الفقه الحنبلي - النفقات -
(مسألة) (ويجب عليه كسوتها باجماع أهل العلم) لما ذكرنا من النصوص ولانها لا بد لها منها على الدوام فلزمته كالنفقة وهي معتبرة بكفايتها وليست مقدرة بالشرع كما قلنا في النفقة وهو قول أصحاب الشافعي ويرجع في ذلك إلى اجتهاد
الحاكم فيفرض لها قدر كفايتها على قدر يسرها وعسرها وما جرت عادة أمثالها به من الكسوة فيجتهد الحاكم في ذلك نحو اجتهاده في المتعة للمطلقة كما قلنا في النفقة فيفرض للوسرة تحت الموسر من أرفع ثياب البلد من الكتان والقطن والخز والابريسم وللمعسرة تحت المعسر غليظ القطن والكتان وللمتوسطة تحت المتوسط من ذلك وأقل ما يجب من ذلك قميص وسراويل ومقنعة ومداس وجبة للشتاء ويزيد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غناء عنه دون ما للتجمل والزينة وذلك لقول الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
والكسوة بالمعروف هي الكسوة التي جرت عادة أمثالها بلبسه وعليه ما يحتاج إليه للنوم من الفراش واللحاف والوسادة كل على حسب عادته فان كانت ممن عادته النوم في الاكسية والبسط فعليه لها لنومها ما جرت عادتهم به ولجلوسها بالنهار البساط والزلى ولحصير الرفيع أو الخشن الموسر على حسب يساره والمعسر على قدر اعساره والمتوسط بين ذلك على حسب العوائد (مسألة) (وعليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن والسدر وثمن الماء مما تغسل به رأسها وما يعود بنظافتها) لان ذلك يراد للتنظيف فكان عليه كما ان على المستأجر كنس الدار وتنظيفها ولا تجب عليه الادوية واجرة الطبيب لانه يراد لاصلاح الجسم فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها وكذلك أجرة الحجام والفاصد
(مسألة) (فاما الطيب والخضاب والحناء ونحوه فلا يلزمه إلا ان يريد منها التزين به) اما الخضاب فانه ان لم يطلبه الزوج منها لم يلزمه وان طلبه منها فهو عليه واما الطيب فما يراد لقطع السهوكة كدواء العرق يلزمه لانه يراد للتنظيف وما يراد للتلذذ أو الاستمتاع لا يلزمه لان الاستمتاع حق له فلا يجب عليه ما يدعوه إليه (فصل) ويجب لها مسكن بدليل قوله تعالى (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح اولى قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ومن المعروف ان يسكنها في مسكن ولانها لا تستغني عن المسكن للسترة عن العيون في التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع ويكون المسكن على قدر يسارهما واعسارهما لقول الله تعالى (من وجدكم) ولانه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجري مجرى النفقة والكسوة (مسألة) (وان احتاجت إلى من يخدمها لكون مثلها لا تخدم نفسها أو لمرضها لزمه ذلك) لقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف ان يقم لها خادمها لانها مما يحتاج إليه في الدوام فاشبه النفقة (مسألة) (فان كان لها خادم وإلا اقام لها خادما بشراء أو كراء أو عارية ولا يلزم الزوج
ان يملكها خادما)
لان المقصود الخدمة فإذا حصلت من غير تمليك جاز كما أنه إذا اسكنها دارا باجرة جاز ولا يلزمه تمليكها مسكنا فان ملكها الخادم فقد زاد خيرا وان اخدمها من يلازم خدمتها من غير تمليك جاز سواء كان له أو استأجره حرا كان أو عبدا فان كان الخادم لها فرضيت بخدمته لها ونفقته على الزوج جاز وان طلبت منه اجر خادمها فوافقها جاز وان أبى وقال انا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا اتاها بمن يصلح لها.
ولا يكون الخادم إلا ممن يحل له النظر إليها اما امرأة واما ذو رحم محرم لان الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا يسلم من النظر وهل يجوز ان يكون خادم المسلمة من أهل الكتاب؟ فيه وجهان اصحهما جوازه لان استخدامهم مباح ولان الصحيح إباحة النظر لهم (والثاني) لا يجوز لان في اباحة نظرهم اختلافا وتعافهم النفس ولا يتنظفون من النجاسة (مسألة) (وعلية نفقته بقدر نفقة الفقيرين إلا في النظافة) يجب على الزوج نفقة الخادم وكسوته مثل ما لامرأة المعسر إلا أنه لا يجب لها المشط والدهن والسدر لرأسها لان ذلك مما يراد للزينة والتنظيف ولا يراد ذلك من الخادم.
فان احتاجت إلى خف لتخرج إلى شراء الحوائج لزمه ذلك (مسألة) (ولا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد، لان المستحق خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بواحد)، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك ان كان لا يصلح المرأة إلا
أكثر من خادم فعليه أن ينفق على أكثر من خادم واحد ونحوه قال أبو ثور إذا احتمل الزوج ذلك فرض لخادمين.
ولنا أن الخادم الواحد يكفيها لنفسها والزيادة تراد لحفظ ملكها وللتجمل وليس عليه ذلك (مسألة) فان قالت أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك ولم يلزمه) لان الاجر عليه فتعيين الخادم إليه ولان في خدمة غيرها إياها توفيرها على حقوقه وترفهها ورفع قدرها وذلك
يفوت بخدمتها لنفسها.
(مسألة) فان قال الزوج أنا اخدمك بنفسي لم يلزمها) لانها تحتشمه وفيه غضاضة عليها لكون زوجها خادما وفيه وجه آخر أنه يلزمها الرضى به لان الكفاية تحصل به (فصل) ويلزمه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة سواء، لانها زوجة بدليل قوله سبحانة (وبعولتهن أحق بردهن) ولانه يلحقها طلاقه وظهارة وإيلاؤه فأشبه ما قبل الطلاق وللادلة الدالة على وجوب نفقة الزوجة من الكتاب والسنة والاجماع (مسألة) (وأما البائن بفسخ أو طلاق فان كانت حاملا فلها النفقة والسكنى وإلا فلا شئ لها وعنه لها السكنى) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا إما أن يكون ثلاثا أو بخلع أو بانت بفسخ وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى باجماع أهل العلم لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وفي
بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت قيس " لا نفقة لك " إلا أن تكون حاملا ولان الحمل ولده فيلزمه الانفاق عليه ولا تمكنه النفقة عليه إلا بالانفاق عليها فوجب كما وجبت أجرة الرضاع وان كانت حائلا فلا نفقة لها وفي السكنى روايتان (احداهما) لا يجب لها ذلك وهو قول علي وابن عباس وجابر وبه قال عطاء وطاوس والحسن وعمر بن ميمون وعكرمة وإسحاق وأبو ثور وداود (والثانية) يجب لها وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب والقاسم وسالم والفقهاء السبعة ومالك والشافعي لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فأوجب لها السكنى مطلقا ثم خص الحامل بالانفاق عليها، وقال أكثر فقهاء العراق: لها السكنى والنفقة وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه والبتي والعنبري ويروي ذلك عن عمر وابن
مسعود لانها مطلقة فوجبت لها النفقة والسكنى كالرجعية وردوا خبر فاطمة بنت قيس بما روي عن عمر أنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة وأنكرته عائشة وسعيد بن المسيب وتأولوه، قال عروة لقد عابت عائشة ذلك أشد العيب وقالت إنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، وقال سعيد بن المسيب تلك امرأة فتنت الناس بلسانها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الاعمى
ولنا ما روت فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطنه فقال والله ما لك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " ليس لك عليه نفقة ولا سكنى " فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك متفق عليه وفي لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظري يا ابنة قيس انما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعية فإذا لم يكن له عليها الرجعة فلا نفقة ولا سكنى " رواه الامام أحمد والاثرم والحميدي، قال ابن عبد البر من طريق الحجة وما يلزم منها: قول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأحج لانه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا صريحا فأي شئ يعارض هذا إلا مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو المبين عن الله تعالى مراده ولا شئ يدفع ذلك ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم)؟ وأما قول عمر ومن وافقه فقد خالفه علي وابن عباس وجابر ومن وافقهم والحجة معهم ولو لم يخالفه أحد منهم لما قبل قوله المخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على عمر وغيره ولم يصح عن عمر أنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة فان أحمد أنكره وقال اما هذا فلا فانه قال لا نقبل في ديننا قول امرأة وهذا يرده الاجماع على قبول قول المرأة في الرواية فقد أجد تقول فريعة وهي امرأة وتخبر عائشة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار خبر فاطمة إذا لم تكن حاملا مثل نظر المرأة إلى الرجال وخطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن سكنت إلى الاول وأما تأويل من تأول حديثها فليس بشئ فانها تخالفهم في ذلك وهي أعلم بحالها ولم يتفق المتأولون
على شئ وقد رد على من رد عليها فقال ميمون بن مهران لسعيد بن المسيب لما قال تلك امرأة فتنت الناس بلسانها: لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فنت الناس وان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة
حسنة مع أنها أحرم الناس عليه ليس له عليها رجعة ولا بينهما ميراث، وقول عائشة انها كانت في مكان وحش لا يصح فان النبي صلى الله عليه وسلم علل بغير ذلك فقال " يا ابنة آل قيس إنما النفقة والسكنى ما كان لزوجك عليك الرجعة " هكذا رواه الحميدي والاثرم ولو صح ما قالته عائشة ما احتاج عمر في رده إلى أن يعتذر بانه قول امرأة وهي أعرف بنفسها وبحالها، وأما قول عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا فقد قال اسماعيل بن اسحاق نحن نعلم أن عمر لا يقول لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى والذي في الكتاب أن لها النفقة إذا كانت حاملا بقوله سبحانه (وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وأما غير ذوات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أنهن لا نفقة لهن لاشتراطه الحمل في الامر بالانفاق وقد روى أبو داود وغيره باسنادهم عن ابن عباس في حديث المتلاعنين قال ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا بيت لها ولا قوت ولان هذه محرمة عليه تحريما لا تزيله الرجعة فلم يكن لها سكنى ولا نفقة كالملاعنة وتفارق الرجعية فانها زوجية يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه بخلاف البائن (فصل) ولا سكنى للملاعنة ولا نفقة ان كانت حائلا للخبر وكذلك ان كانت حاملا فنفى حملها وقلنا
إنه ينتفي عنه أو قلنا انه ينتفي بزوال الفراش وان قلنا لا ينتفي أو لم ينفه وقلنا انه يلحقه نسبه فلها السكنى والنفقة لان ذلك للحمل أو لها بسببه وهو موجود فأشبهت المطلقة البائن، فان نفي الحمل فانفقت أمه وسكنت من غير الزوج وأرضعت ثم استحقه الملاعن لحقه ولزمته النفقة وأجر المسكن والرضاع لانها فعلت ذلك على أنه لا أب له فإذا ثبت أب لزمه ذلك ورجع به عليه، فان قيل النفقة لاجل الحمل فقة الاقارب وهي تسقط بمضي الزمان فكيف يرجع عليه بما يسقط عنه؟ قلنا بل النفقة للحامل لاجل الحمل فلا تسقط كنفقتها في الحياة وان سلمنا أنها للحمل إلا أنها مصروفة إليها ويتعلق به حقها فلا تسقط بمضي الزمان كنفقتها (مسألة) (فان طلق زوجته ولم ينفق عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها كانت حاملا فعليه نفقة ما مضى) لاننا تبينا استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين (مسألة) (وان أنفق عليها يظنها حاملا وبانت حائلا مثل من ادعت الحمل لتكون لها النفقة أنفق عليها ثلاثة أشهر ثم أريت الفوايل بعد ذلك)
لان الحمل يتبين بعد ثلاثة أشهر ألا أن تظهر براءتها من الحمل بالحيض أو بغيره فتنقطع نفقتها كما تنقطع إذا قال القوابل ليست حاملا رجع عليها بما أنفق لانها أخذت منه ما لا تستحق فرجع عليها كما لو ادعت عليه دينا وأخذته منه ثم تبين كذبها، وعن أحمد رواية أخرى لا يرجع بشئ لانه أنفق عليها بحكم آثار النكاح فلم يرجع به كالنفقة في النكاح الفاسد إذا تبين فساده وان علمت براءتها من الحمل بالحيض فكتمته فينبغي أن يرجع عليها قولا واحدا لانها أخذت النفقة مع علمها ببراءته منها كما لو أخذتها من ماله بغير علمه، وان ادعت الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر من مدة عدتها رجع عليها
بالزيادة ويرجع في مدة العدة إليها لانها أعلم بها فالقول قولها فيها مع يمينها فان قالت قد ارتفع حيضي فلم أدر ما رفعه فعدتها سنة ان كانت حرة، وان قالت قد انقضت بثلاثة قروء وذكرت آخرها فلها النفقة إلى ذلك ويرجع عليها بالزائد وان قالت لا أدري متى آخرها رجعنا إلى عادتها فحسبنا لها بها وان قالت عادي تختف فتطول وتقصر انقضت العدة بالاقصر لانه اليقين وان قالت عادتي تختلف ولا أعلم رددناها إلى غالب عادات النساء في كل شهر قرء كما رددنا المتحيرة إلى ذلك في أحكامها كذلك هذه، فان بان أنها حامل من غيره مثل أن تلده لاكثر من أربع سنين فلا نفقة عليه كمدة حملها لانه من غيره وان كانت رجعية فلها النفقة في مدة عدتها فان كانت انقطعت قبل حملها فلها النفقة إلى انقضائها وان حملت في اثناء عدتها فلها النفقة إلى الوطئ الذي حملت منه ثم لا نفقة لها حتى تضع حملها ثم تكون لها النفقة في تمام عدتها وان وطئها زوجها في العدة الرجعية حصلت الرجعة، وان قلنا لا تحصل فالنسب لاحق به وعليه النفقة لمدة حملها، وان وطئها بعد انقضاء عدتها أوطئ البائن عالما بذلك وبتحريمه فهو زنا لا يلحقه نسب الولد ولا نفقة له عليه من أجله وان جهل بينونتها أو انقضاء عدة الرجعية أو تحريم ذلك وهو ممن يجهله لحقه النسب وفي وجوب النفقة عليه روايتان
(مسألة) (وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله؟ على روايتين) (إحداهما) تجب للحمل اختارها أبو بكر لانها تجب بوجوده وتسقط عند انقضائه فدل على أنها
له (والثانية) تجب لها من أجله لانها تجب مع اليسار والاعسار فكانت لها كنفقة الزواجات ولانها لا تسقط بمضي الزمان فاشبهت نفقتها في حياته وللشافعي قولان كالروايتين.
وينبني على هذا الاختلاف فروع (منها) أنها إذا كانت المطلقة الحامل أمة وقلنا النفقة للحمل فنفقها على سيدها لانه ملكه وان قلنا لها فعلى الزوج لان نفقتها عليه، وان كان الزوج عبدا وقلنا هي للحمل فليس عليه نفقة لانه لا يلزمه نفقة ولده، وان قلنا لها فالنفقة عليه لما ذكرنا وان كانت حاملا من نكاح فاسد أو وطئ شبهة وقلنا النفقة للحمل فعلى الزوج والوطئ لانه ولده فلزمته نفقته كما بعد الوضع، وان قلنا للحامل فلا نفقة عليه لانها ليست زوجة يجب الانفاق عليها، وان نشزت امرأة إنسان وهي حامل وقلنا النفقة للحمل لم تسقط نفقتها لان نفقة ولده لا تسقط بنشوز أمه وان قلنا لها فلا نفقة لها لانها ناشز (فصل) ويلزم الزوج دفع نفقة الحامل المطلقة إليها يوما فيوما كما يلزمه دفع نفقة الرجعية وقال الشافعي في أحد قوليه لا يلزمه دفعها إليها حتى تضع لان الحمل غير متحقق ولهذا اوقفنا الميراث وهذا خلاف قول الله تعالى (وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) ولانها محكوم لها بالنفقة فوجب دفعها إليها كالرجعية وما ذكره لا يصح فان الحمل يثبت بالامارات وتثبت أحكامه في منع النكاح والحد والقصاص وفسخ البيع في الجارية المبيعة والمنع من الاخذ في الزكاة ووجوب الدفع في الدية فهو كالمتحقق، ولا يشبه هذا الميراث فان الميراث لا يثبت بمجرد الحمل فانه يشترط له الوضع والاستهلال بعد
الوضع ولا يوجد ذلك قبله ولاننا لا نعلم صفة الحمل ووجود شرط توريثه بخلاف مسئلتنا فان النفقة تجب بمجرد الحمل ولا تختلف باختلافه.
إذا ثبت هذا فمتى ادعت الحمل فصدقها دفع إليها فان كان حملا فقد استوفت حقها وان بان أنها ليست حاملا رجع عليها سواء دفع إليها بحكم حاكم أو بغيره وسواء شرط أنها نفقة أو لم يشترط وعنه لا يرجع، والصحيح الاول لانه دفعه على أنه واجب فإذا بان أنه ليس بواجب استرجعه كما لو قضاها دينا فبان أنه لم يكن عليه دين، وان أنكر حملها نظر النساء الثقات فرجع إلى قولهن ويقبل قول المرأة الواحدة إذا كانت من أهل الخبرة والعدالة لانها شهادة على ما لا يطلع عليه الرجال غالبا أشبه الرضاع وقد ثبت الاصل بالخبر المذكور
(مسألة) (واما المتوفى عنها زوجها فان كانت حائلا فلا سكنى لها ولا نفقة في مدة العدة لان النكاح قد زال بالموت وان كانت حاملا ففيها روايتان) (إحداهما) لها السكنى والنفقة لانها حامل من زوجها فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة في الحياة (والثانية) لا سكنى لها ولا نفقة لانه قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها انما هو للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك الورثة لانه ان كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه وان لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الانفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة قال القاضي وهذه الرواية اصح (فصل) ولا تجب النفقة على الزوج في النكاح الفاسد لانه ليس بينهما نكاح صحيح فان طلقها
أو فرق بينهما قبل الوطئ فلا عدة عليها وان كان بعده فعليها العدة ولا نفقة لها ولا سكنى ان كانت حائلا لانه إذا لم يجب ذلك قبل التفريق فبعده اولى، وان كانت حاملا فعلى ما ذكرنا فان قلنا لها النفقة إذا كانت حاملا فلها ذلك قبل التفريق لانه إذا وجب بعد التفريق فقبله اولى، ومتى انفق عليها قبل مفارقتها أو بعدها لم يرجع عليها بشئ لانه ان كان عالما بعدم الوجوب فهو متطوع به وان لم يكن عالما فهو مفرط فلم يرجع به كما لو انفق على أجنبية، وكل معتدة من وطئ من غير نكاح صحيح كالموطوءة بشهة وغيرها ان كان يلحق الواطئ نسب ولدها فهي كالموطوة في النكاح الفاسد وان كان لا يلحقه نسب ولدها كالزاني فليس عليه نفقتها حاملا كانت اولا لانه لا نكاح بينهما ولا بينهما ولد ينسب إليه (فصل) ولا تجب على الزوج نفقة الناشز فان كان لها منه ولد اعطاها نفقة ولدها، والنشوز معصيتها اياه فيما يجب عليها مما أوجبه الشرع بسبب النكاح، فمتى امتنعت من فراشه أو من الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو خرجت من منزله بغير اذنه أو ابت السفر معه إذا لم تشترط بلدها فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم منهم الشعبي وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور وقال الحكم لها النفقة قال ابن المنذر ولا أعلم أحدا خالف هؤلاء إلا الحكم ولعله يحتج بان نشوزها لا يسقط مهرها فكذلك نفقتها ولنا ان النفقة انما تجب في مقابلة تمكينها بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إليه ولانه إذا منعها النفقة
كان لها منعه التمكين فكذلك إذا منعته التمكين كان له منعها النفقة كما قبل الدخول، ويخالف المهر فانه يجب بمجرد العقد كذلك لو مات احدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة فاما نفقة ولدها منه فهي واجبة عليه فلا يسقط حقه بمعصيتها كالكبير وعليه دفعها إليها إذا كانت هي الحاضنة له أو المرضعة وكذلك اجر رضاعها يلزمه تسليمه إليها لانه اجر ملكته عليه بالارضاع لا في مقابلة الاستمتاع فلا يزول بزواله (فصل) وإذا سقطت نفقتها بالنشوز فعادت عن النشوز والزوج حاضر عادت نفقتها لزوال المسقط لها ووجود التمكين المقتضي لها وان كان غائبا لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره أو حضور وكيله أو حكم الحاكم بالوجوب إذا مضى زمن الامكان، ولو ارتدت سقطت نفقتها فان عادت إلى الاسلام عادت بمجرد عودها لان المرتدة انما سقطت النفقة بخروجها عن الاسلام فإذا عادت إليه زال المعنى المسقط فعادت النفقة وفي النشوز سقطت النفقة بخروجها عن يده أو منعها له من التمكين المستحق عليها ولا يزول ذلك إلا بعودها إلى يده وتمكينه منها ولا تحصيل ذلك في غيبته وكذلك لو بذلت تسليم نفسها قبل دخوله بها وهو غائب لم تستحق النفقة بمجرد البذل كذا ههنا (فصل) إذا خالعت المرأة زوجها وهي حامل ولم تبرئه من حملها فلها النفقة كالمطلقة ثلاثا وهي حامل لان الحمل ولده فعليه نفقته وان ابرأته من الحمل عوضا في الخلع صح سواء كان العوض كله أو بعضه وقد ذكرناه في الخلع وذكرنا الخلاف فيه ولا تبرأ حتى تفطمه إذا كانت قدا برأته من نفقة
الحمل وكفالة الولد إلى ذلك أو أطلقت البراءة من نفقة الحمل وكفالة لان البراءة المطلقة تنصرف إلى المدة التى تستحق المرأة العوض عليه فيها وهي مدة الحمل والرضاع لان المطلق إذا كان له عرف انصرف إليه، وان اختلفا في مدة الرضاع انصرف إلى حولين لقول الله سبحانه (وفصاله في عامين) وقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة) ثم قال تعالى (فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح علهيما) فدل على أنه لا يجوز فصاله قبل الحولين إلا بتراض
منهما وتشاور، وان قدرا مدة البراءة بزمن الحمل أو بعام نحو ذلك فهو على ما قدراه وهو اولى لانه اقطع للنزاع وابعد من اللبس والاشتباه، ولو ابرأته من نفقة الحمل انصرف ذلك إلى زمن الحمل قبل وضعه قال القاضي انما صح مخالعتها على نفقة الولد وهي الولد دونها لانها في حكم المالكة لها لانها التي تقبضها وتستحقها وتتصرف فيها فانها في مدة الحمل هي الآكلة لها المنتفعة بها وبعد الولادة هي اجر رضاعها اياه وهي الآخذة لها المتصرفة فيها كملك من املاكها فصح جعلها عوضا، فاما النفقة الزائدة على هذا من كسوة الطفل ودهنه ونحو ذلك فلا يصح ان تعاوض به في الخلع لانه ليس هو لها ولا في حكم ما هو لها (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويجب دفع النفقة إليها في صدر نهار كل يوم ذلك إذا طلعت الشمس)
لانه أزل وقت الحاجة فان اتفقا على تأخيرها أو تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة جاز لان الحق لهما لا يخرج عنهما فجاز من تعجيله وتأخيره ما انفقا عليه كالدين ولا خلاف بين أهل العلم هذا فيما علمنا (مسألة) (فان طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر) لانه طلب غير الوجب فلم يلزم الآخر لانها معاوضة فلا يجبر عليها واحد منهما كالبيع، وإن تراضيا على ذلك جاز لانه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضة عنه كالطعام في القرض (مسألة) (وعليه كسوتها في كل عام مرة) لانه العادة ويكون الدفع إليها في أوله لانه أول وقت الوجوب (مسألة) (فإذا قبضتها فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها) إذا تلفت الكسوة أو سرقت بعد قبضها لم يلزمه عوضها لانها قبضت حقها فلم يلزمه غيره كالدين إذا وفاها إياه ثم ضاع منها (مسألة) (وإن انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الاخرى ويحتمل أن لا يلزمه) وجملة ذلك أنه إذا دفع إليها كسوة العام برئ منها كما إذا دفع إليها نفقة اليوم فان بليت قبل ذلك لكثرة خروجها ودخولها أو استعمالها لم يلزمه ابدالها لانه ليس بوقت الحاجة إلى الكسوة في
العرف، وإن مضى الزمان الذي يلي في مثله بالاستعمال ولم يهل فهل يلزمه بدلها؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لانها غير محتاجة إلى الكسوة (والثاني) يلزمه لان الاعتبار بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة بدليل أنها لو بليت قبل ذلك لم يلزمه بدلها ولو أهدى إليها كسوة لم تسقط كسوتها وكذلك لو أهدى إليها طعام فأكلته وبقي قوتها إلى الغد لم يسقط قوتها فيه (مسألة) (وان ماتت أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة؟ على وجهين) (أحدهما) له الرجوع لانه دفعها للزمان المستقبل فإذا طلقها قبل مضيه كان له استرجاعها كما لو دفع إليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها (والثاني) ليس له الاسترجاع لانه دفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه فلم يكن له الرجوع فيها كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها قبل أكلها بخلاف النفقة الستقبلة.
(مسألة) (وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها فيجوز لها بيعها وهبتها والصدقة بها وغير ذلك) لانها حقها فملكت التصرف فيه كسائر ما لها فان عاد ذلك عليها بضرر في بدنها ونقص في استمتاعها فلا تملكه لانها تفوت حقه بذلك، وكذلك الحكم في الكسوة في أحد الوجهين قياسا على النفقة واحتمل المنع لان له استرجاعها لو طلقها في أحد الوجهين بخلاف النفقة
(مسألة) (وإن غاب مدة ولم ينفق نفقة ما مضى سواء تركها لعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين) وبه قال الحسن والشافعي واسحاق وابن المنذر والرواية الاخرى تسقط ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها وهو مذهب أبي حنيفة لانها نفقة تجب يوما فيوما فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الاقارب ولان نفقة الماضي قد استغني عنها بمضي وقتها أشبهت نفقة الاقارب ولنا أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فان طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ولانها حق يجب مع اليسار والاعسار فلم يسقط بمضي الزمان
كأجرة العقار والديون قال ابن المنذر: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والاجماع ولا يزول ما وجب بهذه الحجج الا بمثلها وفارق نفقة الاقارب فانها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والاعسار ممن تجب له وجبت لتزجية الحال فإذا مضى زمنها استغنى عنها فأشبه ما لو استغنى عنها بيساره وهذا بخلاف ذلك.
إذا ثبت هذا فانه إن ترك النفقة عليها مع يساره فعليه النفقة بكمالها، وإن تركها لاعساره لم يلزمه الا نفقة المعسر لان الزائد سقط بالاعسار (فصل) والذمية كالمسلمة في النفقة والمسكن والكسوة في قول عامة أهل العلم وبه يقول مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لعموم النصوص والمعنى (فصل) قال الشيخ رحمه الله إذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه وهي ممن يوطأ مثلها أو يتعذر
وطؤها لمرض أو حيض أو رتق أو نحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج صغيرا أو كبيرا يمكنه الوطئ أو لا يمكنه كالمجبوب والعنين والمريض) وجملته أن المرأة إذا بذلت تسليم نفسها وهي ممن يوطأ مثلها لزم زوجها نفقتها لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اتقوا الله في النساء فانهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم (مسألة) (وإن سلمت نفسها وهي ممن يتعذر وطؤها لرتق أو حيض أو نفاس أو لكونها نضوة الخلق لا يمكنه وطؤها لذلك أو لمرضها لزمته نفقتها أيضا وإن حدث بها شئ من ذلك لم تسقط نفقتها) لان الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها وان منع من الوطئ فان قيل فالصغيرة التي لا يمكن وطؤها إذا سلمت نفسها لا تجب نفقتها قلنا الصغيرة لها حال يتمكن من الاستمتاع بها فيها استمتاعا تاما والظاهر أنه تزوجها انتظارا لملك الحال بخلاف هؤلاء وكذلك لو طلب تسليم هؤلاء وجب تسليمهن ولا يجب تسليم الصغيرة إذا طلبها فان قيل فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع مما دون الوطئ لم تجب نفقتها فكذلك هؤلاء، قلنا تلك متعة مما يجب عليها وهؤلاء لا يجب عليهن التمكين مما فيه ضرر، فان ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق فرجها أو قروح به أو نحو ذلك وأنكره أريت امرأة ثقة وعمل بقولها وان ادعت
عيالة ذكره وعظمه جاز أن تنظر المرأة اليهما حال اجتماعهما لانه موضع حاجة ويجوز النظر إلى العورة للحاجة والشهادة.
(مسألة) (وان أسلمت نفسها وهي صغيرة وجبت عليه نفقتها إذا كانت كبيرة يمكن وطؤها) وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا نفقة لها وهو قول مالك لان الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها فلم يلزمه نفقتها كما لو كانت صغيرة ولنا أنها سلمت نفسها تسليما صحيحا فوجبت لها النفقة كما لو كان الزوج كبيرا ولان الاستمتاع بها ممكن وانما تعذر من جهة الزوج فهو كما لو تعذر لغيبته بخلاف ما إذا كانت صغيرة فانها لم تسلم نفسها تسليما صحيحا ولم تبذل ذلك وكذلك إذ كان يتعذر عليه الوطئ إذا كان مريضا أو مجبوبا أو عنينا لان التمكين وجد من جهتها وانما تعذر من جهته فوجبت النفقة كما لو سلمت إليه نفسها وهو كبير فهرب، إذا ثبت هذا فان الولي يجبر على نفقتها من مال الصبي لان النفقة عليه وانما الولي ينوب عنه في أداء الواجبات عليه كما يؤدي أروش جناياته وزكواته (مسألة) (فان كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسليمها إليه إذا طلبها) وبهذا قال الحسن وبكر بن عبد الله المزني والنخعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو نص الشافعي وقال في موضع لو قيل لها النفقة كان مذهبا وهو قول الثوري لان تعذر الوطئ لم يكن بفعلها ولم يمنع وجوب النفقة كالمرض.
ولنا أن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع ولا يتصور ذلك مع تعذر الاستمتاع فلم تجب نفقتها كما لو منعه أولياؤها من تسليم نفسها وبهذا يبطل ما ذكروه وتفارق المريضة فان الاستمتاع بها ممكن وإنما نقص بالمرض ولان من لا تمكن الزوج من نفسها لا تلزمه نفقتها فهذه أولى لان تلك يمكن الزوج قهرها ووطؤها كرها وهذه لا يمكن فيها ذلك بحال وعلى هذا لا يجب على الزوج تسلمها ولا تسليمها إليه إذا طلبها لانه لا يمكنه استيفاء حقه منها.
(مسألة) (وان بذلته والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله).
وجملة ذلك أن المرأة بذلت التسليم والزوج غائب لم تستحق النفقة لانها بذلته في حال لا يمكنه التسليم فيه فان مضت إلى الحاكم فبذلت التسليم كتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك فان سار إليها أو وكل من يسلمها إليه فوصل وتسلمها هو أو نائبه وجبت النفقة حينئذ وان لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي كان يمكن الوصول إليها وتسلمها فيه لان الزوج امتنع من تسلمها وإمكان ذلك وبذلها اياه له فلزمته نفقتها كما لو كان حاضرا فاما ان غاب الزوج بعد تمكينها ووجوب نفقتها عليه لم تسقط عنه بل تجب عليه في زمن غيبة لانها استحقت النفقة بالتمكين ولم يوجد منها ما يسقطها (فصل) فان سلمت الصغيرة التي يمكن وطؤها نفسها أو المجنونة فتسلمها لزمته نفقتها كالكبيرة وان
لم يتسلمها لمنعها نفسها أو لمنع أوليائها فلا نفقة لها عليه كالكبيرة وان غاب الزوج فبذل وليها تسليمها فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم لان وليها يقوم مقامها وان بذلت هي دون وليها لم يفرض الحاكم لها نفقة لانه لا حكم لكلامها (مسألة) (وان منعت نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها وان تساكنا بعد العقد فلم تبذل ولم يطلب فلا نفقة لها وان طال مقامها على ذلك) فان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها ودخلت عليه بعد سنتين ولم ينفق إلا بعد دخوله ولم يلتزم نفقتها لما مضى ولان النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح فإذا وجد استحقت وإذا فقد لم تستحق شيئا (فصل) ولو بذلت تسليمها غير تام بان تقول أسلم اليك نفسي في منزلي دون غيره أو في المنزل الفلاني دون غيره لم تستحق شيئا إلا ان تكون قد اشترطت ذلك في العقد لانها لم تبذل التسليم الواجب بالعقد فلم تستحق النفقة كما لو قال البائع اسلم اليك السلعة على ان تتركها في موضعها أو في مكان يعينه فان شرطت دارها أو بلدها فسلمت نفسها في ذلك استحقت النفقة لانها فعلت الواجب عليها ولذلك
لو سلم السيد امته المزوجة في الليل دون النهار استحقت النفقة بخلاف الحرة فانها لو بذلت نفسها في بعض الزمان لم تستحق شيئا لانها لم تسلم التسليم الواجب بالعقد وكذلك ان امكنته من استمتاع ومنعته استمتاعا لم تستحق شيئا كذلك (مسألة) (إلا ان تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقتها)
وجملة ذلك ان امرأة تمنع نفسها حتى تتسلم صداقها لان تسليم نفسها قبل صداقها يفضى إلى ان يتسلم منفعتها المعقود عليها بالوطئ ثم لا يسلم صداقها فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى منها بخلاف المبيع إذا سلمه المشتري ثم اعسر بالثمن فانه يمكنه الرجوع فيه فلهذا الزمناه تسليم صداقها اولا وجعلنا لها ان تمتتع من تسليم نفسها حتى تقبض صداقها لانه إذا سلم إليها الصداق ثم امتنعت من التسليم أمكن الرجوع فيه.
إذا ثبت هذا فمتى امتنعت من تسليم نفسها لتقبض صداقها فلها نفقتها لانها امتنعت لحق فان قيل فلو امتنعت لصغر أو مرض لم يلزمه نفقتها، قلنا الفرق بينهما ان امتناعها لمرض لمعنى من جهتها وكذلك الامتناع لصغر وههنا الامتناع لمعنى من جهة الزوج هو منعه لما وجب عليه فاشبه ما لو تعذر الاستمتاع لصغر الزوج فانه لا يسقط نفقتها عنه ولو تعذر لصغرها لم يلزمه نفقتها (مسألة) (وان كان بعد الدخول فكذلك في أحد الوجهين قياسا على ما قبل الدخول (والثاني) ليس لها ذلك كما لو سلم المبيع إلى المشتري ثم أراد منعه بعد ذلك (مسألة) (فاما الصداق المؤجل فليس لها منع نفسها حتى تقبضه كالثمن المؤجل في البيع وقد ذكرنا هذه المسائل في كتاب الصداق بابسط من هذا وذكرنا الخلاف فاختصرنا ههنا) (مسألة) (وان سلمت الامة نفسها ليلا أو نهارا فهي كالحرة في وجوب النفقة) وجملة ذلك ان زوج الامة لا يخلو اما ان يكون حرا أو عبدا أو بعضه حر وبعضه عبد فان كان حرا فنفقتها
عليه للنص ولاتفاق أهل العلم على وجوب نفقة الزوجات على ازواجهن البالغين والامة داخلة في عمومهن ولانها زوجة ممكنة من نفسها فوجب على زوجها نفقتها كالحرة، وان كان زوجها مملوكا فالنفقة واجبة
لزوجته كذلك، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان على العبد نفقة زوجته هذا قول الشعبي والحكم والشافعي وبه قال أصحاب الرأي إذا بوأها بينا، وحكي عن مالك أنه قال ليس عليه نفقتها لان النفقة مواساة وليس هو من أهلها وكذلك لا يجب عليه نفقة اقاربه ولا زكاة ماله ولنا أنه عوض واجب في النكاح فوجب على العبد كالمهر، والدليل على أنها عوض أنها تجب في مقابلة التمكين ولهذا تسقط عن الحر بفوات التمكين، وبذلك فارقت نفقة الاقارب.
إذا ثبت وجوبها على العبد فانها تلزم سيده لان السيد أذن في النكاح المفضي إلى ايجابها، وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى أنها تجب في كسب العبد وهو قول أصحاب الشافعي لانه لم يمكن ايجابها في ذمته ولا رقبته ولا ذمة سيده ولا اسقاطها فلم يبق إلا ان تتعلق بكسبه، وقال القاضي تتعلق برقبته لان الوطئ في النكاح بمنزلة الجناية وارش جناية العبد يتعلق برقبته يباع فيها أو يفديه سيده وهذا قول أصحاب الرأي ولنا أنه اذن السيد فيه فيلزم ذمته كالذي استدانه وكيله وقولهم انه في مقابلة الوطئ لا يصح فانه يجب من غير وطئ ويجب للرتقاء والحائض والنفساء وزوجة المجبوب والصغيرة وانما تجب بالتمكين وليس
ذلك بجناية ولا قائم مقامها، وقول من قال انه تعذر ايجابها في ذمة السيد غير صحيح فانه لا مانع من ايجابها وقد ذكرنا وجود مقتضيه فلا معنى لدعوى التعذر (مسألة) (وان كانت تأوى إليه ليلا وعند السيد نهارا فعلى كل واحد منهما النفقة بقدر مقامها عنده) وقد تقدم ذكر هذة المسألة، وقد ذكرنا ان النفقة تجب في مقابلة التمكين وقد وجد منها في الليل فيجب على الزوج النفقة فيه والباقي منها على السيد بحكم أنها مملوكته ولم تجب نفقتها على غيره في هذا الزمن، فعلى هذا على كل واحد منهما نصف النفقة وهذا أحد قولي الشافعي وقال الآخر لا نفقة لها على الزوج لانها لم تمكن من نفسها في جميع الزمان فلم يجب لها شئ من النفقة كالحرة إذا بذلت نفسها في زمن دون غيره ولنا أنه وجد التمكين الواجب بعقد النكاح فاستحقت النفقة كالحرة إذا امكنت من نفسها في غير اوقات الصلوات المفروضات والصوم الواجب والحج المفروض، وفارق الحرة إذا امتنعت في أحد
الزمانين فانها لم تبذل الواجب فتكون ناشزا وهذه ليست ناشزا ولا عاصية (فصل) وإذا طلق الامة طلاقا رجعيا فلها النفقة في العدة لانها زوجة فان ابانها وهي حائل فلا نفقة لها لانها لو كانت حرة لم تجب لها نفقة فالامة أولى وان كانت حاملا فلها النفقة لقول الله تعالى
(وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) نص على هذا أحمد وبه قال إسحاق وقد ذكرنا في نفقة الحامل هل هي للحمل أو للحامل؟ على روايتين عن أحمد رحمه الله إحداهما أنها للحمل فعلى هذا لا تجب للمملوكة الحامل البائن لان الحمل مملوك لسيدها فنفقته عليه وعلى الرواية الاخرى تجب وللشافعي في هذا قولان كالروايتين (فصل) فان كان المطلق عبدا فطلقها ثانيا وهي حامل انبنى وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل أو للحامل؟ فان قلنا هي للحمل فلا نفقة على العبد وبه قال مالك وروي ذلك عن الشعبي لانه لا يجب عليه نفقة ولده وان قلنا هي للحامل بسببه وجبت لها النفقة وهذا قول الاوزاعي للآية ولانها حامل فوجبت لها النفقة كما لو كان زوجها حرا (فصل) والمعتق بعضه عليه من نفقة امرأته بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده أو في ضريته أو في رقبته على ما ذكرنا في العبد القن، والقدر الذي يجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله ان كان موسرا فنفقة الموسرين وان كان معسرا فنفقة المعسرين والباقي يجب فيه نفقة المعسرين، لان النفقة مما يتبعض وما يتبعض بعضناه في حق المعتق بعضه كالميراث والديات وما لا يتبعض فهو فيه كالعبد لان الحرية إما شرط فيه أو سبب له ولم يكمل وهذا اختيار المزني، وقال الشافعي حكمه حكم القن في الجميع إلحاقا لاحد الحكمين بالآخر.
ولنا أنه يملك بنصفه الحر ملكا تاما ولهذا يورث عنه ويكفر بالاطعام ويجب فيه نصف دية الحر فوجب أن تتبعض فنفقته لانها من جملة الاحكام القابلة للتبعيض (فصل) وحكم المكاتب في نفقة الزوجات حكم العبد القن لانه عبد ما بقي عليه درهم ويجب عليه
نفقة زوجته من كسبه، لان نفقة الزوجة واجبة بحكم المعاوضة مع اليسار والاعسار ولذلك وجبت على العبد فعلى المكاتب أولى، ولان نفقة المرأة لا تسقط عن أحمد من الناس إذا لم يوجد منها ما يسقط نفقتها ولا يمكن إيجابها على سيده لان نفقة المكاتب لا تجب على سيده فنفقة امرأته أولى (مسألة) (وإذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إذنه أو تطوعت بحج أو صوم أو احرمت بحج منذور في الذمة بغير إذنه فلا نفقة لها) لا تجب نفقة الناشز في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف فيه إلا الحكم ولعله قاسه على المهر ولا يصح القياس، لان النفقة وجبت في مقابلة التمكين من نفسها فإذا لم يوجد منها التمكين لا تستحقها بخلاف المهر فانه يجب بمجرد العقد، وكذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة وقد ذكرناه، فأما إذا سافرت المرأة بغير اذن زوجها فان نفقتها تسقط لانها ناشز وكذلك ان انتقلت من منزله بغير إذنه وان سافرت في حاجة نفسها باذنه سقطت نفقتها، ذكره الخرقي لانها فوتت التمكين لحظ نفسها وقضاء أربها فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون مسافرا
معها متمكنا من استمتاعها فلا تسقط نفقتها لانها لم تفوت التمكين فأشبهت غير المسافرة، ويحتمل أن لا تسقط نفقتها وان لم يكن معها لانها مسافرة باذنه أشبه ما لو سافرت في حاجته وسواء كان سفرها للتجارة أو حج تطوع أو زيارة وان أحرمت بحج تطوع بغير إذنه سقطت نفقتها لانها في معنى المسافرة فان أحرمت به باذنه فقال القاضي لها النفقة والصحيح أنها كالمسافرة لانها باحرامها مانعة له من التمكين (مسألة) (وان بعثها في حاجته فهي على نفقتها) لانها سافرت في شغله ومراده وان أحرمت بالحج الواجب أو العمرة الواجبة في الوقت الواجب من الميقات فلها النفقة لانها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع في وقته فلم تسقط نفقتها كصيام رمضان، وان قدمت الاحرام على الميقات أو قبل الوقت خرج فيها من القول مثل ما في المحرمة بحج التطوع لانها فوتت عليه التمكين بشئ تستغنى عنه، فان اعتكفت فالقياس أنه كفرها ان كان بغير اذنه فهي ناشز لخروجها من منزل زوجها بغير اذنه فيما ليس واجبا باصل الشرع وان كان باذنه فلا نفقة لها على
قول الخرقي وعند القاضي لها النفقة، وان صامت رمضان لم تسقط نفقتها لانه واجب مضيق باصل الشرع لا يملك منعها منه فهو كالصلاة، ولانه يكون صائما معها فيمتنع الاستمتاع لمعنى وجد فيه، وان كان تطوعا تسقط
نفقتها لانها لم تأت ما يمنعه من استمتاعها فانه يمكنه تفطيرها ووطؤها إلا أن يريد ذلك منها فتمنعه فتسقط نفقتها بامتناعها من التمكين الواجب.
(مسألة) (وان أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين) (أحدهما) لها النفقة، ذكره القاضي لان أحمد نص على أنه ليس له منعها (والثاني) أنه ان كان نذرها قبل النكاح أو كان النذر باذنه لم تسقط نفقتها لانه كان واجبا عليها بحق سابق على نكاحه أو واجب اذن في سببه وان كان النذر في نكاحه بغير اذنه فلا نفقة لها لانها فوتت عليه حقه من الاستمتاع باختيارها بالنذر الذي لم يوجبه الشرع عليها ولا ندبها إليه وان كان النذر مطلقا أو كان صوم كفارة فصامت باذنه فلها النفقة لانها أدت الواجب باذنه فأشبه ما لو صامت المعين باذنه في وقته وان صامت بغير اذنه فقال القاضي لا نفقة لها لانها يمكنها تأخيره فانه على التراخي، وحق الزوج على الفور وان كان قضاء رمضان قبل ضيق وقته فكذلك وان كان وقته مضيقا مثل ان قرب رمضان آخر فعليه نفقتها لانه واجب مضيق بأصل الشرع أشبه أداء رمضان (مسألة) (وان اختلفا في نشوزها فادعى أنها نشزت وأنكرت الزوجة فالقول قولها مع يمينها) لان الاصل عدم النشوز (مسألة) (وكذلك ان ادعى تسليم النفقة فأنكرته فالقول قولها كذلك)
(مسألة) (وان اختلفا في بذل التسليم فقالت بذلت لك تسليم نفسي فأنكرها فالقول قوله) لانه منكرا والاصل عدم التسليم (فصل) وان أعسر الزوج بنفقتها أو بعضها أو بالكسوة خيرت بين فسخ النكاح والمقام وتكون النفقة دينا في ذمته، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تملك الفسخ باعساره، والاول المذهب، إذا منع الرجل
نفقة امرأته لعسرته وعدم ما ينفقه خيرت بين الصبر عليه وبين فراقه روي نحو ذلك عن عمر وعلي وأبي هريرة وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وحماد ومالك وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وعن أحمد أنها لا تملك الفسخ بالاعسار والاول المذهب وذهب عطاء والزهري وابن شبرمة وأبو حنيفة وصاحباه إلى أنها لا تملك فراقه بذلك ولكن يرفع يده عنها لتكتسب لانه حق لها عليه فلا يفسخ النكاح لعجزه عنه كالدين، وقال العنبري يحبس إلى أن ينفق ولنا قول الله تعالى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وليس الامساك مع ترك الانفاق امساكا بمعروف فتعين التسريح، وروى سعيد عن سفيان عن أبي الزنا وقال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما؟ قال نعم قلت سنة قال سنة؟ وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن المنذر ثبت أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا من نسائهم فأمرهم بان ينفقوا أو يطلقوا فان طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى، ولانه إذا ثبت الفسخ بالبجر عن الوطئ
والضرر فيه أقل لانه انما هو فقد لذة وشهوة يقوم البدن بدونه، فلان يثبت بالعجز عن النفقة التي لا يقوم البدن الا بها أولى إذا ثبت هذا فانه متى ثبت الاعسار بالنفقة على الاطلاق فللمرأة المطالبة بالفسخ من غير انظار، وهذا أحد قولي الشافعي، وقال حماد بن أبي سليمان يؤجل سنة قياسا على العنين، وقال عمر بن عبد العزيز اضربوا له شهرا أو شهرين، وقال مالك الشهر ونحوه، وقال الشافعي في القول الآخر يؤجل ثلاثا لانه قريب.
ولنا ظاهر حديث عمر رضي الله عنه ولانه معنى يثبت الفسخ ولم يرد الشرع بالانظار فيه فأثبت الفسخ في الحال كالعيب ولان سبب الفسخ الاعسار وقد وجد فلا يلزم التأخير (فصل) فان لم يجد الا نفقة يوم بيوم فليس ذلك اعسارا يثبت به الفسخ، لان ذلك هو الواجب عليه وقد قدر عليه، وان وجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعشيها لم يكن لها الفسخ لانها تصل إلى كفايتها وما يقوم به بدنها وان كان صانعا يعمل في الاسبوع ما يبيعه يوم بقدر كفايتها في الاسبوع كله لم يثبت الفسخ، لان هذا يحصل الكفاية في جميع زمانه وان تعذر عليه الكسب في بعض زمانه
أو تعذر البيع لم يثبت الفسخ لانه يمكنه الاقتراض إلى زوال العارض وحصول الاكتساب وكذلك ان عجز عن الاقتراض أياما يسيرة، ولان ذلك يزول عن قريب ولا يكاد يسلم منه كثير من الناس، وان مرض مرضا يرجى برؤه في أيام يسيرة فلم يفسخ لما ذكرناه وان كان ذلك يطول فلها الفسخ لان
الضرر الغالب يلحقها ولا يمكنها الصبر وكذلك ان كان لا يجد من النفقة الا يوما دون يوم لانها لا يمكنها الصبر على هذا فهو كمن لا يجد الا بعض الفوت وان أعسر ببعض نفقة المعسر ثبت لها الخيار لان البدن لا يقوم بما دونها فان أعسر بما زاد على نفقة المعسر فلا خيار لها لان تلك الزيادة تسقط باعساره ويمكن الصبر عنها (مسألة) (وإن رضيت بالمقام معه مع عسرته وترك المطالبة جاز) لان الحق لها وتكون النفقة دينا في ذمته ثم إن بدا لها الفسخ أو تزوجت معسرا عالمة بحاله راضية بعسرته وترك انفاقه أو شرط عليها أن لا ينفق عليها ثم عن لها الفسخ فلها ذلك وبه قال الشافعي وقال القاضي: كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ ويبطل خيارها في الموضعين وهو قول مالك لانها رضيت بعيبه ودخلت في العقد عالمة به فلم تملك الفسخ كما لو تزوجت عنينا عالمة بعيبه أو قالت بعد العقد قد رضيت به عنينا ولنا أن وجوب النفقة تتجدد كل يوم فتجدد لها الفسخ ولا يصح اسقاط حقها فيما لم يجب لها كاسقاط شفعتها قبل البيع، وكذلك لو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط ولو أسقطها أو أسقطت المهر قبل النكاح لم يسقط وإذا لم يسقط وجوبها لم يسقط الفسخ الثابت به وان أعسر بالمهر وقلنا لها الفسخ لاعساره به فرضيت بالمقام لم يكن لها الفسخ لان وجوبه لم يتجدد بخلاف النفقة فان
تزوجته عالمة باعساره بالمهر راضية فينبغي أن لا تملك الفسخ باعساره لانها رضيت بذلك في وقت لو أسقطته فيه سقط.
(فصل) وإذا رضيت بالمقام مع ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع لانه لم يسلم إليها عوضه فلم يلزمها تسليمه كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه وعليه تخلية سبيلها لتكتسب لها
وتحصل ما تنفقه عليها لان في حبسها بغير نفقة اضرارا بها، وإن كانت موسرة لم يكن له حبسها لانه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة وأغناها عنما لابد لها منه ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب له عليها فإذا انتفي الامر ان لم يملك حبسها (مسألة) (وإن أعسر بنفقة الخادم أو النفقة الماضية أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الادم فلا فسخ لها وتكون النفقة دينا في ذمته، وقال القاضي تسقط) إذا أعسر بالنفقة الماضية لم يكن لها الفسخ لانها دين يقوم البدن بدونها فأشبهت سائر الديون وكذلك إن أعسر بنفقة الموسر أو المتوسط فلا فسخ لها لان الزيادة تسقط باعساره ويمكن الصبر عنها وكذلك إن أعسر بنفقة الخادم أو الادم كذلك (مسألة) (ويثبت ذلك في ذمته، وكذلك إن أعسر بالسكن وقلنا لا يثبت لها الفسخ) وبهذا قال الشافعي، وقال القاضي لا يثبت لانه من الزوائد فلم يثبت في ذمته كالزوائد عن الواجب عليه
ولنا أنها نفقة تجب على سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتا وهذا فيما عدا الزائد على نفقة المعسر فان ذلك يسقط بالاعسار (مسألة) (وإن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ؟ يحتمل وجهين) إذا أعسر بأجرة المسكن فلها الخيار في أحد الوجهين لانه مما لابد منه أشبه النفقة والكسوة (والثاني) لا خيار لها لان البينة تقوم بدونه، وهذا الوجه الذي ذكره القاضي، وإن أعسر بالصداق ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) ليس لها الفسخ اختاره ابن حامد (والثاني) لها الفسخ اختاره أبو بكر لانه أعسر بالعوض فكان لها الرجوع في المعوض كما لو أعسر بثمن مبيعها (والثالث) إن أعسر قبل الدخول فلها الفسخ كما لو أفلس المشتري والمبيع بحاله، وان كان بعد الدخول لم يملك الفسخ لان المعقود عليه قد استوفي فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع أو بعضه وهذا المشهور في المذهب واختار شيخنا الرواية الاولى لانه دين فلم يفسخ النكاح، للاعسار به كالنفقة الماضية ولان تأخيره ليس فيه ضرر ومجحف فأشبه نفقة الخادم ولانه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع لان الثمن
كل مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة ليس هو المقصود في النكاح وكذلك لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره والعادة تأخيره ولان أكثر من يشتري بثمن حال يكون موسرا به يشتري بثمن حال يكون موسرا به وليس الاكثر أن من يتزوج بمهر يكون موسرا به ولا يصح قياسه على النفقة لان الضرورة لا تندفع
إلا بها بخلاف الصداق فأشبه شئ به النفقة الماضية وللشافعي نحو هذه الوجوه، وإنما قلنا لها الفسخ للاعسار به فتزوجته عالمة بعسرته فلا خيار لها وجها واحدا لانها رضيت به كذلك، وكذا إن علمت عسرته فرضيت بالمقام سقط حقها من الفسخ لانها رضيت باسقاط حقها بعد وجوبه فسقط كما لو رضيت بعثته (مسألة) (وإن أعسر زوج الامة فرضيت لم يكن لسيدها الفسخ ويحتمل أن له ذلك) وجملة ذلك أن نفقة الامة المزوجة حق لها ولسيدها لان كل واحد منهما ينتفع بها ولكل واحد منهما طلبها إذا امتنع الزوج من أدائها ولا يملك واحد منهما اسقاطها لان في سقوطه باسقاط احداهما ضررا بالآخر فعلى هذا إن أعسر الزوج فلها الفسخ لانه عجز عن نفقتها فملكت الفسخ كالحرة، وإن لم تفسخ فقال القاضي: لسيدها الفسخ لان عليه ضررا في عدمها لما يتعلق بفواتها من فوات ملكه وتلفه فان أتفق عليها سيدها محتسبا بالرجوع فله الرجوع بها على الزوج رضيت بذلك أو كرهت لان الدين خالص حقه لا حق لها فيه وإن تعلق حقها بالنفقة الحاضرة لوجوب صرفها إليها وقوام بدنها به بخلاف الماضية، وقال أبو الخطاب وأصحاب الشافعي ليس لسيدها الفسخ لعسرة زوجها بالنفقة لانها حق لها فلم يملك سيدها الفسخ دونها كالفسخ للعنة فان كانت معتوهة أنفق المولى وتكون النفقة دينا في ذمة الزوج، وإن كانت عاقلة قال لها السيد: إن أردت النففة فافسخي النكاح وإلا فلا نفقة لك عندي (مسألة) (وان اعسر زوج الصغيره أو المجنونة لم يكن لوليهما الفسخ)
لانه فسخ نكاحها فلم يكن له ذلك كالفسخ بالعيب، ويحتمل أن يملك الفسخ لانه فسخ لفوات
العوض فملكه كفسخ لتعذر الثمن (فصل) وإن اختلف الزوجان في الانفاق عليها أو في تقبيضها نفقتها فالقول قول المرأة لانها منكرة والاصل معها، وإن اختلفا في يساره فادعته المرأة ليفرض لها نفقة الموسرين أو قالت كنت موسرا وأنكر ذلك فان عرف له مال فالقول قولها وإلا فالقول قوله وبهذا كله قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وان اختلفا في فرض الحاكم للنفقة أو في وقتها فقال فرضها منذ شهرين قالت بل منذ عام فالقول قوله، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك ان كان مقيما معها فالقول قوله وإن كان غائبا عنها فالقول قول المرأة من يوم رفعت أمرها إلى الحاكم ولنا أن قوله يوافق الاصل فقدم كما لو كان مقيما معها وكل من قلنا القول قوله فلخصمه عليه اليمين لانها دعاو في المال فأشبهت دعوى الدين ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولكن اليمين على المدعى عليه " وإن دفع الزوج إلى امرأته نفقة وكسوة أو بعث به إليها فقالت إنما فعلت ذلك تبرعا وهبة قال بل وفاء للواجب علي فالقول قوله لانه أعلم بنية أشبه ما لو قضى دينه فاختلف هو وغريمه في نيته، وإن طلق امرأته وكانت حاملا فوضعت فقال طلقتك حاملا فانقضت عدتك بوضع الحمل وانقطعت نفقتك ورجعتك قالت بل بعد الوضع فلي النفقة ولك الرجعة فالقول قولها لان الاصل بقاء النفقة وعدم المسقط
لها وعليها العدة ولا رجعة للزوج لاقراره بعدمها، وإن رجع فصدقها فله الرجعة لانها مقرة لديها، ولو قال طلقتك بعد الوضع فلي الرجعة ولك النفقة قالت بل وأنا حامل فالقول قولها فيها فان عاد فصدقها سقطت رجعته ووجبت لها النفقة هذا في ظاهر الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيبني على ما يعلمه من حقيقة الامر دون ما قاله (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن منعها النفقة أو بعضها مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف بغير إذنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت ان أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وجملة ذلك أن الزوج إذا لم يدفع إلى زوجته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة أو دفع إليها
أقل من كفايتها فلها أن تأخذ من ماله الواجب أو تمامه باذنه وبغير إذنه لما ذكرنا من حديث هند وهو اذن لها في الاخذ من ماله بغير اذنه ورد لها إلى اجتهادها في قدر كفايتها وكفاية ولدها وهو متناول لاخذ تمام الكفاية فان ظاهر الحديث دل على أنه كان يعطيها بعض الكفاية ولا يتممها لها فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه لانه موضع حاجة فان النفقة لا غنى عنها ولا قوام إلا بها فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها أفضى إلى ضياعها وهلاكها فرخص لها في أخذ قدر نفقتها دفعا لحاجتها ولان النفقة تتجدد بتجدد الزمان شيئا فشيئا فتشق الرافعة إلى الحاكم والمطالبة
بها في كل الاوقات فلذلك رخص لها في أخذها بغير إذن من هي عليه وذكر القاضي بينها وبين الدين فرقا آخر وهو ان نفقة الزوجة تسقط بفوات وقتها عند بعض أهل العلم ما لم يكن الحاكم فرضها لها فلو لم تأخذ حقها أفضى إلى سقوطها والاضرار بها بخلاف الدين فانه لا يسقط عند أحد بترك المطالبة فلا يؤدي ترك الاخذ إلى الاسقاط (مسألة) (فان لم تقدر اجبره الحاكم وحبسه فان صبر على الحبس ولم ينفق أخذ الحاكم النفقة من ماله فدفعها إلى المرأة فان لم يجد إلا عروضا أو عقار اباعه في ذلك) وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة النفقه في ماله من الدنانير والدراهم ولا يبيع عرضا لان بيع مال الانسان لا ينفذ إلا باذنه أو إذن وليه ولا ولاية على الرشيد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك " ولم يفرق ولان ذلك مال له فتؤخذ منه النفقة كالدراهم والدنانير وللحاكم ولاية عليه إذا امتنع بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره وان تعذرت النفقة في حال غيبته وله وكيل فحكم وكيله حكمه في المطالبة والاخذ من المال عند امتناعه وان لم يكن له وكيل ولم تقدر المرأة على الاخذ أخذ لها الحاكم من ماله ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك إذا لم يجد ما ينفق سواه وينفق على المرأة يوما بيوم وبه قال الشافعي ويحيى بن آدم وقال أصحاب الرأي يفرض لها في كل شهر
ولنا ان هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها فلم يجز كما لو عجل لها أكثر من شهر
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: