الفقه الحنبلي - الديات
(مسألة) (ولا تعتبر القيمة في شئ من ذلك إذا كان سليما من العيوب وقال أبو الخطاب تعتبر ان تكون القيمة لكل بعير مائة وعشرين درهما، وظاهر
هذا أنه يعتبر في الاصول كلها ان تبلغ دية من الاثمان والاول أولى) الصحيح أنه لا تعتبر قيمة الابل بل متى وجدت على الصفة المشروطية وجب أخذها وهو ظاهر كلام الخرقي وسواء قلت قيمتها أو كثرت وهو ظاهر مذهب الشافعي وذكر أصحابنا ان مذهب أحمد ان تؤخذ مائة من الابل قيمة كل بعير منها مائة وعشرون درهما فان لم يقدر على ذلك ادى اثنى عشر الف درهم أو الف دينار لان عمر قوم الابل على أهل الذهب الف مثقال وعلى أهل الورق اثنى عشر الف درهم فدل على ان ذلك قيمتها ولان هذه أبدال محل واحد فيجب ان تتساوى في القيمة كالمثل والقيمة في بدل القرض المتلف في المثليات
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " في النفس المؤمنة مائة من الابل " وهذا مطلق فتقييده يخالف اطلاقه فلم يجب الا بدليل ولانها كانت تؤخذ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقيمتها ثمانية آلاف، وقول عمر في حديثه
ان الابل قد غلت فقومها على أهل الورق اثنى عشر الفا دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك وقد كانت تؤخذ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين فايجاب ذلك فيها خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية الخطأ والعمد فغلظ دية العمد وخفف دية الخطأ وأجمع عليه أهل العلم، واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما وجمع بين ما فرق الشارع وازالة التخفيف والتغليظ جميعا بل هو تغليظ لدية الخطأ لان اعتبار ابنة مخاض بقيمة ثنية أو جذعة يشق جدا فيكون تغليظا لدية الخطأ وتخفيفا لدية العمد وهذا خلاف ما قصده الشارع وورد به، ولان العادة نقص قيمة بنات المخاض عن قيمة الحقاق والجذعات فلو كانت تؤدى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيمة واحدة ويعتبر فيها ذلك النقل ولم يجز الاخلال به لان ما ورد الشرع به مطلقا انما يحمل على العرف والعادة فإذا أريد به ما يخالف العادة وجب بيانه وايضاحه لئلا يكون تلبيسا في الشريعة وإيهامهم ان حكم الله خلاف ما هو حكمه على الحقيقة والنبي صلى الله عليه وسلم بعث للبيان قال الله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) فكيف يحمل قولهم على الالباس والالغاز هذا لا يحل لو حمل الامر على ذلك لكان ذكر الاسنان عبثا غير مفيد فان فائدة ذلك انما هو لكون
اختلاف أسنانها مظنة لا ختلاف القيم فاقيم مقامه ولان الابل الاصل في الدية فلا يعتبر قيمتها بغيرها كالذهب والورق، ولانها أصل في الوجوب فلا تعتبر قيمتها كالابل في السلم وشاة الجيران، وحديث عمرو بن شعيب حجة لنا فان الابل كانت تؤخذ قبل ان تغلو ويقومها عمر وقيمتها أكثر من اثنى عشر الفا وقد قيل ان قيمتها كانت ثمانية آلاف ولذلك قال عمر دية الكتابي اربعة آلاف، وقولهم انها أبدال محل واحد فلنا ان نمنع ونقول البدل انما هو الابل وغير ها معتبر بها وان سلمنا فهو منتقض بالذهب والورق فانه لا يعتبر تساويهما، وينتقض أيضا بشاة الجيران مع الدراهم، وأما بدل القرض والمتلف فانما هو المثل خاصة والقيمة بدل عنه ولذلك لا تجب الا عند المعجز عنه بخلاف مسئلتنا، فان قيل فهذا حجة عليكم لقولكم ان الابل هي الاصل وغيرها بدل عنها فيجب ان يساويهما كالمثل والقيمة، قلنا إذا ثبت لنا هذا ينبغي ان يقوم غيرها بها ولا تقوم هي بغيرها لان البدل يتبع الاصل ولا يتبع الاصل البدل على انا نقول إنما صير إلى التقدير بهذا
لان عمر رضي الله عنه قومها في وقته بذلك فوجب المصير إليه كيلا يؤدي إلى التنازع والاختلاف في قيمة الابل الواجبة كما قدر لبن المصراة بصاع من التمر نفيا للتنازع في قيمته فلا يوجب هذا أن يرد الاصل إلى التقويم فيفضي إلى عكس حكمة الشرع ووقوع التنازع في قيمة الابل مع وجودها بعينها على أن المعتبر في بدلي القرض مساواة المقرض فاعتبر كل واحد من بدليه به والدية غير معتبرة بقيمة المتلف ولهذا لا تعتبر صفاته، وهكذا قول أصحابنا في تقويم البقر والشاء والحلل يجب أن يكون مبلغ الواجب من
كل صنف منها اثني ألفا فتكون قيمة كل بقرة أو حلة ستين درهما وقيمة كل شاة ستة دراهم لتتساوى الابدال كلها.
(مسألة) (ويؤخذ في الحلل المتعارف من ذلك باليمن) وهي مائتا حلة كل بردان فتكون أربعمائة بردة، فان تنازعا جعلت قيمة كل حلة ستين درهما ليبلغ قيمة الجميع اثني الف درهم.
(فصل) ولا يقبل في الابل معيب ولا أعجف ولا يعتبر فيها أن تكون من جنس إبله ولا إبل بلده.
وقال القاضي وأصحاب الشافعي الواجب عليه من جنس إبله سواء كان القاتل أو العاقلة لان وجوبها على سبيل المواساة فيجب كونها من جنس مالهم كالزكاة فإذا كان عند بعض العاقلة عراب وعند بعضهم نجاتي أخذ من كل واحد من جنس ما عنده وان كان عند واحد صنفان ففيه وجهان (أحدهما) يؤخذ من كل صنف بقسطه (والثاني) يؤخذ من الاكثر فان استويا دفع من أيهما شاء فان دفع من غير ابله خيرا من ابله أو مثلها جاز كما لو أخرج في الزكاة خيرا من الواجب، وان ادون لم يقبل الا أن يرضى المستحق، وان لم يكن له ابل فمن غالب ابل البلد فان لم يكن في البلد ابل وجبت من غالب ابل أقرب البلاد إليه فان كانت ابله عجافا أو مراضا كلف تحصيل صحاح من صنف ما عنده لانه بدل متلف فلا يؤخذ فيه معيب كقيمة الثوب المتلف ونحو هذا قال أصحابنا في البقر والغنم
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في النفس المؤمنة مائة من الابل أطلق الابل فمن قيدها احتاج إلى دليل ولانها بدل متلف فلم يختص بجنس ماله كبدل سائر المتلفات، ولانها حق ليس سببه المال فلم يعتبر فيه كونه من
جنس ما * له كالمسلم فيه والقرض ولان المقصود بالدية جبر المفوت والجبر لا يختص بجنس مال من وجب عليه، وفارق الزكاة فانها وجبت على سبيل المواساة ليشارك الفقراء لا غنياء فيما أنعم الله عليهم به فاقتضى كونه من جنس أموالهم وهذا بدل متلف فلا وجه لتخصيصه بماله وقولهم انها مواساة لا يصح وانما وجبت جبرا للفائت كبدل المال المتلف، وانما العاقلة تواسي القاتل فيما وجب بجناية ولهذا لا تجب من جنس أموالهم إذا لم يكونوا ذوي ابل والواجب بجنايته ابل مطلقة فتواسيه في تحملها ولانها لو وجبت من جنس مالهم لوجبت المريضة من المراض والصغيرة من الصغار كالزكاة (فصل) ودية المرأة نصف دية الرجل، إذا كانت المرأة حرة مسلمة فديتها نصف دية الحر المسلم أجمع على ذلك أهل العلم ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وحكى غيرهما عن ابن علية والاصم أنهما قالا ديتها كدية الرجل لقوله عليه الصلاة والسلام " في النفس المؤمنة مائة من الابل " وهذا قول شاذ يخالف اجماع الصحابة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فان في كتاب عمرو بن حزم دية المرأة على النصف من دية الرجل وهو أخص مما ذكروه وهما في كتاب واحد فيكون ما ذكرنا مفسرا لما ذكروه مخصصا له (مسألة) (وتساوي جراح المرأة جراح الرجل إلى ثلث الدية فإذا زادت صارت على النصف)
روي هذا عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة والزهري وقتادة وربيعة ومالك قال ابن عبد البر وهو قول فقهاء المدينة السبعة وجمهور أهل المدينة وحكي عن الشافعي في القديم وقال الحسن يستويان إلى النصف، وروي عن علي رضي الله عنه أنها على النصف فيما قل أو أكثر، وروي ذلك عن ابن سيرين وبه قال الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي في ظاهر مذهبه.
واختاره ابن المنذر لانهما شخصان تختلف ديتهما فاختلف ارش أطرافهما كالمسلم والكافر ولانهما جناية لها ارش فكان من المرأة على النصف من الرجل كاليد، وروي عن ابن مسعود أنه قال تعاقل المرأة الرجل إلى نصف عشر الدية فإذا زاد على ذلك فهي على النصف كأنها تساوية في الموضحة، وروي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " أخرجه النسائي وهو
نص يقدم على ما سواه قال ربيعة قلت لسعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة؟ قال عشر قلت ففي أصبعين قال عشرون قلت ففي ثلاث أصابع؟ قال ثلاثون قلت ففي أربع قال عشرون قال فقلت لما عظمت مصيبتها قل عقلها؟ قال هكذا السنة يا ابن أخي وهذا مقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه سعيد ولانه اجماع الصحابة رضي الله عنهم إذ لم ينقل عنهم خلاف ذلك الا عن علي ولا نعلم ثبوت ذلك عنه ولان ما دون الثلث يستوي فيه الذكر والانثى بدليل الجنين فانه يستوي فيه دية الذكر والانثى، فأما الثلث
نفسه ففيه روايتان (احداهما) يستويان فيه لانه لم يعتبر حد القلة ولهذا صحت الوصية به (والثانية) يختلفان فيه وهو الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام " حتى يبلغ الثلث " وحتى للغاية ويجب ان تكون مخالفة لما قبلها لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية) ولان الثلث في حد الكثرة لقوله عليه الصلاة والسلام " والثلث كثير " ولان العاقلة تحمله فدل على أنه مخالف لما دونه، فأما دية نساء سائر أهل الاديان فقال أصحابنا تساوي دياتهن ديات رجالهم إلى الثلث لعموم قوله عليه الصلاة والسلام " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " ولان الواجب دية امرأة فساوت دية الرجل من أهل ديتها كالمسلمين ويحتمل أن تساوي المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل المسلم لانه القدر الكثير الذي ثبت له النصيف في الاصل وهو دية وهكذا ارش جراحة المسلمين (مسألة) (ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وذلك ثلاثة أرباع دية الذكر لانه يتحمل الذكورية والانوثية) وهذا قول أصحاب الرأي وعند الشافعي الواجب دية أنثى لانها اليقين فلا يجب الزائد بالشك ولنا أنه يحتمل الذكورية والانوثية احتمالا واحدا وقد يئسنا من انكشاف حاله فيجب التوسط بينهما والعمل بكلا الاحتمالين
(فصل) ويفاد به الذكر والانثى لانهما لا يختلفان في القود ويفاد هو بكل واحد منهما فأما جراحه فان كانت دون الثلث استوى الذكر والانثى لان أدنى حاليه أن يكون امرأة وهي تساوي الذكر على
ما بينا وفيما زاد ثلاثة أرباع حر ذكر (فصل) ودية الكتابي نصف دية المسلم إذا كان حرا ونساؤهم على النصف من دياتهم هذا ظاهر المذهب وهو قول عمر بن عبد العزيز وعروة ومالك وعمرو بن شعيب عنه أنها ثلث دية المسلم إلا أنه رجع عنها فروى عنه صالح أنه قال: كنت أقول دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف وأنا اليوم أذهب إلى نصف دية المسلم حديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان الذي يرويه الزهري عن سالم عن أبيه وهذا صريح في الرجوع عنه، وروي عن عمر وعثمان أن ديته أربعة آلاف درهم، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار والشافعي وإسحاق وأبو ثور لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف " وروي أن عمر رضي الله عنه جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال علقمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة: ديته كدية المسلم، وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود ومعاوية رضي الله عنهم، وقال ابن عبد البر هو قول سعيد بن المسيب والزهري
لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال " دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم " ولان الله سبحانه ذكر في كتابه دية المسلم وقال (ودية مسلمة إلى أهله) قال في الذمي مثل ذلك ولم يفرق فدل لى أن ديتهما واحدة ولانه حر ذكر معصوم فتكمل ديته كالمسلم ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دية المعاهد نصف دية المسلم " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل اهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه الامام أحمد وفي لفظ دية المعاهد نصف دية الحر قال الخطابي ليس في دية أهل الكتاب شئ أبين من هذا ولا بأس باسناده وقد قال به أحمد وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى.
فأما حديث عبادة فلم يذكره أصحاب السنن والظاهر أنه ليس بصحيح وحديث عمر انما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف فأوجب فيه نصفها أربعة آلاف ودليل ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يؤمئذ النصف
فهذا بيان وشرح يزيل الاشكال وفيه جمع للاحاديث فيكون دليلا لنا ولو لم يكن كذلك لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدما على قول عمر وغيره بغير اشكال فقد كان عمر رضي الله عنه إذا بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ترك قوله وعمل بها فكيف يسوغ لاحد أن يحتج بقوله في ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما احتج به الآخرون فان الصحيح من حديث عمرو بن شعيب ما رويناه أخرجه الائمة في كتبهم دون ما رووه، وأما ما رووه من قول الصحابة فقد روي عنهم خلافه فيحمل قولهم في ايجاب الدية
كاملة على سبيل التغليظ.
قال أحمد انما غلظ عثمان الدية عليه لانه كان عمدا فلما ترك القود غلظ عليه وكذلك حديث معاوية، ومثل هذا ما روي عن عمر رضي الله عنه حين انتحر رقيق حاطب ناقة لرجل مزني فقال عمر لحاطب: اني أراك تجمعهم لاغرمنك غرما يشق عليك فغرمه مثلي قيمتها.
(مسألة) (وجراحاتهم على النصف من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم قياسا عليهم) قال الاثرم قيل لابي عبد الله جني على مجوسي في عينه وفي يده؟ قال يكون بحساب ديته كما أن المسلم يؤخذ بالحساب فكذلك هذا قيل قطع يده؟ قال بالنصف من ديته (مسألة) (ونساؤهم على النصف من دياتهم) لا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل ولانه لما كان دية نساء المسلمين على النصف من دياتهم كذلك نساء أهل الكتاب قياسا عليهم.
(مسألة) (ودية المجوسي والوثني ثمان مائة درهم) ذهب أكثر أهل العلم في دية المجوسي قال أحمد ما أقل من اختلف في دية المجوسي وممن قال ذلك عمر وعثمان وابن مسعود وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعطاء وعكرمة والحسن ومالك والشافعي وإسحاق ويروى عن عمر بن عبد العزيز انه قال ديته نصف دية المسلم كدية الكتابي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "، وقال النخعي والشعبي وأصحاب الرأي: ديته كدية المسلم لانه آدمي حر معصوم فأشبه المسلم
ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فكان اجماعا وقوله " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " يعني في اخذ جزيتهم وحقن دمائهم بدليل أن ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا ولا يجوز اعتباره بالمسلم ولا بالكتابي لنقصان ديته وأحكامه عنهما فينبغي أن تنقص ديته كنقص المرأة عن دية الرجل وسواء كان المجوسي ذميا أو مستأمنا لانه محقون الدم، ونساؤهم على النصف من دياتهم وجراح كل واحد معتبرة من ديته كالمسلم (مسألة) (فأما عبدة الاوثان وسائر من ليس له كتاب كالترك ومن عبد ما استحسن فلا ذمة لهم وإنما تحقن دماؤهم بالامان) فإذا قتل من له أمان منهم فديته دية مجوسي لانها أقل الديات فلا ينقص عنها ولانه كافر ذو عهد لا تحل منا كحته فأشبه المجوسي (مسألة) (ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه) من لم تبلغه الدعوة من الكفار ان وجد لم يجز قتله حتى يدعى فان قتل الدعوة من غير ان يعطى امانا فلا ضمان فيه لانه لا عهد له ولا ايمان فاشبه امرأة الحربي وابنه الصغير وإنما حرم قله لتبلغه الدعوة وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو الخطاب ان كان ذا دين فديته دية أهل دينه وهو مذهب الشافعي لانه محقون الدم أشبه من له امان والاول أولى فان هذا ينتقض بصبيان أهل الحرب ومجانينهم
ولانه كافر لا عهد له فلم يضمن كالصبيان فاما ان كان له عهد ففيه دية أهل ديته فان لم يعرف ديته ففيه دية المجوسي لانه اليقين والزيادة مشكوك فيها (فصل) ودية العبد والامة قيمتهما بالغة وعنه لا يبلغ بها دية الحر أجمع أهل العلم على ان في العبد الذي لا تبلغ قيمة دية الحر قيمته فان بلغت قيمته دية أو زادت عليهما فذهب أحمد رحمه الله في المشهور عنه إلى ان فيه قيمته بالغة ما بلغت عمدا كان القتل أو خطأ سواء ضمن باليد أو بالجناية وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز واياس بن معاوية والزهري ومكحول ومالك والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي يوسف وقال النخعي والشعبي والثوري وأبو حنيفة ومحمد لا يبلغ به دية الحر وحكاها أبو الخطاب رواية عن أحمد وقال أبو حنيفة ينقص عن دية الحر دينارا وعشرة دراهم القدر الذي
يقطع به السارق هذا إذا ضمن بالجناية وان ضمن باليد مثل ان يعصب عبدا فيموت في يده فان قيمته تجب وان زادت على دية الحر واحتجوا بانه ضمان آدمي فلم يزد على دية الحر كضمان الحر وذلك لان الله تعالى لما أوجب في الحر دية لا نزيد وهو اشرف لخلوه عن نقص الرق كان تنبيها على ان العبد المنقوص لا يزاد عليها فتجعل مالية العبد معيارا للقدر الواجب فيه ما لم يزد على الدية فان زاد علمنا خطأ ذلك فنرده إلى دية الحر كارش ما دون الموضح يجب فيه ما تخرجه الحكومة ما لم يزد على ارش الموضحة فنرده إليها
ولنا انه مال متقوم فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس أو مضمون بقيمته فكانت جميع القيمة مضمونة كما لو ضمنه باليد ويخالف الحر فانه ليس مضمونا بالقيمة وانما ضمن بما قدره الشرع فلم يتجاوزه ولان ضمان الحر ليس بضمان مال ولذلك لم يختلف باختلاف صفاته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة المالية وينقص بنقصانها فاختلفا (فصل) ولا فرق في هذا الحكم بين القن من العبيد والمدبر والمكاتب وأم الولد قال الخطابي أجمع عوام الفقهاء على ان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه الا ابراهيم النخعي فانه قال في المكاتب يودى بقدر ما أدى من كتابة دية الحر وما بقي دية العبد وروي في ذلك شئ عن علي رضي الله عنه وقد روى أبو داود في سننه والامام احمد في مسنده حدثنا محمد بن عبد الله ثنا هشام بن أبي عبد الله قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكاتب يقتل أنه يودى ما أدى من كتابته دية الحر وما بقي دية العبد وقال الخطابي إذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخا أو معارضا بما هو أولى منه (مسألة) (وفي جراحه ان لم يكن مقدرا ما في الحر ما نقصه بعد التئام الجرح كسائر الاموال وان كان مقدرا في الحر فهو مقدر في العبد من قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحة نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر وعنه انه يضمن بما نقص اختاره الخلال وجملة ذلك ان الجناية على العبد يجب ضمانها بما نقص من قيمته لان الواجب انما وجب جبرا لما فات بالجناية ولا تجبر الا بايجاب ما نقص
من القيمة فيجب ذلك كما لو كانت الجناية على غيره من الحيوانات وسائر المال ولا يجب زيادة على ذلك لان حق المجني عليه قد انجبر فلا تجب له زيادة على ما فوته الجاني عليه هذا هو الاصل ولا نعلم فيه خلافا فيما ليس فيه مقدر شرعي فان كان الفائت بالجناية مؤقتا في الحر كيده وموضحته ففيه عن أحمد روايتان (إحداهما) ان فيه أيضا ما نقصه بالغا ما بلغ وذكر أبو الخطاب انه اختيار الخلال وروى الميموني عن أحمد أنه قال أنما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس وروي هذا عن مالك فيما عدا موضحتة ومنقلته وهاشمته وجائفته لان ضمانه ضمان الامور فيجب فيه ما نقص كالبهائم ولان ما ضمن بالقيمة بالغا ما بلغ ضمن نقصه بما نقص كسائر الاموال ولان مقتضي الدليل ضمان الفائت بما نقص خالفناه فيما وقت الحر كما خالفناه في ضمان نفسه بالدية المؤقتة ففي الوقت يبقي فيهما على مقتضي الدليل والرواية الاخرى ان ما كان موقتا في الحر فهو موقت في العبد من قيمته ففي يده أو عينه أو شفته نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وما أوجب الدية في الحر كالانف واللسان واليدين والرجلين والعينين والاذنين اوجب قيمة العبد مع العبد بقاء ملك السيد عليه وروي هذا عن علي رضي الله عنه وروي نحوه عن سعيد بن المسيب وبه قال ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والشافعي والثوري قال أحمد هذا قول سعيد بن المسيب وقال آخرون ما اصيب به العبد فهو على ما نقص من قيمته والظاهر ان هذا لو كان قول علي لما احتج احمد إلا به دون غيره الا ان ابا حنيفة والثوري قالا ما أوجب الدية من الحر
يتخير سيد العبد فيه بين ان يغرمه قيمته ويصير ملكا للجاني وبين ان لا يضمنه شيئا لئلا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل لرجل واحد وروي عن اياس بن معاوية فيمن قطع يد عبد عمدا أو قلع عينه هو له وعليه ثمنه ووجه هذه الرواية قول علي رضي الله عنه ولم يعرف له من الصحابة مخالف ولانه آدمي يضمن بالقصاص والكفارة فكان في أطرافه مقدر كالحر ولان أطرافه فيها مقدر من الحر فكان فيها مقدر من العبد كالشجاج الاربع عند مالك وما وجب في شجاجه مقدر وجب في أطرافه كالحر وعلى أبي حنيفة قول علي وان هذه الاعضاء فيها مقدر فوجب ذلك مع بقاء ملك السيد في العبد كاليد الواحدة وسائر الاعضاء وقولهم انه اجتمع البدل والمبدل لواحد لا يصح لان القيمة ههنا بدل العضو واحدة
والرواية الاولى اقيس وأولى ان شاء الله تعالى ولم يثبت ما روي عن علي وان ثبت فقد روي عن ابن عباس خلافه فلا يبقي حجة والقياس على الحر لا يصح لانهم لم يسووا بينه وبين الحر فيما ليس فيه مقدر شرعي فانهم أوجبوا فيه ما نقصه وان كان في عضو فيه مقدر شرعي فانهم اوجبوا فيه ما نقصه وان كان في عضو فيه مقدر كالجناية على الاصبع من غير قطع إذا نقصت قيمته العشر أو اكثر بخلاف الحر وقد ذكرنا دليل ذلك في صدر المسألة (فصل) والامة مثل العبد فيما ذكرنا وفيه من الخلاف ما فيه الا أنها تشبه بالحرة ولا تفريع على الرواية الاولى فاما على الثانية فان بلغت قيمتها احتمل ان ترد إلى النصف فيكون في ثلاثة أصابع ثلاثة
اعشار قيمتها وفي أربعة اصابع خمسها كما ان المرأة تساوي الرجل في الجراح إلى ثلث ديتها فإذا بلغت الثلث ردت إلى النصف والامة امرأة فيكون أرشها من قيمتها كارش الحرة، ويحتمل ان لا ترد إلى النصف لان ذلك في الحرة على خلاف الاصل لكون الاصل زيادة الارش بزيادة الجناية وان كل ما زاد نقصها وضررها زاد في ضمانها فإذا خولف في الحرة بقينا في الامة على وفق الاصل (مسألة) (ومن نصفه حر ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وكذلك في جراحة) وجملة ذلك ان من نصفه حرا إذا جنى عليه الحر فلا قود عليه لانه ناقص بالرق فاشبه ما لو كان كله رقيقا وان كان قاتله عبدا اقيد منه لانه أكمل من الجاني، وان كان نصف القاتل حرا وجب القود لتساويهما وان كانت الحرية في القاتل أكثر لم يجب القود لعدم المساواة بينهما، وفي ذلك كله إذا لم يكن القاتل عبدا فعليه نصف دية حر ونصف قيمته إذا كان عمدا وان كان خطأ ففي ماله نصف قيمته لان العاقلة لا تحمل العبد والنصف على العاقلة لانها دية حر في الخطأ، وهكذا الحكم في جراحة أذا كان قدر الدية من ارشها يبلغ ثلث الدية مثل ان يقطع أنفه أو يديه وان قطع احدى يديه فالجميع على الجاني لان نصف دية اليد ربع ديته فلا تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث (مسألة) (وإذا قطع خصيتي عبد أو أنفه أو اذنية لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملك السيد عنه وان قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر وقيمته مقطوع الذكر وملك سيده باق عليه)
وفي ذلك اختلاف ذكرناه وعلى الرواية الاخرى يلزمه ما نقص من قيمته ودليلهما ما سبق (فصل) (ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتا غرة عبدا أو امة قيمتها خمس من الابل مورثة عنه كأنه سقط حيا ذكرا أو انثى، وهو نصف عشر الدية) يقال غرة عبد بالصفة وغرة عبد بالاضافة والصفة أحسن لان الغرة اسم للعبد نفسه قال مهلهل كل قتيل في كليب غرة * حتى ينال القتل آل مره وجملة ذلك ان في جنين المسلمة غرة هذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر رضي الله عنه وعطاء والشعبي والنخعي والزهري ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقد روي ان عمر استشار الناس في املاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال لتأتين بمن يشهد معك فشهد له محمد بن مسلمة، وعن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت احداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان دية جنينها عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم متفق عليه، والغرة عبد أو امة سميا بذلك لانهن أنفس الاموال، والاصل في الغرة الخيار، فان قيل فقد روي في هذا الخبر " أو فرس أو بغل " قلنا هذا لم يثبت رواه عيسى بن يونس ووهم فيه قاله أهل النقل والحديث الصحيح انما فيه عبد أو امة
(فصل) وانما تجب الغرة إذا سقط من الضربة، ويعلم ذلك بان يسقط عقيب الضرب أو تبقى منها متألمة إلى ان يسقط، ولو قتل حاملا ولم يسقط جنينها أو ضرب من في جوفها حركة أو انتفاخ فسكن الحركة واذهبها لم يضمن الجنين وبهذا قال مالك وقتادة والاوزاعي والشافعي وابن المنذر وحكي عن الزهري ان عليه غرة لان الظاهر أنه قتل الجنين فوجبت الغرة كما لو اسقطت ولنا انه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه ولذلك لا يصح له وصية ولا ميراث ولان الحركة يجوز ان تكون لريح في البطن سكنت فلا يجب الضمان بالشك، واما إذا القته ميتا فقد تحقق والظاهر تلفه من الضربة فيجب ضمانه سواء القتة في حياتها أو بعد موتها وبهذا قال الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة ان
القته بعد موتها لم يضمنه لانه يجري مجرى اعضائها وبموتها سقط حكم اعضائها ولنا أنه جنين تلف بجنايته وعلم ذلك بخروجه كما لو سقط في حياتها ولانه لو سقط حيا ضمنه فكذلك إذا سقط ميتا كما لو أسقطته في حياتها، وما ذكروه غير صحيح لانه لو كان كذلك لكان إذا سقط ميتا ثم ماتت لم يضمنه كامضائها ولانه آدمي موروث فلا يدخل في ضمان أمه كما لو خرج حيا، فان ظهر بعضه من بطن أمه ولم يخرج باقية ففيه الغرة وبه قال الشافعي، وقال مالك وابن المنذر لا تجب
حتى تلقيه لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوجب الغرة في الجنين الذي ألقته المرأة وهذه لم تلق شيئا فأشبه ما لم يظهر منه شئ.
ولنا أنه قاتل لجنينها فلزمته الغرة كما لو ظهر جميعه، ويفارق ما لو لم يظهر منه شئ فانه لم يتيقن قتله ولا وجوده وكذلك إن ألقت يدا أو رجلا أو رأسا أو جزءا من أجزاء الآدمي تجب الغرة لانا تيقنا أنه من جنين، وإن ألقت رأسين أو أربع أيد لم يجب أكثر من غرة لان ذلك يجوز أن يكون من جنين واحد ويجوز ان يكون من جنينين فلم تجب الزيادة مع الشك لان الاصل براءة الذمة ولذلك لم يجب ضمانه إذا لم يظهر، فان أسقطت ما ليس فيه صورة آدمي فلا شئ فيه لانه لا يعلم أنه جنين، وإن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ففيه وجهان (أصحهما) لا شئ فيه لانه لم يتصور فلم يجب فيه شئ كالعلقة ولان الاصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك (والثاني) فيه غرة لانه مبتدأ خلق آدمي أشبه ما لو تصور وهذا يبطل بالمضغة والعلقة (فصل) والغرة عبد أو أمة وهو قول أكثر أهل العلم وقال عروة وطاوس ومجاهد عبد أو أمة أو فرس لان الغرة اسم لذلك وقد جاء في حديث أبى هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة أو أمة أو فرس أو بغل، وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة ونحوه قال الشعبي لانه روي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل في ولدها مائة شاة رواه أبو داود، وروي عن عبد الملك
ابن مروان أنه قضى في الجنين إذا أملص بعشرين دينارا فإذا كان مضغة فأربعين فإذا كان عظما
فستين فإذا كان العظم قد كسي لحما فثمانين فان تم خلفه وكسي شعره فمائة دينار، وقال قتادة إذا كان علقة فثلث غرة وإذا كان مضغة فثلثي غرة ولنا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في املاص المرأة بعبد أو أمة وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضية على ما خالفها، وذكر الفرس والبغل وهم انفرد به عيسى بن يونس عن سائر الرواة وهو متروك في البغل بغير خلاف فكذلك في الفرس والحديث الذي ذكرناه أصح ما روي فيه وهو متفق عليه وقد قاله به أكثر أهل العلم فلا يلتفت إلى ما خالفه وقول عبد الملك بن مروان تحكم بتقدير لم يرد به الشرع وكذلك قتادة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع من قولهما إذا ثبت هذا فانه يلزمه الغرة فان أراد دفع بدلها ورضي المدفوع إليه جاز لانه حق آدمي فجاز ما تراضيا عليه وأيهما امتنع من قبول البدل فله ذلك لان الحق لهما فلا يقبل بدلها الا برضاهما (فصل) وقيمة الغرة خمس من الابل وذلك نصف عشر الدية روي ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما، وبه قال النخعي والشعبي وربيعة ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ولان ذلك أقل ما قدره الشرع في الجنايات وهو ارش موضحة ودية السن فرددناه إليه، فان قيل فقد وجب في
الانملة ثلاثة أبعرة وثلث ذلك دون ما ذكروه قلنا الذي نص عليه صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم ارش الموضحة وهو خمس من الابل، وإذا كان أبوا الجنين كتابيين ففيه غرة قيمتها نصف قيمة الغرة الواجبة في المسلم، وفي جنين المجوسية غرة قيمتها أربعون درهما فاما تعذر وجود غرة بهذه الدراهم وجبت الدراهم لانه موضع حاجة وإذا اتفق نصف عشر الدية من الاصول كلها بان تكون قيمتها خمسا من الابل وخمسين دينارا أو ستمائة درهم فلا كلام، وان اختلفت قيمة الابل ونصف عشر الدية من غيرها مثل ان كانت قيمة الابل أربعين دينارا أو أربعمائة درهم فظاهر كلام الخرقي أنها تقوم بالابل لانها الاصل، وعلى قول غيره من أصحابنا تقوم بالذهب أو الورق فتجعل قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم فان اختلفا قومت على أهل الذهب به وعلى أهل الورق به، فان كان من أهل الذهب والورق جميعا قوما من هي عليه بما شاء منهما لان الخيرة إلى الجاني في دفع ما شاء من سائر الاصول
ويحتمل أن تقوم بأدعاهما على كل حال لذلك وإذا لم يجد الغرة أنتقل إلى خمس من الابل على قول الخرقي وعلى قول غيره ينتقل إلى خمسين دينارا أو ستمائة درهم (فصل) والغرة موروثة عنه كأنه سقط حيا لانها دية له وبدله عنه فيرثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي، وقال الليث: لا تورث بل يكون بدله لامه كعضو من أعضائها فأشبه يدها.
ولنا أنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حيا ثم مات وقوله انه كعضو
من أعضائها لا يصح لانه لو كان عضو لدخل بدله في دية أمه كيدها ولما منع من القصاص من أمه وإقامة الحد عليها من أجله ولما وجبت الكفارة من أجله بقتله ولما صح عتقه دونها ولا عتقها دونه، ولان كل نفس تضمن بالدية تورث كدية الحي، فعلى هذا إذا أسقطت جنينا ميتا ثم ماتت فانها ترث نصيبها من الغرة ثم يرثها ورثتها، وان اسقطته حيا ثم مات قبلها ثم ماتت فانها ترث نصيبها من ديته ثم يرثها ورثتها، وإن ماتت قبله ثم ألقته ميتا لم يرث أحدهما صاحبه، وإن خرج حيا ثم ماتت قبله ثم مات، أو ماتت ثم خرج حيا ثم مات ورثها ثم يرثه ورثته، وإن اختلف ورائهما في أولهما موتا فحكمهما حكم الغرقى على ما ذكر في موضعه، ويجئ على قول الخرقي في المسألة التي ذكرها إذا ماتت امرأة وابنها أن يحلف ورثة كل واحد منهما ويختصوا بميراثه، وإن ألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات ثم ألقت آخر حيا ففي الميت غرة وفي الحي الاول دية إذا كان سقوطه لوقت يعيش مثله ويرثهما الآخر يرثه ورثته ان مات، وإن كانت الام قد ماتت بعد الاول وقبل الثاني فان دية الاول ترث منها الام والجنين الثاني ثم إذا ماتت الام ورثها الثاني ثم يصير ميراثه لورثته فان ماتت الام بعدهما ورثتهما جميعا (فصل) إذا ضرب بطن امرأة فألقت أجنة ففي كل واحد غرة وبهذا قال الزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر قال لا أحفظ عن غيرهم خلافهم وذلك لانه ضمان آدمي فتعدد بتعدده كالديات
وإن ألقتهم أحياء لوقت يعيشون في مثله ثم ماتوا ففي كل واحد منهم دية كاملة، وإن كان بعضهم حيا فمات وبعضهم ميتا ففي الحي دية وفي الميت غرة (فصل) ويستوي في ذلك الذكر والانثى في أنه يجب في كل واحد غرة لان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة وهو يطلق على الذكر والانثى ولان المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث (مسألة) (ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب ولا من له دون سبع سنين) وجملة ذلك أن الغرة تجب سليمة من العيوب وان قل العيب لانه حيوان يجب بالشرع فم يقبل فيه المعيب كالشاة في الزكاة ولان الغرة الخيار والمعيب ليس من الخيار، ولا يقبل فيها هرمة ولا معيبة ولا خنثى ولا خصي وإن كثرت قيمته لان ذلك عيب، ولا من له دون سبع سنين قاله القاضي وأبو الخطاب وأصحاب الشافعي لانه محتاج إلى من يكفله ويحضنه وليس من الخيار، وظاهر كلام الخرقي أن سنها غير مقدر وهو قول أبي حنيفة وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه لا يقبل فيها غلام بلغ خمس عشرة سنة لانه لا يدخل على النساء ولا ابنة عشرين لانها تتغير وهذا تحكم لم يرد الشرع به فيجب أن لا يقيل وما ذكروه من الحاجة إلى الكفاية باصل بمن له فوق السبع ولان بلوغة قيمة الكبير مع صغره يدل على أنه خيار ولم يشهد لما ذكروه نص ولا له أصل يقاس عليه والشاب البالغ أكمل من الصبي عقلا وبنية وأقدر على التصرف وأنفع في الخدمة واقضى للحاجة، وكونه لا يدخل على النساء ان أريد به النساء الاجنبيات فلا حاجة إلى
دخوله عليهن، وإن أريد به سيدته فليس بصحيح فان الله تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) إلى قوله (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) ثم لو لم يدخل على النساء لحصل من منعه أضعاف ما يحصل من دخوله وفوات شئ إلى ما هو أنفع منه لا يعد فواتا كمن اشترى بدرهم ما يساوي درهمين لا يعد فواتا ولا خسرانا (فصل) ولا يعتبر لون الغرة، وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أن الغرة لا تكون إلا بيضاء ولا يقبل عبد أسود ولا جارية سوداء ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعبد أو أمة وأطلق والسواد غالب على عبيدهم وامائهم ولانه حيوان
تجب ديته فلم يعتبر لونه كالابل في الدية (مسألة) (وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة امه ذكرا كان أو أنثى) وجملته أنه إذا كان جنين الامة مملوكا فسقط من الضربة ميتا ففيه عشر قيمة أمه هذا قول الحسن وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وبنحوه قال النخعي والزهري.
وقال زيد بن أسلم يجب فيه عشر قيمة غرة وهو خمسة دنانير، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا أو عشر قيمته إن كان أنثى لان الغرة الواجبة في جنين الحرة هي نصف عشر دية الرجل
وعشر دية الانثى وهذا متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه ولانه جنين مضمون تلف بالضربة فكان فيه نصف الواجب إذا كان ذكرا كبيرا أو عشر الواجب إذا كان أنثى كجنين الحرة، وقال محمد بن الحسن: مذهب أهل المدينة يفضي إلى أن يجب في الجنين الميت أكثر من قيمته إذا كان حيا ولنا أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بالذكورية والانوثية كجنين الحرة، ودليلهم نقلبه عليهم فنقول جنين مضمون تلف بالجناية فكان الواجب فيه عشر ما يجب في أمة كجنين الحرة، وما ذكروه من مخالفة الاصل معارض بأن مذهبهم يفضي إلى تفضيل الانثى على الذكر وهو خلاف الاصول ولانه لو اعتبر بنفسه لوجبت قيمته كلها كسائر المضمونات بالقيمة ومخالفتهم أشد من مخالفتنا لاننا اعتبرناه إذا كان ميتا بأمه وإذا كان حيا بنفسه فجاز أن تزيد قيمة الميت على الحي مع اختلاف الجهتين كما جاز أن يزيد البعض على الكل في أن من قطع أطراف انسان الاربعة كان الواجب عليه أكثر من دية النفس كلها وهم فضلوا الانثي على الذكر مع اتحاد الجهة وأوجبوا فيما يضمن بالقيمة عشر قيمة امه تارة ونصف عشر أخرى وهذا لا نظير له إذا ثبت هذا فان قيمة أمه معتبرة يوم الجناية عليها وهذا منصوص الشافعي، وقال بعض أصحابه حين أسقطت لان الاعتبار في ضمان الجناية بالاستقرار ويتخرج لنا وجه مثل ذلك ولنا أنه لم يتخلل بين الجناية وحال الاستقرار ما يوجب تغيير بدل النفس فكان الاعتبار بحال
الجناية كما لو جرح عبدا ثم نقصت السوق لكثرة الجلب ثم مات فان الاعتبار بقيمته يوم الجناية ولان قيمتها تتغير بالجناية وتنقص فلم تقوم في حال نقصها الحاصل بالجناية كما لو قطع يدها فمات من سرايتها أو قطع يدها فمرضت بذلك ثم اندملت جراحتها (فصل) وولد المدبرة والمكاتبة والمعتقة بصفة وام الولد إذا حملت من غير مولاها حكمه حكم ولد الامة لانه مملوك فأما جنين المعتق بعضها فهو مثلها فيه من الحرية مثل ما فيها وإذا كان نصفها حرا فتصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة امه لسيده (فصل) وان وطئ امه بشبهة أو غر بامة فتزوجها واحبلها فضربها ضارب فألقت جنينا فهو حر وفيه غرة موروثة عنه لورثته وعلى الوطئ عشر قيمتها لسيدها لانه لولا اعتقاد الحرية لكان هذا الجنين مملوكا لسيده على ضاربه عشر قيمة امه فلما انعتق بسبب الوطئ فقد حال بين سيدها وبين هذا القدر فالزمناه ذلك للسيد سواء كان بقدر الغرة أو أكثر منها أو أقل (فصل) إذا أسقط جنين ذمية قد وطئها مسلم وذمي في طهر واحد وجب فيه اليقين وهو ما في الجنين الذمي فان الحق بعد ذلك بالذمي فقد وفى ما عليه وان الحق بمسلم فعليه تمام الغرة وان ضرب بطن نصرانية فاسقطت فادعت أو ادعى ورثته انه من مسلم حملت به من وطئ شبهة أو زنا فاعترف الجاني فعليه غرة كاملة وان كان مما تحمله العاقلة فاعترفت أيضا فالغرة عليها وان أنكرت حلفت وعليها ما في جنين
الذميين والباقي على الجاني لانه ثبت باعترافه والعاقلة لا تحمل اعترافا وان اعترفت العاقلة دون الجاني فالغرة عليها مع دية أمه وان أنكر الجاني والعاقلة فالقول قولهم مع ايمانهم انا لا نعلم ان هذا الجنين من مسلم ولا يلزمهما اليمين مع البت لانها يمين على النفي في فعل الغير فإذا اختلفوا وجبت دية ذمي لان الاصل ان ولدها تابع لها ولان الاصل براءة الذمة وان كان مما لا تحمله العاقلة فالقول قول الجاني وحده مع يمينه ولو كانت النصرانية امرأة مسلم فادعى الجاني ان الجنين من ذمي بوطئ شبهة أو زنا فالقول قول ورثة الجنين لان الجنين محكوم باسلامه فان الولد للفراش (فصل) إذا كانت الامة بين شريكين فحملت بمملوك فضربها أحدهما فأسقطت فعليه كفارة لانه
اتلف آدميا ويضمن لشريكه نصف عشر قيمة امه ويسقط ضمان نصيبه لانه ملكه وان اعتقها الضارب بعد ضربها وكان معسرا ثم اسقطت عتق نصيبه منه ومن ولدها وعليه لشريكه نصف عشر قيمة الام وعليه نصف غرة من أجل النصف الذي صار حرا يورث عنه بمنزلة مال الجنين ترث امه منه بقدر ما فيها من الحرية والباقي لورثته هذا قول القاضي وقياس قول ابن حامد وهو مذهب الشافعي وقياس قول أبي بكر وأبي الخطاب لا يجب على الضارب ضمان ما أعتقه لانه حين الجناية لم يكن مضمونا عليه والاعتبار في الضمان بحال الجناية وهي الضرب ولهذا اعتبرنا قيمة الام حال الضرب وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وهو الصحيح ان شاء الله تعالى لان الاتلاف حصل بفعل غير مضمون فأشبه ما لو جرح
حربيا فأسلم ثم مات بالسراية ولان موته يحتمل ان يكون قد حصل بالضرب فلا يتجدد ضمانه بعد موته والاصل براءة ذمته وان كان المعتق موسرا سرى العتق إليها وإلى جنينها وفي الضمان الوجهان فعلى قول القاضي في الجنين غرة.
موروثة عنه وعلى قياس قول أبي بكر عليه ضمان نصيب شريكه من الجنين بنصف عشر قيمة امه ولا يضمن امه لانه قد ضمنها باعتاقها فلا يضمنها بتلفها وان كان المعتق الشريك الذي لم يضرب وكان معسرا فلا ضمان على الشريك في نصيبه لان العتق لم يسر إليه وعليه في نصيب شريكه من الجنين نصف غرة يرثها ورثته على قول القاضي وعلى قياس قول أبي بكر يضمن نصيب شريكه بنصف عشر قمية امه ويكون لسيده اعتبارا بحال الجناية وكذلك الحكم في ضمان الام إذا ماتت من الضربة وان كان المعتق موسرا سرى العتق اليهما وصارا حرين وعلى المعتق ضمان نصف الام ولا يضمن نصف الجنين لانه يدخل في ضمان الام كما يدخل في بيعها وعلى الضارب ضمان الجنين بغرة موروثة عنه على قول القاضي وعلى قياس قول أبي بكر يضمن نصيب الشريك بنصف عشر قيمة امه وليس عليه ضمان نصيبه لانه ملكه حال الجناية عليه وأما ضمان الام ففي احد الوجهين فيها دية حرة لسيدها منها أقل الامرين من ديتها أو قيمتها وعلى الآخر يضمنها بقيمتها لسيدها كما تقدم من قطع يد عبد ثم عتق ومات (فصل) ولو ضرب بطن امته ثم اعتقها ثم اسقطت جنينا ميتا لم يضمنه في قياس قول أبي بكر لان
جنايته لم تكن مضمونة في ابتدائها فلم تضمن سرايتها كما لو جرح مرتدا فاسلم ثم مات ولان موت الجنين يحتمل انه حصل بالضربة في مملوكة ولم يتجدد بعد العتق ما يوجب الضمان وعلى قول ابن حامد عليه غرة لا يرث منها شيئا لان اعتبار الجناية بحال استقرارها، ولو كانت الامة لشريكين فضرباها ثم أعتقاها معا فولدت جنينا ميتا فعلى قول أبي بكر على كل واحد منهما نصف عشر قيمة امه لشريكه لان كلا منهما جنى عليه الجنين ونصفه لشريكه فسقط عنه ضمانه ولزمه ضمان نصفه الذي لشريكه بنصف عشر قيمة امه اعتبارا بحال الجناية وعلى قول ابن حامد على كل واحد منهما نصف الغرة للام منها الثلث وباقيها للورثة ولا يرث القاتل منها شيئا (مسألة) (وان ضرب بطن امه فعتقت ثم اسقطت الجنين ففيه غرة) على قول ابن حامد والقاضي لانه كان حرا اعتبارا بحال الاستقرار وعلى قول أبي بكر وابي الخطاب فيه عشر قيمة امه اعتبارا بحال الجناية لانها كانت في حال كونه عبدا ويمكن منع كونه صار حرا لان الظاهر تلفه بالجناية وبعد تلفه لا يمكن تحريره فعلى قول هذين يكون الواجب فيه لسيده وعلى قول ابن حامد يكون الواجب فيه أقل الامرين من الغرة وعشر قيمة امه لان الغرة ان كانت أكثر لم يستحق الزيادة لانها زادت بالحرية الحاصلة لزوال ملكه وان كانت أقل لم يكن له أكثر منها لان النقص حصل باعافه فلا يضمن له كما لو قلع يد عبد فاعتقه سيده ثم مات بسراية الجناية كان له
أقل الامرين من دية حر أو نصف قيمته وما فضل عن حق السيد لورثة الجنين فاما ان ضرب بطن الامة فاعتق السيد جنينها وحده نظرت فان اسقطته حيا لوقت يعيش مثله ففيه دية حر نص عليه احمد وان كان لوقت لا يعيش مثله ففيه غرة لانه حر على قول ابن حامد وعلى قول أبي بكر عليه عشر قيمة امه وان اسقطته ميتا ففيه عشر قيمة امه لاننا لا نعلم كونه حيا حال اعتاقه ويحتمل ان تجب عليه الغرة لان الاصل بقاء حياته ما لو اعتق امه (فصل) إذا ضرب ابن المعتقة الذي أبوه عبد بطن امرأة ثم عتق أبوه ثم اسقطت جنينا وماتت
احتمل ان تكون ديتهما في مال الجاني على ما تقدم ذكره واحتمل ان تكون الدية على مولى الام وعصباته في قياس قول أبي بكر اعتبارا بحال الجناية وعلى قياس ابن حامد على مولى الاب واقاربه اعتبارا بحال الاسقاط وان ضرب ذمي بطن امرأته الذمية ثم اسلم ثم اسقطت لم تحمله عاقلته وان ماتت معه فكذلك لان عاقلته المسلمين لا يعقلون عنه لانه كان حين الجناية ذميا وأهل الذمة لا يعقلون عنه لانه حين الاسقاط مسلم ويحتمل ان يكون عقله على عاقلته من أهل الذمة في قياس قول أبي بكر اعتبارا بحال الجناية ويكون في الجنين ما يجب في الجنين الكافر لانه حين الجناية محكوم بكفره وعلى قياس قول ابن حامد يجب فيه غرة كاملة ويكون عقله وعقل امه على عاقلته المسلمين اعتبارا بحال الاستقرار (مسألة) (وان كان الجنين محكوما بكفره ففيه عشر دية)
وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن المنذر لم أحفظ عن غيرهم خلافهم لان جنين الحرة المسلمة مضمون بعشر دية امه فكذلك جنين الكافرة إلا ان أصحاب الرأي يرون دية الكافرة كدية المسلمة فلا يتحقق عندهم بينهما اختلاف (مسألة) (وان كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما دية فيجب عشر دية كتابية على كل حال) لان ولد المسلم من الكافرة يعتبر باكثرهما دية كذا ههنا ولان الضمان إذا وجد في احد أبويه ما يوجب وفي الآخر ما يسقط غلب الايجاب بدليل ما لو قتل المحرم صيدا متولدا من مأكول وغيره ولا فرق فيما ذكرنا بين الذكر والانثى لان السنة لم تفريق بينهما وبه يقول الشافعي وإسحاق وابو ثور واصحاب الرأي وعامة أهل العلم (فصل) لو ضرب بطن كتابية حامل من كتابي فاسلم أحد أبويه ثم اسقطته ففيه الغرة في قول ابن حامد والقاضي وهو ظاهر كلام أحمد ومذهب الشافعي لان الضمان بحال استقرار الجناية والجنين محكوم باسلامه عند استقرارها وفي قول أبي بكر وابي الخطاب فيه عشر دية كتابية لان الجناية عليه في حال كفره (مسألة) (وان سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر ان كان لحرا أو قيمته ان كان مملوكا)
إذا كان سقوطه لوقت يعيش مثله وهو ان تضعه لستة اشهر فصاعدا وإلا فحكمه حكم الميت هذا
قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان في الجنين يسقط حيا من الضرب دية كاملة منهم زيد بن ثابت وعروة والزهري والشعبي وقتادة ابن شبرمة ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وذلك لانه مات من جنايته بعد ولادته في وقت يعيش لمثله فاشبه قتله بعد وضعه في هذه المسائل ثلاثة فصول (أحدهما) انه انما يضمن بالدية إذا وضعته حيا فمن علمت حياته ثبت له هذا الحكم سواء ثبت باستهلاله أو ارتضاعه أو تنفسه أو عطاسه أو غير ذلك مما تعلم به حياته هذا ظاهر قول الخرقي وهو مذهب الشافعي، وروي عن احمد أنه لا يثبت له حكم الحياة إلا بان يستهل وهذا قول الزهري وقتادة ومالك وإسحاق وروي معنى ذلك عن عمرو ابن عباس والحسن بن علي وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا استهل المولود ورث وورث " مفهومه أنه لا يرث إذا لم يستهل، والاستهلال الصياح قاله ابن عباس والقاسم والنخعي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من مولود يولد لا مسه الشيطان فيستهل صارخا إلا مريم وابنها) فلا يجوز غير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والاصل في تسمية الصياح استهلال ان من عادة الناس إذا رأو الهلال صاحوا وأراه بعضهم بعضنا فسمي صياح المولود استهلالا لانه في ظهوره بعد خفائه كالهلال وصياحه كصياح من يتراآه
ولنا أنه قد علمت حياته فاشبه المستهل والخبر يدل بمعناه وتنبيهه على ثبوت الحكم في سائر الصور فان شربه اللبن أدل على حياته من صياحه وعطاسه ضرب منه فهو كصياحه، واما الحركة والاختلاج المنفرد فلا يثبت به حكم الحياة لانه قد يتحرك بالاختلاج وبسبب آخر وهو خرجه من مضيق فان اللحم يختلج سيما إذا عصر ثم ترك فلم نثبت بذلك حياته (الفصل الثاني) انه انما يجب ضمانه إذا علم موته بسبب الضربة ويحصل ذلك بسقوطه في الحال أو موته أو بقاؤه متألما إلى ان يموت أو بقاء امه متألمة إلى ان تسقطه فيعلم بذلك موته بالجناية كما لو
ضرب رجلا فمات عقيب ضربه أو بقي ضمنا حتى مات، وان القته حيا فجاء آخر فقتله وكانت فيه حياة مستقرة فعلى الثاني القصاص إذا كان عمدا أو الدية كاملة وان لم تكن فيه حياة مستقرة بل كانت حركته كحركة المذبوح فالقاتل هو الاول وعليه الدية كاملة يؤدب الثاني وان بقي الجنين حيا وبقي زمنا سالما لا الم به لم يضمنه الضارب لان الظاهر أنه لم يمت من جنايته (الفصل الثالث) ان الدية انما تجب فيه إذا كان سقوطه لستة اشهر فصاعدا فان كان لدون ذلك ففيه غرة كما لو سقط ميتا وبهذا قال المزني، وقال الشافعي فيه دية كاملة لاننا علمنا حياته وقد تلف من جنايته ولنا أنه لم تعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها فلم تجب فيه دية كما لو ألقته ميتا وكالمذبوح، وقولهم انا علمنا حياته قلنا وإذا أسقط ميتا وله ستة أشهر فقد علمنا حياته أيضا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: