الفقه الحنبلي - الوكالة - الاقرار

(فصل) وان وكله في شراء شئ ملك تسليم ثمنه لانه من ثمنه وحقوقه فهو كتسليم المبيع في
البيع والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع على ما ذكرنا، فان اتشرى عبدا فنقد ثمنه فخرج العبد مستحقا فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن؟ على وجهين، فان اشترى شيئا وقبضه وأخر تسليم الثمن لغير عذر فهلك في يده ضمنه وان كان له عذر مثل ان ذهب ينقده أو نحو ذلك فلا ضمان عليه نص أحمد على هذا لانه مفرط في امساكه في الصورة الاولى فلزمه الضمان بخلاف مااذا لم يفرط (مسألة) (وان وكله في بيع فاسد لم يصح ولم يملكه) لان الله تعالى لم يأذن فيه ولان الموكل لا يملكه فالوكيل أولى ولا يملك الصحيح لان الموكل لم يأذن فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملك الصحيح لانه إذا أذن في الفاسد فالصحيح أولى ولنا أنه أذن له في محرم فلم يملك الحلال بالاذن في الفاسد كما لو اذن في شراء خمر وخنزير لم يملك شراء الخيل والغنم (مسألة) (وان وكله في كل قليل وكثير لم يصح) لانه يدخل فيه كل شئ فيعظم الغرر ولانه لا يصح التوكيل الا في تصرف معلوم، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال ابن أبي ليلى يصح ويملك به كل ما تناوله لفظه لان لفظه عام فصح فيما تناوله كما لو قال بع مالي كله
ولنا أن في هذا غررا عظيما وخطرا كبيرا لانه يدخل فيه هبة ماله وطلاق نسائه واعتاق رقيقه وتزوج نساء كثير وتلزمه المهور الكثيرة والايمان العظيمة فيعظم الضرر (مسألة) (وان وكله في بيع ماله كله صح) لانه يعرف ماله فيعرف أقصى ما يبيع فيقل الغرر وكذلك لو وكله في بيع ما شاء من ماله أو قبض ديونه أو الابراء منها أو ما شاء منها صح لانه يعرف دينه فيعرف ما يقبض فيقل الغرر (مسألة) (وان قال اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن وعنه ما يدل على أنه يصح)
إذا قال اشتر لي ما شئت بما شئت لم يصح ذكره أبو الخطاب لان ما يمكن شراؤه يكثر فيكثر فيه الغرر وان قدر له اكثر الثمن وأقله صح لانه يقبل الغرر وقال القاضي إذا ذكر النوع لم يحتج إلى ذكر الثمن لانه أذن في أعلاه وعنه ما يدل على أنه يصح فانه قد روي عن فيمن قال ما اشتريت من شئ فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شئ ولانه اذن في التصرف فجاز من غير تعيين كالاذن في التجارة
(فصل) وقد ذكرنا أنه إذا قال بع ما شئت من مالي أنه يصح وقال أصحاب الشافعي إذا قال بع ما شئت من مالي لم يجز وان قال بع ما شئت من عبيدي جاز لانه محصور بالجنس ولنا أن ما جاز التوكيل في جميعه جاز التوكيل في بعضه وان قال اشتر لي عبدا تركيا أو ثوبا صرويا صح وكذلك ان قال اشتر لي عبدا أو ثوبا ولم يذكر جنسه صح أيضا وقال أبو الخطاب لا يصح وهو مذهب الشافعي لانه مجهول ولنا أنه ذكر نوعا فقد أذن في أعلاه ثمنا فيقل الغرر ولان تقدير الثمن يضربه فانه قد لا يجد بقدر الثمن ومن اعتبر ذكر الثمن جوز أن يذكر له أكثر الثمن وأقله وقد ذكرناه (مسألة) (وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملك قبضه لان المقصود من التثبت قبضه أو تحصيله
ولنا أن القبض لم يتناوله الاذن نطقا ولا عرفا لانه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض (فصل) إذا وكله في الخصومة لم يقبل إقراره على الموكل بقبض الحق ولا غيره وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومحمد يقبل اقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص وقال أبو يوسف يقبل اقراره في مجلس الحكم وغيره لان الاقرار أحد جوابي المدعي فملكه كالانكار ولنا ان الاقرار يقطع الخصومة وينافيها فلم يملك الوكيل الاقرار فيها كالابراء وفارق الانكار فانه لا يقطع الخصومة ويملكه في الحدود والقصاص وفي غير مجلس الحاكم ولان الوكيل لا يملك
الانكار على وجه يمنع الموكل من الاقرار فلو ملك الاقرار لا متنع على الموكل الانكار فافترقا ولا يملك المصالحة على الحق ولا الابراء منه بغير خلاف نعلمه الا ان الاذن في الخصومة لا يقتضي شيئا من ذلك (مسألة) (وان وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين) وقال أبو حنيفة والآخر ليس له ذلك وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي لانهما معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر لانه لم يتناوله اللفظ
ووجه الاول أنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبيت فكان أذنا فيه عرفا ولان القبض لا يتم إلا به فملكه كما لو وكل في شراء شئ ملك تسليم ثمنه أو في بيع شئ ملك تسليمه ويحتمل أنه ان كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا في تثبيته والخصومة فيه لعلمه بوقوف القبض عليه ولا فرق بين كون الحق عينا أو دينا وقال بعض أصحاب أبي حنيفة ان وكل في بيع عين لم يملك تثبيتها لانه وكيل في نقلها أشبه الوكيل في نقل الزوجة.
ولنا انه وكيل في قبض حق أشبه الوكيل في قبض الدين وبه يبطل ما ذكروه فانه توكيل في قبضه ونقله إليه (مسألة) (وان وكل في قبض الحق من انسان لم يكن له القبض من وارثه وان قال اقبض حقي الذي قبله فله القبض من وارثه) إذا وكله في قبض دين من رجل فمات نظرت في لفظه فان قال اقبض حقى من فلان لم يكن له قبضه من وارثه لانه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه العرف لانه قد يرى بقاء الحق عندهم دونه وان قال اقبض حقى الذي قبله أو عليه فله مطالبة وارثه والقبض منه لان قبضه من الوارث قبض الحق الذي
على مورثه، فان قيل فلو قال اقبض حقي من زيد فوكل زيد انسانا في الدفع إليه كان له القبض والوارث نائب الموروث فهو كالوكيل، قلنا الوكيل إذا دفع عنه باذنه جرى مجرى تسليمه لانه أقامه مقام نفسه وليس كذلك ههنا فان الحق انتقل إلى الورثة واستحقت المطالبة عليه لا بطريق النيابة عن المورث ولهذا لو حلف
لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله دون وارثه (مسألة) (وإن وكله في قبضه اليوم لم يكن له قبضه غدا لانه قد يختص غرضه به في زمن حاجته إليه (مسألة) وإن وكله في الايداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع) كذلك ذكره أصحابنا وعموم كلام الخرقي يقتضي أن لا يقبل قوله على الآخر وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي لان الوديعة لا تثبت إلا ببينة فهو كما لو وكله في قضاء الدين وقال أصحابنا لا يصح القياس لان قول المودع يقبل في الرد والهلاك فلا فائدة في استيثاق بخلاف قضاء الدين، فان قال الوكيل دفعت المال إلى المودع فقال لم تدفعه فالقول قول الوكيل لانهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه فكان القول قوله فيه
(مسألة) (وإن وكله في قضاء الدين فقضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل) إذا وكل رجلا في قبضاء دينه ودفع إليه مالا ليدفعه إليه فادعى الوكيل قضاء الدين ودفع المال إلى الغريم لم يقبل قوله على الغريم إلا ببينة لانه ليس بأمينه فلم يقبل قوله عليه في ذلك كما لو ادعاه الموكل فإذا حلف الغريم فله مطالبة الموكل لان ذمته لا تبرأ بدفع المال إلى وكيله وهل للموكل الرجوع على وكيله؟ ينظر فان كان قضاه بغير بينة فللموكل الرجوع عليه إذا قضاه في غيبته قال القاضى سواء صدقه أو كذبه وهذا قولا الشافعي لانه إذن في القضاء يبرأ به ولم يوجد وعن أحمد لا يرجع عليه بشئ إلا أن يكون أمره بالاشهاد فلم يفعل، فعلى هذه الرواية ان صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشئ وإن كذبه فالقول قول الوكيل مع يمينه وهذا قول أبي حنيفة ووجه لاصحاب الشافعي لانه ادعى فعل ما أمره به موكله فكان القول قوله كما لو أمره ببيع ثوبه فادعى بيعه ووجه الاول أنه مفرط بترك الاشهاد فضمن كمما لو فرط في البيع بدون ثمن المثل، فان قيل فلم يأمره بالاشهاد؟ قلنا إطلاق الامر بالقضاء يقتضى ذلك لانه لا يثبت إلا به فيصير كامره بالبيع والشراء يقتضى ذلك العرف لا العموم كذاههنا وقياس القول الآخر يمكن القول بموجبه وأن قوله مقبول في القضاء وإنما لزمه الضمان لتفريطه لالرد قوله وعلى هذا لو كان القضاء بحضرة الموكل
لم يضمن الوكيل لان تركه الاحتياط والاشهاد رضا منه بما فعل وكيله وكذلك لو أذن له في القضاء بغير
اشهاد فلا ضمان عليه لان صريح قوله يقدم على ما تقتضيه دلالة الحال وكذلك إن أشهد على القصاء عد ولا فماتوا أو غابوا فلا ضمان عليه لعدم تفريطه، وإن أشهد من يختلف في ثبوت الحق بشهادته كشاهد واحد أو رجلا وامرأتين فهل يبرأ من الضمان يخرج على روايتين فان اختلف الوكيل والموكل فقال قضيت الدين بحضرتك فأنكر الموكل ذلك أو قال أذنت لي في قضائه بغير بينة فأنكر الموكل أو قال أشهدت على القضاء شهودا فما توا فأنكر الموكل فالقول قوله لان الاصل معه (فصل) قال المصنف رحمه الله (والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط) سواء كان بجعل أولا لانه أمين أشبه المودع ومتى اختلفا في تعدي الوكيل أو تفريطه في الحفظ أو مخالفته أمر موكله مثل أن يدعي أنك حملت على الدابة فوق طاقتها أو حملت عليها شيئا لنفسك أو فرطت في حفظها أو لبست الثوب أو أمرتك برد المال فلم تفعل ونحو ذلك فالقول قول الوكيل مع يمنيه لانه أمين وهذا مما يتعذر إقامة البينة عليه فلا يكلف ذلك كالمودع ولانه منكر لما يدعى عليه والقول قول المنكر، وكذلك إن ادعى الوكيل التلف فأنكر الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه لما ذكرنا وهكذا حكم من كان في يده شئ لغيره على سبيل الامانة كالاب والوصي وأمين الحاكم والشريك والضمارب والمرتهن والمستأجر لانه لو كلف ذلك مع تعذره لا متنع الناس من الدخول في الامانات مع دعوى الحاجة إليها وذلك ضرر وقال
القاضي إلا أن يدعي تلفها بامر ظاهر كالحريق والنهب فعليه إقامة البينة على وجود هذا الامر في تلك الناحية ثم يكون القول قوله في تلفها به وهذا قول الشافعي لان وجود الامر الظاهر مما لا يخفى فلا يتعذر إقامة البينة عليه ومتى ثبت التلف في يده من غير تعديه إما لقبول قوله أو باقرار موكله أو تبينه فلاضمان عليه سواء تلف المتاع الذي أمر ببيعه أو باعه وقبض ثمنه فتلف الثمن سواء كان بجعل أو غيره لانه نائب المالك في اليد والتصرف فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وجرى مجرى المودع والمضارب وشبههما فان تعدى أو فرط ضمن وكذلك سائر الامناء ولو باع الوكيل سلعة وقبض ثمنها فتلف في يده من غير تعد واستحق المبيع رجع المشترى بالثمن على الموكل دون الوكيل لان المبيع له فالرجوع بالعهدة عليه كما لو باع بنفسه
(مسألة) (وإن قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله) إذا اختلف الوكيل والموكل في التصرف فيقول الوكيل بعت الثوب وقبضت الثمن فينكر الموكل ذلك أو يقول بعت ولم تقبض شيئا فالقول قول الوكيل ذكره ابن حامد وهو قول أصحاب الرأي لانه يملك البيع والقبض فقبل قوله فيهما كما يقبل قول ولي المرأة المجبرة على النكاح في تزويجها ويحتمل أن لا يقبل قوله وهذا أحد القولين لاصحاب الشافعي لانه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل كما لو أقر بدين عليه فان وكله في شراء عبد فاشتراه واختلفا في قدر ما اشتراه به فقال اشتريته بألف قال بل بخمسمائة فالقول قول الوكيل لما ذكرناه
وقال القاضى القول قول الموكل الا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال اشتر لي عبدا بالف فادعى الوكيل أنه اشتراه بها فالقول قول الوكيل إذا وإلا فالقول قول الموكل لان من كان القول قوله في أصل شئ كان القول قوله في صفته وللشافعي قولان كهذين الوجهين، وقال أبو حنيفة إن كان الشراء في الذمة فالقول قول الموكل لانه غارم لكونه مطالبا بالثمن وان اشترى بعين المال فالقول قول الوكيل لكونه الغارم فانه مطالبه برد ما زاد على خمسمائة.
ولنا أنهما اختلفا في تصرف الوكيل فكان القول قوله كما لو اختلفا في البيع ولانه وكيل في الشراء فكان القول قوله في قدر ثمن المشترى كالمضارب وكما لو قال له اشتر بألف عند القاضي (مسألة) (وان اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله ان كان متطوعا وإن كان بجعل فعلى وجهين) إذا اختلفا في الرد فادعاه الوكيل و أنكره الموكل فان كان بغير جعل فالقول قول الوكيل لانه قبض المال لنفع مالكه فكان القول قوله كالمودع وان كان بجعل ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قوله كالاول (والثاني) لا يقبل قوله لانه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وسواء اختلفا في رد العين أو رد ثمنها.
(مسألة) (وكذلك يخرج في الاجير والمرتهن) وجملة ذلك ان الامناء على ضربين (أحدهما) من قبض المال لنفع مالكه لا غير كالمودع والوكيل
بغير جعل فيقبل قولهم في الرد لانه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الامانة فيلحق الناس الضرر (الثاني) ينتفع بقبض الامانة كالوكيل بجعل والمضارب والاجير المشترك والمستأحر والمرتهن ففيهم وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقبل قول المرتهن والمضارب في الرد لان احمد نص عليه في المضارب في رواية ابن منصور ولان من قبض المال لنفع نفسه لا يقبل قوله في الرد كالمستعير ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ذلك ببينة أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله لان جنايته قد ثبتت بجحده، فان أقام بينة بما ادعاه من الرد أو التلف لم تقبل بينته في أحد الوجهين لانه كذبها بجحده فان قوله قبضت يتضمن أنه لم يرد شيئا (والثاني) يقبل لانه يدعي الرد والتلف قبل وجود خيانته فان كان جحوده انك لا تستحق علي شيئا أو مالك عندي شئ سمع قوله مع يمينه لان جوابه لا يكذب ذلك فانه إذا كان قد تلف أو رد فليس له عنده شئ فلا تنافي بين القولين الا أن يدعي انه رده أو تلف بعد قوله مالك عندي شئ فلا يسمع قوله لثبوت كذبه وخيانته (مسألة) (فان قال أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بخمسه فأنكره فعلى وجهين) وجملة ذلك أنهما متى اختلفا في صفة الوكالة فقال وكلتك في بيع هذا العبد قال بل في بيع هذه الجارية أو قال
في بيعه نقداقال بل نسيئة أو قال وكلتك في شراء عبد قال بل في شراء أمة أو قال بل وكلتك في الشراء بعشرة قال بل بخمسة فقال القاضي في المجرد القول قول الموكل وهو قول أصحاب الرأي والشافعي وابن المنذر، وقال أبو الحطاب إذا قال أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء بخمسة قال بل أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بعشرة فالقول قول الوكيل نص عليه أحمد واختاره القاضي والتعليق الكبير في المضاربة لانه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كالخياط إذا قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا وحكي عن مالك ان أدركت السلعة فالقول قول الموكل وان فاتت فالقول قول الوكيل لانها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان والاصل عدمه بخلاف ما إذا كانت موجودة، والقول الاول أصح لوجهين (أحدهما) أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الموكل فكان القول قول من ينفيه كما لو لم يقر الموكل بتوكيله في غيره (والثاني) انهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله في صفة كلامه كما لو اختلف الزوجان
في صفة الطلاق، فعلى هذا إذا قال اشتريت لك هذه الجارية باذنك فقال ما اذنت الا في شراء غيرها أو قال اشتريتها لك بألفين فقال ما أذنت لك في شرائها الا بألف فالقول قول الموكل وعليه اليمين فإذا خلف برئ من الشراء، ثم لا يخلو إمان يكون الشراء بعين المال أو في الذمة فان كان بعين المال فالبيع باطل ويرد الجارية على البائع ان اعترف بذلك وان كذبه في ان الشراء لغيره أو بمال غيره بغير اذنه فالقول قول البائع لان الظاهر ان ما في يد الانسان له فان ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه
لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله لانه يحلف على نفي فعل غيره فإذا حلف مضى البيع وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله ودفع الثمن إلى البائع وتبقى الجارية في يده لا تحل له لانه إن كان صادقا فهي للموكل وان كان كاذبا فهي للبائع، فان أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن امتنع من بيعه إياها رفع الامر إلى الحاكم ليرفق به ليبيعه اياها ليثبت الملك له ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته ثمنا قصاصا بالثمن الذي أخذ منه الآخر ظلما فان امتنع الآخر من البيع لم يجبر عليه لانه عقد مراضاة، فان قال له ان كانت الجارية لي فقد بعتكها أو قال الموكل ان كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح وهو قول القاضي وبعض الشافعية لانه بيع معلق على شرط (والثاني) يصح لان هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يصح جعله شرطا كما لو قال ان كانت هذه الجارية جارية فقد بعتكها وكذلك كل شرط علما وجوده فانه لا يوجب وقوف البيع ولا شكافيه، وان كان الوكيل اشترى في الذمة ثم نقد الثمن صح الشراء ولزم الوكيل في الظاهر فأما في الباطن فان كان كاذبا في دعواه فالجارية لموكله فإذا أراد احلالها توصل إلى شرائها منه كما ذكرنا وكل موضع كانت للموكل في الباطن وامتنع من بيعها للوكيل فقد حصلت في يد الوكيل وهي للموكل وفي ذمته ثمنها في الوكيل فأقرب الوجوه ان يأذن للحاكم في بيعها وتوفية حقه من ثمنها فان كانت للوكيل فقد بيعت باذنه وإن كانت للموكل فقد باعها الحاكم في إيفاء دين امتنع المدين من وفائه وقد قيل غير ما ذكرنا وهذا أقرب إن شاء الله تعالى
وان اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز لانه قائم مقام الموكل في ذلك أشبه ما لو اشترى منه
(فصل) ولو وكله في بيع عبد فباعه نسيئة فقال الموكل ما أذنت في بيعه الا نقدا فصدقه الوكيل والمشتري فسد البيع وله مطالبة من شاء منهما بالعبد إن كان باقيا وبقيمته ان تلف فان أخذ القيمة من الوكيل رجع على المشتري بها لان التلف في يده فاستقر الضمان عليه وان أخذها من المشتري لم يرجع بالضمان على أحد، وان كذباه وادعيا أنه أذن في البيع نسيئة فعلى قول القاضي يحلف الموكل ويرجع في العين إن كانت قائمة وان كانت تالفة رجع المشتري على الوكيل بالثمن الذي أخذه منه لانه لم يسلم له المنع وان ضمن الوكيل لم يرجع على المشتري في الحال لانه يقر بصحة البيع وتأجيل الثمن وان البائع ظلمه بالرجوع عليه وأنه انما يستحق المطالبة بالثمن بعد الاجل فإذا حل الاجل رجع الوكيل على المشتري بأقل الامرين من القيمة أو الثمن المسمى لان القيمة ان كانت أقل فما غرم اكثر منها فلم يرجع بأكثر مما غرم وإن كان الثمن أقل فالوكيل معترف للمشتري أنه لا يستحق عليه أكثر منه وان الموكل ظلمه بأخذ الزائد على الثمن فلا يرجع على المشتري بما ظلم به الموكل وان كذبه أحدهما دون الآخر فله الرجوع على المصدق بغير يمين ويحلف على المكذب ويرجع على حسب ما ذكرناه هذا ان اعترف المشتري بالوكالة وإن أنكر ذلك وقال انما بعتني ملكك فالقول قوله مع يمينه أنه لا يعلم كونه وكيلا ولا يرجع عليه بشئ.
(فصل) إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو امانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره لانه رضي بكونه في يده فان طلبه فأخر رده مع امكانه فتلف ضمنه وإن وعده رده ثم ادعى إنى كنت رددته قبل طلبه أو انه كان تلف لم يقبل قوله لانه مكذب لنفسه بوعده رده فان صدقه الموكل برئ فان كذبه فالقول قول الموكل فان أقام ببنة بذلك قبلت في أحد الوجهين لانه يبرأ بتصديق الموكل فكذلك إذا قامت له بينة لان البينة إحدى الحجتين فبرئ بها كالاقرار والثانى لا يقبل لانه كذبها بوعده بالدفع بخلاف ما إذا صدق لانه أقر ببراءته فلم يبق له منازع، وإن لم بعده برده لكن منعه أو مطله مع امكانه ثم ادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله الا بينة لانه صار بالمنع خارجا عن حال الامانة وتسمع بينته لانه لم يكذبها
(مسألة) (وان قال اذنت لي ان تزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداق ء على وجهين) وجملة ذلك أن الوكيل والموكل إذا ختلفا في أصل الوكالة فقال وكلتني فأنكر الموكل فالقول قوله لان الاصل عدم الوكالة ولم يثبت أنه أمينه فيقبل قوله عليه ولو قال وكلتك ودفعت اليك مالا فأنكر الوكيل ذلك كله أو اعترف بالتوكيل وأنكر دفع المال إليه فالقول قوله لذلك ولو قال رجل
لآخر وكلتني ان أتزوج لك فلانة ففعلت وادعت المرأه ذلك فأنكر الموكل فالقول قوله نص عليه أحمد فقال ان أقام البينة والا فلا يلزم الآخر عقد النكاح قال أحمد ولا يستحلف قال القاضي لان الوكيل يدعي حقا لغيره، وفأما ان ادعته المرأه فينبعي أن يستحلف لانها تدعي الصداق في ذمته فإذا حلف لم يلزمه الصداق ولم يلزم الوكيل منه شئ لان دعوى المرأة على الموكل وحقوق العقد لا تتعلق بالوكيل ونقل احساق بن ابراهيم عن أحمد أن الوكيل يلزمه نصف الصداق لان الوكيل في الشراء ضامن للثمن وللبائع مطالبته كذا ههنا ولانه فرط حيث لم يشهد على الزوج بالعقد والصداق والاول أولى لما ذكرناه، ويفارق الشراء لان الثمن مقصود البائع والعادة تعجيله وأخذه من المتولي للشراء والنكاح يخالفه في هذا كله، فان كان الوكيل ضمن المهر فلها الرجوع عليه بنصفه لانه ضمنه الموكل وهو مقر بأنه في ذمته وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد بن الحسن يلزم الوكيل جميع الصداق لان الفرقة لم تقع بانكاره فيكون ثابتا في الباطن فيجب جميعه ولنا أنه يملك الطلاق فإذا أنكر فقد أقر بتحريمها عليه فصار بمنزلة ايقاعه لما تحرم به قال أحمد ولا يتزوج المرأة حتى يطلق لعله يكون كاذبا في انكاره، وظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها لابها
معترفة أنها زوجة له فيؤخذ باقرارها، وانكاره ليس بطلاق، وهل يلزم الموكل طلاقها؟ فيه احتمالان (أحدهما) لا يلزم لانه لم يثبت في حقه نكاح ولو ثبت لم يكلف الطلاق ويحتمل أن يلزمه لازالة الاحتمال والزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه فأشبه النكاح الفاسد، ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر
لانه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر أنها زوجته فلا يرثها ولو ادعى أن فلانا الغائب وكيله في تزوج امرأة فتزوجها له ثم مات الغائب لم ترثه المرأة الا بتصديق الورثة أو يثبت بينة، وان أقر الموكل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوج له فان القول قول الوكيل فيه فيثبت التزويج ههنا وقال القاضي لا يثبت وهو قول أبى حنيفة لانه لا تتعذر اقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد الا بها وذكر أن أحمد نص عليه وأشار إلى نصه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة من أصلها ولنا أنهما اختلفا في فعل الوكيل ما أمره به فكان القول قوله كما لو وكله في بيع ثوب فادعى بيعه أو في شراء عبد بألف فادعى أنه اشتراه به وما ذكره القاضي من نص أحمد عليه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة فيس بنص ههنا لاختلاف أحكام الصورتين وتباينهما فلا يكون النص في احداهما نصا في الآخر وما ذكره من المعنى لا أصل له فلا يعول عليه
(فصل) ولو غاب رجل فجاء رجل إلى امرأته فذكر أن زوجها طلقها وأبانها ووكله في تجديد نكاحها بألف فأذنت في نكاحها فعقد عليها وضمن الوكيل الالف ثم جاء زوجها وانكر هذا كله فاقول قوله والنكاح الاول بحاله وقياس ما ذكرناه ان المرأة ان صدقت الوكيل لزمه الالف الا أن يبينها زوجها قبل دخوله بها وحكي ذلك عن مالك وزفر وحكي عن أبي حنيفة والشافعي انه لا يلزم الضامن شئ لانه فرع على المضمون عنه والمضمون عنه لا يلزمه شئ فكذلك فرعه ولنا أن الوكيل مقر بأن الحق في ذمة المضمون عنه وانه ضامن عنه فلزمه ما اقربه كما لو ادعى على رجل انه ضمن ألفا على أجنبي فأقر الضامن بالضمان وصحته وثبوت الحق في ذمة المضمون عنه وكما لو ادعى شفعة على انسان في شقص اشتراه فأقر البائع وأنكر المشتري فان الشفيع يستحق الشفعة في أصح الوجهين فان لم تدع المرأه صحة ما ذكره الوكيل فلا شئ عليه، ويحتمل أن من أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة ومن أوجبه أوجبه في الصورة الاخرى فلا يكون بينهما اختلاف والله أعلم (مسألة) (ويجوز التوكيل بجعل وبغيره) لانه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ الجعل عليه كرد الآبق
ويجوز بغير خلاف فإذا وكله بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لتحقق البيع قبل قبضه فان قال في التوكيل فإذا أسلمت إلي الثمن فلك كذا وقف استحقاقه على التسليم إليه لا شتراطه إياه ولو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح نص عليه، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول ابن سيرين واسحاق وكرهه النخعي وحماد وأبو حنيفة والثوري والشافعي وابن المنذر لانه أجر مجهول يحتمل الوجود ولنا ان عطاء روى عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا ان يعطي الرجل الرجل الثوب أو غيره فيقول بعه بكذا فما ازددت فهو لك ولا يعرف له في عصره مخالف فكان إجماعا لانها عين تنمي بالعمل عليها أشبه دفع ماله مضاربة.
إذا ثبت ذلك فإذا باعه بزيادة فهي له لانه جعلها له وان باعه بما عينه فلا شئ له لانه جعل له الزيادة ولا زيادة فهو كالمضارب إذا لم يربح، وان باعه بنقص فعنه لا يصح لمخالفته فان تعذر ضمن النقص وعنه يصح ويضمن النقص وقد ذكرنا ذلك وان باعه نسيئة لم يصح ولا يستحق الوكيل وان باعه بزيادة نص عليه أحمد في رواية الاثرم (فصل) إذا وكله في شراء شئ فاشترى غيره مثل ان يوكله في شراء عبد فاشترى جارية فان كان الشراء بعين مال الموكل فالشراء باطل في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أنه يصح ويقف على إجازة المالك فان أجازه صح وإلا بطل وهو قول مالك وإسحاق وقد ذكرناه في كتاب البيع فان كان اشتراه في ذمته ثم نقد الثمن فالشراء صحيح لانه إنما اشترى بثمن في ذمته وليس ذلك ملكا لغيره وقال أصحاب الشافعي لا يصح في أحد الوجهين لانه عقد على أنه للموكل ولم يأذن فيه فلم يصح كما لو اشترى بعين ماله
ولنا أنه لم يتصرف في ملك غيره فصح كما لو لم ينوه إذا ثبت ذلك فروي عن أحمد روايتان (احداهما) الشراء لازم للمشتري وهو الوجه الثاني لاصحاب الشافعي لانه اشترى في ذمته بغير اذنه فكان الشراء له كما لو لم ينو غيره (والثانية) يقف على اجازة الموكل ان أجازه لزمه وان لم يجزه لزم الوكيل لانه لا يجوز أن يلزم الموكل لكونه لم ياذن في شرائه ولزم الوكيل لان الشراء صدر منه ولم يثبت لغيره فثبت في حقه كما لو اشتراه لنفسه وهكذا ذكر الخرقي وهذا حكم كل من اشترى شيئا
في ذمته لغيره بغير إذنه سواء كان وكيلا للذي قصد الشراء له أو لم يكن (فصل) وان وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير إذنه فالعقد فاسد بكل حال في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لان من شرط صحة عقد النكاح ذكرا لزوج فإذا كان بغير إذنه لم يقع له ولا للوكيل لان المقصود أعيان الزوجين بخلاف البيع فانه يجوز أن يشتري له من غير تسمية المشتري له والثانية يصح النكاح ويقف على إجازة المتزوج فان أجازه صح والابطل وهو مذهب أبي حنيفة والقول فيه كالقول في البيع على ما تقدم (فصل) قال القاضي إذا قال لرجل اشتر لي بديني عليك طعاما لم يصح ولو قال أسلف لي الفا من ملك في كر طعام ففعل لم يصح أيضا لانه لا يجوز أن يتشري الانسان بماله ما يملكه غيره وان قال اشتر لي في ذمتك أو قال أسلف لي الفافي كر طعام واقض الثمن عني من مالك أو من الدين الذي عليك صح لانه إذا اشترى في الذمة حصل الشراء للموكل والثمن عليه فإذا قضاه من الدين الذي عليه فقد دفع الدين إلى من أمره صاحب الدين بدفعه إليه وان قضاه من ماله عن دين السلف الذي عليه صار قرضا عليه
(فصل) قال أحمد في رواية أبي الحارث في رجل له على آخر دراهم فبعث إليه رسولا يقبضها فبعث إليه مع الرسول دينارا فضاع مع الرسول فهو من مال الباعث لانه لم يأمره بمصارفته انما كان من ضمان الباعث لانه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل لان المرسل انما أمره بقبض الدراهم ولم يدفعها انما دفع دينارا عوضا عنه وهذا صرف يفتقر إلى اذن صاحب الدين ومصارفته به فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه اللهم الا ان يخبر الرسول الغريم ان رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون من ضمان الرسول لانه غره وأخذ الدينار على انه وكيل للمرسل، وان قبض الدراهم التي أمر بقبضها فضاعت من الرسول بغير تفريط فهي من ضمان صاحب الدين، وقال أحمد في رواية منها في رجل له عند آخر دنانير وثياب فبعث إليه رسولا وقال خذ دينارا أو ثوبا فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه الدينار ين والثور بين ويرجع به على الرسول يعني عليه ضمان الدينار والثوب الزائداين إنما جعل عليه
الضمان لانه إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه ورجع بهما على الرسول لانه غره وحصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه وللموكل تضمين الوكيل لانه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه فإذا ضمنه لم يرجع على أحد لان التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه، وقال أحمد في رجل وكل وكيلا في اقتضاء دينه وغاب فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل فقال أساء الوكيل في أخذ الرهن ولا ضمان عليه إنما لم يضمنه لانه رهن فاسد والقبض في العقد الفاسد كالقبض في العقد الصحيح فما كان القبض في صحيحه مضمونا كان مضمونا في فاسده وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده، ونقل البغوي عن أحمد في رجل أعطى آخر دراهم ليشتري له بها شاة فخلطها مع دراهمه فضاعا فلا شئ عليه وان
ضاع أحدهما أيهما ضاع غرمه قال القاضي هذا محمول على انه خلطها بما تتميز منه ويحتمل أنه أذن له في خلطها أما ان خلطها بما لا تتميز منه بغير اذنه ضمنها كالوديعة وانما لزمه الضمان إذا ضاع أحدهما لانه لا يعلم ان الضائع دراهم الموكل والاصل بقاؤها، ومعنى الضمان ههنا أنه يحسب الضائع من دراهم نفسه فأما على المحمل الآخر وهو إذا خلطها بما تتميز منه فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلاضمان عليه لانها ضاعت من غير تعد منه (فصل) قال الشيخ رحمه الله (فان كان عليه حق لانسان فادعى آخر أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه الا ان تقوم به بينة وان لم تقم به بينة لم يلزمه الدفع إليه وان صدقه) وبه قال الشافعي وسواء كان الحق في ذمته أو وديعة عنده وقال أبو حنيفة يلزمه وفاء الدين إن صدقه وفي الوديعة روايتان أشهر هما لا يجب تسليمها لانه أقر له بحق الاستيفاء فلزمه إيفاؤه كما لو أقر أنه وارثه ولنا أنه تسليم لا يبرئه فلا يجب عليه كما لو كان الحق عينا وكما لو أقر بأن هذا وصي الصغير وفارق الاقرار بكونه وارثه لانه يتضمن براءته فانه أقر بأنه لا حق لسواه (مسألة) (وان كذبه لم يستحلف) وقال أبو حنيفة يستحلف وهذا مبني على الخلاف في وجوب الدفع مع التصديق فمن أوجب عليه ثم أوجب عله اليمين مع التكذيب كسائر الحقوق ومن لم يوجب عليه الدفع مع التصديق لم يلزمه اليمين مع التكذيب لعدم فائدتها
(مسألة) (فان دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة وحلف رجع على الدافع وحده)
وجملة ذلك ان من عليه الحق إذا دفعه إلى الوكيل مع التصديق أو عدمه فحضر الموكل وصدق الوكيل برئ الدافع وان كذبه فالقول قوله مع يمينه لانه منكر فإذا حلف وكان الحق دينا لم يرجع إلا على الدافع وحده لان حقه في ذمته ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غيرو كيل صاحب الحق والذي أخذه الوكيل عين مال الدافع في زعم صاحب الحق والوكيل والدافع يزعمان أنه صار ملكا لصاحب الحق وأنه ظالم للدافع بالاخذ منه فيرجع الدافع فيما أخذ منه الوكيل ويكون قصاصا مما أخذ منه صاحب الحق وإن كان قد تلف في يد الوكيل لم يرجع عليه بشئ لانه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه إلا أن يتلف بتعديه وتفريطه فيرجع عليه (مسألة) (وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلف فله تضمين أيهما شاء ولا يرجع من ضمنه على الآخر بشئ) إذا كان المدفوع عينا فوجدها صاحبها أخذها وله مطالبة من شاء بردها لان الدافع دفعها إلى غير مستحقها والوكيل عين ماله في يده فان طالب الدافع فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده ليسلمها إلى صاحبها فان تلفت العين أو تعذر ردها فلصاحبها الرجوع ببدلها على من شاء منهما لان الدافع ضمنها بالدفع والقابض قبض مالا يستحق قبضه وأيهما ضمنه لم يرجع على الآخر لان كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذ ظلم ويقر بأنه لم يؤخذ من صاحبه بتعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره الا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل لكونه لم يقر بوكالته ولم يثبت ببينة وإن ضمن الوكيل لم يرجع على الدافع وان صدقه لكن ان كان الوكيل تعدى فيها أو
فرط استقر الضمان عليه فان ضمن لم يرجع على أحد وان ضمن الدافع رجع عليه لانه وان كان يقر بانه قبضه قبضا شرعيا لكن إنما لزمه الضمان لتفريطه وتعديه فالدافع يقول ظلمني المالك بالرجوع علي وله على الوكيل حق يعتردف به الوكيل فيرجع عليه به
(مسألة) (فان كان ادعى ان صاحب الحق أحاله ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الانكار وجهان.
(أحدهما) لا يلزمه الدفع إليه لان الدفع إليه غرى مبرئ لاحتمال ان ينكر المحيل الحوالة ويضمنه فأشبه المدعي للوكالة (والثاني) يلزمه الدفع إليه لانه معترف ان الحق انتقل إليه أشبه الوارث والاول أشبه لان العلة في جواز منع الوكيل كون الدافع لا يبرئ وهي موجودة ههنا والعلة في وجوب الدفع إلى الوارث كونه مستحقا والدفع إليه يبرئ وهو متخلف ههنا فالحاقة بالوكيل أولى وان قلنا يلزمه الدفع مع الاقرار لزمته اليمين مع الانكار وان قلنا لا يلزمه الدفع مع التصديق لم تلزمه اليمين مع الانكار لعدم الفائدة فيها ومثل هذا مذهب الشافعي (مسألة) (وان ادعى أنه مات وأنا وارثه فصدقه أنه وارث الحق لا وراث له سواه لزمه الدفع إليه) بغير خلاف نعلمه لانه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه كما لو جاء صاحب الحق وإن انكر لزمته اليمين أنه لا يعلم صحة ما قال لان اليمين ههنا على نفي فعل الغير فكانت على نفي العلم وإنما لزمته اليمين ههنا لان من لزمه الدفع مع الاقرار لزمته اليمين مع الانكار كسائر الحقوق المالية (فصل) ومن طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض وكان الحق
عليه بغير بينة لم يلزم القابض الاشهاد لانه لا ضرر في ذلك فانه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك قال لا تستحق علي شيئا والقول قوله مع يمينه وان كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق بقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل بلا جعل فكذلك لانه متى ادعي عليه حق أو قامت به بينة فالقول في الرد قوله، وان كان ممن لا يقبل قوله في الرد أو يختلف في قبول قوله كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه تسليم ما قبله الا بالاشهاد لئلا ينكر القابض القبض ولا يقبل قول الدافع في الرد وإن أنكر قامت عليه البينة ومتى أشهد القابض على نفسه بالقبض لم يلزمه تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق لان بينة القبض تسقط البينة الاولى والكتاب ملكه فلا يلزمه تسليمه إلى غيره (فصل) في الشهادة على الوكالة إذا شهد بالوكالة رجل وامرأتان أو شاهد وحلف معه فقال
أصحابنا فيها روايتان (إحداهما) تثبت بذلك إذا كانت الوكالة في المال قال أحمد في الرجل يوكل وكيلا ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين إذا كانت المطالبة بدين فأما غير ذلك فلا (والثانية) لا تثبت الا بشاهدين عدلين نقلها الخرقي في قوله ولا تقبل فيما سوى الاموال مما يطلع عليه الرجال أقل من رجلين وهذا قول الشافعي لان الوكالة اثبات للتصرف ويحتمل أن يكون قول الخرقي كالرواية الاولى لان الوكالة في المال يقصد بها المال فقبل شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض.
وان شهدا بوكالة ثم قال أحدهما قد عزله لم تثبت وكالته بذلك، وإن كان الشاهد بالعزل أجنبيا لم يثبت العزل بشهادته وجده لان العزل لا يثبت الا بما يثبت به التوكيل، ومتى عاد أحد الشاهدين بالتوكيل فقال
قد عزله لم بحكم بشهادتهما لانه رجوع عن الشهادة قبل الحكم بها فلا يجوز للحاكم الحكم بما رجع عنه الشاهد وان كان حكم الحاكم بشهادتهما ثم قال أحدهما قد عزله بعد ما وكله لم يلتفت إلى قوله لان الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل فان قالا جميعا كان قد عزله ثبت العزل لان الشهادة قد تمت في العزل كتمامها في التوكيل (فصل) فان شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة وشهد آخر أنه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة لان التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد، وان شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة وشهد آخر أنه أقر به يوم السبت تمت الشهادة لان الاقرارين اخبار عن عقد واحد ويشق جمع الشهود ليقر عندهم حالة واحدة فجوز له الاقرار عند كل واحد وحده وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالوكالة بالعجمية وشهد آخر أنه أقربها بالعريبة ثبتت، ولو شهد أحدهما انه قال وكله بالعربية وشهد الآخر انه وكله بالعجمية لم تكمل الشهادة لان التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية فلم تكمل الشهادة على فعل واحد، وكذلك لو شهد أحدهما أنه قال وكلتك وشهد الآخر أنه قال أذنت في التصرف أو أنه قال جعلتك وكيلا أو شهد أنه قال جعلتك جريا لم تتم الشهادة لان اللفظ مختلف والجري الوكيل، ولو قال أحدهما أشهد أنه وكله وقال الآخر أشهد أنه اذن له في التصرف تمت الشهادة لانهما لم يحكيا لفظ الموكل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما لا يؤثر إذا اتفق معناه، ولو قال أحدهما أشهد انه أقر عندي انه وكيله وقال الآخر أشهد انه اقر عندي انه
جريه أو انه اوصى إليه بالتصرف في حياته ثبتت الوكالة بذلك، ولو شهد احد بأنه وكل في بيع عبده وشهد الآخر انه وكله وزيدا أو شهد انه وكله في بيعه وقال لاتبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلانا لم تتم
الشهادة لان الاول اثبت استقلالا بالبيع من غير شرط والثاني ينفي ذلك فكانا مختلفين، وان شهد احدهما انه وكله في بيع عبده وشهد الآخر انه وكله في بيع عبده وجاريته حكم بالوكالة في العبد لاتفاقهما عليه وزيادة الثاني لا تقدح في تصرفه في الاول فلا تضرو هكذا لو شهد احدهما أنه وكله في بيعه لزيد وشهد الآخر انه وكله في بيعه لزيد وان شاء لعمرو (فصل) ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة تثبت بخبر الواحد وان لم يكن ثقة ويجوز التصرف للخبر بذلك إذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان ان انكر الموكل ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولا لان اعتبار شاهدين عدلين في هذا يشق فسقط اعتباره ولانه اذن في التصرف ومنع منه فلم تعتبر فيه شروط الشهادة كاستخدام غلامه ولنا انه عقد مالي فلا يثبت بخبر الواحد كالبيع وفارق الاستخدام فانه ليس بعقد ولو شهد اثنان ان فلانا الغائب وكل فلانا الحاضر فقال الوكيل ما علمت هذا وانا اتصرف عنه ثبتت الوكالة لان معنى ذلك اني لم اعلم إلى الآن وقبول الوكالة بجوز متراخيا وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل ولا عمله فلا يضر جهله به وان قال ما اعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته لقدحه في شهادتهما وان قال ما علمت وسكت قيل له فسر فان فسر بالاول ثبتت وكالته وان فسر بالثاني لم تثبت (فصل) ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب وهو أن يدعي ان فلانا الغائب وكلني في كذا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح بناء على ان الحكم على الغائب لا يصح
ولنا أنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره كغيره وإذا قال له من عليه الحق احلف أنك تستحق مطالبتي لم يسمع لان ذلك طعن في الشهادة وان قال قد عزلك الموكل فاحلف أنه ما عزلك لم يستحلف لان الدعوى على الموكل واليمين لا تدخلها النيابة، وان قال أنت تعلم ان موكلك
قد عزلك سمعت دعواه وطلب اليمين من الوكيل حلف على نفي العلم لان الدعوى عليه وان أقام الخصم بينة بالعزل سمعت وانعزل الوكيل (فصل) وتقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة لانه لا يجربها نفعا ولا يدفع بها ضررا
وتقبل شهادته له فيما لم يوكله فيه لكونه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا تقبل شهادته له فيما هو وكيل له فيه لانه يثبت لنفسه حقا بدليل أنه إذا كان وكله في قبض حق فشهد به ثبت له استحقاق قبضه ولانه خصم فيه بدليل انه يملك المخاصمة فيه فان شهد بما كان وكيلا فيه بعد عزله لم تقبل أيضا سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ان كان لم يخاصم فيه قبلت شهادته لانه لاحق له فيه وان لم يخاصم فيه فأشبه مالو لم يكن وكيلا فيه وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه بعقد الوكالة صار خصما فيه فلم تقبل شهادته فيه كما لو خاصم فيه وفارق ما لم يكن وكيلا فيه فانه لم يكن خصما فيه (فصل) إذا كانت الامة بين نفسين فشهدا ان زوجها وكل في طلاقها لم تقبل شهادتهما لانهما يجران لانفسهما نفعا وهو زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما، وان شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل لانهما يجران إلى أنفسهما نفعا وهو إبقاء النفقة على الزوج، ولا تقبل شهادة ابني الرجل له بالوكالة ولا أبويه لانهما يثبتان له حق التصرف ولا يثبت للانسان حق بشهادة ابنه ولا أبيه ولا تقبل شهادة ابني الموكل ولا أبويه بالوكالة وقال بعض الشافعية تقبل لان هذا حق على الموكل يستحق به الوكيل المطالبة فقبلت فيه شهادة قرابة الموكل كالاقرار ولنا ان هذه شهادة ثبت بها حق لابيه آو ابنه فلم تقبل كشهادة ابني الوكيل وأبويه ولانهما
يثبتان لابيهما نائبا متصرفا، وفارق الشهادة عليه بالاقرار فانها شهادة عليه متمحضة ولو ادعى الوكيل الوكالة فأنكرها الموكل فشهد عليه ابناه أو أبواه ثبتت الوكالة وأمضي تصرفه لان ذلك شهادة عليه ولو ادعى الموكل أنه تصرف بوكالته وأنكر الوكيل فشهد عليه أبواه أو ابناه قبل أيضا كذلك
وان ادعى وكيل الموكل الغائب حقا وطالب به فادعى الخصم ان الموكل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكل قبلت شهادتهما ثبت العزل بها لانهما يشهدان على أبيهما وان لم يدع الخصم عزله لم تسمع شهادتهما لانهما يشهدان لمن لا يدعيها فان قبض الوكيل فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل وأن حقه باق في ذمة الغريم وشه له ابناه لم تقبل شهادتهما لانهما يثبتان حقا لا بيهما ولو ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل لان السيد يشهد لعبده وابناه يشهدان لعبد أبيهما والابوان يشهدان لعبد ابنهما، وان عتق فأعاد الشهادة فهل تقبل يحتمل وجهين (فصل) إذا حضر رجلان عند الحاكم فاقر احدهما ان الآخر وكيله ثم غاب الموكل وحضر الوكيل فقدم حضما لموكله وقال أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيلا فان قلنا لا يحكم الحاكم بعلمه لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته وان قلنا يحكم بعلمه وكان الحكم يعرف الموكل بعينه واسمه ونسبه صدقه ومكنه من التصرف لان معرفته كالبينة وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه لم يقبل قوله حتى تقوم البينة عنده بالوكالة لانه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل
(فصل ولو حضر عند الحاكم رجل فادعى أنه وكيل فلان الغائب في شئ عينه أحضر بينة تشهد له بالوكالة سمعها الحاكم، ولو ادعى حقا لموكله قبل ثبوت وكالته لم يسمع الحاكم دعواه وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يسمعها إلا ان يقدم خصما من خصماء الموكل فيدعي عليه حقا فإذا اجاب المدعي عليه حينئذ يسمع الحاكم البينة، فحصل الخلاف بيننا في حكمين (أحدهما) ان الحاكم يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم وعنده لا يسمع (والثاني) أنه لا يسمع دعواه لموكله قبل ثبوت وكالته وعنده يسمع وبنى أبو حنيفة على أصله في ان القضاء على الغائب لا يجز وسماع البينة بالوكالة من غير خصم بها قضاء على الغائب وان الوكالة لا تلزم الخصم ما لم يجب الوكيل عن دعوى الخصم انك لست بوكيل ولنا أنه اثبات للوكالة فلم يفتقر إلى حضور الموكل عليه كما لو كان عليه جماعة فاحضر واحدا منهم فان الباقين لا يفتقر إلى حضور هم كذلك ههنا والدليل على أن الدعوى لا تسمع قبل ثبوت الوكالة أنها لا تسمع الا من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله وهذا لا يخاصم عن نفسه ولم يثبت أنه وكل
لمن يدعي له فلا تسمع دعواه كما لو ادعى لمن لم يدع وكالته وفي هذا الاصل جواب عما ذكره (فصل) ولو حضر رجل وادعى على غائب مالا في وجه وكيله فانكره فاقام بينة بما ادعاه حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة وادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم لان القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله
كتاب الاقرار الاقرار الاعتراف والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقول الله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين إلى قوله قال أأقر رتم وأخذتم على ذلك اصري؟ قالوا أقررنا) وقال تعالى (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) وقال تعالى (ألست بربكم قالوا بلى) في آي كثيرة مثل هذا، وأما السنة فما روي ان ما عزا أقر بالزنا فرجمه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الغامدية وقال (واغديا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها)) وأما الاجماع فان الامة أجمعت على صحة الاقرار ولان الاقرار إخبار على وجه تنتفي عنه التهمة والريبة فان العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضربها ولهذا كان آكد من الشهادة فان المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وانما ستمع إذا أنكر ولو كذب المدعي بينته لم تسمع وإن كذب المقر ثم صدقه سمع.
(مسألة) (ويصح الاقرار من كل مكلف مختار غير محجور عليه.
أما الطفل المجنون فلا يصح اقرارهما وكذلك المبرسم والنائم والمغمى عليه) لا نعلم في هذا خلافا وقد قال عليه الصلاة والسلام (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) فنص عن الثلاثة والمبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون
والنائم ولانه قول من غائب العقل فلم يثبت له حكم كالبيع والطلاق، فأما الصبي المميز فان كان محجورا عليه لم يصح اقراره للنص وإن كان مأذونا له في البيع والشراء فبيعه وشراؤه جائز، وان أقر انه اقتضى شيئا من ماله جاز بقدر ما أذن له وليه فيه وهذا قول أبى حنيفة وقال أبو بكر وابن أبي موسى إنما يصح
اقراره فيما أذن له في التجارة فيه في الشئ اليسير وقال الشافعي لا يصح إقراره بحال لعموم الخبر ولانه غير بالغ أشبه الطفل ولانه لا تقبل شهادته ولا روايته أشبه الطفل ولنا أنه عامل مختار يصح تصرفه فصح إقراره كالبالغ وقد دللنا على صحة تصرفه فيما مضى والخبر محمول على رفع التكليف والاثم.
(مسألة) (وكذلك العبد المأذون له في التجارة) لما ذكرنا في الصبي بل صحة اقرار العبد أولى لانه ملكف (مسألة) (فان أقر مراهق غير مأذون له ثم اختلف هو المقر له في بلوغه فالقول قول المقر) الا أن تقوم بينة ببلوغه لان الاصل الصغر ولا يحلف لاننا حمنا بعدم بلوغه الا أن يختلفا بعد ثبوت بلوغه فعليه اليمين أنه حين أقر لم يكن بالغا (مسألة) (ولا يصح اقرار السكران وتتخرج صحته بناء على طلاقه) اما من زال عقله بسبب مباح أو معذور فيه فهو كالمجنون لا يصح اقراره ببغير خلاف وان كان
خلاف وان كان بمعصية كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله عامدا لغير حاجة لم يصح اقراره ويتخرج أن يصح كطلاقه وهو منصوص الشافعي لان أفعاله تجري مجرى الصاحي ولنا أنه غير عاقل فلم يصح اقراره كالمجنون الذي سبب جنونه فعل محرم ولان السكران لا يوثق بصحة ما يقول ولا تنتفي عنه التهمة فيما يخبر به فلم يوجد معنى الاقرار الموجب لقبول قوله.
* (مسألة) * (ولا يصح اقرار المكره الا ان يقر بغير ما أكره عليه مثل ان يكره على الاقرار لانسان فيقر لغيره أو على الاقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها أو على الاقرار بدنانير فيقر بدراهم فيصح) لا يصح اقرار المكره بما أكره على الاقرار به، وهذا مذهب الشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولانه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع فاما ان أقر بغير ما اكره عليه مثل ان يكره على الاقرار لرجل فيقر لغيره أو بنوع من المال فيقر بغيره أو على الاقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق أخرى أو أقر بعتق عبد صح لانه أقر بما لم يكره عليه فصح كما لو أقر به ابتداء
* (مسألة) * (وان أكره على وزن ثمن فباع داره في ذلك صح بيعه) نص عليه احمد لانه لم يكره على البيع، ومن أقر بحق ثم ادعى أنه كان مكرها لم يقبل قوله إلا
ببينة سواء أقر عنه سلطان أو عند غيره لان الاصل عدم الاكراه، الا ان يكون هناك دلالة على الاقرار كالقيد والحبس والتوكل به فيكون القول قوله مع يمينه لان الحال تدل على الاكراه، ولو ادعى أنه كان زائل العقل حال اقراره لم يقبل قوله الا بينة لان الاصل السلامة حتى يعلم غيرها، ولو شهد الشهود باقراره لم تفتقر صحة الشهادة إلى أن يقولوا طوعا في صحة عقله لان الظاهر السلامة وصحة الشهادة وقد ذكرنا اقرار السفيه والمفلس فيما مضى * (مسألة) * (وأما المريض مرض الموت المخوف فيصح اقراره بغير المال) لانه لا تهمة عليه في ذلك وانما تلحقه التهمة في المال (مسألة) (وان أقر بمال لمن لا يرثه صح في أصح الروايتين) لانه غير متهم في حقه وهو قول أكثر اهل العلم قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن اقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز، وحكى أصحابنا رواية أنه لا يقبل لانه إقرار في مرض الموت أشبه الاقرار للوارث وفيه رواية أخرى أنه لا يصح بزيادة على الثلث ذكرها أبو الخطاب لانه ممنوع من عطية الوارث فلم يصح اقراره بما لا يملك عطيته بخلاف الثلث فما دون ولنا أنه اقرار غير متهم فيه فقبل كالاقرار في الصحة يحققه أن حالة المرض أقرب إلى الاحتياط لنفسه وأبرأ لذمته وتحري الصدق فكان أولى بالقبول وفارق الاقرار للوارث فانه متهم فيه
(مسألة) (ولا يحاص المقر له غرماء الصحة) وقال أبو الحسن التميمي والقاضي يحاصهم إذا ثبت عليه دين في الصحة ثم أقر لاجنبي بدين في مرض موته واتسع ماله لهما تساويا وان ضاق عنهما فقيل بينهما سواء، والمذهب أن يقدم الدين الثابت على الدين الذي أقر به في المرض قاله أبو الخطاب قال القاضي وهو قياس المذهب، نص احمد في المفلس
على أنه إذا أقر وعليه دين ببينة يبدأ بالدين الذي بالبينة، وبهذا قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي لانه أقر بعد تعلق الحق بتركته فوجب ان لا يشارك المقر له من ثبت دينه ببينة كغريم المفلس الذي أقر له بعد الحجر عليه، والدليل على تعلق الحق بماله منعه من التبرع والاقرار لوارث ولانه محجور عليه ولهذا لا تنفذ هباته فلم يشارك من أقر له قبل الحجر ومن ثبت دينه ببينة كالذي أقر له المفلس وظاهر كلام الخرقي انهما يتحاصان وهو قول أبي الحسن التميمي وبه قال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وذكر أبو عبيد أنه قول أكثر اهل المدينة فان أقر لهما في المرض جميعا تساويا (مسألة) (وان اقر لوارث لم يقبل الا ببينة) وبهذا قال شريح وأبو هاشم وابن أذينة والنخعي ويحيى الانصاري وأبو حنيفة وأصحابه وروي ذلك عن القاسم وسالم وقال عطاء والحسن واسحاق وأبو ثور يقبل لان من صح الاقرار له في الصحة صح في المرض كالاجنبي وللشافعي قولان كالمذهبين وقال مالك يصح إذا لم يتهم ويبطل إذا اتهم كمن له بنت وابن
عم فاقر لابنته لم يقبل وان أقر لابن عمه قبل لانه لايتهم في انه يزوي ابنته ويوصل المال إلى ابن عمه وعلة منع الاقرار التهمة فاختص المنع بموضعها ولنا أنه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته فلم يصح بغير رضا بقية ورثته كهبته ولانه محجور عليه في حقه فلم يصح الاقرار له كالصبي في حق جميع الناس، وفارق الاجنبي فان هبته تصح وما ذكره مالك لا يصح فان التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فاجيز اعتبارها بمظنتها وهو الارث ولذلك اعتبر في الوصية والتبرع وغيرهما (مسألة) (إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فما دونه فيصح) في قول الجميع لا نعلم فيه مخالفا الا أن الشعبي قال لا يجوز اقراره لها لانه اقرار لوارث ولنا أنه اقرار با تحقق سببه وعلم وجوده ولم تعلم البراءة منه فاشبه مالو كان عليه دين ببينة فأقر بانه لم يوفه وكذلك ان اشترى من وارثه شيئا فاقر له بثمن مثله لان القول قول المقر له في أنه لم يقبض ثمنه وان أقر لامرأته بدين سوى الصداق لم يقبل
(فصل) فان أقر لها ثم أبانها ثم تزوجها ومات من مرضه لم يقبل اقراره لها وقال محمد ابن الحسن يقبل لانها صارت إلى حال لايتهم فيها فأشبه مالو أقر لمريض ثم برئ، ولنا أنه أقر لوارث في مرض الموت
(مسألة) (وان أقر الوارث وأجنبي بطل في حق الوارث وصح في حق الاجنبي) وفيه وجه آخر أنه لا يصح كما لو شهد بشهادة يجر إلى نفسه بعضها بطلت شهادته في الكل كما لو شهد لابنه وأجنبي وقال أبو حنيفة ان أقر لهما بدين من الشركة فاعترف الاجنبي بالشركة صح الاقرار لهما وان جحدها صح له دون الوارث.
ولنا أنه أقر لوارث وأجنبي فيصح للاجنبي دون الوارث كما لو أقر بلفظين أو كما لو جحد الاجنبي الشركة ويفارق الاقرار الشهادة لقوة الاقرار ولذلك لا تعتبر فيه العدالة، ولو أقر بشئ له فيه نفع كالاقرار بنسب وارث موسر قبل، ولو أقر بشئ يتضمن دعوى على غيره قبل فيما عليه دون ماله كما لو قال لامرأته خلعتك على الف بانت باقراره والقول قولها في نفي العوض وكذلك ان قال لعبده اشتريت نفسك مني بألف (مسألة) (وان اقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يصح وان اقر لغير وارث صح وان صار وارثا نص عليه وقال ان الاعتبار بحال الموت فيصح في الاولى ولا يصح في الثانية كالوصية) وجملة ذلك أنه إذا أقر لوارث فصار غير وارث أقر لاخيه ولا ولد له ثم ولد له ابن لم يصح اقراره له، وان أقر لغير وارث ثم صار وارثا صح اقراره له نص عليه أحمد في رواية ابن منصور إذا أقر لامرأة بدين في المرض ثم تزوجها جاز اقراره لانه غير متهم وحكي له قول سفيان في رجل
له ابنان فاقر لاحدهما بدين في مرضه ثم مات الابن وترك ابنا والاب حي ثم مات بعد ذلك جاز قراره فقال أحمد لا يجوز وبهذا قال عثمان البتي، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى في الصورتين مخالفة لما قلنا وهو قول سفيان الثوري والشافعي لانه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فكان الاعتبار فيه
بحالة الموت كالوصية ولنا انه قول يعتبر فيه التهمة فاعتبرت حال وجوده دون غيره كالشهادة ولانه إذا أقر لغير وارث ثبت الاقرار وصح لوجوده من اهله خاليا عن تهمة فثبت الحق به ولم يوجد مسقط له فلا يسقط وإذا اقر لوارث وقع باطلا لاقتران التهمة به فلا يصح بعد ذكل ولانه إذا اقر لوارث فلا يصح كما لو استمر الميراث وان اقر لغير وارث صح واستمر كما لو استمر عدم الارث اما الوضية فانها عطية بعد الموت فاعتبرت فيها حالة الموت يخالف مسئلتنا (مسألة) (وان اقر لامراته بدين ثم ابانها ثم تزوجها لم يصح اقراره لها) إذا مات من مرضه لانه اقرار لوارث في مرض الموت اشبه مالو لم يبنها (مسألة) (وان اقر المريض بوارث صحيح صح وعنه لا يصح) يصح اقرار المريض بوارث في احدى الروايتين والاخرى لا يصح لانه اقر لوارث فأشبه الاقرار له بمال والاول أصح لانه عند الاقرار غير وارث فصح كما لو لم يصر وارثا ويمكن بناء هذه المسألة على ما إذا اقر لغير وارث فصار وارثا فمن صحح الاقرار ثم صححه هاهنا ومن ابطله ابطله
(مسألة) (وان اقر بطلاق امراته في صحته لم يسقط ميراثها) إذا كان الاقرار في مرضه لانه متهم بقصد حرمانها الميراث فلم يبطل كما لو طلقها في مرضه (فصل) ويصح اقرار المريض باحبال الامة لانه ملك ذلك فملك الاقرار به وكذلك كل ما ملكه ملك الاقرار به فإذا أقر بذلك ثم مات فان بين أنه استولدها في ملكه فولده حر الاصل وأمه أم ولد تعتق من رأس المال وان قال من نكاح أو وطئ شبهة عتق الولد ولم تصر الامة أم ولد فان كان من نكاح فعليه الولاء لانه مسه رق وان كان من وطئ شبهة لم تصر الامة أم ولد وان لم يتبين السبب فالامة مملوكة لان الاصل الرق ولم يثبت سبب الحرية ويحتمل ان تصير أم ولد لان الظاهر استيلادها في ملكه من قبل أنها مملوكته والولادة موجودة ولا ولاء على الولد لان الاصل عدمه فلا يثبت الا بدليل.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: