الفقه الحنبلي - احكام النكاح
عما يريد ولا تختلف الرواية عن احمد في أن نكاح الشغار فاسد رواه عنه جماعة قال أحمد وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرق افيه وهو قول مالك والشافعي واسحاق وحكي عن عطاء وعمرو بن
دينار ومكحول والزهري والثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لان الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد كما لو تزوج على خمر أو خنزير وهذا كذلك ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن الشغار متفق عليه وروي أبو هريرة مثله
أخرجه مسلم وروي الاثرم باسناده عن عمران بن حصين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام) ولانه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كما لو قال يعني ثوبك على ان أبيعك ثوبي قولهم ان فساده من قبل التسمية قلنا بل فساده من جهة أنه وقفه على شرط فاسد ولانه شرط تمليك البضع لغير الزوج فانه جعل تزوجيه إياها مهر للاخرى فكأنه ملكه إياه بشرط انتزاعه منه إذا ثبت هذا فلا فرق بين ان يقول على أن صداق كل واحدة منهما يضع الاخرى أو لم يقل ذلك وقال الشافعي هو أن يقول ذلك ولا يمسى لكل واحدة صداقا لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع كل واحدة منهما مهرا في الاخرى
ولنا ما روى ابن عمر ان رسول الله صلي الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه وفي حديث أبي هريرة والشغار ان يقول الرجل للرجل زوجني بنتك وأزوجك ابنتي وزوجني أختك وأزوجك أختي رواه مسلم وهذا يجب تقديمه لصحته وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعمل بالجميع ويفسد النكاح بأي ذلك كان ولانه إذا شرط في نكاح إحداهما تزويج الاخرى فقد جعل بضع كل واحدة منهما صداق الاخرى ففسد كما لو لفظ (فصل) فان سميا مع ذلك مهرا فقال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو أكثر فالمنصوص عن أحمد صحته وهو قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر وكانه قد سمي صداقا فصح كما لو لم يشرط ذلك وقال الخرقي لا يصح لحديث أبي هرريرة ولما روى أبو داود عن الاعرج ان العباس بن عبد الله ابن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان فأمره ان يفرق بينهما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ولانه شرط نكاح إحداهما لنكاح الاخرى فلم يصح كما لو لم يسيميا صداقا يحققه أن عدم التسمية ليس بمفسد للعقد بدليل
نكاح المفوضة فدل على ان المفسد هو الشرط وقد وجد ولانه متلف في عقد فلم يصح كما لو قال بعتك ثوبي بعشرة على ان تبيعني ثوبك بعشرين وهذا لا اختلاف فيه إذا لم يصرح بالتشريك فأما إن قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنك ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الاخرى فالنكاح فاسد لانه صرح بالتشريك فلم يصح العقد كما لم يذكر مسمى (فصل) ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقا ففيه وجهان (احدهما) تفسد التسمية ويجب مهر المثل، هذا قول الشافعي لان كل واحد منهما لم يرض بالمسمي الا بشرط ان يتزوج مولية صاحبه فنقص المهر لهذا الشرط وهو باطل فإذا احتجنا إلى ضمان النقض صار المسمى مجهولا فبطل (والوجه الثاني) ذكره القاضي في الجامع أنه يجب المسمى لانه ذكر قدرا معلوما يحصح ان يكون مهرا فصح كما لو قال زوجتك على الف على ان لي منها مائة (فصل) فان سمى لاحدهما مهرا دون الاخرى فقال أبو بكر يفسد النكاح فيهما لانه فسد في إحداهما ففسد في الاخرى والاولى انه يفسد في التي لم يسم لها صداقا لان نكاحها خلا من صداق سوى نكاح الاخرى ويكون في التي سمي لها صداقا روايتان فيه تسمية وشرطا فاشبه ما لو سمى لكل واحدة منهما مهرا ذكره القاضي هكذا (فصل) فان قال زوجتك جاريتي هذه على أن تزوجني ابنتك ويكون عتقها صداق لابنتك لم يصح تزويج الجارية في قياس المذهب لانه لم يجعل لها صداقا سوى تزويج ابنته وإذا زوجه ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح لان الجارية تصلح أن تكون صداقا وإذا زوج عبده امرأة وجعل رقبته صداقا لها لم يصح الصداق لان ملك المرأة زوجها مع صحة النكاح فيفسد الصداق ويصح
(النكاح ويجب مهر المثل (الثاني) نكاح المحلل وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها، نكاح المحلل باطل حرام في قول عامة اهل العلم منهم الحسن والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وابن المبارك والشافعي وسواء قال زوجتكها إلى ان تطأها أو شرط أنه إذ أحلها فلا نكاح بينهما أو إذا احلها للاول
طلقها وحكي عن ابى حنيفة أنه يصح النكاح يبطل الشرط وقال الشافعي في الصورتين الاولتين لا يصح (وفي الثالثة) على قولين: ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله المحلل والمحلل له) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي قال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند اهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر ابن الخطاب وعثمان وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين وروى ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وقال ابن مسعود المحلل والمحلل له ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم بالتيس المستعار) قالوا بلي يا رسول لله قال (هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له) رواه الاثرم باسناده عن قبيصة عن جابر قال سمعت عمر يخطب الناس وهو يقول والله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ولانه نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاء فاشبه نكاح المتعة.
(مسألة) (فان نوى ذلك من غير شرط لم يصح أيضا في ظاهر المذهب وقيل يكره ويصح)
إذا تواطأ عليه قبل العقد ولم يذكر هل نواه أو نوي المحلل من غير شرط؟ فالنكاح باطل أيضا قال اسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة في نفسهه أن يحلها لزوجها الاول ولم تعلم المرأة بذلك قال هو محلل إذا اراد بذلك الاحلال وهو ملعون وهذا ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم فروي نافع عن ابن عمر ان رجلا قال له امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم تأمرني ولم تعلم قال لا، نكاح رغبة ان أعجبتك أمسكتها وان كرهتها فارقتها قال وان كنا نعده على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم سفاحا وقال لا يزالا زانيين وان مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها، وهذا قول عثمان بن عفان رضي الله عنه وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ان عمي طلق امرأته ثلاث أيحلها له رجل؟ قال من يخادع الله يخدعه، وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وقتادة بكر المزني والليث ومالك والثوري واسحاق وقال أبو حنيفة والشافعي العقد صحيح وذكر القاضي في صحته وجها مثل قولهما لانه خلا عن شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الاحلال أو ما لو نوت المرأة ذلك ولان العقد انما يبطل بما شرط
لا بما قصد بدليل ما لو اشتري عبدا بشرط ان يبيعه لم يصح ولو نوى ذلك لم يبطل ولانه قد روي عن عمر ما يدل على اجازته فروي أبو حفص باسناده عن محمد بن سيرين قال قدم مكة رجل ومع اخوة له صغار وعليه إزار من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة فسأل عمر فلم يعطه شيئا فبينما هو كذلك إذا نزع الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها فقال لها هل لك أن تعطي ذا
الرقعتين شيئا ويحك لي؟ قالت نعم ان شئت فاخبروه بذلك قال نعم فتزوجها ودخل بها فلما أصبحت أدخلت اخوته الدار فجاء القرشي يحوم حول الدار ويقول يا ويله غلب علي امرأتي فاتى عمر فقال يا أمير المؤمنين غلبت على أمرأتي قال من غلبك؟ قال ذو الرقعتين قال ارسلو إليه فلما جاءه الرسول قالت له المراة كيف موضعك من قومك؟ قال ليس بموضع بأس قالت ان امير المؤمنين يقول لك طلق امرأتك فقل له لا والله لا أطلقها فانه لا يكرهك فالبسته حلة فما رآه عمر من بعيد قال الحمد الله الذي رزق ذا الرقعتين فدخل عليه فقال أتطلق امرأتك، قال لا والله لا أطلقها قال عمر لو طلقتها لاوجعت رأسك بالسوط ورواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين نحوا من هذا وقال من أهل المدينة وهذا قد تقدم فيه الشرط على العقد ولم يربه عمر بأسا.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) وقول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم فيكون اجماعا ولانه قصد به التحليل فلم يصح كما لو شرطه أما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد ليس له اسناد يعني أن ابن سيرين لم يذكر اسناده إلى عمر وقال أبو عبيد هو مرسل فاين هو من الذي سمعوه يخطب به على المنبر لا اوتي يمحلل ولا محلل له الا رجمتهما؟ ولانه ليس فيه ان ذا الرقعتين قصد التحليل ولا نواه وإذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع (فصل) فان شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبة
صح العقد لانه خلا عن نية التحليل وشرطه فصح كما لو لم يذكر ذلك وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين فان قصدت المرأة أو وليها التحليل دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد وقال الحسن وابراهيم
إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح قال أحمد كان الحسن وابراهيم والتابعون يشددون قال أحمد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (اتريدين ان ترجعي إلى رفاعة) ونية المرأة ليس بشئ انما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) ولان العقد انما يبطل بنية الزوج لانه الذي إليه المفارقة والامساك أما المرأة فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها وعدمها سواء وكذلك الزوج الاول لا يملك شيئا من العقد ولا من رفعه فهو أجنبي كسائر الاجانب فان قيل فكيف لعنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل انما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل لانها لم تحل له فكان زانيا فاستحق اللعنة لذلك.
(فصل) وان اشترى عبدا فزوجها إياه ثم وهبها العبد أو بعضه لينفسخ النكاح يملكها لم يصح قال أحمد في رواية حنبل إذا طلقها ثلاثا وأراد أن يراجعها فاشترى عبدا وزوجها إياه فهذا الذي نهى عنه عمر يؤذبان جميعا وهذا فاسد ليس بكف ء وهو شبيه المحلل وعلل احمد فساده بشيئين (أحدهما) أنه شبه المحلل لانه انما زوجها إياه لتحل له (والثاني) كونه ليس بكفئ لها ويحتمل أن يصح النكاح إذا لم يقصد العبد التحليل لان المعتبر في الفساد نية الزوج لانية غيره (فصل) ونكاح المحلل فاسد تثبت فيه أحكام العقود الفاسدة فانه قن ولا يحصل به الاحصان
ولا الاباحة للزوج الاول كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة قيل فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم محللا وسمى الزوج محللا له ولو لم يحصل الحل لم يكن محللا ولا محللا له قلنا سماه محللا لانه قصد التحليل في موضع لا يحصل فيه الحل كما قال (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)) وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) ولو كان محللا في الحقيقة والا آخر محللا له لم يكونا ملعونين (الثالث) نكاح المتعة وهو وأن يتزوجها إلى مدة مثل أن يقول زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاه الموسم وقدوم الحاج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهو باطل نص عليه أحمد فقال نكاح المتععة حرام وقال أبو بكر فيها رواية أخرى أنها مكروهة غير حرام لان ابن منصور سأل أحمد عنها فقال تجتنبها أحب الي قال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم وغير ابي بكر من أصحابنا بمنع هذا ويقول المسألة رواية واحدة في تحريمها وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء ومم روي عنه تحريمها عمر وعلي وبن مسعود وابن الزبير قال ابن
عبد البر وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة وأبو حنيفة في أهل الكوفة والاوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصرو الشافعي وسائر أصحاب الآثرا وقال زفر يصح النكاح ويبطل الشرط وحكي عن ابن عباس انا جائزة وعليه أكثر أحصابه عطاء وطاوس وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدرى وجابر واليه ذهب الشبعة لانه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها وروي أن عمر قال
متعتان كانتا على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم انا أنهي عنهما واعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج ولانه عقد على منفعة فجاز مؤقتا كالاجارة ولنا ما روى الربيع بن سبرة أنه قال اشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي في حجة الوداع وفي لفظ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حرم متعة النساء رواه أبو داود وفي لفظ رواه ابن ماجه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (يا أيها الناس اني كنت اذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها إلى يوم القيامة) وروى سبرة امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة فلم تخرج حتى نهانا عنها رواه مسلم وروي علي بن أبي طالب أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الخمر الاهلية متفق عليه رواه مالك في الموطأ وأخرجه الائمة النسائي وغيره واختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين فقال قوم في حديث علي تقديم وتأخير وتقديره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر ونهي عن متعة النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه أنه كان في حجة الوداع حكاه الامام أحمد عن قوم وذكره ابن عبد البر، قال الشافعي لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه الا المتعة، فحمل الامر على ظاهره وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر ثم أحلها في
حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها ولانه يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق والظهار واللعان والتوارث فكان باطلا كسائر الانكحة الباطلة، أما قول ابن عباس فقد حكي عنه الرجوع فروى أبو بكر باسناده عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد أكثر الناس في المتعة حتى قال فيها الشاعر:
* أقول وقد طال الثواء بنا معا * يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس * هل لك في رخصة الاطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس * فقام خطيبا فقال ان المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال انما كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس فيها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يدري أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام رواه الترمذي فاما اذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقد ثبت نسخه واما حديث عمر إن صح عنه فالظاهر أنه انما قصد الاخبار عن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها ونهيه عنها إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي صلى الله عليه وسلم اباحه وبقي على اباحته (فصل) فان تزوجها من غير شرط الا ان في نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم الا الاوزاعي قال هو نكاح متعة والصحيح أنه لا بأس به ولا تضر نيته وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته ان وافقته والا طلقها
(مسألة) (وكذلك ان شرط ان يطلقها في وقت بعينه) فلا يصح النكاح سواء كان معلوما أو مجهولا مثل أن يشرط عليه طلاقها ان قدم أبوها أو أخوها ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط وهو قول أبي حنيفة وأظهر قولي الشافعي قاله في عامة كتبه لان النكاح وقع مطلقا وانما شرط على نفسه شرطا وذلك لا يؤثر فيه كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها.
ولنا أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة ولانه شرط انتفاء النكاح في وقت بعينه أشبه نكاح المتعة ويفارق ما قاسوا عليه فانه لم يشرط قطع النكاح (مسألة) (وان علق ابتداءه على شرط كقوله زوجتك إذا جاء رأس الشهر أو ان رضيت أمها فهذا كله باطل من أصله) لانه عقد معاوضة فلم يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع ولانه وقف النكاح على شرط ولا يجوز وقفه على شرط وهو قول الشافعي وعن مالك نحوه وذكر أبو الخطاب فيا إذا شرط ان رضيت
أمها رواية ان النكاح صحيح لانه يصح في الجهل بالعوض فلم يبطل بالشرط الفاسد كالعتق ويبطل الشرط والاول أصح لما ذكرنا (النوع الثاني) ان شرط أنه لا مهر لها ولا نفقة أو يقسم لها اكثر من امرأته الاخرى أو اقل فالشرط باطل ويصح النكاح وكذلك ان شرط أنه إن اصدقها رجع عليها
أو تشرط عليه أن لا يطأها أو يعزل عنها أو لا يكون عندها في الجمعة الا ليلة أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة ان تنفق عليه أو تعطيه شيئا فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لانها تنافي مقتضاه وتتضمن اسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو اسقط الشفيع شفعته قبل البيع، وفأما العقد في نفسه فهو صحيح لان هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله كما لو شرط في العقد صداقا محرما ولان النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز ان ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق وقد نص احمد فيمن تزوج امرأة وشرط عليها ان يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم رجعت وقالت لا أرضى الا ليلة وليلة فقال: لها ان تنزل الا بطيب نفس منها فان ذلك جائز وان قالت لا أرضى الا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه ان شاءت، ونقل عنه الاثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشرط عليها ان يأتيها في الايام يجوز الشرط وان شاءت رجعت، وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم النكاح جائز ولها ان ترجعع في هذا الشرط ونقل عن احمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل إبطال العقد فنقل عنه المروذي في النهاريات والليليات ليس هذا من نكاح أهل الاسلام وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبى سليمان وابن شبرمة، قال الثوري الشرط باطل وقال اصحاب الرأى إذا سألته أن يعدل لها عدل وكان الحسن وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها ويجعل لها من الشهر أياما معلومة.
قال شيخنا ولعل كراهة من
كره ذلك راجعة إلى ابطال الشرط واجازة من أجازه راجعة إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وابطال الشرط كما قلنا والله أعلم.
وقال القاضي انما كره احمد هذا النكاح لانه يقع على السر وهو منهي عنه فان شرط عليه ترك الوطئ احتمل أن يفسد العقد لانه شرط ما ينافي المقصود من
النكاح وهذا مذهب الشافعي، وكذلك إن شرط عليه ان لا نسلم إليه فهو بمنزلة من اشترى شيئا على ان لا يقبضه، ان شرط عليها ان لا يطأ لم يفسد لان الوطئ حقه عليها، ويحتمل ان يفسد لان لها فيه حقا ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة (الثالث) أن يشرط الخيار إن جاءها بالمهر في وقت والا فلا نكاح بينهما فالشرط باطل وفي صحة النكاح روايتان (احداهما) النكاح صحيح والشرط باطل وبه قال أبو ثور فيما إذا شرط الخيار وحكاه عن أبي حنيفة وزعم أن لا خلاف فيه، وقال ابن المنذر قال أحمد وإسحاق إذا تزوجها على انه إن جاء ها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما الشرط باطل والعقد جائز وهو قول عطاء والثوري وأبى حنيفة والاوزاعي وروي ذلك عن الزهري ولان النكاح عقد لازم لا يدخله خيار لما في ذلك من المفسدة والضرر على الحرائر لكونها ترد بعد ابتدائها بعقد النكاح والشناعة عليها بأنها ردت رغبة عنها لدناءتها والشرط الآخر تعليق النكاح على شرط فهو معنى الخيار ويصخ النكاح لان النكاح يصح في المجهول فلم يفسد بالشرط الفاسد كالعتق، وروي ابن منصور عن أحمد في هذا ان الشرط
والعقد جائزان لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون على شروطهم " وذكر القاضي في كتابه الروايتين والوجهين، أما صحة العقد فلان اللفظ الذي يقتضي الدوام قد وجد وانما حصل الشرط في المهر فلم يؤثر في العقد، وأما المهر فانها لما ملكت فسخ النكاح عند تعذر تسليم المهر جاز أن يشترط هذا المعني في العقد ولا يؤثر فيه، والرواية الاخرى يعلل العقد في هذا كله لان النكاح لا يكون إلا لازما وهذا يوجب جوازه ولانه وقفه على شرط ولا يجوز وقفه على شرط كالبيع وهذا قول الشافعي ونحوه عن مالك وأبي عبيد (فصل) فان شرط الخيار في الصداق خاصة لم يفسد النكاح لان النكاح منفرد عن ذكر الصداق لا يفسد النكاح بفساده فلان لا يفسد بشرط الخيار أولى بخلاف البيع فانه إذا فسد أحد العوضين فسد الآخر، إذا ثبت هذا ففي الصداق ثلاثة اوجه (أحدها) يصح الصداق ويبطل شرط الخيار كما يفسد الشرط في النكاح ويسح النكاح (والثاني) يصح ويثبت الخيار فيه لان عقد الصداق
عقد منفرد يجري مجري الايمان ويثبت فيه الخيار كالبياعات (والثالث) يبطل الصداق لانها لم ترض به فلم يزلمها كما لو لم توافقه على شئ.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (فان تزوجها على انها مسلمة فبانت كتابية فله الخيار) لانه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت امة
(مسألة) (فان شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له) لانها زيادة، وقال أبو بكر له ذلك لانه قد يكون له غرض في عدم وجوب العبادات عليها والاول أولى (فصل) فان شرطها أمة فبانت حرة وكان له نكاح الاماء فلا خيار له لان ولده يسلم من الرق ويتمكن من لاستمتاع بها ليلا ونهارا، وكذا لو شرطها ذات نسب فبانت أشرف منه أو على صفة دينه فبانت خيرا من شرطه لانها زيادة (فصل) وان شرطها بكرا فبانت ثيبا فعن أحمد كلام يحتمل أمرين (أحدهما) لا خيار له لان النكاح لا يرد فيه بعيب سوى العيوب الثمانية ولا يثبت فيه الخيار فلا يرد بمخالفة الشرط (والثاني) له الخيار كما لو شرط الحرية، وكذلك لو شرطها حسناء فبانت شوهاء أو ذات نسب فبانت دونه أو بيضاء فبانت سوداء أو طويلة فبانت قصيرة خرج في ذلك كله وجهان ونحو هذا مذهب الشافعي وكذلك لو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها النكاح كالعمى والخرس والصمم ونحو فبان بخلاف ذلك ففيه وجهان.
وممن ألزم لزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي حكاه ابن المنذر، وروي الزهري ان رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء وكانت الحيضة خرقت عذرتها فأرسلت إليه عائشة ان الحيضة تذهب بالعذرة، وعن الحسن والشعبي وابراهيم في الرجل إذ لم يجد امرأته عذرا ليس عليه شئ للعذرة ان الحيضة تذهب العذرة والوثبة والتعبيس والحمل الثقيل
(فصل) إذا تزوج امرأة يظنها مسلمة فبانت كافرة فله الخيار وهذا قول الشافعي كما إذا شرط ذلك (مسألة) (وإن تزوج أمة يظنها حرة أو على انها حرة وولدت منه فالولد حر ويفديهم بمثلهم
يوم ولادتهم وبرجع بذلك على من غره، ويفرق بينهما ان لم يكن ممن يجوز له نكاح الاماء وإن كان ممن يجوز له نكاح الاماء فله الخيار فان رضي المقام معها فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) ان النكاح لا يفسد بالغرور وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي في أحد قوليه يفسد لانه عقد على حرة ولم يوجد فأشبه ما لو قال بعتك هذا الفرش فإذا هو حمار ولنا أن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات فلا يؤثر عدمها في صحته كما لو قال زوجتك هذه الحسناء فإذا هي سوداء وكذا نقول في الاصل الذي ذكروه ان العقد صحيح لان المعقود عليه العين المشار إليها، وإن سلمنا فالفرق بينهما من وجهين (أحدهما) ان ثم الفائت الذت فان ذات الفرس غير ذات الحمار وههنا اختلفا في الصفات [ والثاني ] ان البيع يؤثر فيه فوات الصفات بدليل انه يرد بفوات أي شئ كان فيه نفع منها والنكاح بخلافه (الفصل الثاني) ان أولاده منها أحرار بغير خلاف نعلمه لانه اعتقد حريتها فكان ولده أحرارا كاعتقاده ما يقتضي حريتهم كما لو اشترى جارية يظنها ملكا لبائعها فبانت مغصوبة بعد أن أولدها (الفصل الثالث) ان على الزوج فداء أولاده كذلك قضى عمر وعلي وابن عباس وهو قول
مالك والثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى ليس عليه فداؤهم لان الولد ينعقد حر الاصل فلم يضمنه لسيده لانه لم يملكه وعنه انه يقال له افتداء أولاده وإلا فهم يتبعون الام، فظاهر هذا انه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا لانهم رقيق بحكم الاصل فلم يلزمه فداؤهم كما لو وطئها وهو يعلم رقها، قال الخلال اتفق عن أبى عبد الله انه يفدي ولده وقاله إسحاق عنه في موضع ان الولد له وليس عليه أن يندبهم، وأحسبه قولا أولا لابي عبد الله والصحيح ان عليه فداءهم لقضاء الصحابة به ولانه تماء الامة المملوكة فسبيله أن يكون مملوكا لمالكها وقد فوت رقه باعتقاد الحرية فلزما صمانهم كما لو فوت رقهم بفعله وفي فدائهم ثلاث مسائل (الاولى) في وقته وذلك حين وضع الولد قضي بذلك عمر وعلي وابن عباس وهو قول الشافعي، وقال أبو بكر والثوري وأصحاب الرأي يضمنهم بقيمتهم يوم الخصومة لانه انما يضمنهم بالمنع ولم يمنعهم الا حال للمخصومة
ولنا انه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه حينئذ لانه فات رقه من حينئذ ولان القيمة التي تزيد بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الامة فلم يضمنها كما بعد الخصومة فان قيل فقد كان محكوما بحريته وهو جنين قلنانه لم يكن تضمينه حينئذ لعدم قيمته والاطلاع عليه أمكن تضمينه وهو حال الوضع
(المسألة الثانية) في صفة الفداء وفيها ثلاث روايات (إحداهن) بقيمتهم وهو أكثر الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أعتق شقصا من عبد قوم عليه نصيب شريكه " ولان الحيوان من المقومات لا من ذوات الا مثل فيجب ضمانه بقيمته كما لو أتقه (والثانية) يضمنهم بمثلهم عبيدا الذكر بذكر والانثى بأنثي لما روى سعيد بن المسيب قال: بعت جارية لرجل من العرب وانتمت إلى بعض العرب فتزوجها رجل من بني عذرة ثم ان سيدها دب واستاقها واستاق ولدها فاخصموا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين دينارا ولان ولد المغرور حر فلا يضمن بقيمته كسائر الاحرار فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم في الصفات تقريبا لان الحيوان ليس من ذوات الامثال ويتمل ان يجب مثلهم في القيمة وهو قول أبى بكر (والثالثة) هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم قال أحمد في رواية الميموني اما القيمة أو رأس برأس لانهما جميعا يرويان عن عمر ولكن لا أدري أي الاسنادين أقوى؟ وهذا اختيار ابي بكر قال في المقنع الفدية غرة بقدر القيمة أو القيمة وايهما اعطى أجزأ ووجه ذلك انه تردد بين الجنين الذي يضمن بغرة وبين الحاقة بغرة من المضمونات فاقتضي التخيير بينهما والصحيح أنه يضمن بالقيمة كسائر المضمونات المتقومات وقول عمر قد اختلف عنه فيه قال أحمد في رواية أبي طالب وعليه قيمتهم مثل قول عمر فإذا تعارضت الروايات عنه وجب الرجوع إلى القياس
(المسألة الثالثة) فيمن يضمن منهم من ولد حيا في وقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك وقال مالك والثوري وأبو ثور واصحاب الرأي لا ضمان على الاب لمن مات منهم قبل الخصومة وهذا يثبني على وقت وقد ذكرناه فأما السقط ومن ولد لوقت لا يعيش لمثله وهو دون ستة اشهر
فلا ضمان له لانه لا قيمة له.
(فصل) في المهر ولا يخلو ان يكون ممن يجوز له نكاح الاماء أولا فان كان ممن يجوز له ذلك وقد نكحها نكاحا صحيحا فلها المسمى فان كان لم يدخل بها واختار الفسخ فلا مهر لها لان الفسخ لعذر من جهتها فهي كالمعيبة يفسخ نكاحها وان كان ممن لا يجوز لهم نكاح الاماء فالعقد فاسد من أصله ولا مهر فيه ان كان قبل الدخول فان دخل بها فعليه مهرها وهل يجب المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين يذكر ان في الواجب في النكاح الفاسد ان شاء الله تعالى وكذلك ان كان ممن يجوز له نكاح الاماء لكن تزوجها بغير اذن سيدها أو نحو ذلك مما يفسد به النكاح (الفصل الرابع) انه يرجع بما غرمه على من غره من المهر وقيمة الاولاد وهو اختيار الخرقي ورواية عن أحمد قال ابن المنذر كذلك قضي عمر وعلي وابن عباس وبه قال الشافعي في القديم وفيه رواية اخري لا يرجع بالمهر اختاره أبو بكر قال وهو قول علي وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد لانه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطئ فلم يرجع به كما لو اشترى
مغصوبا فأكله بخلاف قيمة الولد فانه لم يحصل في مقابلته عوض لانها وجبت بحرية الولد وحرية الولد له لا لابيه وقال القاضي الا ظهر انه لم يرجع بالمهر لان أحمد قال كنت اذهب إلى حديث على ثم اني هبته وكأني اميل إلى حديث عمر يعني في الرجوع ولان العاقد ضمن له سلامة الوطئ كما ضمن له سلامة الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع بالمهر قال وعلى هذا وكان الغرور من السيد عتقت وان كان بلفظ غير هذا لم تثبت به الحرية فلا شئ له لانه لا فائدة في ان يجب له ما يرجع به عليه وان كان الغرور من وكيله رجع عليه في الحال وكذلك ان كان من اجنبي وان كان منها فليس لها في الحال مال فيخرج فيها وجهان بناء على دين العبد بغير اذن سيده هل يتعلق برقبته أو بذمته يتبع به بعد العتق؟ قال القاضي فياس قول الخرقي انه يتعلق بذمتها لانه قال في الامة إذا خالعت زوجها باذن سيدها يتبعها به إذا عتقت كذا ههنا ويتبعها بجميعه وظاهر كلام احمد ان الغرور إذا كان من الامة لم يرجع على أحد فانه قال إذا جاءت الامة فقالت اني حرة فولت امرها رجلا فزوجها على انها حرة
فالفداء على من غره يروى هذا عن علي وابراهيم وحماد وكذلك قال الشعبي وان قلنا يتعلق بها فالسيد مخير بين فدائها بقيمتها ان كانت اقل مما يرجع به عليها أو تسليمها فان اختار فداءها بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج فانه لا فائدة في ان يوجبه عليه ثم يرده إليه وان اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب
له وقال القاضي ان الغرور الموجب للرجوع ان يكون اشتراط الحرية قارنا للعقد فيقول زوجتكها على أنها حرة وان لم يكن كذلك لم يملك الفسخ وهذا مذهب الشافعي والصحيح خلاف هذا فان الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يفرقوا بين أنواع الغرور ولم يستفصلوا والظاهر ان العقد لم يقع هكذا ولم تجربه العادة في العقود ولا يجوز قضاؤهم المطلق على صورة نادرة لم تنقل ولان الغرر قد يكون من المراة ولا لفظ لها في العقد ولانه متى اخبره بحريتها أو أوهمه ذلك بقرائن تعلب على ظنه حريتها فنكحها على ذلك ورغب فيها واصدقها صداق الحرائر ثم لزمه الغرم فقد استضر بناء على قول المخبر له والغار فتجب ازالة الضرر عنه باثبات الرجوع على من غره واضر به فعلى هذا ان كان الغرور من اثنين أو أكثر فالرجوع على جميعهم وان كان الغرور منها ومن الوكيل فعلى كل واحد منهما نصفه (الفصل الخامس) انه ان كان الزوج ممن يحرم عليه نكاح الاماء فانه يفرق بينهما لانا تبينا ان النكاح فاسد من أصله لعدم شرطه وهكذا ان كان تزوجها بغير اذن سيدها أو اختل شرط من شروط النكاح فهو فاسد يفرق بينهما والحكم في الرجوع على ما ذكرنا وان كان ممن يجوز له نكاح الاماء وكانت الشرائط مجتمعة فالعقد صحيح وللزوج الخيار بين الفسخ والمقام على النكاح وهذا
معنى قول الخرقي وظاهر مذهب الشافعي وقال أبوحينفة لا خيار له لان الكفاءة غير معتبرة في جانب المرأة ولانه يملك الطلاق فيستغني به عن الفسخ ولنا انه عقد غرفيه أحد الزوجين بحرية الآخر فيثبت له الخيار كالآخر ولان الكفاءة وان لم تعتبر فان عليه ضررا في استرقاق ولده ورق امرأته وذلك اعظم من فقد الكفاءة فأما الطلاق فلا يندفع به الضرر فانه يسقط نصف المسمى والفسخ يسقطه جميعه فإذا فسخ قبل الدخول فلا مهر لها وان رضي
بالمقام معها فله ذلك لانه يحل له نكاح الاماء وما ولدت بعد ذلك فهو رقيق لسيدها لان المانع من رقهم في الغرور اعتقاد الزوج حريتها وقد زال ذلك بالعلم ولو وطئها قبل العلم فعلقت منه ثم علم قبل الوضع فهو حر لانه وطئها معتقدا حريتها (فصل) والحكم في المدبرة وام الولد والمعتق نصفها كالامة القن لانها ناقصة بالرق الا ان ولد ام الولد يقوم كأنه عبد له حكم امه وكذلك من اعتق بعضها الا انه إذا فدى الولد لم يلزمه الافداء ما فيه من الرق لان بقيته حر بحرية امه لا باعتقاد الواطئ فان كانت مكاتبة فكذلك الا ان مهرها لها لانه من كسبها وكسبها لها وتجب قيمة ولدها على الرواية المشهورة قال أبو بكر ويكون ذلك تستعين
به في كتابتها فان كان الغرور منها فلا شئ لها إذ لا فائدة في ايجاب لها يرجع به عليها وان كان الغرر من غيرها غرمه لها ورجع به على من غره (فصل) ولا يثبت أنها امة بمجرد الدعوى ويثبت بالبينة فان أقرت انها امة فقال أحمد في رواية أبي الحارث لا يستحقها باقرارها لان اقرارها يزيل النكاح عنها ويثبت حقا على غيرها فلم يقبل كاقرارها بمال على غيرها وقال في رواية حنبل لا شئ حتى تثبت له أو تقر هي انها امته فظاهر هذا انه يقبل اقرارها لانها مقرة على نفسها بالرق اشبه غير المزوجة والاول أولى ولا نسلم انه يقبل من غير ذات الزوج اقرارها بالرق بعد اقرارها بالحرية لانها أقرت بما يتعلق به حق الله تعالى (فصل) فان حملت المغرور بها فضربها ضارب فالقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة لانه محكوم بحريته ويرثها ورثته فان كان الضارب اباه لم يرثه ولا يجب بذل هذا الولد للسيد لانه انما يستحق بذل حي وهذا ميت ويحتمل ان يجب له عشر قيمة امه لان الواطئ فوت ذلك عليه باعتقاد الحرية ولولاه لوجب ذلك له (فصل) ويثبت له الخيار إذا ظنها حرة فبانت امة كما إذا شرط ذلك وقال الشافعي لا خيار له ووافقاه فيما إذا ظن انها مسلمة فبانت كافرة انه يثبت له الخيار وقال بعضهم فيهما جميعا قولان ولنا ان نقص الرق اعظم ضررا فانه يؤثر في رق ولده ومنع كما استمتاعه فكان له
الخيار كما لو كانت كافرة
(مسألة) (وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار ويفديهم إذا أعتق ويرجع به على من غره) وذلك أن حكم العبد المغرور حكم الحرفي حرية اولاده، وقال أبو حنيفة ولده رقيق لان أبويه رقيق ولا يصح ذلك لانه وطئها معتقدا حريتها فأشبه الحر فان هذا هو العلة المقتضية للحرية في محل الوفاق ولولا ذلك لكان رقيقا فان علة رق الولد رق الام خاصة ولا عبرة بالاب بدليل ولد الحر من الامة، وولد الحرة من العبد، وعلى العبد فداؤهم لانه فوت رقهم باعتقاده وفعله ولا مال له في الحال فيخرج في ذلك وجهان (أحدهما) يتعلق برقبته كجنايته (والثاني) بذمته يتبع به بعد العتق وهو قول الخرقي فيكون بمنزلة الخلع من الامة إذا بذلته بغير اذن سيدها وتفارق الاستدانة والجناية لانه إذا استدان أتلف مال الغريم فكان جناية منه وههنا لم يجن في الاولاد جناية وانما عتقوا من طريق الحكم وما حصل لهم منهم عوض فيكون ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق ويرجع به حين يغرمه فانه لا ينبغي ان يجب له بذل ما لم يثبت عليه وأما الحرية فتتعجل في الحال وان قلنا ان الفداء يتعلق برقبته وجب في الحال ويرجع به سده في الحال ويثبت للعبد الخيار كثبوته للحر الذي يحل له نكاح الاماء لان عليه ضررا في رق ولده ونقصا في استمتاعه فانها لا تكون عنده ليلا ونهارا ولم ترض به ويحتمل ان لا يثبت له خيار لانه نقص صفة لا ينقص بها عن رتبته فاشبه ما لو شرط نسب امرأة فبانت بخلاف لانها مساوية لنسبه بخلاف تغرير الحر وقال بعض الشافعية لا خيار له وقال بعضهم
فيه قولان والاولى ما ذكرناه وإذا اختار الاقامة فالمهر واجب لا يرجع به على أحد وان اختار الفسخ قبل الدخول فلا مهر وان كان بعده والنكاح باذن سيده فالمهر واجب عليه وفي الرجوع اختلاف ذكرناه فيما مضي وان كان بغير إذنه فالنكاح فاسد فان دخل بها ففي قدر ما يجب به وجهان (أحدهما) مهر المثل (والثاني) الخمسان وهل يرجع به؟ على وجهين (مسألة) (وان تزوجت المرأة عبدا على أنه حر أو ظنته حرا فبان عبدا فلها الخيار)
اما النكاح فهو صحيح وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لان اختلاف الصفة لا يمنع صحة العقد كما لو تزوج أمه على أنها حرة وهذا إذا كملت شروط النكاح وكان باذن سيده وان كانت المرأة حرة وقلنا الحرية ليست من شورط الكفاءة وان فقد الكفاءة لا يبطل النكاح فهو صحيح ولان للمرأة الخيار بين الفسخ والامضاء فان اختارت فلا وليائها الاعتراض عليها لعدم الكفاءة وان كانت أمة فيبنغي ان يكون لها الخيار أيضا لانه لما ثبت الخيار للعبد إذا غرمن أمة ثبت للامة إذا غرت بعبد وكل موضع حكمنا بفساد العقد به ففرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وان كان بعده فلها مهر المثل أو المسمى على ما قدمنا من الاختلاف وكل موضع فسخ النكاح مع القول بصحته قبل الدخول فلا شئ لها وان كان بعده فلها المسمى لانه فسخ طرأ على نكاح فأشبه الطلاق
(فصل) فان غرها بنسب فبان بدونه وكان ذلك مخلا بالكفاءة وقلنا بصحة النكاح فلها الخيار فان اختارت الامضاء فلاوليائها الاعتراض عليها وان لم تخل بالكفاءة فلا خيار لها لان ذلك ليس بمعتبر في النكاح فأشبه ما لو شرطته فقيها فبان بخلافه وكذلك ان اشترطت غير النسب فان كان مما يعتبر في الكفاءة فهو كما لو تبين أنه غير بمكافئ لها في النسب وان لم يعتبر في الكفاءة كالفقه والجمال واشباه ذلك فلا خيار لها لان ذلك مما لا يؤثر في النكاح فلا يؤثر اشتراطه وذلك انه إذا بان نسبه دون ما ذكره وجه في ثبوت الخيار لها وان لم تخل بالكفاءة والاولى ما ذكرناه (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان عتقت الامة وزوجها حر فلا خيار لها في ظاهر المذهب) هذا قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء وسليمان بن يسار وأبي قلابة وابن أبي ليلى ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وقال طاوس وابن سيرين ومجاهد والنخعي وحماد ابن ابي سليمان والثوري وأصحاب الرأي لها الخيار لما روى الاسود عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة وكان زوجها حرا رواه النسائي ولانها كملت بالحرية فكان لها الخيار كما لو كان زوجها عبدا وروي عن أحمد ذلك.
ولنا أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها الخيار ما لو اسلمت الكتابية تحت المسلم فأما خبر
الاسود عن عائشة فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة أن زوج بريرة كان عبدا وهما أخص بها
من الاسود لانهما ابن أخيها وابن اختها وقد روى الاسود عن ابراهيم عن عروة عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا فتعارضت روايتاه، وقال ابن عباس كان زوج بريرة عبدا أسود لبني المغيرة يقال له مغيث وراه البخاري وغيره وقالت صفية بنت أبي عبيد كان زوج بريرة عبدا قال احمد هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة انه عبد برواية علماء المدينة وعملهم وإذا روى اهل المدينة حديثا وعملوا به فهو أصح شئ وانما يصح حرا عن الاسود وحده فأما غير فليس بذلك قال والعقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فهى والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه، ويخالف الحر العبد لان العبد ناقص فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر (مسألة) (وان كان عبدا فلها الخيار في فسخ النكاح) أجمع اهل العلم على هذا ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما والاصل فيه حديث بريرة قالت عائشة كاتبت بريرة فحيرها رسول الله صلي الله عليه وسلم في زوجها وكان عبدا فاختارت نفسها قال عروة ولو كان حرا ما خيرها رواه مالك وابو داود والنسائي، ولان عليها ضررا في كونها حرة تحت العبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر فبان عبدا فان اختارت الفسخ فلها فراقة وان رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك لانها اسقطت حقها وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله
(مسألة) (ولها الفسخ بنفسها من غير حاكم) لانه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه فلا يفتقر إلى حكم حاكم كالرد بالعيب في المبيع بخلاف خيار العيب في النكاح فانه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم كالفسخ للاعسار وروى الحسن عن عمرو بن أمية قال سمعت رجالا يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (إذا أعتقت الامة فهي بالخيار ما ايطاها إن شاءت فارقت فان وطئها فلا خيار لها) رواه الامام أحدم في السند (فصل) فان اختارت الفراق كان فسخا ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح والشافعي وذهب مالك والاوزاعي والليث إلى انه طلاق بائن، قال مالك إلا أن تطلق نفسها
ثلاثا فتطلق ثلاثا، واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا ان أحدا من الصحابة أنكر ذلك ولانهما تملك الفرق فملكت الطلاق كالرجل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الطلاق لمن أخذ بالساق) ولانها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا كما لو اختلف دينهما أو ارضعت من ينفسخ نكاح برضاعها، وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره في الصحابة، فعلى هذا لو قالت اخترت نفسي أو فسخت الناح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي ونوت المفارقة كان كناية عن الفسخ لانه يؤدي معناه فصلح كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق (مسألة) (فان أعتق قبل فسخها أو أمكنته من وطئها بطل خيارها) أما إذ اعتق الزوج قبل خيارها سقط لان الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط كالبيع
إذا زال عيبه وهذا أحد قولي الشافعي وإن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم نص عليه أحمد واختاره الخرقي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة ونافع والزهري وقتادة وحكاه بعض أهل العلم عن فقهاء الشيعة وذكر القاضي ان لها الخيار إذا لم تعلم فان أصابها بعد علمها فلا خيار لها وهذا قول عطاء والحكم وحماد والثوري والاوزاعي والشافعي وإسحاق لانها إذا أمكنت من وطئهها قبل علمها لم يوجد منها ما يدل على الرضي فهو كما لو لم تصب، ووجه الاول ما تقدم من حديث عمرو بن امية، وروى مالك عن ابن شهاب عن عروة ان مولاة لبني عدى يقال لها زبراء أخبرته انها كانت تحت عبد فعتقت قالت فأرسلت إلى حفصة فدعتي فقالت إن امرك بيدك ما لم يمسك زوجك وإن مسك فليس لك من الامر شئ.
فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا، وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن لها الخيار ما لم يمسها، ولانه خيار عيب فيسقط بالتصرف فيه مع الجهالة كخيار الرد بالعيب ولا تفريع على هذا القول.
فأما على القول الآخر فإذا وطئها وادعت الجهالة بالعت وهي ممن يجوز خفاء ذلك عليها مثل أن يعتقها سيدها في بلد آخر فالقول قولها مع يمينها لان الاصل عدم ذلك وان كانت ممن لا يخفى عليها لكونهما في بلد واحد واشتهر ذلك لم يقبل قولها لانه خلاف الظاهر وإن علمت العتق وادعت الجهالة بثبوت الخيار
فالقول قولها لان ذلك لا يعلمه الا خواص الناس فالظاهر صدقها وللشافعي في قبول قولها قولان
(مسألة) (وخيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى ولا يمنع الزوج وطأها) وممن قال انه على التراخي مالك والاوزاعي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة وبه قال سليمان بن يسار ونافع والزهري وقتادة وقال أبو حنيفة وسائر العراقيين لها الخيار في مجلس العلم وللشافعي ثلاثة أقوال أطهرها كقولنا والثاني انه على الفور كخيار الشفعة، والثالث أنه إلى ثلاثة أيام.
ولنا ما روى الامام احمد باسناده عن الحسن بن عمرو بن أمية قال سمعت رجالا يحدثون عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال (إذا اعتقت الامة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته وان وطئها فلا خيار لها) ورواه الاثرم أيضا.
وروى أبو داود أن بريرة عتقت وهي عنده مغيب عبد لآل بني أحمد فحيرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها (ان اقربك فلا خيار لك) ولانه قول من سمينا من الصحابة قال ابن عبدالبرلا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفا من الصحابة ولان الحاجة داعية إلى ذلك فثبت الخيار كخيار القصاص أو خيار لدفع ضرر متحقق فأشبه ما قلنا (مسألة) (فان كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت أو عقلت) ولا خيار لهما في الحال لانه لا عقل لهما ولا قول معتبر ولا يملك وليهما الاختيار ععنهما ليس له هذا طريقه الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالاقتصاص فإذا بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فلهما الخيار حينئذ لكونهما صارا على صفة لكل منهما حكم وهكذا الحكم لو كان عند زوجيتهما عيث بوجب الفسخ
فان كان زوجاهما قد وطئاهما فظاهر كلام الخرقي انه لا خيار لهما فان مدة الخيار انقضت، وعلى قول القاضي وأصحابه لهما الخيار لانه لا رأي لهما فلا يكون تمكينها من الوطئ دليلا على الرضى بخلاف الكبيرة العاقلة ولا يمنع زوجاهما من وطئهما (مسألة) (وان طلقت قبل اختيارها وقع الطلاق وبطل خيارها) لانه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فيقدم كما لو لم يعتق، وقال القاضي طلاقه
موقوف فان اختارت الفسخ لم يقع لانه يتضمن إبطال حقها من الخيار وان لم تختر وقع، وللشافعي قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ أسند إلى حالة العتق فيكون الطلاق واقعا في نكاح مفسوخ وكذلك إن طلق الصغيرة أو المجنونة بعد العتق ولنا أنه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح صحيح فوقع كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم يختر والفسخ انما يوجب الفرقة من حينه لانه سببها ولا يجوز تقديم الفرقة عليه إذا الحكم لا يتقدم سببه ولان العدة تبدأ من حين الفسخ لا من حين العتق وما سبقه من الوطئ وطئ في نكاح صحيح يثبت به الاحصان والاحلال للزوج الاول، ولو كان الفسخ سابقا لانعكست الحال قول القاضي انه يبطل حقها من الفسخ غير صحيح فان الطلاق يحصل به مقصود الفسخ مع وجوب نصف المهر وتقصير العده
عليها فان ابتداءها من حين طلاقه لا من حين فسخه ثم لو كان مبطلا لحقها لم يقع وان لم يختر الفسخ كما لا يصح تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا كان الطلاق باثنا فان كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما نذكر فيما بعد، فعلى قولهم إذا طلقت قبل الدخول ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لانها بانت بالفسخ وان لم تفسخ فلها نصف الصداق لانها بانت بالطلاق (مسألة) (وان أعتقت الامة الرجعية فها الخيار) لان نكاحها باق يمكن فسخه ولها في الفسخ فائده فانها لا تأمن رجعته إذا لم تفسخ، فان قيل فتفسخ حينئذ قلنا إذا تحتاج إلى عده أخرى لانها معتده من الطلاق والفسخ لا ينافيها فهو كما لو طلقها طلقه أخرى وتبنى على عده حرة لانها عتقت في عدتها وهي رجعية (مسألة) (فان اختارت المقام فهل يبطل خيارها؟ على وجهين) (أحدهما) لا يبطل وهو قول الشافعي لانها جارية إلى بينوته (والثاني) يبطل اختيارها لانها يصح فيها احتيار القسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح وهو اختيار شيخنا، وان لم تختر شيئا لم يبطل خيارها لانه على التراخي ولان سكوتها لا يدل على رضاها لانه يحتمل أنه كان تحربا بها إلى بينونة اكتفاء منها بذلك فان ارتجعها بلها الفسخ حينئذ وان فسخت ثم عدد فزوجها بقيت معه بطلقة واحدة
لان طلاق العبد اثنتان وان تزوجها بعد ان عتق رجعت معه على طلقتين لانه صار حرا فملك ثلاث طلقات كسائر الاحرار
(مسألة) (ومتى اختارت المعتقة الفسخ بعد الدخول فالمهر للسيد) وجملة ذلك أن المعتقة متى اختارت المقام مع زوجها قبل الدخول أو بعده فالمهر للسيد وكذلك إن اختارت القسخ بعد الدخول لانه وجب بالعقد وإن اخارت المقام ولم يوجد له مسقط فاز فسخت بعد الدخول فقد استقر المهر بالدخول فلم يسقط بثي وهو للسيد في الحالين لانه وجب بالعقد في ملكه والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق أو بعده وقال أصحاب الشافعي إن كان الدخول قبل العتق فكذلك وان كان بعده فالو اجب مهر المثل ولنا أنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح انصل به الدخول قبل الفسخ وأوجب المسمى كما لو لم يفسخ ولانه لو وجب بالوطئ بعد الفسخ لكان المهر لها لانها حره حينئذ، قولهم إن الوطئ في نكاح فاسد غير صحيح لانه كان صحيحا ولم يوجد ما يفسده ويثبت فيه أحكام الوطئ في النكاح الصحيح من الا حلال للزوج الاول وكونه حلالا (مسألة) (وان اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها) نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن للسيد نصف المهر اختاره أبو بكر لانه وجب للسيد فلا يسقط بفعل غيره
ولنا أن الفرقة جاءت من قبلها فيسقط مهرها كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من بفسخ نكاحها وقوله وجب للسيد قلنا لكن بواسطنها ولهذا سقط نصفه بفسخها وجميعه باسلامها وردتها (فصل) ولو كانت مفوضة ففرض مهر المثل فهو للسيد أيضا لانه وجب بالعقد في ملكه لا بالفرض ولذلك لو مات أحدهما وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد وان كان الفسخ قبل الدخول والفرض فلا شئ إلا على الرواية الاخرى ينبغي أن تجب المتعة لانها تجب بالفرقة قبل
الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه (مسألة) (وان أعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها) وقال أبو بكر لها الخيار لان عتق المعسر لا يسري بل يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل حريتها فلا يثبت لها الخيار حينئذ وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها لانها أكمل منه فانها ترث وتورث وتحجب بقدر ما فيها من الحرية، ووجه الرواية الاولى أنه لا نص في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة لان الحرة كاملة الاحكام ولان العقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها وعن أحمد رضي الله عنه إذا عتقت وزوجها حر بهذه العلة فأما ان كان المعتق موسر اسرى إلى باقيها فعتقت كلها وثبت لها الخيار
(فصل) ولو زوج أمة قيمتها عشرة بصداق عشرين تم أعتقها في مرضه بعد الدخول بها ثم مات ولم يملك غيرها وغير مهرها بعد استيفائه عتقت لانها تخرج من الثلث وان لم يكن قبضه عتق في الحال ثلثها وفي الخيار لها وجهان، فكلما اقتضي من مهرها شيئا عتق منها بقدر ثلثه فإذا استوفي كله عتقت كلها ولها الخيار حينئذ عند من لم يثبت لها اليخار قبل ذلك، فان كان زوجها وطئها قبل استيفا.
مهرها بطل خيارها عند من جعل لها الخيار حينئذ لانها أسقطنه بتمكينه من وطئها وعلى قول الخرقي لا يبطل لانها مكنته منه قول ثبوت الخهيار لها فأشبه ما لو مكنت منه قبل عتقها فأما ان عتقت قبل الدخول بها فلا خيار لها على قول الخرقي لان فسخها للنكاح سقط به صداقها فيعجز الثلث عن كمال قيمتها ورق ثلثاها ويسقط خياها فيقضي إثبات الخيار لها إلى إسقاطه فيسقط وهذا مذهب الشافعي وعند أبي بكر لها الخيار فعلى قول من أوجب لسيدها نصف المهر يعتق ثلثاها إذا استوفي وعلى قول من أسقط يعتق ثلثها (فصل) وان أعتق زوج الامة لم يثبت لها خيار لان عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح ولذلك لا تعتبر الكفاءة الا في الرجل دون المرأة، فلو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم يكن له الخيار ولو تزوجت المرأة رجلا مطلقا فبان عبدا فلها الخيار فكذلك في الاستدامة لكن ان اعتق ووجد طول الحرة فهل يبطل نكاحه؟ على وجهين مضى ذكرهما
(فصل) إذا أعتقت الامة فقالت لزوجها زدنى في مهري ففعل فالزيادة لها دون سيدها سواء كان
زوجها حرا أو عبدا وسواء عتق معها أو لقم يعتق نص عليه أحمد فيما إذا زوج عبده أو أمته ثم اعتقا جميعا فقالت الامة زدني في مهري فالزيادة للامة لا للسيد فقيل أرأيت ان كان الزوج لغير السيد لمن تكون الزيادة؟ قال للامة وعنى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة للثاني وقال القاضي الزيادة لسيد المعتق في الموضعين على قياس المذهب لان من أصلنا أن الزيادة في الصداق تلحق بالعقد الاول فيكون كالمذكور فيه، قال شيخنا والذي قلنا أصح لان الملك في الزيادة حال وجودها بعد زوال ملك سيدها عنها فيكون لها كسبها والموهوب لها، وقولنا ان الزيادة تلحق بالعقد معناه أنها تلزم ويثبت الملك فيها ويصير الجميع صداقا وليس معناه أنا تبينا ان الملك كان ثابتا فيه وكان لسيدها فان هذا محال لان سبب ملك هذه الزيادة وجد بعد العتق فلا يجوز أن يتقدم الملك عليه لانه يؤدي إلى تقدم الحكم قبل سببه ولو كان الملك ثابتا للمعتق فيه حين التزويج لزمته زكاته وكان له نماؤه وهذا أظهر من أن نطيل فيه.
(مسألة) (وان عتق الزوجان معا فلا خيار لها وعنه ينفسخ نكاحهما) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فالمشهور عنه أنه لا خيار لها والنكاح بحاله سواء أعتقهما واحد أو اثنان نص عليه أحمد وعنه لها الخيار لانها كملت بالحرية تحت من لم يسبق لم حرية
فملكت الفسخ كما لو عتقت قبله، والاول أولى لان حرية العبد لو طرأت بعد عتقها منع فإذا قارنت كان أولى أن يمنع كاسلام الزوجين، وعنه رواية ثالثة ان أعتقا انفسخ نكاحهما لان العتق معنى يزيل الملك عنهما لا إلى مالك فجاز ان تقع به الفرقة كالموت ولانه لا يمتنع أن لا تحصل الفرقة بوجوده من أحدهما أو تحصل بوجوده منهما كاللعان والاقالة في البيع.
قال شيخنا: معناه والله أعلم أنه إذا وهب لعبده سرية وأذن له في التسري بها ثم أعتقهما جميعا صارا حرين وخرجت عن ملكه فلم يكن له اصابتها الا بنكاح جديد هكذا روى جماعة من اصحابه فيمن وهب عبده سرية أو اشترى له سرية ثم اعتقها لا يقربها الا بنكاح
جديد، واحتج احمد بما روى عن نافع عن ابن عمر ان عبد الله كان له سريتان فاعتقهما وأعتقه فنهاه ان يقربهما إلا بنكاح جديد ولانها باعتاقها خرجت عن ان تكون مملوكة فلم يبح له التسرى بها كالحرة الاصلية، وأما إذا كانت امرأة فعتقا لم ينفسخ نكاحه بذلك لانه إذا لم ينفسخ باعتاقها وحدها فلان لا ينفسخ باعتاقهما معا أولى ويحتمل ان أحمد انما أراد بقوله أنفسخ نكاحهما أن لها فسخ النكاح ويخرج هذا على الرواية التى تقول لها الفسخ إذا كان زوجها حرا فعتقت عنه (فصل) ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فاراد عتقهما البداية بالرجل لئلا يثبت للمرأة خيار عليه فيفسخ نكاحه، وقد روى أبو داود والاثرم باسنادهما عن عائشة أنه كان لها غلام وجارية فتزوجها فقالت للنبى صلى الله عليه وسلم إنى أريد أن اعتقهما؟ فقال لها " ابدئى بالرجل قبل المرأة "
وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك وقالت للرجل أني بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار والله أعلم.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: