الفقه الحنبلي - الجنايات - القصاص
(فصل) ومن ألصق أذنه بعد إبانتها أو سنه فهل تلزم إبانتها؟ فيه وجهان مبنيان على الروايتين فيما بإن من الادمي هل هو نجس أو طاهر؟! إن قلنا هو نجس لزمته إزالتها ما لم يخف الضرر بذلك كما لو جبر ساقه
بعظم نجس، وإن قلنا بطهارتها لم تلزمه إزالتها أختاره أبو بكر.
وهو قول عطاء بن
أبي رباح وعطاء الخراساني وهو الصحيح لانه جزء آدمي طاهر في حياته وموته فكان طاهرا كحالة أتصاله فأما إن قطع بعض إذنه فالتصقت لم يلزمه إبانتها على الروايتين جميعا لانها لم تصر ميتة لعدم إبانتها ولا قصاص فيها قاله القاضي وهذا مذهب الشافعي لانه لا تمكن المماثلة في المقطوع منها (مسألة) (وتقطع العين بالعين) إجتمع أهل العلم على القصاص في العينين يروى ذلك عن مسروق والحسن وإبن سيرين والشعبي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وروي عن علي رضي الله عنه لقول الله تعالى (والعين بالعين) ولانها تنتهي إلى مفصل فجرى القصاص كاليد وتؤخذ عين الشاب بعين الشيخ المريضة وعين الكبير بعين الصغير والاعمش ولا تؤخذ الصحيحة بالقائمة لانه يأخذ أكثر من حقه وتؤخذ القائمة بالصحيحة لانها دون حقه كما تؤخذ الشلاء بالصحيحة ولا ارش له معها لان التفاوت في الصفة (فصل) فإن قلع عينه بأصبعه لم يجز أن يقتص بإصبعه لانه لا تمكن المماثلة فيه فإن لطمه فأذهب ضوء عينه لم يجز أن يقتص منه باللطمة لان المماثلة فيها غير ممكنة ولهذا لو إنفردت من إذهاب الضوء لم يجب فيها قصاص ويجب القصاص في البصر فيعالجه بما يذهب بصره من غير أن يقلع عينه وسنذكر ذلك وذكر القاضي أنه يقتص منه بالطمة فيلطمه المجني عليه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه والا كان له أن يذهبه بما نذكره وهو مذهب الشافعي ولا يصح هذا فإن اللطمة لا يقتص منها منفردة فلا يقتص منها
إذا سرت إلى العين كالشجة دون الموضحة ولان الطمة إذا لم تكن في العين لا يقتص منها بمثلها مع الامن من إفساد العضو ففي العين مع وجود ذلك إولى ولانه قصاص فيما دون النفس فلم يجز بغير الآلة المعدة له كالموضحة، وقال القاضي لا يجب القصاص الا أن تكون اللطمة تذهب بذلك غالبا فإن كانت
لا تذهب بالنظر غالبا فذهبت بها فهو شبه عمد لا قصاص فيه وهو قول الشافعي لانه فعل لا يفضي إلى الفوات غالبا فلم يجب به القصاص بكل حال لعموم قوله تعالى (والعين بالعين) ولان الطمة إذا أسالت العين كانت بمنزلة الجرح ولا يعتبر فيه الافضاء إلى التلف غالبا (فصل) فإن لطم عينه فذهب بصرها أو إبيضت وشخصت فإن أمكن معالجة عين الجاني حتى يذهب بصرها وتبيض وتشخص من غير جناية على الحدقة فعل ذلك وإن لم يمكن الا ذهاب بعض ذلك مثل ذهاب البصر دون إن تبيض وتشخص فعليه حكومة للذي لم يمكن القصاص فيه كما لو جرحه هاشمة فإنه يقتص موضحة ويأخذ إرش باقي جرحه، وعلى قول أبي بكر لا يستحق مع القصاص إرش قال القاضي إذا لطمه مثل لطمته فذهب ضوء عينه ولم تبيض ولم تشخص فإن أمكن معالجتها حتى تبيض وتشخص من غير ذهاب الحدقة فعله فإن تعذر ذلك فلا شئ عليه كما لو إندملت موضحة المجني عليه وحشة قبيحة وموضحة الجاني حسنة جميلة لم يجب شئ كذلك ههنا وبناء هذا على إن اللطمة حصل بها القصاص كما حصل بجرح الموضحة وقد بينا فساد هذا
(مسألة) (ويؤخذ السن بالسن) وهو إجتماع أهل العلم للآية وحديث الربيع ولان القصاص فيها ممكن لانها محدودة في نفسها وتؤخذ الصحيحة بالصحيحة والمكسورة بالصحيحة لانه يأخذ بعض حقه وهل له إرش الباقي؟ فيه وجهان ذكرناهما (فصل) ولا يقتص إلا من سن من أثغر اي سقطت رواضعه ثم نبتت يقال لمن سقطت رواضعة ثغر فهو مثغور فإذا نبتت قيل إثغر وإتغر لغتان، وإن قلع سن من لم يثغر لم يقتص من الجاني في الحال وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي لانها تعود بحكم العادة فلا يقتص منها كالشعرة، فإن عاد بدل السن في محلها مثلها على صفتها فلا شئ على الجاني كما لو قلع شعره ثم نبت، وإن عادت مائلة عن محلها أو متغيرة عن صفتها كان عليه حكومة لانها لو لم تعد ضمن السن فإذا عادت ناقصة ضمن ناقص وإن عادت قصيرة ضمن ما نقص بالحساب ففي ثلثها ثلث ديتها وعلى هذا الحساب، وإن عادت والدم يسيل ففيها حكومة لانه نقص
حصل بفعله، وإن مضى زمن عودها ولم تعد سئل أهل العلم بالطب فإن قالوا قد يئس من عودها فالمجني عليه مخير بين القصاص أو الدية، فإن مات المجني عليه قبل الاياس من عودها فلا قصاص لان الاستحقاق له غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درئه وتجب الدية لان القلع موجود والعود مشكوك فيه ويحتمل إنه إذا مات قبل مجئ وقت عودها إن لا يجب شئ لان العادة عودها فأشبه ما لو حلق شعره فمات قبل
نباته، فأما إن قلع سن من قد أثغر وجب القصاص له في الحال لان الظاهر عدم عودها وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال القاضي يسئل أهل الخبرة فإن قالوا لا تعود فله القصاص في الحال وإن قالوا يرجى عودها إلى وقت ذكروه لم يقتص حتى يأتي ذلك الوقت وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لانها تحتمل العود فأشبهت سن من لم يثغر.
إذا ثبت هذا فإنها إن لم تعد فلا كلام وإن عادت لم يجب قصاص ولا دية وهذا قول أبى حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يسقط الارش لان هذه السن لا تستخلف عادة فإذا عادت كانت هبة مجددة ولذلك لا ينتظر عودها في الضمان ولنا إنها سن عادت فسقط الارش كسن من لم يثغر وندرة وجودها لا يمنع ثبوت حكمها إذا وجدت فعلى هذا أن كان أخذ الارش رده وإن كان أستوفى القصاص لم يجز قلع هذه قصاصا لانه لم يقصد العدوان، وإن عادت سن الجاني دون من المجني عليه لم تقلع في أحد الوجهين لئلا يأخذ سنين بسن وإنما قال الله تعالى (السن بالسن) والثاني تقلع وإن عادت مرات أعدم سنه بالقلع فكان له إعدام سنه ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) فإن قلع سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانية فلا شئ عليه لان سن المجني عليه لما عادت وجب للجاني عليه دية سنه فلما قلعها وجب على الجاني ديتها للمجني عليه فقد وجب لكل واحد منهما دية سن فيتقاصان
(مسألة) (ويؤخذ الجفن بالجفن) لقوله تعالى والجروح قصاص ولانه يمكن الاقتصاص فيه لانتهائه إلى مفصل وهذا مذهب الشافعي
ويؤخذ جفن البصير بمثله وبجفن الضرير ويؤخذ جفن الضرير بمثله وبجفن البصير لانهما تساويا في السلامة من النقص وعدم البصير نقص في غيره لا يمنع أخذ أحدهما بالآخر كاذن الاصم (مسألة) (وتؤخذ الشفة بالشفة) وهي ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا لقول الله تعالى والجروح قصاص ولان لها حدا تنتهى إليه يمكن القصاص منه فوجب كاليدين (فصل) ويؤخذ اللسان باللسان للآية ولان له حدا ينتتهي إليه فإقتص منه كالعين ولا نعلم في هذا خلافا ولا يؤخذ لسان ناطق بأخرس لانه أفضل منه ويؤخذ الاخرس بالناطق لانه دون حقه ويؤخذ بعض اللسان بالبعض لانه أمكن القصاص في جميعه فأمكن في بعضه كالسن ويقدر ذلك بالاجزاء ويؤخذ منه بالحساب (مسألة) (وتؤخذ اليد باليد) لقول الله تعالى (والجروح قصاص) وقد أجمع أهل العلم على جريان القصاص في الاطراف للآية ولحديث الربيع ويشترط لذلك ثلاثة شروط
(أحدها) (1) الامن من الحيف وهو إن يكون القطع من مفصل فإن كان من غير مفصل فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلاف نعلمه لما روى نمر بن جابر عن أبيه إن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فإستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال أنى أريد القصاص فقال " خذ الدية بارك الله لك فيها " ولم يقض له بالقصاص رواه إبن ماجه.
وفي قطع اليد ثمان مسائل (أحدها) قطع الاصابع من مفاصلها فالقصاص واجب فيها لان لها مفاصل ويمكن القصاص فيها من غير حيف وإن أختار الدية فله نصفها لان في كل أصبع عشر الدية (الثانية) قطعها من نصف الكف فليس له القصاص من موضع القطع لانه ليس بمفصل فلا يؤمن الحيف فيه، وإن أراد قطع الاصابع ففيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك أختاره أبو بكر لانه يقتص من غير موضع الجناية فلم يجز كما لو كان
القطع، من الكوع، يحققه أن إمتناع قطع الاصابع إذا قطع من الكوع إنما كان لعدم المقتضي أو وجود مانع وأيهما كان فهو متحقق إذا كان القطع من نصف الكف (والثاني) له قطع الاصابع ذكره إصحابنا وهو مذهب الشافعي لانه يأخذ دون حقه لعجزه عن إستيفاء حقه فأشبه ما لو شجه هاشمة فإستوفى موضحة، ويفارق ما إذا قطع من الكوع لانه أمكنه إستيفاء حقه فلم يجز العدول إلى غيره وهل له حكومة في نصف الكف؟ فيه وجهان
(أحدهما) ليس له ذلك لانه يجمع بين القصاص والارش في عضو واحد فلم يجز كما لو قطع من الكوع (والثاني) له إرش نصف الكف لانه حق تعذر إستيفاؤه فوجب إرشه كسائر ما هذا حاله، وإن أختار الدية فله نصفها لان قطع اليد من الكوع لا يوجب أكثر من نصف الدية فما دونه أولى (الثالثة) قطع من الكوع فله قطع يده من الكوع لانه مفصل وليس له قطع الاصابع لانه غير محل الجناية ولا يستوفي منه مع إمكان الاستيفاء من محلها (الرابعة) قطع من نصف الذارع فليس له أن يقطع من ذلك الوضع ليس بمفصل وقد ذكرنا الخبر الوارد فيه وله نصف الدية وحكومة في المقطوع من الذراع وهل له القطع من الكوع؟ فيه وجهان كما ذكرنا فيمن قطع من نصف الكف، ومن جوز القطع من الكوع فعنده في وجوب الحكومة لما قطع من الذراع وجهان، ويخرج أيضا في جواز قطع الاصابع وجهان فإن قطع منها لم يكن له حكومة في الكف لانه أمكنه أخذه قصاصا فلم يكن له طلب إرشه كما لو كانت الجناية من الكوع (الخامسة) قطع من المرفق فله القصاص منه لانه مفصل وليس له القطع من الكوع لانه أمكنه أستيفاء حقه بكماله والاقتصاص من محل الجناية عليه فلم يجز العدول إلى غيره، وإن عفا إلى الدية فله دية اليد وحكومة للساعد (السادسة) قطعها من العضد فلا قصاص فيها في أحد الوجهين وله دية اليد وحكومة للساعد
وبعض العضد (والثاني) له القصاص من المرفق وهل له حكومة في الزائد؟ على وجهين، وهل له القطع من الكوع؟ يحتمل وجهين
(السابعة) قطع من المنكب فالواجب القصاص لانه مفصل إذا لم يخف جائفه وإن أختار الدية فله دية اليد وحكومة لما زاد (الثامنة) خلع عظم المنكب ويقال له مشط الكتف فيرجع فيه إلى إثنين من ثقات أهل الخبرة فإن قالوا، يمكن الاستيفاء من غير أن تصير جائفة إستوفى وإلا صار الامر إلى الدية وفي جواز الاستيفاء من المرفق أو إما دونه مثل ما ذكرنا في نظائره، ومثل هذه المسائل في الرجل فالساق كالذراع، والفخذ كالعضد والورك كعظم الكتف، والقيام كالكف، فتقاس عليها للنص والمعنى (مسألة) (ويؤخذ كل واحد من الاصابع والكف والمرفق والذكر والانثيين بمثله) لقوله تعالى (والجروح قصاص) ولما ذكرنا في اليد باليد ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في إن القصاص يجري في الذكر ولان له حدا ينتهي إليه ويمكن القصاص فيه من غير حيف فوجب فيه القصاص كالانف ويستوي في ذلك ذكر الصغير والكبير والشيخ والشاب والذكر والكبير والصغير والصحيح والمريض لان ما وجب فيه القصاص من الاطراف لم يختلف بهذه المعاني كذلك الذكر، ويؤخذ كل واحد من المجبوب والاغلف بصاحبه لان الغلفة زيادة يستحق إزالهتا فهي كالمعدومة ويؤخذ كل واحد من الخصى
والعنين بمثله التساويهما كما يؤخذ العبد بالعبد والذمي بالذمي، ويؤخذ بعضه ببعض ويعتبر بالاجزاء دون المساحة فيؤخذ النصف بالنصف وما زاد ونقص فحساب ذلك كالانف والاذن على ما ذكرناه (مسألة) (ويجري القصاص في الانثيين لما ذكرنا من النص والمعني) ولا نعلم فيه خلافا فإن قطع أحداهما وقال أهل الخبرة إنه يمكن أخذها مع سلامة الاخرى جاز وإن قالوا لا يؤمن تلف الاخرى لم يقتص منها خشية الحيف ويجب فيها نصف الدية وإن أمن تلف الاخرى أخذت اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى كاليدين (مسألة) (وهل يجري القصاص في الالية والشفر؟ على وجهين) يجب في القصاص الاليين النابتين بين الفخذ والظهر بجانبي الدبر في أحد الوجهين وهو ظاهر مذهب الشافعي والوجه الثاني لا يجب وهو قول المزني لانهما لحم متصل بلحم.
أشبه لحم الفخذ، ووجه الاول
قوله تعالى (والجروح قصاص) ولان لهما حدا ينتهيان إليه فجرى القصاص فيهما كالذكر (مسألة) (وفي القصاص في شفري المرأة وجهان) (أحدهما) لا قصاص فيهما لانه لحم لا مفصل له ينتهي إليه فأشبه لحم الفخذين وهو قول القاضي (والثاني) فيهما القصاص لان إنتهاءهما معروف فأشبها الشفتين وجفني العينين وهو قول أبي الخطاب ولا أصحاب الشافعي وجهان كهذين
(فصل) فإن قطع ذكر خنثى مشكل أو أنثييه أو شفريه فطلب القصاص لم يجب إليه في الحال ونقف الامر حتى تبين حاله لاننا لا نعلم أن المقطوع عضو أصلي وإن أختار الدية وكان يرجى إنكشاف حاله أعطيناه اليقين وتكون له حكومة في المقطوع وإن كان قطع جميعها فله دية إمرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والانثيين وإن يئس من إنكشاف حاله أعطي نصف دية الذكر والانثيين ونصف دية الشفرين وحكومة في نصف ذلك كله (مسألة) (وإذا وضح إنسانا فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه فإنه يوضحه فإنه جرح يمكن الاقتصاص منه من غير حيف) لانه له حدا ينتهي إليه ثم إن ذهب ذلك وإلا أستعمل فيه ما يذهبه من غير أن يجني على حدقته أو أذنه أو أنفه لانه يستوفي حقه من غير زيادة فيعالج بما يذهب بصره من غير أن يقلع عينه كما روى يحيي بن جعدة أن أعرابيا قدم بجلوبة له إلى المدينة فساومه فيها مولى لعثمان رضي الله عنه فنازعه فلطمه ففقأ عينه فقال له عثمان: هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو عنه؟ فأبى فرفعهما إلى علي رضي الله عنه فدعا علي بمرآة فأحماها ثم وضع القطن على عينه الاخرى ثم أخذ المرآة بكلبتين فأدناها حتى سال إنسان عينه، وإن وضع فيها كافورا يذهب بضوئها من غير أن يجبني على الحدقة جاز، وكذلك السمع والشم، وإن لم يمكن إلا بالجناية على هذه الاعضاء سقط القصاص لتعذر المماثلة ولان توهم الزيادة يسقط القود فحقيقته أولى
(فصل) وإن شجه دون الموضحة فأذهب ضوء عينه لم يقتص منه مثل شجته بغير خلاف علمناه لانها لا قصاص فيها إذا لم يذهب ضوء العين فكذلك إذا ذهب ويعالج ضوء العين بمثل لما ذكرنا فإن كانت الشجة فوق الموضحة فله أن يقتص موضحة فإن ذهب ضوء العين والا إستعمل فيه ما يزيله من غير أن يجبني على الحدقة، وإختلف أصحاب الشافعي في القصاص في البصر في هذه المواضع فقال بعضهم لا قصاص فيه لانه لا يجب بالسراية عندهم كما لو قطع أصبعه فسرى القطع إلى التي تليها فأذهبها وقال بعضهم يجب القصاص ههنا قولا واحدا لان ضوء العين لا تمكن مباشرته بالجناية فيقتص منه بالسراية كالنفس فيقتص من البصر بما ذكرنا في مثل هذا (فصل) (الشرط الثاني في المماثلة في الموضع) فيؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى من الشفتين والاجفان بمثلها لان القصاص يعتمد المماثلة هذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن إبن سيرين وشريك أن أحداهما تؤخذ بالاخرى لاستوائهما في الخلقة والمنفعة ولنا أن كل واحدة منهما تختص باسم فلا تؤخذ أحداهما بالاخرى كاليد مع الرجل، وكذلك كل ما إنقسم إلى يمين ويسار كاليدين والرجلين والاذنين والمنخرين والثديين والاليتين والانثيين لا تؤخذ أحداهما بالاخرى، وكذلك كل ما إنقسم إلى أعلى وأسفل كالجفنين والشفتين لا يؤخذ الاعلى بالاسفل ولا الاسفل بالاعلى لذلك
(مسألة) (وتؤخذ الاصبع والسن والانملة بمثلها في الموضع والاسم ولا تؤخذ أنملة بأنملة إلا أن يتفقا في الموضع والاسم) ولا تؤخذ عليا بسفلى ولا وسطى والوسطى والسفلى لا تؤخذان بغيرهما (مسألة) فلو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من آخر ليس له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملة وبين أن يصبر حتى تقطع العليا ثم يقتص من الوسطى) لانه يستوفي حقه بذلك (فصل) فإن قطع من ثالث السفلى فلاول أن يقتص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلى سواء جاءوا جميعا أو واحدا بعد واحد، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص إلا في العليا لانه لم يجب في غيرها حال الجناية لتعذر إستيفائه فلم يجب بعد ذلك
كما لو كان غير مكافئ حال الجناية صار مكافئا بعده ولنا أن تعذر القصاص لاتصال محله بغيره لا يمنعه إذا زال الاتصال كالحامل إذا جنث ثم وضعت ويفارق عدم التكافؤ لانه تعذر لمعنى فيه ههنا تعذر لاتصال غيره به فأما إن جاء صاحب الوسطى أو السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يجب إليه لان في إستيفائه إتلاف أنملة لا يستحقها وقيل لهما أما أن تصبرا حتى تعلما ما يكون من الاول فإن إقتص فلكما القصاص، وإن عفا فلا قصاص لكما وإما إن ترضيا بالعقل فإن جاء صاحب العليا فإقتص فللثاني الاقتصاص وحكم الثالث مع الثاني حكم الثاني مع الاول فإن عفا فلكما العقل وإن قالا نحن نصبره وتنتظر بالقصاص أن تسقط العليا بمرض أو
نحوه ثم نقتص لم يمنعا من ذلك فإن قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية لعليا تدفع إلى صاحب العليا، وإن قطع الاصبع كلها فعليه القصاص في الانملة الثالثة وعليه إرش العليا للاول وإرش السفلى على الجاني لصاحبها، وإن عفا الجاني عن قصاصها وجب إرشها يدفعه إليه ليدفعه إلى المجني عليه (فصل) فإن قطع أنملة رجل العليا ثم قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الاصبع فللاول قطع العليا لان حقه أسبق ثم يقطع الثاني الوسطى ويأخذ إرش العليا من الجاني فإن بادر الثاني فقطع الانملتين فقد إستوفى حقه وتعذر إستيفاء القصاص للاول وله الارش على الجاني، وإن كان قطع الانملتين أولا قدمنا صاحبهما في القصاص ووجب لصاحب العليا إرشها، وإن بادر صاحبها فقطعها فقد إستوفى حقه وتقطع الوسطى للاول ويأخذ الارش للعليا ولو قطع أنملة رجل العليا ولم يكن للقاطع عليا فإستوفى الجاني من الوسطى فإن عفا إلى الدية تقاضا وتساقطا لان ديتهما واحدة، وإن إختار الجاني القصاص فله ذلك ويدفع إرش العليا ويجئ على قول أبي بكر أن لا يجب القصاص لان ديتهما واحدة وإسم الانملة يشملهما فتساقطا كقوله في إحدى اليدين بدلا عن الاخرى (مسألة) (ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية ولا زائدة بزائدة في غير محلها لعدم التماثل وإن تراضيا عليه لم يجز) وجملة ذلك أن ما لا يجوز أخذه قصاصا لا يجوز بتراضيهما لان الدماء لا تستباح بالاباحة
والبذل ولذلك لو بذلها إبتداء لم يحل له أخذها ولا يحل لاحد قتل نفسه ولا قطع طرفه فلا يحل لغيره ببذله (مسألة) (فلو تراضيا على قطع إحدى اليدين بدلا عن الاخرى فقطعها المقتص سقط القود) لان القود سقط في الاولى بإسقاط صاحبها وفي الثانية بإذن صاحبها في قطعها وديتهما متساوية وهذا قول أبي بكر وكذلك لو قطعها تعديا سقط القصاص لانهما تساويا في الدية والالم والاسم فتقاصا وتساقطا ولان إيجاب القصاص يفضي إلى قطع يدي كل واحد منهما وإذهاب منفعة الجنس والحاق الضرر العظيم بهما جميعا ولا تفريع على هذا القول لوضوحه وكل واحد من القطعين مضمون سرايته لانه عدوان وقال إبن حامد إن كان أحدهما عدوانا فلكل واحد منهما القصاص على صاحبه وإن أخذها بتراضيهما فلا قصاص في الثانية لرضى صاحبها ببذلها وإذنه في قطعها وفي وجوبه في الاولى وجهان (أحدهما) يسقط لما ذكرناه (والثاني) لا يسقط لانه رضي بتركه بعوض لم يثبت له فكان له الرجوع إلى حقه كما لو باعه سلعة بخمر وقبضه إياه فعلى هذا له القصاص بعد إندمال الاخرى وللجاني دية يده فإذا وجب للمجني عليه دية يده وكانت الديتان واحدة تقاصا وإن كانت أحداهما أكثر من الاخرى كالرجل مع المرأة وجب الفضل لصاحبه (مسألة) (وإن قال له أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على قول أبي بكر سواء قطعها عالما بها أو جاهلا)
وعلى قول إبن حامد، وإن أخرجها عمدا عالما أنها يساره وأنها لا تجزئ فلا ضمان على قاطعها ولا قود لانه بذلها بإخراجه لها لا على سبيل العوض وقد يقوم الفعل في ذلك مقام النطق بدليل أنه لا فرق بين قوله خذ هذا فكله وبين إستدعاء ذلك منه فيعطيه إياه ويفارق هذا ما إذا قطع يد إنسان وهو ساكت لانه لم يوجد منه البذل وينظر في المقتص فإن فعل ذلك عالما بالحال عزر لانه ممنوع منه لحق الله تعالى وهل يسقط القصاص في اليمنى؟ على وجهين (أحدهما) يسقط لان قاطع اليسار تعدى بقطعها فلم يملك قطع اليد الاخرى كما لو قطع يد السارق اليسرى مكان يمينه فإنه لا يملك قطع يمينه
(والوجه الثاني) لا يسقط وهو مذهب الشافعي وفرقوا بين القصاص وقطع السارق من وجوه ثلاثة (أحدها) أن الحد مبني على الاسقاط بخلاف القصاص (الثاني) أن اليسار لا تقطع في السرقة وإن عدمت يمينه لانه يفوت منفعة الجنس بخلاف القصاص (الثالث) أن اليد لو سقطت بأكلة أو قصاص سقط القطع في السرقة فجاز أن يسقط بقطع اليسار بخلاف القصاص فإنه لا يسقط وينتقل إلى البدل ولكن لا تقطع يمينه حتى تندمل يساره لئلا يؤدي إلى ذهاب نفسه فإن قيل أليس لو قطع يمين رجل ويسار آخر لم يؤخر أحدهما إلى إندمال الآخر؟ قلنا الفرق بينهما أن القطعين مستحقان قصاصا فلهذا جمعنا بينهما وفي مسئلتنا أحدهما غير مستحق فلا نجمع بينهما فإذا إندملت اليسار قطعنا اليمين فإن سرى قطع اليسار إلى نفسه كانت هدرا ويجب في تركته دية اليمنى لتعذر الاستيفاء فيها بموته
(مسألة) (وإن أخرجها دهشة أو ظنا منه أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها إن علم أنها يسار وأنها لا تجزئ ويعزر) وقال بعض الشافعية عليه القصاص لانه قطعها مع العلم إنه ليس له قطعها ولنا أنه قطعها ببذل صاحبها فلم يجب عليه القصاص كما لو علم باذلها وإن كان جاهلا فلا تعزير عليه وعليه الضمان بالدية لانه بذلها له على وجه البذل فكانت مضمونة عليه لانه كان عالما بها كانت مضمونة عليه وما وجب ضمانه في العمد وجب في الخطأ كاتلاف المال والقصاص باق له في اليمين ولا يقتص حتى تندمل اليسار فإن عفا وجب بدلها ويتقاصان وإن سرت اليسار إلى نفسه كانت مضمونة بدية كاملة وقد تعذر قطع اليمنى ووجب له نصف الدية فيتقاصان به ويبقى نصف الدية لورثة الجاني، فإن إختلفا في بذلها فقال الجاني إنما بذلها بدلا عن اليمين، وقال المجني عليه بذلتها بغير عوض أو قال أخرجتها دهشة قال بل عالما فالقول قول الجاني لانه أعلم بنيته، ولان الظاهر أن الانسان لا يبذل طرفه للقطع تبرعا مع أن عليه قطعا مستحقا، وهذا مذهب الشافعي.
(مسألة) (وإن كان من عليه القصاص مجنونا مثل من يجن بعد وجوب القصاص عليه
فعلى قاطعها القود إن كان عالما بها وإنها لا تجزئ لانه قطعها تعديا بغير حق وإن جهل أحدهما فعليه الدية لان بذل المجنون ليس بشبهة) (مسألة) (وإن كان من له القصاص مجنونا ومن عليه القصاص عاقلا فأخرج إليه يساره أو يمينه فقطعها ذهبت هدرا) لانه لا يصح منه الاستيفاء ولا يجوز البذل له ولا ضمان عليه لانه أتلفها ببذل صاحبها لكن إن كان المقطوع اليمنى فقد تعذر إستيفاء القصاص فيها لتلفها فتكون المجنون ديتها (فصل) فإن وثب المجنون عليه فقطع يده التي لا قصاص فيها فعلى عاقلته ديتها وله القصاص في الاخرى وإن قطع الاخرى فهو مستوف حقه في أحد الوجهين، لان حقه متعين فيها فإذا أخذها قهرا سقط حقه كما لو أتلف وديعته (والثاني) لا يسقط حقه وله عقل يده وعقل يد الجاني على عاقلته لان المجنون لا يصح منه الاستيفاء ويفارق الوديعة إذا أتلفها لانها تلفت بغير تفريط وليس لها بدل إذا تلفت بذلك واليد بخلافه فإنها لو تلفت بغير تفريط كانت عليه ديتها وكذلك الحكم في الصغير فإن إقتصا مما لا تحمله العاقلة سقط حقهما وجها واحدا وقد ذكرناه (فصل) الثالث إستواؤهما في الصحة والكمال لان القصاص يعتمد المماثلة فلا تؤخذ صحيحة بشلاء
ولا كاملة الاصابع بناقصة ولا ذات إظفار بما لا إظفار لها ولا عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس، لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب قطع يد أو رجل أو لسان صحيح باشل إلا ما حكى داود أنه أوجب ذلك لاشتراكهما في الاسم فأخذ به كالاذنين ولنا أن الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال فلا تؤخذ بما فيه نفعه كالعين الصحيحة لا تؤخذ بالقائمة وما ذكر له قياس وهو لا يقول بالقياس وإذا لم يوجب القصاص في العينين مع قوله تعالى (والعين بالعين) لاجل تفاوتهما في الصحة والعمى فلان لا يوجب ذلك فيما لا نص فيه أولى (فصل) ولا تؤخذ يد كاملة الاصابع بناقصة الاصابع فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع أو ثلاث أو قطع من له أربع أصابع يد من له ثلاث لم يجب القصاص لانها فوق حقه، وهل له أن يقطع
من أصابع الجاني بعدد أصابعه؟ فيه وجهان ذكرناهما فيما إذا قطع من نصف الكف، وإن قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها أصبع شلاء وباقيها صحاح لم يجز أخذ الصحيحة بها لانه أخذ كامل بناقص، وفي الاقتصاص مع الاصابع الصحاح وجهان؟ فإن قلنا له أن يقتص فله الحكومة في الشلاء وإرش ما تحتها من الكف وهل يدخل ما تحت الاصابع الصحاح في قصاصها أو تجب به حكومة؟ فيه وجهان:
(فصل) وإن قطع اليد الكاملة ذو يد فيها أصبع زائدة وجب القصاص فيها ذكره إبن حامد لان الزائدة عيب ونقص في المعنى فلم يمنع وجودها القصاص منها كالسلعة فيها والجراح، وأختار القاضي أنها لا تقطع بها وهو مذهب الشافعي لانها زيادة، فعلى هذا إن كان للمجني عليه أيضا أصبع زائدة في محل الزائدة من الجاني وجب القصاص لاستوائهما وإن كانت في غير محلها ولم يكن للمجني عليه أصبع زائدة لم تؤخذ يد الجاني وهل يملك قطع الاصابع؟ ينظر فإن كانت الزائدة ملصقة بإحدى الاصابع فليس له قطع تلك الاصبع لان في قطعها إضرارا بالزائدة وهل له قطع الاصابع الاربع؟ على وجهين وإن لم تكن ملصقة بواحدة منهن فهل له قطع الخمس؟ على وجهين، وإن كانت الزائدة نابتة في أصبع في أنملتها العليا لم يجز قطعها وإن كانت نابتة في السفلى أو الوسطى فله قطع ما فوقها من الانامل في أحد الوجهين ويأخذ إرش الانملة التي تعذر قطعها في أحد الوجهين ويتبع ذلك خمس الكف
(فصل) وإن قطع ذو يد لها أظفار يد من لا أظفار له لم يجز القصاص لان الكاملة لا تؤخذ بالناقصة وإن كانت المقطوعة ذات إظفار إلا أنها خضراء أو مستحشفة أخذت بها السليمة لان ذلك علة ومرض والمرض لا يمنع القصاص بدليل إنا نأخذ الصحيح بالسقيم (مسألة) (ولا تؤخذ عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس ولا ذكر صحيح بأشل) لانها ليست مماثلة لها ولانه يأخذ أكثر من حقه فإشبهت اليد الصحيحة بالشلاء لا تؤخذ بها (مسألة) (ولا يؤخذ ذكر فحل بذكر خصي ولا عنين) ذكره الشريف وهو قول مالك لانه لا منفعة فيهما فإن ذكر العنين لا يوجد منه وطئ ولا إنزال
والخصي لا يولد له ولا يكاد يقدر على الوطئ ولا ينزل فهما كالاشل، ولان كل واحد منهما ناقص فلا يؤخذ به الكامل كاليد الناقصة بالكاملة، ويحتمل أن يؤخذ بهما قال أبو الخطاب يؤخذ غيرهما بهما في أحد الوجهين وهو مذهب الشافعي لانهما عضوان صحيحان ينقبضان به وينبسطان فيؤخذ بهما غيرهما كذكر الفحل غير العنين وإنما عدم الانزال لذهاب الخصية والعنة لعلة في الظهر فلم يمنع ذلك
من القصاص بهما كأذن الاصم وأنف الاخشم، وقال القاضي لا يؤخذ ذكر الفحل بالخصي لتحقق نقصه والاياس من برئه وفي أخذ بذكر العنين وجهان (أحدهما) يؤخذ به الصحيح لانه غير مأيوس من زوال عنته ولذلك يؤجل سنة بخلاف الخطأ، والصحيح الاول لانه إذا ترددت الحال بين كونه مساويا للآخر وعدمه لم يجب القصاص لان الاصل عدمه فلا يجب بالشك سيما وقد حكمنا بإنتفاء التساوي لقيام الدليل على عنته وثبوت عنته، ويؤخذ كل واحد من الخصي والعنين بمثله لتساويهما كما يؤخذ العبد بالعبد والذمي بالذمي (مسألة) (الا مارن الاشم الصحيح فإنه يؤخذ بإنف الاخشم الذي لا يشم) لان ذلك لعلة في الدماغ والانف صحيح كما تؤخذ إذن السميع بإذن الاصم لكون ذهاب السمع نقص في الرأس لانه محله وليس بنقص في الاذن، ويؤخذ الصحيح بالمحروم والمستحشف لان كونه مستحشفا مرض فلا يمنع من أخذه به لانه يقوم مقام الصحيح (مسألة) (وتؤخذ إذن السميع بإذن الاصم لما ذكرنا) وتؤخذ الاذن المستحشفة بالصحيحة وهل تؤخذ بها الصحيحة؟ كاليد الشلاء وسائر الاعضاء والثاني تؤخذ بها لان المقصود جمع الصوت وحفظ محل السمع والجمال وهذا يحصل بها كحصوله بالصحيحة بخلاف سائر الاعضاء
(مسألة) (ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إذا أمن من قطع الشلاء التلف) إذا كان القاطع أشل والمقطوعة سالمة فإن شاء المجني عليه أخذ الدية فله أخذ دية لا نعلم فيه خلافا
لانه عجز عن إستيفاء حقه على الكمال بالقصاص فكانت له الدية كما لو لم يكن للقاطع يد وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، وإن إختار القصاص سئل أهل الخبرة فإن قالوا إنه إذا قطع لم تنسد العروق، ويدخل الهواء إلى البدن فيفسده سقط القصاص لانه لا يجوز أخذ نفس بطرف، وإن أمن هذا فله القصاص لانه رضي بدون حقه فكان له ذلك كما لو رضي المسلم القصاص من الذمي والحر من العبد ولا يجب له مع القصاص إرش لان الشلاء كالصحيحة في الخلقة وإنما نقصت في الصفة فلم يكن له إرش كالصورتين المذكورتين.
وإختار أبو الخطاب أن له الارش مع القصاص على قياس قوله في عين الاعور إذا قلعت لانه أخذ الناقص بالزائد والاول أصح، وهو إختيار الخرقي فإن إلحاق هذا الفرع بالاصول المتفق عليها أولى من إلحاقه بفرع مختلف فيه خارج عن الاصول مخالف للقياس (فصل) تؤخذ الشلاء بالشلاء إذا أمن في الاستيفاء الزيادة، وقال أصحاب الشافعي لا تؤخذ بها في أحد الوجهين لان الشلل علة والعلل يختلف تأثيرها في البدن فلا تتحقق المماثلة بينهما ولنا أنهما متماثلان في ذات العضو وصفته فجاز أخذ إحداهما بالاخرى كالصحيحة بالصحيحة
(مسألة) (وتؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساويا فيه بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه) لانهما تساوتا في الذات والصفة، فإن إختلفا فكان المقطوع من يد أحدهما الابهام ومن الاخرى أصبع غيرها لم يجب القصاص لان فيه أخذ أصبع بغيرها وإن كانت إحداهما ناقصة أصبعا والاخرى ناقصة تلك الاصبع وغيرها جاز أخذ الناقصة أصبعين بالناقصة أصبعا وهل له أخذ أصبعه الزائد؟ فيه وجهان، ولا يجوز أخذ الاخرى بها لان الكاملة لا تؤخذ بالناقصة (مسألة) (وتؤخذ الناقصة بالكاملة لانها دون حقه وهل له أخذ دية الاصابع الناقصة؟ على وجهين) (أحداهما) له ذلك وهو قول الشافعي وإختيار إبن حامد (والثاني) ليس له مع القصاص إرش، وهو مذهب أبي حنيفة وقياس قول أبي بكر لئلا يفضي إلى الجمع بين قصاص ودية في عضو واحد وقال القاضي قياس قوله سقوط القصاص كقوله فيمن قطعت يده من نصف الذراع وليس هذا
كذلك لانه يقتص من موضع الجناية ويضع الحديدة في موضع وضعها الجاني فملك ذلك كما لو جنى عليه فوق الموضحة أو كان راس الشاج أصغر أو أخذ الشلاء بالصحيحة، ويفارق القاطع من نصف الذراع لانه لا يمكنه القصاص من موضع الجناية هكذا حكاه الشريف عن أبي بكر
(فصل) وإن كانت يد القاطع والمجني عليه كاملتين وفي يد المجني عليه اصبع زائدة فعلى قول إبن حامد لا عبرة بالزائدة لانها بمنزلة الخراج والسلعة وعلى قول غيره له قطع يد الجاني وله حكومة في الزائدة؟ على وجهين، وإن قطع من له خمس أصابع أصلية كف من له أربع أصابع أصلية وأصبع زائدة أو قطع من له أربع أصابع أصلية وأصبع زائدة كف من له خمس أصابع أصلية فلا قصاص في الصورة الاولى لان الاصلية لا تؤخذ بالزائدة وله القصاص في الصورة الثانية في قول إبن حامد لان الزائدة لا عبرة بها، وقال غيره إن لم تكن الزائدة في محل الاصلية فلا قصاص أيضا لان الاصبعين مختلفان، وإن كانت في محل الاصلية فقال القاضي يجري القصاص وهو مذهب الشافعي ولا شئ له لنقص الزائدة، قال شيخنا وهذا فيه نظر لانها متى كانت في محل الاصلية كانت أصلية لان الزائدة هي التي زادت عن عدد الاصابع أو كانت في غير محل الاصابع وهذا له خمس أصابع في محلها فكانت كلها أصلية، فإن قالوا معنى كونها زائدة إنها ضعيفة مائلة عن سمت الاصابع، قلنا ضعفها لا يوجب كونها زائدة كذكر العنين وأما ميلها عن سمت الاصابع فإنها إن لم تكن نابته من محل الاصبع المعدونة فسد قولهم إنها في محلها وإن كانت نابته في موضعها وإنما مال رأسها أو أعوجت فهو مرض لا يخرجها عن كونها أصلية (فصل) إذا قطع أصبعه فأصابه من جرحها أكلة في يده وسقطت من مفصل ففيها القصاص على ما نذكره في سراية الجناية وإن بادر صاحبها فقطعها من الكوع لئلا تسري إلى سائر جسده ثم إندمل
جرحه فعليى الجاني القصاص في الاصبع والحكومة فيما تأكل من الكف ولا شئ عليه فيما قطعه المجني عليه لانه تلف بفعله، وإن لم تندمل ومات من ذلك فالجاني شريك نفسه فيحتمل وجوب القصاص عليه ويحتمل إن لا يجب بحال لان فعل المجني عليه إنما قصد به المصلحة فهو عمد الخطأ وشريك الخاطئ لا قصاص عليه
ويكون عليه نصف الدية، وإن قطع المجني عليه موضع الاكلة نظرت فإن قطع لحما ميتا ثم سرت الجناية فالقصاص على الجاني لانه سراية جرحه خاصة وإن كان في لحم حي فمات فهو كما لو قطعها خوفا من سرايتها وقد ذكرناه (فصل) إذا قطع أنملة لها طرفان إحداهما زائدة والاخرى أصلية فإن كانت أنملة القاطع ذات طرفين أيضا أخذت بها وإن لم تكن ذات طرفين قطعت وعليه حكومة في الزائدة وإن كانت المقطوعة ذات طرف واحد وأنملة القاطع ذات طرفين أخذت بها في قول إبن حامد، وعلى قول غيره لا قصاص فيها وله دية أنملة وإن ذهب الطرف الزائد فله الاستيفاء وإن قال إنا أصبر حتى يذهب الزائد ثم إقتص فله ذلك لانه القصاص حقه فلا يجبر على تعجيل إستيفائه (مسألة) (وإن إختلفا في شلل العضو وصحته فالقول قول المجني عليه في أحد الوجهين) لان الظاهر من الناس سلامة الاعضاء وخلق الله تعالى لهم بصفة الكمال، والثاني القول قول الجاني لان الاصل براءة ذمته من دية عضو سالم ولانه لو كان سالما يخف لانه يظهر فيراه الناس
(فصل) قال رحمه الله وإن قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله يقدر بالاجزاء كالنصف والثلث والربع لقول الله تعالى (والجروح قصاص) وقال أبو الخطاب لا يؤخذ بعض اللسان بالبعض ذكره صاحب المحرر ولنا إنه يؤخذ جميعه بجميعه فأخذ بعضه ببعضه كالانف ولا يؤخذ بالمساحة لانه يفضى إلى أخذ لسان الجاني جميعه ببعض لسان المجني عليه (مسألة) (وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن قلعها) يجري القصاص في بعض السن لحديث الربيع حين كسرت سن جارية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص ويقدر بذلك بالاجزاء النصف بالنصف وكل جزء بمثله ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضيي إلى أخذ جميع سن الجاني ببعض سن المجني عليه ويكون القصاص بالمبرد لتؤمن الزيادة فإما لو أخذناها بالكسر لم نأمن أن ينصدع أو ينقلع أو ينكسر من غير موضع القصاص ولا يقتص حتى يقول أهل الخبرة إنه
يؤمن إنقلاعها أو السواد فيها لان توهم الزيادة يمنع القصاص في الاعضاء كما لو قطعت يده من غير مفصل فإن قيل فقد أجزتم القصاص في الاطراف مع توهم سرايتها إلى النفس فلم منعتم منها لتوهم السراية منه إلى بعض العضو قلنا وهم السراية إلى النفس لا سبيل إلى التحرز منه فلو إعتبرناه في المنع أفضى إلى
سقوط القصاص في الاطراف بالكلية فسقط إعتباره أما السراية إلى بعض العضو فتارة نقول إنما يمنع القصاص فيها إحتمال الزيادة في الفعل لا في السراية مثل من يستوفي من بعض الذراع فإنه يحتمل أكثر مما فعل به وكذلك من كسر سنا ولم يصدعها فكسر المستوفي سنه وصدعها أو قطعها أو كسر أكثر مما كسر من سنه فقد زاد على المثل والقصاص يعتمد المماثلة وتارة نقول إن السراية في بعض العضو إنما تمنع إذا كانت ظاهرة ومثل هذا يمنع في النفس ولهذإ منعناه من الاستيفاء بآلة كالة أو مسمومة وفي وقت إفراط الحر والبرد تحرزا من السراية (فصل) وإن قلع سنا زائدة وهي التي تنبت فضلة في غير سمت الاسنان خارجة عنها إلى داخل الفم أو إلى الشفة وكانت للجاني مثلها في موضعها فللمجني عليه القصاص أو حكومة في سنه وإن لم لم يكن له مثلها في محلها فليس له الا الحكومة وإن كانت إحدى الزائدتين أكبر من الاخرى ففيه وجهان (أحدهما) لا تؤخذ بها لان الحكومة فيها أكثر فلا يقلع بها ما هو أقل قيمة منها (والثاني) تؤخذ بها لانهما سنان متساويتان في الموضع فتؤخذ كل واحدة منهما بالاخرى كالاصلتين ولان الله تعالى قال (والسن بالسن) وهو عام فيدخل فيه محل النزاع وإن قلنا يثبت القياس في الزائدتين بالاجتهاد فالثابت بالاجتهاد معتبر بما ثبت بالنص وإختلاف القيمة لا يمنع القصاص بدليل جريانه بين العبد وبين الذكر والانثي في النفس والاطراف على إن كبر السن لا يوجب كبر قيمتها فإن السن الزائدة نقص
وعيب وكثرة العيب زيادة في النقص لا في القيمة ولان كبر السن الاصلية لا يزيد في قيمتها فالزائدة كذلك (مسألة) (ولا يقتص من السن حتى ييئس من عودها وهي سن من قد أثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت فإن قلع سن من لم يثغر لم يقتص من الجاني في الحال لانها تعود بحكم العادة فلم يجب ضمانها كالشعر
(مسألة) (فإن عاد بدل السن على صفتها في موضعها فلا شئ على الجاني وإن مضى زمن عودها ولم تعد سئل أهل الخبرة فإن قالوا قد يئس من عودها خير المجي عليه بين القصاص وبين دية السن (مسألة) (وإن مات المجني عليه قبل إلاياس من عودها فلا قصاص) لان الاستحقاق غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درء القصاص وتجب الدية لان القطع موجود والعود مشكوك فيه (مسألة) (فإن قطع سن كبير فقال القاضي يسأل أهل الخبرة) فإن قالوا لا تعود فله القصاص في الحال وإن قالوا يرجي عودها إلى وقت معلوم لم يقتص حتى يأتي ذلك الوقت فإن لم تعد وجب القصاص (مسألة) (وإن أقتص من سن فعادت غرم سن الجاني لانه قد تبين إن القصاص لم يكن يجب ويضمنها بالدية دون القصاص لانه لم يقصد التعدي وإن عادت سن الجاني رد ما أخذ إذا لم تعد سن المجني عليه (مسألة) (وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني إرش نقصها بالحساب)
ففي نصفها نصف ديتها ونحو ذلك وإن عادت والدم يسيل منها أو مائلة عن محلها ففيها حكومة لانه نقص حصل بفعله، وقد ذكرنا هذه المسائل في مسألة ويؤخذ السن بالسن (فصل) قال رحمه الله النوع الثاني الجراح فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد والفخذ الساق والقدم لقول الله تعالى (والجروح قصاص) فيجب في كل جرح ينتهي إلى عظم يمكن إستيفاؤه من غير زيادة كالموضحة في الرأس والوجه وذلك لان الله تعالى نص على القصاص في الجروح فلو لم يجب ههنا لسقط حكم الآية وفي معنى الموضحة كل جرح ينتهي إلى عظم فيما سوى الرأس والوجه كالساعد والعضد والفخذ والساق يجب فيه القصاص في قول أكثر أهل العلم وهو منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه لا قصاص فيها لانه لا مقدر فيها وهو غير صحيح لمخالفته قول تعالى (والجروح قصاص) ولانه أمكن إستيفاؤه بغير حيف ولا زيادة لكونه ينتهي إلى عظم فأشبه الموضحة والتقدير في الموضحة ليس هو المقتضي للقصاص ولا عدمه
مانعا وإنما كان التقدير في الموضحة لكثرة شينها وشرف محلها ولهذا قدر ما فوقها من شجاج الرأس والوجه ولا قصاص فيه.
(فصل) ولا يستوفى القصاص فيما دون النفس بالسيف ولا بآلة يخشى منها الزيادة سواء كان الجرح بها أو بغيرها، لان القتل إنما إستوفي بالسيف لانه آلته وليس ثم شئ يخشي التعدي إليه
فيجب أن يستوفي فيما دون النفس بآلته ويتوقى ما يخشى منه الزيادة إلى محل لا يجوز إستيفاؤه ولانا منعنا القصاص بالكلية فيما تخشى الزيادة في إستيفائه فلان نمنع الآلة التي يخشى منها ذلك أولى فإن كان الجرح موضحة أو ما أشبهها فبالموسى أو حديدة ماضية معدة لذلك ولا يستوفي إلا من له علم بذلك كالجرائحي ومن أشبهه، فإن لم يكن للولي علم بذلك أمر بالاستنابة، وإن كان له علم فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه لانه أحد نوعي القصاص فيمكن من إستيفائه إذا كان يحسن كالقتل ويحتمل أن لا يمكن من إستيفائه بنفسه ولا يليه إلا نائب الامام أو من يستنيبه ولي الجناية وهو مذهب الشافعي لانه لا يؤمن مع العداوة وقصد التشفي أن يحيف في الاستيفاء بما لا يمكن تلافيه وربما أفضى إلى النزاع والاختلاف بأن يدعي الجاني الزيادة وينكرها المستوفي (مسألة) (ولا يجب القصاص فيما سوى ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها وممن روي عنه منع القصاص فيما دون الموضحة الحسن وأبو عبيد وأصحاب الرأي ومنعه فيما فوقها عمر بن العزيز وعطاء والنخعي والزهري والحكم وإبن شبرمة والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحدا أوجب القصاص فيما فوق الموضحة إلا ما روي عن إبن
الزبير أنه أقاد من المنقلة وليس بثابت عنه، قال إبن المنذر ولا أعلم أحدا خالف ذلك ولانها جراحات لا تؤمن الزيادة فيها فأشبه الجائفة وأما دون الموضحة فقد روي عن مالك أن القصاص يجب في الدامية والباضعة والسمحاق وروي نحوه عن أصحاب الرأي ولنا أنها جراحة لا تنتهي إلى عظم فلم يجب فيما قصاص كالجائفة ولانه لا يؤمن فيما الزيادة
فأشبه كسر العظام وبيان ذلك أنه أن إقتص من غير تقدير أفضي إلى أن يأخذ أكثر من حقه وإن إعتبر مقدار العمق أفضى إلى أن يقتص من الباضعة والسمحاق موضحة ومن الباضعة سمحاقا لانه قد يكون لحم المشجوج كثيرا بحيث يكون عمق باضعته كعمق موضحة الشاج أو سمحاقه ولاننا لم نعتبر في الموضحة قدر عمقا فكذلك في غيرها (فصل) ولا قصاص في المأمومة من شجاج الرأس ولا في الجائفة، والمأمومة هي التي تصل إلى جلدة الدماغ والجائفة هي التي تصل إلى الجوف وليس فيهما قصاص عند إحد من أهل العلم نعلمه إلا ما روي عن إبن الزبير أنه أقص من المأمومة فأنكر الناس عليه وقالوا ما سمعنا أحدا أقص منها قبل إبن الزبير، وروي عن علي رضي الله عنه لا قصاص في المأمومة وهو قول مكحول والزهري والشعبى وقال عطاء والنخعي لا قصاص في الجائفة، وروي إبن ماجة في سننه عن العباس بن عبد المطلب
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا قود في المأمومة ولا في الجائفة ولا في المنقلة " ولانهما جرحان لا تؤمن الزيادة فيهما فلم يجب فيهما قصاص ككسر العظام " (مسألة) (إلا أن تكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة بغير خلاف بين أصحابنا).
وهو مذهب الشافعي لانه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته فإنه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني، لان سكين الجاني وصلت إلى العظم ثم تجاوزته بخلاف قاطع الساعد فإنه لم يضع سكينه في الكوع.
(مسألة) (ولا شئ له مع القصاص على قول أبى بكر) لانه جرح واحد فلا يجمع فيه بين قصاص ودية كما لو قطع الشلاء بالصحيحة وكما في الانفس إذا قتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر، وقال إبن حامد له ما بين دية موضحة ودية تلك الشجة، وهو مذهب الشافعي لانه تعذر القصاص فيه فإنتقل إلى البدل كما لو قطع أصبعيه فلم يمكن الاستيفاء إلا من واحدة وفارق الشلاء بالصحيحة فإن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست مميزة بخلاف مسئلتنا
فيأخذ في الهاشمة خمسا من الابل وفي المنقلة عشرا (مسألة) (ويعتبر قدر الجرح بالمساحة فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه، مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحة في جميع رأسه وفي الارش للزائد وجهان)
وجملة ذلك إنه أراد الاستيفاء من موضحة وشبهها فإن كان على موضعها شعر أزاله ويعمد إلى موضع الشجة من رأس المشجوج فيعلم طولها وعرضها بخشبة أو خيط ويضعها على رأس الشاج ويعلم طرفيه بسواد أو غيره ويأخذ حديدة عرضها كعرض الشجة فيضعها في أول الشجة ويجرها إلى آخرها فيأخذها مثل الشجة طوعلا وعرضا ولا يراعي العمق لان حدة العظم ولو روعي لتعذر الاستيفاء، لان الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته وهذا كما يستوفي الطرف بمثله وإن إختلفا في الصغر والكبر والرقة والغلظة فإن كان رأس الشاج والمشجوج سواء إستوفي قدر الشجة وإن كان رأس الشاج أصغر لكنه يتسع للشجة إستوفيت وإن إستوعبت رأس الشاج كله لانه إستوفاها بالمساحة ولا يمنع الاستيفاء زيادتها على مثل موضعها من رأس الجاني لان الجميع رأس وإن كان قدر الشجة يزيد على رأس الجاني فإنه يستوفي الشجة في جميع رأس الشاج ولا يجوز أن تنزل إلى جبهته لانه يقتص في عضو آخر غير العضو المجني عليه ولا ينزل إلى قفاه لما ذكرنا ولا يستوفي بقية الشجة في موضع آخر من رأسه لانه يكون مستوفيا موضحتين واضعا للحديدة في غير الموضع الذي وضعها فيه الجاني وإختلف أصحابنا فيماذا يصنع؟ فذكر القاضي إن ظاهر كلام أبى بكر أنه لا أرش له فيما بقي كيلا يجمع بين قصاص ودية في جرح واحد، وهذا مذهب أبي حنيفة فعلى هذا يتخير بين الاستيفاء في جميع رأس الشاج ولا أرش له وبين العفو إلى دية موضحة، وقال إبن حامد وبعض أصحابنا
له أرش ما بقي وهو مذهب الشافعي، لان القصاص تعذر فيما جني عليه فكان له أرش كما لو تعذر في الجميع، فعلى هذا تقدر شجة الجاني من الشجة في رأس المجني عليه ويستوفي أرش الباقي فإن كانت بقدر ثلثيها فله أرش ثلث موضحة وإن زادت على هذا أو نقصت فبالحساب من أرش الموضحة
ولا يجب له أرش موضحة كاملة لئلا يفضي إلى إيجاب القصاص ودية موضحة وإن أوضحة في جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه إن يوضح منه بقدر مساحة موضحة من أي الطرفين شاء لانه جنى عليه في ذلك الموضع كله وإن إستوفي قدر موضحته ثم تجاوزها وإعترف أنه عمد ذلك فعليه القصاص في ذلك القدر، فإذا إندملت موضحته إستوفي منه القصاص في موضع الاندمال لانه موضع الجناية، وإن إدعى الخطأ فالقول قوله لانه محتمل وهو أعلم بقصده وعليه أرش موضحة، فإن قيل فهذه الموضحة كلها لو كانت عدوانا لم يجب فيها إلا دية موضحة فكيف يجب في بعضها دية موضحة قلنا لان المستوفي لم يكن جناية إنما الجناية الزائد، والزائد لو إنفرد لكان موضحة فكذلك إذا كان معه ما ليس بجناية بخلاف ما إذا كانت كلها عدوانا فإن الجميع جناية واحدة (فصل) إذا أوضحة في جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فأراد أن يستوفى القصاص بعضه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره منع ذلك لانه يأخذ موضحتين بواحدة وديتهما مختلفة، ويحتمل
الجواز لانه لا يجاوز موضع الجناية ولا قدرها، فإن أهل الخبرة إن في ذلك زيادة ضرر أو شين لم يجز ولاصحاب الشافعي كهذين القولين، فإن كان رأس المجني عليه أكبر فأوضحة الجاني في مقدمه ومؤخره موضحتين قدرهما جميع رأس الجاني فله الخيار بين أن يوضحة موضحة واحدة في جميع رأسه أو يوضحة موضحتين يقتصر في كل واحدة منهما على قدر موضحته ولا أرش لذلك وجها واحدة لانه ترك إستيفاء مع إمكانه، وإن عفا إلى الارش فله أرش موضحتين، وإن شاء إقتص من إحداهما وأخذ أرش الاخرى (فصل) فإن كانت الجناية في غير الرأس والوجه وكانت في ساعد فزادت على ساعد الجاني لم ينزل إلى الكف ولم يصعد إلى العضد وإن كانت في الساق لم ينزل إلى القدم ولم يصعد إلى الفخذ لانه عضو آخر فلا يقتص منه كما لم ينزل من الرأس إلى الوجه ولم يصعد من الوجه إلى الرأس (فصل) إذا شج في مقدم رأسه أو مؤخره عرضا شجة لا يتسع لها مثل موضعها من رأس الشاج فأراد أن يستوفي من وسط الرأس فيما بين الاذنين لكونه يتسع لمثل تلك الشجة ففيه وجهان
(أحدهما) لا يجوز لانه غير الموضع الذي شجة فيه فلم يجز له الاستيفاء منه كما لو أمكنه إستيفاء حقه من محل الشجة، وإحتمل الجواز لان الرأس عضو واحد فإذا لم يمكنه إستيفاء حقه من محل شجته
جاز من غيره كما لو شجة في مقدم رأسه شجة قدرها جميع رأس الشاج جاز إتمام إستيفائها من مؤخر رأس الجاني، وهذا منصوص الشافعي وهكذا يخرج فيما إذا كان الجرح في موضع من الساق والقدم والذراع والعضد، وإن أمكن الاستيفاء من محل الجناية لم يجز العدول عنه وجها واحدا (فصل) قال (وإذا إشترك جماعة في قطع طرف أو جرح موجب للقصاص وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين فعلى جميعهم القصاص في أشهر الروايتين وهي التي ذكرها الخرقي) وبذلك قال مالك وأبو ثور وقال الحسن والزهرى والثوري وأصحاب الرأي وإبن المنذر لا يقطع يدان بيد واحدة وهي الرواية الاخرى لانه روي عنه أن الجماعة لا يقتلون بالواحد، وهذا تنبيه على أن الاطراف لا تؤخذ بطرف واحد لان الاطراف يعتبر التساوي فيها بدليل إنا لا نأخذ الصحيحة بالشلاء ولا كاملة الاصابع بناقصة ولا أصلية بزائدة ولا يمينا بيسار ولا يسارا بيمين، ولا تساوي بين الطرف والاطراف فوجب إمتناع القصاص بينهما ولا يعتبر التساوي في النفس فإنا نأخذ الصحيح بالمريض وصحيح الاطراف بمقطوعها وأشلها ولانه يعتبر في القصاص في الاطراف التساوي في نفس
القطع بحيث لو قطع كل واحد من جانب الآخر لم يجب القصاص بخلاف النفس ولان الاشتراك الموجب للقصاص في النفس يقع كثيرا فوجب القصاص زجرا عنه كي لا يتخذ وسيلة إلى كثرة القتل والاشتراك المختلف فيه ولا يقع إلا في غاية الندرة فلا حاجة إلى الزجر عنه، ولان إيجاب القصاص على المشتركين في النفس يحصل به الزجر عن كل إشتراك أو عن الاشتراك المعتاد وإيجابه على المشركين في الطرف لا يحصل به الزجر عن الاشتراك المعتاد ولا عن شئ من الاشتراك إلا عن صورة نادرة الوقوع بعيدة الوجود يحتاج في وجودها إلى تكلف فإيجاب القصاص الزجر عنها يكون منعا لشئ لا يكاد يقع
لصعوبته وإطلاقا في القطع السهل المعتاد بنفي القصاص عن فاعله وهذا لا فائدة فيه بخلاف الاشتراك في النفس، يحققه أن وجوب القصاص في الطرف والنفس على الجماعة بواحد على خلاف الاصل لكونه أخذ في الاستيفاء زيادة على ما فوت عليه ويخل بالتماثل المنصوص على النهي عما عداه، وإنما خولف هذا الاصل زجرا عن الاشتراك الذي يقع القتل به غالبا ففيما عداه يجب البقاء على أصل التحريم ولان النفس أشرف من الطرف ولا يلزم من المحافظة عليها بأخذ الجماعة بالواحد المحافظة على ما دونها بذلك ولنا ما روي أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده ثم جاءا بآخر فقالا
هو السارق وأخطأنا في الاول فرد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية يد الاول وقال لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما فأخبر أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولانه أحد نوعي القصاص فيؤخذ فيه الجماعة بالواحد كالانفس، وأما إعتبار التساوي فمثله في الانفس فإنا نعتبر التساوي فيها فلا نأخذ مسلما بكافر ولا حرا بعبد، وأما أخذ صحيح الاطراف بمقطوعها فلان الطرف ليس هو من النفس المقتص منها وإنما يؤخذ تبعا ولذلك كانت ديتهما واحدة بخلاف اليد الناقصة والشلاء مع الصحيحة فإن ديتهما مختلفة، وأما إعتبار التساوي في الفعل فإنما إعتبر في اليد لانه يمكن مباشرتهما بالقطع فإذا قطع كل واحد منهما من جانب فإن فعل كل واحد منهما متميزا عن فعل الآخر فلا يجب على إنسان قطع محل لم يقطع مثله، وأما النفس فلا يمكن مباشرتها بالفعل وإنما أفعالهم في البدن فيفضي ألمه إليها فيزهق ولا تميز ألم فعل أحدهما من ألم فعل الآخر فكانا كالقاطعين في محل واحد ولذلك لا يستوفي من الطرف إلا في المفصل الذي قطع الجاني منه ولا يجوز تجاوزه في النفس لو قتله بجرح في جنبه أو بطنه أو غير ذلك كان الاستيفاء من العنق دون المحل الذي وقعت الجناية فيه.
إذا
ثبت هذا فان الجناية إنما تجب على المشتركين في الطرف إذا إشتركوا فيه على وجه لا يتميز فعل أحدهم من فعل الآخر إما بإن شهدوا عليه بما يوجب قطعه فيقطع ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنسانا على قطع طرف فيجب قطع المكرهين والمكره أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فيقطعه أو يقطعوا يدا
أو يقلعوا عينا بضربة واحدة أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعا أو يمدوها فتبين ونحو ذلك (مسألة) (وإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل واحد من جانب فلا قصاص عليهم رواية واحدة) لان كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها وإن كان فعل كل واحد منهم يمكن الاقتصاص بمفرده إقتص منه وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (وسراية الجناية مضمونة بالقصاص أو الدية) سراية الجناية مضمونة بغير خلاف لانها أثر جناية والجناية مضمونة فكذلك أثرها ثم إن سرت إلى النفس أو ما لا يمكن مباشرته بالاتلاف مثل أن هشمه في رأسه فيذهب ضوء عينه وجب القصاص فيه ولا خلاف في ذلك في النفس، وفي ضوء العين خلاف ذكرناه فيما مضي، وإن سرت إلى ما يمكن مباشرته بالاتلاف مثل أن قطع أصبعا فتأكلت أخرى وسقطت ففيه القصاص أيضا في قول إمامنا
وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وقال أكثر الفقهاء لا قصاص في الانية وتجب ديتها لان ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهما إلى شخص فمرق منه ألى آخر ولنا أن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس ولانه أحد نوعي القصاص فأشبه ما ذكرنا، وفارق ما ذكروه فإن ذلك فعل وليس بسراية ولانه لو قصد ضرب رجل فأصاب آخر لم يجب القصاص ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص، ولو ضرب إبهامه فمرق إلى سبابته وجب القصاص فيها فإفترقا، ولان الثانية تلفت بفعل أوجب القصاص فوجب القصاص فيها كما لو رمى أحدهما فمرق إلى الاخرى
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: