرضعات لانه ربيبهن وهن موطوءات أبيه.
(فصل) وان كان لرجل خمس بنات فأرضعن طفلا كل واحدة رضعة لم يصرن أمهات له وهل يصير الرجل جدا له وأولاده أخوالا له وخالات؟ على وجهين: (أحدهما) يصير جدا واخوهن خالا لانه قد كمل للمرتضع خمس رضعات من لبن بناته فأشبه ما لو كان
من واحدة (والآخر) لا يثبت ذلك لان كونه جدا فرع كون ابنته أما وكونه خالا فرع كون أخته أما ولم يثبت فلا يثبت ذلك الفرع، وهذا الوجه يترجح في هذه المسألة لان الفرعية متحققه بخلاف التي قبلها.
فان قلنا يصير أخوهن خالا لم تثبت الخؤولة في حق واحدة منهن لانه لم يرتضع من لبن أخواتها خمس رضعات ولكن يحتمل التحريم لانه قد اجتمع من بنت المحرم خمس رضعات، ولو كمل للطفل خمس رضعات من أمه وأخته وابنته وزوجته وزوجه أبيه من كل واحدة رضعة خرج على الوجهين (فصل) إذا كان لامرأة لبن من زوج فارضعت به طفلا ثلاث رضعات وانقطع لبنها فتزوجت آخر فصار
لها منه لبن فارضعت منه الصبي رضعتين صارت أما له بغير خلاف علمناه عند القائلين بأن الخمس محرمات ولم يصيروا حد من الزوجين أبا له لانه لم يكمل عدد الرضاع من لبنه ويحرم على الرجلين لكونه ربيبهما لا لكونه ولدهما (مسألة) (ولو كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه فارضعن امرأة له صغرى كل واحدة رضعتين لم تحرم المرضعات) لانه لم تكمل عدد الرضعات لكل واحدة منهن وهل تحرم الصغرى؟ على وجهين أصحهما تحرم لانها ارتضعت من لبنه خمس رضعات وعليه نصف مهرها يرجع به عليهن على قدر رضاعهن يقسم بينهن أخماسا لان الرضعات الخمس محرمة وقد وجد من الاولى رضعتان ومن الثانية رضعتان والخامسة وجدت من الثانية فيجب على الاولى خمس مهرها وعلى الثانية خمس وعلى الثالثه عشر (مسألة) (فان كل لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فارضعن ثلاث نسوة له صغار حرمت الكبيرة) لانها من جدات النساء وجدة الزوجة محرمة ولم ينفسخ نكاح الصغار لانهن لسن أخوات وانما هن بنات خالات ولبن الربيبة لا يحرم إلا بالدخول بالام وان كان دخل بالام حرم الاصغار أيضا لانهن ربائب مدخول بامهن وان لم يكن دخل بها فهل ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا؟ على روايتين بناء على ما إذا أرضعت زوجته الكبرى زوجته الصغرى فان الكبرى تحرم وهل ينفسخ نكاح الصغرى؟ على روايتين ذكرنا توجيههما فيما مضى
(مسألة) (وان أرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين فهل تحرم الكبرى بذلك؟ على وجهين) (أحدهما) تحرم لانها صارت جدة بكون الصغيرة قد كمل لها خمس رضعات من لبن بناتها (والثاني) لا تصير جدة ولا ينفسخ نكاحها لان كونها جدة فرع على كون ابنتها اما ولم تثبت الاموة فما هو فرع عليها أولى ان لا يثبت وهذا أولى والله أعلم (فصل) إذا تزوج كبيرة ثم طلقها فارضعت صغيرة بلبنه صارت بنتا له وان ارضعتها بلبن غيره صارت ربيبته فان كان قد دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة على التأبيد وإن كان لم يدخل بها لم تحرم لانها ربيبة لم يدخل بأمها وان تزوج صغيرة ثم طلقها فأرضعت امرأة له حرمت المرضعة على التأبيد لانها من امهات نسائه وان تزوج كبيرة وصغيرة ثم طلق الصغيرة فارضعتها الكبيرة حرمت الكبيرة وانفسخ نكاحها فان كان لم يدخل بها فلا مهر لها وله نكاح الصغيرة وان كان دخل بها فلها مهرها وتحرم هي والصغيرة على التأبيد وان طلق الكبيرة وحدها قبل الرضاع فارضعت الصغيرة ولم يكن دخل بالكبيرة ثبت نكاح الصغيرة وان كان دخل بها حرمت الصغيرة وانفسخ نكاحها ويرجع على الكبيرة بنصف صداقها وان طلقهما جميعا فالحكم في التحريم على ما مضى (فصل) ولو تزوج رجل كبيرة وآخر صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم
ارضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما وانفسخ نكاحها وان كان زوج الصغيرة دخل بالكبيرة حرمت عليه وانفسخ نكاحها وإلا فلا (فصل) قال الشيخ رحمه الله إذا طلق امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبي فارضعته بلبنه انفسخ نكاحها منه لانها صارت امه من الرضاع وحرمت عليه لانها صارت امه من الرضاع وان تزوجت بآخره دخل بها ومات عنها لم يجز ان يتزوجها الاول لانها صارت من حلائل الابناء لما ارضعت الصبي الذي تزوجت به (مسألة) (ولو تزوجت الصبي اولا ثم فسخت نكاحه لعيب ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فارضعت به الصبي حرمت عليهما على الابد على الزوج الثاني لانها صارت من حلائل ابنائه وعلى الصبي لانها صارت امه (فصل) ولو زوج رجل ام ولده أو امته بصبي مملوك فارضعته بلبن سيدها خمس رضعات انفسخ نكاحه
وحرمت على سيدها على التأبيد لانها صارت من حلائل ابنائه فان كان الصبي حرا لم يتصور هذا الفرع عندنا لانه لا يصح نكاحه لان من شرط نكاح الحر للامة خوف العنت ولا يوجد ذلك في الطفل فان تزوج بها كان النكاح فاسدا وان ارضعته لم تحرم على سيدها لانه ليس بزوج في الحقيقة (فصل) قال الشيخ رحمه الله فان أفسد النكاح جماعة يسقط المهر عليهم فلو جاء خمس فسقين زوجة صغيرة من لبن ام الزوج خمس مرات انفسخ نكاحها ولزمهن نصف مهرها بينهن فان سقتها واحدة شربتين وأخرى ثلاثا فعلى الاولى الخمس وعلى الثانية خمس وعشر وان اسقاها واحدة شربتين وسقاها
ثلاث ثلاث شربات فعلى الاولى الخمس وعلى كل واحدة من الثلاث عشر وان كان له ثلاث نسوة كبار وواحدة صغيرة فارضعت كل واحدة من الثلاث الصغيرة أربع رضعات ثم حلبن في اناء وسقينه الصغيرة حرم الكبار وانفسخ نكاحهن فان لم يكن دخل بهن فنكاح الصغيرة ثابت على احدى الروايتين وعليه لكل واحدة منهن ثلث صداقها ترجع به على ضرتيها لان فساد نكاحها حصل بفعلها وفعلهما فسقط ما قابل فعلها وهو سدس الصداق وبقي عليه الثلث فرجع به على ضرتيها فان كان صداقهن متساويا سقط ولم يجب شئ لانه يتقاص ما لها على الزوج بما يرجع به عليها إذ لا فائدة في ان يجب لها عليه ما يرجع به عليها وان كان مختلفا وهو من جنس واحد تقاص منه بقدر اقلهما ووجبت الفضلة لصاحبها وان كان من أجناس ثبت التراجع على ما ذكرنا وان كان قد دخل باحدى الكبار حرمت الصغيرة أيضا وانفسخ نكاحها ووجب لها نصف صداقها ترجع به عليهن اثلاثا وللتي دخل بها المهر كاملا وفي الرجوع به ما اسلفناه من الخلاف.
وان حلبن في اناء فسقته احداهن الصغيرة خمس مرات كان صداق ضراتها يرجع به عليها ان كان قبل الدخول بهن لانها افسدت نكاحهن ويسقط مهرها ان لم يكن
دخل بها وإن كان دخل بها فلها مهرها لا يرجع به على أحد وان كانت كل واحدة من الكبار ارضعت الصغيرة خمس رضعات حرم الثلاث فان كان لم يدخل بهن فلا مهر لهن عليه وان كان دخل بهن فعليه لكل واحدة مهرها لا يرجع به على أحد وتحرم الصغيرة ويرجع بما لزمه من صداقها على المرضعة الاولى لانها
التي حرمتها عليه وفسخت نكاحها ولو أرضع الثلاث الصغيرة بلبن الزوج فارضعتها كل واحدة رضعتين صارت بنتا لزوجها في الصحيح وينفسخ نكاحها وترجع بنصف صداقها عليهن على المرضعتين الاولتين أربعة اخماسه وعلى الثالثة خمسه لان رضعتها الاولى هي التي حصل بها التحريم والثانية لا أثر لها ولا ينفسخ نكاح الاكابر لانهن لم يصرن امهات لها.
فان قيل فلم لا ترجع به عليهن على عددهن لكون الرضاع مفسدا فيستوى قليله وكثيرة كما لو طرح الجماعة نجاسة في مائع في حالة واحدة؟ قلنا لان التحريم يتعلق بعدد الرضعات فكان الضمان متعلقا بالعدد بخلاف النجاسة فان النتجيس لا يتعلق بقدر فيستوي قليله وكثيرة لكون الكثير والقليل سواء في الافساد فنظير ذلك ان يشرب في الرضعة من إحداهما أكثر ما يشرب من الاخرى (فصل) وان كانت له زوجة امة فارضعت امرأته الصغيرة فحرمتها عليه وفسخت نكاحها كان ما لزمه من صداق الصغيرة له في رقبة الامة لان ذلك من جنايتها وان ارضعتها ام ولده افسدت نكاحها وحرمتها
عليها لانها ربيبته دخل بامها وتحرم ام الولد عليه ابدا لانها من امهات نسائه ولا غرامة عليها لانها أفسدت على سيدها وان كانت مكاتبته رجع عليها لان المكاتبة يلزمها ارش جنايتها وان ارضعت ام امرأة ابنه بلبنه فسخت نكاحها وحرمتها عليه لانها صارت اخته وان أرضعت زوجة أبيه بلبنه حرمتها عليه لانها صارت بنت ابنه ويرجع الاب على ابنه باقل الامرين مما غرمه لزوجتها أو قيمتها لان ذلك من جناية ام ولده.
وان أرضعت واحدة منهما بغير لبن سيدها لم تحرمها لان كل واحدة منهما صارت بنت ام ولده (فصل) قال رضي الله عنه إذا شك في الرضاع أو عدده بني على اليقين فلم يحرم لان الاصل عدم الرضاع في مسألة الاولى وعدم وجود الرضاع المحرم في الثانية فهو كما لو شك في وجود الطلاق أو عدده (مسألة) (وان شهدت به امرأة مرضية ثبت بشهادتها وعنه أنها ان كانت مرضية استحلفت فان كانت كاذبة لم يحل الحول حتى تبيض ثدياها وذهب فيه إلى قول ابن عباس) وجملة ذلك أن الرضاع إذا شهدت به امرأة مرضعة حرم النكاح وثبت الرضاع بشهادتها وعنه رواية أخرى كالتي ذكرناها عن ابن عباس فان ابن عباس قال في امرأة زعمت أنها أرضعت رجلا
وأهله قال ان كانت مرضية استحلفت وفارق أهله وقال ان كانت كاذبة لم يحل الحول حتى تبيض ثدياها أي يصيها فيهما برص عقوبة على كذبها وهذا لا يقتضيه القياس ولا يهتدي إليه رأي فالظاهر أنه لا يقوله إلا توقيفا وممن ذهب إلى أن شهادة المرأة الواحدة مقبوله في الرضاع إذا كانت مرضية طاوس
والزهري والاوزاعي وابن أبي ذئب وسعيد بن عبد العزيز، وعن أحمد رواية أخرى لا تقبل إلا شهادة امرأتين، وهو قول الحكم لان الرجال أكمل من النساء ولا تقبل إلا شهادة رجلين فالنساء أولى وقال عطاء والشافعي لا يقبل من النساء أقل من أربع لان كل امرأتين كرجل، وقال أصحاب الرأي لا يقبل فيه إلا رجلان أو رجل وأمرأتان، وروي ذلك عن عمر لقول الله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) ولنا ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " وكيف وقد زعمت ذلك " متفق عليه، وفي لفظ رواه النسائي قال فأتيته من قبل وجهه فقلت إنها كاذبة فقال " وكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ خل سبيلها " وهذا يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة، وقال الزهري فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان بشهادة امرأة في الرضاع، وقال الشعبي كان القضاء يفرقون بين الرجل والمرأة بشهادة امرأة واحدة في الرضاع ولان هذه شهادة على عورة فتقبل فيه شهادة المنفردات كالولادة وعلى الشافعي أنه معنى يقبل فيه قول
النساء المنفردات فيقبل فيه امرأة منفردة كالخبر (فصل) وتقبل فيه شهادة المرضعة على فعل نفسها لما ذكرنا من حديث عقبة من أن الاما السوداء قالت قد ارضعتكما فقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادتها ولانه فعل لا يحصل لها به نفع مقصود ولا يدفع عنها به ضررا فقبلت شهادتها كفعل غيرها فان قيل فانها تستبيح الخلوة به والسفر معه وتصير محرما له قلنا ليس هذا من الامور المقصودة التي ترد بها الشهادة ألا ترى أن رجلين لو شهدا أن فلانا طلق زوجته أو أعتق امته قبلت شهادتهما وان حل لهما نكاحها بذلك
(مسألة) (وان تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح فان صدقته فلا مهر لها وان كذبته فلها نصف المهر وجملته أن التزوج إذا أقر أن زوجته أخته من الرضاع انفسخ نكاحه ويفرق بينهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال وهمت أو أخطأت قبل قوله ذلك يتضمن أنه لم يكن بينهما نكاح ولو جحد النكاح ثم أقر به قبل كذلك ههنا
ولنا أنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه فلم يقبل رجوعه عنه كما لو أقر بالطلاق ثم رجع أو أقر أن امته أخته من النسب وما قاسوا عليه ممنوع وهذا الكلام في الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فينبني ذلك على علمه بصدقه فان علم أن الامر كما قال فهي محرمة عليه ولا نكاح بينهما وان علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله وقوله كذب لا يحرمها عليه لان المحرم حقيقة الرضاع لا القول وان شك في ذلك لم يزل عن اليقين بالشك وقيل في حلها له إذا علم كذب نفسه روايتان، والصحيح ما قلناه لان قوله ذلك إذا كان كذبا لم يثبت التحريم كما لو قال لها وهي أكبر منه هي ابنتي من الرضاعة إذا ثبت هذا فانه ان كان قبل الدخول وصدقته المرأة فلا شئ لها لانهما اتفقا على أن النكاح باطل من أصله لا تستحق فيه مهرا فأشبه ما لو ئبت ذلك ببينة وان أكذبته فالقول قولها لان قوله غير مقبول عليها في اسقاط حقوقها فلزمه اقراره فيما هو حق له وهو يحرمها عليه وفسخ نكاحه ولم يقبل قوله فيما عليه من المهر (فصل) وان قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح لما ذكرنا ولها المهر بكل حال لان المهر يستقر بالدخول "
(فصل) وان قال هي عمتي أو خالتي أو ابنة أخي أو أختي أو أمي من الرضاع وأمكن صدقه فالحكم فيه كما لو قال هي أختي، وان لم يمكن صدقه مثل أن يقول لهن هي مثله هذه أمي أو لاكبر منه أو لمثله هذه ابنتي لم تحرم عليه وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد تحرم عليه لانه أقر بما يحرمها فقبل كما لو أمكن
ولنا أنه أقر بما يتحقق كذبه فأشبه ما لو قال أرضعتني وإياها حواء أو كما قال هذه حواء وما ذكروه تنتقض بهذه الصور، ويفارق ما إذا أمكن فانه لا يتحقق كذبه والحكم في لاقرار بقرابة من النسب تحرمها عليه كالحكم في لاقرار بالرضاع لانه في معناه (فصل) إذا ادعى أن زوجته أخته من الرضاع فأنكرته فشهدت بذلك أمه أو ابنته لم تقبل شهادتهما لان شهادة الولد لوالده والوالد لولده لا تقبل، وان شهدت بذلك أمها أو ابنتها قبلت وعنه لا تقبل بناء على شهادة الوالد على ولده والد على والده وهي مقبولة في أصح الروايتين، وان ادعت ذلك المرأة وأنكرها الزوج فشهدت لها أمها أو ابنتها لم تقبل وان شهدت لها أم الزوج أو ابنته قبل في أصح الروايتين (مسألة) (وان كانت هي التي قبلت هو أخي من الرضاع وأكذبها فهي زوجته في الحكم لانه لا يقبل قولها في فسخ النكاح)
لانه حق عليها فان كان قبل الدخول فلا مهر لها لانها تقر بأنها لا تستحقه وان كانت قد قبضته لم يكن المزوج أخذه منها لانه يقر بأنه حق لها، وان كان بعد الدخول فأقرت أنها كانت عالمة بانها أخته وبتحريمها عليه وطاوعته في الوطئ فلا مهر لها أيضا لاقرارها بأنها زانية مطاوعة، وان انكرت شيئا من ذلك فلها المهر لانه وطئ بشبهة وهي زوجته في ظاهر الحكم لان قولها غير مقبول، فأما فيما بينها وبين الله تعالى فان علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها مساكنته وتمكينه من وطئها وعليها أن تفر منه وتفتدي نفسها بما أمكنها لان وطأه لها زنا فعليها التخلص منه مهما أمكنها كما قلنا في التي علمت أن زوجها طلقها ثلاثا وأنكر وينبغي أن يكون الواجب لها من المهر بعد الدخول أقل الامرين من المسمى أو مهر المثل لانه ان كان المسمى أقل فلا يقبل قولها في وجوب زائد عليه، وان كان الاقل مهر المثل لم يستحق أكثر منه لاعترافها بان استحقاقها له بوطئها لا بالعقد فلا تستحق أكثر منه، وان كان اقرارها باخوته قبل النكاح لم يجز لها نكاحه ولا يقبل رجوعها عن اقرارها في ظاهر الحكم لان اقرارها لم يصادف زوجية عليها يبطلها فقبل اقرارها على نفسه بتحريمه عليها، وكذلك لو أقر الرجل أن هذه أخته من الرضاع أو محرمة عليه برضاع أو غيره وأمكن صدقه لم يحل له تزوجها فيما بعد ذلك في ظاهر الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فينبني
على علمه بحقيقة الحال على ما ذكرنا (مسألة) (ولو قال الزوج هي ابنتي من الرضاع وهي في سنه أو أكبر منه لم تحرم) لتحققتا كذبه وقد ذكرناه.
(مسألة) (ولو تزوج رجل امرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه ولم يزد لبنها فهو للاول وان
زاد لبنها فأرضعت به طفلا صار ابنا لهما وان انقطع من الاول ثم ثاب بحملها من الثاني فكذلك عند أبي بكر وعند أبي الخطاب هو ابن الثاني وحده) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق زوجته ولها منه لبن فتزوجت آخر لم يخل من خمسة أحوال (أحدها) أن يبقى الاول بحاله لم يزد ولم ينقص ولم تلد من الثاني فهو للاول سواء حملت من الثاني أو لم تحمل لا نعلم فيه خلافا لان اللبن كان للاول ولم يتجدد ما يجعله من الثاني فبقي للاول (الثاني) أن لا تحمل من الثاني فهو للاول سواء زاد أو لم يزد أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع (الثالث) أن تلد من الثاني فاللبن له خاصة، قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من أحفظ عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي سواء زاد أو لم يزد انقطع أو لم ينقطع، لان لبن الاول ينقطع بالولادة من الثاني فان حا جة المولود تمنع كونه لغيره (الرابع) أن يكون لبن الاول باقيا وزاد بالحمل من الثاني فاللبن منهما جميعا في قول أصحابنا، وقال أبو حنيفة هو للاول ما لم تلد من الثاني، وقال الشافعي ان لم ينته الحمل إلى حال ينزل به اللبن فهو للاول وان بلغ إلى حال ينزل به اللبن فزاد به ففيه قولان (أحدهما) هو للاول والثاني هو لهما ولنا أن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنها منه وبقاء لبن الاول يقتضي كون أصله منه فيجب أن يضاف اليهما كما لو كان الولد منهما (الحال الخامس) انقطع من الاول ثم ثاب بالحمل من الثاني فقال أبو بكر هو منهما وهو أحد أقوال الشافعي إذا انتهى الحمل إلى حال ينزل به اللبن وذلك لان اللبن كان للاول فلما عاد بحدوث الحمل فالظاهر أن لبن الاول ثاب بسبب الحمل
الثاني فكان مضافا اليهما كما لو يقطع، واختار أبو الخطاب أنه من الثاني وهو القول الثاني للشافعي لان ليس الاول انقطع فزال حكمه بانقطاعه وحدث بالحمل من الثاني فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الاول، وقال أبو حنيفة هو للاول ما لم تلد من الثاني وهو القول الثالث للشافعي لان الحمل لا يقتضي اللبن وانما يخلفه الله تعالى للولد عند وجوده لحاجته إليه وقد سبق الكلام عليه (فصل) وإذا ادعى احد الزوجين على الآخر انه اقر انه اخو صاحبه من الرضاع فأنكر لم يقبل في ذلك شهادة النساء المنفردات لانها شهادة على الاقرار والافرار مما يطلع عليه الرجال فلم يحتج فيه إلى شهادة النساء المنفردات فلم يقبل ذلك بخلاف الرضاع نفسه (فصل) كره أبو عبد الله الارتضاع بلبن الفجور والمشركات وقال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما: اللبن يشتبه فلا تستق من يهودية ولا نصرانية ولا زانية ولا يقل أهل الذمة المسلمة ولا يرى شعورهن، ولان لبن مفاجرة ربما أفضى إلى شبه المرضعة في الفجور ويجعلها اما لولده فيتعير بها ويتضرر طبعا وتعيرا والارتضاع من المشركة يجعلها اما لها حرمة الام مع شركها وربما مال إليها في محبة دينها، وبكره الارتضاع بلبن الحمقاء كيلا يشبهها الولد في الحمق فانه يقال ان الرضاء يغير الطباع
(كتاب النفقات) (يجب على الرجال نفقة زوجته وما لا غناء لها عنه وكسوتها ومسكنها بما يصلح مثلها) نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والاجماع اما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) ومعنى قدر ضيق وقال سبحانه (قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم وما ملكت ايمانهم)، واما السنة فما روى جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال " اتقوا الله في النساء فانهن عوان عندكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم ورواه الترمذي باسناده عن عمرو بن الاحوص قال " إلا ان لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فاما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم ان تحسنوا
اليهن في كسوتهن وطعامهن " وقال حديث حسن صحيح وجاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها وان ذلك مقدر بكفايتها
وان نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم وان ذلك بالمعروف وان لها ان تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها اياه، واتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على ازواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره وفيه ضرب من العبرة وهو المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من ان ينفق عليها كالعبد مع سيده، فمتى سلمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها فلها عليه جميع حاجتها من مأكول وملبوس ومسكن (مسألة) (وليس ذلك مقدرا لكنه معتبر بحال الزوجين جميعا).
هكذا ذكره أصحابنا فان كانا موسرين فعليه لها نفقة الموسرين وان كانا معسرين فعليه نفقة المتوسطين وان كان احدهما موسرا والآخر معسرا فعليه نفقة المتوسطين ايهما كان الموسر، وقال أبو حنيفة ومالك تعتبر حال المرأة على قدر كفايتها لقول الله تعالى " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " والمعروف الكفاية ولانه سوى بين النفقة والكسوة على قدر حالها فكذلك الفقة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فاعتبر كفايتها دون حال زوجها ولان نفقتها واجبة لدفع حاجتها فكان الاعتبار بما تندفع به حاجتها دون حال من وجبت عليه كنفقة المماليك ولانه واجب للمرأة على زوجها بحكم الزوجية لم يقدر فكان معتبرا بها كمهرها، وقال الشافعي الاعتبار بحال الزوج وحده لقول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)
ولنا ان فيما ذكرناه جمعا بين الدليلين وعملا بكلا النصين ورعاية لكلا الجانبين فكان اولى (فصل) والنفقة مقدرة بالكفاية وتختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها، وبهذا قال
أبو حنيفة ومالك وقال القاضي هي مقدرة بمقدار لا يختلف في الكثرة والقلة، والواجب رطلان من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتبارا بالكفارات، وانما يختلفان في صفته وجودته لان الموسر والمعسر سواء في قدر المأكول وما تقوم به البنية وانما يختلفان في جودته فكذلك النفقة الواجبة، وقال الشافعي نفقة المقتر مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لان أقل ما يدفع في الكفارة مد والله سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الاهل فقال سبحانه (من اوسط ما تطعمون اهليكم) وعلى الموسر مدان، لان أكثر ما اوجب الله سبحانه للواحد مدين في فدية الاذى، وعلى المتوسط مد ونصف، نصف نفقة الفقير ونصف نفقة الموسر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فأمرها باخذ ما يكفيها من غير تقدير ورد الاجتهاد في ذلك إليها، ومن المعلوم ان قدر كفايتها لا ينحصر في المدين بحيث لا يزيد عنهما ولا ينقص ولان الله تعالى قال (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وايجاب أقل من الكفاية من الرزق ترك للمعروف وايجاب قدر الكفاية وان كان أقل من مد أو رطلي خبر انفاق بالمعروف فيكون ذلك واجبا بالكتاب والسنة
واعتبار النفقة بالكفارة في القدر لا يصح لان الكفارة لا تختلف باليسار والاعسار ولا هي مقدرة بالكفاية وانما اعتبرها الشرع بها في الجنس دون القدر ولهذا لا يجب فيها الادم (فصل) ولا يجب فيها الحب وقال الشافعي يجب فيها الحب اعتبارا بالايجاب في الكفارة حتى لو دفع إليها دقيقا أو سويقا أو خبزا لم يلزمها قبوله كما لا يلزم المسكين في الكفارة، وقال بعضهم يجئ على قول أصحابنا أنه لا يجوز وان تراضيا عليه لانه بيع حنطة بجنسها متفاضلا ولنا قول ابن عباس في قول الله تعالى (من اوسط ما تطعمون اهليكم) قال الخبز والزيت وعن ان عمر الخبز والسمن والخبز والزيت والخبز والتمر وافضل ما تطعمونهن الخبز واللحم ففسر طعام الاهل بالخبز مع غيره من الادم، ولان الشرع ورد بالايجاب مطلقا من غير تقدير ولا تقييد فوجب ان يرد إلى العرف كما في القبض والاحراز، وأهل العرف انما يتعارفون فيما بينهم في الانفاق على اهليهم
الخبز والادم دون الحب والنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته انما كانوا ينفقون ذلك دون ما ذكروه فكان ذلك هو الواجب ولانها نفقة قدرها الشرع بالكفاية فكان الواجب الخبز كنفقة العبيد ولان الحب تحتاج فيه إلى طحنه وخبزه فمتى احتاجت إلى تكلف ذلك من مالها لم تحصل الكفاية بنفقته، وفارق الاطعام فانها لا تتقدر بالكفاية ولا يجب فيها الادم، فعلى هذا لو طلبت مكان الخبز حبا أو دراهم أو دقيقا أو غير ذلك لم يلزمه بذله ولو عرض عليها بدل الواجب لها لم يلزمها قبوله لانها معارضة فلا يجبر واحد منهما على
قبولها كالبيع وان تراضيا على ذلك جاز لانه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضعة عنه كالطعام في القرض ويفارق الطعام في الكفارة فانه حق لله تعالى وليس هو لآدمي معين فيرضى بالعوض عنه وان اعطاها مكان الخبز حبا أو دقيقا جاز إذا تراضيا عليه لان هذا ليس بمعاوضة حقيقة فان الشارع لم يعين الواجب باكثر من الكفاية فبأي شئ حصلت الكفاية كان ذلك هو الواجب وانما صرنا إلى ايجاب الخبز عند الاختلاف لترجحه بكونه القوت المعتاد (مسألة) (فان تنازعا رجع الامر إلى الحاكم) وجملة ذلك ان الامر يرجع في تقدير الواجب للزوجة إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه ان لم يتراضيا على شئ فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والادم فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالها وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه لكل أحد على حسب حاله على ما جرت العادة في حق أمثاله وكذلك الادم للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع الادم من الارز واللحم واللبن وما ينطبخ به اللحم والدهن على اختلاف أنواعه في بلدانه السمن في موضع والزيت في آخر والشحم في آخر والشيرج في آخر وللمعسرة تحت المعسر من الادم ادونه كالباقلاء والخل والبقل والكامخ وما جرت به عادة أمثالهم وما يحتاج إليه من الدهن وللمتوسطة تحت المتوسط اوسط ذلك من الخبز والادام على حسب عادته
وقال الشافعي الواجب من جنس قوت البلد لا يختلف باليسار والاعسار سوى المقدار والادم
هو الدهن خاصة لانه اصلح للابدان واجود في المؤنة لانه لا يحتاج إلى طبخ وكلفة ويعتبر الادم بغالب عادة اهل البلد كالزيت بالشام والشيرج بالعراق والسمن بخراسان ويعتبر قدر الادم بالقوت فإذا قيل ان الرطل يكفيه الاوقية من الدهن فرض ذلك وفي كل يوم جمعة رطل لحم فان كان في موضع يرخص اللحم زادها على الرطل شيئا وذكر القاضي مثل هذا في الادم وهذا مخالف لقول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقة فلينفق مما آتاه الله) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ومتى أنفق الموسر نفقة المعسر فما أنفق من سعته ولا رزقها بالمعروف وقد فرق الله تعالى بين الموسر والمعسر في الانفاق وفي هذا جمع بين ما فرقه الله تعالى وتقدير الادم بما ذكروه تحكيم لا دليل عليه وخلاف العادة والعرف بين الناس في انفاقهم فلا يعرج على مثل هذا وقد قال ابن عمر من افضل ما تطعمون اهليكم الخبز واللحم والصحيح ما ذكرناه من رد النفقة المطلقة في الشرع إلى العرف فيما بين الناس في نفقاتهم في حق الموسر والمعسر والمتوسط كما رددناهم في الكسوة إلى ذلك ولان النفقة من مؤنة المرأة على الزوج فاختلف جنسها باليسار والاعسار كالكسوة وحكم المكاتب والعبد كالمعسر لانهما ليسا بأحسن حالا منه ومن نصفه حر ان كان موسرا فحكمه حكم المتوسط لانه متوسط نصفه موسر ونصفه معسر
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: