الفقه الحنبلي - العيب في النكاح
(باب حكم العيوب في النكاح) (العيوب المثبتة للفسخ ثلاثة أقسام (أحدها) ما يختص بالرجال وهو شيئان (أحدهما) أن يكون الرجل مجبوبا قد قطع ذكره ولم يبق منه ما يمكن الجماع به) الكلام في العيوب المثبتة
لفسخ النكاح للمرأة والرجل إذ اختار ذلك في اربعة فصول: (أحدها) ان خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين للعيب يجده في الآخر في الجملة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد والشافعي واسحاق وروى عن على لا ترد الحرة بعيب، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا فان للمرأة الخيار فان اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة ولا يكون فسخا لان وجود العيب لا يقتضي فسخ النكاح كالعمي والزمانة وسائرا لعويب ولنا أن المختلف فيه يمنع الوطئ فأثبت الخيار كالجب والعنة ولان المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق، أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب أو أحد الزوجين فيثبت
له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة، فاما العمي والزمانة ونحوهما فلا يمنع المقصود بعقد النكاح وهو الوطئ بخلاف العيوب المختلف فيها، فان قيل فالجذام والجنون والبرص لا يمنع الوطئ قلنا بل يمنعه فان ذلك يوجب نفرة تمنع من قربانه بالكلية ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله والمجنون يخاف منه الجناية فصار كالمانع الحمي (الثاني) العيوب المجوزة للفسخ وهي ثمانية: اثنان يختصان الرجل وهما الجب والعنة وثلاثة تختص المرأة وهي الفتق والقرن والعفل وثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجذام والجنون والبرص وهكذا ذكرها الخرقي، وقال القاضي: هي سبعة جعل القرن والعفل شيئا واحدا وهو الرتق وذلك لحم ينبت في الفرج، حكي ذلك أهل الادب وحكي نحوه عن أبي بكر وذكره أصحاب الشافعي وقال الشافعي القرن عظم في الفرج يمنع الوطئ وقال عن غيره لا يكون في الفرج عظم انما هو لحم ينبت فيه وحكي عن أبي حفص ان العفل كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطئ، وقال أبو الخطاب الرتق أن يكون الفرج مسدودا يعني ملتصفا لا يدخل الذكر فيه والقرن والعقل لحم ينبت في الفرج فيسده فهما في معنى الرتق الا أنهما نوع آخر، وأما الفتق فهو انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني وذكرها أصحاب الشافعي سبعة أسقطوا منها الفتق ومنهم من جعلها ستة وجعل القرن والعفل شيئا
واحدا وانما اختص الفسخ بهذه العيوب لانها تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح فان الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه ويخشى تعديه إلى النفس والنسل فيمنع الاستمتاع، والجنون يثير نفرة ويخشى ضرره والجب والرتق بتعذر معهما الوطئ والفتق يمنع لذة الوطئ وفائدته وكذلك العفل على قول من فسره بالرغوة (فصل) فان اختلفا في وجود العيب كمن يجسده بياض يمكن أن يكون بهقا أو برصا واختلفا في كونه برصا أو كانت به علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين فاختلفا في كونه جذاما فان كانت للمدعي بينة من اهل الخبرة والثقة فيشهدان بما قال ثبت قوله والاحلف المنكر والقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(ولكن اليمين على المدعى عليه) وان اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة فان شهدت بما قال الزوج والا فالقول قول المرأة، وأما الجنون فانه يثبت الخيار سواء كان مطبقا أو كان يجن في الاحيان لان النفس لا تسكن إلى من هذه حاله الا أن يكون مريضا يغمى عليه ثم يزول فذلك مرض لا يثبت به خيار فان زال المرض ودام الاغماء فهو كالمجنون يثبت به الخيار.
(مسألة) (فان اختلفا في امكان الجماع بما بقي من ذكره فالقول قول المرأة)
لانه يضعف بالقطع والاصل عدم الوطئ ويحتمل ان القول قوله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولان له ما يمكن الجماع بمثله فأشبه من له ذكر قصير (الثاني) أن يكون عنينا العنين هو العاجز عن ايلاج ذكره وهو مأخوذ من عن أي اعترض لان ذكره يعن إذا أراد ايلاجه أي يعترض قيل لانه يعن لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده فإذا كان الرجل كذلك فهو عيب به وتستحق به المرأة فسخ النكاح بعد ان يضرب له مدة يختبر فيها ويعلم حاله بها، وهذا قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعليه فتوى فقهاء الامصار منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وشذ الحكم وداود فقالا لا يؤجل وهي امرأته وروي ذلك عن علي رضي الله عنه لان امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ان رفاعة طلقني فبت طلاقي فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير وانما له مثل هدية الثوب فقال (تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته) ويذوق عسلتيك ولم يضرب له مدة ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه اجل العنين سنة وروى ذلك الدارقطني عن عمرو ابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم ورواه أبو حفص عن على ولانه عيب يمنع الوطئ فأثبت الخيار كالجب في الرجل والرتق في المرأة فأما الخبر فلا حجة لهم فيه فان المدة انما تضرب له مع اعترافه
وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منهما وقد روي أن الرجل وقال اني لاعركها عرك الاديم وقال بن عبد البر وقد صح ان ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة وصح ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم (تريدين ان ترجعي إلى رفاعة) ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها وقيل انها ذكرت ضعفه وشبهته بهدبة الثوب مبالغة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (حتى تذوقي عسيلته) والعاجز عن الوطئ لا يحصل منه ذلك (مسألة) (فان ادعت ذلك أجل سنة منذ ترافعه) وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت عجز زوجها عن وطئها لعنة سئل عن ذلك فان أنكر وهي عذراء فالقول قولها وان كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب لان الاصل السلامة ولان هذا أمر لا يعرف الا من جهته وقال القاضي هل يستحلف؟ على وجهين بناء على دعوى الطلاق (مسألة) (فان اعترف بذلك أو قامت بينة على اقراره به فانكر فطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه) ويؤجل سنة في قول عامة أهل العلم وعن الحارث بن ربيععة أنه أجل رجلا عشرة اشهر ولنا قول من سمينا من الصحابة ولان هذا العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض فضرب له سنة لتمر به الفصول الاربعة فان كان من يبس زال في فصل الرطوبة وان كان من رطوبة زال في فصل
اليبس وان كان من برودة زال، في فصل الحرارة وان كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال فإذا مضت الفصول الاربعة واختلفت عليه الاهوية فلم يزل علم أنه خلقة وحكي عن أبى عبيد أنه قال أهل الطب يقولون الداء لا يستجن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر وابتداء السنة من يوم ترافعه قال ابن عبد البر على هذا جماعة القائلين بتأجيله قال معمر في حديث عمر يؤجل سنة من يوم ترافعه فإذا انضت المدة فلم يطأ فلها الخيار في فسخ النكاح (مسألة) (وان اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا) أكثر أهل العلم على هذا يقولون متى وطئ امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها ولم تضرب له مدة منهم عطاء وطاوس والحسن ويحيى الانصاري والزهري وعمرو بن دينار وقتادة ومالك
والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال أبو ثور إذا عجز عن عن وطئها أجل له لانه عجز عن وطئها فثبت حقها كما لو وجب بعد الوطئ ولنا أنه قد تحققت قدرته على الوطئ في هذا النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم يكن لان حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة ثبتت بوطئ واحد وقد وجد ما أوجبه فانه يتحقق به العجز فافترقا (فصل) وان علمت أن عجزه عن الوطئ لعارض من صغر أو مرض مرجوا لزوال لم تضرب له مدة لان ذلك عارض يزول والعنة لا تزول لانها جبلة وخلقة وان كان لكبر أو مرض لا يرجي
برؤه ضربت له المدة لانه في معنى من خلق كذلك وان كان لجب أو شلل ثبت الخيار في الحال لان الوطئ مأيوس منه فلا معنى لانتظاره وان كان قد بقي من الذكر ما يمكن الوطئ به أولا رجع إلى أهل الخبرة في ذلك.
(فصل) والوطئ الذي يخرج به من العنة هو تغيب الحشفة في الفرج لان الاحكام المتعلقة بالوطئ تتعلق به فان كان الذكر مقطوع الحشفة كفاه تغييب قدرا لحشفة من الباقي في أحد الوجهين ليكون ما يجري من المقطوع مثل ما يجري من الصحيح (والثاني) لا يخرج من العنة الا بتغييب جميع الباقي لانه لاحد ههنا يمكن اعتباره فاعتبر تغييب جميعه لانه المعني الذي يتحقق به حصول حكم الوطئ وللشافعي قولان كهذين.
(مسألة) (وان وطئها في الدبر أو وطئ غيرها لم تزل العنة ويحتمل أن تزول) لان الدبر ليس محلا للوطئ فأشبه الوطئ فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به الاحلال للزوج الاول ولا الاحصان وان وطئها في القبل حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة خرج عن العنة وذكر القاضي أن قياس المذهب ان لا يخرج عن العنة لنص أحمد على أنه لا تحصل به الاباحة للزوج الاول ولانه وطئ محرم أشبه الوطئ في الدبر
ولنا أنه وطئ في محل الوطئ فحرج به عن العنة كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطئ ولان
العنة العجز عن الوطئ فلا يبقى مع وجود الوطئ لان العجز ضد القدرة فلا يبقى مع وجود ضده وما ذكره غير صحيح لان تلك الاحكام يجوز أن تبقى مع وجود سببها لمانع أو فوات شرط والعنة في نفسها أمر حقيقي لا يتصور بقاؤه مع انتفائه وأما الوطئ في الدبر فليس وطأ في محله بخلاف مسئلتنا وفيه قول أن العنة تزوجل به اختاره ابن عقيل لانه أصعب فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر (فصل) فان وطئ امرأة لم يخرج به من العنة في حق غيرها واختار ابن عقيل أنه يخرج عن العنة في حق جميع النساء فلا تسمع دعواها عليه منها ولا من غيرها وهذا مقتضى قول أبي بكر وقول من قال إنه يختبر بتزويج امرأة أخرى ويحكى ذلك عن سمرة وعمر بن عبد العزيز قالوا لان العنة خلقة وجبلة لا تتغير بغير النساء فإذا انتفت في حق امرأة لم تبق في حق غيرها ولنا أن حكم كل امرأة معتبر بنفسها ولذلك لو ثبتت عنته في حقهن فرضي بعضهن سقط حقها وحدها دون الباقيات ولان الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها وهو ثابت في حقها لا يزول بوطئ غيرها وقوله كيف يصح العجز عن واحدة دون أخرى؟ قلنا قد تنهض شهوته في حق احداهما لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بكمال ولوجه دون الاخرى فعلى هذا لو تزوج امرأة فأصابها ثم أبائها ثم تزجها فعن أحمد لها المطالبة لانه إذا جاز أن يعن عن امرأة دون أخرى ففي
نكاح دون نكاح أولى ومقتضى قول أبي بكر ومن وافقه لا يصح هذا بلى متى وطئ امرأة لم تثبت عنته أبدا.
(فصل) وان ادعى أنه وطئها وقالت انها عذراء فشهدت بذلك امرأة ثقة فالقول قولها والا فالقول قوله.
إذا ادعت المرأة عنه زوجها فادعى أنه وطئها وقالت انها عذراء أريت النساء الثقات فان شهدن بعذرتها فالقول قولها ويقبل في قاء عذترها شهادة امرأة واحدة كالرضاع ويؤجل الرجل وبهذا قال الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي لان الوطئ يزيل العذرة فوجودها يدل على عدم الوطئ فان ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطئ فالقول قولها لان هذا بعيد جدا وان كان متصورا وهل تستتحلف المرأة؟ يحتمل وجهين (أحدهما) تستحلف لازالة هذا الاحتمال كما يستحلف سائر من قلنا القول قوله
والآخر لا يستحلف لان ما يبعد جدا لالتفات إليه كاحتمال كذب البينة العادلة وكذب المقر في اقراره وهل يقبل قول امرأة واحدة؟ على روايتين (احداهما) تقبل شهادة واحدة كالرضاع (والثاني) لا يقبل فيه الا اثنتان لان ما يقبل فيه شهادة الرجال لا يقبل فيه الا اثنان فالنساء أولى (فصل) وان لم يشهد لها أحد فالقول قوله لان الاصل السلامة في الرجال وعدم العيوب ودعواه تتضمن سلامة العقد وصحته ويسقط حكم قولها لتبين كذبها فان ادعت ان عذرتها زالت بسبب أحد فالقول قوله لان الاصل عدم الاسباب
(مسألة) (وان كانت ثيبا فالقول قوله لما ذكرنا) ولان هذا يتعذر اقامة البينة عليه فقبل قوله فيه مع يمينه وبهذا قال الثوري والشافعي، وأصحاب الرأي وابن المنذر لان هذا مما تتعذر اقامة البينة ويمينه أقوى فان دعواه سلامة العقد وسلامة نفسه من العيوب والاصل السلامة فكان القول قوله كالمنكر في سائر الدعاوي وعليه اليمين عليه صحة ما قال وهذا قول من سمينا ههننا لان قوله محتمل للكذب فقوينا قوله بيمينه كما في سائر الدعاوي التي يستحلف فيها فان نكل قضي عليه بتكوله ويدل علي وجوب اليمين قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمنى نعلي المدعى عليه) قال القاضي ويتخرج ان لا يستحلف على انكاره دعوى الطلاق فان فيها روايتين كذا ههنا والصحيح انه يستحلف لدلالة الخبر والمعني عليه وروي عن احمد ان القول قولها مع يمينها حكاها القاضي في المجرد لان الاصل عدم الاصابة فكان القول قولها لانه موافق للاصل واليقين معها وقال الخرقي يخلو معها في بيت ويقال له اخرج ماءك على شئ فان ادعت انه ليس بمني جعل على النار فان ذاب فهو مني وبطل قولها هكذا حكاه الخرقي عن احمد فعلى هذا ان أخرج ماءه فالقول قوله لان العنين يضعف عن الانزال فإذا أنزل تبينا صدقه فيحكم به وهو مذهب عطاء فان ادعت انه ليس يمني جعل على النار فان ذاب فهو مني لانه يشتبه ببياض البيض وذلك إذا وضع على النار يجتمع ويبس وهذا يذوب فيتميز بذلك احدهما من الآخر فيختبر به وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه
فالقول قول المرأة لان الظاهر معها وفي كل موضع حكمنا بوطئه بطل حكم عنته فان كان في ابتداء الامر لم يضربه له مدة وان كان بعد ضرب المدة انقطعت وان كان بعد انقضائها لم يثبت له خيار وكل موضع حكمنا بعدم الوطئ منه حكمنا بعنته كما لو أقر بها واختار أبو بكر انه يزوج امرأة لها حظ من الجمال ويعطي صداقها من بيت المال ويخلى وتسأل عنه ويؤخذ بما تقول فان أخبرت بأنه يط كذبت الاولى والثانية بالخيار بين الاقامة والفسخ وان كذبته فرق بينه وبينهما وصداق الثانية من ماله ههنا لما روي ان امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه انه لا يصل إليها زوجها فكتب إلى معاوية فكتب إليه ان زوجه امرأة ذات جمال يذكر عنها الصلاح وسق إليها من بيت المال عنه فان اصابها فقد كذبت وان لم يصبها ققد صدقت ففعل ذلك سمرة فجاءت المرأة فقالت ليس عنده شئ ففرق بينهما وقال الاوزاعي تشهده امرأتان ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرتا إلى فرجها فان كان فيه رطوبة الماء فقد صدق والا فلا وحكي عن مالك مثل ذلك الا انه اكتفي بواحدة والصحيح ان القول قوله لما ذكرنا وكذا لو ادعى الوطئ في الايلاء واعتبار خروج الماء ضعيف لانه قد يطأ ولا ينزل وقد ينزل من غير وطئ فان ضعف الذكر لا يمنع سلامة الطهر ونزول الماء وقد يعجز السليم القادر عن الوطئ في بعض الاحوال وليس كل من عجز عن الوطئ في حال من الاحوال أو وقت من الاوقات
(فصل) يكون عنينا ولذك جعلنا مدته سنة وتزويجه بأمرأه ثانية لا يصح لذلك أيضا ولانه قد يعن عن امرأة دون أخرى ولان نكاح الثانية ان كان وقتا أو غير لازم فهو نكاح باطل والوطئ فيه حرام وان كان صحيحا لازما ففيه اضرار بالثانية ولا ينبغي ان يقبل قولها لانها تريد بذلك تخليص نفسها فهي متهمة فيه وليس بأحق ان يقبل قولها من الاولى ولان الرجل لو أقر بالعجز عن الوطئ في يوم أو شهر لم تثبت عنته بذلك وأكثر ما في الذي ذكروه اان ثبت عجزه عن الوطئ في اليوم الذي اختبروه فيه وإذا لم يثبت حكم عنته باقراره بعجزه فلان لا يثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى (فصل) القسم الثاني يختص النساء وهو شيئان (الرتق) وهو كون الفرج مسدودا لا مسلك للذكر فيه وكذلك القرن والعفل وهو لحم يحدث فيه يسده وقيل القرن عظم والعفل رغوة تحدث فيه تمنع لذة
الوطئ (الثاني) الفتق وهو انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني (فصل) قال رضي الله عنه (القسم الثالث) مشترك بينهما وهو الجذام والبرص والجنون وسواء كان مطبقا أو يجن في الاحيان فهذه الاقسام يثبت بها خيار الفسخ رواية واحدة لما سبق وقد ذكرنا دليل ذلك والخلاف فيه (فصل) واختلف اصحابنا في البخر وهو نتن في الفم وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند
الوطئ واستطلاق البول والنجو والقروح السيالة في الفرج والخصاء وهو قطع الخصيتين والسل هو سل البيضتين والوجى وهو رضهما وفي كونه حنثي وفيما إذ وجد أحدهما بصاحبه عيبابه مثله أو حدث به العيب بعد العقد هل يثبت الخيار؟ على وجهين (أحدهما) لا يثبت الخيار وهو المفهوم من كلام الخرقي ثم ذكر العيوب التي تتبت الخيار في فسخ النكاح ولم يذكر شيئا من هذه لان ذلك لا يمنع من الاستمتاع ولا يخشى تعديه فلم يثبت به الخيار كالعمى والعرج ولان ذلك انما يثبت بنص أو اجماع أو قياس ولا نص فيها ولا اجماع ولا يصح قياسها على العيوب المثبتة للخيار لما بينهما من الفرق فان الوطئ مع هذه العيوب ممكن بل قد قيل ان الخصي اقدر على الجماع لانه لا يعتبر بانزال الماء والخنثى فيه خلقة زائدة لا تمنعه الجماع اشبه اليد الزائدة وإذا وجد احدهما بصاحبه عيبا به مثله فلا خيار لانهما متساويان فلا مزية لاحدهما على صاحبه والوجه (الثاني) له الخيار وقال أبو بكر وأبو حفص إذا كان أحدهما لا يستمسك بوله ولا خلاه فللآخر الخيار ويتخرج على ذلك من به الباسور القروح السيالة في الفرج ذكره أبو الخطاب لانها تثير نقرة وتتعدى نجاستها وتسمى من لا يحبس نجوها الشريم ومن لا يحبس بولها الماشولة ومثلها من الرجال الافين وقال أبو حفص والخصاء عيب يردبه وهو أحد قولي الشافعي لان فيه نفصا وعارا ويمنع الوطئ أو يضعفه وقد روي أبو عبيد باسناده عن سليمان بن يسار ان ابن سند تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر أعلمتها؟ قال لاقال أعلمها ثم خيرها وفي البخر وكون أحد الزوجين خنثي
غير مشكل وجهان (احدهما) يثبت الخيار لان فيه نفرة ونقصا وعارا والبخر نتن وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند الوطئ وهذا ان اراد به انه يسمى بخرا ويثبت الخيار والا فلا معنى له فان نتن الفم
يسمى بخرا ويمنع مقارنة صاحبه الا على كره وما عدا هذه من العيوب لا يثبت الخيار وجها واحدا كالقرع والعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين لانه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا الا ان الحسن قال إذا وجد احدهما الآخر عقيما يخير واحب احمد ان يبين امره وقال عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت لذلك لثبت في الآيسة ولان ضده يعلم فان رجالا لا يولد لاحدهم وهو شاب.
ثم يولد له ولد وهو شيخ ولا يتحقق ذلك منهما وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم والله اعلم وأما إذا وجد احدهما بصاحبه عيبا به مثله ففيه وجه ان يثبت الخيار لوجود سببه كما لو غر عبد بامة والان الانسان قد يأنف من عيب غيره ولا يأئف من عيب نفسه (فصل) وأما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به عيب من غير جنسه كالابرص يجد المرأة مجنونة أو مجذومة فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه الا ان يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي ان يثبت لها خيار لان عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع وانما امتنع لعيب نفسه (فصل) وان حدث العيب بعد العقد فيه وجهان (احدهما) يثبت الخيار وهو ظاهر قول الخرقي
لانه قال فان جب قبل الدخول فلها الخيار في وقتها لانه عيب في النكاح يثبت الخيار مقارنا فأثبته كالاعسار والرق فانه يثبت الخيار إذا قارن مثل ان تغز الامة من عبد ويثبته إذا طرأت الحرية إذا عتقت الامة تحت العبد ولانه عقد على منفعة فحدوث العيب بها يثبت الخيار كالاجاة (والثاني) لا يثبت الخيار وهو قول أبى بكر وابن حامد ومذهب مالك لانه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد اشبه الحادث بالمبيع والصحيح الاول وهذا ينتقض بالعيب الحادث في الاجارة، وقال أصحاب الشافعي ان حدث بالزوج أثبت الخيار وإن حدث بالمرأة فكذلك في أحسد الوجهين ولا يثبته في الآخر لان الرجل يمكنه طلاقها بخلاف المرأة.
ولنا انهما تساويا فيما إذا كان العيب سابقا فتساويا فيه لا حقا كالمتبايعين (مسألة) (وإن علم بالعيب وقت العقد أو قال قد رضيت بها معيبة بعد العقد أو وجد منه دلالة على الرضى من وطئ أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له لا نعلم فيه خلافا)
لانه رضي به فأشبه مشترى المعيب، وإن ظن العيب يسيرا فبان كثيرا كمن ظن البرص في قليل من جسدها فبان في كثير منه فلا خيار له أيضا لانه من جنس ما رضي به، وان رضي بعيب فبان غيره فله الخيار لانه وجد بها عيبا لم يرض به ولا يجنسه فيثبت له الخيار كالمبيع إذا رضي بعيب فيه فوجد به غيره وان رضي بعيب فزاد بعدا لعقد كأن كان قليل من البرص فانبسط في جلدها فلا خيار له لان رضاه به رضا بما يحدث منه
(فصل) وخيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضي به من القول والاستمتاع به من الزوج أو التمكين من المرأة، هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله فان علمت انه عنين فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك وذكر القاضي انه على الفور وهو مذهب الشافعي فمتي أخر الفسخ مع العلم والامكان بطل خياره لانه خيار الرد بالعيب فكار على الفور كاد المبيع المعيب ولنا انه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كخياء القصاص وخيار العيب في المبيع ممنوع ثم الفرق بينهما ان ضرره في المبيع غير متحقق لانه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته ويحصل ذلك مع عيبه وههنا المقصود الاستمتاع وذلك يفوت بعنته، وأما خيار الشفعة والمجلس فهو لدمع ضرر عبر متحقق (مسألة) (ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لانه مجتهد فيه فهو كفسخ العنة والفسخ للاعسار يالنفقة ويخالف خيار المعتقة لانه متفق عليه) (مسألة) فان فسخ قبل الدخول فلا مهر وان فسخ بعده فعليه لمهر المسمى وقبل عنه مهر المثل) أما إذا فسخ قبل الدخول فلا مهر عليه سواء كان من الزوج أو من المرأة وهذا قال الشافعي لان الفسخ إن ان منها فالفرقة من جهتها فيسقط مهرها كما لو فسخته برضاع زوجة له أخرى، وإن كان منه فانما فسخ بعيب بها دلسته بالاخفاء فصار الفسخ كأنه منها فان قيل فهلا جعلتم فسخها لعنته كأنه منه لحصوله بتد ليسه؟ قلنا العوض من الزوج في مقابلة منافعها فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقد
عليه رجع العوض إلى العاقد معها وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وانما يثبت لها لاجل ضرر يلحقها لا لتعذر ما استحققت عليه في مقابلته عوضا فافترقا
(فصل) وإن كان الفسخ بعد الدخول فلها المهر لانه يجب بالعقد ويستقر بالدخول فلم يسقط بحادث بعده ولذلك لا يسقط بردتها ولا بفسخ من جهتها ويجب المهر المسمى، وذكر القاضي في المجرد فيه روايتين (إحداهما يجب المسمى (والاخرى) مهر المثل بناء على الروايتين في العقد الفاسد، وقال الشافعي الواجب مهر المثل لان الفسخ استند إلى العقد الفاسد ولنا أنها فرقة بعد الدخول في نكاح صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى كغير المعيبة كالمعتقة تحت عبد، والدليل على أن النكاح صحيح أنه وجد بشروطه وأركانه فكان صحيحا كما لو لم يفسخه ولانه لو لم يفسخه لكان صحيحا فكذلك إذا فسخه كنكاح الامة إذا عتقت تحت عبد ولانه تترتب عليه أحكام الصحة من ثبوت الاحصان والاباحة للزوج الاول وسائر أحكام الصحيح ولانه لو كان فاسدا لما جاز بقاؤه وتعين نسخه وما ذكروه لا يصح فان الفسخ يثبت حكمه من حينه غير سابق عليه وما وقع على صفة يستحيل أن يكون واقعا على غيرها وكذلك لو فسخ البيع بعيب لم يصر العقد فاسدا ولا يكون النماء لغير المشترى، ولو كان المبيع أمة فوطئها لم يجب به مهرها فكذلك النكاح (مسألة) (ويرجع به على من غره من المرأة والولى وعنه لا يرجع)
المذهب انه يرجع وهو الذي ذكره الخرقي، وقال أبو بكر فيه رواية اخرى انه لا يرجع.
قال شيخنا: والصحيح ان المذهب رواية واحدة انه يرجع فان أحمد قال كنت أذهب إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر: إذا تزوجها فرأى جذاما أو برصا فان لها صداقها بمسيسته إياها ووليها ضامن للصداق وهذا يدل على انه يرجع إلى هذا القول وبه قال الزهري وقتادة ومالك والشافعي في القديم وروي عن علي انه لا يرجع وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد لانه ضمن ما استوفي بدله وهو الوطئ فلا يرجع به على غيره وكما لو كان المبيع معينا فأكله ولنا ما روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب: ايما رجل تزوج امرأة بها جنون اوجذام أو برص فمسها فلها صداقها.
وذلك لزوجها غرم على وليها ولانه غره في النكاح بما يثبت الخيار فكان المهر عليه كما لو غره بحرية أمة، ذا ثبت هذا فان كان الولي علم غرم
وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع علهيا بجميع الصداق وإ اختلفوا في علم الولي فشهدت عليه بينة بالاقرار بالعلم وإلا فالقول قوله مع يمينه وقال الزهري وقتادة إن علم الولي غرم وإلا استحلف بالله انه ما علم ثم هو على الزوج، وقال القاضي إن كان أبا أو جدا أو ممن يجوز له أن يراها فالتغرير من جهته علم أو لم يعلم وإن كان ممن لا يجوز له أن يراها كابن العم والمولى وعلم غرم، وإن أنكر ولم تفم البينة باقراره فالقول قوله مع يمينه ويرجع على المرأة بجميع الصداق، وهذا قول مالك إلا انه قال إذا
ردت المرأة ما أخذت ترك لها قدر ما تستحل به لئلا تصير كالموهوبة والشافعي قولان كقول مالك والقاضي ولنا على ان الولي إذا لم يعلم لا نعرم أن التغرير من غيره فلم يغرم كما لو كان ابن عم وعلى انه يرجع بكل الصداق لانه مغرور منها فرجع بكل الصداق كما لو غره الولي، وقولهم لا يخفي على من يراها لا يصح فان عيب الفرج لاطلاع له عليها ولا يحل له رؤيتها وكذلك العيوب تحت الثياب فصار في هذا كمن لا يراها إلا في الجنون فانه لا يكاد يخفي على من يراها الا ان يكون غائبا وأما الرجوع بالمهر فانه بسبب آخر فيكون بمنزله ما لو وهبته إياه بخلاف الموهوبة (فصل) فان طلقها قبل الدخول ثم علم انه كان بها عيب فعليه نصف الصداق ولا يرجع به لانه رضي بالتزامه فلم يرجع على أحد وان ماتت أو مات قبل العلم بالعيب فلها الصداق كاملا ولا يرجع به على أحد لان سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد وههنا استقر الصداق بالموت ولا يرجع به (فصل) ولا سكني لها ولا نفقة لان ذلك انما يجب لمن لزوجها عليه الرجعة وهذه تبين بالفسخ كما تبين بالثلاث وليس لزوجها عليه رجعة فلم يجب لها نفقة ولا سكنى لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس (النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوحها عليها الرجعة) رواه النسائي، وهذا إذا كانت حائلا فان كانت حاملا فلها النفقه لانها بائن من نكاح صحيح وهي حامل فكانت لها النفقة كالمطلقة
ثلاثا والمختلعة وفي السكني روايتان، وقال القاضي لا نفقة لها وإن كانت حاملا في أحد الوجهين لانها بائن من نكاح فاسد وكذلك قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وفي الآخر لها النفقة لان النفقة
للحمل والحمل لاحق به وبنوه على النكاح الفاسد وقد بينا صحته فيما مضي (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وليس لولي صغيرة ولا مجنونة ولا سيد أمة تزويجها معيبا) لانه ناظر لهم بما فيه الحظ، ولا حظ لهم في هذا العقد فان زوجهن مع العلم بالعيب لم يصح النكاح وكذلك الحكم في الصغير لانه عقد لهم عقدا لا يجوز عقده فلم يصح كما لو باع عقاره لغير غبطة ولا حاجة، وان لم يعلم بالعيب صح كما لو اشترى لهم معيبا لا يعلم عيبه ويجب عليه الفسخ إذا علم لانع عليه النظر لهم فيه الحظ في الفسخ ويحتمل أن لا يصح النكاح لانه زوجهم ممن لا يملك تزويجهم اياه فلم يصح كما لو زوجهم ممن يحرم عليهم (مسألة) (وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها) بغير خلاف نعلمه لانها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فالامتناع أولى (مسألة) (فان اختارات الكبيرة تزويج مجبوب أو عنين لم يملك منعها) لان الحق لها في أحد الوجهين.
والوجه الثاني له أن يمنعها
قال احمد ما يعجبنى أن يزوجها بعنين وان رضيت الساعة تكره إذا أدخلت عليه، لان من شأنهن النكاح، ويعجبهن من ذلك ما يعحبنا وذلك لان الضرر في هذا دائم، والرضى غير موثوق بدوامه ولا تتمكن من التخلص إذا كانت عالمة في ابتداء العقد وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة فيتضرر وليها وأهلها فملك الولى منعها كما لو أرادت نكاح من ليس بكف ء وقال القاضى: له منعها من نكاح المجنون، وليس له منعها من نكاح المجبوب والعنين لان ضررهما عليها خاصة، وفى الابرص والمجنون وجهان (أحدهما) لا يملك منعها لان الحق لها والضرر عليها اشبه المجبوب والعنين و (الثاني) له منعها لان عليه ضررا فيه فانه يتغير به ويخشي تعديه إلى الولد فأشبه التزويج بغير كف، وهذا مذهب الشافعي، والاولى أن له منعها لان عليها فيه ضررا دائما وعارا عليها وعلى أهلها فملك منعها منه كالتزويج بغير الكف ء فاما ان اتفقا على ذلك ورضيا به جاز وصح النكاح لان الحق لهما لا يخرج عنهما ويكره لهما ذلك لما ذكره أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكره فيما بعد
ويحتمل أن يملك سائر الاولياء الاعتراض عليها ومنعها من هذا التزويج لان العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كف ء (مسألة) (فأما إن علمت العيب بعد العقد أو حدث به لم يملك اجبارها على الفسخ إذا رضيت) لان حق الولي في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد لم تلزمه اجابتها ولو أعتقت عبدا لم يملك اجبارها على الفسخ
باب نكاح الكفار وحكه حكم نكاح المسلمين فيما يجب بدون تحريم المحرمات وجملة ذلك ان أنكحتهم يتعلق بها أحكام النكاح الصحيح من وقوع الطلاق والظهار والايلاء ووجوب المهر والقسمة والاباحة للزوج الاول والاحصان وغير ذلك.
وممن أجاز طلاق الكفار عطاء والشعبي والنخعي والزهري وحماد والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولم يجوزه الحسن وقتادة وربيعة ومالك.
ولنا أنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم فان قيل لا تسلم صحة أنكحتهم قلنا دليل ذلك أن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال (وامرأته حمالة الحطب) وقال (امرأة فرعون) وحقيقة الاضافة تقتضي زوجية صحيحة ولدت من نكاح لا من سفاح وإذا ثبتت صحتها ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين فعلى هذا إذا طلق الكافر ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج واصابة ثم أسلما لم يقرا عليه وان طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقى من طلاقها وان نكحها كتابي وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق مسلما أو كافرا وان ظاهر الذمي من امرأته
ثم أسلما فعليه كفارة الظهار لقول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) الآية.
فان آلى ثبت حكم الايلاء لقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) ويحرم عليهم ما يحرم في النكاح على المسلمين على ما ذكرنا في باب المحرمات في النكاح
(مسألة) (ويقرون على الانكحة المحرمة ما اعتقد واحلها ولم يرتفعوا الينا) انما يقرون بهذين الشرطين (أحدهما) أن لا يترافعوا الينا (الثاني) أن يعتقدوا إباحة ذلك في دينهم لان ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة، وقال االله تعالى (فان جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا) فيدل هذا على أنهم يخلون وأحكامهم إذا لم يجيئوا الينا ولان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض عليهم في أنكحتهم منع علمه انهم يستبيحون نكاح محارمهم ولانه أسلم خلق كثير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف عن كيفيتها فإذا لم يرتفعوا لم نتعرض لهم لانا صالحناهم على الاقرار على دينهم.
وعن احمد في مجوسي تزوج كتابة أو اشترى نصرانية قال يحال بينه وبينها قيل من يحول بينهما؟ قال الامام قال أبو بكر لان علينا ضررا في ذلك بتحريم أولاد النصرانية علينا ويجئ على قوله في تزويج النصراني المجوسية فيخرج من هذا أنهم لا يقيمون على نكاح محرم وان يحال بينهم وبين نكاح محارمهم فان عمر كتب ان فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس وقال أحمد في مجوسي ملك أمة نصرانية يحال بينه وبينها ويجبر على بيعها لها دين وله دين فان ملك نصراني مجوسية فلا بأس أن يطألها وقال أبو بكر عبد العزيز لا يباح له وطؤها أيضا لما ذكرناه من الضرر
(مسألة) (وإن أسلموا أو ترافعوا الينا في ابتداء العقد لم نمضه إلا على الوجه الصحيح مثل أنكحة المسلمين بالولي والشهود والايجاب والقبول) لانه لا حاجة إلى عقد يخالف ذلك قال الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وإن كان في إثباته لا يتعرض في كيفية عقدهم ولا تعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولى والشهود وصيغة الايجاب والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معافي حال واحدة ان لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع وقد أسلم خلق كثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم نساؤهم فأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح ولا كيفيته وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة فكان يقينا
(مسألة) (لكن ان كانت المرأة في هذه الحال ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كأحد المحرمات بالنسب أو السبب أو المعتدة أو المرتدة أو الوثنية والمجوسية والمطلقة ثلاثا لم يقرا) لحديث عمر وان تزوجها في العدة واسلما بعد انقضائها أقرا لانها مما يجوز ابتداء نكاحها وان ترافعا الينا في العدة فسخ نكاحهما لانه لا يجوز ابتداء نكاحهما وان كان بينهما نكاح متعة لم يقرا عليه لانه ان كان بعد المدة لم يبق بينهما نكاح وان كان في المدة فهما لا يعتقدان تأييده والنكاح عقد
مؤبد الا أن يعتقد فساد الشرط وحده وان كان خيار مدة فأسلما فيها لم يقرا لذلك وان كان بعدها اقرا لانهما يعتقدان لزومه وكل ما اعتقدوه نكاحا فهو نكاح يقرون عليه ومالا فلا (مسألة) (وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته أو اعتقداه نكاحا ثم أسلما اقرا عليه) لانه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي وان يعتقداه نكاحا لم يقرا عليه لانه ليس من انكحتهم.
(مسألة) (وإذا كان المهر مسمى صحيحا أو فاسدا قبضته استقر وان كان فاسدا فلم تقبضه فرض لها مهر المثل) (إذا اسلم الكفار وترافعوا الينا بعد العقد والقبض لم نتعرض لما فعلوه وما قبضت من المهر فقد نفذوا ليس لها غيره حلالا كان أو حراما بدليل قوله تعالى (يأ ايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا) فأمر بترك ما بقي من دون ما قبض وقال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلى الله) ولان التعرض للمقبوض بابطاله يشق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ففيه تنفيرهم عن الاسلام فعفي عنه كما عفي عن ترك ما تركوه من الفرائض والواجبات ولانهما تقابضا بحكم الشرك فبرئت ذمة من هو عليه منه كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا وان لم يتقاضبها وكان المسمى حلالا وجب ما سميا لانه مسمى صحيح في نكاح صحيح فوجب كتسمية المسلم وان ان حراما كالخمر والخنزير بطل ولم يحكم به لان ما سمياه لا يجوز
ايجابه في الحكم ولا يجوز ان يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم ويجب مهر المثل ان كان قبل
الدخول ونصفه أو وقعت الفرقة قبل الدخول وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وقال أبو حنيفة ان كان أصدقها خمرا أو خنزيرا معينين فليس لها الا ذلك وان كانا غير معينين فلها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل استحسانا.
ولنا ان الخمر لا قيمة له في الاسلام فكان الواجب مهر المثل كما لو أصدقها خنزيرا ولانه محرم اشبه الخنزير (فصل) وان قبضت بعض الحرام دون بعض سقط من المهر بقدر ما قبض ووجب بحضة ما بقي من مهر المثل فان كان الصداق عشرة زقاق خمر متساوية فقبضت منها خمسة سقط نصف المهر ووجب لها نصف مهر المثل وإن كانت مختلفة اعتبر ذلك بالكيل في أحد الوجهين لانه إذا وجب اعتباره اعتبر ذلك بالكيل فيا له مثل يتأنى الكيل فيه (والثاني) يقسم على عددها لانه لا قيمة لها فاستوي كبيرها وصغيرها وإن أصدقها عشرة خنازير ففيه الوجهان (أحدهما) يقسم على عددها لما ذكرنا (والثاني) تعتبر قيمتها كأنها مما يجوز كما تقوم شجاع الحر كانه عبد، وإن أصدقها كلبا وخنزيرين وثلاث زقاق خمر ففيه ثلاث أوجه (أحدها) يقسم على قدر قيمتها عندهم (والثاني يقسم على عدد الاجناس فيجعل لكل جنس ثلث المهر (والثالث) يقسم على العدد فلكل واحد سدس المهر وللكب سد
ولكل واحد من الخنزيرين والزقاق سدسه ومذهب الشافعي على نحو هذا (فصل) فان نكحها نكاحا فاسدا وهوما لا يقرون عليه إذا أسلموا كنكاح ذوات الرحم فأسلما قبل الدخول أو ترافعوا الينا فرق بينهما ولا مهر لها، قال احمد في المجوسية تكون تحت أخيها أو أبيها فيطلقها أو يموت عنها فترتفع إلى المسلمين لا مهر لها وذلك لانه نكاح باطل من أصله لا يقر عليه في الاسلام وجدت فيه الفرقة قبل الدخول، وأما إن دخل بها فهل يجب مهر المثل؟ يخرج على روايتين في المسلم إذا وطئ امرأة من محارمه بشبهة (فصل) إذا تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة بفرضه إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهر المثل كما في نكاح المسلمين وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
إن تزوجها على انه لامهر لها فلا شئ لها وإن سكت عن ذكره فعنه روايتان (إحداهما لا مهر لها (والاخرى) مهر المثل، واحتج بأن المهر يجب لحق الله وحقها وقد أسقطت حقها والذي يطالب به حق الله تعالى ولنا ان هذا نكاح خلا عن تسمية فيجب للمرأة فيه مهر المثل كالمسلمة وانما وجب المهر في حق المسلمة لئلا تصير كالموهوبة والمباحة وهذا يوجد في حق الذمي (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه: إذا أسلم الزوجان معا أو أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما سواء كان قبل الدخول أو بعده وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف بحمد الله، وذكر ابن المنذر انه اجماع من اهل العلم وذلك لانه لم يوجد منهم اختلاف وقد روي أبو داود عن ابن عباس ان رجلا جاء مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته بعده فقال يا رسول الله انها كانت أسلمت
معى فردها عليه، ويعتبر تلفظهما بالاسلام دفعة واحدة لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح.
ويحتمل أن يقف على المجلس كالقبض ونحوه فان حكم المجلس كله حكم حالة العقد ولانه يتعذر اتفاقهما على النطق بكلمة الاسلام دفعة واحدة فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قبل الدخول إلا في النادر فيبطل الاجماع، وإذا أسلم زوج الكتابية قبل الدخول أو بعده أسلما معافا لنكاح باق بحاله سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي لان للمسلم ابتداء نكاح الكتابية فاستدامته أولى، ولا خلاف في هذا بين القائلين بجواز نكاح الكتابية للمسلم (مسألة) (فان أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت الفرقة سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح المسلمة) قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم (مسألة) (فان كات هي المسلمة فلا مهر لها، وإن كان هو المسلم قبلها فلها نصف المهر وعنه لا مهر لها) وجملة ذلك ان الفرقة إذا حصلت قبل الدخول باسلام المرأة فلا شئ لها لان الفرقة من جهتها وبهذا قال الحسن ومالك والزهري والاوزاعي وابن شبرمة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف المهر إذا كانت هي المسلمة اختارها أبو بكر وبه قال قتادة والثوري ويقتضيه قول أبى حنيفة لان الفرقة حصلت من قبله بامتناعه من الاسلام وهي فعلت ما فرض الله عليها فكان لها نصف ما فرض
الله لها كما لو علق طلاقها على الصلاة فصلت، ونقل عن أحمد في مجوسي أسلم قبل أن يدخل بامرأته فلا شئ لها من الصداق لما ذكرنا، ووجه الاولى ان الفرقة حصلت باختلاف الدين وقد حصل باسلامها فكانت الفرق حاصلة بفلها فلم يجب لها شئ كما لو أرتدت ويفارق تعليق الطلاف فانه من جهة الزج ولهذا لو علقه على دخولها فدخلت وقعت الفرقة ولها نصف المهر، فأما إن حصلت الفرقة باسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى إن كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر المثل إن كانت فاسدة مثل أن يصدقها خمرا أو خنزيرا لان الفرقة حصلت بفعله وعنه لا مهر لها لان الفرقة جاءت من قلها لكونها امتنعت من الدخول في الاسلام (فصل) إذا انفسخ النكاح باحد الزوجين قبل الدخول مثل ان يسلم احد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين تعجلت الفرقة على ما ذكرنا ويكون ذلك فسخا لا طلاقا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تتعجل الفرقة بل ان كان في دار الاسلام عرض على الآخر فان أبي وقعت الفرقة حينئذ وان كان في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها فان لم يسلم الآخر وقعت الفرقة فان كان الاباء من الزوج كان طلاقا لان الفرقة حصلت من قبله فكان طلاقا كما لو لفظ به وان كان من المرأة كان فسخا لان المرأة لا تملك الطلاق وقال مالك ان كانت هي المسلمة عرض عليه الاسلام فان أسلم والا وقعت الفرقة وان كان هو المسلم تعجلت الفرقة لقوله سبحانه (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
ولنا انه اختلاف دين يمنع الاقرار على النكاح فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة وعلى مالك كاسلام الزوج أو كما لو اتي الآخر للاسلام لانه ان كان هو المسلم فليس له إمساك كافرة لقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وان كانت هي المسلمة فلا يجوز ابقاؤها في نكاح مشرك ولنا على انها فرقة فسخ أنه فرقة باختلاف الدين فكانت فسخا كما لو اسلم الزوج وابت المرأة ولانها فرقة بغير لفظ فكانت فسخا كفرقة الرضاع (مسألة) (وان قالت اسلمت قبلي وأنكرها فالقول قولها)
لان المهر وجب بالعقد والزوج يدعي ما يسقطه والاصل بقاؤه ولم يعارضه ظاهر فبقي وان اتفقا على ان احدهما قبل الآخر ولا يعلمان عينه فلها نصف الصداق ذكره أبو الخطاب لما ذكرنا وقال القاضي ان لم تكن قبضت فلا شئ لها لانها تشك في استحقاقها فلا تستحق بالشك وان كان بعد القبض لم يرجع عليها لانه يشك في استحقاق الرجوع فلا يرجع مع الشك والاول أصح لان اليقين لا يزول بالشك وكذلك إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني على اليقين وهذه كان صداقها واجبا وشكا في سقوطه فيبقي على الوجوب (مسألة) (وإن قال الزوج أسلمنا معا فنحن على النكاح فانكرته فعلى وجهين)
قال القاضي القول قول المرأة لان الظاهر معها إذا يبعد اتفاق الاسلام منهما دفعة واحدة والقول قول من الظاهر معه وكذلك كن القول قول صاحب اليد وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أن القول قول الزوج لان الاصل بقاء النكاح والفسخ طائ عليه فكان القول قول من يوافق قوله الاصل كالمنكر والشافعي قولان كهذين الوجهين (فصل) فان اختلفا بعد الدخول فقال الزوج أسلمنا معا أو أسلم الثاني منافى العدة فنحن على النكاح وتقول هي بل أسلم الثاني بعد العدة فانفسخ النكاح ففيه وجهان (أحدهما) القول قوله لان الاصل بقاء النكاح (والثانى) القول قولها لان الاصل عدم اسلام الثاني (مسألة) (وان أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الامر على انقضاء العدة فان أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما والا تبينا أن الفرقة وقعت من حين أسلم الاول) روى عن احمد رحمه الله في هذه المسألة روايتان (احداهما) أن الامر يقف على انقضاء العدة على اما ذكرنا وهذه الرواية التي ذكرها الخرقي فعلى هذا إذا لم يسلم الثاني في العدة لا يحتاج إلى استئناف العدة وهذا قول الزهري والليث والحسن بن صالح والاوزاعي والشافعي واسحاق ونحوه عن عبد الله بن عمر ومجاهد ومحمد بن الحسن (والثانية) تتعجل الفرقة كما قبل الدخول وهذا اختيار الخلال وصاحبه وقول الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ونصره ابن المنذر
وقول أبي حنيفة ههنا كقوله فيما قبل الدخول الا أن المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت عدتها وحصلت الفرقة لزمها استئناف العدة وقال مالك ان أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الاسلام فان أسلمت والا وقعت الفرقة وان كانت غائبة تعجلت الفرقة وان أسلمت المرأة قبله وقف الامر على انقضاء العدة واحتج بتعجيل الفرقة بقوله سبحانه (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولان ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف بما قبل الدخول وبعده كالرضاع ولنا ما روى مالك في موطئه عن ابن شهاب كان بين اسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد ابن المغيرة نحو من شهر اسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى من اسناده وقال ابن شهاب أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فارتحلت حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الاسلام فأسلم وقدم فبايع فثبتا على نكاحهما وقا ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته فان أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما ولان أبا سفيان خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة فثبتا على النكاح وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن
أبي أمية عام الفتح فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم بالابواء فأسلما قبل نسائهما ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته ويبعد أن يتفق اسلامهما معا ويفارق ما قبل الدخول فانه لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة واحدة وههنا لها عدة فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من حين أسلم الاول فلا يحتاج إلى عدة ثانية لان اختلاف الدين سبب الفرقة نتحسب الفرقة منه كالطلاق فعلى هذه الرواية لو وطئها الزوج في عدتها ولم يسلم الثاني فيها فلها عليه المهر ويؤدب لاننا تبينا أنه وطئها بعد البينونة وانفساخ النكاح فيكون واطئا في غير ملك وان أسلم فلا شئ لها لاننا تبينا أن النكاح
لم ينفسخ وانه وطئها في نكاحه فلم يكن عليه شئ (فصل) فان أسلم أحد الزوجين وتخلف الآخر حتى انقضت العدة انفسخ النكاح في قول عامة العلماء قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في هذه الاشياء روي عن النخعي شذ فيه عن جماعة العلماء فلم يتبعه عليه أحمد زعم أنها ترد إلى زوجها وان طالت المدة لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على زوجها أبي العاص بنكاحها الاول رواه أبودادو واحتج به أحمد قيل له أليس يروي أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال ليس لذك أصل قيل كان بين اسلامها وردها إليه ثمان سنين ولنا قوله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) والاجماع المنعقد على تحريم فروج المسلمات على الكفار وأما قصة أبى العاص مع امرأته فقال ابن
عبد البر لا يخلو اما أن يكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار فتكون منسوخة بما جاء بعدها أو تكون حاملا استمر حملها حتى أسلم زوجها أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم أو تكون ردت إليه بنكاح جديد فقد روى ابن أبي قتيبة في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بنكاح جديد رواه الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول سمعت يزيد بن هارون يقول حديث ابن عباس أجود اسناد أو العمل على حديث عمرو بن شعيب (مسألة) (فان أسلمت قبله فلها نفقة العدة) لانه يتمكن من الاستمتاع وابقاء نكاحها باسلامه معها فكانت لها النفقة كالرجعية وسواء أسلم في عدتها أو لم يسلم فان قيل إذا لم يسلم تبينا أنها بائن باختلاف الدين فكيف تجب النفقة للبائن؟ قلنا لانه كان يمكن الزوج تلافي نكاحها بل يجب عليه فكانت في معنى الرجعية وان كان هو المسلم فلا نفقة لها لانه لا سبيل إلى تلافي نكاحها واستبقائها فأشبهت البائن وسواء أسلمت معه أم لا (مسألة) (فان اختلفا في السابق منهما فقال الزوج اسلمت قبلك فلا نفقة لك وقالت المرأة بل أن المسلمة أولا فلي النفقة فالقول قولها في أحد الوجهين) لان الاصل وجوب النفقة وهو يدعى سقوطها (والثانى) أن القول قوله لان النفقة انما تجب
بالتمكين من الاستمتاع والاصل عدمه فان قال أسلمت بعد شهرين من اسلامي فلا نفقة لك فيها وقالت
بعد شهر فالقول قوله لان الاصل عدم اسلامها في الشهر الثاني فان ادعى هو بفسخ النكاح فأنكرته انفسخ النكاح لانه يقر على نفسه بزوال نكاحه وسقوط حقه فأشبه ما لو ادعي أنها أخته من الرضاع فكذبته.
(مسألة) (وعنه أن الفرقة تتعجل باسلام احدهما كما قبل الدخول وقد ذكرناه) (مسألة) (فأما الصداق فواجب بكل حال) يعني إذا وقعت الفرقة بايسلام احدهما بعد الدخول فانه يجب لها المهر كاملا لانه استقر بالدخول فلم يسقط بشئ فان كان مسمى صحيحا فهو لها لان أنكحة الكفار صحيحة تثبت أحكام الصحة وان كان محرما قبضته فليس لها غيره لانا لا نتعرض إلى ما مضي من احكامهم وان لم يكن قبضته فلها مهر المثل لان الخمر والخنزير لا يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم وقد صارت أحكامهم أحكام المسلمين (فصل) وسواء مما ذكرنا اتفق الداران أو اختلفتا وبه قال مالك والليث والاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة ان أسلم أحدهما وهما في دار الحرب ودخلا دار الاسلام انفسخ النكاح ولو تزوج حربي حربية ثم دخلا دار الاسلام وعقد العهد انفسخ نكاحه لاختلاف الدارين ويقضتي مذهبه أن أحد الزوجين الذميين إذا دخل دار الحرب ناقضا للعهد انفسخ نكاحه لان الدار انعقدت بهما فعلا وحكما فوجب أن تقع الفرقة بينهما كما لو أسلمت في دار الاسلام قبل الدخول
ولنا أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته بمكة لم تسلم وهي دار حرب وأم حكيم أسلمت بمكة وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن وامرأة صفوان بن أمية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها ثم أسلموا وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار بهم، ولانه عقد معاوضة فلم ينفسخ باختلاف الدار كالبيع، ويفارق ما قبل الدخول فان القاطع للنكاح اختلاف الدين المانع من الاقرار على النكاح دون ما ذكروه، فعلى هذا لو تزوج مسلم مقيم بدار الاسلام حربية من أهل الكتاب صحح
نكاحه وعندهم لا يصح ولنا قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ولانها امرأة يباح نكاحها إذا كانت في دار الاسلام فأبيح نكاحها في دار الحرب كالمسلمة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر ان كانت المرتدة، وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر) إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم انه حكى عن داود انه لا ينفسخ بالردة لان الاصل بقاء النكاح ولنا قول الله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وقوله تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل
لهم ولا هم يحلون لهن) ولانه اختلاف دين يمنع الاصابة فوجب فسخ النكاح كما لو اسلمت تحت كافر ثم ننظر فان كانت المرأة هي المرتدة فلا مهر لها لان الفسخ من قبلها وان كان الرجل هو المرتد فعليه نصف المهر لان الفسخ من جهته فأشبه ما لو طلق وان كانت التسمية فاسدة فعلية نصف مهر المثل (مسألة) (وان كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين) اختلف الرواية عن أحمد فيما إذا ارتد احد الزوجين بعد الدخول حسب اختلافهما فيما إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين ففي احداهما تتعجل الفرقة وهو قول أبي حنيفة ومالك وروي ذلك عن الحسن وعمر بن عبد العزيز والثوري وزفر وأبي ثور وابن المنذر لان ما اوجب فسخ النكاح استوي فيه ما قبل الدخول وبعده كالرضاع (والثانية) يقف على انقضاء العدة فان أسلم المرتد قبل انقضائها فهما على النكاح وان لم يسلم حتى انقضت بانت منذ اختلاف الدينين وهذا مذهب الشافعي لان لفظه تقع به الفرقة فإذا وجد الدخول جازان يقف على انقضاء العدة كالطلاق الرجعى أو نقول اختلاف دين بعد الاصابة فلا يوجب فسخه في الحال كاسلام الحربية تحت الحربي، وقياسه على الاسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع ولان الرضاع تحرم به المرأة على التأبيد فلا فائدة في تأخير الفسخ إلى بعد انقضاء العدة
(مسألة) (فان كان هو المرتد فعليه نفقة العدة)
لانه بسبيل إلى الاستمتاع بها بان يسلم ويمكنه تلافى نكاحها فكانت لها النفقة كزوج الرجعية وان كانت هي المرتدة فلا نفقة لها لانه لا سبيل للزوج إلى رجعتها وتلافي نكاحها فلم يكن لها نفقة كما بعد العدة (فصل) فان ارتد الزوجان معا فحكمهما حكم ما لو ارتد أحدهما ان كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وان كان بعده فهل تتعجل أو تقف على انقضاء العدة على روايتين وهذا مذهب الشافعي قال أحمد في رواية ابن منصور إذا ارتدا معا أو أحدهما ثم تابا أو تاب المرتد منهما فهو أحق بها ما لم تنقض العدة وقال أبو حنيفة لا ينفسخ النكاح استحسانا لانه لم يختلف بهما الدين فاشبه ما لو اسلما ولنا انها ردة طارئة على النكاح فوجب ان يتعلق بها فسخه كما لو ارتد احدهما ولان كل ما زال عنه ملك المرتد إذا ارتد وحده زال إذا ارتد غيره معه كما له وما ذكره يبطل بما إذا انتقل المسلم واليهودية إلى دين النصرانية فان نكاحهما ينفسخ وقد انتقالا إلى دين واحد، وأما إذا أسلما فقد انتقلا إلى دين الحق ويقران عليه بخلاف الردة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: