الفقه الحنبلي - الظهار- اللعان

وجملة ذلك أن الواجب في كفارة الظهار اطعام ستين مسكينا للآية لا يجزئه أقل من ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئه أن يطعم مسكينا واحدا في ستين يوما، وروي ذلك عن أحمد حكاه القاضي أبو الحسين لان هذا المسكين لم يستوف الا قوت يومه من هذه الكفارة فجاز أن يعطي منها كاليوم الاول، وعن احمد رواية ثالثة ان وجدهم لم يجزئه لانه أمكنه امتثال الامر بصورته ومعناه وان لم يجد غيره أجزأه لتعذر المساكين ووجه الاولى قول الله تعالى (فاطعام ستين مسكينا) وهذا لم يطعم الا واحدا فلم يمتثل الامر لانه لم يطعم ستين مسكينا فلم يجزئه كما لو دفعها إليه في يوم واحد ولانه لو جاز الدفع إليه في أيام لجاز الدفع إليه في يوم واحد كالزكاة وصدقة الفطر، يحقق هذا أن الله تعالى أمر بعدد المساكين لا بعدد الايام وقائل هذا يعتبر عدد الايام دون عدد المساكين، والمعنى في اليوم الاول أنه لم يستوف حقه من هذه الكفارة وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه وأخذ منها قوت يوم فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني كما لو أوصى انسان بشئ لستين مسكينا
* (مسألة) * (وان دفع إلى مسكين واحد في يوم من كفارتين أجزأه) وهذا مذهب الشافعي وهو اختيار الخرقي لانه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع إليه المدين في يومين وفيه رواية أخرى أنه لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة لانه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجز الدفع إليه ثانيا كما لو دفعها إليه من كفارة واحدة، فعلى هذه الرواية يجزئه عن احدى الكفارتين وهل لها الرجوع في الاخرى؟ ينظر فان كان اعلمه أنها عن كفارتين فله الرجوع والا فلا ويتخرج أن لا يرجع بشئ على ما ذكرنا في الزكاة، والرواية الاولى أقيس وأصح فان اعتبار عدد المساكين أولى من اعتبار عدد الايام ولو دفع إليه ذلك في يوم أجزأه ولانه لو كان الدافع اثنين أجزأ عنهما فكذلك إذا كان الدافع واحدا ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين مسكينا من كفارة واحدة أجزأه من ذلك ثلاثون ويطعم ثلاثين آخرين فان دفع الستين من كفارتين خرج على الروايتين في المسألة قبلها وهي إذا أطعم مسكينا واحدا مدين من كفارتين في يوم واحد.
* (مسألة) * (والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة وهو البر والشعير والتمر والزبيب سواء كان قوت بلده أو لم يكن) وما عداها فقال القاضي: لا يجزئ اخراجه سواء كان قوت بلده أو لم يكن لان الخبر ورد باخراج هذه الاوصاف على ما جاء في الاحاديث التي نذكرها ولانه الجنس المخرج في الفطرة فلم يجز غيره كما لو لم يكن قوت بلده * (مسألة) * (فان كان قوت بلده غير ذلك كالذرة والدخن والارز لم يجز اخراجه على قول القاضي وقال أبو الخطاب عندي أنه يجزئه الاخراج من جميع الحبوب التي هي قوت بلده لان الله تعالى قال (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وهذا مما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص وهذا مذهب الشافعي فان أخرجه عن قوت بلده أجود منه فقد زاد خيرا * (مسألة) * (واخراج الحب أفضل عند أبي عبد الله) لانه يخرج به من الخلاف وهي حالة كماله لانه يدخر فيها ويتهيأ لمنافعه كلها بخلاف غيره فان أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على المد قدرا يبلغ المد حبا أو يخرجه بالوزن لان الحب يروع فيكون في مكيال الحب أكثر مما يكون في مكيال الدقيق قال الاثرم قيل لابي عبد الله فيعطي البر والدقيق قال أما الذي جاء فالبر ولكن ان أعطاهم الدقيق بالوزن جاز وقال الشافعي لا يجزئ لانه ليس بحال الكمال لاجل ما يقوت به من وجوه الانتفاع فأشبه الهريسة
ولنا قول الله تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم والدقيق من أوسط ما يطعمه أهله ولان الدقيق أجزاء الحنطة وقد كفاهم مؤنته وطحنه وهيأه وقربه من الاكل وفارق الهريسة فانها تفسد عن قرب ولا يمكن الانتفاع بها في غير الاكل في تلك الحال بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (وفي الخبز روايتان) (احداهما) يجزئ اختارها الخرقي ونص عليه احمد في رواية الاثرم فانه قال قلت لابي عبد الله رجل أخذ ثلاثة عشر رطلا وثلثا دقيقا وهو كفارة اليمين فخبزه للمساكين وقسم الخبز على عشرة مساكين أيجزئه ذلك؟ قال ذلك أعجب الي والذي جاء فيه الحديث أن يطعمهم مد بر وهذا ان فعل
فارجو أن يجزئه قلت انما قال الله (فاطعام عشرة مساكين) فهذا قد أطعمهم وأوفاهم المد قال أرجو أن يجزئه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، ونقل الاثرم في موضع آخر ان أحمد سأله رجل عن الكفارة قال أطعمهم خبزا وتمرا قال ليس فيه تمر قال فخبز قال لا ولكن برا أو دقيقا بالوزن رطل وثلث لكل مسكين فظاهر هذا أنه لا يجزئه وهو مذهب الشافعي لانه خرج عن حالة الكمال والادخار فأشبه الهريسة، قال شيخنا والاول أحسن لان الله تعالى قال (فاطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس الادخار مقصودا في الكفارة فانها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه فيدل ذلك على أن المقصود كفايته في يومه وهذا قد هيأه للاكل المعتاد للاقتيات وكفاهم مؤنته فأشبه ما لو نقى الحنطة وغسلها، فأما الهريسة والكبولا ونحوهما فلا يجزئ لانهما خرجا عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الادام، وأما السويق فيحتمل الا يجزئ لذلك ويحتمل أن يجزئ لانه يقتات
في بعض البلدان ولان السويق يجزئ في الفطرة فكذلك ههنا * (مسألة) * (ولا يجزئ من البر أقل من مد ولا من غيره أقل من مدين) وجملة ذلك أن قدر الاطعام في الكفارات مد من بر لكل مسكين أو نصف صاع تمر أو شعير وممن قال مد بر زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر حكاه عنهم الامام احمد ورواه عنهم الاثرم وعن عطاء وسليمان بن موسى وقال سليمان بن يسار أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الاصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة يطعم مدا من أي الانواع كان، وبه قال عطاء والاوزاعي والشافعي لما روى أبو داود باسناده عن أوس بن أخي عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير اطعام ستين مسكينا، وروى الاثرم باسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال " خذه وتصدق به " وإذا ثبت هذا في المجامع بالخبر ثبت في المظاهر قياسا عليه ولانه اطعام واجب فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج كالفطرة، وقال مالك لكل مسكين مدان من جميع الانواع، وممن قال مدان من قمح مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي لانها كفارة تشتمل على صيام
واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الاذى، وقال الثوري وأصحاب الرأي من القمح مدان ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر " فاطعم وسقا من تمر " رواه الامام أحمد وأبو داود وغيرهما وروى الخلال باسناده عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " فليطعم ستين مسكينا وسقا (1) من تمر " وفي رواية أبي داود
__________
(1) لعله عرقا
والعرق ستون صاعا، وروى ابن ماجه باسناده عن ابن عباس قال: كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس " فمن لم يجد فنصف صاع من بر " وروى الاثرم باسناده عن عمر رضي الله عنه قال: أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ولانه اطعام للمساكين فكان صاعا من التمر والشعير أو نصف صاع من بر كصدقة الفطر ولنا ما روى الامام أحمد ثنا اسماعيل ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر " أطعم هذا فان مدي شعير مكان مدبر " وهذا نص ولانه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا فكان اجماعا وعلى أنه نصف صاع من التمر والشعير ما روى عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخويلة امرأة أوس ابن الصامت " اذهبي إلى فلان الانصاري فان عنده شطر وسق من تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فلتأخذيه فليتصدق به على ستين مسكينا " وفي حديث أوس بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اني سأعينه بعرق من تمر - قلت يا رسول الله فاني سأعينه بعرق آخر - قال أحسنت اذهبي فأطعمي
بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك " وروى أبو داود باسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا فالعرقان ثلاثون صاعا لكل مسكين نصف صاع ولانها كفارة تشتمل على صيام واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير كفدية الاذى، وأما رواية أبي داود أن العرق ستون صاعا فقد ضعفها وقال غيرها أصح منها وفي الحديث ما يدل
على الضعف لان ذلك في سياق قوله " اني سأعينه بعرق - فقال امرأته اني سأعينه بعرق آخر - قال - فأطعمي بها عنه ستين مسكينا " فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا ولا قائل به، وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا فقال تصدق به فيحتمل أنه اقتصر عليه إذا لم يجد سواه ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله وفي الحديث المتفق عليه قريب من عشرين صاعا وليس ذلك مذهبا لاحد فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه وحديث أوس أخي عبادة مرسل يرويه عنه عطاء ولم يدركه على أنه حجة لنا لان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عرقا وأعانته امرأته بعرق آخر فصارا جميعا ثلاثين صاعا كما فسر أبو سلمة بن عبد الرحمن وسائر الاحاديث يجمع بينها وبين اخبارنا بحملها على الجواز واخبارنا على الاجزاء، وقد عضد هذان ابن
عباس راوي بعضها ومذهبه أن المد من البر يجزئ وكذلك أبو هريرة وسائر ما ذكرنا من الاخبار مع الاجماع الذي نقله سليمان بن يسار * (مسألة) * (ولا يجزئ من الخبر أقل من رطلين بالعراقي الا أن يعلم أنه مد) وجملة ذلك أنه إذا أعطى المسكين رطلي خبز بالعراقي أجزأه ذكره الخرقي وذلك بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم خمس أواقي وسبع أوقية لان ذلك لا يكون أقل من مد وقال القاضي المد يجئ منه رطلان لان الغالب أن رطلين من الخبز لا يكون أقل من مد فأما ان علم أنه مد بحيث يأخذ مدا من حنطة فيطحنه ويخبزه أو رطلا وثلثا من دقيق الحنطة فيصنعه خبزا فيجزئه وهذا في البر فاما ان كان من الشعير فلا يجزيه الا ضعف ما قدرنا أو يخبز نصف صاع شعير كما قلنا في البر ويخرجه فيجزئه * (مسألة) * (فان أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه ويحتمل أن يجزئه لا يجزئ اخراج القيمة في الكفارة) نقلها الميموني والاثرم وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر وهو الظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس وأجازه الاوزاعي وأصحاب الرأي لان المقصود دفع حاجة المسكين وهو يحصل بذلك
وخرج بعض أصحابنا من كلام أحمد رواية أخرى أنه يجزئه وهو ما روى الاثرم أن رجلا سأل أحمد قال أعطيت في كفارة خمس دوانيق فقال لو استشرتني قبل أن تعطي لم اشر عليك ولكن أعط ما بقي من الاثمان على ما قلت لك وسكت عن الذي أعطى وهذا ليس برواية وانما سكت عن الذي أعطى لانه مختلف فيه فلم ير التضييق عليه فيه والمذهب الاول لظاهر قوله سبحانه (فاطعام ستين مسكينا) ومن أخرج القيمة لم يطعم وقد ذكرناه في الزكاة * (مسألة) * (وان غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه وعنه يجزئه) ظاهر المذهب في كيفية إطعام المساكين أن الواجب أن يملك كل انسان من المساكين القدر الواجب من الكفارة فلو غدى المساكين أو عشاهم لم يحزئه سواء كان ذلك بقدر الواجب أو أقل أو أكثر، ولو غدى كل واحد غداء لم يجزئه إلا أن يملكه إياه وهذا مذهب الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم وهو قول النخعي وأبي حنيفة وأطعم أنس في فدية الصيام قال احمد اطعم شيئا كثيرا وضع الجفان، وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وذلك لقول الله تعالى (فاطعام ستين مسكينا) وهذا قد أطعمهم فينبغي أن يجزئه ولانه أطعم
المساكين فأجزأه كما لو ملكهم ووجه الاولى أن المنقول عن الصحابة اعطاؤهم ففي قول زيد وابن عباس وابن عمر وابي هريرة مد لكل فقير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب في فدية الاذى " أطعم ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين " ولانه مال وجب للفقراء شرعا فوجب تمليكهم إياه كالزكاة فان قلنا يجزئ اشترط ان يغديهم ستين مدا فصاعدا ليكون قد أطعمهم قدر الواجب، وان قلنا لا يجزئ أن يغديهم فقدم إليهم ستين مدا وقال هذا بينكم بالسوية فقبلوه أجزأ لانه ملكهم التصرف فيه والامتناع قبل القسمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو عبد الله بن حامد يجزئه وان لم يقل بالسوية لان قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية لان ذلك حكمها وقال القاضي ان علم أنه وصل إلى كل واحد قدر حقه أجزأ وان لم يعلم لم يجزئه لان الاصل شغل ذمته ما لم يعلم وصول الحق إلى مستحقه، ووجه الاول أنه دفع الحق إلى مستحقه مشاعا فقبلوه فبرئ منه كديون غرمائه
(فصل) ولا يجب التتابع في الاطعام نص عليه أحمد في رواية الاثرم وقيل له يكون عليه كفارة يمين فيطعم اليوم واحدا والاخر بعد أيام وآخر بعد حتى يستكمل عشرة فلم ير بذلك بأسا وذلك لان
الله تعالى لم يشترط التتابع فيه ولو وطئ في أثناء الاطعام لم يلزمه اعادة ما مضى منه وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يستأنف لانه وطئ في أثناء الكفارة فوجب الاستئناف كالصيام ولنا أنه وطئ في أثناء ما لا يشترط فيه التتابع فلم يوجب الاستئناف كوطئ غير المظاهر منها أو كما لو وطئ في كفارة اليمين وبهذا فارق الصيام (فصل) ولا يجزئ الاخراج الا بنية وكذلك الاعتاق والصيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " انما الاعمال بالنيات " ولان العتق يقع متبرعا به وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة الا بنيته وصفتها ان ينوي العتق أو الاطعام أو الصيام عن الكفارة فان زاد الواجبة فهو تأكيد والا أجزأت نية الكفارة وان نوى وجوبها ولم ينو الكفارة لم تجزئه لان الوجوب يتنوع عن كفارة ونذر
فوجب تمييزه وموضوع النية مع التكفير أو قبله بيسير وهذا الذي نص عليه الشافعي وقال به بعض أصحابه وقال بعضهم لا يجزئ حتى يستصحب النية وان كانت الكفارة صياما اشترطت نية الصيام عن الكفارة في كل ليلة لقوله عليه السلام " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " * (مسألة) * (فان كانت عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتي أجزأه لان النية تعينت لها وإن كان عليه كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها) وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا.
فعلى هذا لو كان مظاهرا من أربع نسائه فأعتق عبدا عن ظهاره أجزأه عن احداهن وحلت له احداهن غير معينة لانه واجب من جنس واحد فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان، وقياس المذهب أنه يقرع
بينهن فتخرج المحللة منهن بالقرعة، وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي له أن يصرفها إلى أيتهن شاء
فتحل، وهذا يفضي إلى أنه يتخير بين كون هذه المرأة محللة له أو محرمة عليه وان كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق عبدا عن احداهن ثم صام شهرين عن أخرى ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عن أخرى اجزأه وله الجميع من غير قرعة ولا تعيين، وبهذا قال الشافعي واصحاب الرأي وقال أبو ثور يقرع بينهن فمن تقع لها القرعة فالعتق لها ثم يقرع بين الباقيتين فمن تقع لها القرعة فالصيام لها والاطعام عن الثالثة لان كل واحدة من هذه الخصال لو انفردت احتاجت إلى قرعة فكذلك إذا اجتمعت ولنا أن التكفير قد حصل عن الثلاث وزالت حرمة الظهار فلم يحتج إلى قرعة كما لو أعتق ثلاثة عن ظهارهن دفعة واحدة * (مسألة) * (وان كانت من اجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان ويمين فقال أبو الخطاب لا تفتقر إلى تعيين السبب.
وبهذا قال الشافعي لانها عبادة واجبة فلم تفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كان من جنس واحد)
وقال القاضي يحتمل أن يشترط تعيين سببها ولا يجزئ بنية مطلقة وحكاه بعض أصحاب الشافعي عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لانهما عبادتان من جنسين فوجب تعيين النية لهما كما لو وجب عليه صوم من قضاء ونذر فعلى هذا لو كانت عليه كفارة واحدة لا يعلم سببها اجزأته كفارة واحدة على الوجه الاول قاله أبو بكر وعلى الوجه الثاني ينبغي ان يلزمه كفارات بعدد الاسباب كل واحد عن سبب كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فانه يلزمه خمس صلوات، ولو علم ان عليه يوما لا يعلم هل هو من قضاء أو من نذر لزمه صوم يومين فان كان عليه صيام ثلاثة أيام لا يدري اهي من كفارة أو نذر أو قضاء لزمه صوم تسعة أيام كل ثلاثة عن واحدة من الجهات الثلاث (فصل) إذا كان على رجل كفارتان فاعتق عنهما عبدين لم يخل من اربعة احوال (احدها) ان يقول اعتقت هذا عن هذه الكفارة وهذا عن هذه فيجزئه اجماعا (الثاني) ان يقول اعتقت هذا عن احدى الكفارتين وهذا عن الاخرى من غير تعيين فان كانا من جنس واحد ككفارتي ظهار أو قتل اجزأه وان كانتا من جنسين ككفارة ظهار وكفارة قتل خرج
على وجهين في اشتراط تعيين السبب فان قلنا يشترط لم يجزئه واحد منهما وان قلنا لا يشترط أجزأه عنهما (الثالث) ان يقول اعتقتهما عن الكفارتين فان كانتا من جنس اجزأ عنهما ويقع كل واحد عن كفارة لان عرف الشرع والاستعمال اعتاق الرقبة عن الكفارة فإذا اطلق ذلك وجب حمله عليه وان
كانتا من جنسين خرج على الوجهين (الرابع) ان يعتق كل واحد منهما عنهما جميعا فيكون معتقا عن كل واحدة من الكفارتين نصف العبدين فينبني على أصل آخر وهو إذا اعتق نصف رقبتين عن كفارة هل يجزئه اولا؟ فعلى قول الخرقي يجزئه لان الاشقاص بمنزلة الاشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير بدليل الزكاة فان من ملك نصف ثمانين شاة كان كمن ملك أربعين ولا تلزم الاضحية فانه يمنع منها العيب اليسير.
وقال أبو بكر وابن حامد ولا يجزئه وهو قول مالك وأبي حنيفة لان ما أمر بصرفه إلى شخص في الكفارة لم يجز تفريقه على اثنين كالمد في الاطعام ولاصحاب الشافعي كهذين الوجهين، ولهم وجه ثالث وهو انه ان كان باقيهما حرا اجزأ والا فلا لانه متى كان باقيهما حرا حصل تكميل الاحكام والتصرف وخرجه القاضى وجها لنا أيضا الا ان للمعترض عليه ان يقول ان تكميل الاحكام ما حصل بعتق هذا وانما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجز في هذه المسألة عن شئ من الكفارتين وان قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس اجزأ العتق عنهما وان كانتا من جنسين فقد قيل يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجها واحدا لان عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما (فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لان الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده انت حر الساعة ان تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظها ان تظاهر لانه قدم الكفارة على سببها المختص لم يجز كما لو قدم كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فانت علي كظهر امي
لم يجز التكفير قبل دخول الدار لانه تقديم للكفارة قبل الظهار فان اعتق عبدا عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهرا ولم يجزئه لان الظهار معلق على شرط ولو قال لعبده ان تظاهرت فانت حر عن ظهارى ثم قال لامرأته انت علي كظهر امي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه
وخرجه القاضى وجها لنا أيضا الا ان للمعترض عليه ان يقول ان تكميل الاحكام ما حصل بعتق هذا وانما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجز في هذه المسألة عن شئ من الكفارتين وان قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس اجزأ العتق عنهما وان كانتا من جنسين فقد قيل يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجها واحدا لان عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما (فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لان الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده انت حر الساعة ان تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظها ان تظاهر لانه قدم الكفارة على سببها المختص لم يجز كما لو قدم كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فانت علي كظهر امي
لم يجز التكفير قبل دخول الدار لانه تقديم للكفارة قبل الظهار فان اعتق عبدا عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهرا ولم يجزئه لان الظهار معلق على شرط ولو قال لعبده ان تظاهرت فانت حر عن ظهارى ثم قال لامرأته انت علي كظهر امي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه عن الكفارة فيه وجهان (احدهما) يجئه لانه عتق بعد الظها وقد نوى اعتاقه عن الكفارة (والثاني) لا يجزئه لان عتقه مستحق بسبب آخر وهو الشرط ولان النية لم توجد عند عتق العبد والنية عند التعليق لا تجزئ لانه تقديم لها على سببها والله سبحانه وتعالى اعلم آخر الباب ويتلوه باب اللعان ان شاء الله تعالى، تم تسويد كتابة ذلك الكتاب في اليوم السادس من العشر الثانية من الشهر السابع من السنة السادسة من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الالف الثاني من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلاة والسلام بقلم الفقير إلى الله محمد بن حمد بن نصر الله بن فوزان بن نصر الله بن محمد بن عيسي بن حمد بن عيسي بن صقر بن مشعاب ان تجد عيبا فسد الخللا * جل من لا عيب فيه وعلا * (تم بحمد الله وعونه الجزء الثامن من كتابي المغني والشرح الكبير) * * (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء التاسع وأوله (كتاب اللعان) *
الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه ج 9
الشرح الكبير
عبدالرحمن بن قدامه ج 9
الشرح الكبير على متن المقنع، تأليف الشيخ الامام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 682 ه كلاهما على مذهب امام الائمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني) مع بيان خلاف سائر الائمة وأدلتهم رضي الله عنهم الجزء التاسع دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب اللعان) قيل هو مشتق من اللعن لان كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبا.
وقال القاضي سمي بذلك لان الزوجين لا ينفكان من أن يكون أحدهما كاذبا فتحصل اللعنة عليه وهي الطرد والابعاد، والاصل فيه قول الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) الايات وروى سهل ابن سعد أن عويمرا العجلاني اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امراته رجلا فيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد أنزل الله عزوجل فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها " قال سهل فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا
قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها.
فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية - وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم - فجاء من أرضه عشاء فوجد عند اهله رجلا فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثه واشتد عليه فنزلت (والذين يرمون أزواجهم
ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم) الآيتين كلتيهما فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ابشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا " قال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي تبارك وتعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارسلوا إليها " فأرسلوا إليها فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهما وأخبرهما إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال: والله لقد صدقت عليها: فقالت كذب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاعنوا بينهما " فقيل لهلال اشهد فقال اشهد بالله فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين فلما كانت الخامسة قيل: يا هلال اتق الله فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وان هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال والله لا يعذبني الله عليها فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
ثم قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها اتقي الله فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب
فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة ان غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها، وقال " إن جاءت به أصيهب أريضخ أثيبج حمش الساقين فهو لهلال، وإن جاءت به جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به " فجاءت به جعدا أورق جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا الايمان لكان لي ولها شأن " قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعي لاب.
ولان الزوج يبتلى بقذف امرأته لنفي العار والنسب الفاسد وتتعذر عليه البينة فجعل اللعان بينة له ولهذا لما نزلت آية اللعان قال النبي صلى الله عليه وسلم " أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا " (مسألة) (إذا قذف الرجل زوجته بالزنا فله إسقاط الحد عنه باللعان) وجملة ذلك ان الرجل إذا قذف زوجته المحصنة بالزنا وجب عليه الحد وحكم بفسقه ورد شهادته إلا ان يأتي ببينة أو يلاعن، فان لم يأت باربعة شهداء وامتنع من اللعان لزمه ذلك كله وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجب اللعان دون الحد فان أبي حبس حتى يلاعن لان الله تعالى قال (والذين
يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا انفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله انه) الايات فلم يوجب بقذف الازواج إلا اللعان ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) وهذا عام في الزوج وغيره وانما خص الزوج بان أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن امية " البينة والاحد في ظهرك " وقوله له لما لاعن " عذاب الدنيا اهون من عذاب الآخرة " ولانه قاذف فلزمه الحد كما لو اكذب نفسه إذا لم يأت بالبينة المشروعة كالاجنبي (مسألة) (وصفة اللعان ان يبدأ الزوج فيقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ويشير إليها) ولا يحتاج مع الحضور والاشارة إلى تسمية ونسب كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود، وان لم تكن حاضرة أسماها حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يقول في الخامسة وان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا.
ثم تقول هي أشهد بالله ان زوجي هذا من الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتشير إليه ان كان حاضرا وان كان غائبا اسمته ونسبته فإذا كملت أربع مرات تقول في الخامسة وأن غضب الله عليها ان كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا لقول
الله تعالى (والذين يرمون ازواجهم) الآيات ولما ذكرنا من حديث عويمر العجلاني وحديث هلال بن امية في أول الباب (مسألة) (فان نقص أحدهما من الالفاظ الخمسة شيئا أو بدأت باللعان قبله أو تلاعنا بغير حضرة الحاكم أو نائبه لم يعتد به) وجملة ذلك أنه يشترط في صحة اللعان شروط ستة (أحدها) استكمال اللفظات الخمسة فان نقص منها لفظة لم يصح لان الله تعالى علق الحكم عليها فلا يثبت بدونها ولانها بينة فلم يجز النقص من عددها
كالشهادة (الثاني) ان يأتي كل واحد منهما باللعان بعد القائه عليه فان بادر قبل ان يلقيه الامام عليه أو نائبه لم يصح كما لو حلف قبل ان يحلفه الحاكم (الثالث) أن يبدأ الزوج باللعان فان بدأت المرأة به قبله لم يعتد به لانه خلاف ما ورد به الشرع وكذلك ان قدم الرجل اللعنة على شئ من الالفاظ الاربعة أو قدمت المرأة الغضب، ولان لعان الرجل بينة الاثبات ولعان المرأة بينة الانكار فلم يجز تقديم الانكار على الاثبات (الرابع) ان يكون بحضرة الحاكم أو نائبه لانه يمين في دعوى فاعتبر فيه أمر الحاكم كسائر الدعاوى (الخامس) ان يشير كل واحد منهما إلى صاحبه وان كان حاضرا أو يسميه أو ينسبه ان كان غائبا ولا يشترط حضورهما معا بل لو كان أحدهما غائبا عن صاحبه قبل، وان لاعن الرجل في المسجد والمرأة على بابه لعذر جاز
(مسألة) (وان أبدل لفظة أشهد باقسم أو أحلف أو لفظة اللعنة بالابعاد أو الغضب بالسخط فعلى وجهين) وهذا الشرط السادس وهو ان يأتي بالالفاظ على صورة ما ورد في الشرع فان أبدل لفظا منها فظاهر كلام الخرقي أنه يجوز ان يبدل قوله من الصادقين بقوله لقد زنت لان معناهما واحد ويجوز لها إبدال إنه لمن الكاذبين بقولها لقد كذب لانه ذكر صفة اللعان كذلك واتباع لفظ النص أولى وأحسن، وان أبدل لفظ أشهد بلفظ من الفاظ اليمين فقال أقسم أو أحلف لم يعتد به وفيه وجه آخر أنه يعتد به ذكره أبو الخطاب لانه أتى بالمعنى فأشبه ما لو أبدل إني لمن الصادقين بقوله لقد زنت وللشافعي وجهان في هذا.
قال شيخنا والصحيح ان ما اعتبر فيه لفظ الشهادة لم يقم غيره مقامه كالشهادات في الحقوق ولان اللعان يقصد فيه التغليظ واعتبار لفظ الشهادات أبلغ في التغليظ فلم يجز بدله، ولهذا لم يجز أن يقسم بالله من غير كلمة تقوم مقام أشهد، وفيه وجه آخر أنه يعتد به لانه أتى بالمعنى أشبه ما قبله، فان أبدل لفظة اللعنة بالابعاد لم يجز لان لفظ اللعنة أبلغ في الزجر وأشد في انفس الناس ولانه عدل عن المنصوص، وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لان معناهما واحد، وان ابدلت المرأة لفظة الغضب باللعنة لم يجز لان الغضب أغلظ ولهذا اختصت المرأة به لان أثمها أعظم والمعرة بزناها أقبح، وان ابدلتها
بالسخط خرج على وجهين فيما إذا أبدل الرجل لفظ اللعنة بالابعاد، وان ابدل الرجل لفظ اللعنة بالغضب
احتمل ان يجوز لانه أبلغ واحتمل ان لا يجوز لمخالفة المنصوص، قال الوزير يحيى بن محمد بن هبيرة: من الفقهاء من اشترط ان يراد بقوله من الصادقين فيما رميتها به من الزنا واشترط في نفيها عن نفسها فيما رماني به من الزنا ولا أراه يحتاج إليه لان الله سبحانه أنزل ذلك فبينه ولم يذكر هذا الاشتراط (مسألة) (ومن قدر على اللعان بالعربية لم يصح منه إلا بها فان عجز عنها لزمه تعلمها في أحد الوجهين وفي الآخر يصح بلسانه) إذا كان الزوجان يعرفان العربية لم يجز ان يلتعنا بغيرها لان اللعان ورد في القرآن بلفظ العربية فلم يصح بغيرها كاذكار الصلاة، وان لم يحسنها بالعربية لزمه تعلمها في أحد الوجهين وفي الآخر يصح بلسانه ولا يلزمه التعلم لانه موضع حاجة كما قلنا في النكاح وهو أصح ان شاء الله تعالى، فان كان الحاكم يحسن لسانهما اجزأ ذلك، ويستحب ان يحضر معه أربعة يحسنون لسانهما وان كان الحاكم لا يحسن فلا بد من ترجمان، قال القاضي ولا يجزئ في الترجمة أقل من عدلين وهو قول الشافعي وظاهر قول الخرقي وفيه رواية أخرى أنه يجزئ قول عدل واحد ذكرها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وسنذكر ذلك في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإذا فهمت اشارة الاخرس أو كتابته صح لعانه بها وإلا فلا) وجملة ذلك ان الاخرس والخرساء إذا كانا غير معلومي الاشارة والكتابة لم يصح لعانهما لانه
لا يتصور منهما لعان ولا يعلم من الزوج قذف ولا من المرأة مطالبة وان كانا معلومي الاشارة والكتابة فقد قال أحمد إذا كانت المرأة خرساء لم تلاعن لانه لا تعلم مطالبتها وحكاه ابن المنذر عنه وعن أبي عبيد وإسحاق وأصحاب الرأي فكذلك ينبغي ان يكون في الاخرس وذلك لان اللعان لفظ يفتقر إلى الشهادة فلم يصح من الاخرس كالشهادة الحقيقة ولان الحد يدرأ بالشبهات والاشارة ليست صريحة كالنطق ولا يخلو من احتمال وتردد فلا يجب الحد بها كما لا يجب على أجنبي بشهادته
وقال القاضي وأبو الخطاب هو كالناطق في قذفه ولعانه وهو مذهب الشافعي لانه يصح طلاقه فصح قذفه ولعانه كالناطق وى * فارق الشهادة فانه يمكن حصولها من غيره فلم تدع الحاجة إليه فيها وفي اللعان لا يحصل إلا منه فدعت الحاجة إلى قبوله منه كالطلاق، قال شيخنا والاول أحسن لان موجب القذف وجوب الحد وهو يدرأ بالشهادة، ومقصود اللعان الاصلي نفي النسب وهو يثبت بالامكان مع ظهور انتفائه فلا ينبغي أن يشرع ما ينفيه ولا ما يوجب الحد مع الشبهة العظيمة ولذلك لم تقبل شهادته قولهم إن الشهادة تحصل من غيره قلنا قد لا تحصل إلا منه لاختصاصه برؤية المشهود عليه أو سماعه إياه (فصل) فان قذف الاخرس ولاعن ثم تكلم فأنكر القذف واللعان لم يقبل انكاره للقذف لانه قد تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر ولا يقبل انكاره له ويقبل انكاره للعان فيما عليه فيطالب بالحد ويلحقه
النسب ولا تعود الزوجية فان قال أنا ألاعن لسقوط الحد ونفي النسب كان له ذلك لانه إنما لزمه باقراره أنه لم يلاعن فإذا أراد أن يلاعن كان له ذلك (مسألة) (وهل يصح لعان من اعتقل لسانه وأيس من نطقه بالاشارة؟ على وجهين) (أحدهما) يصح لانه مأيوس من نطقه أشبه الاخرس (والثاني) لا يصح لانه ليس باخرس فلم يكتف باشارته كغير المأيوس ذكر هذين الوجهين أبو الخطاب، وذكر شيخنا فيما إذا قذف وهو ناطق ثم خرس وأيس من نطقه أن حكمه حكم الاخرس الاصلي فان رجي عود نطقه انتظر به ذلك ويرجع فيه إلى قول عدلين من أطباء المسلمين، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وذكر أنه يلاعن في الحالين بالاشارة لان أمامة بنت أبي العاص أصمتت فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت ان نعم فرأو أنها وصية، قال شيخنا وهذا لا حجة فيه لانه لم يذكر من الراوي لذلك ولم يعلم أنه قول من قوله حجة ولا علم هل كان ذلك لخرس يرجى زواله أولا؟ (فصل) قال الشيخ رحمه الله (والسنة أن يتلاعنا قياما بمحضر جماعة في الاوقات والاماكن المعظمة) وجملة ذلك أنه يسن في اللعان أمور (أحدهما) أن يتلاعنا قياما فيبدأ الزوج فيلتعن وهو قائم فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت وهي قائمة فانه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال بن أمية " قم فاشهد أربع
شهادات " ولانه إذا قام شاهده الناس فكان أبلغ في شهرته وفي حديث ابن عباس فقام هلال فشهد
ثم قامت فشهدت (الثاني) أن يكون بمحضر جماعة من المسلمين لان ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد حضروا مع حداثة أسنانهم فدل على أنه حضر جمع كثير لان الصبيان إنما يحضرون المجالس تبعا للرجال ولان اللعان بني على التغليظ مبالغة في الردع به والزجر وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك ويستحب أن لا ينقصوا عن أربعة لان بينة الزنا التي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة وليس ينبني من هذا واجبا وبهذا كله قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه مخالفا (الثالث) أن يكون في الاوقات والاماكن المعظمة وهذا قول أبي الخطاب وهو مذهب الشافعي إلا أن عنده في التغليظ بالمكان قولين (أحدهما) أن التغليظ به مستحب كالزمان (والثاني) أنه واجب لان النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بينهما عند المنبر فكان فعله بيانا للعان ومعنى التغليظ بالمكان بمكة بين الركن والمقام وبالمدينة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بيت المقدس عند الصخرة وفي سائر البلدان في جوامعها، وأما الزمان فبعد العصر لقول الله تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) أجمع المفسرون على أن المراد بالصلاة صلاة العصر وقال أبو الخطاب في موضع آخر بين الاذانين لان الدعاء بينهما لا يرد، وقال القاضي لا يستحب التغليظ في اللعان بمكان ولا زمان، وبهذا قال أبو حنيفة لان الله تعالى أطلق الامر بذلك ولم يقيده بزمن ولا مكان ولا يجوز تقييده الا بدليل، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا باحضار امرأته ولم يخصه بزمن ولو خصه بذلك لنقل ولم يهمل ولو استحب ما ذكروه لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو فعله لنقل ولم يسع
تركه واهماله ولان النبي صلى الله عليه وسلم انما دل حديثه في لعان أوس أنه إنما كان في صدر النهار لقوله في الحديث فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والغدو في أول النهار، وهذا اختيار شيخنا وأما قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن ببنهما عند المنبر فليس هذا في شئ من الاحاديث المشهورة وان ثبت هذا فلعله كان بحكم الاتفاق لان مجلسه كان عنده فلاعن بينهما في مجلسه، فان كان اللعان بين كافرين فالحكم فيه كالحكم في اللعان بين المسلمين ويحتمل أن يغلظ في المكان لقوله في الايمان وان كان لهم مواضع
يعظمونها ويتقون أن يحلفوا فيها كاذبين حلفوا فيها فعلى هذا يلاعن بينهم في المواضع التي يعظمونها اليهودي في البيعة، والنصراني في الكنيسة، والمجوسي في بيت النار، وان لم يكن لهم مواضع يعظمونها أحلفهم الحاكم في مجلسه لتعذر التغليظ بالمكان وان كانت المرأة المسلمة حائظا وقلنا إن اللعان بينهما يكون في المسجد وقفت على بابه ولم تدخله لان ذلك أقرب المواضع إليه (مسألة) (فإذا كان واحدة منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على في الرجل وامرأة تضع يدها على في المرأة ثم يعظه فيقول اتق الله فانها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة) لما روي ابن عباس في حديث المتلاعنين، قال فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ثم أمره به فأمسك على فيه فوعظه، وقال ويحك كل شئ أهون عليك من لعنة الله ثم أرسل فقال لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ثم دعا بها فشهدت بذلك أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين ثم
ثم أمر بها فامسك على فيها فوعظها، وقال ويلك كل شئ أهون عليك من غضب الله أخرجه الجوزجاني (مسألة) (وان يكون ذلك بحضرة الحاكم أو نائبه) قد ذكرنا من شروط صحة اللعان أن بحضرة الحاكم أو نائبه.
وهذا مذهب الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر هلال بن أمية أن يستدعي زوجته إليه ولاعن بينهما ولانه اما يمين واما شهادة وأيهما كان فمن شرطه الحاكم فان تراضى الزوجان بغير الحاكم فلاعن بينهما لم يصح ذلك لان اللعان مبني على التغليظ والتأكيد فلم يجز لغير الحاكم كالحد وقد حكى شيخنا في آخر كتاب القضاء في كتابه المشروح: إذا تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما أنه ينفذ حكمه في اللعان في ظاهر كلام أحمد ولذك حكاه أبو الخطاب وقيل لا ينفذ إلا في المال فيكون فيه روايتان (احداهما) لا ينفذ لما ذكرنا.
(والثانية) ينفذ قياسا على حاكم الامام وسواء كان الزوجان حرين أو مملوكين في ظاهر كلام الخرقي.
وقال أصحاب الشافعي للسيد أن يلاعن بين عبده وأمته لان له إقامة الحد عليهما ولنا أنه لعان بين زوجين فلم يجز لغير الحاكم أو نائبه كاللعان بين الحرين ولا يسلم أن السيد
يملك إقامة الحد على أمته المزوجة ثم لا يشبه اللعان الحد لان الحد زجر وتأديب، واللعان إما شهادة وإما يمين، فافترقا، ولان اللعان درأ للحد وموجب له فجرى مجرى إقامة البينة على الزنا والحكم به أو نفيه
(مسألة) (وإن كان المرأة خفرة بعث من يلاعن بينهما) فيبعث نائبه ويبعث معه عدولا ليلاعنوا بينهما وإن بعث نائبه وحده جاز لان الجمع غير واجب كما يبعث من يستحلفها في الحقوق (مسألة) (وإذا قذف رجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان وعنه يجزئه لعان واحد) إنما لزمه لكل واحدة لعان لانه قذفها فلزمه لها لعان مفرد كما لو لم يقذف غيرها ويبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة فان طالبن جميعا أو تشاححن بدأ باحداهن بالقرعة، وإن لم يتشاححن بدأ بلعان من شاء منهن ولو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة مع المشاحة صح وعنه يجزئه لعان واحد لان القذف واحد فيقول أشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميت به كل واحدة من زوجاتي هؤلاء من الزنا وتقول كل واحدة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا لانه يحصل المقصود بذلك والاول أصح لان اللعان أيمان فلا يتداخل لجماعة كالايمان في الديون وعنه ان كان القذف بكلمة واحدة أجزأ لعان واحد، لانه قذف واحد فخرج عن عهدته بلعان واحد كما لو قذف واحدة وإن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان لانه أفرد كل واحدة بقذف أشبه ما لو قذف كل واحدة بعد لعان الاخرى
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا يصح إلا بشروط ثلاثة) (أحدها) أن يكون بين زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو كافرين أو رقيقين أو فاسقين أو كان أحدهما كذلك في احدى الروايتين.
اختلف الرواية عن أحمد في ذلك فروي أنه يصح بين كل زوجين مكلفين سواء كانا مسلمين أو كافرين أو عدلين أو فاسقين أو رقيقين أو محدودين في قذف أو كان أحدهما كذلك، وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وربيعة ومالك
واسحاق.
قال أحمد في رواية اسحاق بن منصور جميع الازواج يلتعنون الحر من الحرة والامة إذا كانت زوجة وكذلك العبد من الحرة والامة إذا كانت زوجة وكذلك المسلم من اليهودية والنصرانية وعن أحمد رواية أخرى لا يصح اللعان إلا بين زوجين مسلمين عدلين حرين غير محدودين في قذف فان اختل شرط منها في أحدهما فلا لعان بينهما لفوات الشرط، روي هذا عن الزهري والثوري والاوزاعي وحماد وأصحاب الرأي، وعن مكحول ليس بين المسلم والذمية لعان، وعن عطاء والنخعي في المحدود في القذف يضرب في الحد ولا يلاعن، وروي فيه حديث ولا يثبت كذلك قال الشافعي والساجي لان اللعان شهادة بدليل قوله تعالى (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) فاستثنى أنفسهم من الشهداء وقال (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) فلا تقبل ممن ليس من أهل الشهادة وإن كانت المرأة ممن لا تحد بقذفها لم يجب اللعان لانه يراد لاسقاط الحد بدليل قوله تعالى (ويدرأ عنها العذاب ان تشهد
أربع شهادات بالله) فلا حد ههنا فينتفي اللعان بانتفائه وذكر القاضي في المجرد ان من لا يجب الحد لقذفها وهي الامة والذمية والمحدودة في الزنا لزوجها لعانها لنفي الولد خاصة وليس له لعانها لاسقاط حد القذف والتعزير لان الحد لا يجب واللعان انما يشرع لاسقاط حد أو نفي ولد فإذا لم يكن واحد منهما لم يشرع اللعان ولنا عموم قوله تعالى (والذين يرمون ازواجهم) الآية ولان اللعان يمين فلا يفتقر إلى ما شرطوه كسائر الايمان ودليل أنه يمين قول النبي صلى الله عليه وسلم " لولا الايمان لكان لي ولها شأن " وأنه يفتقر إلى اسم الله تعالى ويستوي فيه الذكر والانثى وأما تسميته شهادة فلقوله أشهد بالله فسمي ذلك شهادة وان كان يمينا كما قال تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) ولان الزوج يحتاج إلى نفي الولد فيشرع له طريقا إلى نفيه كما لو كانت امرأته ممن تحد بقذفها وهذه الرواية هي المنصوصة عن أحمد في رواية الجماعة وما يخالفها شاذ في النقل (فصل) ولا فرق بين كون الزوجة مدخولا بها أو غير مدخول بها في أنه يلاعنها قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من علماء الامصار منهم عطاء والحسن
والشعبي والنخعي وعمرو بن دينار وقتادة ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي وذلك لظاهر قول الله تعالى (والذين يرمون ازواجهم) فان كانت غير مدخول بها فلها نصف الصداق وعنه لا شئ لها وقد ذكر ذلك في كتاب الصداق والله أعلم
(مسألة) (وان قذف أجنبية ثم تزوجها * حد ولم يلاعن) لانه وجب في حال كونها أجنبية فلم يملك اللعان من أجله كما لو لم يتزوجها وكذلك ان قال لها وهي زوجته زنيت قبل ان انكحك حد ولم يلاعن سواء كان ثم ولد أو لم يكن وهو قول مالك وأبي ثورا وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والشعبي وقال الحسن وزرارة بن أوفى وأصحاب الراي له ان يلاعن لانه قذف امرأته فيدخل في عموم قوله تعالى (والذين يرمون ازواجهم) ولانه قذف امرأته فأشبه ما لو قذفها ولم يضفه إلى ما قبل النكاح وحكى الشريف أبو جعفر عن أحمد رواية كذلك وقال الشافعي ان لم يكن ثم ولد يلاعن وان كان بينهما ولد ففيه وجهان ولنا أنه قذفها بزنا مضافا إلى حال البينونة أشبه ما لو قذفها وهي بائن، وفارق قذف الزوجة لانه محتاج إليه لانها غاظته وخانته، وان كان بينهما ولد فهو محتاج لى ففيه وههنا إذا تزوجها وهو يعلم زناها فهو المفرط في نكاح حامل من الزنا فلا يشرع له طريق إلى نفيه، فاما ان قذفها ولم يتزوجها فعليه للمحصنة الحد والتعزير لغيرها ولا لعان، ولا خلاف في هذا لان الله تعالى قال (والذين يرمون المحصنات) الآية خص الزوجات من عموم هذه الاية بقوله سبحانه (والذين يرمون ازواجهم) فيبقى فيما عداه على قضية العموم، وان ملك أمة وقذفها فلا لعان سواء كانت فراشا له أو لم تكن ولا حد عليه ويعزر
(فصل) فان قال لامرأته أنت طالق ثلاثا يا زانية فنقل منهأ قال سألت أحمد عن رجال قال لامرأته أنت طالق يا زانية ثلاثا فقال يلاعن قلت فانهم يقولون يحد ولا يلزمها الا واحدة فقال بئس ما يقولون فهذا يلاعن لانه قذفها قبل الحكم بينونها فأشبه قذف الرجعية.
فأما ان قال أنت طالق ثلاثا يا زانية
فان كان بينهما ولد فانه يلاعن لنفيه والا حد ولم يلاعن لانه يتين اضافة القذف إلى حال الزوجية لاستحالة الزنا منها بعد طلاقه لها فصار كانه قال لها بعد ابانها زنيت إذ كنت زوجتي على ما نذكره (مسألة) (وان أبان زوجته ثم قذفها بزنا اضافه إلى حال الزوجية فان كان بينهما ولد يريد نفيه فله أن ينفيه باللعان والا حد ولم يلاعن) وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يحد ويلحقه الولد ولا يلاعن وهو قول عطاء لانها أجنبية فأشبهت سائر الاجنبيات أو إذا لم يكن بينهما ولد ولنا ان هذا ولد يحلقه نسبه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه كما لو كان النكاح باقيا، ويفارق إذا لم يكن ولد فانه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية وتفارق سائر الاجنبيات فانه لا يلحقه ولدهن فلا حاجة به إلى قذفهن، وقال عثمان البتي في هذه المسألة له أن يلاعن وان لم يكن بينهما ولد وروي عن ابن عباس والحسن لانه قذف مضاف إلى حال الزوجية أشبه ما لو كانت زوجته ولنا انه إذا كان بينهما ولد فيه حاجة لى القذف نشرع كما لو قذفها وهي زوجته وإذا لم يكن له
ولد فلا حاجة به إليه وقد قذفها وهي أجنبية فأشبه ما لو لم يضفه إلى حال الزوجية، ومتى لاعنها لنفي ولدها انتفى وسقط عنه الحد، وفي ثبوت التحريم المؤبد وجهان، وهل له أن يلاعنها قبل وضع الولد؟ فيه وجهان (أحدها) له ذلك لان من كان له لعانها بعد الوضع كان له لعانها قبله كالزوجة (والثاني) ليس له ذلك وهو ظاهر قول الخرقي، لان الولد عنده لا ينتفي في حال الحمل، ولان اللعان ههنا انما يثبت لاجل الولد فلم يجز أن يلاعن الا بعد تحققه بوضعه، بخلاف الزوجة فانه يجوز لعانها مع عدم الولد وهكذا الحكم في نفي الحمر في النكاح الفاسد (مسألة) (وان قذفها في نكاح فاسد فهي كالمسألة التي قبلها ان كان بينهما ولد فله لعانها ونفيه وان لم يكن بينهما ولد حد ولا لعان بينهما) بهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلحقه الولد وليس له نفيه ولا اللعان لانها أجنبية أشبهت سائر
الاجنبيات أو إذا لم يكن بينهما ولد ولنا أن هذا ولد يلحقه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه كالنكاح الصحيح، ويفارق إذا لم يكن ولد فانه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية، ويفارق الزوجة فانه يحتاج إلى قذفها مع عدم لولد لكونها خائنة وأفسدت فراشه فإذا كان له ولد فالحاجة موجودة فيهما
ومتى لاعن سقط الحد لانه لعان مشروع لنفي الولد فاسقط الحد كاللعان في النكاح الصحيح وفي ثبوت التحريم المؤبد وجهان (أحدهما) يثبت لانه لعان صحيح أشبه لعان الزوجة (والثاني) لا يثبت لان الفرقة لم تحصل به فانه لا نكاح بينهما يثبت قطعه به بخلاف لعان الزوجة فان الفرقة حصلت به ولو لاعنها من غير ولد لم يسقط الحد ولم يثبت التحريم المؤبد لانه لعان فاسد فلم تثبت أحكامه وسواء اعتقد ان النكاح صحيح أو لم يعتقد ذلك لان النكاح في نفسه بنكاح صحيح فأشبه ما لو لاعن اجنبية يظنها زوجته (مسألة) (وان أبان امراته بعد قذفها فله أن يلاعن سواء كان بينهما ولد أو لم يكن نص عليه) وروي ذلك عن الحسن والقاسم بن محمد ومكحول ومالك والشافعي وأبي عبيد وابي ثور وابن المنذر وقال الحارث العكلي وجابر بن زيد وقتادة والحكم يجلد وقال حماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي لا حد عليه ولا لعان لان اللعان انما يكون بين زوجين وليس هذان بزوجين ولا يحد لانه لم يقذف أجنبية.
ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) وهذا قد رمى زوجته فيدخل في عموم الآية وإذا لم يلاعن وجب الحد لعموم قوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ولانه قاذف لزوجته فوجب أن يكون له أن يلاعن كما لو بقيا على النكاح إلى حالة اللعان.
(فصل) فان قالت قذفني قبل أن يتزوجني وقال بل بعده أو قالت قذفني بعد * ما بنت منه وقال
بل قبله فالقول قوله لان القول قوله في أصل القذف فكذلك في وقته.
وان قالت أجنبية قذفتني قال كنت زوجتي حينئذ فأنكرت الزوجية فالقول قولها لان الاصل عدمها (فصل) إذا استبرأ زوجته الامة ثم أقر بوطئها ثم أتت بولد لستة أشهر كان لاحقا به الا ان يدعي الاستبراء فينتفي عنه لانه ملحق به بالوطئ في الملك دون النكاح لكون الملك حاضرا فكان كالزوج الثاني يلحق به الولد وان أمكن أن يكون من الاول، وان لم يكن اقر بوطئها أو أقر به واتت بولد لدون ستة أشهر منذ وطئ كان ملحقا بالنكاح ان أمكن ذلك وله نفيه باللعان وهل يثبت هذا اللعان التحريم المؤبد؟ على جهين (فصل) وان قذف زوجته الرجعية صح لعانها سواء كان بينهما ولد أو لم يكن قال أبو طالب سألت أبا عبد الله عن الرجل يطلق تطليقة أو تطليقتين ثم يقذفها قال: قال ابن عباس لا يلاعن ويجلد وقال ابن عمر يلاعن ما كانت في العدة قال وقول ابن عمر اجود لانها زوجة وهو يرثها وترثه فهو يلاعن وبهذا قال جابر بن زيد والنخعي والزهري وقتادة والشافعي وأبو عبيد وابو ثور وأصحاب الرأي لان الرجعية زوجة فكان له لعانها كما لو لم يطلقها (فصل) وكل موضع قلنا لا لعان فيه فالنسب لا حق فيه ويجب بالقذف موجبه من الحد
والتعزير الا ان يكون القاذف صبيا أو مجنونا فلا ضرب فيه ولا لعان كذلك، وبه قال الثوري والشافعي وأبو عبيد وابو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر قال ولا احفظ عن غيرهم خلافهم (مسألة) (فان قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان بينهما) وجملة ذلك ان الزوج إذا قذف امرأته واحد الزوجين غير مكلف فلا لعان بينهما لانه قول تحصل به الفرقة فلا يصح من غير مكلف كالطلاق أو يمين فلا يصح من غير مكلف كسائر الايمان ولا يخلو غير المكلف من ان يكون الزوج أو الزوجة أو هما.
فان كان الزوج فله حالان (احدهما) ان يكون طفلا (والثاني) ان يكون بالغا زائل العقل فان كان طفلا لم يصح منه القذف ولا يلزمه به جد لان لقلم مرفوع عنه وقوله غير معتبر وان اتت امرأته بولد وكان له دون عشر سنين لم يلحقه
نسبه وكان منفيا عنه لان العلم يحيط بانه ليس منه فان الله عزوجل لم يجر العادة بأن يكون له ولد يدون ذلك فينتفي عنه كما لو اتت به المرأة لدون ستة اشهر منذ تزوجها وان كان ابن عشر فصاعدا فقال أبو بكر لا يلحق به الا بعد البلوغ ايضا لان الولد لا يخلق الا من ماء الرجل والمرأة ولو انزل لبلغ وقال ابن حامد يلحق به.
قال القاضي وهو ظاهر كلام احمد وهو مذهب الشافعي لان الولد يلحق بالامكان وان خالف الظاهر ولهذا لو اتت بولد لستة اشهر من حين العقد لحق بالزوج وان كان خلاف الظاهر وكذلك يلحق به إذا اتت به لاربع سنين مع ندرته، وليس له نفيه في الحال حتى يتحقق بلوغه باحد اسباب البلوغ فله نفي الولد أو استلحاقه، فان قيل فإذا الحقتم به الولد فقد
حكمتم ببلوغه سمعتم نفيه ولعانه؟ قلنا الحاق لولد يكفي فيه الامكان والبلوغ لا يثبت الا بسبب ظاهر ولان الحاق الولد به حق عليه واللعان حق له فلم يثبت مع الشك؟ فان قيل فان لم يكن بالغا انتفى عنه الولد وان كان بالغا انتفى عنه اللعان قلنا الا انه لا يجوز ان يبتدئ اليمن مع الشك في صحتها فسقطت للشك فيها.
(الثاني) إذا كان زائل العقل لجنون فلا حكم لقذفه لان القلم عنه مرفوع أيضا، وان اتت امرأته بولد فنسبه لاحق به لا مكانه ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله فإذا عقل فله نفي الولد حينئذ واستلحاقه، وان ادعى أنه كان ذاهب العقل حين قذفه فأنكرت ذلك ولاحدهما بينة بما قال ثبت قوله وان لم يكن لواحد منهما بينة ولم يكن له حال علم فيها زوال عقله فالقول قولها مع يمينها لان الاصل والظاهر السلامة والصحة، وان عرفت له حال جنون ولم تعرف له حال افاقة فالقول قوله مع يمينه، وان عرفت له حال جنون وحالة افاقة ففيه وجهان (أحدهما) القول قولها قال القاضي وهو قياس قول أصحابنا في الملفوف إذا ضربه فقده ثم ادعى أنه كان ميتا وقال الولي كان حيا (الوجه الثاني) أن القول قوله لان الاصل براءة ذمته من الحد فلا يجب بالشك ولان الحد يسقط بالشبهة ولا يشبه هذا الملفوف لان الملفوف قد علم أنه كان حيا ولم يعلم منه ضد ذلك فنظيره
في مسئلتنا أنه يعرف له حالة افاقة ولا يعلم منه ضدها، وفي مسئلتنا قد تقدمت حاله جنون فيجوز أن يكون قد استرت إلى حين قذفه فان كانت الزوجة غير مكلفة فقذفها الزوج فان كانت طفلة لا يجامع مثلها فلا حد على قاذفها لانه قول يتقين كذبه فيه وبراءة عرضها منه فلم يجب به حد كما لو قال أهل الدنيا زناة ولكنه يعزر للسب لا للقذف ولا يحتاج في التعزير إلى مطالبة لانه مشروع لتأديبه للامام فعله إذا رأى ذلك فان كانت يجامع مثلها كابنة تسع سنين فعليه الحد وليس لوليها ولا لها المطالبة به حتى تبلغ فإذا بلغت فطالبت فلها الحد وله اسقاطه باللعان، وليس له لعانها قبل البلوغ لان اللعان يراد لاسقاط الحد أو نفي الولد ولا حد عليه قبل بلوغها ولا ولد فينفيه، وان أتت بولد حكم ببلوغها لان الحمل أحد أسباب البلوغ ولانه لا يكون الا من نطفتها ومن ضرورته انزالها وهو من أسباب بلوغها فان قذف امرأته المجنونة بزنا وأضافه إلى حال افاقتها أو قذفها وهي عاقلة ثم جنت لم يكن لها الطالبة ولا لوليها قبل افاقتها لان هذا طريقه التشفي فلا ينوب عنه الولي فيه كالقصاص فإذا أفاقت فلها المطالبة بالحد وللزوج اسقاطه باللعان، وان أراد لعانها في حال جنونها ولا ولد ينفيه لم يكن له ذلك لعدم الحاجة إليه لانه لم يتوجه عليه حد فيسقطه ولا نسب فينفيه، وان كان هناك وله يريد نفيه فالذي يقتضيه المذهب أنه لا يلاعن ويلحقه الولد لان الولد انما ينتفى باللعان من الزوجين وهذه لا يصح
منها لعان، وقد نص احمد في الخرساء أن زوجها لا يلاعن فهذه اولى، وقال الخرقي فيه العاقلة لا يعرض له حتى تطالبه زوجته وهذا قول أصحاب الرأي لانها أحد الزوجين فلم يشرع اللعان مع جنونه كالزوج ولان لعان الزوج وحده لا ينفى به الولد فلا فائدة في مشروعيته، وقال القاضي له أن يلاعن لنفي الولد لانه محتاج إلى نفيه فيشرع له طريق إليه، وقال الشافعي له أن يلاعن، وظاهر مذهبه أن له لعانها مع عدم الولد لدخوله في عموم قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولانه زوج مكلف قاذف لامرأته التي يولد لمثلها فكان له أن يلاعنها كالعاقلة (فصل) قال الشيخ رحمه الله (الشرط الثاني) أن يقذفها بالزنا فيقول زنيت أو يا زانية أو رأيتك
تزنين وسواء قذفها بزنا في القبل أو في الدبر لان كل قذف يجب به الحد، وسواء في ذلك الاعمى والبصير نص عليه احمد، وبهذا قال الثوري والشافعي وابو ثور وهو قول عطاء وقال يحيى الانصاري وابو الزناد ومالك لا يكون اللعان الا بأحد أمرين اما رؤية واما انكار الحمل لان آية اللعان نزلت في هلال بن أمية وكان قال رأيت بعيني وسمعت باذني فلا يثبت اللعان الا في مثله ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون ازواجهم) الآية وهذا رام لزوجته فيدخل في عموم الآية ولان اللعان معنى يتخلص به من موجب القذف فيشرع في حق كل رام لزوجته كالبينة والاخذ بعموم
اللفظ اولى من خصوص السبب ثم لم يعملوا به في قوله وسمعت باذني إذا ثبت ذلك فسواء قذفها بزنا في القبل أو في الدبر وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يثبت اللعان بالقذف بالوطئ في الدبر وبناه على اصله في ان ذلك لا يجب به الحد ولنا انه رام لزوجته بوطئ في فرجها فأشبه ما لو قذفها بالوطئ في قبلها (مسألة) (فان قال وطئت بشبهة أو مكرهة فلا لعان بيهما) لانه لم يقذفها بما يوجب الحد وعنه ان كان ثم ولد لاعن لنفيه والا فلا لانه محتاج إلى نفيه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: