الفقه الحنبلي - الاقرار - الاستثناء -

القصاص في النفس فالمنصوص عن احمد انه لا يقبل ويتبع به بعد العتق وبه قال زفر والمزني وداود وابن جرير الطبري لانه يسقط حق سيده باقراره فأشبه الاقرار بقتل الخطأ ولانه يتهم في أنه يقر لرجل ليعفو عنه ويستحق أخده فيتخلص بذلك من سيده، واختار أبو الخطاب انه يصح اقراره وهو قول ابي حنيفة ومالك والشافعي ولانه أحد نوعي القصاص فصح اقرره به كما دون النفس، وبهذا الاصل ينتقض دليل الاول وينبغي على هذا القول ان لا يصح عفو ولي الجناية على مال إلا باختيار سيده لئلا يفضي إلى إيجاب المال على سيده باقرار غيره ولا يقبل اقرار العبد بجناية الخطأ ولا شبه العمدولا بجناية عمد موجبها المال كالجائفة والمأمومة لانه إيجاب حق في رقبته وذلك بتعلق بالمولى (مسألة) (وان أقر العبد غير المأذون له بمال لم يقبل في الحال ويتبغ به بعد العتق) لانه تصرف فيما هو حق للسيد فعلي هذا يتبع به بعد العتق عملا باقراره على نفسه وعنه يتعلق برقبته كجنايته (مسألة) (وان أقر السيد عليه بمال أو ما يوجبه كجناية الخطأ قبل) لانه إيجاب حق في ماله (مسألة) (وان أقر العبد بسرقة مال في يده وكذبه السيد قبل اقراره في القطع دون المال) وجملة ذلك ان العبد إذا أقر بسرقة موجبها القطع والمال فأقر بها العبد وجب قطعه ولم يجب المال سواء كان ما أقر بسرقته باقيا أو تالفا في يد السيد أو يد العبد قال أحمد
في عبد أقر بسرقة دراهم في يده انه سرقها من رجل والرجل يدعي ذلك والسيد يكذبه فالدراهم لسيده ويقطع العبد ويتبع بذلك بعد العتق وللشافعي في وجوب المال في هذه الصورة وجهان، ويحتمل ان
لا يجب القطع لان ذلك شبهة فيدرأبها القطع لكونه حدا يدرأ بالشبهات وهذا قول أبي حنيفة وذلك لان العين التي أقر بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها فلا يثبت حكم القطع بها (فصل) وإن أقر العبد برقه لغير من هو في يده لم يقبل اقراره لان اقراره بالرق اقرار بالملك والعبد لا يقبل اقراره بمال لا نا لو قبلنا اقراره أضر بالسيد ولانه إذا شاء أقر لغير سيده فابطل ملكه فان أقر السيد لرجل وأقر هو لآخر فهو للذي أقر له السيد لانه في يد السيد لا في يد نفسصه ولانه لو قبل اقرار العبد لما قبل اقرار السيد كالحد وجناية العمد (فصل) ويصح الاقرار لكل من يثبت له الحق فإذا أقر لعبد بنكاح أو قصاص أو تعزير القذف صح الاقرار له صدقه المولى أو كذبه لان الحق له دون سيده وله المطالبة بذلك والعفو عنه وليس لسيده مطالبته به ولا عفو وإن كذبه العبد لم يقبل اقراره، وان أقر له بمال صح ويكون لسيده لان يد العبد كيد سيده، وقال اصحاب الشافعي ان قلنا يملك المال صح الاقرار له وان قلنا لا يملك كان الاقرار لمولاه يلزم بتصديقه ويبطل برده (مسألة) (وان اقر السد لعبده بمال لم يصح) لان العبد لسيده فلا يصح اقراره لنفسه وان أقر
العبد لسيده لم يصح لانه اقر له بماله فلم يفده الاقرار شيئا (مسألة) (وان أقر انه باع عبده من نفسه بألف وأقر العبد به ثبت ويكون كالكتابة وان انكر عتق ولم يلزمه الالف) لان أقر لعبده بسبب العتق فتعق وتبقى دعواه عليه لا تلزمه كما لم تلزم غيره (مسألة) (وان أقر لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه) لان مال العبد لسيده (مسألة) (وان أقر لبهيمة لم يصح) لانها لا تملك ولا لها أهلية الملك، وان قال علي بسبب هذه البهيمة لم يكن اقرارا لاحد لانه لم يذكر لمن هي ومن شرط صحة الاقرار ذكر المقر له فان قال لمالكها ولزيد علي بسببها الف صح الاقرار، وان قال بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح إذ لا يمكن إيجاب شئ بسبب الحمل وقيل يصح ويكون لما لكها كالاقرار للعبد (مسألة) (وان تزوج مجهولة النسب فاقرت بالرق لم يقبل اقزارها)
لانها تقر على حق الزوج وعنه تقبل في نفسها لانها عاقلة مكلفة فيقبل اقرارها على نفسها كما لو أقرت بمال، ولا يقبل اقرارها بفسخ النكاح ورق الاولاد لان ذلك حق الزوج وان أولدها بعد الاقرار ولدا كان رقيقا لانه حدث بعد ثبوت رقها وان أقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يتبين هل أتت به في ملكه أو غيره؟ فهل تصير أم ولد؟ على وجهين (أحدهما) لا تصير ام ولد لاحتمال أنها أتت به في ملك غيره (والثاني) تصير أم ولد له لانه أقر بولدها وهي في ملكه فالظاهر أنه استولدها في ملكه
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا أقر الرجل نسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه به) وجملة ذلك أن للاقرار بالنسب شروطا وهو على ضربين: (أحدهما) أن يقر على نفسه خاصة (والثاني) أن يقر عليه وعلى غيره فان أقر على نفسه خاصة مثل أن يقر بنسب ولد فيعتبر في ثبوت نسبه أربعة شروط (أحدها) أن يكون المقر به مجهول النسب، فان كان معروف النسب لم يصح لانه يقطع نسبه الثابت من غيره وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير ابيه أو تولى غير مواليه (الثاني) أن لا ينازعه فيه منازع لانه إذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن إلحاقه باحدهما أولى من الآخر (الثالث) أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل ان يولد لمثل المقر (الرابع) أن يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون أو يصدق المقر إن كان ذا قول وهو المكلف لانه ملكف أقر بحق ليس فيه نفع فلزم كما لو أقر بمال فان كان غير المكلف لم يعتبر تصديقه فان كبر وعقل فأنكر لم يسمع انكاره لان نسبه ثابت وجرى ذلك مجرى من ادعى ملك عبد صغير في يده وثبت بذلك ملكه فلما كبر جحد ذلك ولو طلب احلافه على ذلك لم يستحلف لان الاب لو عاد بجحد النسب لم يقبل منه ويحتمل أن يبطل نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه لانه يثبت باتفاقهما فزال برجوعهما كالمال والاول أصح لانه نسب ثبت بالاقرار فأشبه نسب الصغير والمجنون، وفارق المال لان النسب يحتاط
لاثباته وان اعترف انسان ان هذا أبوه فهو كاعترافه بانه ابنه (الضرب الثاني) أن يقر عليه وعلى غيره
كاقراره باخ فسنذكره ان شاء الله تعالى * (مسألة) * (فان كان الصغير المقر بنسبه ميتا ورثه لانه ثبت نسبه وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن يثبت نسبه دون ميراثه لانه متهم في قصد أخذ ميراثه، وقال أبو حنيفة لا يثبت نسبه ولا ارثه لذلك ولنا أن علة ثبوت نسبه في حياته الاقرار به وهو موجود بعد الموت فيثبت كحالة الحياة وما ذكروه يبطل بما إذا كان المقر به حيا موسرا والمقر فقيرا فانه يثبت نسبه ويملك المقر التصرف في ماله وانفاقه على نفسه، وان كان المقر به كبيرا عاقلا فكذلك في قول القاضي وظاهر مذهب الشافعي أنه لا قول له أشبه الصغير وفيه وجه آخر لا يثبت نسبه لان نسب المكلف لا يبت الا بتصديقه ولم يوجد ويجاب عن هذا بانه غير مكلف فان ادعى نسب المكلف في حياته فلم يصدقه حتى مات المقر ثم صدقه ثبت نسبه لانه وجد الاقرار والتصديق (فصل) فان اقرت امرأة بولد ولم تكن ذات زوج ولانسب قبل اقرارها وان كانت ذات زوج فهل يقبل اقرارها؟ على روايتين (احداهما) لا يقبل لان فيه حملا لنسب الولد على زوجها ولم يقر به أو الحاقا للعار به بولادة امرأته من غيره (والثاني) يقبل لانها شخص اقر بولد يحتمل ان يكون منه فقبل كالرجل وقال أحمد في رواية ابن منصور في امرأة ادعت ولدا فان كان لها اخوة أو نسب معروف فلا بدان يثبت انه ابنها وان لم يكن لها دافع فمن يحول بينها وبينه وهذا لانها إذا كانت ذات اهل
فالظاهر انه لا يخفى عليهمو ولادتها فمتى ادعت ولدا لا يعرفونه فالظاهر كذبها، ويحتمل ان تقبل دعواها مطلقا لان النسب يحتاط له فأشبهت الرجل وقد ذكرنا نحو ذلك في اللقيط (فصل) وان قدمت امرأة من بلد الروم معها طفل فأقر به رجل لحقه لوجود الامكان وعدم المنازع لانه يحتمل ان يكون دخل ارضهم أو دخلت هي دار الاسلام فوطئها والنسب يحتاط لا ثباته ولهذا لو ولدت امرأة رجل وهو غائب عنها بعد عشر سنين أو اكثر من غيبته لحقه وان لم يعرف له قدوم إليها ولا عرف لها خروج من بلدها (مسألة) (ومن ثبت نسبه فجاءت امه بعد موت المقر فادعت الزوجية لم يثبت بذلك)
لانها مجرد دعوى فلم تثبت بها زوجية كما لو كان حيا ولانه يحتمل ان يكون من وطئ شبهة أو نكاح فاسد.
(فصل) وان اقر رجل بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية امه، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا كانت مشهورة بالحرية كان مقرا بزوجيتها لان انساب المسلمين واحوالهم يجب حملها على الصحة وهو ان يكون ولدته منه في نكاح صحيح ولنا ان الزوجة ليست مقتضى لفظه ولا مضمونه فلم يكن مقرا بها كما لو لم تكن معروفة بالحرية وما ذكروه لا يصح فان النسب محمول على الصحة وقد يلحق بالوطئ والنكاح الفاسد والشهبة فلا يلزم بحكم إقراره ما لم يوجبه لفظ ولا يتضمنه
(فصل) إذا كان له أمة لها ثلاثة اولاد ولازوج لها ولا أقر بوطئها فقال أحد هؤلاء ولدي فاقراره صحيح ويطالب بالبيان فان عين أحدهم ثبت نسبه وحريته، ثم يسئل عن كيفية الاستيلاد فان قال بنكاح فعلى الولد الولاء والام والآخران من أولادها رقيق، فان قال استولدتها في ملكي فالمقر به حر الاصل لاولاء عليه والامة أم ولد ثم ان كان المقر به الاكبر فأخواه ابنا أم ولد حكمهما حكمها في العتق بموت سيدها وان كان الاوسط فالاكبرقن والاصفر له حكم أمه وان عين الاصغر فاخواه رقيق قن لانها ولدتهما قبل الحكم بكونها ام ولد، وان قال هي من وطئ شبهة فالولد حر الاصل وأخواه مملوكان وان مات قبل أن يبين اخذ ورثته بالبيان ويقوم بيانهم مقام بيانه فان بينوا النسب ولم يبينوا الاستيلاد ثبت النسب وحرية الولد ولم يثبت للام ولا لو لديها حكم الاسيتلاد لانه يحتمل أن يكون من نكاح أو وطئ شبهة، وان لم يبينوا النسب وقالوا لا نعرف ذلك ولا الاستيلاد فانا نريه القافة فان ألحقوا به واحدا منهم ألحقناه ولا يثبت حكم الاستيلاد لغيره فان لم يكن قافة أقرع بينهم فمن وقعت له القرعة عتق وورث وبهذا قال الشافعي لانه لا يورثه بالقرعة.
ولنا أنه حر استندت حريته إلى اقرار أبيه فورث كما لو عينه في اقراره (فصل) إذا كان له أمتان لكل واحدة منهما ولد فقال أحد هذين ولدي من أمتي نظرت فان كان لكل
واحدة منهما زوج يمكن الحاق الولد به لم يصح اقراره ولحق الولدان بالزوجين وان كان لاحداهما زوج دون الاخرى انصرف الاقرار إلى ولد الاخرى لانه الذي يمكن إلحاقه به وان لم يكن لكل واحدة منهما زوج
ولكن أقر السيد بوطئهما صارنا فرشاو لحق ولداهمابه إذا امكن ان يولد ابعد وطئه وان امكن في إحداهما دون الاخرى انصرف الاقرار إلى من امكن لانه ولده حكما، وان لم يكن اقر بوطئ واحدة منها صح إقراره وثبتت حرية المقر به لانه اقر بنسب صغير مجهول النسب مع الامكان لا منازع له فيه فلحقه نسبه ثم يكلف البيان كما لو طلق احدى نسائه فإذا بين قبل بيانه لان المرجع في ذلك إليه ثم يطالب ببيان كيفية الولادة فان قال استولدتها في ملكي فالولد حرا لاصل لا ولاء عليه وامه ام ولد وان قال في نكاح فعلى الولد الولاء لانه مسه رق والامة قن لانها علقت بمملوك، وان قال بوطئ شبهة فالولد حر الاصل والامة قن لانها علقت به في غير ملك، وان ادعت الاخرى انها التي استولدها فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الاستيلاد فأشبه ما لو ادعت ذلك منغير إقرار بشئ فإذا حلف رقت له ورق ولدها فإذا مات ورثه ولده المقر به وان كانت امه قد صارت ام ولد عتقت، وان لم تصر ام ولد عتقت على ولدها ان كان هو الوارث وحده وان كان معه غيره عتق منها بقدر ماملك وان عادت قبل ان يببن قام وارثه مقامه في البيان لانه يقوم مقامه في إلحاق النسب وغيره فإذا بين كان كما لو بين الموروث، وان يعلم الوارث كيفية الاستيلاد ففي الامة وجهان (أحدهما) يكون رقيقا لان الرق الاصل فلا يزول بالاحتمال (والثاني) يعتق لان الظاهر أنها ولدته في ملكه لانه أقر لولدها وهي في ملكه وهذا منصوص الشافعي، فان لم يكن وارث أو كان وارث لم يعين عرض على القافة فان ألحقته باحدهما ثبت نسبه وكان حكمه
كما لو عين الوارث فان لم تكن قافة أو كانت فلم تعرف اقرع بين الولدين فيعتق أحدهما بالقرعة لان للقرعة مدخلا في اثبات الحرية وقياس المذهب ثبوت نسبه وميراثه على ما ذكرنا في التي قبلها وقال الشافعي لا يثبت نسبب ولا ميراث، واختلفوا في الميراث فقال المزني يوقف نصيب الابن لانا تيقنا ابنا وارثا ولهم وجه آخر لا يوقف شئ لانه لا يرجى انكشافه وقال أبو حنيفة يعتق من كل
واحد نصفه ويستسعى في باقيه ولا يرثان، وقال ابن أبي ليلى مثل ذلك إلا ان يجعل الميراث بينهما نصفين ويدفعانه في سعايتهما والكلام في قسمة الحرية والسعاية ذكره في باب العتق (مسألة) (وان أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه وحده لم يقبل وان كان بعد موتهما وهو الوارث وحده قبل اقراره وثبت النسب وان كان معه غيره لم يثبت النسب وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر) إنما لم يقبل اقراره في حياتهما لانه على غيره فلا يقبل فاما ان كان بعد الموت وهو الوارث وحده قبل اقراره وتثبت النسب سواء كان المقر واحدا أو جماعة ذكرا أو أنثى وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة لان الوارث يقوم مقام المورث في ديونه والديون التي عليه وفي دعاويه كذلك في النسب إلا ان يكون الميت قد نفاه فلا يثبت لانه يحمل على غيره نسبا حكم بنفيه فان كان وارثا ومعه شريك في الميراث لم يثبت النسب لانه لا يثبت في حق شريكه فوجب أن لا يثبت في حقه
وقد دل على ثبوت النسب باقرار الواحد إذا كان وارثا حديث عائشة رضي الله عنها أن سعد بن ابي وقاص اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة فقال سعد اوصاني اخي عتبة إذا قدمت ان انظر إلى ابن أمة زمعة واقبضه فانه ابنه فقال عبد بن زمعة اخي وابن وليدة ابي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو لك يا عبدبن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر) فقضى به لعبد بن زمعة وقال (احتجبي منه يا سودة) والمشهور عن أبي حنيفة انه لا يثبت إلا باقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت إلا باقرار اثنين لانه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشهادة ولنا انه حق ثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولانه قول لا يعتبر فيه العدالة فلم يعتبر فيه العدد كاقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح لانه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة ويبطل بالاقرار بالدين وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر وقد ذكرنا ذلك فيما مضى (مسألة) (وان اقر من عليه الولاء بنسب وارث لم يقبل اقراره الا ان يصدقه مولاه لان الحق لمولاه فلا يقبل اقراره بما يسقطه ويتخرج ان يقبل بدونه ذكره في المحرر
(مسألة) (وان اقرت امرأة بنكاح على نفسها فهل يقبل؟ على روايتين) (إحداهما) يقبل لانه حق عليها فيقبل كما لو اقرت بمال (والاخرى) لا يقبل لانها تدعي النفقة والكسوة والسكنى فلا يقبل
(مسألة) (فان أقر المولى عليها به قبل ان كانت مجبرة) لان المرأه لا قول لها في حال الاجبار وكذلك ان كانت مقرة بالاذن نص عليه وقيل لا يقبل الا على المجبرة من المحرر وان لم تكن مجيرة لم يقبل لانه إقرار على الغير فلم يلزمها كما لو اقر عليها بمال (مسألة) (وان اقر أن فلانة امرأته أو اقرت ان فلانا زوجها فلم يصدق المقر له المقر إلا بعد موت المقر صح) وورثه كما لو صدقه في حياته وقد ذكرنا فيما إذا اقر بنسب كبير عاقل بعد موته هل يرثه؟ على وجهين بناء على ثبوت نسبه فيخرج ههنا مثله وان كان قد كذبه في حياته ففيه وجهان (مسألة) (وان اقر الورثة على موروثهم بدين لزمهم قضاؤه من التركة فان اقر بعضهم لزمه بقدر ميراثه فان لم تكن تركة لم يلزمهم شئ) إذا أقر الوارث بدين على موروثه قبل اقراره بغير خلاف نعلمه ويتعلق ذلك بتركة الميت كما لو اقربه الميت في حياته فان لم يخلف تركة لم يلزم الوارث شئ لانه لا يلزمه اداء دينه إذا كان حيا مفلسا فكذلك إذا كان ميتا، وان خلف تركة تعلق الدين بها وان احب الوارث تسليمها في الدين فله ذلك وان احب استخلاصها ووفا الدين من ماله فله ذلك ويلزمه اقل الامرين من قيمتها أو قدر الدين
بمنزلة الجاني فان كان الوارث واحدا فحكمه ما ذكرنا وان كانا اثنين أو اكثر وثبت الدين باقرار الميت أو ببينة أو اقرار جميع الورثة فكذلك وإذا اختار الورثة اخذ التركة وقضاء الدين من اموالهم فعلى كل واحد منهم من الدين بقدر ميراثه وإن اقر احدهم لزمه من الدين بقدر ميراثه والخيرة إليه في
تسليم نصيبه في الدين أو استخلاصه، وإذا قدره من الدين فان كانا اثنين لزمه النصف وان كانوا ثلاثة فعليه الثلث وبهذا قال النخعي والحكم والحسن واسحاق وابو عبيد وابو ثور والشافعي في احد قوليه وقال اصحاب الرأي يلزمه جميع الدين أو جميع ميراثه وهو احد قولي الشافعي رجع إليه بعد قوله كقولنا لان الدين يتعلق بتركته فلا يستحق الوارث منها إلا ما فضل من الدين لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) ولانه يقول ما أخذه المنكر اخذه بغير استحقاق فكان غاصبا فيتعلق الدين بما بقي من التركة كما لو غصبه اجنبي ولنا انه لا يستحق اكثر من نصف الميراث فلا يلزمه اكثر من نصف الدين كما لو اقر أخوه ولانه اقرر يتعلق بحصته أو حصة أخيه فلا يجب عليه الا ما يخصه كالاقرار بالوصية واقرار أحد الشريكين على مال الشركة ولانه حق لوثبت ببينة أو قول الميت أو اقرار الوارثين لم يلزمه الا نصفه فلم يلزمه باقراره اكثر من نصفه كالوصية ولان شهادته بالدين مع غيره تقبل، ولو لزمه اكثر من حصته لم تقبل شهادته لانه يجربها إلى نفسه نفعا فان كان عليه دين بينة أو اقرار الميت قدم على ما أقر به الورثة من المحرر
(فصل) قال رضي الله عنه (وان اقر بحمل امرأة صح فان القته ميتا أو لم يكن حملا بطل وإن ولدت حيا وميتا فهو للحي وإن ولدتهما حيين فهو بينهما سواء الذكر والاثنى ذكره ابن حامد) إذا اقر لحمل امرأة بمال وعزاه إلى ارث أو وصية صح وكان للحمل وان أطلق فقال أبو عبد الله بن حامد يصح وهو أصح قولي الشافعي لانه يجوز أن يملك بوجه صحيح فصح له الاقرار المطلق كالطفل، فعلى هذا إن ولدت ذكر أو أنثى كان بينهما نصفين وان عزاه إلى ارث أو وصية كان بينهما على حسب استحقاقها لذلك وان ولدت حيا وميتا فالكل للحي لانه لا يخلو اما ان يكون الاقرار له عن ارث أو وصية وكلاهما لا يصح للميت، وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الاقرار الا أن يعزوه إلى ارث أو وصية وهو قول أبي ثور والقول الثاني للشافعي لانه لا يملك بغيرهما، فان وضعت الولد ميتا كان قد عزا الاقرار إلى ارث أو وصية عادت إلى ورثة الموصي وموروث الطفل وان اطلق الاقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله
فان تعذر التفسير بموته أو غيره بطل اقراره كمن أقر لرجل لا يعرف من اراد باقراره، وان عزا الاقرار إلى جهة غير صحيحة فقال لهذا الحمل على الف اقرضتها أو وديعة أخذتها منه فعلى قول التميمي الاقرار باطل وعلى قول ابن حامد ينبغي ان يصح اقراره لانه وصل باقراره ما يسقطه فيسقط ما وصله به كما لو قال له الف لا يلزمني، وان قال له علي الف جعلتها له أو نحو ذلك فهي عدة لا يؤخذ بها، ولا يصح الاقرار لحمل الا إذا تيقن أنه كان موجودا حال الاقرار على ما بين في الوصية له، وان أقر لمسجد
أو مصنع أو طريق وعزاه إلى السبب صحيح مثل أن يقول من غلة وقفه صح وان أطلق خرج على الوجهين وان لم يكن ثم حمل بطل الاقرار لانه أقر لغير شئ (مسألة) (وان أقر لكبير عاقل فلم يصدقه بطل اقراره في أحد الوجهين) لانه اقرار بحق أشبه النسب فعلى هذا يقر المال في يد المقر لانه كان في يده فإذا بطل إقراره بقي كانه لم يقر به والوجه الثاني يؤخذ المال إلى بيت المال فيحفظه حتى ظهر مالكه لانه باقراره خرج عن ملكه ولم يدخل في ملك المقر له وكل واحد منهما ينكر ملكه فهو كالمال الضائع يترك في بيت المال قال صاحب المحرر فعلى هذا الوجه أيهما غير قوله لم يقبل منه وعلى الاول ان عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه ولم يقبل بعدها عود المقر له أولا إلى دعواه، ولو كان عدوه إلى دعواه قبل ذلك ففيه وجهان ولو كان المقر به عبدا أو نفس المقر بأن أقر برقها للغير فهو كغيره من الاموال على الاول وعلى الثاني يحكم بحريتهما.
باب ما يحصل به الاقرار إذا ادعى عليه الفا فقال نعم أو أجل أو صدقت أو انا مقر بها أو بدعواك كان مقرا ومثله أنا مقر بما ادعيت لان هذه الالفاظ وضعت للتصديق قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) وان
قال اليس لي عندك الف؟ قال بلى كان اقرارا صحيحا لان بلى جواب للسؤال بحرف النفي قال الله تعالى (ألست بربكم؟ قالوا بلى)
(مسألة) (وان قال أنا اقر أولا أنكر أو يجوز ان يكون محقا وعسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر أوخذ أو اتزن أو افتح كمك لم يكن مقرا إذا قال أنا مقر لم يكن اقرارا لانه وعد بالاقرار في المستقبل وكذلك ان قال لا انكر لانه لا يلزم من عدم الانكار الاقرار فان بينهما قسما آخر وهو السكوت عنهما، وان قال يجوز أن يكون محقا لم يكن اقرارا كذلك وان قال لعل أو عسى لم يكن مقرا لانهما للترجي، وان قال أظن أو أحسب أو اقدر لم يكن مقرا لان هذه الالفاظ تستعمل للشك، وكذلك ان قال خذ أو اتزن أو افتح كمك لانه يحتمل خذ الجواب أو اتزن أو افتح كمك لشئ آخر (مسألة) (وان قال انا مقر أو خذها أو اتزنها أو اقبضها أو احرزها أو هي صاح فهل يكون مقرا؟ يحتمل وجهين) إذا قال أنا مقر ولم يزد احتمل ان يكون مقرا لان ذلك عقيب الدعوى فينصرف إليها وكذلك ان قال اقررت قال الله تعالى (قال أاقررتم واخذتم على ذلكم اصري؟ قالو أقررنا) ولم يقولوا أقررنا بذلك ولا زادوا عليه فكان منهم اقرارا ويحتمل ان لا يكون مقرا لانه يحتمل ان يريد غير ذلك مثل
ان يريد انا مقر بالشهادة أو بطلان دعواك، وان قال خذها أو اتزنها أو اقبضها أو احرزها لي أو هي صحاح فهل يكون مقرا؟ يحتمل وجهين ففيه وجهان (أحدهما) ليس باقرار لان الصفة ترجع إلى المدعى ولم يقر بوجوبه ولا يجوز ان يعطيه ما يدعيه من غير ان يكون واجبا عليه فأمره باخذها أولى أن لا يلزم منه الوجوب (والثاني) يكون اقرارا لان الضمير يعود إلى ما تقدم (مسألة) (وان قال له علي الف ان شاء الله أو في علمي أو فيما أعلم أو قال اقضني ديني عليك الفا أو سلم إلي ثوبي هذا أو فرسي هذه فقال نعم فقد اقربها) إذا قال لك علي الف ان شاء الله كان مقرا نص عليه احمد وقال اصحاب الشافعي ليس باقرار لانه علق اقراره على شرط فلم يصح كما لو علقه على مشيئة زيد ولان ما علق على مشيئة الله لا سبيل إلى معرفته ولنا أنه وصل اقراره بما يرفعه كله ولا يصرفه إلى غير الاقرار فلزمه ما اقر به وبطل
ما وصله به كما لو قال له علي الف الا الفا ولانه عقب الاقرار بما لا يفيد حكما آخر ولا يقتضي رفع الحكم أشبه مالو قال له علي الف ان شئت وان شاء في مشيئة الله وان قال له علي ألف الا أن يشاء الله صح الاقرار لانه أقر ثم علق رفع الاقرار على أمر لا يعلم فلم يرتفع، وان قال له على ألف ان شئت وان شاء زيد لم يصح الاقرار وقال القاضي يصح لانه عقبه ما يرفعه فصح الاقرار دون ما يرفعه كاستثناء الكل وكما لو قال ان شاء الله
ولنا أنه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح كما لو قال له علي ألف ان شهد به فلان وذلك لان الاقرار اخبار بحق سابق فلا يتعلق على شرط مستقبل، ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى فان مشيئة الله تذكر في الكلام تبركا وصلة وتفويضا إلى الله تعالى كقول الله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقد علم الله سبحانه أنهم سيد خلونه بغير شك ويقول الناس صلينا إن شاء الله مع يقين صلاتهم بخلاف مشيئة الآدمي والثاني ان مشيئة الله تعالى لاتعلم إلا بوقوع الاومر فلا يمكن وقوف الامر على وجودها ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا بتوقف الامر على وجودها والماضي لا يمكن وقفه فتعين حمل الامر ههنا على المستقبل فيكون لا اقرارا وعدا (فصل) ولو قال بعتك ان شاء الله أو زوجتك ان شاء الله فقال أبو إسحاق بن شاقلا لا أعلم خلافا عنه في أنه إذا قيل له قبلت هذا النكاح فقال نعم إن شاء الله ان النكاح واقع وبه قال أبو حنيفة ولو قال بعتك الف ان شئت فقال قد شئت وقبل صح لان هذا الشرط من موجب العقد ومقتضاه فان الايجاب إذا وجد من البائع كان القبول إلى مشيئة المشتري واختياره (مسألة) (وان قال له علي الف في علمي أو فيما أعلم كان مقرا به) لان ما في علمه لا يحتمل إلا الوجوب ولو قال أقضيتني الا الف الذي لي عليك؟ قال نعم كان مقرا به لانه تصديق لما ادعاه وان قال سلم الي ثوبي وهذا أو فرسي هذه فقال نعم فقد أقر بها لما ذكرنا وان قال اشتر عبدي هذا أو قال أعطني عبدي هذا فقال نعم كان اقرارا لما ذكرنا
(مسألة) (وان قال ان قدم فلان فله علي الف درهم لم يكن مقرا) لانه ليس بمقر في الحال وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط، وان قال له على ألف ان قدم فلان فعلى وجهين (أحدهما) لا يكون اقرارا كالمسألة قبلها (والثاني) يكون مقرا لانه قدم الاقرار فثبت حكمه وبطل الشرط لانه لا يصلح ان يكون أجلا (مسألة) (وان قال له علي الف إذا جاء رأس الشهر كان اقرارا وان قال إذا جاء رأس الشهر فله علي الف فعلى وجهين) قال أصحابنا في المسألة الاولى هو اقرار وفي الثانية ليس باقرار وهو منصوص الشافعي لانه في الاول بدأ بالاقرار ثم عقبه بمالا يقتضي رفعه لان قوله إذا جاء رأس الشهر يحتمل أنه أراد المحل فلا يبطل الاقرار بأمر محتمل وفي الثانية بدأ بالشرط فعلق عليه لفظا يصح للاقرار ويصلح للواعد فلا يكون اقرار امع الاحتمال ويحتمل انه لا فرق بينهما لان تقديم الشرط وتأخيره سواء فيكون فيهما جميعا وجهان (مسألة) (وان قال له علي الف ان شهد به فلان أو إن شهد به فلان صدقته لم يكن مقرا) لانه يجوز أن يصدق الكاذب (مسألة) (وان قال ان شهد به فلان فهو صادق احتمل وجهين) (أحدهما) لا يكون اقرارا لانه
علقه على شرط فهي كالتي قبلها (والثاني) يكون إقرارا في الحال لانه لا يتصور صدقه إلا أن يكون ثابتا في الحال وقد اقر بصدقه (مسألة) (وان اقر العربي بالعجمية أو العجمي بالعربية وقال لم أرد ما قلت فالقول قوله مع يمينه لانه يحتمل أن يكون صادقا فلا يكون مقرا (باب الحكم فيما إذا وصل باقراره ما يغيره) إذا وصل باقراره ما يسقطه مثل ان يقول له علي الف لا يلزمني أو قد قبضه أو استوفاه أو الف من ثمن خمر أو تكلفت به على أني بالخيار لزمته الالف ولا يقبل قوله ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وذكر القاضي إذا قال له علي الف زيوف وفسره برصاص
أو نحاص لم يقبل لانه رفع كل ما اعترف به وقال في سائر الصور التي ذكرناها يقبل قوله لانه عزا اقراره إلى سببه فقبل كما لو عزاه إلى سبب صحيح إلا في قوله علي الف لا يلزمني ولنا ان هذا يناقض ما أقر به فلم يقبل كالصورة التي قبلها وكما لو قال له علي الف لا تلزمني أو نقول رفع جميع ما أقربه فلم يقبل كاستثناء الكل وتناقض كلامه غير خاف فان ثبوت الف عليه في هذه المواضع لا يتصور واقراره اخبار بثبوته فتنافيا وان سلم ثبوت الالف عليه فهو ما قلنا
(مسألة) (وان قال له علي الف الا الفا لم يصح) لانه استثنى الكل ولا يصح بغير خلاف لانه رجوع عن الاقرار وان قال الاسمائة لم يصح وسنذكره ان شاء الله تعالى (فصل) ولا يقبل رجوع المقر عن اقراره الا ماكان حدا لله تعالى يدرأ بالشبهات ويحتاط لا سقاطه فأما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه عنها ولا نعلم في هذا خلافا (مسألة) (وان قال كان له عندي الف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة درهم فقال الخرقي ليس باقرار والقول قوله مع يمينه) وحكى ابن أبي موسي في هذه المسألة روايتين (احدهما) ان هذا ليس باقرار اختاره القاضي وقال لم اجد عن احمد رواية بغير هذا (والثانية) أنه مقر بالحق مدع لقضائه فعليه البينة بالقضاء والاحلف غريمه واخذه اختاره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة لانه اقر بالدين وادعى القضاء بكلام منفصل ولانه رفع جميع ما أثبته فلم يقبل كاستثناء الكل وللشافعي قولان كالمذهبين، ووجه قول الخرقي أنه قول متصل تمكن صحته ولا تناقض فيه فوجب ان لا يقبل كاستثناء البعض، وفارق المنفصل لان حكم الاول قد استقر بسكوته عنه فلا يمكن رفعه بعد استقراره ولذلك لا يرفع بعضه باستثناء ولا غيره فما يأتي بعده من دعوى القضاء يكون دعوى مجردة لا تقبل الا بينة
وأما استئناء الكل فمتناقض لانه لا يمكن أن يكون عليه ألف وليس عليه شئ (فصل) فان قال كان له علي الف وقضيته منه خمسمائة فالكلام فيه كالكلام فيما إذا قال
وقضيته وان قال له انسان عليك مائة لي فقال قد قضيتك منها خمسين فقال القاضي لا يكون مقرا بشئ لان الخمسين التي ذكر أنه قضاها في كلامه ما يمنع بقاءها وهو دعوى القضاء وباقي المائة لم يذكرها وقوله منها يحتمل انه يريد بها مما يدعيه ويحتمل مما علي فلا يثبت عليه شئ بكلام محتمل ويجئ على قول من قال بالرواية الاخرى انه يلزمه الخمسون التي ادعى قضاءها لان في ضمن دعوى القضاء اقرارا بانها كانت عليه فلا تقبل دعوى القضاء بغير بينة (فصل) فان قال كان له علي الف وسكت لزمه الالف في ظاهر قول أصحابنا وهو قول ابي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يلزمه شئ وليس هذا باقرار لانه لم يذكر عليه شيئا في الحال انما اخبر بذلك في زمن ماض فلا يثبت في الحال ولذلك لو شهدت البينة لم يثبت ولنا أنه اقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فبقي على ما كان عليه، ولهذا لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخرانها كانت ملكه حكم بها له الا انه ههنا ان عاد فادعى القضاء أو الابراء سمعت دعواه لانه لا تنافي بين الاقرار وبين ما يدعيه وهذا على احدى الروايتين (فصل) وان قال له علي الف قضيه اياه لزمه الالف ولم تقبل دعوى القضاء وقال القاضي تقبل
لانه رفع ما اثبته بدعوى القضاء متصلا فأشبه مالو قال كان له علي وقضيته له وقال ابن ابي موسى إن قال قضيت جميعه لم يقبل الا ببينة ولزمه الالف الذي اقربه وله اليمين على المقر له وأما لو قال قضيت بعضه قبل منه في احدى الروايتين لانه رفع بعض ما اقربه بكلام متصل فأشبه مالو استثناه بخلاف ما إذا قال قضيت جميعه لكونه رفع جميع ما هو ثابت فأشبه استثناء الكل ولنا ان هذا قول متناقض إذا لا يمكن ان يكون عليه الف قد قضاه فان كونه عليه يقتضي بقاءه في ذمته واستحقاق مطالبته به وقضاءه بمقتضى براءة ذمته منه وتحريم مطالبته به وهذا ضدان لا يتصور اجتماعهما في زمن واحد بخلاف ما إذا قال له كان علي وقضيته فانه أخبر بهما في زمانين ويمكن ان يرفع ما كان ثابتا ويقضى ما كان دينا وإذا لم يصح هذا في الجميع لم يصح في البعض لا ستحالة بقاء الف عليه قد قضى بعضه، ويفارق الاستثناء فان الاستثناء مع المستثنى منه عبارة عن الباقي من المستثنى
منه فقول الله تعالى (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما) عبارة عن تسعمائة وخمسين عاما اما القضاء فانما يرفع جزءا كان ثابتا فإذا ارتفع بالقضاء لا يجوز التعبير عنه بما يدل على القضاء (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي النصف وجهان) الاستثناء من الجنس - وهو ما دخل في المستثنى منه - جائز بغير خلاف علمناه فان ذلك كلام العرب وقد جاء في الكتاب والسنة قال الله تعالى (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما) وقال النبي
صلى الله عليه وسلم (يكفر عنه خطاياه كلها الا الدين) وذلك في كلام العرب كثير فإذا اقر بشئ واستثنى منه كان مقرا بالباقي بعد الاستثناء فإذا قال له علي مائة إلا عشرة كان مقرا بتسعين لان الاستثناء يمنع ان يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل فانه لو دخل ما امكن اخراجه ولو اقر بالعشرة المستثناة لما قبل منه انكارها وقول الله تعالى (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما) اخبار بتسعمائة وخمسين فالاستثنا.
بين ان الخمسين المستثناة غير مرادة كما ان التخصيص يبين ان المخصوص غير مراد باللفظ العام إذا ثبت ذلك فلا نعلم خلافا في جواز استثناء ما دون النصف وقد دل عليه ما ذكرنا من الكتاب والسنة (فصل) فأما استثناء ما زاد على النصف فلا يختلف المذهب انه لا يصح وهو كاستثناء الكل يؤخذ بالجميع ويحكى ذلك عن ابن درستويه النحوي وقال أبو حنيفة ومالك واصحابهم يصح استثناء ما دون الكل فلو قال له علي مائة إلا تسعة وتسعين لم يلزمه إلا واحد بدليل قول الله تعالى (قال فبعزتك لاغويهم أجميعن إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) وأيهما كان الاكثر فقد دل على استثناء الاكثر وأنشدوا أدوا التي نقصت تعسين من مائة ثم ابعثوا حكما بالحق قواما فاستثنى تسعين من مائة ولانه في معنى الاستثناء ومشبه به ولانه استثنى البعض فجاز كاستثناء الاقل
ولانه رفع بعض ما تناوله اللفظ فجاز كالتخصيص والبدل.
ولنا أنه لم يرد في لسان العرب الاستثناء الا في الاقل وقد أنكروا استثناء الاكثر فقال أبو
اسحاق الزجاج لم يأت الاستثناء الا في القليل من الكثير ولو قال قائل مائة الا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية وكان عيا من الكلام ولكنة، وقال القتيبي يقال صمت الشهر الا يوما ولا يقال صمت الشهر الا تسعة وعشرين يوما ويقال لقيت القوم جميعهم الا واحدا أو اثنين ولا يجوزان يقال لقيت القوم الا أكثرهم وان لم يكن صحيحا في الكلام لم يرتفع به ما اقر به كاستثناء الكل وكما لو قال له علي عشرة بل خسمة، واما ما احتجوا به من التزيل فانه في الآية الاولى استثنى المخلصين من بني آدم وهم الافل كما قال (الا الذين آمنوا وعملوا الصلحات وقليل ماهم) وفي الآية الاخرى استثنى الغاوين من العباد وهم الاقل فان الملائكة من العباد وهم غير غاوين قال الله تعالى (بل عباد مكرمون) وقيل الاستثناء في هذه الآية منقطع بمعنى الاستدراك فيكون قوله (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) يبقى على عمومه لم يستثن منه شئ فيكون قوله (الا من اتبعك من الغاوين) أي لكن من ابتعك من الغاوين فانهم غووا باتباعك، وقد دل على صحة هذا قوله في الآية الاخرى لاتباعه (وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي) وعلى هذا لا يكون لهم فيها حجة وأما البيت فقال ابن فضال النحوي هو بيت مصنوع لم يثبت عن العرب على ان هذا ليس باستثناء فان الاستثناء له كلمات مخصوصة
ليس هذا منها والقياس لا يجوز في اللغة ثم نعارضه بانه استثنى أكثر من النصف فلم يجز كاستثناء الكل والفرق بين استثناء الاكثر والاقل ان العرب استحسنته في الاقل واستعملته ونفته في الاكثر وقبحته فلم يجز قياس ما قبحوه على ما حسنوه (فصل) وفي استثناء النصف وجهان (أحدهما) يجوز وهو ظاهر كلام الخرقي لانه ليس بالاكثر فجاز كالاقل (والثاني) لا يجوز ذكره أبو بكر لانه لم يرد في كلامهم إلا في القليل من الكثير والنصف ليس بقليل وهو أولى (مسألة) (فإذا قال له علي هولاء العبيد العشرة الا واحدا لزمه تسليم تسعة) فان عينه فقال إلا هذا صح وكان مقرا بمن سواه وان قال إلا واحدا ولم يعينه صح لان الاقرار يصح مجهولا فكذلك الاستثناء منه ويرجع في تعيين المسمى إليه لان الحكم يتعلق بقوله وهو أعلم بمراده به وان عين من
عدا المستثنى صح وكان الباقي له.
(مسألة) (فان ماتوا إلا وحدا فقال هو المستثنى فهل يقبل؟ على وجهين) (أحدهما) يقبل ذكره القاضي وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي (والوجه الثاني) لا يقبل ذكره أبو الخطاب وهو الوجه الثاني لاصحاب الشافعي لانه يرفع به الاقرار كله، والصحيح الاول لانه يقبل تفسيره به في حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم فقبل كحالة حياتهم وليس هذا رفعا للاقرار وانما تعذر تسليم المقر
به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى التفسير فأشبه مالو عينه في حياته فتلف بعد تعيبنه فان قتل الجميع إلا واحدا قبل تفسيره بالباقي وجها واحدا لانه غير متهم لان المقر له يحصل له قيمة المقتولين بخلاف الموت فانه لا يحصل للمقر له شئ، وان قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم ويرجع في التفسير إليه، وان قال غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحدا قبل تفسيره به وجها واحدا لان المقر له يستحق قيمة الهالكين فلا يفضي التفسير بالباقي إلى سقوط الاقرار بخلاف ما إذا ما توا (فصل) وحكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بالافاذا قال له علي عشرة سوى درهم أو ليس درهما أو خلا درهما أو عدا درهما أولا يكون درهما أو غير درهم بفتح الراء كان مقرا بدرهم وان قال غير درهم بضم الراء وهو من أهل العربية كان مفسرا بعشرة لانها تكون صفة للعشرة المقر بها ولا تكون استثناء فانها لو كانت استثناء كانت منصوبة وان لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة لان الظهر أنه يريد الاستثناء وإنما ضمها جهلا منه بالعربية لا قصدا للصفة (فصل) ولا يصح الاستثناء الا أن يكون متصلا بالكلام فان سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو فصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبي لم يصح لانه إذا سكت وعدل عن اقراره إلى شئ آخر استقر حكم ما أقر به فلم يرفع بخلاف ما إذا كان في كلامه فانه لا يثبت حكمه أو ينظر ما يتم به كلامه ويتعلق به حكم الاستثناء والشرط والبدل ونحوه
(مسألة) (وان قال له هذه الدار إلا هذا البيت لي قبل منه لان الاول استثناء فلا يدخل البيت
في اقراره والثاني في معنى الاستثناء لكونه اخرج بعض ما يتناوله اللفظ بكلام متصل وسواء كان البيت أكثر من نصف الدار أو أقل (مسألة) (وإن قال له علي درهمان وثلاثة الادرهمين فهل يصح على وجهين؟) (أحدهما) يصح لان الاستثناء يعود إلى الجملتين وهو اقل من النصف (والثانى) لا يصح لانه يعود إلى اقرب المذكورين فيكون استثناء اكثر من النصف (مسألة) (وان قال له علي درهم ودرهم الادرهما أو ثلاثة ودرهمان إلا درهمين أو ثلاثة ونصف الا نصفا أو الا درهما أو خمسة وتسعون الا خمسة لم يصح الاستثناء.
ولزمه جميع ما اقر به قبل الاستثناء وهذا قول الشافعي وهو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة وفيه وجه آخر انه يصح لان الواو العاطفة تجمع بين العددين وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة وعندنا ان الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو عاد إلى جميعها كقولنا في قوله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا) ان الاستثناء عاد إلى الجملتين فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته
الا باذنه) قال شيخنا والاول أولى لان الواو لم تخرج الكلام من ان يكون جملتين والاستثناء برفع احداهما جميعها ولا نظير لهذا في كلامهم ولان صحة الاستثناء تجعل احدى الجملتين مع الاستثناء لغوا لانه اثبت شيئا بلفظ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها وهى غير معطوفة على غيرها فأما الآية والخبر فان الاستثناء لم يرفع احدى الجملتين انما أخرج من الجملتين معا من اتصف بصفة فنظيره قوله للبواب من جاء يستأذن فائذن له واعطه درهما الا فلانا ونظير مسئلتنا ما لو قال اكرم زيدا وعمرا الا عمرا (مسألة) وان قال له علي خمسة الا درهمين ودرهما لزمته الخمسة في أحد الوجهين) لانه استثنى اكثر من النصف وفي الاخر يلزمه ثلاثة ويبطل الاستثناء الثاني (مسألة) (ويصح الاستثناء من الاستثناء)
فإذا استثنى استثناء بعد استثناء وعطف الثاني على الاول كان مضافا إليه فإذا قال له علي عشرة الا ثلاثة والا درهمين كان مستثنيا الخمسة مقرا بخمسة فان كان الثاني غير معطوف على الاول كان استثناء من الاستثناء وهو جائز في اللغة قال الله تعالى (انا ارسلنا إلى قوم مجرمين الا آل لوط انا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا انها لمن الغابرين) فإذا كان صدر الكلام اثباتا كان الاستثناء الاول نفيا والثانى اثباتا فان استثنى استثناء ثالثا كان نفيا يعود كل استثناء إلى ما يليه من الكلام فإذا
قال له سبعة الا ثلاثة الادرهما لزمته خمسة لانه أثبت سبعة ثم نفى منها ثلاثة ثم اثبت درهما وبقي من الثلاثة المنفية درهمان مستثنيان من السبعة فيكون مقرا بخمسة (مسألة) (وإن قال له علي عشرة الا خمسة الا ثلاثة الادرهمين الادرهما لزمه عشرة) على قول أبي بكر لانه منع استثناء النصف وفي الوجه الآخر يلزمه ستة لان الاستثناء إذا رفع الكل أو الا كثر سقط ان وقف عليه وان وصله باستثناء آخر استعملناه فاستعملنا الاستثناء الاول لوصله بالثاني لان الاستثناء مع المستثنى عبارة عما بقي فان عشرة الادرهما عبارة عن تسعة فإذا قال له علي عشرة الا خمسة الا ثلاثة صح استثناء الخمسة لانه وصلها باستثناء آخر وكذلك صح استثناء الثلاثة والدرهمين لانه وصل ذلك باستثناء آخر والاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي اثبات فصح استثناء الخمسة وهو نفي فنفى خسمة وصح استثناء الثلاثة وهي اثبات فعادت ثمانية وصح استثناء الدرهمين وهي نفي فبقيت ستة ولم يصح استثناء الدرهم لانه مسكوت عليه ويحتمل ان يكون وجه الستة ان يصح استثناء النصف ويبطل الزائد فيصح استثناء الخمسة والدرهم ولا يصح استثناء ثلاثة والاثنين (والوجه الثالث) يلزمه سبعة إذا صححنا الاستثناءات كلها فإذا قال عشرة الا خمسة بقي خمسة فإذا قال الا ثلاثة عادت ثمانية لانها اثبات فإذا قال الا درهمين كانت نفيا فبقي ستة فإذا استثنى درهما كان مثبتا فصارت سبعة (والوجه الرابع) يلزمه ثمانية لانه يلغى الاستثناء الاول لكونه النصف فإذا قال الا ثلاثة كانت مثبتة وهي مستثناة
من الخمسة وقد بطلت فتبطل الثلاثة أيضا لبطلان الخمسة ويبقى الاثنان لانهما نفي والنفي يكون من
اثبات، وقد بطل الاثبات الذي قبلها فتكون منفية من العشرة تبقى ثمانية ولا يصح استثناء الواحد من الاثنين لانه نصف (فصل) فان قال له على ثلاثة الا ثلاثة الا درهمين بطل الاستثناء كله لان الاستثناء لدرهمين من الثلاثة استثناء الاكثر وهو موقوف عليه فبطل فإذا بطل الثاني بطل الاول لانه استثنى الكل ولاصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) يبطل الاستثناء لان الاول بطل لكونه استثناء الكل فبطل الثاني من الاقرار لانه فرعه (الثاني) يصح ويلزمه درهم لان الاستثناء الاول لما بطل جعلنا الاستثناء الثاني من الاقرار لانه وليه لبطلان ما بينهما ويصح (الثالث) ويكون مقرا بدرهمين لانه استثناء لاكثر واستثناء الاكثر عندهم يصح ووافقهم القاضي في هذا الوجه، وان قال ثلاثة الا الا ثلاثة الا درهما بطل الاستثناء كله، ويجئ على قول أصحاب الشافعي فيه مثل ما قلنا في التي قبلها (مسألة) (ولا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه) وبهذا قال زفر ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة ان استثنى مكيلا أو موزونا جاز وان استثنى عبدا أو ثوبا من غير مكيل أو موزون لم يجز، وقال مالك والشافعي يصح الاستثناء من غير الجنس مطلقا لانه ورد في الكتاب العزيز ولغة العرب قال الله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا
ابليس كان من الجن) وقال سبحانه (لا يسمعون فيها لغوا الاسلاما) وقال الشاعر: وبلدة.
ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس وقال آخر: أعيت جوابا وما بالربع من أحد الا أواري لاياما أينها ولنا ان الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاسثنا عما كان يقتضيه لولاه وقيل اخرج بعض ما تناوله المستثنى منه مشتق من قواه ثنيت فلانا عن رأيه إذا صرفته عن رأي كان عازما عليه وثبت عنان دابتي إذا صرفتها به عن وجهتها التي كانت تذهب إليها، وغير الجنس المذكور ليس بداخل في الكلام فإذا ذكره فما صرف الكلام عن صوبه ولا ثناه عن وجه استرساله فلا يكون استثناء وانما سمي استثناء تجوزا وانما هو في الحقيقة استدارك والاههنا بمعنى لكن هكذا قال اهل العربية منهم ابن قيبة وحكاه
عن سيبويه والاستدراك لا يأتي الابعد الجحد ولذلك لم يأت الاستثناء في الكتاب العزيز من غير الجنس الا بعد النفي ولا يأتي بعد الاثبات إلا أن يوجد بعد جملة.
إذا تقرر هذا فلا مدخل للاستدراك في الاقرار لانه اثبات للمقر به فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلا وان ذكر بعده جملة كأنه قال له عندي مائة درهم الا ثوبا لي عليه فيكون مقرا لشئ مدعيا لشئ سواه فيقبل اقراره وتبطل دعواه
كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء، واما قوله تعالى (فسجدوا الا ابليس) فان ابليس كان من الملائه بدليل ان الله تعالى لم يأمر بالسجود غيرهم فلو لم يكن منهم لما كان مأمورا بالسجود ولا عاصيا بتركه ولا قال الله تعالى في حقه (ففسق عن أمر ربه) ولا قال (ما منعك أن لا تسجد إذا أمرتك) وإذا لم يكن مأمورا فلم أبلسه الله واهبطه ودحره ولا يأمر الله بالسجود الا الملائكة، قان قالوا بل قد تناول الامر الملائكة ومن كان معهم فدخل ابليس في الامر لكونه معهم قلنا فقد سقط استدلالكم فانه متى كان ابليس داخلا في المستثنى منه مأمورا بالسجود فاستثناؤه من الجنس وهو ظاهر لمن أنصف ان شاء الله تعالى.
فعلى هذا متى قال له علي مائة درهم الا ثوبا لزمته المائة لان الاستثناء باطل على ما بينا (مسألة) (الا ان يستثني عينا من ورق أو ورقا من عين فيصح) ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يصح (فإذا قال له علي مائة درهم الا دينارا فهل يصح؟ على وجهين) اختلف أصحابنا في صحة استثناء أحد النقدين من الآخر فذهب أبو بكر إلى أنه لا يصح لما ذكرنا وهو قول محمد بن الحسن وقال ابن أبي موسى فيه روايتان واختار الخرقي صحته لان قدر أحدهما معلوم الآخر ويعبر بأحدهما عن الآخر فان قوما يسمون تسعة دراهم دينارا وآخرون يسمون ثمانية دينارا فإذا استثنى أحدهما من الآخر علم أنه أراد التعبير باحدهما عن الآخر فإذا قال له علي دينار إلا ثلاثة دراهم في موضع يعبر فيه بالدينار عن تسعة كان معناه له علي تسعة دراهم الا ثلاثة ومتى أمكن حمل الكلام
على وجه صحيح لم يجز الغاؤه وقد أمكن بهذا الطريق فرجب تصحيحه وقال أبو الخطاب لا فرق بين العين والورق وبين غيرهما فيلزم من صحة استثناء احدهما من الآخر صحة استثناء الثياب وغيرها وقد ذكرنا الفرق
ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الاخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك والله أعلم (فصل) ولو ذكر نوعا من جنس واستثنى نوعا آخر من غير ذلك الجنس مثل ان يقول له علي عشرة آصح تمرا برنيا الا ثلاثة تمرا معقيا لم يجز لما ذكرنا في الفصل الاول ويخالف العين والورق لان قيمة أحد النوعين غير معلومة من الآخر ولا يعبر بأحدهما عن الآخر ويحتمل على قول الخرقي جوازه لتقارب المقاصد من النوعين فهما كالعين والورق والاول أصح لان العلة الصحيحة في العين والورق غير ذلك (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (إذا قال له علي الف درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفا أو صغارا أو الى شهر لزمه الف جياد وافية حالة) وجملة ذلك أن من أقر بدارهم وأطلق اقتضى اقراره الدراهم الوافية وهي دراهم الاسلام كل عشرة منها سبعة مثاقيل واقتضى أن تكون جيادا حالة كما لو باعه بعشرة دراهم وأطلق فانها تلزمه كذلك فإذا سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو أخذ في كلام آخر غير ما كان فيه استقرت عليه كذلك
فان عاد فقال زيوفا أو صغار أو هي الدراهم الناقصة وهي دراهم طبرية كان كل درهم منها أربعة دوانيق وذلك ثلثا درهم، أو إلى شهر يعني مؤجلة لم يقبل منه لانه رجوع عن بعض ما أقربه ويرفعه بكلام منفصل فلم يقبل كالاستثناء المفنصل وهذا مذهب الشافعي، ولا فرق بين الاقرار بها دينا أو وديعة أو غصبا، وقال أبو حنيفة يقبل قوله في الغصب والوديعة لانه اقرار بفعل في عين وذلك لا يقتضي سلامتها فأشبه مالو أقر بغصب عبد ثم جاء به معيبا ولنا ان اطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد فلم يقبل تفسيره بما يخالف ذلك كالدين ويفارق العبد فان العيب لايمنع اطلاق اسم العبد عليه (مسألة) (الا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلد أو من غيرها؟ على وجهين (أولهما) أنه يلزمه من دراهم البلد لان مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما
في البيع والصداق وغير ذلك (والثاني) يلزمه الوازنة الخالصة من الغش لان اطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إليها بدليل ان بها تقدر نصب الزكواث ومقادير الديات فكذلك اطلاق الشخص، وفارق البيع فانه ايجاب في الحال فاختص بدراهم الموضع الذي هما فيه والاقرار اخبار عن حق سابق فانصرف إلى درهم الاسلام
(فصل) فان أقر بدراهم وأطلق ثم فسرها بسكة البلد الذي أقر بها فيه قبل لانه اطلاقه ينصرف إليه وان فسر بسكة غير سكة البلد اجود منها قبل لانه يقر على نفسه بما هو أغلظ وكذلك ان كانت مثلها لانه لا يتهم في ذلك وان كانت ادنى من سكة البلد لكنها مساوية في الوزن احتمل ان لا يقبل لان اطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده فلا يقبل منه دونها كما لا يقبل في البيع ولانها ناقصة القيمة أشبهت الناقصة في الوزن ويحتمل ان يقبل منه وهو قول الشافعي لانه يحتمل ما فسره به وفارق النقصة فان في الشرع الدراهم لا تناولها بخلاف هذه ولهذا يتعلق بهذا مقدار النصاب في الزكاة وغيره وفارق الثمن فانه ايجاب في الحال وهذا اخبار عن حق سابق (مسألة) (وان قال له علي الف إلى شهر لزمه مؤجلا ويحتمل ان يلزمه حالا) إذا أقربها مؤجلة بكلام متصل قبل منه وكذلك ان سكت للتنفس أو اعترضه سلعة ونحو ذلك ويحتمل ان تلزمه حالة ذكرها أبو الخطاب وهو قول ابي حنيفة وبعض الشافعية لان التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال فلم يقبل كما لو قال له علي دراهم قبضته اياها (مسألة) (وان قال له علي الف زيوف وفسره بمالا فضة فيه لم يقبل وان فسره بمغشوشة قبل وكذلك ان فسرها بمعيية عيبا ينقصها قبل لانه صادق وان فسرها برصاص أو نحاس أو مالا
قيمة له لم يقبل لان تلك ليست دراهم على الحقيقة فيكون تفسيره بها رجوعا عما اقر به فلم يقبل كاستثناء الكل (مسألة) (وان قال له علي دراهم ناقصة لزمته ناقصة) وقال اصحاب الشافعي لا يقبل تفسيره
بالناقصة وقال القاضي إذا قال له علي دراهم ناقصة قبل قوله وان قال صغار وللناس دراهم صغار قبل قوله وان لم يكن لهم دراهم صغار لزمه وازنة كما لو قال دربهم فانه يلزمه درهم وازن وهذا قول ابن القاص من اصحاب الشافعي ولنا انه فسر كلامه بما يحتمله بكلام متصل فقبل منه كاستثناء البعض وذلك لان الدراهم يعبر بها عن الوازنة والناقصة والزيوف والجيدة وكونها عليه يحتمل الحلول والتأجيل فإذا وصفها بذلك تقيدت به كما لو وصف الثمن به فقال بعتك بعشرة دراهم مؤجلة أو ناقصة وثبوتها على غير هذه الصفة حالة الاطلاق لا يمنع من صحة تقييدها به كالثمن وقولهم ان التأجيل يمنع استيفاءها لا يصح وإنما يؤخره فأشبه الثمن المؤجل، يحققه ان الدراهم ثبتت في الذمة على هذه الصفات فإذا كانت ثابتة بهذه الصفة لم تقتض الشريعة المطهرة سد باب الاقرار بها على صفتها وعلى ما ذكروه لا سبيل إلى الاقرار بها إلا على وجه يؤاخذ بغير ما هو الواجب عليه فينسد باب الاقرار وقول من قال إن قوله صغار ينصرف إلى
مقدارها لا يصح لان مساحة الدرهم لا تعتبر في الشرع ولا يثبت في الذمة بمساحة مقدرة وإنما يعتبر الصغر والكبر في الوزن فيرجع إلى تفسير المقر (فصل) وان قال له علي درهم كبير لزمه درهم من دراهم الاسلام لانه كبير في العرف وإن قال له علي درهم فهو كما لو قال درهم لان الصغير قد يكون لصغره في ذاته أو لقلة قدره عنده وتحقيره وقد يكون لمحبته كما قال الشاعر بذيالك الوادي أهيم ولم أقل بذيالك الوادي وذياك من زهد ولكن إذا ماحب شئ تولعت به أحرف التصغير من شدة الوجد وان قال له على عشرة دراهم عددا لزمته عشرة معدودة وازنة لان اطلاق الدرهم يقتضي الوازن وذكر العدد لا ينافيها فوجب الجمع بينهما فان كان في بلد أو زانهم ناقصة أو دراهمم مغشوشة فهو على ما فصل فيه.
(مسألة) (وان قال له عندي رهن وقال المالك بل وديعة فالقول قول المالك) لان العين ثبتت
بالاقرار له وان ادعى المقر دينا لا يعترف به المقر له فالقول قول المنكر ولانه أقر بمال لغيره وادعى أن له به تعلقا فلم يقبل كما لو ادعاه بكلام منفصل ولذلك ولو أقر له بدار وقال استأجرتها أو أقر له
بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه باجر يلزم المقر له لم يقبل لانه مدع على غيره حقا فلا يقبل قوله الا ببينة ومن ذلك ما لو قال هذه الدار له ولي سكناها ببينة (مسألة) (وان قال له علي الف من ثمن مبيع لم أقبضه وقال المقر له بل هو دين في ذمتك فعلى وجهين) (أحدهما) القول قول المقر لانه اعترف له بالالف وادعى عليه مبيعا فأشبه المسألة التي قبلها أو كما لو قال له علي الف ثم سكت ثم قال مؤجل (مسألة) (ولو قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل منه) لا نعلم فيه بين اهل العلم اختلافا سواء فسره بكلام متصل أو منفصل لانه فسر لفظه بما يقتضيه فقبل كما لو قال له علي دراهم وفسرها بدين عليه فعند ذلك تثبت فيه أحكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها بعد ذلك أو ردها قبل قوله وان فسره بدين عليه قبل أيضا لانه يقر على نفسه بما هو أغلظ وان قال له عندي وديعة ورددتها إليه أو تلفت لزمه ضمانها ولم يقبل قوله، وبهذا قال الشافعي لما فيه من مناقضة الاقرار والرجوع عما اقربه فان الالف المردود والتالف ليساعنده اصلا ولا هي وديعة وكل كلام يناقض الاقرار ويحيله يجب ان يكون مردودا، وقال القاضي يقبل قوله الا ان أحمد قال في رواية ابن منصور إذا قال لك عندي وديعة دفعتها اليك صدق لانه ادعى تلف الوديعة أو ردها
فقبل كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل فان قال كانت عندي وظننت أنها باقية ثم عرفت أنها كانت قد هلكت فالحكم فيها كالتي قبلها (مسألة) (وان قال له علي الف وفسره بوديعة لم يقبل قوله وان ادعى بعد هذا تلفه لم يقبل قوله) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقيل عن الشافعي يقبل قوله انها وديعة و إذا ادعى بعد هذا تلفها قبل منه وقال القاضي ما يدل على هذا ايضا لان الوديعة عليه حفظها وردها فإذا قال له علي الف
وفسرها بذلك احتمل صدقه فقبل منه كما لو وصله بكلامه فقال له علي الف وديعة لان حروف الصفات يخلف بعضها بعضا فيجوز ان تستعمل علي بمعنى عندي كما قال تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام أنه قال (ولهم علي ذنب) أي عندي ولنا ان علي للايجاب وذلك يقتضي كونها في ذمته ولذلك لو قال ما على فلان علي كان ضامنا له والوديعة ليست في ذمته ولاهي عليه انما هي عنده وما ذكروه مجاز طريقه حذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه أو اقامة حرف مقام حرف والاقرار يؤخذ فيه بظاهر اللفظ بدليل انه لو قال له علي دراهم لزمته ثلاثة وان جاز التعبير عن اثنين وعن واحد بلفظ الجمع كقوله تعالى (فان كان له اخوة فلامه السدس) ومواضع كثيرة في القرآن ولو قال له علي درهم وقال أردت نصف درهم فأقمت المضاف إليه مقامه لم يقبل منه ولو قال لك من مالي الف قال صدقت ثم قال اردت ان عليك من مالي الفا أقمت اللام مقام علي كقوله تعالى (وان أسأتم فلها) لم يقبل منه ولو قبل في الاقرار مطلق الاحتمال لسقط ولقبل تفسير الدراهم
بالنقاصة والزائفة وللمؤجلة، وأما إذا قال لك علي الف ثم قال كانت وديعة فتلف لم يقبل قوله فانه متناقض وقد سبق نحو هذا (فصل) فان قال لك علي مائة درهم ثم أحضرها وقال هذه التي اقررت بها وهي وديعة كانت لك عندي فقال المقر له هذه وديعة والتي اقررت بها غيرها وهي دين عليك فالقول قول المقر له على مقتضى قول الخرقي وهو قول أبي حنيفة وقال القاضي القول قول المقر مع يمينه وللشافعي قولان كالوجهين وتعليلهما ما تقدم، فان كان قال في اقراره لك علي مائة في ذمتي فقد وافق القاضي ههنا في أنه لا يقبل قول المقر لان الوديعة عين لا تكون في الذمة قال وقد قيل يقبل لانه يحتمل في ذمتي اداؤها ولانه يجوز ان تكون عنده وديعة تعدى فيها فكان ضمانها عليه في ذمته ولا صحاب الشافعي في هذه وجهان فأما ان وصل ذلك بكلامه فقال لك علي مائة وديعة قبل لانه فسر كلامه بما يحتمله فصح كما لو قال له ودراهم ناقصة وان قال له علي مائة وديعة دينا أو مضاربة دينا صح ولزمه ضمانها لانه قد يتعدى فيها فيكون دينا وان قال اردت أنه شرط علي ضمانها لم يلزمه ضمانها لان الوديعة لا تصير بالشرط مضمونة
وان قال علي أو عندي مائة درهم عارية لزمته وكانت مضمونة عليه سواء حكمنا بصحه العارية في الدراهم أو بفسادها لان ما ضمن في العقد الصحيح ضمن في الفاسد وان قال أودعني مائة فلم
اقبضها أو اقرضني مائة فلم آخذها قبل قوله متصلا ولم يقبل منفصلا وهكذا إذا قال نقدني مائة فلم اقبضها وهذا قول الشافعي (فصل) وان قال له في هذا العبد الف اوله من هذا العبد الف طولب بالبيان فان قال نقد عني الفا في ثمنه كان قرضا وان قال نقد في ثمنه الفا قلنا بين كم ثمن العبد وكيف كان الشراء فان قال بايجاب واحد وزن الفا ووزنت الفا كان مقرا بنصف العبد وان قال وزنت أنا الفين كان مقرا بثلثه والقول قوله مع يمينه سواء كانت القيمة قدر ما ذكره أو اقل لانه قد يغبن وقد يغبن وان قال اشتريناه بايجابين قيل له فكم اشترى منه؟ فان قال نصفا أو ثلثا أو اقل أو اكثر قبل منه مع يمينه وافق القيمة أو خالفها وان قال وصي له بألف من ثمنه بيع وصرف إليه من ثمنه الف فان أراد ان يعطيه الفا من ماله من غير ثمن العبد لم يلزمه قبوله لان الموصى له يتعين حقه في ثمنه وان فسر ذلك بجناية جناها العبد فتعلقت برقبته قبل ذلك وله بيع العبد ودفع الالف من ثمنه، وان قال اردت انه رهن عنده بالف فعلى وجهين (أحدهما) لا يقبل لان حق المرتهن في الذمة (والثاني) يقبل لان الدين يتعلق بالرهن فصح تفسيره به كالجناية ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما ذكرنا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: