الفقه الحنبلي - القصاص - الديات
(مسألة) (وإن شل ففيه ديته) وبهذا قال الشافعي قالوا يجب الارش في الثانية التي شلت والقصاص في الاولى، وقال
أبو حنيفة لا يجب القصاص فيها
ويجب إرشهما جميعا لان الحكم السراية لا ينفرد عن الجناية بدليل ما لو سرت إلى النفس فإذا لم يجب القصاص في أحداها لم يجب في الاخرى.
ولنا أنها جناية موجبة
للقصاص لو لم تسرفا وجبته إذا سرت كالتي تسري إلى سقوط أخرى وكما قطع يد حبلي فسرى إلى جنينها وبهذا يبطل ما ذكره، وارق الاصل لان السراية مقتضية للقصاص كاقتضاء الفعل له فإستوي حكمهما وههنا بخلافه ولان ما ذكره غير صحيح فإن القطع إذا سرى إلى النفس وجب القصاص في النفس وسقط في القطع فخالف حكم الجناية حكم السراية فسقط ما قاله.
إذا ثبت ذلك فإن الارش يجب في ماله فلا تحمله العاقلة لانه جناية عمد وإنما لم يجب القصاص فيه لعدم المماثلة في القطع فإذا قطع أصبعه فشلت أصابعه الباقية وكفه فعفا عن القصاص وجب له نصف الدية وإن إقتص من الاصبع فله في الاصابع الباقية أربعون من الابل ويتبعها ما حاذاها من الكف وهو أربعة أخماسه فيدخل إرشه فيها ويبقي خمس الكف فيه وجهان (أحدهما) يتبعها في الارش فلا شئ له فيه (والثاني)
فيه الحكومة لان ما يقابل الاربع يتبعها في الارش لاستوائهما في الحكم وحكم التي إقتص منها مخالف لحكم الارش فلم يتبعها (مسألة) (وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شئ على القاطع) وبهذا قال الحسن وإبن سيرين ومالك والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وإبن المنذر وري ذلك عن أبى بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وقال عطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحادث العكلي والشعبي والنخعي والزهري وأبو حنيفة: عليه الضمان قال أبو حنيفة عليه كمال الدية في ماله، وقال غيره هي على عاقلته لانه فوت نفسه ولا يستحق الا طرفه فلزمته ديته كما لو ضرب عنقه
ولانها سراية قطع مضمون فكانت مضمونة كسراية الجناية والدليل على أنه مضمون أنه مضمون بالقطع الاول لانه في مقابلته ولنا أن عمر وعليا رضي الله عنهما قال من مات من حد أو قصاص لا دية له الحق قتله رواه سعيد بمعناه ولانه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع السارق وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس ما فعله مستحقا: إذا ثبت هذا فلا فرق بين سرايته إلى النفس بإن يموت منها أو إلى ما دونها مثل أن يقطع
أصبعا فتسري إلى كفه (مسألة) (ولا يقتص في الطرف إلا بعد برئه) في قول أكثر أهل العلم منهم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء والحسن قال إبن المنذر كل من أحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتى يبرأ ويتخرج لنا أنه يجوز الاقتصاص قبل البرء وبناء على قولنا أنه إذا سرى إلى النفس يفعل به كما لو
فعل وهذا قول الشافعي قال ولو سأل القود ساعة قطعت أصبعه أقدته لما روي جابر أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فقال يا رسول الله أقدني قال " حتى تبرأ " فأني وعجل فإستقاد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فعييت رجل المستقيد وبرأت رجل المستقيد منه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ليس لك شئ إنك عجلت " رواه سعيد مرسلا ولان القصاص في الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال كما لو برأ ولنا ما روي جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد من الحرج حتي يبرأ المجروح رواه الدار قطني عن عمرو بن شعيب عن إبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ولان الجرح لا يدري أقتل هو أو لا فينبغي أن ينتظر ليعلم ما حكمه فقد رواه وفي سياقه فقال يا رسول الله عرجت فقال " قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك " ثم نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه وهذه زيادة يجب قبولها وهي متأخرة
عن الاقتصاص فتكون ناسخة له وفي نفس الحديث ما يدل على أن إستقادته قبل البرء معصية لقوله " قد نهيتك فعصيتني " وما ذكروه ممنوع وهو مبنى الخلاف (مسألة) (فإن فعل ذلك سقط حقه من سرايته فلو سرى إلى نفسه كان هدرا ولو سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا وقال الشافعي هي مضمونة لانها سراية جناية فكانت مضمونة كما لو لم يقتص) ولنا الخبر المذكور ولانه إستعجل ما لم يكن له إستعجاله فبطل حقه كقاتل موروثه.
وبهذا فارق من لم يقتص فعلى هذا لو سرى القطعان جميعا فمات الجاني والمستوفي فهما هدر.
وقال أبو حنيفة يجب ضمان كل واحد
منهما لان سراية كل واحد منهما مضمونة ثم يتقاصان وقال الشافعي إن مات المجني عليه أولا ثم مات الجاني كان قصاصا به لانه مات من سراية القطع فقد مات بفعل المجني عليه وإن مات الجاني فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يكون موت الجاني هدرا ولولي المجني عليه نصف الدية فلما إن
سرى أحد القطعين دون صاحبه فعندنا هو هدر لا ضمان فيه وعند أبي حنيفة يجب ضمان سرايته وعند الشافعي إن سرت الجناية فهي مضمونة وإن سرى الاستيفاء لم يجب ضمانه ومبني ذلك على ما تقدم من الخلاف (فصل) وإن إندمل جرح الجناية فإقتص منه ثم إنتقض فسرى فسرايته مضمونة وسراية الاستيفاء غير مضمونة لانه إقتص بعد جواز القصاص فعلى هذا لو قطع يدي رجل فبرأ فإقتص ثم إنتقض جرح المجني عليه فمات فلوليه الجاني لانه مات من جنايته وقال إبن أبي موسى إذا جرحه فبرأ ثم إنتقض فمات فلا قود فيه ولنا أن الجناية لو سرت إلى النفس قبل الاندمال وجب القصاص فكذلك بعده وإن عفا إلى الدية فلا شئ له لانه إستوفى بالقطع ما قيمته دية وهو يداه وإن سرى الاستيفاء لم يجب أيضا شئ لان القصاص قد سقط بموته والدية لا يمكن إيجابها لما ذكرنا وإن كان المقطوع بالجناية يدا قوليه بالخيار
بين القصاص في النفس وبين العفو إلى نصف الدية ومتى سقط القصاص بموت الجاني أو غيره وجب نصف الدية في تركة الجاني أو ماله إن كان حيا (فصل) ولو قطع كتابي يد مسلم فبرأ وإقتص ثم إنتقض جرح المسلم ومات فلوليه قتل الكتابي والعفو إلى إرش الجرح وفي قدره وجهان: (أحدهما) نصف الدية لانه قد إستوفى بدل يده بالقصاص وبدلها نصف ديته فبقي له نصفها كما لو كان القاطع مسلما (والثاني) له ثلاثة أرباعها لان يد اليهودي تعدل نصف ديته وذلك ربع دية المسلم فقد إستوفى
ربع ديته وبقي له ثلاثة أرباعها وإن كان قطع يدي المسلم فإقتص منه ثم مات المسلم فعفا وليه إلى مال إنبنى على الوجهين وإن قلنا تعتبر قيمة يد اليهودي فله ههنا نصف الدية وإن قلنا الاعتبار بقيمة يد المسلم فلا شئ له ههنا لانه قد إستوفى بدل يديه وهما جميع ديته ولو كان القطع في يديه ورجليه فعفا إلى
الدية لم يكن له شئ وجهان واحدا لان دية لك دية المسلم ولو كان الجاني إمرأة فالحكم على ما ذكرنا سواء لان ديتها نصف دية الرجل (فصل) إذا قطع يد رجل من الكوع ثم قطعها آخر من المرفق فمات بسرايتهما فللولي قتل القاطعين وليس له أن يقطع طرفيهما في أحد الوجهين وفي الآخر له قطع يد القاطع من الكوع فإن قطعها ثم عفا عنه فله نصف الدية، وأما الآخر فإن كانت يده مقطوعة من الكوع قطعها من
المرفق ثم عفا فله دية إلا قدر الحكومة في الذراع ولو كانت يد القاطع من المرفق صحيحة لم يجز قطعها رواية واحدة لانه يأخذ صحيحة بمقطوعة وإن قطع أيديهما وهما صحيحان أو قطع رجلان يديه فقطع أيديهما ثم سرت الجناية فمات من قطعهما فليس لوليهما العفو إلى الدية لانه قد إستوفى ما قيمته دية وإن إختار قتلهما فله ذلك (كتاب الديات) الاصل في وجوب الدية الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) وأما السنة فروى أبو بكر بن محمد إبن عمر بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديات وقال فيه " وفي النفس مائة من الابل " رواه النسائي في سننه ومالك وفي موطئه قال إبن عبد البر وهو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الاسناد
لانه أشبه المتواتر في مجيئه في أحاديث كثيرة تأتي في مواضعها من الباب إن شاء الله تعالى وأجمع أهل
العلم على وجوب الدية في الجملة (مسألة) (كل من أتلف إنسانا أو جزأ منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته وسواء كان مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو مهادنا لما ذكرنا من الآية وفيها (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) وعبر عن الذمة بالميثاق وحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حين كتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتابا إلى أهل اليمن ذكر فيه الديات وأجمع أهل العلم عن ذلك في الجملة (مسألة) (فإن كان القتل عمدا محضا فهي في مال الجاني حالة) أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة، وهذا يقتضيه الاصل وهو إن بدل المتلف يجب على المتلف وإرش الجناية على الجاني قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجني جان إلا على نفسه " وقال لبعض أصحابه حين رأى معه ولده " أبنك هذا؟ - قال نعم قال - أما إنه لا لا يجني عليك ولا تجني عليه " ولان موجب الجناية أثر فعل الجاني فيجب أن يختص بضررها كما يختص بنفعها فإنه لو كسب كان كسبه لغيره وقد ثبت حكم ذلك في سائر الجنايات والاكساب، وإنما خولف هذا الاصل في قتل الحر المعذور فيه لكثرة الواجب وعجز الجاني في الغالب عن تحمله مع
وجوب الكفارة عليه وقيام عذره تخفيفا عنه ورفقا به والعامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ.
إذا ثبت هذا فإنها تجب حالة وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تجب في ثلاث سنين لانها دية آدمي فكانت مؤجلة كدية شبه العمد ولنا أن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كالقصاص وإرش أطراف العبد ولا يشبه شبه العمد لان القاتل معذور لكونه لم يقصد القتل وإنما أفضى إليه من غير إختيار منه فأشبه الخطأ ولهذا تحمله العاقلة ولان القصد التخفيف عن العاقلة الذين لم يصدر منهم جناية وحملوا إداء مال مواساة فلاق بحالهم التخفيف عنهم، وهذا موجود في الخطأ وشبه العمد على السواء، وأما العمد فإنما يحمله الجاني في غير حال العذر فوجب أن يكون ملحقا ببدل سائر المتلفات ويتصور الخلاف معه فيما إذا قتل إبنه أو قتل
أجنبيا وتعذر إستيفاء القصاص لعفو بعضهم أو غير ذلك (مسألة) (وإن كان شبه عمد أو خطأ أو ما جرى مجراه فعلى عاقلته) دية شبه العمد على العاقلة في ظاهر المذهب وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وإبن المنذر، وقال إبن سيرين والزهري وإبن شبرمة وقتادة وأبو ثور: هي على القاتل في ماله وإختاره أبو بكر عبد العزيز لانها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلته كالعمد المحض ولانها
دية مغلظة فأشبهت دية العمد وهكذا يجب أن يكون مذهب مالك لان شبه العمد عنده من باب العمد ولنا ما روى أبو هريرة قال: إقتتلت إمرأتان من هذيل فرمت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه، ولانه نوع قتل لا يوجب قصاصا فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد لانه يغلظ من كل وجه لقصده الفعل وإرادته القتل، وعمد الخطأ يغلظ من وجه وهو قصده الفعل ويخفف من وجه وهو كونه لم يرد القصاص فإقتضى تغليظها من وجه وهو الانسان وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها، ولا نعلم في أنها تجب مؤجلة خلافا بين أهل العلم، وروي ذلك عن عمر وعلي وإبن عباس رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وأبو هاشم وعبيد الله بن عمر ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وإبن المنذر، وقد حكي عن قوم من الخوارج أنهم قالوا الدية حالة لانها بدل متلف ولم ينقل الينا ذلك عمن يعد خلافه خلافا، وتخالف الدية سائر المتلفات لانها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة له فإقتضت الحكمة تخفيفها عليهم، وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ولا مخالف لهما في عصرهما فكان إجماعا، وأما دية الخطأ فلا نعلم خلافا في أنها على العاقلة، قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العم، وقد ثبتت الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى
بدية الخطأ على العاقلة وأجمع أهل العلم على القول به ولان النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية عمد الخطأ على العاقلة بما قد روينا من الحديث وفيه تنبيه على أن العاقلة تحمل دية الخطأ والحكمة في ذلك أن جنايات
الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به فإقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل وللاعانة تخفيفا عنه إذا كان معذورا في فعله (فصل) فأما الكفارة ففي مال القاتل لا يدخلها تحمل وقال أصحاب الشافعي تكون في بيت المال في أحد الوجهين لانها تكثر فإيجابها عليه يجحف به ولنا أنه كفارة فإختصت بمن وجد منه سببها كسائر الكفارات وكما لو كانت صوما ولان الكفارة شرعت للتكفير عن الجاني ولا يكفر عنه بفعل غيره وتفارق الدية فإنها إنما شرعت لجبر المحل وذلك يحصل بها كيفما كان ولان النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى بالدية على العاقلة لم يكفر عن العاقلة، وما ذكروه لا أصل له، ولا يصح قياسه على الدية لوجوه (أحدها) أن الدية لم تجب في بيت المال إنما وجبت على العاقلة ولا يجوز أن يثبت حكم الفرع مخالفا لحكم الاصل (الثاني) أن الدية كثيرة فإيجابها على القاتل بجحف به والكفارة بخلافها (الثالث) أن الدية وجبت مواساة للقاتل وجعل حظ القاتل من الواجب الكفارة فإيجابها على غيره قطع للمواساة ويوجب على الجاني أكثر مما وجب عليه وهذا لا يجوز
(فصل) ولا يلزم القاتل شئ من دية الخطأ وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة هو كواحد من العاقلة لانها وجبت عليهم إعانة له فلا يزيدون عليه فيها ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه وهذا يقتضي أنه قضى عليهم جميعها ولانه قاتل لم تلزمه الدية فلم يلزمه بعضها كما لو أمره الامام بقتل رجل فقتله يعتقد أنه لحق فبان مظلوما، ولان الكفارة تلزم القاتل في ماله وذلك يعدل قسطه من الدية وأكثر منه فلا حاجة إلى إيجاب شئ من الدية عليه (مسألة) (وإن ألقى إنسانا على أفعى أو ألقاها عليه فقتلته أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب فوقع في شئ تلف به بصيرا أو ضريرا، أو حفر بئرا في فنائه أو وضع حجرا أو صب ماء في طريقه أو بالت فيها دابته ويده عليها أو رمى فيها قشر بطيخ فتلف به إنسان وجبت عليه ديته)
يجب الضمان بالسبب كما يجب بالمباشرة فإذا ألقى إنسانا على أفعى أو ألقاها عليه فقتلته فعليه ضمانه لانه تلف بعدوانه فأشبه ما لو جنى عليه (مسألة) (فإن طلب إنسانا بالسيف مشهورا فهرب منه فتلف في هربه ضمنه) سواء سقط من شاهق أو إنخسف به سقف أو خر في بئرا ولقيه سبع فإفترسه أو غرق في ماء أو إحترق بنار وسواء كان المطلوب صغيرا أو كبيرا أعمى أو بصيرا عاقلا أو مجنونا، وقال الشافعي لا يضمن البالغ العاقل
البصير إلا أن ينخسف به سقف فإن فيه وفي الصغير والمجنون والاعمى قولين لانه هلك بفعل نفسه فلم يضمنه الطالب كما لو لم يطلبه ولنا إنه هلك بسبب عدوانه فضمنه كما لو حفر له بئرا أو نصب له سكينا أو سم طعامه ووضعه وما ذكروه يبطل بهذه الاصول، وإن طلبه بشئ يخفيه به كالكلب ونحوه فهو كما لو طلبه بسيف مشهور لانه في معناه.
(فصل) ولو شهر سيفا في وجه إنسان أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله فعليه ديته، فإن صاح بصبي أو مجنون صيحة شديدة فخر من سطح أو نحوه فمات أو ذهب عقله، أو تغفل عاقلا فصاح به فأصابه ذلك فعليه ديته تحملها العاقلة فإن تعمد ذلك فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ ووافق الشافعي في الصبي وله في البالغ قولان، ولنا إنه تسبب إلى إتلافه فضمنه كالصبي (فصل) وإن قدم إنسانا إلى هدف يرميه الناس فأصابه سهم من غير تعمد فضمانه على عاقله الذمي قدمه، لان الرامي كالحافر والذي قدمه كالدافع فكان الضمان على عاقلته وإن عمد الرامي رميه فالضمان عليه لانه باشر وذلك متسبب فأشبه الممسك والقاتل، وإن لم يقدمه أحد فالضمان على الرامي وتحمله عاقلته وإن كان خطأ لانه قتله.
(مسألة) (وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه أو في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه أو وضع في ذلك حجرا أو صب فيه ماء، أو رمى قشر بطيخ فهلك به إنسان ضمنه)
لانه تلف بعدوانه وروي عن شريح أنه ضمن رجلا حفر بئرا فوقع فيها رجل فمات، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق (مسألة) (وإن بالت فيها دابته فزلق به حيوان فمات به فقال أصحابنا على صاحب الدابة الضمان إذا كان راكبا أو قائدا أو سائقا) لانه تلف حصل من جهة دابته التي يده عليها فأشبه ما لو جنت بيدها أو فمها، وقياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك لانه لا يدله على ذلك ولا يمكن التحرز منه فهو كما لو أتلفت برجلها، ويفارق ما إذا تلفت بيدها أو فمها لانه يمكنه حفظهما.
(مسألة) (وإن حفر بئر أو وضع آخر مجرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر فوقع في البئر أو على على السكين فالضمان على واضع الحجر وناصب السكين دون الحافر، لان الحجر كالدافع له وإذا إجتمع الحافر والدافع فالضمان على الدافع وحده) وبهذا قال الشافعي ولو وضع رجل حجرا ثم حفر آخر عنده بئرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر فسقط عليهما فهلك إحتمل أن يكون الحكم كذلك لما ذكرنا وإحتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لان
فعلهما متأخر عن فعله فأشبه ما لو كان زق فيه مائع وهو واقف فحل وكاء إنسان وأماله آخر فسال ما فيه كان الضمان على الآخر منهما، وإن وضع إنسان حجرا أو حديدة في ملكه وحفر فيه بئرا فدخل إنسان بغير إذنه فهلك به فلا ضمان على المالك لانه لم يتعد وإنما الداخل هلك بعد وإن نفسه وإن وضع حجرا في ملكه ونصب أجنبي فيه سكينا أو حفر بئرا بغير إذنه فعثر رجل بالحجر فوقع على السكين أو في البئر فالضمان على الحافر وناصب السكين لتعديهما إذا لم يتعلق الضمان بواضع الحجر لانتفاء عدوانه وإن إشترك جماعة في عدوان تلف به شئ فالضمان عليهم فلو وضع إثنان حجرا وواحد حجرا فعثر بهما إنسان فهلك فالدية على عواقلهم اثلاثا في قياس المذهب وهو قول أبي يوسف لان السبب حصل من الثلاثة اثلاثا فوجب الضمان عليهم سواء، وإن إختلفت أفعالهم كما لو جرحه واحد جرحين وجرحه إثنان جرحين فمات بها، وقال زفر على الاثنين النصف وعلى واضع الحجر وحده النصف لان فعله مساو لفعلهما وإن
حفر إنسان بئرا ونصب آخر فيها سكينا فوقع إنسان في البئر على السكين فمات فقال إبن حامد الضمان على الحافر لانه بمنزلة الدافع:، وهذا قياس المسائل التي قبلها ونص أحمد على إن الضمان عليهما قال أبو بكر لانهما في معنى الممسك والقاتل الحافر كالممسك وناصب السكين كالقاتل فيخرج من هذا إن يجب الضمان على جميع المتسببين في المسائل السابقة (فصل) وإن حفر بئرا في ملك نفسه أو في ملك غيره بإذنه فلا ضمان عليه لانه غير متعد وكذلك
إن حفرها في موات أو وضع حجرا أو نصب شركا أو شبكة أو منجلا ليصيد بها لانه لم يتعد بذلك وإن فعل شيئا من ذلك في طريق ضيق فعليه ضمان ما تلف به لانه متعد وسواء أذن له الامام أو لم يأذن لانه ليس للامام أن يأذن فيما يضر بالمسلمين ولو فعل ذلك الامام لضمن ما يتلف به فإن كان الطريق واسعا فحفر في مكان منها يضر بالمسلمين ضمن وإن حفر في مكان لا يضر بالمسلمين وكان حفرها لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها بإذن الامام أو بغير إذنه وقال أصحاب الشافعي إن حفرها بإذن الامام لم يضمن لان للامام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل إنه يجوز أن يأذن في القعود فيه ويقطعه لمن يبتاع فيه ولنا إنه تلف بحفر حفرة في حق مشترك بغير إذن أهله لغيره مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن الامام ولا نسلم إن للامام أن يأذن في هذا فإنما يأذن في القعود لان ذلك لا يدوم ويمكن إزالته في الحال فأشبه القعود في المسجد ولان القعود جائز من غير إذن الامام فكذلك الحفر (فصل) وإن حفر بئرا في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه ضمن ما تلف به جميعه وهذا قياس مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يضمن ما قابل نصيب شريكه فلو كان شريكان ضمن ثلثي التالف لانه تعدي في نصيب شريكه وقال أبو يوسف عليه نصف الضمان لانه تلف بجهتين فكان الضمان نصفين كما لو جرحه أحدهما جرحا وجرحه الآخر جرحين
ولنا إنه متعد بالحفر فضمن الواقع فيها كما لو كان في ملك غيره والشركة أوجب تعدية لجميع الحفر فكان موجب الجميع الضمان ويبطل ما ذكره أبو يوسف بما لو حفره في طريق مشترك فإن له فيها حقا
ومع ذلك يضمن الجميع والحكم فيما إذا أذن له بعض الشركاء في الحفر دون بعض كالحكم فيما إذا حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره لكونه لا يباح الحفر ولا التصرف حتى يأذن الجميع (فصل) وإن حفر إنسان في ملكه بئرا فوقع فيها إنسان أو دابة فهلك به وكان الداخل دخل بغير إذنه فلا ضمان على الحافر لانه لا عدوان منه وإن دخل بإذنه والبئر ظاهرة مكشوفة والداخل بصير يبصرها فلا ضمان أيضا لان الواقع هو الذي أهلك نفسه فأشبه ما لو قدم إليه سكينا فقتل بها نفسه فإن كان الداخل أعمى أو كانت في ظلمة لا يبصرها الداخل أو غطى رأسها فلم يعلم الداخل حتى وقع فيها ضمنه وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي وحماد ومالك وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي وقالوا في الآخر لا يضمنه لانه هلك بفعل نفسه ولنا أنه تلف بسببه فضمنه كما لو قدم له طعاما مسموما فأكله وبهذا ينتقض ما ذكروه، وإن إختلفا فقال صاحب الدار ما أذنت لك في الدخول وإدعى ولي الهالك أنه أذن له فالقول قول المالك لانه منكر، وإن قال كانت مكشوفة وقال الآخر كانت مغطاة فالقول قول ولي الواقع لان الظاهر معه
فإن الظاهر إنها كانت مكشوفة لم يسقط فيها ويحتمل أن القول قول المالك لان الاصل براءة ذمته فلا تشتغل بالشك.
(مسألة) (وإن غصب صغيرا فنهشة حية أو أصابته صاعقة ففيه الدية وإن مات بمرض فعلى وجهين) لانه تلف في يده العادية (أحدهما) يضمنه كالعبد الصغير، (والثاني) لا يضمنه لانه حر لا نثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير (مسألة) (وإن إصطدم نفسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر) روي هذا عن علي رضي الله ولا يجب القصاص سواء كان إصطدامها عمدا أو خطأ لان الصدمة لا تقتل غالبا فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ ولا فرق بين البصيرين، والاعميين، والبصير والاعمى، فإن كان إمرأتين حاملين فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنبيا فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لانهما إشتركتا في قتله وعلى كل واحدة منهما عتق
ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها وإثنتان لمشاركتها في الجنينين، فإن أسقطت إحداهما دون الاخرى إشتركتا في ضمانه وعلى كل واحدة منهما عتق رقبتين، وإن إصطدم راكب وماش فهو كما لو كانا ماشيين وإن إصطدم راكبان فماتا فهو كما لو كانا ماشيين (مسألة) (وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر)
وجملة ذلك أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانت الدابتان فرسين أو بغلين أو حمارين أو جملين أو كان أحدهما فرسا والآخر غيره مقبلين كانا أو مدبرين، وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وإسحاق، وقال مالك والشافعي على كل واحد منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر لان التلف حصل بفعلهما فكان الضمان منقسما عليهما كما لو جرح إنسان نفسه وجرحه غيره فمات منهما ولنا أن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنما هو قربها إلى محل الجناية فلزم الآخر ضمانها كما لو كانت واقفة بخلاف الجراحة إذا ثبت هذا فإن قيمة الدابتين إن تساوتا تقاصتا وسقطتا وان كانت أحداهما أكثر من الاخرى فلصاحبها الزيادة وإن ماتت إحدى الدابتين فعلى الآخر قيمتها وإن نقصت فعليه نقصها فإن كل أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني فصدمة فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق لانه الصادم والآخر مصدوم (مسألة) (إلا أن يكون أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر ضمان الواقف ودابته) نص أحمد على هذا لان السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه فإن مات هو أو دابته فهو هدر لانه أتلف نفسه ودابته، وإن إنحرف الواقف فصادفت الصدمة إنحرافه فهما كالسائرين لان التلف حصل من فعلهما
(مسألة) (إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا ضمان عليه فيه وعليه ضمان ما تلف به) إذا كان الواقف متعديا بوقوفه مثل أن يقف في طريق ضيق فالضمان عليه دون السائر لان التلف
حصل بتعديه فكان الضمان عليه كما لو وضع حجرا في الطريق أو جلس في طريق ضيق فعثر به إنسان (مسألة) (وإن أركب صبيين لا ولاية له عليهما فإصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما) لانه متعد بذلك وتلفهما بسبب جنايته (مسألة) (وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر إنسانا فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته) لا يخلو ذلك من حالين (أحدهما) أن يكون المقتول واحدا منهم (والثاني) أن يكون من غيرهم فإن كان من غيرهم فالدية على عواقلهم أثلاثا لان العاقلة تحمل الثلث فما زاد وسواء قصدوا رمي واحد بعينه أو قصدوا رمي جماعة أو لم يقصدوا ذلك لانهم إن لم يقصدوا قتل آدمي معصوم فهو خطأ ديته دية الخطأ، وإن قصدوا رمي جماعة أو واحدا بعينه فهو شبه عمد لان قصد الواحد بالمنجنيق لا يكاد يفضي إلى إتلافه فيكون شبه عمد تحمله العاقلة في ثلاث سنين وعلى قول أبي بكر لا تحمل العاقلة شبه العمد فلا تحمله ههنا.
(الحال الثاني) أن يصيب واحدا منهم فعلى كل واحد كفارة ولا تسقط عمن أصابه الحجر لانه شارك في قتل نفس مؤمنة والكفارة إنما تجب لحق الله تعالى فوجبت عليه بالمشاركة في نفسه كوجوبها بالمشاركة في قتل غيره، وأما الدية ففيها ثلاثة أوجه
(أحدهما) إن على عاقلة كل واحد منهم ثلث دية المقتول لورثته لان كل واحد منهم مشارك في قتل نفس مؤمنة خطأ فلزمته ديتها كالاجانب وهذا ينبني على أن جناية المرء على نفسه وأهله خطأ تتحمل عقلها عاقلته (الوجه الثاني) إن ما قابل فعل المقتول ساقط لا يضمنه أحد لانه شارك في إتلاف حقه فلم يضمن ما قابل فعله كما لو شارك في قتل بهيمته أو عبده، وهذا الذي ذكره القاضي في المجرد ولم يذكر غيره وهو مذهب الشافعي (الثالث) أن يلغى فعل المقتول في نفسه وتجب ديته بكمالها على عاقلة الآخرين نصفين.
قال أبو الخطاب هذا قياس المذهب بناء على مسألة المتصادمين قال شيخنا والذي ذكره القاضي أحسن وأصح في النظر، وقد روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه في مسألة القارضة والقابضة والواقصة
قال الشعبي وذلك أن ثلاث جوار إجتمعن فارن فركبت إحداهن على عتق أخرى وقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها فماتت فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن وألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لانها أعانت على قتل نفسها وهذا شبيهة بمسئلتنا ولان المقتول شارك في القتل فلم تكمل الدية على شريكيه كما لو قتلوا واحدا من غيرهم فإن رجع الحجر فقتل إثنين من الرماة فعلى الوجه الاول تجب ديتهما على عواقلتهم أثلاثا وعلى كل واحد منهم كفارتان، وعلى الوجه الثاني يجب على عاقلة الحي منهم لكل ميت ثلث ديته وعلى عاقلة كل واحد
من الميتين ثلث دية صاحبه ويلغى فعل نفسه وعلى الوجه الثالث على عاقلة الحي لكل واحد منهم نصف الدية وتجب على عاقلة كل واحد من الميتين نصف الدية لصاحبه (مسألة) (وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم في الصحيح من الذهب إلا على الوجه الذي إختاره أبو الخطاب فإنهم إذا كانوا أربعة فقتل الحجر أحدهم فإنه يجب على عاقلة كل واحد من الثلاثة الباقين ثلث الدية لانهم يحملونها كلها فأما إن كانوا أكثر من أربعة أو كان المقتول من غيرهم وهم أربعة فإن الدية حالة في أموالهم لان المقتول يلغي فعله في نفسه ويكون هدرا لانه لا يجب عليه لنفسه شئ ويكون باقي الدية في أموال شركائه حالا لان التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله النافية وهذا دون الثلث والعاقلة لا تحمل ما دون الثلث، وذكر أبو بكر فيها رواية أخرى أن العاقلة تحملها لان الجناية فعل واحد أوجب دية تزيد على الثلث والصحيح الاول لان كل واحد منهم يختص بموجب فعله دون فعل شركائه وحمل العاقلة إنما شرع لتخفيف على الجاني فيما يشق ويثقل وما دون الثلث يسير على ما تذكره والذي يلزم كل واحد أقل من الثلث وقوله إنه لعل واحد قلنا بل هي أفعال فإن فعل واحد غير فعل الآخر وإنما موجب الجميع واحد فأشبه ما لو حرمه كل واحد جرحا فماتت النفس بجميعها إذا ثبت هذا فالضمان معلق بمن مد الحبال ورمى الحجر دون من وضعه في الكفة وأمسك الخشب إعتبارا بالمباشر كمن وضع سهما في قوس إنسان ورماه صاحب القوس فالضمان على الرمي دون الواضع
(مسألة) (وإن جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا شئ له وعنه على عاقلته ديته لورثته ودية طرفه لنفسه) أما إذا كانت الجناية عمدا فلا شئ له إجماعا وإن كانت خطأ فكذلك في إحدي الروايتين قياسا على العمد ولما روي أن عامر بن الاكوع يوم خيبر رجع سيفه عليه فقتله ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بدية ولا غيرها ولو كانت واجية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم ولنقل ظاهرا (والرواية الثانية) أن ديته على عاقلته لورثته ودية طرفه لنفسه وهو ظاهر كلام الخرقي ذكره فيما إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فرجع الحجر فقتل أحدهم لما روي أن رجلا ساق حمارا فضربه بعصا كانت معه فطارت منها شظية فأصابت عينه ففقأتها فجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديته على عاقلته وقال هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها إعتداء على أحد لم يعرف له مخالف ولانه قتل خطأ فكانت ديته على عاقلته كما لو قتل غيره والاول أصح في القياس، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لما ذكرنا من حديث عامر بن الاكوع حين رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات ولان وجوب الدية على العاقلة على خلاف الاصل مواساة للجاني وتخفيفا عنه وليس ههنا على الجاني شئ يخفف عنه ولا يقتضي النظر أن تكون جنايته على نفسه على غيره ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية على غيره فإنه لو لم تحمله العاقلة لا * جحف به وجوب الدية لكثرتها وقال القاضي الرواية الثانية
أظهر عنه فعلى هذه الرواية إن كانت العاقلة هي الوارثة لم يجب شئ لانه لا يجب للانسان شئ على نفسه فإن كان بعضهم وإرثا سقط عن الوارث ما يقابل ميراثه فإن كانت جنايته على نفسه شبه عمد فهو كالخطأ في أحد الوجهين وفي الآخر لا تحمله العاقلة بحال (مسألة) (وإن نزل رجل في بئر فخر عليه آخر فمات الاول من سقطه فعلى عاقلته ديته) وجملة ذلك أنه إذا نزل رجل في بئر فسقط عليه آخر فقتله فعليه ضمانه كما لو رمي عليه حجرا ثم ينظر فإن كان عمد رمي نفسه عليه وهو مما يقتل غالبا فعليه القصاص، وإن كان مما لا يقتل غالبا
فهو شبه عمد، وإن وقع خطأ فالدية على عاقلته محققة، وإن مات الثاني بوقوعه على الاول فدمه هدر لانه مات بفعله، وقد روى علي بن رباح اللخمي إن رجلا كان يقود أعمى فوقعا في بئر خر البصير فوقع الاعمى فوق البصير فقتله فقضى عمر بعقل البصير على الاعمى فكان الاعمى بنشد في الموسم يا أيها الناس لقيت منكرا * هل يعقل الاعمى الصحيح المبصرا؟ * خرا معا كلاهما تكسرا وهذا قول إبن الزبير وشريح والنخعي والشافعي وإسحاق قال شيخنا: ولو قال قاتل ليس على الاعمى ضمان البصير لانه الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه وكان سبب وقوعه عليه ولذلك لو فعله قصدا لم يضمنه بغير خلاف وكان عليه ضمان الاعمى إلا أن يكون مجمعا عليه فلا يجوز مخالفة الاجماع، ويحتمل إنه إنما لم يجب الضمان على القائد لوجهين
(أحدهما) أنه مأذون فيه من جهة الاعمى فلم يضمن ما تلف به كما لو حفر له بئرا في داره بإذنه فتلف بها (الثاني) أنه فعل مندوب إليه مأمور به فأشبه ما لو حفر بئرا في سابلة ينتفع بها المسلمون فإنه لا يضمن ما تلف، بها وإن مات الثاني فدمه هدر لانه لا صنع لغيره في هلاكه (مسألة) (وإن وقع عليهما ثالث فمات الثاني به فعلى عاقلة الثالث ديته) لانه تلف من سقطته، وإن مات الاول من سقطتهما فديته على عاقلتهما لانه مات بوقوعهما عليه ودية الثاني على الثالث لانه إنفرد بالوقوع عليه فإنفرد بديته، ودم الثالث هدر لانه لا صنع لغيره في هلاكه هذا إذا كان الوقوع هو الذي قتله، فإن كان البئر عميقا يموت الواقع بمجرد وقوعه لم يجب ضمان على أحد لان كل واحد منهم مات بوقعته لا بفعل غيره، وإن أحتمل الامرين فكذلك لان الاصل عدم الضمان.
(مسألة) (وإن كان الاول جذب الثاني وجذب الثاني الثالث فلا شئ على الثالث) لانه لا فعل له ووجبت ديته على الثاني في أحد الوجهين لانه هو جذبه وباشره بذلك والمباشرة تقطع حكم المتسبب كالحافر مع الدافع (والثاني) ديته على الاول والثاني نصفين لان الاول جذب الثاني الجاذب للثالث فصار مشاركا للثاني في إتلافه، ودية الثاني على عاقلة الاول في أحد الوجهين لانه هلك
بجذبته، وإن هلك بسقوط الثالث عليه فقد هلك بجذبة الاول وجذبة نفسه للثالث فسقط فعل نفسه
كالمصطدمين وتجب ديته بكمالها على الاول ذكره القاضي (والوجه الثاني) يجب على الاول نصف ديته ويهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه وهذا مذهب الشافعي، ويتخرج وجه ثالث وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته كما قلنا فيما إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم، وأما الاول إذا مات بوقوعهما عليه ففيه الاوجه الثلاثة لانه مات من جذبته وجذبة الثاني للثالث فتجب ديته كلها على عاقلة الثاني ويلغى فعل نفسه على الوجه الاول وعلى الثاني يهدر نصف ديته المقابل لفعل نفسه ويجب نصفها على الثاني وعلى الثالث يجب نصفها على عاقلته لورثته (فصل) وإن جذب الثالث رابعا فمات جميعهم بوقوع بعضهم على بعض فلا شئ على الرابع لانه لم يفعل شيئا في نفسه ولا غيره وفي ديته وجهان (أحدهما) أنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه (والثاني) على عاقلة الاول والثاني والثالث لانه مات من جذب الثلاثة فكانت ديته على عواقلهم، وأما الاول فقد مات بجذبته وجذبة الثاني وجذبة الثالث ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه يلغى فعل نفسه وتجب ديته على عاقلة الثاني والثالث نصفين (والثاني) يجب على عاقلتهما ثلثاها ويسقط ما قابل فعل نفسه (والثالث) يجب ثلثها على عاقلته لورثته وأما الجاذب فقد مات بالافعال الثلاثة وفيه هذه الاوجه الثلاثة المذكورة في الاول سواء، وأما الثالث ففيه مثل هذه الاوجه الثلاثة ووجهان آخران
(أحدهما) أن ديته بكمالها على الثاني لانه المباشر لجذبه فسقط فعل غيره بفعله (والثاني) أن على عاقلته نصفها ويسقط النصف الثاني في مقابلة فعله في نفسه (فصل) وإن وقع بعضهم على بعض فماتوا نظرت فإن كان موتهم بغير وقوع بعضهم على بعض مثل أن يكون البئر عميقا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع أو كان فيه ما يغرق الواقع فيقتله أو أسد يأكلهم فليس على بعضهم ضمان بعض لعدم تأثير فعل بعضهم في هلاك بعض، وإن شككنا في ذلك لم يضمن بعضهم بعضا لان الاصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك، وإن كان موتهم بوقوع بعضهم على
بعض فدم الرابع هدر لان غيره لم يفعل فيه شيئا وإنما هلك بفعله وعليه دية الثالث لانه قتله بوقوعه عليه ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين ودية الاول على الثلاثة أثلاثا (مسألة) (وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر وجذب الثاني، ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الاسد فالقياس أن دم الاول هدر وعلى عاقلته دية الثاني وعلى عاقلة الثاني دية الثالث وعلى عاقلة الثالث دية الرابع، وفيه وجه آخر أن دية الثالث على عاقلة الاول والثاني نصفين ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا) الحكم في هذه المسألة أنه لا شئ على الرابع لانه لم يفعل شيئا وديته على عاقلة الثالث في أحد الوجهين وفي الثاني على عواقل الثلاثة أثلاثا ودم الاول هدر وعلى عاقلته دية الثاني، وأما دية الثالث فعلى الثاني
في أحد الوجهين وفي الآخر على الاول والثاني نصفين هذه تسمى مسألة الزبية وقد روى حنش الصنعاني أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للاسد فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانيا وجذب الثاني ثالثا ثم جذب الثالث رابعا فقتلهم الاسد فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال للاول ربع الدية لانه هلك فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية لانه هلك فوق إثنان وللثالث نصف الدية لانه هلك فوقه واحد وللرابع كمال الدية وقال فإنى أجعل الدية على من حضر رأس البئر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هو كما قال رواه سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة وأبو الاحوص عن سماك بن حرب عن أنس بنحو هذا المعنى قال أبو الخطاب فذهب أحمد إلى ذلك توقيفا على خلاف القياس وقد ذكر بعض أهل العلم إن هذا الحديث لا يثبته أهل النقل وإنه ضعيف والقياس ما قلناه فلا ينتقل عنه إلى ما لا يدرى ثبوته ولا معناه (مسألة) (ومن إضطر إلى طعام إنسان أو شرابه وليس به مثل ضروره فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه) وجمله ذلك إن من أخذ طعام أنسان أو شرابه في برية أو مكان لا يقدر فيه على طعام وشراب فهلك بذلك أو هلكت بهيمته فعليه ضمان ما تلف به لانه سبب هلاكه وكذلك إن إضطر إلى طعام وشراب لغيره فطلبه منه فمنعه إياه مع غناه عنه في تلك الحال فمات بذلك ضمنه المطلوب منه لما روي
عن عمر رضي الله عنه إنه قضى بذلك ولانه إذا إضطر فصار أحق به ممن هو في يده وله أخذه قهرا فإذا
منعه إياه تسبب إلى هلاكه بمنعه ما يستحقه فلزمه ضمانه كما لو أخذ طعامه وشرابه فهلك بذلك وظاهر كلام أحمد أن الدية في ماله لانه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبا وقال القاضي يكون على عاقلته لان هذا لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد وإن لم يطلبه منه لم يضمنه لانه لم يمنعه ولم يوجد منه فعل تسبب به إلى هلاكه، وخرج عليه أو الخصاب كل من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك إنه يجب عليه ضمانه قياسا على ما إذا طلب الطعام فمنعه إياه مع غناه عنه حتى هلك ولنا إن هذا لم يهلكه ولم يكن سببا في هلاكه فلا يضمنه كما لو لم يعلم بحاله، وقياس هذا على المسألة التى ذكرها غير صحيح لانه في الاولى منعه منعا كان سببا في هلاكه فيضمنه بفعله الذي تعدى به وههنا لم يفعل شيئا يكون سببا (مسألة) (وإن إفزع إنسانا فأحدث بغائط فعليه ثلث ديته وعنه لا شئ عليه) وجملة ذلك إنه إذا ضرب إنسانا حتى أحدث فإن عثمان رضي الله عنه قضى فيه بثلث الدية قال أحمد لا أعرف شيئا يدفعه وبه قال إسحاق وعنه لا شئ عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لان الدية إنما تجب لاتلاف منفعة أو عضو أو إزالة جمال وليس ههنا شئ من ذلك وهذا هو القياس وإنما ذهب من ذهب إلى إيجاب الثلث لقضية عثمان لانه في مظنة الشهرة ولم ينقل خلافهما فيكون إجماعا ولان قضاء الصحابي فيما يخالف القياس يدل على أنه توقيف وسواء كان الحديث ببول أو غائط أو ريح قاله القاضي وكذلك الحكم فيما إذا أفزعه حتى أحدث والاولى إن شاء الله التفريق بين الريح وغيرها إن كان قضاء عثمان في الغائط والبول لان ذلك أفحش فلا يقاس عليه
(فصل) إذا أكره رجلا على قتل إنسان فقتله فصار الامر إلى الدية فهي عليهما لانهما كالشريكين ولو أكره رجل امرأة على الزنا فحملت وماتت من الولادة ضمنها لانها ماتت بسبب فعله وتحمله العاقلة إلا إن لا يثبت ذلك إلا بإعترافه فتكون الدية عليه لان العاقلة لا تحمل إعترافا ولذلك إن شهد شاهدان
على رجل بقتل عمد فقتل ثم رجعا عن الشهادة لزمهما الضمان كالشريكين في الفعل ويكون الضمان في مالهما لا تحمله العاقلة لانها الاعتراف وهذا ثبت بإعترافهما (فصل) إذا قتل رجلا وإدعى إنه كان عبدا أو القى عليه حائطا وإدعى انه كان ميتا وأنكر وليه فالقول قول الولي مع يمينه وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر القول قول الجاني لان الاصل براءة ذمته وما إدعاه محتمل فلا يزول عن اليقين بالشك ولنا أن الاصل حياة المجني عليه وحريته فيجب الحكم ببقائه كما لو قتل مسلما وإدعى أنه إرتد قبل قتله وبهذا يبطل ما ذكره، وإن قطع عضو أو إدعى شلله أو قلع عينا وإدعى عماها وأنكر المجني عليه فالقول قوله لان الاصل السلامة وهكذ لو قطع ساعدا وادعى إنه لم يكن عليه كف أو ساقا وإدعى إنه لم يكن لها قدم، وقال القاضي ان إتفقا على أنه كان بصيرا فالقول قول المجني عليه وإلا فالقول قول الجاني وهذا مذهب الشافعي لان هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه فإنه لا يخفى على أهله وجيرانه ومعامليه
وصفة أداء الشهادة عليه إنه كان يتبع الشخص بسره يتوقى ما يتوقاه البصير ويتجنب البئر وأشباهه في طريقه ويعدل في العطفات * خف من يطلبه ولنا إن الاصل السلامة فكان القول قول من يدعيها كما لو إختلفا في إسلام المقتول في دار الاسلام وفي حياته، قولهم لا يتعذر إقامة البينة عليه قلنا وكذلك لا يتعذر إقامة البينة على ما يدعيه الجاني فإيجابها عليه أولى من إيجابها على من يشهد له الاصل، ثم البطل بسائر المواضع التى سلموها، فإن قالوا ههنا ما يثبت أن الاصل وجود البصر، قلنا الظاهر يقوم مقام الاصل ولهذا رجحنا قول من يدعى حريته وإسلامه (فصل) ومن إدب ولده إمرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى إلى تلفه لم يضمنه لانه أدب مأذون فيه شرعا فلم يضمن ما تلف به كالحد والتعزير (مسألة) (ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله إذا أرسل السلطان إلى إمرأة ليحضرها فأجهضت جنينا أو ماتت فعلى عاقلته الدية) وجملة ذلك إن السلطان إذا بعث إلى إمرأة ليحضرها فأسقطت جنينا فمات ضمنه لما روي إن
عمر رضي الله عنه بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت يا ويلها ما لها ولعمر فبينا هي في الطريق إذ فزعت فضر بها الطلق فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات فإستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بعضهم إن ليس عليك شئ إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال ما تقول يا أبا
الحسن فقال إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك إن ديته عليك لانك أفزعتها فألقته فقال عمر أقسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك، ولو فزعت المرأة فماتت وجبت ديتها أيضا ووافق الشافعي في ضمان الجنين وقال لا تضمن المرأة لان ذلك ليس بسبب لهلاكه في العادة ولنا إنها نفس هلكت بإرساله إليها فضمنها كجنينها أو نفس هلكت بسببه فعزمها كما لو ضربها فماتت.
قوله إنه ليس بسبب عادة قلنا إذا كانت حاملا فهو سبب للاسقاط والاسقاط سبب للهلاك ثم لا يعتبر في الضمان كونه سببا معتاد فإن الضربة والضربتين بالسوط ليست سببا للهلاك في العادة ومتى أفضت إليه وجب الضمان وإن إستعدى إنسان على المرأة فألقت جنينها أو ماتت فزعا فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالما لها وإن كانت هي الظالمة فأحضرها عند الحاكم فينبغي أن لا يضمنها لانها سبب إحضارها بظلمها فلا يضمنها غيرها ولانه إستوفى حقه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص ولكن يضمن جنينها لانه تلف بفعله فأشبه ما لو إقتص منها (مسألة) (وإن سلم ولده إلى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه ويحتمل إن تضمنه العاقلة) إما إذا سلم ولده الصغير إلى السابح ليعلمه السباحة فغرق فالضمان على عاقلته السابح لانه سلمه إليه
ليحتاط في حفظه فإذا غرق نسب إلى التفريط في حفظه وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يضمنه لانه فعل ما جرت العادة به لمصلحته فلم يضمن ما تلف به كما إذا ضرب العلم الصبي ضربا معتادا فتلف به فأما الكبير إذا غرق فليس على السابح شئ إذا لم يفرط لان الكبير في يد نفسه لا ينسب التفريط في هلاكه إلى غيره
(مسألة) (وإن أمر إنسانا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه) لانه لم يجن ولم يتعد فأشبه ما لو أذن له ولم يأمره إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه؟ على وجهين (أحدهما) لا يضمنه كغيره (والثاني) يضمنه لانه يخاف منه إذا خالفه وهو مأمور بطاعته إلا أن يكون المأمور صغير إلا يميز فيضمنه لانه تسبب إلى إتلافه (مسألة) (وإن وضع جرة على سطحه أو حائطه أو حجرا فرمته الريح على إنسان فقتله أو شئ أتلفه لم يضمنه) لان ذلك بغير فعله ووضعه ذلك كان في ملكه، ويحتمل أن يضمن إذا وضعها متطرفة لانه تسبب إلى إلقائها وتعدى بوضعا فأشبه ما لو بنى حائطا مائلا (مسألة) (وإن أخرج جناحا إلى الطريق أو ميزابا فسقط على إنسان فأتلفه ضمنه) لان إخراج الجناح إلى الطريق غير جائز لانه تصرف في غير ملكه إذا كان الطريق نافذا أو غير نافذ ولم يأذن فيه أصحابه إذا سقط على شئ فأتلفه ضمنه لانه تلف بعدوانه فضمنه كما لو وضع البناء على أرض الطريق وكذلك الحكم في الميزاب وفي ذلك إختلاف وتفصيل ذكرناه في الغصب والله أعلم
باب مقادير ديات النفس دية الحر المسلم مائة من الابل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة ألف مثقال أو إثنا عشر ألف درهم فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزم قبوله وجملة ذلك أنا إذا قلنا إن هذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية من القاتل أو العاقلة شيئا منها لزم الولي أخذه ولم يكن له المطالبة بغيره سواء كان من أهل ذلك النوع أو لم يكن لانها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة وشاتي الجيران في الزكاة مع الدراهم وكذلك الحكم في الحال إذا قلنا انها أصل (فصل) ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن الابل أصول في الدية وأن دية الحر المسلم مائة من الابل وقد دلت عليه الاحاديث الواردة منها حديث عمرو بن حزم وحديث عبد الله بن عمر وفي دية
خطأ العمد وحديث ابن مسعود في دية الخطأ وسنذكرها ان شاء الله تعالى.
قال القاضي لا يختلف المذهب ان أصول الدية الابل والذهب والورق والبقر والغنم فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها، وهذا قول عمر وعطاء وطاوس والفقهاء السبعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلي وأبو يوسف، ومحمد بن عمرو بن حزم روى في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن " وان في النفس
المؤمنة مائة من الابل وعلى أهل الورق الف دينار " رواه النسائي وروى ابن عباس أن رجلا من بني عدي قبل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر الفا، رواه أبو داود وابن ماجة وروى الشعبي أن عمر جعل على أهل الذهب الف دينار، وعن عمرو بن شيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيبا فقال: ألا ان الابل قد غلت قال فقوم على أهل الذهب الف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر الفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفي شاة وعلى أهل الحال مائتي حلة رواه أبو داود (مسألة) (وفي الحلل روايتان) (احداهما) ليست أصلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا ان في قيل عمد الخطأ قيل السوط والعصا مائة من الابل.
(الثانية) أنها أصل لما ذكرنا من قول عمر حين قام خطيبا فجعل على أهل الحلل مائتي حلة رواه أبو داود وهذا كان بمحضر من الصحابة فكان اجماعا وكل حلة بردان (مسألة) (وعن أحمد رحمه الله أن الابل هي الاصل خاصة) وهذا ظاهر كلام الخرقي وذكرها أبو الخطاب عن أحمد وهو قول طاوس والشافعي وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا ان في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط مائة من الابل " ولان النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق هذا في غير الابل ولانه بدل متلف حقا لآدمي فكان متعينا كعوض الاموال وحديث ابن عباس يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الورق بدلا
عن الابل وانما الخلاف في كونها أصلا وحديث عمرو بن شعيب يدل على أن الاصل الابل فإن ايجابه لهذه المذكورات على سبيل التقويم لغلاء الابل ولو كانت أصولا بنفسها لم يكن ايجابها تقويما للابل،
ولا كان لغلاء الابل أثر في ذلك ولا لذكره معنى.
وقد روي أنه كان يقوم الابل قبل أن تغلو ثمانية آلاف درهم ولذلك قيل ان دية الذمي أربعة آلاف وديته نصف الدية فكان ذلك أربعة آلاف حين كانت الدية ثمانية آلاف (فصل) إذا قلنا إن الاصول خمسة فإن قدرها ما ذكرنا في المسألة في أول الباب ولم يختلف القائلون بهذه الاصول في قدرها من الذهب ولا من سائرها إلا الورق فان الثوري وأبا حنيفة قالوا: قدرها من الورق عشرة آلاف، وحكي ذلك عن ابن شبرمة لما روى الشعبي أن عمر جعل على أهل الورق عشرة آلاف ولان الدينار معدول في الشرع بعشرة دراهم بدليل أن نصاب الذهب عشرون مثقالا ونصاب الفضة مائتا درهم وبما ذكرناه قال الحسن وعروة مالك والشافعي في قول وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس لما ذكرنا من حديث ابن عباس وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر ولان الدينار معدول باثني عشر درهما بدليل أن عمر فرض الجزية على الغني أربعة دنانير أو ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط دينارين أو أربعة وعشرين درهما وعلى الفقير دينارين أو اثني عشر درهما وهذا أولى مما ذكروه في نصاب الزكاة لانه لا يلزم أن يكون نصاب أحدهما معدولا بنصاب الآخر
كما أن السائمة من بهيمة الانعام ليس نصاب شئ منها معدولا بنصاب غيره قال ابن عبد البر: ليس في جعل الدية عشرة آلاف عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مرسل ولا مسند وحديث الشعبي عن عمر يخالفه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه جده عنه (مسألة) (وإذا قلنا ان الابل هي الاصل خاصة فعلى من عليه الدية تسليمها إلى مستحقها سليمة من العيوب وأيهما أراد العدول عنها إلى غيرها فللآخر منعه) لان الحق متعين فيها فاستحقت كالمثل في المتلفات المتلفة، وان اعوزت الابل أو لم توجد الا بأكثر من ثمن المثل فله العدول إلى الف دينار أو اثني عشر ألف درهم وهذا قول الشافعي في القديم وقال في الجديد تجب قيمة الابل بالغة ما بلغت لحديث عمرو بن شعيب عن عمر في تقويم الابل ولان ما ضمن بنوع من المال وجبت قيمته عند تعذره كذوات الامثال ولان الابل إذا أجزأت إذا قلت
قيمتها فينبغي أن تجب، وان كثرت قيمتها كالدنانير إذا غلت أو رخصت وهكذا ينبغي أن يقول إذا غلت الابل كلها فأما ان كانت الابل موجودة بثمن مثلها الا أن هذا لم يجدها لكونها في غير ولده فان عمر قوم الدية من الدراهم باثني عشر ألفا ومن الذهب ألف دينار (مسألة) (فان كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس
وعشرون لبون بنت وخمس وعشرون حقه وخمس جذعة وعنه أنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها) اختلفت الرواية عن أحمد في مقدارها فروى جماعة عن أحمد أنها أرباع وكذلك ذكره الخرقي وهو قول الزهري وربيعة ومالك وسليمان بن يسار وأبي حنيفة وروي ذلك عن ابو مسعود رضي الله عنه، وروي جماعة عن أحمد أنها ثلاثون حقه وثلاثون جذعة واربعون خلفة في بطونها أولادها، وبهذا قال عطاء ومحمد بن الحسن والشافعي وروي ذلك عن عمر وزيد وأبي موسى ولغيرة رضي الله عنهم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قتل مؤمنا متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فان شاءوا قتلوا وان شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة " وما صولحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد القتل رواه الترمذي وقال هو حديث حسن غريب وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الابل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " رواه الامام أحمد وأبو داود وعن عمرو بن شعيب ان رجلا يقال له قتادة حذف ابنه بالسيف فقتله فأخذ عمر منه الدية ثلاثين حقه وثلاثين جذعة وأربعين خلفة رواه مالك في الموطأ.
ووجه الاول ما روى الزهري عن السائب بن يزيد قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعا خمسا وعشرين جذعة وخمسا وعشرين حقة وخمسا وعشرين بنت لبون وعشرين مخاض
ولانه حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحمل كالزكاة والاضحية والخلفة الحامل وقول النبي صلى الله عليه وسلم " في بطونها أولادها " تأكيد وهل يعتبر في الخلفات كونها ثنايا؟ على وجهين (أحدهما) لا يعتبر لان
النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الخلفات ولم يقيدها فأي فاقة حملت فهى خلفة تجزئ في الدية واعتبار السن تقييد لا يصار إليه إلا بدليل (والثاني) يشترط لان في بعض الفاظ الحديث " أربعون خلفة ما بين ثنية عامها إلى بازل " ولان سائر أنواع الابل مقدره السن فكذلك الخلفة والذي ذكره القاضي هو الاول والثنية التي لها خمس سنين ودخلت السادسة وقلما تحمل الاثنية ولو أحضرها خلفة سقطت قبل قبضها فعليه بدلها (فصل) فان اختلفا في حملها رجع إلى أهل الخبرة كما يرجع إلى حمل المرأة في القوابل وان تسلمها الولي ثم قال لم تكن حوامل وقد ضمرت أجوافها فقال الجاني بل قد ولدت عندك نظرت فان قبضها بقول أهل الخبرة فالقول قول الجاني لان الظاهر إصابتهم وان قبضها بغير قولهم فالقول قول الولي لان الاصل عدم الحمل.
(مسألة) (وان كان القتل خطأ وجبت اخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جزعة) لا يختلف المذهب ان دية الخطأ أخماس كما ذكرنا وهذا قول ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري والليث وربيعة ومالك والشافعي
هي أخماس إلا انهم جعلوا مكان بني مخاض بني لبون، وهكذا رواه سعيد في سننه عن النخعي عن ابن مسعود قال الخطابي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الذي قتل بخيبر بمائة من أبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض، وروي عن علي والحسن والشعبي والحارث العكلي وإسحاق أنها أرباع كديه العمد سواء وعن زيد أنها ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون بنت مخاض، قال طاوس ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وثلاثون بنت مخاض وعشر بني لبون ذكور لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان من قتل خطأ فديته من الابل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشر بني لبون ذكور، رواه أبو داود وابن ماجه، وقال أبو ثور الديات كلها اخماس كدية الخطأ لانها بدل متلف فلا يختلف بالعمد والخطأ كسائر المتلفات وحكي عنه ان دية العمد مغلظة ودية شبه الخطأ والعمد اخماس لان شبه العمد تحمله العاقلة فكان اخماسا كدية الخطأ
ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بني مخاض وعشرون بنت لبون " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولان ابن لبون يجب على طريق البدل عن ابنة مخاض في الزكاة إذا لم يجدها فلا يجمع بين البدل والمبدل في واجب ولان موجبهما واحد فيصير كانه أوجب أربعين ابنة مخاض، ولان ما قلناه الاقل والزيادة
عليه لا نثبت إلا بتوقيف على من ادعاه الدليل، فاما قتيل خيبر فلا حجة لهم فيه لانهم لم يدعوا القتل إلا عمدا فتكون ديته دية العمد وهي من اسنان الصدقة والخلاف في دية الخطأ، وقول أبي ثور يخالف الآثار المروية التي ذكرناها فلا يعول عليه (مسألة) (ويؤخذ في البقر النصف مسنات والنصف أتبعة وفي الغنم النصف ثنايا والنصف اجذعة إذا كانت الغنم ضأنا) لان دية الابل من الاسنان من المقدرة في الزكاة فكذلك للبقر والغنم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: