الفقه الحنبلي - النكاح
(فصل) وإذا ارتد احد الزوجين أو ارتدا معا منع من وطئها في عدتها فان وطئها في عدتها وقلنا ان الفرقة تعجلت فيكون عليه مهر مثلها وإن قلنا ان الفرقة تقف على انقضاء العدة فاسلم المرتد منهما أو
اسلما جميعا في عدتها وكانت الردة منها فلا مهر لها عليه بهذا الوطئ لانا تبينا ان النكاح لم يزل وانه وطئها وهي زوجته وان ثبتا أو ثبت المرتد منهما على الردة حتي انقضت العدة فلها عليه مهر المثل لهذا الوطئ لانه وطئ
في غير نكاح بشبهة النكاح لانا تبينا ان الفرقة وقعت منذ اختلف الدين وقد ذكرنا مثل ذلك فيما إذا أسلم أحد الزوجين قبل الدخول فوطئها في العدة لانه مثله (فصل) إذا أسلم أحد الزوجين ثم ارتد نظرت فان أسلم الآخر تبينا أن الفرقة وقعت من حين اختلف الدينان وعدتها من حين أسلم المسلم منهما، وان أسلم الآخر منهما في العدة قبل ارتدادا الاول اعتبر ابتداء العدة من حخين ارتد لان حكم اختلاف الدين بالاسلام الاول زال باسلام الثاني في العدة
ولو اسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه ثم ارتد لم يكن له ان يختار منهن لانه لا يجوز ان يبتدئ العقد عليهن في هذه الحال وكذلك لو ارتددن دونه أو معه لم يكن له ان يختار منهن كذلك (فصل) إذا تزوج الكافر من لا يقر على نكاحها في الاسلام مثل ان جمع أختين أو بين عشر نسوة أو نكح معتدة أو مرتدة ثم طلقها ثلاثا ثم أسلما لم يكن له ان ينكحها لاننا أجرينا أحكامهم على الصحة فيما يعتقدونه في النكاح فكذلك في الطلاق ولهذا جاز له امساك الثانيه من الاختين والخامسة المعقود عليها آخرا (مسألة) (وان انتقل احد الكتابيين إلى دين لا يقر عليه فهو كردته) إذا انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب من الكفر لم يقر عليه لا نعلم في هذا خلافا لانه انتقل إلى دين لا يقر أهله بالجزية كعبادة الاوثان وغيرها مما يستحسنه فالأصلي منهم لا يقر علي دينه
فالمنتقل إليه أولى، وان انتقل إلى المجوسية لم يقر أيضا لانه انتقل إلى دين انقص من دينه فلم يقر عليه كالمسلم إذا ارتد، فأما إذا انتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب كاليهودي يتنصر ففيه روايتان (احداهما) لا يقر أيضا لانه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد (والثانية) يقرنص عليه احمد وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره الخلال وصاحبه وقول أبي حنيفة لانه لا يخرج عن دين أهل الكتاب فاشبه غير المنتقل وللشافعي قولان كالروايتين، فأما المجوسى إذا انتقل إلى دين لا يقر اهله عليه لم يقر كأهل ذلك الدين وان انتقل إلى دين أهل الكتاب خرج فيه الروايتان وسواء فيما ذكرنا الرجل والمرأة لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (من بدل دينه فاقتلوه) ولعموم المعني الذي ذكرناه فيهما جميعا (فصل) وان انتقل إلى دين غير أهل الكتاب لم يقبل منه إلا الاسلام في احدى الروايات عن أحمد اختاره الخلال وهو أحد أقوال الشافعي لان غير الاسلام باطلة قد أقر ببطلانها فلم يقر عليها كالمرتد وعنه رواية ثانية لا يقبل منه الا الاسلام أو الذي كان عليه لان دينه الاول قد أقررناه عليه مرة ولم ينتقل إلى خير منه فنقره عليه ان رجع عليه ولانه منتقل من دين يقر أهله على لقوله تعالى (حتى
يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) وظاهر هذه الرواية ان الكتابي إذا انتقل إلى المجوسية أقر وقد ذكرنا في أعلى هذه الصفحة أنه لا يقر ولعله أراد بقوله إلى دين يقر عليه إذا كان دين أهل الكتاب
ليكون موافقا لما ذكرناه أولا، وان انتقل إلى أهل الكتاب وقلنا لا يقر ففيه روايتان إحداهما لا يقبل إلا الاسلام والاخرى لا يقبل إلا الاسلام أو الذى كان عليه (فصل) وان قلنا لا يقر ففي صفة إجباره روايتان [ إحداهما ] أنه يقتل ان لم يرجع رجلا كان أو امرأة لعموم الحديث ولانه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بتركه أداء الجزية ويستناب في أحد الوجهين لانه يسترجع عن دين باطل أشبه المرتد والثاني لا يستتاب لانه كافرا أصلي أبيح قتله فأشبه لحربي، فعلى هذا ان بادر فأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه وإلا قتل (والرواية الثانية) قال أحمد إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية ولم أدعه فيما انتقل إليه فقيل له أتقتله؟ قال لا ولكن يضرب ويحبس، قال وإذا كان نصرانيا أو يهوديا؟ قال وان كان يهوديا أو نصرانيا دخل في المجوسية كان أعلظ لانه لا تؤكل ذبيحته ولا تنكح له امرأة ولا نتركه حتى يرد إليها، فقبل له تقتله إذا لم يرجع؟ قال انه لاهل لذلك وهذا نص في أن الكتابى المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب لا يقتل بل يكره بالضرب والحبس.
(فصل) فان تزوج مسلم ذمية فانتقلت إلى غير دين أهل الكتاب فهى كالمرتدة لان غير أهل الكناب لا يحل نكاح نسائهم فان كان قبل الدخول انفسخ نكاحها ولا مهر لها وان كان بعده فهل يقف على انقضاء العدة أو ينفسخ في الحال على روايتين وكذلك إذا انتقلت إلى دين باطل أو إلى دين كانت تقر بطلانه فأشبهت المسلمة إذا تهودت أو تنصرت والله أعلم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وان أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة اختار منهن أربعا وفارق سائرهن)
وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات
لم يكن له امساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك امساك أكثر من أربع فإذا أحب ذلك أختار أربعا منهن وفارق سائرهن سواء تزوجهن في عقد واحد أو عقود وسواء اختار الاوائل أو الاواخر نص عليه احمد وبه قال الحسن ومالك والليث والاوزاعي والثوري والشافعي واسحاق ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ان كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن وان كان في عقود فنكاح الاوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل لان العقد إذا تناول أكثر من أربع فتحريمه من طريق الجمع فلا يكون مخيرا فيه بعد الاسلام كما لو تزوجت المرأة زوجين في حال الكفر ثم أسلموا ولنا ما روي قيس بن الحارث قال أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال (اختر منهن أربعا) رواه الامام احمد وأبو داود، وروي محمد بن يزيد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا، رواه الترمذي ورواه مالك في موطئه عن الزهري مرسلا ورواه الشافعي في مسنده عن ابى عليه عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه إلا أنه غير محفوظ غلط فيه معمر وخالف فيه أصحاب الزهري.
وكذلك قال الامام أحمد والترمذي وغيرهما ولان كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه جاز له إمساكه بنكاح مطلق في حال الشرك كما لو تزجهن بغير شهود، وأما إذا تزوجت زوجين فنكاح الثاني باطل لانها ملكته ملك غيرها وان جمعت بينهما لم يصح لانها لم تملكه جميع بضعها ولان ذلك ليس بشائع عند أحد من أهل الاديان ولان المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه بخلاف الرجل (فصل) ويجب عليه ان يختار أربعا ويفارق سائرهن أو يفارق الجميع لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيسا وغيلان بالاختيار وأمره يقتضي الوجوب ولان المسلم لا يجوز اقراره على أكثر من أربع فان أبي
أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار لان هذا حق عليه يمكنه إبفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كايفاء الدين، وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولي إذا امتنع من الطلاق لان الحق ههنا لغير معين وانما تتعين الزوجات باختياره وشهوته، وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه فيه، فان جن خلي حتى يعود عقله ثم يجبر على الاختيار
(مسألة) (وعليه نفقتهن إلى أن يختار) لانهن محبوسات عليه ولانهن في حكم الزوجات أيهن اختار جاز (فصل) ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم اسلموا جميعا لم يكن له الاختيار قبل بلوغه فانه لا حكم لقوله وليس لابيه الاختيار لان ذلك حق يتعلق بالشهوة فلا يقوم غيره مقامه فيه فإذا بلغ الصبي كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة إلى أن يختار فان مات الزوج لم يقم وارثه مقامه لما ذكرنا في الحاكم.
(فصل) وصفة الاختيار ان يقول اخترت هؤلاء أو امسكتهن أو اخترت حبسهن أو امساكهن أو نكاحهن، أو أمسكت نكاحهن، أو أثبت نكاحهن، وإن قال لما زاد على الاربع: فسخت نكاحهن كان اختيار للاربع.
(مسألة) (وإن طلق إحداهن كان اختيار لها) لان الطلاق لا يكون إلا في زوجة، وإن قال فارقت هؤلاء أو اخترت فراق هؤلاء فان لم ينو به الطلاق كان اختيار لغيرههن لقول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان (اختر منهن أربعا وفارق سائرهن) وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحا وكذا في حديث فيروز الديلمي قال فعمدت إلى أقدمهن صحبة ففارقتها، وهذا الموضع اختص بهذه اللفظة فيجب أن يختصص فيه بالفسخ فان نوبه الطلاق كان اختيار لهن دون غيرهن.
وذكر القاضي فيه عند الطلاق وجهين (أحدهما) أن يكون اختيارا للمفارقات لان لفظ الفراق صريح في الطلاق والاول أولى.
(مسألة) (وان وطئ احداهن كان اختيارا لها في قياس المذهب) لانه لا يجوز إلا في ملك فيدل على الاختيار كوطئ الجارية المباعة بشرط الخيار (مسألة) (وإن طلق الجميع أقرع بينهن فأخرج أربعا منهن بالقرعة فكن المختارات ووقع طلاقه بهن وانفسخ نكاح البواقي وله نكاح البواقي فان كان الطلاق ثلاثا فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح من الباقيات لانهن لم يطلقن منه ولا تحل له المطلقات إلا بعد زوج واصابة، ولو أسلم ثم طلق الجميع
قبل اسلامهن ثم أسلمن في العدة أمر أن يختار أربعا منهن فإذا اختارهن تبينا أن طلاقه وقع بهن، لانهن زوجات وبعتددن من حين طلاقه وبان البواقي باختياره لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه وله نكاح أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات لان هؤلاء غير مطلقات، والفرق بينهما وبين التي قبلها أن طلاقهن قبل اسلامهن في زمن ليس له الاختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الاختيار حينئذ، وفي التي قبلها طلقهن وله اختيار، والطلاق يصلح اختيار وقد أوقعه في الجيمع وليس بعضهن أولى من بعض فصرن إلي القرعة لتساوي الحقوق.
(مسألة) (وان ظاهر أو آلى من احداهن فهل يكون اختيارا لها؟ على وجهين) (أحدهما) لا يكون اختيارا لانه يصح في غير زوجة (والثاني) يكون اختيارا لان حكمه لا يثبت في غير زوجة وإن قذفها لم يكن اختيارا لها لانه يقع في غير زوجة (فصل) وإن اختار منهن أربعا وفارق البواقي فعدتهن من حين اختار لانهن بن منه بالاختيار
ويحتمل أن تكون عدتهن من حين اسلم لانهن بين باسلامه وانما يبين ذلك باختيار فيثبت حكمه من حين الاسلام كما إذا اسلم احد الزوجين فلم يسلم الآخر حتى انقضت عدتهن وفرقتهن فسخ لانها تثبت باسلامه من غير لفظ فيهن وعدتهن كعدة المطلقات لانها عدة من فسخ نكاحها وان ماتت احدى المختارات وبانت منه وانقضت عدتها فله ان ينكح واحدة من المفارقات وتكون عنده على طلاق ثلاث لانه لم يطلقها قبل ذلك، وان اختار اقل من أربع أو اختار ترك الجميع امر بطلاق أربع أو تمام الاربع لان الاربع زوجات لا يبن منه الا بطلاق أو ما يقوم مقامه فإذا طلق أربعا منهن وقع طلاقه وانفسخ نكاح الباقيات لاختياره لهن وتكون عدة المطلقات من حين طلق وعدة الباقيات على الوجهين (مسألة) (فان مات فعلى الجميع عدة الوفاة) هكذا ذكره في الكتاب المشروح والاولى ان من كانت منهن حاملا فعدتها بوضعه لان ذلك تنقضي به العدة في كل حال ومن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها عدة الوفاة لانها أطول العدتين في حقها ومن كانت من ذوات القروء اعتدت أطول الاجلين من ثلاثة قروء واربعة اشهر وعشر لتنقضى العدة
بيقين لان كل واحدة منهن يحتمل ان تكون مختارة أو مفارقة وعدة المختارة عدة الوفاة وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأحببنا اطولهما لتنقضى العدة كما قلنا فيمن نسى صلاة لا يعلم عينها عليه خمس صلوات هذا الذى ذكره شيخنا في كتاب المغنى والكافي وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح والقول الاول لا يصح (مسألة) (والميراث لاربع منهن بالقرعة في قياس المذهب) وعند الشافعي يوقف حتى يصطلحن وسنذكر هذا في غير هذا الموضع ان شاء الله تعالى، وان اخترن الصلح جاز كيفما اصطلحن لان الحق لهن
(فصل) وإذا اسلم قبلهن وقلنا تتعجل الفرقة باختلاف الدين فلا كلام وان قلنا تقف على انقضاء العدة فلم يسلمن حتى انقضت عدتهن تبينا انهن بن منذ اختلف الدينان فان كان قد طلقهن قبل انقضاء عدتهن تبينا ان طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن إذا اسلمن وان كن وطئهن تبينا انه وطئ غير نسائه وان آلي منهن أو ظاهر أو قذف تبينا ان ذلك كان في غير زوجة وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية فان أسلم بعضهن في العدة تبينا انها زوجة فوقع طلاقه بها وكان وطؤها وطأ لمطلقتة وان كانت المطلقة غيرها فوطؤه لها وطئ لامرأته وكذلك ان كان وطؤه قبل طلاقها، ان طلق الجميع فأسلم أربع منهن إو أقل في عدتهن ولم يسلم البواقي تعينت الزوجية في المسلمات ووقع الطلاق بهن فإذا أسلم البواقي فله ان يتزوج منهن لانه لم يقع طلاقه بهن (فصل) ولو أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله الوقوف إلى أن يسلم البواقي فان مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء لان الاختيار ليس بعقد وانما هو تصحيح للعقد الاول فيهن والاعتبار في الاختيار بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء، وان أسلمت واحدة منهن وقال اخترتها جاز فإذا ختار أربعا على هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي وان قال للمسلمة اخترت فسخ نكاحها لم يصح لان الفسخ انما يكون فيما زاد على الاربع والاختيار للاربع وهذه من جملة الاربع الا أن يريد بالفسخ الطلاق فيقع لانه
كناية ويكون طلاقه لها اختيار لها، وان قال اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح لانه ليس بوقت للاختيار لانها جارية إلى بينونة فلا يصح امساكها وان فسخ نكاحها لم ينفسخ لانه المالم يجز الاختيار لم يجز الفسخ وان نوى بالفسخ الطلاق أو قال أنت طالق فهو موقوف فان أسلمت ولم يسلم زيادة على أربع أو أسلم زيادة خ فاختارها تبينا وقوع الطلاق بها والا فلا
(فصل) وان قال كلما أسلمت واحدة اخترتها لم يصح لان الاختيار لا يصح تعليقه على شرط ولا يصح في غير معين، وان قال كلما أسلمت واحدة اخترت فسخ نكاحها لم يصح أيضا لان الفسخ لا يتعلق بالشرط ولا يملكه في واحدة حتى يزيد عدد المسلمات على الاربع، فان أراد به الطلاق فهو كما لو قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق وفي ذلك وجهان (أحدهما) يصح لان الطلاق يصح تعليقه بالشرط ويتضمن الاختيار لها، وكلما أسلمت واحدة كان اختيارا لها وتطلق بطلاقه (والثاني) لا يصح لان الطلاق يتضمن الاختيار والاختيار لا يصح تعليقه بالشرط (فصل) إذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم أسلمن فله الاختيار لان الاختيار استدامة للنكاح وتعيين للمنكوحة وليس ابتداء له، وقال القاضي ليس له اختيار وهو ظاهر مذهب الشافعي.
ولنا أنه استدامة نكاح لا يشترط له رضي المرأة ولا ولي ولا شهود ولا يتجدد به مهر فجاز له في الاحرام كالرجعة.
(فصل) فان أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن أربعا فيكون له ميراثهن، ولا يرث الباقيات لانهن لسن بزوجات له وان مات بعضهن فله الاختيار من الجميع فان اختار الميتات فله ميراثهن لانهن متن وهن نساؤه، وان اختار غيرهن فلا ميراث له منهن لانهن أجنبيات، وان لم يسلم البواقي لزم النكاح في الميتات وله ميراثهن فان وطئ الجميع قبل اسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا منهن فليس لهن الا المسمى لانهن زوجات ولسائرهن المسمى بالعقد الاول، ومهر المثل للوطئ الثاني لانهن أجنبيات، وان وطئهن بعد اسلامهن فالموطوءات أولا المختارات والبواقي أجنبيات والحكم في المهر على ما ذكرنا
(فصل) وان أسلم وتحته أختان منهما واحدة.
هذا قول الحسن والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبي عبيد، وقال أبو حنيفة في هذه كقوله في عشرة نسوة ولنا ما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان.
قال (طلق أيتهما شئت) رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما ولان أنكحة الكفار صحيحة وانما حرم الجمع في الاسلام وقد أزاله فصح كما لو طلق احداهما قبل إلا سلامه ثم أسلم والاخري في حباله، وكذلك الحكم في المرأة وعمتها وخالتها لان المعني في الجميع واحد (فصل) ولو تزوج وثانية فأسلمت قبله ثم تزوج في شركه أختها ثم أسلما في عدة الاولى فله أن يختار منهما لانه أسلم وتحته أختان، وإن أسلم هو قبلها لم يكن له أن يتزوج أختها في عدتها ولا أربعا سواها فان فعل لم يصح النكاح الثاني فإذا أسلمت الاولى في عدتها فنكاحها لازم لانها انفردت به (فصل) وإذا تزوج أختين فدخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة الاخرى لئلا يكون واطئا لاحد الاختين في عدة الاخرى وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع قد دخل بهن فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات لئلا يكون واطئا لاكثر من أربع، فان كن خمسا ففارق احداهن فله وطئ ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة، وان كن ستا ففارق اثنتين فله وطئ اثنتين من المختارات وان كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطئ واحدة من المختارات ولا يطأ الباقيات حتى تنقضي عدة المفارقات فكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطئ واحدة من المختارات هذا قياس المذهب
(فصل) وإن تزوج أختين في حال كفره فأسلم وأسلمتا معا قبل الدخول فاختار احداهما فلا مهر للاخرى لانا تبينا أن الفرقة وقعت باسلامهم جميعا فلا تستحق مهرا كما لو فسخ النكاح لعيب في احداهما ولانه نكاح لا يقر عليه في الاسلام فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها كما لو تزوج المجوسي أخته
ثم أسلما قبل الدخول وهذا الحكم فيما زاد على الاربع إذا أسلموا جميعا قبل الدخول فاختار أربعا وانفسخ نكاح البواقى فلامهر لهن فيما ذكرنا والله أعلم (مسألة) (وإن كانتا أما وبنتا لم يدخل بالام انفسخ نكاحها، وإن كان دخل بالام فسد نكاحهما) أما إذا كان اسلامهم جميعا قبل الدخول فانه يفسد نكاح الام ويثبت نكاح البنت وهذا أحد قولى الشافعي واختيار المزني، وقال في الآخر يختار أيتهما شاء لان عقد الشرك انما يثبت له حكم الصحة إذا ضم إليه الاختيار فإذا اختار الام فكأنه لم يعقد على البنت ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) وهذه أم زوجته فتدخل في عموم الآية ولانها أم زوجته فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه، ولانه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها حرمت عليه أمها إذا أسلم فإذا لم يطلقها ويمسك بنكاحها أولى، وقولهم انما يصح العقد بانضمام الاختيار إليه غير صحيح فان أنكحة الكفار صحيحة تثبت لها أحكام الصحة وكذلك لو انفردت كان نكاحها صحيحا لازما من غير اختيار ولهذا فوض إليه الاختيار ههنا ولا يصح أن يختار من ليس نكاحها صحيحا وانما اختصت الام بفساد نكاحها لانها تحرم بمجرد العقد على ابنتها على التأبيد فلم يكن له اختيارها والبنت لا تحرم قبل الدخول بامها فتعين النكاح في أمها بخلاف الاختين (فصل) فان كان دخل بالام أو بهما حرم نكاحهما على التأبيد الام لانها أم زوجته والبنت لانها ربيبة مدخول بأمها.
قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم وهو قول الحسن
وعمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق والشافعي ومن تبعهم فان دخل بالبنت وحدها ثبت نكاحها وفسد نكاح امها كما لو لم يدخل بهما، فان لم يسلم معه إلا احداهما كان الحكم كما لو أسلمتا معه معا، فان كانت المسلمة هي الام فهي محرمة عليه على كل حال، وإن كانت البنت ولم يكن دخل بأمها ثبت نكاحها وإن كان دخل بها فهي محرمة على التأبيد، وان كان قد وطئ احداهما حرمت الاخرى على التأبيد ولم تحرم الموطؤة، وإن لم يكن وطئ واحدة منهما فله وطئ أيتهما شاء فإذا وطئها حرمت الاخرى على التأبيد والله أعلم
(فصل) وإذا أسلم عبد وتحته زوجتان قد دخل بهما وأسلمتا في العدة فهما زوجتاه وإن كن أكثر اختار منهم اثنتين لانه حكم العبد فيما زاد على الاربع، فإذا اسلم وتحته زوجتان معه أو في عدتهما لزم نكاحه حرتين كانا أو أمتين أو حرة وأمة لان له الجمع بينهما في ابتداء نكاحه فكذلك في اختياره وإن كن أكثر اختار منهم اثنتين بناء على ما مضي في الحر فلو كان تحته حرتان وأمتان فله أن يختار الحرتين أو الامتين أو حرة أو أمة وليس للحرة إذا أسلمت معه الخيار في فراقه لانها رضيت بنكاحه وهو عبد ولم يتجدد رقه بالاسلام ولا تجددت حريتها بذلك فلم يكن له اختيار كما لو تزوجت معيبا تعلم عيبه ثم أسلما.
وذكر القاضي وجها أن لها الخيار لان الرق عيب تجددت أحكامه بالاسلام فكأنه عيب حادث والاول أصح فان الرق لم يزل عيبا ونقصا عن العقلاء ولم يتجدد نقصه بالاسلام فهو كسائر العيوب (فصل ولو أسلم وتحته أربع حرائر فأعتق ثم أسلمن في عدتهن أو أسلمن قبله ثم اعتق ثم أسلم ثبت نكاح الاربع لانه ممن يجوز له الاربع في وقت اجتماع اسلامهم لانه حر، فأما أن أسلموا كلهم ثم أعتق قبل أن يختار لم يكن له أن يختار الاثنين لانه كان عبدا حين ثبت له الاختيار وهو حال اجتماعهم على الاسلام فتغير حاله بعد ذلك لا يغير الحكم كمن أسلم وتحته اماء فأسلمن معه ثم أيسر ولو أسلم معه اثنتان ثم أعتق ثم أسلم الباقيتان لم يختر الا اثنتين لانه ثبت له الاختيار باسلام الاوليين (فصل) فان تزوج أربعا من الاماء فأسلمن وأعتقن قبل اسلامه فلهن فسخ النكاح لانهن عتقن
تحت عبد وانما ملكن الفسخ وان كن جاريات إلى بينونة لانه قد يسلم فيقطع جريانهن إلى البينونة فإذا فسخن ولم يسلم الزوج بن بالاختلاف الدين من حين أسلمن وتبين أن الفسخ لم يصح، وإن أسلم في العدة بن بفسخ النكاح وعليهن عدة الحرائر في الموضعين لانهن ههنا وجبت عليهن العدة وهن حرائر وفي التي قبلها عتقن في اثناء العدة التي يمكن لزوج تلافي النكاح فيها فأشبهن الرجعية فان أخرن الفسخ حتى اسلم لزوج فهن كالرجعية إذا عتقت وأخرت لنفسخ لان تركهن الفسخ اعتماد على جريانهن إلى البينونة فلم يضتم الرضا بالنكاح، ولو اسلم قبلهن ثم أعتقن فاخترن الفسخ صح لانهن اماء عتقن
تحت عبد وهذا ظاهر مذهب الشافعي.
وقال بعضهم لا خيار لهن لانه لا حاجة بهن إلى الفسخ لكون يحصل باقامتهن على الشرك بخلاف التي قبلها وليس بصحيح فان السبب متحقق وقد يبدو لهن الاسلام وهو واجب عليهن، فان قيل فإذا اسلمن اخترن الفسخ قلنا يتضررن بطول العدة فان ابتداءها من حين الفسخ ولذلك ملكن الفسخ فيما إذا أسلمن وعتقن قبله، فأما إن اخترن المقام وقلن قد رضينا الزوج فذكر القاضي أنه يسقط خيارهن لانها حالة صح فيها اختيار الفسخ فصح فيها اختيار الاقامة كحال اجتماعهم على الاسلام.
وقال اصحاب الشافعي لا يسقط اختيارهن لان اختيارهن للاقامة ضد الحالة التي هي عليها وهي جريانهن إلى البيونة فأشبه ما لو أرتدت الرجعية فراجعها الزوج حال ردتها وهذا يبطل بما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثم عتقت فاختارت زوجها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (فان أسلم وتحته اماء فاسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الاسلام ممن تحل له الاماء فله الاختيار منهم والا فسد نكاحهن إذا ان في حال اجتماعهم على الاسلام عادما للطول خائفا فله أن يختار منهن واحدة فان
كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه في احدى الروايتين والاخرى لا يختار الا واحدة وهو مذهب الشافعي وتوجيههما قد مضى ذكره وان عدم فيه الشرطان انفسخ النكاح في الكل ولم يكن له خيار وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور له أن يختار منهن لانه استدامه للعقد لا ابتداء له بدليل انه لا يشرتط شروط العقد أشبه الرجعية ولنا أن هذه امرأة لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الاسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة من غيره وذوات محارمه، وأما الرجعة فهي قطع جريان النكاح إلى البينونة وهذا اثبات النكاح في امرأة فان كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك وقال أبو بكر لا يجوز له ههنا اختيار بل بين بمجرد اسلامه لئلا يفضى إلى استدامة نكاح مسلم في أمة كافرة ولنا أن اسلامهن في العدة كاسلامهن معه وان لم يسلمن الا بعد العدة انفسخ نكاحهن ان كن كتابيات لانه لا يجوز استدامة النكاح في أمة كتابية
(مسألة) (فان أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن لان شرائط النكاح تعتبر في وقت الاختيار) وان أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر فليس له الاختيار لذلك وان أسلمت احداهن وهو موسر ثم أسلم البواقى بعد إعساره لم يكن له أن يختار منهن شيئا لان وقت الاختيار دخل باسلام الاولى ألا ترى أنه إذا كان معسر كان له اختيارها فإذا كان موسرا ابطل اختياره، وان أسلمت الاولى وهو معسر فلم يسلم البواقى حتى أيسر لزم نكاح الاولى ولم يكن له الاختيار من البواقى لان الاولى اجتمعت معه في حال يجوز ابتداء نكاحها بخلاف البواقى، ولو أسلم وأسلمن معه وهو معسر فلم يختر حتى أيسر كان أن يختار لان ثبوت حال الاختيار كان له ذلك فتغير حاله لا يسقط ما ثبت كما لو تزوج أو اختار ثم أيسر لم يحرم عليه استدامة النكاح
(مسألة) (وان اسلمت احداهن بعده ثم عتقت ثم اسلم البواقي فله الاختيار منهن لان العبرة بحالة الاختيار وهي حالة اجتماعهم على الاسلام وحالة اجتماعهما على الاسلام كانت أمة، وان عتقت احداهن ثم أسلمت ثم أسلم البواقي لم يكن له أن يختار من الاماء لانه ملك لعصمة حرة حين اجتماعهما على الاسلام (فصل) فان أسلم وأسلمت معه واحدة منهن وهو ممن يجوز له نكاح الاماء فله أن يختار من أسلمت معه لان له أن يختارها لو أسلمن كلهن فكذلك إذا أسلمت وحدها وان أحب انتظار البواقي جاز لان له غرضا صحيحا وهو أن يكون عنده من هي أبر عنده من هذه فان انتظرهن فلم يسمن حتى انقضت عدتهن تبين أن نكاح هذه كان لازما وبن البواقي منذ اختلف الدينان وان أسلمن في العدة اختار منهن واحدة وانفسخ نكاح الباقيات من حين الاختيار وعددهن من حين الاختيار، وان أسلم بعض دون بعض بن الللاتي لم يسلمن منذ اختلف الدينان والبواقي من حين اختياره، وان اختار التي أسلمت معه حين أسلمت انقطعت عصمة البواقي وثبت نكاحها، فان أسلم البواقي في عدة تبين انهن بن منه باختياره وعدتهن من حينئذ، وان لم يسلمن بن باختلاف الدين وعدتهن منه.
وان
طلق التي أسلمت معه طلقت وكان اختيار لها وحكم ذلك حكم ما لو اختارها صريحا لان ايقا طلاقه عليها يتضمن اختيارها، فأما ان اختار فسخ نكاحها لم يكن له لان الباقيات لم يسلمن معه فما زاد العدد على ماله امساكه في هذه الحال لا ينفسخ نكاحها.
ثم ننظر فان لم يسلم البواقي لزمه نكاحها وان أسلمن واختار منهن واحدة انفسخ نكاح الاولى معهن.
فان اختار الاولى التي فسخ نكاحها صح اختياره لها لان فسخ لنكاحها ما صح وفيه وجه آخر ذكره القاضي انه لا يصح اختياره لها لان فسخ انما لم يصح مع إقامة البواقي علي
الكفر حتى تنقضي العدة لانا تبينا أن نكاحها كان لازما فإذا أسلمن لحق اسلامهن بتلك الحال فصار كأنهن أسلمن في ذلك الوقت فإذ فسخ نكاح إحداهن صح الفسخ ولم يكن له أن يختارها.
وهذا يبطل بما لو فسخ نكاح إحداهن قبل اسلامها فانه لا يصح ولا يجعل اسلامهن الموجود في الثاني كالموجود سابقا كذلك ههنا.
(مسألة) (وان أسلم وتحته حرة وإماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن انفسخ نكاحهن) إذا أسلم وتحته حرة وإماء ففيه ثلاث مسائل (إحداهن) أسلم واسلمن معه كلهن فانه يلزمه نكاح الحرة وبنفسخ نكاح الاماء لانه قادر على الحرة فلا يختار أمة.
وقال أبو ثور له أن يختار وقد مضي الكلام معه (الثانية) أسلمت الحرة معه دون الاماء فثبت نكاحها وانقطعت عصمة الاماء فان لم يسلمن حتى انقضت عددهن بن باختلاف الدين وابتداء عددهن من حين أسلم، وان أسلمن في عددهن بن من حين اسلام الحرة وعددهن من حين اسلامها.
فان ماتت الحرة بعد اسلامها لم يتغير الحكم بموثها لان موتها بعد ثبوت نكاحها وانفساخ نكاح الاماء لا يؤثر في اباحتهن (الثالثة) أسلم الاماء دون الحرة وهو معسر فلا يخلو اما ان تنقضي عدتها قبل اسلامها فتبين باختلاف الدين وله أن يختار من الاماء لانه لم يقدر على الحرة أو تسلم في عدتها فيثبت نكاحها ويبطل نكاح الاماء كما لو أسلمن دفعة واحدة ليس له أن يختار من الاماء قبل اسلامها وانقضاء عدتها لانا لا نعلم أنها لا تسلم فان طلق الحرة ثلاثا قبل اسلامها ثم لم تسلم لم يقع الطلاق ولانا تبينا أن النكاح
.
انفسخ باختلاف الدين وله الاختيار من الاماء، وان أسلمت في عدتها بان أن نكاحها كان ثابتا ووقع فيه الطلاق وبن الاماء بثبوت نكاحها قبل الطلاق (فصل) فان أسلم وتحته إماء وحرة فأسلمن ثم عتقن قبل اسلامها لم يكن له أن يختار منهن لان نكاح الامة لا يجوز لقادر على حرة وانما يعتبر حالهن حال ثبوت الاختيار وهو حالة اجتماع اسلامه واسلامهن ثم ينظر فان لم تسلم الحرة فله الاختيار منهن ولا يختار الا واحدة اعتبارا بحالة اجتماع اسلامه واسلامهن، وان اسلمت في عدتها ثبت نكاحهن وانقطعت عصمتهن فان كان قد اختار واحدة من المعتقات في عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة باختياره لان الاختيار لا يكون موقوفا، فأما ان عتقن قبل أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الاسلام وهن حرائر فان كان جميع الزوجات أربعا فما دون ثبت نكاحهن وان كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعا وتبطل عصمة الخامسة لانهن صرن حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع اسلامه واسلامهن فصار حكمهن حكم الحرائر الاصليات وكما لو أعتقن قبل اسلامه واسلامهن وان اسلمن قبله ثم اعتقن ثم اسلم فكذلك ويكون الحكم في هذا كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله (فصل) ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما لانه لا بد ان يلزمه نكاح واحدة منهما فلا معنى لاعتبار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي
لزمه نكاح الثانية وكذلك ان لم يسلم من البواقي الا اثنتان لزمه نكاح الاربع، وان أسلم الجميع في العدة كلف أن يختار ثلاثا مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم معه ثلاث كلف اختيار اثنتين، وان أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا معني لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاثة منهن لازم على كل حال، ويحتمل أن لا يجبر على الاختيار لانه انما يكون عند زيادة العدد على اربع وما وجد ذلك، ولذلك لو أسلمت معه من الاماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا قال شيخنا
واسلامهن، وان اسلمت في عدتها ثبت نكاحهن وانقطعت عصمتهن فان كان قد اختار واحدة من المعتقات في عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة باختياره لان الاختيار لا يكون موقوفا، فأما ان عتقن قبل أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الاسلام وهن حرائر فان كان جميع الزوجات أربعا فما دون ثبت نكاحهن وان كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعا وتبطل عصمة الخامسة لانهن صرن حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع اسلامه واسلامهن فصار حكمهن حكم الحرائر الاصليات وكما لو أعتقن قبل اسلامه واسلامهن وان اسلمن قبله ثم اعتقن ثم اسلم فكذلك ويكون الحكم في هذا كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله (فصل) ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما لانه لا بد ان يلزمه نكاح واحدة منهما فلا معنى لاعتبار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي
لزمه نكاح الثانية وكذلك ان لم يسلم من البواقي الا اثنتان لزمه نكاح الاربع، وان أسلم الجميع في العدة كلف أن يختار ثلاثا مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم معه ثلاث كلف اختيار اثنتين، وان أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا معني لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاثة منهن لازم على كل حال، ويحتمل أن لا يجبر على الاختيار لانه انما يكون عند زيادة العدد على اربع وما وجد ذلك، ولذلك لو أسلمت معه من الاماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا قال شيخنا والصحيح ههنا أنه يجبر على اختيارها لما ذكرنا من المعني، وأما الامة فقد يكون له غرض في اختيار غيرها بخلاف مسئلتنا.
(مسألة) (وان أسلم عبد وتحته اما فأسلمن معه ثم أعتق فله أن يختار منهن) لانه حالة اجتماعهم على الاسلام كان عبدا يجوز له الاختيار من الاماء (مسألة) (وان أسلم وأعتق ثم أسلمن فحكمه حكم الحر) لا يجوز أن يختار الا بوجود الشرطين فيه لانه حالة اجتماعهم في الاسلام كان حرا فيشرط في حقه ما يشترط في حق الحر (تم بحمد الله وعونه الجزء السابع..)
الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه ج 8
الشرح الكبير
عبدالرحمن بن قدامه ج 8
الشرح الكبير على متن المقنع، تأليف الشيخ الامام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 682 ه كلاهما على مذهب امام الائمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني) مع بيان خلاف سائر الائمة وأدلتهم رضي الله عنهم الجزء الثامن * (تنبيه) * وضعنا كتاب المغني في أعلى الصحائف والشرح الكبير في أدناها مفصولا بينهما بخط عرضي دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم * (كتاب الصداق) * وهو مشروع والاصل في مشروعية الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وقال تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قال أبو عبيد يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى وقيل النحلة الهبة والصداق في معناها لان كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه وجعل الصداق للمرأة كانه عطية بغير عوض وقيل نحلة من الله تعالى للنساء وقال تعالى (فآتوهن أجورهن فريضة) وأما السنة فروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مهيم؟ " فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال " ما أصدقتها؟ " قال وزن نواة من ذهب قال " بارك الله لك أو لم ولو بشاة " متفق عليه وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح.
وللصداق تسعة أسماء:
الصداق والصدقة والمهر والنحلة والاجر والفريضة والعلائق والعقر والحباء، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أدوا العلائق " قيل يا رسول الله وما العلائق؟ قال " ما تراضى به الاهلون " وقال عمر: لها
عقر نسائها ويقال أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمرتها * (مسألة) * (ويستحب تخفيفه لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة " رواه أبو حفص باسناده عن أبي العجفاء قال قال عمر الا لا تغلوا صداق النساء فانه لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصدقت امرأة من نسائة أكثر من اثنتي عشرة اوقية وان الرجل ليغلو بصداق امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه وحتى يقول كلفت لكم علق القربة، أخرجه النسائي وأبو داود مختصرا وعن أبي سلمة قال سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: اثنتا عشرة أوقية ونش فقلت ما النش؟ قالت نصف أوقية أخرجاه أيضا والاوقية أربعون درهما * (مسألة) * (ويستحب أن لا يعرى النكاح من تسميته) لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق وقال للذي زوجه الموهوبة " هل من شئ تصدقها؟ " قال لا أجد شيئا قال " التمس ولو خاتما من حديد " فلم
يجد شيئا فزوجه إياها بما معه من القرآن متفق عليه ولانه أقطع للنزاع والخلاف فيه وليس ذكره شرطا بدليل قوله تعالى (ولا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة ولم يسم لها مهرا * (مسألة) * (ويستحب أن لا يزيد على صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم) لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم * (مسألة) * (ولا يتقدر أقله ولا أكثره بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا) وبهذا قال الحسن وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى والاوزاعي والليث والشافعي واسحاق وأبو داود، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال لو أصدقها سوطا لحلت وعن سعيد بن جبير والنخعي وابن شبرمة ومالك وأبو حنيفة أنه مقدر الاقل، ثم اختلف فيه فقال مالك وأبو حنيفة أقله ما يقطع به السارق وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وعن النخعي أربعون درهما وعنه عشرون وعنه رطل من الذهب وعن
سعيد بن جبير خمسون درهما، واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا مهر أقل من عشرة دراهم " ولانه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي زوجه " هل عندك من شئ تصدقها " قال لا أجد قال " التمس ولو خاتما من حديد " متفق عليه وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت نعم فأجازه.
أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا مل ء يده طعاما كانت حلالا له " رواه الامام أحمد في المسند وفي لفظ عن جابر قال كنا ننكح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبضة من الطعام رواه الاثرم ولان قول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) يدخل فيه القليل والكثير ولانه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه كالعشرة وكالاجرة وحديثهم غير صحيح رواه ميسرة بن عبيد وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ورووه عن جابر وقد روينا عنه خلافه أو نحمله على مهر امرأة بعينها أو على الاستحباب وقياسهم لا يصح فان النكاح استباحة الانتفاع بالجملة والقطع اتلاف عضو دون استباحته وهو عقوبة وحد وهذا عوض وقياسه على الاعواض أولى.
فأما أكثره فلا توقيت فيه باجماع أهل العلم قاله ابن عبد البر وقد قال الله تعالى (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وروى أبو حفص باسناده أن عمر أصدق أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذه الآية (وآتيتم احداهن قنطارا) قال أبو صالح القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد مل ء مسك ثور ذهبا وعن مجاهد سبعون ألف مثقال * (مسألة) * (كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا من قليل وكثير وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة وخياطة ثوب ورد عبدها الآبق من موضع معين)
ومنافع الحر والعبد سواء فقد روى الدارقطني باسناده قال قال رسول الله صلى الله عيله وسلم " أنكحوا
الايامى وأدوا العلائق " قيل وما العلائق يا رسول الله قال " ما تراضى عليه الاهلون ولو قضيبا من أراك " ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة منافع الحر لا يجوز أن تكون صداقا لانها ليست مالا وانما قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولنا قول الله تعالى (اني أريد أن أنكحك احدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) والحديث الذي ذكرناه ولانها منفعة يجوز العوض عنها في الاجارة فجازت صداقا كمنفعة العبد وقولهم ليست مالا ممنوع فانها يجوز المعاوضة عنها وبها ثم ان لم تكن مالا فقد أجريت مجرى المال في هذا فكذلك في النكاح.
* (مسألة) * (وان كانت المنفعة مجهولة كرد عبدها اين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح لانه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كالثمن في المبيع والاجرة في الاجارة * (مسألة) * (وكل ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع كالمحرم والمعدوم والمجهول وما لا منفعة فيه ومالا يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه، وما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء وما لا يتمول عادة كقشرة جوزة وحبة حنطة لا يجوز أن يكون صداقا) لانه نقل الملك فيه بعوض فلم يجز فيه ما ذكرناه كالبيع.
ويجب أن يكون له نصف يتمول عادة ويبذل
العوض في مثله عرفا لان الطلاق يعرض فيه قبل الدخول فلا يبقى للمرأة إلا نصفه فيجب ان يبقى لها مال تنتفع به وتعتبر نصف القيمة لا نصف عين الصداق فانه لو أصدقها عبدا جاز وان لم تمكن قسمته (فصل) ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبه قال الشافعي وقال النخعي والثوري ومالك والاوزاعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد يصح ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلا يصح كما لو أصدقها شيئا (فصل) وان أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولم يجب مهر المثل لان تعذر ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجرة مثل خياطته لان المعقود عليه العمل فيه تلف فوجب الرجوع إلى عوض العمل كما لو اصدقها تعليم عبدها
صناعة فمات قبل التعليم، وان عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته وقبل الدخول فعليه خياطة نصفه ان أمكن معرفة نصفه وان لم يمكن فعليه نصف أجرة خياطته الا ان يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقينا وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليها بنصف أجره وان أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لانه منفعة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقا كخياطة ثوبها * (مسألة) * (وان تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين)
(إحداهما) لا يصح وقد نقل مهنأ عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون هذا؟ قيل له امراة لها ضياع وارضون لا تقدر على أن تعمرها قال لا يصلح هذا، ووجه هذه الرواية أنها ليست مالا فلا يصح أن يكون مهرا كرقبته ومنفعة البضع وهذا قول أبي حنيفة ولان المرأة تستحق على الزوج خدمته بدليل أنه إذا لم يقم لها من يخدمها لزمه أن يتولى خدمتها فإذا كانت خدمته مستحقه لها لم يجز أن يأخذ عليها عوضا (والثانية) يصح وهي أصح بدليل قصة موسى عليه السلام وقياسا على منفعة العبد وتأول أبو بكر رواية مهنا على ما إذا كانت الخدمة مجهولة، فان كانت معلومة جاز وكذلك نقل أبو طالب عن أحمد التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب جائز لانه معلوم يجوز أخذ العوض عنه أشبه الاعيان وإن تزوجها على أن يأتيها بعبدها الآبق من مكان معلوم صح لذلك وإن أصدقها الاتيان به أين كان لم يصح لانه مجهول * (مسألة) * (وكل موضع لا تصح التسمية يجب مهر المثل فان أصدقها مالا يجوز أن يكون صداقا كالخمر والخنزير وتعليم التوراة والانجيل والمعدوم والآبق والطير في الهواء، والمجهول كعبد وثوب ودار لا يفسد به النكاح في الصحيح من المذهب) وعنه يفسد اختاره أبو بكر لانه عقد معاوضة أشبه البيع ولنا أن فساد المسمى ليس أكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد كذلك هذا، إذا ثبت هذا فانه
يجب لها مهر المثل لانها لم ترض ببدل ولم يسلم البدل وتعذر به العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة
بخمر فتلفت عند المشتري.
* (مسألة) * (وان أصدقها تعليم أبواب من الفقه أو الحديث أو قصيدة من الشعر المباح صح) وكل ما يجوز أخذ الاجرة على تعليمه جاز وصحت التسمية لانه يجوز أخذ الاجرة عليه فجاز صداقا كمنافع الدار.
* (مسألة) * (وان كان لا يحفظها لم يصح ويحتمل أن يصح ويتعلمها ويعلمها) وجملته أنه ينظر في قوله فان قال احصل لك تعليم هذه الصورة صح لان هذه منفعة في ذمته لا يختص بها فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها وان قال على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لانه معين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له، وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة لان هذا يكون في ذمته فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال، فعلى هذا يتعلمها ثم يعلمها أو يقيم لها من يعلمها.
(فصل) فان جاءته بغيرها فقالت علمه السورة التي تريد تعليمي اياها لم يلزمه لا المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه ايقاعه في غيرها كما لو استأجرته لخياطة ثوب فأتته بغيره فقالت خط هذا ولان
المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافا كثيرا وقد يكون له غرض في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها فان أتاها بغيره يعلمها لم يلزمها قبول ذلك لان المعلمين يختلفون في التعليم، وقد يكون لها غرض في التعليم منه لكونه زوجها، تحل له ويحل لها، ولانه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعليم من غيره قياسا لاحدهما على الآخر.
* (مسألة) * (فان تعلمتها من غيره فعليه أجر تعليمها) وكذلك إن تعذر عليه تعليمها كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر، فان ادعى انه علمها فأنكرته فالقول قولها لان الاصل عدمه.
وفيه وجه آخر أنهما ان اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول قوله لان الظاهر معه، وإن علمها السورة ثم أنسيتها فلا شئ عليه لانه قد وفى لها بما شرط وانما تلف الصداق بعد القبض وان لقنها الجميع وكلما لقها شيئا نسيته لم يعتد بذلك تعليما لان ذلك لا يعد تعليما في العرف
ولو جاز ذلك لافضى إلى انه متى أقرأها بيتا من الشعر أو مسألة من الفقه أو آية فقرأنها بلسانها من غير حفظ كان تلقينا، ويحتمل أن يكون ذلك تلقينا لانه قد لقنها وحفظها فأما ما دون الآية فليس تلقينا وجها واحدا.
* (مسألة) * (فان طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها ففيه وجهان) (أحدهما) عليه نصف أجرة تعليمها لانها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها الفتنة.
(والثاني) يباح له تعليمها من وراء حجاب من غير خلوة بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات وان كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها الجميع وجهان، وان طلقها قبل الدخول بعد تعليمها رجع عليها بنصف أجر التعليم لان الطلاق قبل الدخول وقبل الرد فعليه نصف أجر الرد لانه لا يمكنه نصف الرد فان طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف الاجرة.
* (مسألة) * (وان أصدقها تعليم شئ من القرآن معين لم يصح وعنه يصح) اختلف الرواية عن أحمد في جعل تعليم شئ من القرآن صداقا فقال في موضع أكرهه، وقال في موضع آخر لا بأس أن يتزوج الرجل المرأة على أن يعلمها سورة من القرآن أو على نعلين وهذا مذهب الشافعي، قال أبو بكر في المسألة قولان يعني روايتين قال واختياري انه لا يجوز وهو مذهب مالك والليث وأبي حنيفة ومكحول واسحاق واحتج من أجازه بما روى سهل بن سعد الساعدي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت اني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة فقال " هل عندك من شئ تصدقها؟ " فقال ما عندي الا ازارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ازارك ان اعطيتها إياه جلست ولا ازار لك فالتمس شيئا " قال لا أجد قال " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن " متفق عليه ولانها منفعة معينة مباحة فجاز جعلها صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح
ولنا ان الفروج لا تستباح الا بالاموال لقوله تعالى (ان تبتغوا باموالكم) وقوله سبحانه (ومن لم يستطع
منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات) والطول المال وقد روي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة من القرآن ثم قال " لا يكون لاحد بعدك مهرا " رواه البخاري باسناده ولان تعليم القرآن لا يجوز ان يقع الا قربة لفاعله فلم يصح ان يكون صداقا كالصوم والصلاة وتعليم الايمان، وأما حديث الموهوبة فقد قيل معناه انكحتكها بما معك من القرآن أي زوجتكها لانك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على اسلامه، فروى ابن عبد البر باسناده ان ابا طلحة اتى ام سليم يخطبها قبل ان يسلم فقالت أتزوج بك وانت تعبد خشبة نحتها عبد بنى فلان؟ ان أسلمت تزوجت بك قال فاسلم أبو طلحة فتزوجها علي اسلامه، وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل ان يكون خاصا لذلك الرجل كما روى البخاري (1) ولا تفريع على هذه الرواية، فاما على قولنا بالصحة فلابد من تعيين ما يعلمها اياه اما سورة أو سورا أو آيات بعينها لان السور تختلف وكذلك الآيات * (مسألة) * (ولا يحتاج إلى ذكر قراءة من وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك) لان الاغراض تختلف فمنها صعب كقراء حمزة وسهل فاشبه تعيين الآيات ووجه الاول ان هذا اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه ويقوم مقامه ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة قراءة وقد كانوا
__________
(1) كذا وتقدم في المغني انه النجاد
يختلفون في القراءة أشد من اختلاف القراء اليوم فاشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبرة وللشافعي في هذا وجهان كهذين (فصل) ولو اصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل وقال الشافعي يصح لقوله تعالى (حتى يسمع كلام الله) ولنا ان الجنب يمنع قراءة القرآن مع ايمانه واعتقاده انه حق فالكافر أولى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة ان تناله أيديهم " فالتحفظ أولى ان يمنع منه فأما الآية التي احتجوا بها فلا حجة لهم فيها فان السماع غير الحفظ فان اصدقها أو اصدق مسلمة تعليم شئ من التوراة لم يصح في المذهبين لانه مبدل مغير ولو أصدق الكتابي الكتابية شيئا من ذلك كان كما لو اصدقها محرما
* (مسألة) * (وان تزوج نساءا بمهر واحد وخالعهن بعوض واحد صح ويقسم بينهن على قدر مهورهن في أحد الوجهين وفي الآخر يقسم بينهن بالسوية) وجملته انه إذا تزوج اربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد مثل ان يكون لهم ولى واحد كبنات الاعمام أو موليات لولي واحد ومن ليس لهن ولي فزوجهن الحاكم فالنكاح صحيح والمهر صحيح وبهذا قال أبو حنيفة وهو أشهر قولى الشافعي والقول الثاني ان المهر فاسد ويجب مهر المثل لان ما يجب لكل واحدة منهن من المهر غير معلوم
ولنا ان الغرض في الجملة معلوم فلا يفسد لجهالته في التفصيل كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد وكذلك الصبرة بثمن واحد وهو لا يعلم قدر كل قفيز منها.
إذا ثبت هذا فان المهر يقسم بينهن على قدر مهورهن في قول القاضي وابن حامد وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي وقال أبو بكر يقسم بينهن بالسوية لانه أضافه اليهن اضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر به وكما لو اشترى جماعة ثوبا باثمان مختلفة ثم باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسوية وان اختلفت رءوس أموالهم ولان القول بالتقسيط يفضي إلى جهالة العوض لكل واحد منهن وذلك يفسده ولنا ان الصفقة اشتملت على شيئين مختلفي القيمة فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة كما لو باع شقصا وسيفا أو اشترى عبدين فوجد أحدهما حرا فانه يرجع بقيمته من الثمن وكذلك نص فيمن تزوج على جاريتين فإذا احداهما حرة انه يرجع بقيمة الحرة وما ذكره من المسألة ممنوع وان سلم فالقيمة ثم واحدة بخلاف مسئتنا وأما الهبة والاقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها وتقسم الهبة عليها بخلاف مسئلتنا وافضاؤه إلى جهالة لا يمنع الصحة إذا كان معلوم الجملة، ومثل هذه المسألة إذا خالع نساءه بعوض واحد فانه يصح مع الخلاف فيه ويقسم العوض في الخلع على قدر مهورهن وعند ابي بكر يقسم بالسوية (فصل) فان تزوج امرأتين بصداق واحد احداهما ممن لا يصح العقد عليها لكونها محرمة عليه أو غير ذلك وقلنا بصحة النكاح في الاخرى فلها حصتها من المسمى وبه قال الشافعي على قول وأبو
يوسف وقال أبو حنيفة المسمى كله للتي يصح نكاحها لان العقد الفاسد لا يتعلق به حكم بحال فصار كانه تزوجها والحائط بالمسمى ولنا أنه عقد على عينين إحداهما لا يجوز العقد عليها فلزمه في الاخرى بحصتها كما لو باع عبده وأم ولده وما ذكره لا يصح فان المرأة في مقابلة نكاحها مهر بخلاف الحائط (فصل) فان جمع بين نكاح وبيع فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري هذه بألف صح ويقسط الالف عليهما على قدر صداقها وقيمة الدار وان قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف فقال بعتكه وقبلت النكاح صح ويسقط الالف على العبد ومهر مثلها وقال الشافعي في احد قوليه لا يصح البيع والمهر لافضائه إلى الجعالة ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفردا فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين وان قال زوجتك ولك هذه الالف بألفين لم يصح لانه كمدعجوة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: