الفقه الحنبلي - احكام النكاح
لا بطلاقهما جميعا أو فسخ نكاحهما فوجب ذلك كما لو زوج الوليان ولم يعرف الاول منهما وان أحب أن يفارق إحداهما ثم يجدد عقد الاخرى ويمسكها فلا بأس وسواء فعل
ذلك بقرعة أو بغيرها ولا بخلو من ثلاثة أقسام: (أحدها) أن لا يكون دخل بواحدة منهما فله ان يعقد على إحداهما في الحال بعد فراق الاخرى (الثاني) إذا دخل باحداهما فان أراد نكاحها فارق التي لم يصبها بطلقة ثم ترك المصابة حتى تنقضي عدتها ثم نكحها لانا لا نأمن ان تكون هي الثانية فيكون قد أصابها في نكاح فاسد فلهذا اعتبرنا انقضاء
عدتها ويحتمل جواز العقد علهيا في الحال لان النسب لاحق به فلا يصان ذلك عن مائة فان أحب نكاح الاخرى فارق المصابة بطلقة ثم انتظرها حتى تقضي عدتها ثم تزوج أختها (القسم الثالث) إذا دخل بهما فليس له نكاح واحدة منهما حتى يفارق الاخرى وتنقضي عدتها من حين فارقها وتنقضي عدة الاخرى من حين أصابها، وان ولدت احداهما أو هما جميعا فالنسب لاخوته لانه اما من نكاح صحيح أو نكاح فاسد وكلاهما يلحق النسب فيه وان لم يرد نكاح واحدة منهما فارقهما بطلقة طلقة (فصل) فأما المهر فان لم يدخل بواحدة منهما فلاحداهما نصف المهر ولا نعلم من يستحقه منهما فيصطلحان عليه فان لم يفعلا أقرع بينهما فكان لمن خرجت قرعتها مع يمينها وقال أبو بكر اختياري
أن يسقط المهر إذا كان مجبرا على الطلاق قبل الدخول فان دخل بواحدة منهما أقرع بينهما فان وقعت لغير المصابة فلها نصف المهر وللمصابة مهر المثل بما استحل من فرجها وان وقعت على المصابة فلا شئ للاخرى وللمصابة المسمى جميعه وان أصابهما فلا حداهما المسمى وللاخرى مهر المثل يقرع بينهما فيه ان قلنا الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل وان قلنا بوجوب المسمى فيه وجب ههنا لكل واحد منهما.
(فصل) قال أحمد إذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ودخل بها اعتزل زوجته حتى تنقضي عدة الثانية انما كان كذلك لانه لو أراد العقد على أختها في الحال لم يجز له حتى تنقضي عدة الموطؤة فلذلك لا يجوز له وطئ امرأته حتى تنقضي عدة اختها التي اصلبها (مسألة) (وان اشترى أخت أمرأته أو عمتها أو خالتها صح) لان الشراء يراد للاستمتاع ولغيره وكذلك صح شراء من لا تحل له كالمجوسية وأخته من الرضاع ولا يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها لئلا يكون جامعا بينهما في الفراش أو جامعا ماءه في رحم أختين وذلك لا يحل لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين
(مسألة) (وإن اشتراهن في عقد واحد صح لما ذكرنا) ولا نعلم حلافا في ذلك ولو اشتري جارية ووطئها حل له شراء أختها وعمتها وخالتها وقد ذكرناه كما لا يحل له شراء المعتدة والمزوجة مع أنها لا تحل له (مسألة) (وله وطئ إحداهما لان الاخرى لم تصر فراشا) وهذا قول أكثر أهل العلم وقال الحكم وحماد لا يقرب واحدة منهما وروي ذلك عن النخعي وذكره ابو الخطاب مذهبا لاحمد ولنا أنه لم يجمع بينهما في الفراش فلم يجز كما لو كان في ملكه احداهما وحدها (فصل) وليس له الجمع بين الاختين من إمائه في الوطئ نص عليه أحمد في راية الجماعة وكرهه عمر وعثمان وعلي وعمار وابن عمرو ابن مسعود وممن قال بتحريمه عبد الله بن عتبة وجابر بن يزد وطاوس ومالك والازواعي وأبو حنيفة والشافعي وروي عن ابن عباس أنه قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لافعله وروي ذلك عن علي أيضا يريد بالمحرمة قوله تعالى (وأن تجمعوا بين الاختين) وبالمحللة قوله تعالى (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وروى ابن منصور عن احمد وأسأله عن الجمع بين الاختين المملوكتين أحرام هو؟ قال لا أقول حرام ولكن ينهى عنه وظاهر هذا أنه مكروه غير محرم وقال داود وأهل الظاهر لا يحرم استدلالا بالآية المحللة لان حكم الحرائر في الوطئ مخالف لحكم الاماء ولهذا تحرم الزيادة على أربع في الحرائر وتباح في الاماء بغير حصر والمذهب تحريمه للآية
المحرمة فانه يريد بها الوطئ والعقد جميعا بدليل أن سائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد عليهن وآية الحل مخصوصة بالمحرمات جميعهن وهذا منهن ولانها امرأة صارت فراشا فحرمت أختها كالزوجة.
(مسألة) (وإن وطئ احداهما فليس له وطئ الاخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه باخراج عن ملكه أو تزويج) هذا قول على وابن عمر والحسن والاوزاعي واسحاق والشافعي فان رهنها لم تحل له أختها لان منعه من وطئها لحق المرتهن لا لتحريهما ولهذا يحل له باذن المرتهن فيه ولانه يقدر على فكها متى شاء
وسترجاعها إليه، وقال قتادة انا ستبرأها حلت له أختها لانه قد زال فراشه ولهذا لو أتت بولد فنفاه بدعوى الاستبراء انتفى فأشبه ما لو زوجها.
ولنا قول علي وابن عمر ولانه لم يزل ملكه عنها ولا أحلها له فأشبه ما لو وطئت بشبهة فاستبرأها من ذلك الوطئ ولان ذلك لا يمنعه وطأها فلا بأس من عوده إليها فيكون ذريعة إلى الجمع بينهما وان حرم احداهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا تحل له الاخرى وهو مقتضى كلام شيخنا في الكتاب المشروح وقال أصحاب الشافعي تحل له الاخرى لانها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه فأشبه التزويج ولنا أنه نشأ من إباحتها بما لا يقف على غيرهما (فصل) وإذا اخرجها من ملكه لم تحل له اختها حتى يستبرئ المخرجة وتعلم براءتها من الحمل
فان كانت حاملا منه لم تحل لم أختها حتى تضع حملها لانه يكون جامعا في رحم أختين فهو بمنزلة نكاح الاخت في عدة أختها (مسألة) (فان عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الاخرى) متى زال ملكه عن المؤطوة زوالا احل له أختها فوطئها ثم عادت الاولى إلى ملكه فليس له وطئ إحداهما حتى يحرم الاخرى باخراج عن ملكه أو تزويج نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي لا ترحم عليه واحدة منهما لان الاولى لم تبق فراشا فأشبه ما لو وطي امة ثم اشترى أختها ولنا أن هذه صارت فراشا وقد رجعت إليه التي كانت فراشا فحرمت كل واحدة منهما بكون أختها فراشا كما لو انفردت به فأما إذا وطئ امة ثم اشترى اختها فان المشتراة لم تكن فراشا له لكن هي محرمة عليه باستفراش اختها ولو اخرج الموطؤة عن ملكه ثم عادت إليه قبل وطئ اختها فهي حلال واختها محرمة عليه لان اختها فراشه وقد روي عن أحمد ان الجمع بين الاختين في الوطئ بملك اليمين لا يحرم بل ينهي عنه فيكون مكروها وقد ذكرناه والمذهب ان ذلك حرام والله اعلم (فصل) فان وطئ امتيه الاثنتين معا فوطئ الثانية محرم ولاحد فيه لانها ملكه ولان في حلها
حلها اختلافا وله سبيل إلى استباحتها بخلاف أخته من الرضاع المملوكة له ولا يحل له وطئ واحدة حتى يحرم الاخرى ويستبرئها وقال القاضي وأصحاب الشافعي الاولى باقية على الحل لان الوطئ الحرام لا يحرم الحلال الا ان القاضي قال لا يطؤها حتى يستبرئ الثانية ولنا أن الثانية قد صارت فراشا له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها كما لو وطئها ابتداء وقولهم ان الحرام لا يحرم الحلال ليس بخبر صحيح وهو متروك بما لو وطئ الاولى في حيض أو نفاس أو حرام فان أختها تحرم عليه ويحرم عليه أمها وابنتها على التأبيد وكذلك لو وطئ بشبهة في هذه الحال ولو وطئ امرأته حرمت عليه ابنتها سواء وطئها حراما أو حلالا (فصل) وحكم المباشرة من الاماء فيما دون الفرج والنظر إلى الفرج لشهوة فيما يرجع إلى تحريم الاخت كحكمه في تحريم الربيبة والصحيح انها لا تحرم ولان الحل ثابت بقوله تعالى (أو ما ملكت أيمانكم) ومخالفة ذلك انما تثبت بقوله (وان تجمعوا بين الاختين) والمراد به الجمع في العقد أو الوطئ ولم يوجد واحد منهما ولا في معناهما.
(مسألة) (وان وطئ أمته ثم تزوج اختها لم يصح عند ابى بكر) وقد سئل أحمد عن هذا فقال لا يجمع بين الاختين الامتين فيحتمل أنه أراد ان النكاح لا يصح وهو إحدى الروايات عن مالك قال القاضي هو ظاهر كلام أحمد لان النكاح تصير به المرأة فراشا
فلم يجز ان ترد على فراش الاخت كالوطئ ولانه فعل في الاخت ما ينافي اباحة أختها فلم يجز كالوطئ وظاهر كلام أحمد أنه يصح ذكره أبو الخطاب ولا يطؤها حتى يحرم الموطؤة وهو مذهب أبي حنيفة لانه سبب يستباح به الوطئ فجاز ان يرد على وطئ ولا يبيح كالشراء، وقال الشافعي يصح النكاح وتحل له المنكوحة وتحرم أختها لان النكاح أقوى من الوطئ بملك اليمين فإذا اجتمعا وجب تقديم الاقوي ووجه الاولى ما ذكرناه ولان وطئ مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع فمنع صحة النكاح كالزوجة ويفارق الشراء فانه لا ينحصر في الوطئ ولهذا صح شراء الاختين ومن لا تحل له وقولهم النكاح أقوى من الوطئ ممنوع وان سلم فالوطئ أسبق فيقدم ويمنع صحة ما طرأ عليه مما ينافيه كالعدة تمنع ابتداء
نكاح الاخت وكذلك وطئ الامة يحرم نكاح ابنتها وأمها ولان هذا بممنزلة نكاح الاخت في عدة أختها لكونه لم يشتر الموطؤة فان عادت إلى مكله لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الاخرى إذا قلنا بصحة النكاح لان الاولى عادت إلى الفراش فاجتمعا فيه فلم يستبح واحدة منهما قبل اخراج الاخرى عن الفراش (فصل) فان زوج الامة الموطؤة أو اخرجها عن ملكه فله نكاح أختها فان عادت الامة إلى ملكه فالزوجية بحالها وحلها باق لان النكاح صحيح وه وأقوي ولا تحل الامة وعنه أنه يبنغي أن يجرم احداهما لان أمته التى كانت فراشا قد عادت إليه والمنكوحة مستفرشة فأشبه أمتيه اللتين وطئ إحداهما
بعد تزويج الاخرى ثم يطلقا لزوج أختها فان تزوج امرأة ثم اشترى أختها صح الشراء ولم تحل له لان النكاح كالوطئ فاشبه ما لو وطئ أمته ثم اشترى اختها فان وطئ امتيه حرمتا عليه حتى يستبرئ الامة ثم تحل له زوجته دون أمته لان النكاح أقوى واسبق وانما وجب الاستبراء لئلا يكون جامعا جاه في رحم أختين ويحتمل ان تحرما عليه جمعيا حتى يحرم إحداها كالامتين وحكم عمة المرأة وخالتها كاختها في تحريم الجمع بينهما في الوطئ والتفصيل فيها كالتفصيل في الاختين على ما ذكر (مسألة) (ولا بأس ان يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها) هذا قول أكثر أهل العلم يرون الجمع بين المرأة وبينها في النكاح فعله عبد الله بن جعفر وعبد الله ابن صفوان بن أمية وهو قول سائر الفقهاء إلا الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى فانهم كرهوه لان إحداهما لو كانت ذكرا حرمت عليه الاخرى فأشبه المرأة وعمتها ولنا قول الله تعالى (واحل لكم) ما وراء ذلكم ولانها لا قرابة بينهما فاشبها الاجنبيتين ولان الجمع حرم خوفا من قطيعة الرحم القريبة بين المتناسبين ولا قرابة بين هاتين، وبهذا يفارق ما ذكروه (فصل) ولو كان لرجل ابن من غير زوجته ولها بنت من غيره أو كان له بنت ولها ان جاز تزويج
أحدهما من الآخر في قول عامة الفقهاء وحكي عن طاوس كراهيته إذا كان ما ولدته المرأة بعد وط
الزوج لها والاول أولى لعموم الآية والمعني الذي ذكرناه فانه ليس بينهما قرابة ولا سبب يقتضي التحريم وكونه أخا لاختها لم يرد الشرع بانه سبب للتحريم فيبقي على الاباحة لعموم الآية ومتى ولدت المرأة من ذلك الرجل ولدا صار عما لولديهما وخالا (فصل) إذا تزوج امرأة لم ترحم أمها ولا ابنتها على أبيه ولا ابنه فمتى تزوج امرأة وزوج أباه أمها جاز لعدم اسباب التحريم فإذا ولد لكل واحد ولد كان ولد الاب عم ولد الام وولد الابن خال ولد الاب ويروي ان رجلا أنى عبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين أنى تزوجت امرأة وزوجت أبني امها فاخبرنا فقال عبد الملك ان أخبرتني بقرابة ولدك من ولد أبيك أخبرتك فقال الرجل: يا أمير المؤمنين هذا العريان ابن الهيثم الطي وليته قائم سيفك ان علم ذلك فلا تخبرني فقال العريان أحدهما عم الآخر والآخر خاله.
(فصل) إذا تزوج رجل امرأة وزوج ابنه بنتها أو أمها فزفت امرأة كل واحد منهما إلى صاحبه فوطئها فان وطئ الاول يوجب عليه مهر مثلها لانه وطئ شبهة ويفسخ به نكاحها من زوجها لانها صارت بالوطئ حليلة أبيه أو ابنه ويسقط به مهر الموطؤة عن زوجها لان الفسخ من قبلها بتمكينها من وطئها ومطاوعتها عليه ولا شئ لزوجها على الواطي لانه لا يلزمه شئ يرجع به ولان المرأة مشاركة
في افساد نكاحها بالمطاوعة فلم يجب على زوجها شئ كما لو انفردت به ويحتمل أن يجب عليه لزوجها نصف مهر مثلها لانه أفسد نكاحها قبل الدخول أشبه المرأة تفسد نكاحه بالرضاع وينفسخ نكاح الواطئ أيضا لان امرأته صارت اما للموطؤة ان بنتا لها ولها نصف المسمى فأما وطئ الثاني فيوجب مهر المثل للموطؤة خاصة فان اشكل الاول انفسخ النكاحان ولكل واحدة مهر مثلها على واطئها ولا يثبت رجوع أحدهما على الآخر ويجب لامرأة كل واحد منهما على الآخر نصف المسمى ولا يسقط بالشك (مسألة) (ولا يحل للحران أن يجمع بين أكثر من أربع ولا للعبدان أن يتزوج أكثر من اثنتين فان طلق احداهن لم يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها) أجمع أهل العم على ان الحر لا يحل له ان يجمع بين أكثر من أربع زوجات لا نعلم أحدا منهم
خالف في ذلك الا شيئا يحكي عن القاسم بن ابراهيم أنه اباح تسعا لقول الله تعالى (مثنى وثلاث ورباع) والواو للجمع ولان النبي صلى الله عليه وسلم مات عن تسع وهذا خرق للاجماع وترك للسنة فان النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة (أمسك اربعا وفارق سائرهن) وقال نوفل بن معاوية اسلمت وتحتي خمس نسوة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم (فارق واحدة منهن) رواهما الشافعي في مسنده وإذا
منع من استدامة زيادة على أربع فالابتداء اولى والآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع كما قال (أولي أجنحه مثنى وثلاث ورباع) ولم يردان لكل ملك تسعة اجنحة ولو اراد ذلك لقال تسعة ولم يكن للتطويل معنى ومن قال غير ذلك فقد جهل اللغة العربية وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمخوص بذلك ألا ترى أنه جمع بين أكثر من تسع (فصل) وليس للعبد أن يزيد على اثنتين ولا خلاف في جواز الجمع بين اثنتين له واختلفوا في اباحة الاربع له فمذهب أحمد أنه لا يباح له الاثنتان وهذا قول عمر بن الخطاب وعلي وعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهم وبه قال عطاء والحسن والشعبي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأى وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطاوس ومجاهد ومالك وأبو ثور وداود له نكاح أربع لعموم الآية ولان هذا طريقه اللذة والشهوة فساوى العبد فيه الحر كالمأكول ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة ولم يرعف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا وقد روى ليث ابن ابى سليم عن الحكم بن عتبية قال اجمع أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ويقوى هذا ما روى الامام أحمد باسناده عن محمد بن سيرين ان عمر سأل الناس كم يتزوج العبدء فقال عبد الرحمن بن عوف ثنتين وطلاقه ثنتين فدل هذا على أن ذلك كان بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر وهذا محض عموم الآية على أن فيها ما يدل على ارادة الاحرار وهو قوله تعالى أو ما)
ملكت أيمانكم ويفارق النكاح المأكول فانه مبني على التفضيل ولهذا فارق النبي صلى الله عليه وسلم فيه امته ولان فيه ملكا والعبد ينقص في الملك عن الحر
(فصل) إذا تزوج الرجل امرأة حرمت عليه أختها وعمتها وخالتها وبنت اختها وكذلك إذا تزوج الحر اربعا حرمت الخامسة تحريم جمع وان تزوج العبد اثنتين حرمت الثالثة تحريم جمع فإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا فالتحريم باق بحاله في قولهم جميعا وان كان الطلاق بائنا أو فسخا فكذلك حتى تنقضي عدتها يروي ذلك عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي والثوري واصحاب الرأى وقال القاسم بن محمد وعروة وابن أبى ليلى ومالك والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر له نكاح جميع من سمينا في تحريم وروي ذلك عن ثابت لان المحرم الجمع بينهما في النكاح بدليل قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) أي نكاحهن وقال (وأن تجمعوا بين الاختين) معطوفا عليه والبائن ليست في نكاحه ولانها بائن فأشبهت المطلقة قبل الدخول بها ولنا قول علي وابن عباس وروي عن عبيدة السلماني أنه ما اجمعت الصحابة على شئ كاجماعهم على اربع قبل الظهر وان لا تنكح المرأة في عدة اختها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يجمع ماءه في رحم اختين) وروي عن أبى الزناد قال كان للوليد بن عبد الملك اربع نسوة فطلق واحدة البتة وتزوج قبل ان تحل فعاب ذلك كثير من الفقهاء وليس كلهم عابة
قال سعيد بن منصور إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شئ يبقي؟ ولانها محبوسة عن النكاح لحقه أشبه ما لو كان الطلاق رجعيا وفارق المطلقة قبل الدخول بها (فصل) ولو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية أو انفسخ النكاح بين الزوجين يخلع أو رضاع أو فسخ بعيب أو اعسار أو غيره لم يكره له ان يتزوج احدا ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته حتى تنقضي عدتها سواء قلنا تتعجل الفرقة اولم نقل فان اسلمت زوجته فتزوج اختها في عدتها ثم أسلما اختار منهما واحدة كما لو تزوجهما معا وان اسلم بعد انقضاء عدت الاولى بانت وثبت نكاح الثانية (فصل) إذا اعتق ام ولده أو امة كان يصيبها فليس له ان يتزوج اختها حتى ينقضي استبراؤها نص عليه أحمد في ام الولد وقال ابو يوسف ومحمد بن الحسن يجوز لانها ليست بزوجة ولا في عدة من نكاح ولنا انها معتدة منه فلم يجز له نكاح اختها كالمعتدة من نكاح أو وطئ بشبهة ولانه لا يأمن أن
يكون ماؤه في رحمها فيكون داخلا في عموم من جمع ماءه في رحم اختين ولا يمنع من نكاح اربع سواها ومنعه زفر وهو غلط لان ذلك جائز قبل إعتاقها فبعده اولى (فصل) ولا يمنع من نكاح امة في عدة حرة بائن ومنعه أبو حنيفة كما يحرم عليه أن يتزوجها في صلب نكاحها.
ولنا انه عادم للطول خائف للعنت فأبيح له نكاحها لقول سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا ان
ينكح المحصنات المؤمنات) الآية ولا يسلم انه لا يجوز في طلب نكاح الحرة بل يجوز إذا تحقق الشرطان (فصل) وان زنى بامرأة فليس له ان يتزج اختها حتى تنقضي عدتها وحكم العدة من الزنا والعدة من وطئ الشبهة حكم العدة من النكاح على ما نذكره ان شاء الله تعالى فان زنى بأخت امرأته فقال احمد يمسك عن وطئ امرأته حتى تحيض ثلاث حيضات وعنه حيضة ويحتمل ان لا تحرم بذلك اختها ولا اربع سواها لانها ليست منكوحة ومجرد الوطئ لا يمنع بدليل الوطئ في ملك اليمين فانه لا يمنع اربعا سواها (فصل) إذا ادعى رجل ان امرأته اخبرته بانقضاء عدتها مدة يجوز انقضاؤها فيها وكذبته ابيح له نكاح اختها واربع سواها في الظاهر وأما في الباطن فيبني على صدقه في ذلك لانه حق فيما بينه وبين الله تعالى فيقبل قوله فيه ولا يصدق في نفي نفقتها وسكناها وتعين النسب لانه حق لها ولودها فلا يقبل قوله فيه وبه قال الشافعي وغيره وقال زفر لا يصدق في شئ لانه قول واحد لا يصدق في بعض حكمه فلا يصدق في البعض الآخر قياسا للبعض على البعض وذلك لانه لا يمكن أن يكون القول الواحد صدقا كذبا ولنا انه قول يتضمن إبطال حق لغيره وحقا له لا ضرر على غيره فيه فوجب ان يصدق في احداهما دون الآخر كما لو اشتدي عبدا ثم أقران البائع كان اعتقه صدق في حريته ولم يصدق في الرجوع
بثمنه وكذلك لو أقر ان امرأته أخته من الرضاع قبل الدخول صدق في بينونتها وتحريمها عليه ولم يسقط مهرها إذا كذبته
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (النوع الثاني) محرمات لعارض بزول فيحرم عليه نكاح زوجة غيره بغير خلاف لقول الله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) وتحرم المستبرئة منه لذلك ولان تزويجها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب وسواء في ذلك المعتدة من وطئ مباح أو محرم أو من غير وطئ لانه لا يؤمن ان تكون حاملا فلو أبحنا تزويجها لاختلط نسب المتزوج بنسب الواطئ الاول ولا يجز نكاح المرتابة بعد العدة بالحل لذلك (مسألة) (وتحرم الزانية حتي تتوب وتنقضي عدتها) إذا زنت المرأة لا يحل نكاحها لمن لم يعلم ذلك إلا بشرطين (احدهما) انقضاء عدتها بوضع الحمل من الزنا ولا يحل نكاحها قبل الوضع وبهذا قال مالك وأبو يوسف وهو احدى الروايتين عن أبي حنيفة وقال في الاخرى يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لانه وطئ لا يلحق به النسب فلم يحرم النكاح كما لو لم تحمل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماء زرع غيره يعني وطئ الحامل وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضغ) حديث صحيح وهو عام وروي عن سعيد بن المسيب ان رجلا تزوج امرأة فلما اصابها وجدها حبلى فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وجعل لها الصداق
وجلدها مائة رواه سعيد ورأي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة على باب فسطاط فقال لعله يريد ان يلم بها قالوا نعم قال (لقد همت ان العنه لعنة تدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ ام كيف يورثه وهو لا يحل له؟) اخرجه مسلم ولانها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها كسائر الحوامل وإذا ثبت هذا لزمتها العدة وحرم النكاح فيها لانها في الاصل لمعرفة براءة الرحم ولانها قبل العدة يحتمل ان تكون حاملا فلم يصح نكاحها كالموطؤة بشبهة وقال أبو حنيفة والشافعي لا عدة عليها لانه وطئ لا تصير به فراشا اشبه وطئ الصغير ولنا ما ذكرناه وإذا لم يصح نكاح الحامل فغيرها الولى ولان وطئ الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب وغيرها يحتمل ان يكون ولدها من الاول ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضي إلى اشتباه الانساب فكان التحريم أولى ولانه وطئ في القبل فأوجب العدة كوطئ الشبهة ولا يسلم وطئ الصغير الذي يمكنه الوطئ (والشرط الثاني) ان تتوب من الزنا وبه قال قتادة واسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة
ومالك والشافعي لا يشترط ذلك لا روي ان عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنا وحرص ان يجمع بينهما فأبي الرجل وروي ان رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية فقال يجوز أرأيت لو سرق من كرم ثم ابتاعه اكان يجوز ولنا قول الله عزوجل وحرم ذلك على المؤمنين وهي قبل التوبة في حكم الزنا فإذا ثابت زال
ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له - وقوله - التوبة تمحوا الحوبة) وروي ان مرثد الغنوي دخل مكة فرأي امرأة فاجرة يقال لها عناق فدعته الين نفسها فلم يجبها فلما قدم المدينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنكح عناق؟ فلم يجبه فنزل قوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك فدعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم فتلي عليه الآية وقال لا تنكحها ولانها لو كانت مقيمة على الزنا لا يأمن ان تلحق به ولدا من غيره وتفسد فراشه وأما حديث عمر فالظاهر انه استتا بهما وحديث ابن عباس ليس فيه بياين ولا تعرض له بمحل النزاع إذا ثبت هذا فعدة الزانية كعدة المطلقة لانه استبراء لحرة اشبه عدة المرطوة بشبهة وحكى ابن أبي موسي عن أحمد انها تستبرأ بحيضة لانه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح فأشبه استبراء ام الولد إذا عتقت وأما التوبة فهي الاستغفار والندم والاقلاع عن الذنب كالتوبة من سائر الذنوب وروي عن أبن عمر انه قيل له كيف تعرف توبتها؟ قال يريدها على ذلك فان طاوعته فلم تتب وان ابت فقد تابت فصار احمد إلى قول ابن عمر اتباعا له قال شيخنا والصحيح الاول فانه لا ينبغي لمسلم ان يدعوا امرأة إلى الزنا ويطلبه منها فان طلبه منها أنما يكون في خلوة ولا تحل الخلوة بأجنبية ولو كان في تعليمها القرآن فكيف في مراردتها على الزنا؟ ثم لا يأمن ان أجابته إلى ذلك أن يعود إلى المعصية فلا يحل التعريض لمثل هذا ولان التوبة من سائر الذنوب في حق سائر الناس إلى سائر الاحكام على غير هذا الوجه فكذلك هذا
(فصل) وإذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره في قول أكثر أهل العلم منهم أبو بكر وعمر وابنه ابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري والثوري والشافعي وابن
المنذر وأصحاب الرأي وقد روى عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة انها لا تحل للزاني بحال قالوا لا يزالا زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر فيحتمل انهم ارادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل استبرائها فيكون كقولنا، فاما تحريمها على الاطلاق فلا يصح لقول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولانها محللة لغير الزاني فحلت له كغيرها (فصل) فان زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم يفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم منهم عطاء والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وعن جابر بن عبد الله ان المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شئ وكذلك روي عن الحسن وروي عن علي رضي الله عنه انه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل أن يدخل بها واحتج لهم بأنه لو قذفها ولاعنها بانت منه لتحققه الزنا عليها فدل على ان الزنا يبينها ولنا ان دعوى الزنا عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لا نفسخ بمجرد دعواه كالرضاع ولانها
معصية لا تخرج عن الاسلام فأشبهت السرقة، فأما اللعان فان يقضتي الفسخ بدون الزني بدليل انها إذا لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الحد على من قذفها والفسخ واقع ولكن احمد استحب للزوج مفارقة امرأته إذا زنت وقال لا أرى ان يمسك مثل هذه لانه لا يؤمن ان تفسد فراشه وتلحق به ولدا ليس منه، قال ابن المنذر لعل من كره هذه المرأة انما كرهها على غير وجه التحريم فيكون مثل قول أحمد ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض لما روي رويفع بن ثابت قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماء زرع غيره) يعنى اتيان الحبالي ولانها ربما تأتي بولد من الزنا فينسب إليه، والاولى انه يكفي ان يستبري بحيضة واحدة لانها تكفي في استبراء الاماء وفي ام الولد إذا عتقت بموت سيدها أو باعتاقه فكفي ههنا ولان المقصود مجرد الاستبراء وقد حصل بحيضة فاكتفى بها (فصل) إذا علم الرجل من امته الفجور فقال احمد لا يطؤها لعلها ان تلحق به ولدا ليس منه قال ابن مسعود أكره ان أطأ أمتي وقد بغت، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل
أمته وفي بطنها ولد جنين لغيره قال ابن عبد البر هذا مجمع على تحريمه وكان ابن عباس يرخص في وطئ الامة الفاجرة وروي ذلك عن سيعد بن المسيب ولعل من كره ذلك كرهه قبل الاستبراء إذا لم يحصنها ويمنعها من الفجور ومن اباحه أباحه بعدهما فيكون القولان متفقين والله أعلم.
(مسألة) (وتحرم مطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره) لقول الله تعالى (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) بعد قوله (الطلاق مرتان) وسنذكر هذا في باب الرجعة بأبسط من هذا ان شاء الله تعالى (مسألة) (وتحرم المحرمة حتى تحل) يحرم نكاح المحرمة ويحرم على المحرم أن يعقد النكاح في حال احرامه فان عقد أحد نكاحها لمحرم أو على محرمة أو عقد المحرم نكاحا لنفسه أو لغيره لم يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم وعنه أن عقد المحرم النكاح لغيره صحيح لانه حرم عليه لكونه من دواعي الوطئ ولا يحصل ذلك بكونه وليا والاول أولى لعموم الخبر وقد ذكرنا هذه المسألة في الحج وذكرنا الاختلاف فيها (مسألة) (ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال) لقول الله تعالى (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) ولقوله سبحانه (لا هن حل لهم) ولا نعلم خلافا في ذلك.
(مسألة) (ولا يحل لمسلم نكاح كافرة بحال الا حرائر أهل الكتاب) ليس بين اهل العلم بحمد الله اختلاف في حل نساء اهل الكتاب للمسلم وممن روي عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم قال ابن المنذر لا يصح عن احد من الاوائل أنه حرم ذلك، وروى الخلال باسناده ان حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى واذينة العبدي تزوجوا نساء
من أهل الكتاب وبه قال سائر اهل العلم ولم ينقل تحريمه الا عن الامامية تمسكا بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
ولنا قول الله تعالى (اليوم أحل لكم الطيبات - إلى قوله - والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن اجورهن) وإجماع الصحابة.
فأما قول سبحانه (ولا تنكحوا المشركات) فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الاخرى لانهما متقدمتان والآية التي في المائدة متأخرة عنها، وقال آخرون ليس هذا نسخا فان لفظة المشركين باطلاقها لا تتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) وقال (ان الذين كفروا من أهل الكتاب) وقال (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) وقال (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) وسائر آي القرآن تفصل بينهما فدل على ان لفظة المشركين باطلاقها لا تتناول اهل الكتاب وهذا معنى قول سعيد بن جبير وقتادة ولان ما احتجوا به عام في كل كافر وما بينا خاص في حل نساء اهل الكتاب والخاص يجب تقديمه إذا ثبت هذا فالاولى أن لا يتزوج كتابية لان عمر قال للذين تزوجوا نساء أهل الكتاب طلقوهن ففعلوا الا حذيفة فقال له عمر طلقها قال أتشهد انها حرام؟ قال هي حرة طلقها قال تشهد انها حرام قال هي حرة قال قد علمت انها حرة ولكنها لى حلال فلما كان بعد طلقها فقيل له
الا طلقتها حين أمرك عمر قال كرهت ان يرى الناس اني ركبت امرا لا ينبغي لي، ولانه ربما مال إليها قلبه ففتنته وربما كان بينهما ولد فيميل إليها (فصل) وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم أهل التوراة والانجيل قال الله تعالى (ان تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) فان أهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الانجيل النصاري ومن وافقهم من الار من وغيرهم، وأما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيرا فروي عن أحمد انهم جنس من النصاري ونص عليه الشافعي وعلق القول فيهم في موضع آخر وعن أحمد قال بلغني انهم يسبتون فهؤلاء إذا يشبهون اليهود والصحيح فيهم انهم ان كانوا يوافقون اليهود أو النصاري في أصل دينهم ويخالفونهم في فروعه فهم ممن وافقوهم وان خالفوهم في أصل الدين فليس هم منهم، فأما من سوى هؤلاء من الكفار مثل المتمسك بصحف ابراهيم وشيث وزبور داود فليسوا باهل كتاب لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم وهذا
قول الشافعي وذكر القاضي فيه وجها آخر أنهم من أهل الكتاب تحل ذبائحم ونكاح نسائهم ويقرون بالجزية لانهم تمسكوا بكتاب من كتاب الله فاشبهوا اليهود والنصاري ولنا قول الله تعالى (ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ولان تلك الكتب كانت مواعظ وامثالا فيها أحكام فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الاحكام (فصل) فأما المجوس فليس لهم كتاب ولا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم نص عليه أحمد وهو قول
عامة العلماء الا أبا ثور فانه أباح ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة اهل الكتاب) ولانه يروي أن حذيفة تزوج مجوسية ولانهم يقرون بالجزية فاشبهوا اليهود والنصاري ولنا قول الله تعالى (ولا تنكحوا المشتركات) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فحص ذلك أهل الكتاب فمن عداه يبقى على العموم ولا يثبت أن للمجوس كتابا وسئل أحمد أيصح ان للمجوس كتابا فقال هذا باطل واستعظمه جدا ولو ثبت أن لهم كتابا فقد بينا أن حكم اهل الكتاب لا يثبت بغير أهل الكتابين، وقوله عليه الصلاة والسلام (سنوا بهم سنة اهل الكتاب) دليل على أنه كتاب لهم وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم في حقن دمائهم واقرارهم بالجزية لا غير وذلك أنهم لما كانت لهم شبهة كتاب غلب ذلك في تحريم دمائهم فيجب أن يغلب حكم التحريم لنسائهم وذبائحم فانا إذا غلبنا الشبهة في التحريم فتغليب الدليل الذي عارضته الشبهة في التحريم أولى، ولم يثبت أن حذيفة تزوج مجوسية وقال أبو وائل يقول تزوج بيهودية وهو أوثق ممن روى عنه أنه تزوج مجوسية وقال ابن سيرين كانت امرأة حذيفة نصرانية ومع تعاض الروايات لا يثبت حكم إحداهن إلا بترجيح ولو ثبت عن حذيفة لم يجز الاحتجاج به مع مخالفة الكتاب وقول سائر العلماء، أما اقرارهم بالجزية فلاننا غلبنا حكم التحريم لدمائهم فيجب ان نغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم.
(مسألة) (فان كان أحد أبويها غير كتابي أو كانت من نساء بني تغلب فهل تحل له؟ على روايتين)
إذ كان أحد أبوي الكافرة كتابيا والآخر غير كتابي لم يحل نكاحها في إحدى الروايتين اختارها الخرقى سواء كان وثنيا أو مجوسيا أو مرتدا، وبهذا قال الشافعي فيما إذا كان الاب غير كتابي لان الولد ينسب إلى أبيه ويشرف بشرفه وينسب إلى قبيلته وان كانت الام فله فيه قولان ولنا أنها غير متمحضة من أهل الكتاب أشبه ما لو كان أبوها وثنيا ولانها متولدة بين من يحل ومن لا يحل فلم يحل كالسمع والبغل وفيه رواية ثانية انها تحل بكل حال لدخولها في عموم الآية المبيحة ولانها كتابية فأشبهت من أبواها كتابيان وعلى هذا فالحكم فيمن أبواها غير كتابين كالحكم فيمن أحد أبويها غير كتابي لانها إذا حرمت بكون أحد أبويها وثنيا فلان تحرم إذا كانا وثنين أولى وعلى الرواية التي تقول لا تحرم فهو متحقق وان كان أبواها وثنيين اعتبارا بحال نفسها دون أبويها (فصل) فان كانت من نساء بني تغلب ففيها أيضا روايتان (احداهما) تحل وهي أصح لدخولها في قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى) والثانية تحرم نساء بني تغلب لانا لا نعلم دخولهم في دينهم قبل تبديل كتابهم (فصل) وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما استحسن من الاصنام والاحجار والشجر
والحيوان فلا خلاف بين اهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم وذلك لما ذكرنا من الآيتين وعدم المعارض لهما، والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت لانه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقات إليه باقرارها عليه ففي حلها أولى (مسألة) (وليس للمسلم وان كان عبدا نكاح أمة كتابية وعنه يجوز) ظاهر مذهب احمد ان ذلك لا يجوز رواه عنه جماعة، وهو قول الحسن والزهري ومكحول ومالك والشافعي والثوري والاوزاعي والليث واسحاق، وروي ذلك عن عمر وابن مسعود ومجاهد وقال ابو ميسرة وابو حنيفة يجوز للمسلم نكاحها لانها تحل يملك اليمين فحلت بالنكاح كالمسلمة ونقل ذلك عن احمد قال لا بأس بتزويجها الا ان الخلال رد هذه الرواية وقال انما توقف احمد فيها ولم ينفد له قول ومذهبه أنها لا تحل لقول الله تعالى (فمما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات)
فشرط في إباحة نكاحهن الايمان ولم يوجد، وتفارق المسلمة لانه لا يؤدي إلى استرقاق الكافر ولدها لان الكافر لا يقر ملكه على مسلة والكافرة تكون ملكا لكافر ويقر ملكه عليها وولدها مملوك لسيدها ولانه عقد اعتوره نقصان نقص الكفر والملك فإذا اجتمعا منعا كالمجوسية لما اجتمع فيها نقص الكفر وعدم الكتاب لم يبح نكاحها، ولا فرق بين الحر والعمد والعبد في تحريم نكاحها لعموم ما ذكرنا
من الدليل ولان ما حرم على الحرد ذبحه من أجل دينه حرم على العبد كالمجوسية (مسألة) (ولا يحل لحر نكاح امة مسلمة الا ان يخاف العنت ولا يجد طولا لنكاح حرة ولا ثمن أمة) الكلام في هذا المسألة في فصلين (احداهما) انه يحل له نكاح الامة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان: خوف العنث وعدم الطول وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم فيه اختلافا لقول الله سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية والصبر عنها مع ذلك خير وافضل لقول الله تعالى (وان تصبروا خير لكم) (الفصل الثاني) إذا عدم الشرطان أو أحدهما لم يحل نكاحها لحر روي ذلك عن جابر وابن عباس وبه قال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن دينار ومكحول ومالك والشافعي واسحاق، وقال مجاهد مما وسع الله على هذه الامة نكاح الامة وان كان موسرا وبه قال أبو حنيفة الا أن يكون تحته حرة لان القدرة على النكاح لا تمنع من النكاح كما يمنعه وجود النكاح كنكاح الاخت والخامسة، وقال قتادة والثوري إذا خاف العنت حل له نكاح الامة وان وجد الطول لان إباحتها لضرورة خوف العنت وقد وجدت ولا يندفع الا بنكاح الامة فأشبه عدم الطول ولنا قول الله سبحانه وتعالى (ومن سلم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت) فشرط في نكاحها عدم استطاعة الطول
فلم يجز مع الاستطاعة لفوات شرطه وكالصوم في كفارة الظهار مع استطاعة الاعتاق، ولان في تزويج الامة ارقاق ولده مع الغني عنه فلم يجز كما لوك ان تحته حرة، وقياسهم لا يصح لان نكاح الخامسة والاخت
انما حرم لاجل الجمع وبالقدرة على الجمع لا يصير جامعا، والعلة ههنا هو الغني عن ارقاق ولده وذلك يحصل بالقدرة على نكاح الحرة، وأما من يجد الطول ويخاف العنت فان كان ذلك لكونه لا يجد الاحرة صغيرة أو غائبة أو مريضة لا يمكن وطؤها أو وجد مالا ولم يزوج لقصور نسبه فله نكاح الامة نص عليه أحمد في الغائبة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يجوز لوجدان الطول ولنا أن ه غير مستطيع للطول إلى حرة تعفه فأشبه من لا يجد شيئا ألا ترى أن الله سبحانه نزل ابن السبيل الذى له اليسار في بلده فقيرا لعدم قدرته عليه في الحال وان كانت له حرة يتمكن من وطئها والعفة بها فليس بخائف العنت (فصل) فان قدر على شراء أمة تعفه فهو كما لو وجد طول الحرة لا يحل له نكاح الامة لانه أمكنه صيانة ولده عن الرق فأشبه القادر على طول الحرة وكذلك ان قدر على تزويج كتابية تعفه وهذا ظاهر مذهب الشافعي وذكروا وجها آخر أنه لا يجوز لقول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) وهذا غير مستطيع لذلك
ولنا قول الله تعالى (ذلك لمن خشي العنت منكم) وهذا غير خائف له لانه قدر على صيانة ولده من الرق فلم يجز له ارقاقة كما لو قدر على نكاح مؤمنة (فصل) ومن كانت تحته حرة يمكن أن يستعف بها لم يجز له نكاح أمة لا نعلم في هذا خلافا ولا فرق بين المسلمة والكتابية في ذلك لما ذكرنا من قبل (فصل) ومن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك لم يلزمه لان عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته ولصاحبه مطالبته بقرضه وكذلك ان بذل له باذن أن يزنه عنه أو يهبه إياه لم يلزمه لما عليه من ضرر المنة في نكاح الامة، فان لم يجد من يزوجه الا باكثر من مهر المثل وكان قادرا عليه ولا يجحف به لم يكن له نكاح الامة، وقال أصحاب الشافعي له ذلك كما لو لم يجد الماء الا بزيادة على ثمن المثل فله اليتيم.
ولنا قول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) وهذا مستطيع ولانه قادر على نكاح حرة بما لا
يضره فلم يجز له ارقاق ولده كما لو كان بمهر مثلها، وما ذكروه ممنوع ثم ان هذا مفارق لليتيم من وجهين (أحدهما) أن التيمم رخصة عامة وهذا أبيح للضرورة ومع القدرة على الحرة لا ضرورة (الثاني) أن التيمم يتكرر فايجاب شرائه بزيادة على ثمن المثل يفضى إلى اجحاف به وهذا لا يتكرر فلا ضرر فيه (فصل) فان كان في يده مال فذكر أنه معسر وان المال لغيره فالقول قوله لانه حكم بينه وبين
الله سبحانه وتعالى فقبل قوله فيما كما لو ادعى مخافة العنت، ومتى تزوج الامة ثم ذكر أنه كان موسرا حال النكاح فرق بينهما لانه أقر بفساد نكاحه وهكذا ان أقر أنه لم يكن يخشى العنت فان كان قبل الدخول فصدقه السيد فلا مهر وان كذبه فله نصف المهر لانه يدعي صحة النكاح والاصل معه وان كان بعد الدخول فعليه المسمى جميعها، فان كان مهر المثل أكثر من المسمى فعلى قول من أوجب مهر المثل في النكاح الفاسد يلزمه مهر لاقراره به وان كان المسمى أكثر وجب وللسيد أن لا يصدقه فيما قال فيكون له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين (مسألة) (فان تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل نكاح الامة؟ على روايتين) أما إذا أيسر فظاهر المذهب أنه لا ينفسخ نكاح الامة وهو الذى ذكره الخرقي وهو مذهب الشافعي وفيه رواية أنه يفسد نكاح الامة وهو قول المزني لانه أبيح للحاجة فان زالت الحاجة لم يجز استدامته كمن أبيح له أكل الميتة للضروة فإذا وجد الحلال لم يستدمه ولنا أن فقد الطول أحد شرطي اباحة نكاح الامة فلم يعتبر استدامته لخوف العنت، ويفارق أكل الميتة فان أكلها بعد القدرة ابتدأ الاكل وهذا لا يبتدئ النكاح انما يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف ابتداءه بدليل أن العدة والردة وامن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته (فصل) فان تزوج على الامة حرة صح وفى بطلان نكاح الامة روايتان
(احداهما) لا يبطل وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن علي رضي الله عنه.
(والثانية) ينفسخ نكاح الامة وهو قول ابن عباس ومسروق واسحاق والمزني، ووجه الروايتين
ما تقدم في المسألة قبلها وقال النخعي ان كان له من الامة ولد لم يفارقها والا فارقها ولا يصح لان ما كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد ابطله في ذات الولد كسائر مبطلاته ولان ولده منها مملوك لسيدها ونفقته عليه، وقد استدل على بقاء النكاح بما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال إذا تزوج الحرة على الامة قسم للحرة ليلتين وللامة ليلة ولانه لو بطل بنكاح الحرة لبطل بالقدرة عليه فان القدرة على المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب (مسألة) (وان تزوج حرة وأمة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى فهل له نكاح امة أخرى؟ على روايين) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في إباحة أكثر من أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال إذا خشي العنت تزوج أربعا إذا لم يصبر كيف يصنع؟ وهذا قول الزهري والحارث العكلي وما لك وأصحاب الرأي وعنه أنه قال لا يعجبني أن يتزوج الا امة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس قال الحر لا يتزوج من الاماء الا واحدة وقرأ (ذلك لمن خشي العنت منكم) وبه قال قتادة والشافعي وابن المنذر كأن من له زوجة يمكنه وطؤها لا يخاف
العنت، ووجه الاولى قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية وهذا داخل في عمومها ولانه عادم للطول خائف للعنت فجاز له نكاح امة كالاولى، وقولهم لا يخشى العنت قلنا الكلام فيمن يخشاه وقول ابن عباس يحمل على من لم يخش العنت وكذلك الرواية الاخرى عن أحمد، فان كان تحته حرة لم تنفه ففيها الروايتان أيضا مثل نكاح الامة ذكرهما أبو الخطاب إذا لم تعفه الامة لما ذكرنا، فان كانت الحرة تعفه فلا خلاف في تحريم نكاح الامة خ الاخرى، فان نكح امتين في عقد وهو يتسعف بواحدة فنكاحهما باطل لانه يبطل في احداهما وليست باولى من الاخرى فبطل كما لو جمع بين اختين (مسألة) (قال الخرقي وله ان يتزوج من الاماء اربعا إذا كان الشرطان فيه قائمين) لما ذكرنا (مسألة) (وللعبد نكاح الامة وان فقد فيه الشرطان) لانه مساولها فلم يعتبر فيه هذان الشرطان كالحر مع الحرة وله نكاح امتين معا وواحدة بعد واحدة لان خشية العنت غير مشوطة فيه (مسألة) (وهل له أن ينكحها على حرة على روايتين)
(احداهما) له ذلك وهو قول مالك والشافعي لانها مساوية له فلم يشترط لصحة نكاحها عدم الحرة كالحر مع الحرة ولانه لو اشترط عدم الحرة لاشترط عدم القدرة علهيا كما في حق الحر (والثانية) لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي لانه يروي عن سعيد بن المسيب انه قال تنكح الحرة على الامة ولا تنكح الامة على الحرة ولانه مالك لبضع حرة فلم يكن له ان يتزوج امة كالحر
(مسألة) (وان جمع بينهما في العقد جاز) لان كل واحدة منهما يجوز افرادها في العقد فجاز الجمع بينهما كالامتين هذا إذا قلنا ليست حرية الزوج شرطا في نكاح الحرة، ويتخرج ان لا يجوز بناء على قوله لا يجوز نكاح الامة على حرة ولانه لا يجوز نكاح الامة على الحرة فحرم عليه الجمع بينهما كالاختين (مسألة) (وليس للعبد نكاح سيدته) قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان نكاح المرأة عبدها باطل لان أحكام الملك والنكاح تتناقض إذ ملكها اياه يقتضي وجوب نفقته عليها وسفره بسفرها وطاعته إياها، ونكاحه إياها يوجب عكس ذلك فيتنافيان ولما روى الاثرم باسناده عن أبى الزبير عن جابرانه سأله عن العبد ينكح سيدته فقال جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها فانتهرها عمر وهم ان يرجمها وقال لا يحل لك (مسألة) (وليس للحر ان يتزوج امته) لان ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة واباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه ولا يجوز، أن يتزوج امة له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لانها مملوكته (مسألة) (ولا يجوز للحر ان يتزوج امة ابنه لا ن له فيها شبهة ملك) وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل العراق له ذلك لانها ليست مملوكة له ولا تعتق باعتاقه اياها
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (انت ومالك لابيك) ولانه لو ملك جزءا من أمة لم يصح نكاحه لها فما هي
مضافة بجملتها شرعا أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أمة سيده وسيدته مع ما ذكرنا من الخلاف (فصل) ويجوز للعبد نكاح امة ابنه لان الرق قطع ولايته عن ابنه وماله وهذا لا يلى ماله ولا نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه فهو كالاجنبي منه (فصل) وللابن نكاح امة أبيه لانه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فاشبه الاجنبي وكذلك سائر القرابات ويجوز للرجل ان يزوج ابنته لمملوكه، وإذا مات الاب فورث احد الزوجين صاحبه أو جزء أمنه انفسخ النكاح وكذلك ان ملكه أو جزءا منه بغير الارث لا نعلم فيه خلافا انلا ان الحسن فال إذا اشترى امرأته للعتق فاعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما ولا يصح لانهما متنافيان فلا يجتمعان قليلا ولا كثيرا بمجرد الملك لها انفسخ نكاحها سابقا على عتقها (فصل) وان اشترى الحر زوجته أو جزءا منها ملكه بغير الشراء انفسخ نكاحها وكذلك ان ملكت المرأة زوجها أو جزءا منه ولا نعلم في ذلك اختلافا لما ذكرناه، وان اشتراها ابنه فعلى وجهين (احداهما) ينفسخ النكاح لان ملك الابن كملكه في اسقاط الحد وحرمة الاستيلاء فكان كملكه في ابطال النكاح (والثاني) لا يبطل لانه لا يملكها بملك الابن فلم يبطل نكاحه كالاجنبي (فصل) وإذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فانفسخ نكاحها فليس ذلك طلاقا فمتى اعتقته ثم
تزوجها لم تحتسب بتطليقة وبهذا قال الحكم وحماد ومالك والشافعي وابن المنذر واسحاق وقال الحسن والزهري وقتادة والازواعي تحتسب هي بتطليقة ولا يصح لانه لم يلفظ بطلاق صريح ولا كناية وانما فسخ النكاح بوجود ما ينافيه فأشبه انفساخه باسلام أحدهما (فصل) ولو ملك الرجل بعض زوجته انفسخ نكاحها وحرم وطؤها في قول عامة المفتين حتي يستخلصها فيحل له وطؤها بملك اليمين وروي عن قتادة انه لم يزده ملكه فيها الاقربا وليس بصحيح لان النكاح لا يبقى في بعضها وملكه لم يتم علهيا ولا يثبت الحل فيما لا يملكه ولا نكاح فيه (مسألة) (ومن جمع بين محللة ومحرمة في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل؟ على روايتين) وإذا عقد النكاح على اخته وأجنبية معا بان يكون لرجل أخت وابنة عم احداهما رضيعة للمتزوج
فيقول له زوجتكهما فيقبل ذظلك فالمنصوص صحة نكاح الاجنبية فيما ذكره الخرقي ونص فيمن تزوج حرة وامة أنه يثبت نكاح الحرة ويفارق الامة وذكر شيخنا فيه روايتين احداهما يفسد فيهما وهو أحد قولي الشافعي واختاره أبو بكر لانه عقد واحد جمع حلالا وحراما فلم يصح كما لو جمع بين اختين والثانية يصح في الحرة وهو أظهر الروايتين وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي لانها محل قابل
للنكاح وأضيف إليها عقد صادر من أهله لم يجتمع معها فيه مثلها فصح كما لو انفردت به وفارق العقد على الاختين لانه لا مزية لاحداهما على الاخرى وهاهنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها فعلى هذا القول يكون لها من المسمى بقسط مهر مثلها منه وفيه وجه آخر ان لها نصف المسمى وأصل هذين الوجهين إذا تزوج امرأتين يجوز له نكاحهما بمهر واحد هل يكون بينهما على قدر صداقهما أو نصفين؟ على وجهين يأتي ذكر هما انشاء الله تعالى (فصل) ولو تزوج يهودية ومجوسية أو محللة أو محرمة في عقد واحد فسد في المجوسية والمحرمة وفي الاخرى وجهان وان نكح أربع حرائر وأمة فسد في الامة وفي الحرائر وجهان وان نكح العبد حرتين وأمة بطل نكاح الجميع وان تزوج امرأة وابنتها فسد فيهما لان الجمع بينهما محرم فلا يصح فيهما كالاختين (مسألة) (وكل من حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين الا إماء أهل الكتاب) الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) ان أهل الكتاب حلال وهذا قول عامة أهل العلم الا الحسن فانه كرهه لان الامة الكتابية يحرم نكاحها فحرم التسري بها كالمجوسية ولنا قول الله تعالى (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) ولانها ممن يحل نكاح حرائرهم فحل له التسري بها كالمسلمة فأما نكاحها فيحرم لانه فيه ارقاق ولده وابقاءوه مع كافرة بخلاف
التسري (الفصل الثاني) ان من حرم نكاح حرائرهم من المجوسيات وسائر الكوافر سوى أهل أهل الكتاب لا يباح وطئ الاماء منهن بملك اليمين في قول أكثر أهل العلم منهم الزهري وسعيد بن
جبير والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي قال ابن عبد البر على هذا جماعة فقهاء الامصار وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعد خلافا ولم يبلغنا إباحة ذلك الا عن طاوس لقول تعالى (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) وقوله (والذينهم لفروجهم حافظون الا على أزاجهم أو ما ملكت ايمانهم) الآية وروى أبو سعيد ان رسول الله صلي الله عليه وسلم بعث يوم خيبر بعثها قبل أن طاس فأصابوا لهم سبايا فكان ناس من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يتحرجون من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشريكين فأنزل الله عزوجل في ذلك (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) قال فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن وعنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال في سببا أو طاس (لا توطأ حامل حتى تضع ولا ذات حليل حتى تحيض حيضة) رواهما أبو داود وهذا صحيح وهم عبدة الاوثان وهذا ظاهر في إباحتهن ولان الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر سباياهم من كفار العرب وهم عبدة الاوثان فلم يكونوا يرون تحريمهن لذلك ولا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهن ولا أمر الصحابة باجتنابهن وقد دفع أبو بكر إلى سلمة بن الاكوع امرأة من بعض السبي نفله إياها وأخد عمر وابنه من سبي هوازن وكذلك غيرهما من الصحابة وأم محمد بن الحنفية من سبي بني حنيفة وأخذ الصحابة سبايا فارس وهم
مجوس فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن وهذا ظاهر في اباحتهن لولا اتفاق سائر أهل العلم على خلافه وقد أجبت عن حديث أبى سعيد بأجوبة منها أنه يحتمل أنهن أسلمن كذلك روى عن احمد حين سأله محمد بن الحكم قال قلت لابي عبد الله اليس كانوا عبدة أوثان؟ قال لا أدري كانوا أسلموا أولا؟ وقال ابن عبد البر إباحة وطئهن منسوخة بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) (فصل) قال رحمه الله ولا يحل نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره نص عليه في رواية الميموني وذكره ابو اسحاق مذهبا للشافعي وذلك لانه لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح فلم يصح له كما لو اشتبهت عليه اخته بنسوة ولانه قد اشتبه المباح بالمحظور في حقه فحرم لما ذكرنا وقال الخرقي إذا قان أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له ان ينكح بغير ذلك بعد وان قال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا وذلك لانه لا يخلو من أن يكون رجلا أو أمرأة قال الله تعالى (وانه خلق الزوجين الذكر
والانثى) وقال تعالى (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) وليس ثم خلق ثالث فإذا كان مشكلا لم يظهر فيه علامات الرجال ولا النساء فقد اختلف فيه أصحابنا واختار الخرقي أنه يرجع إلى قوله قال ذكر انه رجل وانه بميل طبعه إلى نكاح النساء فله نكاحهن وان ذكر انه امرأة بميل إلى طبعه إلى
الرجال زوج رجل لانه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته وليس فيه إيجاب حق إلى غيره فقبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في حيضها وعدتها وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته له فان الله تعالى أجرى العادات في الحيوانات بميل الذكر إلى الانثى وميلها إليه وهذا الميل أمر في النفس والشهوة ولا يطلع عليه غيره وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة فيرجع فيه إلى الامور الباطنة فيما يختص هو بحكمه وأما الميراث والدية فان اقر على نفسه بماه يقلل ميراثه أوديته قبل منه وان ادعى ما بزيد ذلك لم يقبل لانه متهم فيه فلا يقبل قوله على غيره وما كان من عباداته وسترته وغير ذلك فينبغي أن يقبل قوله فيه لانه حكم بينه وبين الله تعالى قال القاضي ويقبل قوله في الامامة وولاية النكاح وما لا يثبت حقا على غيره وإذا زوج امرأة ورجلا ثم عاد فقال خلاف قوله الاول لم يقبل قوله في التزويج بغير الجنس الذي زوجه اولا لانه مكذب لنفسه ومدع ما يوجب الجمع بين تزويج الرجال والنساء (مسألة) (فان تزوج امرأة فقال أنا امرأه انفسخ نكاحه) لاقراره ببطلانه ولزمه نصف المهر ان كان قبل الدخول وجميعه ان كان بعده ولا يحل له بعد ذلك أن ينكح لانه أقر بقوله أنا رجل بتحريم الرجال واقر بقوله انا امرأة بتحريم النساء (مسألة) (وان تزوج رجلا ثم قال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ نكاحه) لانه لا حق عليه
فإذا أزال نكاحه فلا مهر له لانه يقرأنه لا يستحقه وسواء دخل أو لم يدخل ويحرم النكاح بعد ذلك لما ذكرنا.
باب الشروط في النكاح
وهي قسمان صحيح وفاسد فالصحيح نوعان (أحدهما) يقتضيه العقد كتسليم المرأة إليه وتمليكه من الاستمتاع بها فهذا لا يؤثر في العقد وجوده كعدمه (الثاني) شرط ما تنتفع به المرأة كزيادة على مهرها أو نقد معين فهو صحيح يجب الوفاء به كالثمن في المبيع (مسئللة) (فان شرط ان لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى فهو صحيح لام فان وفي به وإلا فلها الفسخ) يروي ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاوس والاوزاعي واسحاق وأبطل هذه الشروط الزهري وقتادة وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال أبو حنيفة والشافعي يفسد المهر ولها مهر المثل واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط) وهذا ليس في كتاب الله لان الشرع لا يقتضيه وبقول النبي
صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) وهذا يحرم الحلال وهو التزويج والتسري والسفر ولان هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ولم بين على التغليب والسراية فكان فاسدا كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحق ما وفيتم به الشروط ما استحللتم به الفروج) رواه سعيد - وفي لفظ - (ان أحق الشروط أن توفوا بهاما استحللتم به الفروج)) متفق عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولانه قول من سمنيا من الصحابة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا وروي الاثرم بأسناده أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال لها شرطها فقال الرجل إذا يطلقننا فقال عمر مقاطع الحقوق عند الشروط ولانه شرط له فيه منفعة ومقصود لا يمنع المقصود من النكاح فكان لازما كما لو اشترطت زيادة في المهر أو غير نقد البلد وأما قوله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أي ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع قد ذكرنا ما دل على مشروعيته وعلى من نفي ذلك الدليل وقولهم ان هذا يحرم الحلال قلنا لا يحرم حلالا وانما
يثبت للمرأة خيار الفسخ ان لم يف لها به وقولهم ليس من مصلحة العقد ممنوع فانه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده كاشتراط الرهن والضمين ثم يبطل بالزيادة على مهر
المثل وإذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف به فلها الفسخ ولهذا قال عمر للذي قضي عليه بلزوم الشرط حين قال إذا يطلقننا مقاطع الحقوق عند الشروط ولم يلتفت إلى قوله ولانه شرط لازم في عقد فيثبت حق الفسخ في ترك الوفاء به كالرهن في البيع (مسألة) (وان شرط لها طلاق ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح) لانه شرط لا ينافي العقد ولها فيه فائدة فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها قال شيخنا ولم أر هذا لغيره ويحتمل أنه باطل وهو الصحيح لما روى أبو هريرة قال نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تشرط المرأة طلاق أختها وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صفحتها ولتنكح فان لها ما قدر لها) رواهما البخاري والنهي يقتضي فساد المنهي عنه لانها شرطت عيه فسخ عقده وابطال حقه وحق امرأته فلا يصح كما لو شرطت فسخ بيعه وعلى قياس هذا ما لو شرطت عليه ببيع (مسألة) قال رضي الله عنه (القسم الثاني فاسد وهو ثلاثة انواع (احدهما) ما يبطل النكاح وهو ثلاثة أشياء (أحدها) نكاح الشغار وهو أن يتزوجه وليته على أو يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما) قيل انما سمي هذا النكاح شغارا لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول في الفتح يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول وحكي عن الاصمعي انه قال الشغار الرفع فكان كل واحد منهما رفع رجله للآخر
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: