الفقه الحنبلي - الظهار -

عطاء والزهري والشافعي واصحاب الرأي وعن أحمد اباحة الوطئ قبل التكفير بالاطعام لان الله تعالى لم يمنع المسيس قبله كما في المعتق والصيام اختاره أبو بكر وهو قول أبي ثور لما ذكرنا ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني تظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل ان أكفر " فقال ما حملك على ذلك يرحمك الله؟ " قال رأيت خلخالها في ضوء القمر فقال " لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن فحرم عليه جماعها كما لو كانت كفارته العتق والصيام وترك النص عليها لا يمنع قياسها على المنصوص الذي في معناها * (مسألة) * (وهل يحرم الاستمتاع منها بما دون الفرج؟ على روايتين) (إحداهما) يحرم وهو قول أبي بكر وبه قال الزهري ومالك والاوزاعي وابو عبيد واصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي لان ما حرم الوطئ من القول حرم دواعيه كالطلاق والاحرام (والثانية)
لا يحرم قال أحمد ارجو ألا يكون به بأس وهو قول الثوري وإسحاق وابي حنيفة وحكي عن مالك ايضا وهو القول الثاني للشافعي لانه وطئ يتعلق بتحريمه مال فلم يتجاوزه التحريم كوطئ الحائض * (مسألة) * (وتجب الكفارة بالعود وهو الوطئ نص عليه أحمد وأنكر قول مالك أنه العزم على الوطئ) العود هو الوطئ عند أحمد رحمه الله وهو اختيار الخرقي فمتى وطئ لزمته الكفارة ولا تجب قبل ذلك إلا أنها شرط لحل الوطئ فيأمر بها من اراده ليستحله بها كما يأمر بعقد النكاح من أراد حال المرأة.
وحكي نحو ذلك عن الحسن والزهري، وهو قول أبي حنيفة إلا أنه لا يوجب الكفارة على من وطئ وهي عنده في حق من وطئ كمن لم يطأ.
وقال القاضي وأصحابه العود العزم على الوطئ إلا أنهم لم يوجبوا الكفارة على العازم إذا مات
أحدهما أو طلق قبل الوطئ إلا أبا الخطاب فانه قال: إذا مات بعد العزم أو طلق فعليه الكفارة، وهذا قول مالك وأبي عبيد، وقد أنكر أحمد هذا وقال مالك يقول إذا أجمع لزمته الكفارة، فكيف يكون هذا لو طلقها بعدما يجمع كان عليه كفارة؟ إلا أن يكون يذهب إلى قول طاوس إذا تكلم لزمه مثل الطلاق ولم يعجب أحمد قول طاوس.
وقال أحمد في قو تعالى (ثم يعودون لما قالوا) قال العود الغشيان إذا أراد أن يغشي كفر واحتج من ذهب إلى هذا بقوله تعالى (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) فأوجب الكفارة بعد العود قبل التماس وما يحرم قبل الكفارة لا يجوز كونه متقدما عليها ولانه قصد بالظهار تحريمها فالعزم على وطئها عود فيما قصده ولان الظهار تحريم فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التحريم فكان عائدا.
وقال الشافعي العود إمساكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه لان ظهاره منها يقتضي إبانتها فامساكها عود فيما قال.
وقال داود: العود تكرار الظهار مرة ثانية لان العود في الشئ إعادته.
ولنا أن العود فعل ضد قوله ومنه العائد في هبته هو الراجع في الموهوب والعائد في عدته التارك للوفاء بما وعد والعائد فيما نهى عنه فاعل المنهي عنه قال الله تعالى (ثم يعودون لما نهوا عنه) فالمظاهر
محرم للوطئ على نفسه ومانع لها منه فالعود فعله، وقولهم إن العود يتقدم التكفير والوطئ يتأخر عنه، قلنا المراد بقوله (ثم يعودون) أي يريدون العود كقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة) أي أردتم ذلك وقوله (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) فان قيل هذا تأويل وهو رجوع إلى وجوب الكفارة
بالعزم المجرد قلنا دليل التأويل ما ذكرنا، وأما الامر بالكفارة عند العزم فانما أمر بها شرطا للحل كالامر بالطهارة لمن أراد النافلة والامر بالنية لمن أراد الصيام، فأما الامساك فليس بعود لانه ليس بعود في الظهار المؤقت فكذلك في المطلق ولان العود فعل ضد ما قاله والامساك ليس بضد له، وقولهم إن الظهار يقتضي إبانتها ممنوع وإنما يقتضي تحريمها واجتنابها ولذلك صح توقيته ولانه قال (ثم يعودون) وثم للتراخي والامساك غير متراخ وأما قول داود فلا يصح لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أوسا وسلمة بن صخر بالكفارة من غير إعادة للفظ ولان العود انما هو في مقوله دون قوله كالعود في العدة والهبة والعود فيما نهى عنه، ويدل على إبطال هذه الاقوال كلها أن الظهار يمين مكفرة فلا تجب الكفارة إلا بالحنث فيها وهو فعل ما حلف على تركه كسائر الايمان وتجب الكفارة به كسائر الايمان ولانها يمين تقتضي ترك الوطئ فلا تجب كفارتها إلا به كالايلاء * (مسألة) * (فان مات أحدهما أو طلقها قبل الوطئ فلا كفارة عليه فان عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر) وجملة ذلك أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار فلو مات أحدهما أو فارقها قبل العود فلا كفارة عليه وهو قول عطاء والنخعي والحسن والاوزاعي والثوري ومالك وأبي عبيد وأصحاب الرأي، وقال طاوس ومجاهد والشعبى والزهري وقتادة: عليه الكفارة بمجرد الظهار لانه سبب الكفارة وقد وجد، ولان الكفارة وجبت لقول المنكر والزور، وهذا يحصل بمجرد الظهار.
وقال الشافعي متى أمسكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فعليه الكفارة لان ذلك هو العود عنده.
ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فأوجب الكفارة بأمرين ظهار وعود فلا يثبت بأحدهما ولان الكفارة في الظهار كفارة يمين فلا تجب بغير
الحنث كسائر الايمان والحنث فيها هو العود وذلك فعل ما حلف على تركه وهو الجماع وقد ذكرنا ذلك في المسألة التي قبلها.
إذا ثبت هذا فانه لا كفارة عليه إذا مات قبل وطئها وكذلك إن فارقها سواء كان ذلك متراخيا عن يمينه أو عقيبه وأيهما مات ورثه صاحبه في قول الجمهور وقال قتادة إن ماتت لم يرثها حتى يكفر ولنا أن من ورثها إذا كفر ورثها وان لم يكفر كالمولى منها ومتى طلق من ظاهر منها ثم تزوجها لم يحل له وطؤها حتى يكفر سواء كان الطلاق ثلاثا أو أقل منه وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو قبله نص عليه أحمد وهو قول الحسن وعطاء والزهري والنخعي ومالك وأبي عبيد.
وقال قتادة إذا بانت سقط الظهار فإذا عاد فنكحها فلا كفارة عليه.
وللشافعي قولان كالمذهبين وقول ثالث ان كانت البينونة بالثلاث لم يعد الظهار وإلا عادو بناه على الاقاويل في عود صفة الطلاق في النكاح الثاني.
ولنا عموم قوله تعالي (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) وهذا قد ظاهر من امرأته فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر ولانه ظاهر من امرأته فلا يحل له مسها قبل التكفير كالتي لم يطلقها ولان الظهار يمين مكفرة فلم يبطل حكمها بالطلاق كالايلاء * (مسألة) * (وان وطئ قبل التكفير اثم واستقرت عليه الكفارة)
قد ذكرنا أن المظاهر يحرم عليه وطئ زوجته قبل التكفير لقول الله تعالى في العتق والصيام (من قبل أن يتماسا) فان وطئ عصى ربه وتستقر الكفارة في ذمته فلا تسقط بعد ذلك بموت ولا طلاق ولا غيره وتحريم زوجته عليه باق حتى يكفر هذا قول أكثر أهل العلم.
روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطا وطاوس وجابر بن زيد ومورق العجلي والنخعي وعبد الله ابن أذينة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وتلزمه الكفارة إذا وطئها وهو مجنون نص عليه في المجرد * (مسألة) * (وتجزئه كفارة واحدة) وهو قول الحسن وابن سيرين وبكر المزني ومورق وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين، وروي ذلك عن قبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة
لان الوطئ يوجب كفارة والظهار يوجب أخرى، وقال أبو حنيفة لا تثبت الكفارة في ذمته وانما هي شرط للاباحة بعد الوطئ كما كانت قبله، وحكي عن بعض العلماء أن الكفارة تسقط لانه قد فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس ولنا حديث سلمة بن صخر حين ظاهر ثم وطئ قبل التكفير فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة واحدة ولانه وجد الظهار والعود فيدخل في عموم قوله (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فاما قولهم فات وقتها فيبطل بما ذكرناه وبالصلاة وسائر العبادات يجب قضاؤها بعد فوات وقتها
* (مسألة) * (وإن ظاهر من امرأته الامة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر، وقال أبو بكر يبطل الظهار وتحل له فان وطئها فعليه كفارة يمين) وجملة ذلك أن الظهار يصح من كل زوجة أمة كانت أو حرة لعموم الآية فإذا ظاهر من زوجته الامة ثم ملكها انفسخ النكاح، واختلف أصحابنا في بقاء حكم الظهار فذكر الخرقي أنه باق ولا يحل له الوطئ حتى يكفر وبه يقول مالك وابو ثور وأصحاب الرأي ونص عليه الشافعي، قال القاضي المذهب ما ذكر الخرقي وهو قول أبي عبد الله بن حامد لقول الله تعالى [ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ] وهذا قد ظاهر من امرأته فلم يحل له مسها حتى يكفر، ولان الظهار قد صح فيها وحكمه لا يسقط بالطلاق المزيل للملك والحل فبملك اليمين أولى ولانها يمين انعقدت موجبة للكفارة فوجبت دون غيرها كسائر الايمان، وقال أبو بكر عبد العزيز وابو الخطاب يسقط الظهار بملكه لها، وان وطئها حنث وعليه كفارة يمين كما لو تظاهر منها وهي أمته ويقتضي قول أبي بكر وأبي الخطاب ههنا أن تباح قبل التكفير لانه اسقط الظهار وجعله يمينا كتحريم أمته، فان أعتقها عن كفارته صح على القولين جميعا فان تزوجها بعد ذلك حلت له بغير كفارة لانه كفر عن ظهاره باعتاقها ولا يمتنع إجزاؤها عن الكفارة التي وجبت بسببها كما لو قال إن ملكت أمة فلله علي عتق رقبة فملك أمة فأعتقها، وإن أعتقها عن غير الكفارة ثم تزوجها لم تحل له حتى يكفر * (مسألة) * [ وإن كرر الظهار قبل التكفير فكفارة واحدة ]
هذا ظاهر المذهب سواء كان في مجلس أو مجالس ينوي به التأكيد أو الاستئناف أو أطلق نقله عن أحمد جماعة اختاره أبو بكر وابن حامد والقاضي وبه قال مالك وإسحاق وأبو عبيد والشافعي في القديم ونقل عن أحمد من حلف أيمانا كثيرة فأراد التأكيد فكفارة واحدة فمفهومه أنه إن نوى الاستئناف فكفارتان وهو قول الثوري والشافعي في الجديد، وقال أصحاب الرأي ان كان في مجلس فكفارة واحدة، وإن كان في مجالس فكفارات وعن أحمد مثل ذلك، وروي ذلك عن علي وعمرو بن دينار لانه قول يوجب تحريم الزوجة فإذا نوى الاستئناف تعلق بكل مرة حكم كالطلاق ولنا أنه قول لم يؤثر تحريما في الزوجة فلم تجب به كفارة الظهار كاليمين بالله تعالى ولا يخفى أنه لم يؤثر تحريما فانها حرمت بالقول الاول ولانه لفظ يتعلق به كفارة فإذا تكرر كفاه كفارة واحدة كاليمين بالله تعالى، وأما الطلاق فان ما زاد منه على الثلاث لا يثبت له حكم بالاجماع وبهذا ينتقض ما ذكروه، وأما الثالثة فانها تثبت تحريما زائدا وهو التحريم قبل زوج واصابة بخلاف الظهار الثاني فانه لا يثبت به تحريم فنظير الظهار الطلقة الثالثة لا يثبت بما زاد عليها تحريم ولا يثبت له حكم كذلك الظهار، فاما ان كفر عن الاول ثم ظاهر لزمه للثاني كفارة بلا خلاف لان الظهار الثاني مثل الاول فانه حرم الزوجة المحللة فأوجب الكفارة كالاول بخلاف ما قبل التكفير * (مسألة) * (وان ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفارة واحدة، وان كان بكلمات فلكل واحدة كفارة) إذا ظاهر من نسائه بلفظ واحد فقال أنتن علي كظهر أمي فليس عليه أكثر من كفارة بغير خلاف في المذهب وهو قول عمر وعلي وعروة وطاوس وعطاء وربيعة ومالك والاوزاعي وإسحاق
وأبي ثور والشافعي في القديم، وقال الحسن والنخعي والزهري ويحيى الانصاري والحكم والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد عليه لكل امرأة كفارة، وعن أحمد مثل ذلك من المحرر لانه وجد الظهار والعود في حق كل امرأة منهن فوجب عليه لكل واحدة كفارة كما لو أفردها ولنا قول عمر وعلي رضي الله عنهما رواه عنهما الاثرم ولا نعرف لهما في الصاحبة مخالفا فكان
إجماعا ولان الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بالله تعالى، وفارق ما إذا ظاهر بكلمات فان كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر اثمها وههنا الكلمة واحدة فالكفارة الواحدة ترفع حكمها وتمحوا إثمها فلا يبقى لها حكم.
فاما ان كرره بكلمات فقال لكل واحدة أنت علي كظهر أمي فان لكل يمين كفارة وهذا قول عروة وعطاء قال أبو عبد الله بن حامد المذهب رواية واحدة في هذا قال القاضي المذهب عندي ما ذكره الشيخ أبو عبد الله وقال أبو بكر فيه رواية أخرى أنه يجزئه كفارة واحدة، واختار ذلك وقال هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب والحسن وعطاء وابراهيم وربيعة وقبيصة وإسحاق لان كفارة الظهار حق الله تعالى فلم تكرر بتكرر سببها كالحدود وعليه يخرج الطلاق ولنا أنها ايمان متكررة على أعيان متفرقة فكان لكل واحدة كفارة كما لو كفر ثم ظاهر ولانها ايمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الاخرى فلا يكفرها كفارة واحدة كالاصل ولان الظهار معنى يوجب الكفارة فتتعدد الكفارة بتعدده في المجال المختلفة كالقتل، ويفارق الحد فانه عقوبة تدرأ بالشبهات (فصل) فان قال كل امرأة اتزوجها فهي علي كظهر أمي ثم تزوج نساء في عقد واحد فكفارة
واحدة وان تزوجهن في عقود فكذلك في إحدى الروايتين لانها يمين واحدة، والاخرى لكل عقد كفارة فعل هذا لو تزوج امرأتين في عقد وأخرى في عقد لزمته كفارتان لان لكل عقد حكم نفسه فتعلق بالثاني كفارة كالاول * (فصل في كفارة الظهار وما في معناها) * * (مسألة) * (كفارة الظهار على الترتيب فيجب عليه تحرير رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) والاصل في ذلك قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا) الآيتين.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لخولة حين ظاهر منها زوجها " يعتق رقبة " قلت لا يجد قال " فيصوم شهرين متتابعين " قلت يا رسول الله انه شيخ كبير ما به صيام قال " فيطعم ستين مسكينا " وهذا الترتيب
لا خلاف فيه إذا كان المظاهر حرا فأما العبد فنذكر حكمه ان شاء الله، تعالى وكفارة الوطئ في نهار رمضان مثلها في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة ان رجلا قال يا رسول الله وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا قال " فهل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين؟ " قال لا قال " فهل تستطيع اطعام ستين مسكينا؟ " وذكر الحديث وهو صحيح متفق عليه وفي كفارة الوطئ في رمضان رواية أنها على التخيير وقد ذكرنا ذلك في الصوم * (مسألة) * (وكفارة القتل مثلها)
لان التحرير والصيام منصوص عليهما في كتاب الله تعالى إلا الاطعام ففي وجوبه روايتان (إحداهما) لا يجب لان الله تعالى لم يذكره في الكفارة (والثانية) يجب قياسا على كفارة الظهار والجماع في نهار شهر رمضان * (مسألة) * (والاعتبار في الكفارة بحال الوجوب في إحدى الروايتين) وهي ظاهر كلام الخرقي لانه قال إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق فعليه الصوم لا يجزئه غيره وكذلك قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن عبد حلف على يمين فحنث فيها وهو عبد فلم يكفر حتى عتق أيكفر كفارة حر أو كفارة عبد؟ قال يكفر كفارة عبد لانه إنما يكفر ما وجب عليه يوم حنث لا يوم حلف قلت له حلف وهو عبد وحنث وهو حر قال يوم حنث واحتج فقال افترى وهو عبد أي ثم أعتق فانما يجلد جلد العبد وهذا أحد أقوال الشافعي، فعلى هذه الرواية يعتبر يساره واعساره حال وجوبها عليه فان كان موسرا حال الوجوب استقر وجوب الرقبة عليه فلم تسقط باعساره بعد ذلك وان كان معسرا ففرضه الصوم فإذا أسر بعد ذلك لم يلزمه الانتقال إلى الرقبة (والرواية الثانية) الاعتبار باغلظ الاحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير فمتى وجد رقبة فيما بين الوجوب إلى حين التكفير لم يجزئه إلا الاعتاق وهو قول ثان للشافعي لانه حق يجب في الذمة بوجود مال فاعتبر فيه اغلظ الاحوال كالحج، وله قول ثالث ان الاعتبار بحالة الاداء وهو قول أبي حنيفة ومالك لانه حق له بدل من غير جنسه فكان الاعتبار فيه بحالة الاداء كالوضوء
ولنا ان الكفارة تجب على وجه الطهرة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب كالحد أو نقول من وجب عليه الصيام في الكفارة لم يلزمه غيره كالعبد إذا عتق، ويفارق الوضوء فانه لو تيمم ثم وجد الماء لما بطل تيممه وههنا لو صام ثم قدر على الرقبة لم يبطل صومه وليس الاعتبار في الوضوء بحالة الاداء
إنما الاعتبار باداء الصلاة فأما الحج فهو عبادة العمر وجميعه وقت لها فمتى قدر عليه في جزء من وقته وجب بخلاف مسئلتنا ثم يبطل ما ذكروه فان قيل العبد كان ممن لا تجب عليه الرقبة ولا تجزئه في حال رقه فلما لم تجزئه لم تلزمه بتغير الحال بخلاف مسألتنا قلنا هذا مما لا أثر له (فصل) وإذا قلنا ان الاعتبار بحالة الوجوب وكان معسرا ثم ايسر فله الانتقال إلى العتق ان شاء وهو قول الشافعي على القول الذي يوافقنا فيه بان الاعتبار بحالة الوجوب لان العتق هو الاصل فوجب ان يجزئه كسائر الاصول وعن أحمد في العبد إذا اعتق لا يجزئه غير الصوم وهذا على قولنا ان الاعتبار بحالة الوجوب وهي حين حنث اختاره الخرقي لانه حنث وهو عبد فلم يكن يجزئه غير الصوم فكذلك بعد وقد نص أحمد على أنه يكفر كفارة عبد قال القاضي وفي ذلك نظر ومعناه أنه لا يلزمه التكفير بالمال فان كفر به اجزأه وهذا منصوص الشافعي ومن أصحابه من قال كقول الخرقي ووجه ذلك أنه حكم تعلق بالعبد في رقه فلم يتغير بحريته كالحد وهذا على القول الذي لا يجوز للعبد التكفير بالمال بأذن سيده فأما على القول الآخر فله التكفير ههنا بطريق الاولى لانه إذا جاز له في حال رقه ففي حال حريته قد زال ذلك فلا حاجة إلى إذنه فأما ان قلنا الاعتبار في التكفير باغلظ الاحوال لم يكن له ان يكفر إلا بالمال ان كان له مال فأما ان حلف وهو عبد وحنث وهو حر فحكمه حكم الاحرار لان الكفارة لا تجب قبل الحنث وانما وجبت وهو حر والله أعلم * (مسألة) * (فان شرع في الصوم ثم قدر على العتق لم يلزمه الانتقال إليه) وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والاوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وهو أحد قولي الحسن ويحتمل ان يلزمه واليه ذهب ابن سيرين وعطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري وأبو عبيد
وأصحاب الرأي لانه قدر على الاصل قبل أداء فرضه بالبدل فلزمه العود إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة أو في أثنائها ولنا أنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام فأشبه ما لو استمر العجز إلى ما بعد الفراغ ولانه وجد المبدل بعد الشروع في صوم البدل فلم يلزمه الانتقال إليه كالمستمتع يجد الهدى بعد الشروع في الايام السبعة ويفارق ما إذا وجد الماء في الصلاة قضاؤها يسير والمشقة في هذا أكبر (فصل) وإذا قلنا الاعتبار بحال الوجوب فوقته في الظهار من حين العود لا وقت المظاهرة لان الكفارة لا تجب حتى يعود ووقته في اليمين من الحنث لا وقت اليمين وفي القتل زمن الزهوق لا زمن الجرح وتقديم الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل الحول بعد كمال النصاب (فصل) إذا كان المظاهر ذميا فتكفيره بالعتق أو بالاطعام لانه يصح منه في غير الكفارة فصح منه فيها وليس له الصيام لانها عبادة محضة والكافر ليس من أهلها ولانه لا يصح منه في غير الكفارة فلا يصح منه فيها ولا يجزئه في العتق إلا عتق رقبة مؤمنة فان كانت في ملكه أو ورثها أجزأت عنه وان لم يكن كذلك فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة لان الكافر لا يصح منه شراء المسلم ويتعين تكفيره بالاطعام إلا ان يقوم لمسلم أعتق عن كفارتي وعلي تمنه فيصح في إحدى الروايتين وان أسلم الذمي قبل التكفير بالاطعام فحكمه حكم العبد يعتق قبل التكفير بالصيام على ما مضى لانه في معناه وان ظاهر وهو مسلم ثم ارتد وصام في ردته عن كفارته لم يصح وان كفر بعتق أو اطعام فقد اطلق أحمد القول
أنه لا يجزئه وقال القاضي المذهب ان ذلك موقوف فان أسلم تبينا أنه أجزأه وان مات أو قتل تبينا أنه لم يصح منه كسائر تصرفاته (فصل) قال الشيخ رحمه الله فمن ملك رقبة أو أمكنه تحصيلها فاضلا عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام وغيرها من حوائجه الاصلية بثمن مثلها لزمه العتق أجمع أهل العلم على ذلك وأنه ليس له الانتقال إلى الصيام إذا كان مسلما حرا
* (مسألة) * (فان كانت له رقبة يحتاج إلى خدمتها لكبر أو مرض أو زمن أو عظم خلق ونحوه مما يعجز عن خدمة نفسه أو يكون ممن لا يخدم نفسه في العادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته فليس عليه الاعتاق) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي متى وجد رقبة لزمه اعتاقها ولم يجز له الانتقال إلى الصيام سواء كان محتاجا إليه أو لم يكن لان الله تعالي شرط في الانتقال إلى الصيام ان لا يجد رقبة بقوله (فمن لم يجد) وهذا واجد وان وجد ثمنها وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يلزمه لان وجدان ثمنها كوجدانها ولنا ان ما استغرقته حاجة الانسان فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم فان كان له خادم وهو ممن يخدم نفسه عادة لزمه اعتاقها لانه فاضل عن حاجته بخلاف من لم تجر عادته بخدمة نفسه فان عليه مشقة في اعتاق خادمه وتضبيعا لكثير من حوائجه وان كان له خادم يخدم امرأته وهو ممن عليه خدمتها أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم لم يلزمه العتق لما ذكرنا
* (مسألة) * (فان كان له دار يسكنها أو عقار يحتاج إلى غلته لمؤنته أو عرض للتجارة لا يستغني عن ريحه في مؤنته لم يلزمه العتق) وان استغنى عن شئ من ذلك مما يمكنه ان يشتري به رقبة لزمه لانه واجد للرقبة وان كانت له رقبة تخدمه يمكنه بيعها وشراء رقبتين بثمنها يستغني بخدمة احداهما ويعتق الاخرى لزمه لانه لا ضرر في ذلك وهكذا لو كانت له ثياب فاخره تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه في لباسه ورقبة يعتقها لزمه ذلك وكذلك ان كانت له دار يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكني مثله ورقبة أو ضيعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه به شراء رقبة ومراعي في ذلك الكفاية التى يحرم معها أخذ الزكاة فإذا فضل عن ذلك شئ يمكنه شراء رقبة به لزمته الكفارة وان كان له دابة يحتاج إلى ركوبها أو كتب يحتاج إليها لم يلزمة العتق ومذهب الشافعي في هذا الفصل على نحو ما ذكرنا وان كانت له سرية لم يلزمه
اعتاقها لانه محتاج إليها وان امكنه بيعها وشراء سرية اخرى ورقبة يعتقها لم يلزمه ذلك لان الغرض قد يتعلق بعينها فلا يقوم غيرها مقامها سيما إذا كان بدون مثلها * (مسألة وان وجد رقبة بثمن مثلها لزمه شراؤها وان كانت بزيادة تجحف بماله لم يلزمه شراؤها لان عليه ضررا في ذلك وان كانت الزيادة لا تجحف بما له ففيه وجهان (احدهما) يلزمه لانه قدر على الرقبة بثمن يقدر عليه لا تجحف به فاشبه ما لو بيعت بثمن مثلها (والثاني) لا يلزمه لانه لم يجد رقبة بثمن مثلها فاشبه العادم واصل الوجهين العادم للماء إذا وجده بزيادة على ثمن مثله فان وجد رقبة بثمن مثلها إلا انها رقبة رفيعة يمكن ان يشتري بثمنها رقابا من غير جنسها لزمه
شراؤها لانها بثمن مثلها ولا يعد شراؤها بذلك ضررا وانما الضرر في اعتاقها وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان مالكا لها * (مسألة) * (وان وهب له رقبة لم يلزمه قبولها) لان عليه منة في قبولها وذلك ضرر في حقه * (مسألة) * (وان كان ماله غائبا وامكنه شراؤها بنسيئة فقد ذكر شيخنا فيما إذا عدم الماء فبذل له بثمن في الذمة يقدر على ادائه في بلده وجهين احدهما يلزمه شراؤه قاله القاضي لانه قادر على اخذه بما لا مضرة فيه وقال أبو الحسن التميمي لا يلزمه لان عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل ادائه فيخرج ههنا على وجهين والاولى ان شاء الله انه لا يلزمه لذلك وان كان ماله غائبا ولم يمكنه شراؤها نسيئة فان كان مرجو الحضور قريبا لم يجز الانتقال إلى الصيام لان ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وان كان بعيدا لم يجز الانتقال إلى الصيام في غير كفارة الظهار لانه لا ضرر في الانتظار وهل يجوز في كفارة الظهارة؟ على وجهين (احدهما) لا يجوز لوجود الاصل في ماله لوجود الكفارات (والثاني) يجوز لانه يحرم عليه المسيس فجاز له الانتقال للحاجة فان قيل فلو عدم الماء وثمنه جاز له الانتقال إلى التيمم وان كان قادرا عليهما في بلده قلنا الطهارة تجب لاجل الصلاة وليس له تأخيرها عن وقتها فدعت الحاجة إلى الانتقال بخلاف
مسئلتنا ولاننا لو منعناه من التيمم لوجود العذر للقدرة على الماء في بلده بطلت رخصة التيمم فان كل احد يقدر على ذلك * (مسألة) * (ولا يجزئ في كفارة القتل الا رقبة مؤمنة) لقول الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة) وكذلك في سائر الكفارات في ظاهر
المذهب وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وعن أحمد رواية ثانية انه يجزئ فيما عدا كفارة القتل من الظهار وغيره عتق رقبة ذمية وهو قول عطاء والثوري والنخعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لان الله تعالى أطلق الرقبة في كفارة الظهار فوجب ان يجزئ ما تناوله الاطلاق ولنا ما روى معاوية بن الحكم قال كانت لي جارية فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت علي رقبة افاعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " اين الله؟ - قالت في السماء - قال - من انا؟ قالت انت رسول الله فقال رسول صلى الله عليه وسلم - اعتقها فانها مؤمنة " اخرجه مسلم فعلل جواز اعتاقها عن الرقبة التي عليها بانها مؤمنة فدل على انه لا يجزئ عن الرقبة التي عليها الا مؤمنة ولانه عتق في كفارة فلا يجزئ فيه الكفارة ككفارة القتل والجامع بينهما ان الاعتاق يتضمن تفريغ العبد المسلم لعبادة ربه وتكميل احكامه وعبادته وجهاده ومعونة المسلمين فناسب ذلك شرع اعتاقه في الكفارة تحصيلا لهذا المصالح والحكم مقرون بها في كفارة القتل المنصوص على الايمان فيها فيعلل بها ويتعدى ذلك إلى كل عتق في كفارة مختص بالمؤمنة لاختصاصها بهذه الحكمة فأما المطلق الذي احتجوا به فانه يحمل على المقيد في كفارة القتل كما حمل مطلق قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) على المقيد في قوله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وان لم يحمل عليه من جهة اللغة حمل عليه من جهة القياس * (مسألة) * (ولا يجزئ الا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا) لان المقصود تمليك العبد منافعه وتمكينه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا
بينا فلا يجزئ الاعمى لانه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع ولا المقعد وكذلك مقطوع اليدين والرجلين
أو اشلهما لان اليدين آلة البطش والرجلين آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما ولا يجزئ المجنون جنونا مطبقا لانه وجد فيه المعنيان ذهاب منفعة الجنس وحصول الضرر بالعمل وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكي عن داود انه جوز كل رقبة يقع عليها الاسم اخذا باطلاق اللفظ ولنا ان هذا نوع كفارة فلم يجزئ مطلق ما يقع عليه الاسم كالاطعام فانه لا يجزئ ان يطعم مسوسا ولا عفنا وان كان سمى طعاما والآية مقيدة بما ذكرناه * (مسألة) * (لا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل ولا اشلهما ولا مقطوع ابهام اليد أو سبابتها أو الوسطى) لان نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة لان نفع اليد يزول اكثره بذلك وان قطعت كل واحدة منهما من يد جاز لان نفع الكفين باق وقطع انملة الابهام كقطعها لان نفعها يذهب بذلك لكونها انملتين وان كان من غير الابهام لم يمنع لان منفعتها لا تذهب فانها تصير كالاصابع القصار حتى لو كانت اصابعه كلها غير الابهام قد قطعت من كل واحدة منهما انملة لم يمنع وان قطع من الاصبع انملتان فهو كقطعها لانه يذهب بمنفعتها وهذا كله مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئ مقطوع احدى اليدين واحدى الرجلين ولو قطعت يده ورجله جميعا من خلاف اجزأ لان منفعة الجنس باقية فاجزأ في الكفارة كالاعور وأما ان قطعتا من وفاق اي من جانب واحد لم يجزئ لان منفعة الشئ تذهب ولنا ان هذا يؤثر في العلم ويضر ضررا بينا فيمنع كما لو قطعتا من وفاق ويخالف العور فانه لا يضر ضررا بينا
ولنا فيه منع وان سلم فالاعتبار بالضرر اولى بالاعتبار بمنفعة الجنس فانه لو ذهب شمه أو قطعت أذناه معا اجزأ مع ذهاب منفعة الجنس * (مسألة) * (ولا يجزئ المريض المأيوس من برئه كمرض السل) لان برأه يندر ولان يتمكن من العمل مع بقائه وإن كان المرض يرجى زواله كالحمى ونحوها لم يمنع الاجزاء في الكفارة ولا يجزئ النحيف العاجز عن العمل لانه كالمريض المأيوس من برئه وان
كان يتمكن من العمل أجزأ * (مسألة) * (ولا يجزئ غائب) لا يعلم خبره لانه مشكوك في حياته والاصل بقاء شغل الذمة فلا تبرأ بالشك وهو مشكوك في وجوده فيشك في اعتاقه فان قيل الاصل حياته قلنا إن الموت قد علم أنه لابد منه وقد وجدت دلالة عليه وهو انقطاع اخباره فان تبين بعد هذا كونه حيا صح اعتاقه وتبينا براءة ذمته من الكفارة وإلا فلا وان لم ينقطع خبره أجزأ عتقه لانه عتق صحيح: * (مسألة) * (ولا يجزئ مجنون مطبق لانه لا يقدر على العمل) * (مسألة) * (ولا يجزئ الاخرس) وهو قول القاضي وبعض الشافعية قال شيخنا والاولى أنه متى فهمت اشارته وفهم اشارة غيره أنه يجزئ لان الاشارة تقوم مقام الكلام في الافهام وأحكامه كلها تثبت اشارته فكذلك عتقه وكذلك الاخرس الذي تفهم إشارته، وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وعن أحمد أنه لا يجزئ وبه قال
أصحاب الرأي لان منفعة الجنس ذاهبة فأشبه زائل العقل ولان الخرس نقص كبير يمنع كثيرا من الاحكام مثل القضا والشهادة وكثير من الناس لا تفهم اشارته فيتضرر بترك استعماله، والاول أولى ان شاء الله لما ذكرنا، وذهاب منفعة الجنس لا يمنع الاجزاء كذهاب الشم وذهاب الشم لا يمنع الاجزاء لانه لا يضر بالعمل ولا بغيره ويجزئ مقطوع الاذنين وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك وزفر لا يجزئ ولنا ان قطعهما لا يضر بالعمل ضررا بينا فلم يمنع كنقص السمع بخلاف قطع اليدين ويجزئ مقطوع الانف لذلك.
* (مسألة) * (ولا يجزئ عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها) فأما ان علق عتقه للكفارة وأعتقه عند وجود الصفة أجزأه لانه أعتق عبده الذي يملكه عن كفارته ولا يجزئ عتق المدبر لان عتقه مستحق في غير الكفارة فلم يجزئه كالذي استحق عليه
الاطعام في النفقة فدفعه في الكفارة.
* (مسألة) * (ولا يجزئ من يعتق عليه بالقرابة) وجملة ذلك أنه إذا اشترى من يعتق عليه إذا ملكه ينوي بشرائه عتقه عن الكفارة عتق ولم يجزئه وبهذا قال مالك والشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأي يجزئه استحسانا لانه يجزئ عن كفارة البائع فأجزأ عن كفارة المشتري كغيره ولنا قوله تعالى (فتحرير رقبة) والتحرير فعل العتق ولم يحصل العتق ههنا بتحرير منه ولا
اعتاق فلم يكن ممتثلا للامر ولان عتقه مستحق بسبب آخر فلم يجزئه كما لو ورثه ينوي به العتق عن كفارته أو كام الولد ويخالف المشتري البائع من وجهين (أحدهما) أن البائع يعتقه والمشتري لم يعتقه وإنما يعتق باعتاق الشرع عن غير اختيار منه (الثاني) أن البائع لا يستحق عليه اعتاقه والمشتري بخلاف ذلك (فصل) إذا اشترى عبدا ينوي اعتاقه عن كفارته فوجد به عيبا لا يمنع من الاجزاء في الكفارة وأخذ ارشه ثم اعتق العبد عن كفارته أجزأه وكان الارش له لان العتق انما وقع على العبد المعيب دون الارش فانه اعتقه قبل العلم بالعيب ثم ظهر على العيب فاخذ أرشه فهو له كما لو اخذ قبل اعتاقه وعنه أنه يصرف الارش في الرقاب لانه أعتقه معتقدا أنه سليم فكان بمنزلة العوض عن حق الله تعالى فكان الارش مصروفا في حق الله تعالى كما لو باعه كان الارش للمشتري فان علم العيب ولم يأخذ أرشه حتى اعتقه كان الارش للمعتق لانه اعتقه معيبا عالما بعيبه فلم يلزمه أرش كما لو باعه لمن يعلم عيبه.
* (مسألة) * (ولا يجزئ من اشتراه بشرط العتق) في ظاهر المذهب وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقد روي عن معقل بن يسار ما يدل عليه وذلك لانه إذا اشتراه بشرط العتق فالظاهر ان البائع نقصه من الثمن لاجل هذا الشرط فكأنه أخذ عن العتق عوضا فلم يجزئه عن الكفارة.
قال أحمد ان كانت رقبة واجبة لم تجزئه لانها ليست رقبة
سليمة ولان عتقها مستحق بسبب آخر وهو الشرط فلم يجزئه كما لو اشترى قريبه فنوى بشرائه
العتق عن الكفارة أو قال ان دخلت الدار فانت حر ثم نوى عند دخوله أنه عن كفارته (فصل) ولو قال رجل له أعتق عبدك عن كفارتك ولك عشرة دنانير ففعل لم يجزئه عن الكفارة لان الرقبة لم تقع خالصة عن الكفارة، وذكر القاضي ان العتق كله يقع عن باذل العوض وله ولاؤه وهذا فيه نظر فان المعتق لم يعتقه عن باذل العوض ولا رضي باعتاقه عنه وباذل العوض لم يطلب ذلك، والصحيح أن اعتاقه عن المعتق والولاء له فان رد العشرة على باذلها ليكون العتق عن الكفارة لم يجز عنها لان العتق إذا وقع على صفة لم ينتقل عنها وان قصد العتق عن الكفارة وحدها وعزم على رد العشرة أو رد العشرة قبل العتق وأعتقه عن كفارته أجزأه * (مسألة) * (ولا أم ولده في الصحيح عنه) هذا ظاهر المذهب وبه قال الاوزاعي ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وعن احمد رواية أخرى أنها تجزئ يروى ذلك عن الحسن وطاوس والنخعي وعثمان البتي لقول الله تعالى (فتحرير رقبة) ومعتقها قد حررها ولنا أن عتقها مستحق بسبب آخر فلم تجز عنه كما لو اشترى قريبه أو عبدا بشرط العتق فاعتقه وكما لو قال لعبده أنت حر ان دخلت الدار ونوى عتقه عن كفارته عند دخوله والآية مخصوصة بما ذكرنا فنقيس عليه ما اختلفنا فيه وولد أم الولد الذي ولدته بعد كونها أم ولد حكمه حكمها فيما ذكرناه لان حكمه حكمها في العتق بموت سيدها * (مسألة) * ولا يجزئ مكاتب قد أدى من كتابته شيئا في اختيار شيوخنا وعنه يجزئ وعنه لا يجزئ مكاتب بحال)
روي عن أحمد رحمه الله في المكاتب ثلاث روايات: (إحداهن) يجزئ مطلقا اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي ثور لان المكاتب عبد يجوز بيعه
فأجزأ عتقه كالمدبر ولانه رقبة فيدخل في عموم مطلق قوله سبحانه (فتحرير رقبة) (والثانية) لا يجزئ مطلقا وهو قول مالك والشافعي وأبو عبيد لان عتقه مستحق بسبب آخر ولهذا لا يملك ابطال كتابته فأشبه أم الولد (والثالثة) ان كان أدى شيئا من كتابته لم يجزئه ولا أجزأه وبه قال الليث والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي قال القاضي هو الصحيح لانه إذا أدى شيئا فقد حصل العوض عن بعضه فلم يجز كما لو اعتق بعض رقبة وإذا لم يؤد فقد اعتق رقبة كاملة مؤمنة سالمة الخلق تامة الملك لم يحصل عن شئ منها عوض فأجزأ عتقها كالمدبر ولو أعتق عبدا عن مال يأخذه من العبد لم يجز عن كفارته في قولهم جميعا.
(فصل) ولا يجزئ اعتاق الجنين في قول أكثر أهل العلم، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وقال أبو ثور يجزئ لانه آدمى مملوك يصح اعتاق فصح عن الرقبة كالمولود ولنا أنه لم يثبت له أحكام الدنيا بعد فانه لا يملك الا بالارث والوصية ولا يشترط لهما كونه آدميا لكونه يثبت له ذلك وهو نطفة أو علقة وليس بآدمي في تلك الحال (فصل) فان أعتق غيره عنه عبدا بغير اذنه لم يقع عن المعتق عنه إذا كان حيا وولاؤه للمعتق ولا
يجزئ من كفارته وان نوى ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكى عن مالك أنه يجزئ إذا أعتق عن واجب على غيره بغير اذنه لانه قضى عنه واجبا فصح كما لو قضى عنه دينا ولنا انه عبادة من شرطها النية فلم يصح أداؤها عمن وجب عليه بغير أمره مع كونه من أهل الامر كالحج ولانه أحد خصال الكفارة فلم يصح عن المكفر بغير أمره كالصيام، وهكذا الخلاف فيمن كفر عنه بالاطعام، فاما الصيام فلا يجوز ان ينوب عنه اذنه ولا بغير اذنه لانه عبادة بدنية فلا تدخلها النيابة فأما إن أعتق عنه بأمره نظرت فان جعل له عوضا صح العتق عن المعتق عنه وله ولاؤه وأجزأ عن كفارته بغير خلاف علمناه وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وغيرهما لانه حصل العتق عنه بماله فأشبه ما لو اشتراه ووكل البائع في إعتاقه عنه وإن لم يشترط عوضا ففيه روايتان.
(احداهما) يقع العتق عن المعتق عنه ويجزئ عن كفارته وهو قول مالك والشافعي لانه أعتق عنه بأمره فصح كما لو شرط عوضا.
(والاخرى) لا يجزئ والولاء للمعتق وهو قول أبي حنيفة لان العتق بعوض كالبيع وبغير عوض كالهبة ومن شرط الهبة القبض ولم يحصل فلم يقع عن الموهوب له، ويفارق البيع لانه لا يشترط فيه القبض، فان كان المعتق عنه ميتا وكان قد وصى بالعتق عنه صح لانه بأمره وان لم يوص فأعتق عنه أجنبي لم يصح لانه ليس بنائب عنه، وإن أعتق عنه وارثه فان لم يكن عليه واجب لم يصح العتق عنه ووقع عن المعتق، وإن كان عليه عتق واجب صح العتق عنه لانه نائب عنه في ماله وأداء واجباته فان كنت عليه كفارة يمين فأطعم عنه جاز، وإن اعتق عنه ففيه وجهان
(أحدهما) ليس له ذلك لانه غير متعين فجرى مجرى التطوع (والثاني) يجزئ لان العتق يقع واجبا لان الوجوب يتعين فيه بالفعل فأشبه المعين ولانه أحد خصال كفارة اليمين فجاز أن يفعله عنه كالاطعام والكسوة، ولو قال من عليه الكفارة أطعم عن كفارتي أو اكس صح إذا فعل رواية واحدة سواء ضمن له عوضا أو لا * (مسألة) * (ويجزئ الاعرج يسيرا) لانه قليل الضرر بالعمل فان كان فاحشا كثيرا لم يجز لانه يضر بالعمل فهو كقطع الرجل ويجزئ المجدع الانف والاذن، وفي مجدع الاذنين خلاف ذكرناه، ويجزئ المجبوب والخصي ومن يخنق في الاحيان والاصم لان هذا لا يضر بالعمل، وتجزئ الرتقاء والكبيرة التي تقدر على العمل لان ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه وتكميل أحكامه فحصل الاجزاء به كالسالم من العيوب.
(فصل) ويجزئ عتق الجاني وان قتل قصاصا والمرهون وعتق المفلس عبده إذا قلنا بصحة عتقه (فصل) ويجزي الاعور في قولهم جميعا، وقال أبو بكر فيه قول آخر لا يجزئ لانه نقص يمنع التضحية والاجزاء في الهدي فأشبه العمى، والصحيح ما ذكرناه فان المقصود تمليك العبد المنافع وتكميل الاحكام والعور لا يمنع ذلك، ولانه لا يضر بالعمل أشبه قطع إحدى الاذنين، ويفارق العمى فانه يضر
بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيرا من الصنائع ويذهب بمنفعة الجنس، ويفارق قطع احدى اليدين أو الرجلين فانه لا يعمل باحداهما ما يعمل بهما والاعور يدرك باحدى العينين ما يدرك بهما وأما الاضحية
والهدي فانه لا يمنع منهما مجرد العور وانما يمنع انخساف العين لانها عضو مستطاب ولان الاضحية يمنع فيها قطع الاذن والقرن والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل * (مسألة) * (ويجزئ عتق المدبر) وهذا قول طاوس والشافعي وأبى ثور وابن المنذر، وقال مالك والاوزاعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي: لا يجزئ لان عتقه مستحق بسبب آخر فأشبه أم الولد ولان بيعه عندهم غير جائز فهو كأم الولد ولنا قوله تعالى (فتحرير رقبة) وقد حرر رقبة ولانه عبد كامل المنفعة لم يحصل عن شئ منه عوض فجاز عتقه كالقن ولانه يجوز بيعه لان النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا، وقد ذكرنا ذلك، ولان التدبير اما أن يكون وصية أو عتقا بصفة وأيهما كان فلا يمنع التكفير باعتاقه قبل وجود الصفة والصفة ههنا الموت ولم توجد، ويجزئ المعلق عتقه بصفة قبل وجودها لان ملكه فيه تام ويجوز بيعه * (مسألة) * (ويجوز عتق ولد الزنا) وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن فضالة بن عبيد وأبى هريرة وبه قال ابن المسيب والحسن وطاوس والشافعي واسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وروي عن عطاء والشعبى والنخعي والاوزاعي وحماد انه لا يجزئ لان أبا هريرة رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولد الزنا شر الثلاثة " قال أبو هريرة ولان امتع بسوط في سبيل الله أحب إلي منه رواه أبو داود ولنا دخوله في مطلق قوله (فتحرير رقبة) ولانه مملوك مسلم كامل العمل لم يعتق عن شئ ولا استحق عتقه بسبب آخر فاجزأ عتقه كولد الرشدة، فأما الاحاديث الواردة في ذمه فاختلف
أهل العلم في تفسيرها فقال الطحاوي ولد الزنا هو الملازم للزنا كما يقال ابن السبيل الملازم لها وولد الليل الذي لا يهاب السير فيه.
وقال الخطابى عن بعض أهل العلم قال هو الثلاثة أصلا وعنصرا ونسبا
لانه خلق من ماء الزنا وهو خبيث وأنكر قوم هذا التفسير وقالوا ليس عليه من وزر والديه شئ.
قال الله تعالى (ولا تزرر وازرة وزر أخرى) وقد جاء في بعض الاحاديث " هو شر الثلاثة إذا عمل عملهم " فان صح ذلك اندفع الاشكال.
وفي الجملة هذا يرجع إلى أحكام الآخرة أما أحكام الدنيا فهو كغيره في صحة امامته وبيعه وعتقه وقبول شهادته فكذلك في اجزاء عتقه عن الكفارة لانه من أحكام الدنيا * (مسألة) * (ويجزئ الصغير) وقال الخرقي لا يجزئ حتى يصلي ويصوم.
قال القاضي لا يجوز اعتاق من له دون سبع سنين لانه لا تصح منه العبادات في ظاهر كلام أحمد، ظاهر كلام الخرقي أن المعتبر العقل دون السن فمن صلى وصام ممن له عتق يعرف الصلاة والصيام ويتحقق من الاتيان به بنيته واركانه فانه يجزئ في الكفارة وان لم يبلغ السبع، وإن لم يوجد منه لم يجز في الكفارة وان كان كبيرا وقال أبو بكر وغيره من أصحابنا يجوز اعتاق الطفل في الكفارة وهو قول الحسن وعطاء والزهري والشافعي وابن المنذر لان المراد بالايمان ههنا الاسلام بدليل اعناق الفاسق قال الثوري المسلمون مؤمنون كلهم عندنا في الاحكام وما ندري ما هم عند الله وبهذا تعلق حكم القتل بكل مسلم بقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) والصبي محكوم باسلامه يرثه المسلمون ويرثهم ويدفن في مقابر المسلمين ويغسل ويصلى عليه وان سبي
منفردا عن أبويه اجزأ عنه عتقه لانه محكوم باسلامه وكذلك ان سبي مع أحد أبويه ولو كان إحد أبوي الطفل كافرا والآخر مسلما اجزأ اعتاقه لانه محكوم باسلامه قال القاضي في موضع يجزئ اعتاق الصغير في جميع الكفارات إلا كفارة القتل فانها على روايتين وقال ابراهيم النخعي ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة فلا يجزئ إلا من صام وصلى وما كان في القرآن رقبة ليست بمؤمنة فالصبي يجزئ ونحو هذا قول الحسن ووجه قول الخرقي ان الواجب رقبة مؤمنة والايمان قول وعمل فما لم يحصل الصلاة والصيام لا يحصل العمل قال مجاهد وعطاء في قوله (فتحرير رقبة مؤمنة) قد صلت ونحو هذا قول الحسن وابراهيم وقال مكحول إذا ولد المولود فهو نسمة فإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة فإذا صلى فهو مؤمنة ولان الطفل لا يصح منه عبادة لانه لا نية له فلم يجز في الكفارة كالمجنون ولان الصبى نقص
يستحق به النفقة على القرابة فأشبه الزمانة قال شيخنا والقول الآخر أقرب إلى الصواب والصحة ان شاء الله لان الايمان الاسلام وهو حاصل في حق الصبي الصغير ويدل على هذا ان معاوية بن الحكم السلمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية فقال يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الله؟ " فاشارت برأسها إلى السماء قال " من انا؟ " فاشارت إلى رسول الله وإلى السماء أي أنت رسول الله قال " أعتقها فانها مؤمنة " فحكم لها بالايمان بهذا القول * (مسألة) * (ولو ملك نصف عبد فاعتقه عن كفارته ثم اشترى باقيه فاعتقه اجزأه) لانه اعتق رقبة كاملة في وقتين فاجزأ كما لو أطعم المساكين في وقتين الا على رواية وجوب الاستسعاء والصحيح في المذهب خلافها
* (مسألة) * (فان أعتقه عن كفارته وهو موسر فسرى إلى نصيب شريكه عتق) ولم يجزئه عن كفارته في قول أبي بكر الخلال وصاحبه وحكاه عن أحمد وهو قول أبي حنيفة لان عتق نصيب شريكه لم يحصل باعتاقه إنما حصل بالسراية وهو غير فعله وإنما هي من آثار فعله فأشبه ما لو اشترى من يعتق عليه ينوي به الكفارة يحقق هذا أنه لم يباشر بالاعتاق إلا نصيبه فسرى إلى غيره ولو خص نصيب غيره بالاعتاق لم يعتق منه شئ ولانه إنما يملك اعتاق نصيبه لا نصيب غيره، وقال القاضي قال غيرهما من أصحابنا يجزئه إذا نوى إعتاق جميعه عن كفارته وهو مذهب الشافعي لانه أعتق عبدا كامل الرق سليم الخلق غير مستحق العتق ناويا به الكفارة فأجزأ كما لو كان الجميع ملكه والاول أصح ان شاء الله تعالى ولا نسلم أنه أعتق العبد كله وإنما أعتق نصفه وعتق الباقي عليه فأشبه شراء قريبه ولان إعتاق باقيه مستحق بالسراية فهو كالقريب فعلى هذا هل يجزئه عتق نصفه الذي هو نصيبه ويعتق نصفا آخر وتكمل الكفارة؟ ينبني على ما إذا أعتق نصفي عبدين، وسنذكر ذلك فاما إن نوى عتق نصيبه عن الكفارة ولم ينو ذلك في نصيب شريكه لم يجزئه في نصيب شريكه، وفي نصيب نفسه ما سنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) فان كان العبد كله له فأعتق جزءا منه معينا أو مشاعا عتق جميعه فان نوى به الكفارة أجزأ
عنه لان اعتاقه بعض العبد اعتاق لجميعه وان نوى اعتاق الجزء الذي باشره بالاعتاق عن الكفارة دون غيره وهل يحتسب له بما نوى به الكفارة؟ على وجهين
* (مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه) ذكره الخرقي قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم، وقال أبو بكر بن جعفر لا يجزئ لان المقصود من العتق تكميل الاحكام ولا يحصل من اعتاق نصفين، واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه (أحدها) كقول الخرقي، (والثاني) كقول أبي بكر، (والثالث) ان كان نصف الرقيق حرا أجزأ لانه يحصل تكميل الاحكام، وان كان رقيقا لم يجز لانه لا يحصل، ووجه الاول أن الاشقاص كالاشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير وبدليل الزكاة فإذا كان له نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة كما لو ملك أربعين منفردة وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها قال شيخنا والاولى أنه لا يجزئ اعتاق نصفين إذا لم يكن الباقي منهما حرا لان اطلاق الرقبة انما ينصرف إلى اعتاق الكاملة ولا يحصل من الشخصين ما يحصل من الرقبة الكاملة في تكميل الاحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق ونقصه فلا يثبت به من الاحكام ما يثبت باعتاق رقبة كاملة، ويمتنع قياس الشخصين على الرقبة الكاملة ولهذا لو أمر انسانا بشراء رقبة أو بيعها أو باهداء حيوان أو بالصدقة به لم يكن له أن يشقصه كذا ههنا (فصل) فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين إذا قدر على الصيام وهذا اجماع من أهل العلم لقول الله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) ولحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر حرا كان أو عبدا ويستوي في ذلك الحر والعبد عند أهل العلم لا نعلم فيه خلافا، وأجمعوا على وجوب التتابع لانه شرط في الصيام وقد تناوله نص القرآن والسنة ومعنى التتابع الموالاة بين صيام أيامها فلا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة ولا تجب نية التتابع ويكفى فعله لانه شرط
وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية، وإنما تجب النية لافعالها وهذا أحد الوجوه لاصحاب الشافعي، والوجه الآخر أنها واجبة لكل ليلة لان ضم العبادة إلى العبادة إذا كان شرطا وجبت النية فيه
كالجمع بين الصلاتين، والثالث تكفي نية التتابع في الليلة الاولى ولنا أنه تتابع واجب في العبادة فلم يفتقر إلى نية كالتتابع بين الركعات، ويفارق الجميع بين الصلاتين فانه رخصة فافتقر إلى نية الترخص وما ذكروه ينتقض بالمتابعة بين الركعات * (مسألة) * (فان تخلل صومها صوم شهر رمضان أو فطر واجب كفطر العيد أو الفطر لحيض أو نفاس لم ينقطع التتابع وبنى على ما مضى من صيامه) وجملة ذلك أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه فيه عن الكفارة مثل أن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان ويوم الفطر أو يبتدئ من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق فان التتابع لا ينقطع بهذا وينبني على ما مضى من صيامه، وقال الشافعي ينقطع التتابع ويلزمه الاستئناف لانه أفطر في أثناء الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه فأشبه إذا أفطر لغير ذلك أو صام عن نذر أو كفارة أخرى ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة فلم يقطع التتابع كالحيض والنفاس فان قالوا الحيض والنفاس غير ممكن التحرز منه قلنا قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا يبتدئ الصوم في حال الحمل، ومن الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ومع هذا لا ينقطع التتابع به، ولا يجوز للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر ويجوز أن يدخل معه المسبوق مع
علمه بلزوم مفارقته قبل إتمامها، ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى أنه يصومها عن الكفارة ولا يفطر إلا يوم النحر وحده فعلى هذا إن أفطرها استأنف لانها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها إذا ثبت هذا فانه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان أجزأه صوم شعبان عن شهر، وإن كان ناقصا، وأما شوال فلا يجوز أن يبتدأ من أوله لان أوله يوم الفطر وصومه حرام فيشرع فيه من اليوم الثاني ويتمم شهرا بالعدد ثلاثين، وان بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم قضى أربعة أيام وأجزأه لانه بدأ من اولهما ولو ابتدئ صوم الشهرين من يوم الفطر لم يصح صوم يوم الفطر ويصح صوم بقية الشهر وصوم ذي القعدة ويحتسب له بذي القعدة، وان كان ناقصا لانه بدأه
من اوله، وأما شوال فان كان تاما صام يوما من ذي الحجة وان كان ناقصا صام يومين لانه لم يبدأه من أوله وان بدأ بالصيام من أول ايام التشريق وقلنا يصح صومها عن الفرض فانه يحتسب له بالمحرم ويكمل صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر، وان قلنا لا يصح عن الفرض صام مكانها من صفر (فصل) وإن أفطر لحيض أو نفاس فقد أجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل اتمامه تقضي إذا طهرت وتبني وذلك لان الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الاياس وفيه تغرير بالصوم لانها ربما ماتت قبله، والنفاس كالحيض في أنه لا ينقطع التتابع في أحد الوجهين لانه بمنزلته في أحكامه ولان الفطر لا يحصل فيهما بفعلهما وانما ذلك الزمان كزمان الليل في حقهما (والثاني) أن النفاس يقطع التتابع لانه فطر أمكن التحرز منه لا يتكرر في العام فقطع التتابع كالفطر لغير عذر ولا يصح قياسه على الحيض لانه اندر منه ويمكن التحرز منه * (مسألة) * (فان أفطر لمرض مخوف أو جنون لم ينقطع التتابع)
روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي وطاوس ومجاهد ومالك وإسحاق وابو عبيد وابو ثور وابن المنذر والشافعي في القديم، وقال في الجديد ينقطع التتابع وهو قول سعيد بن جبير والحكم والثوري وأصحاب الرأي لانه أفطر فعله فلزمه الاستئناف كما لو أفطر لسفر ولنا أنه أفطر بسبب لا صنع له فيه فلم يقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وما ذكروه من الاصل ممنوع وان أفطر لجنون أو اغماء لم ينقطع التتابع لانه لا صنع له فيه فهو كالحيض * (مسألة) * (وكذلك فطر الحامل والمرضع لخوفهما على أنفسهما) لانهما كالمريض * (مسألة) * (فان خافتا على ولديهما فأفطرتا ففيه وجهان) (أحدهما) لا ينقطع التتابع اختاره أبو الخطاب لانه فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما فلم ينقطع التتابع كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما (والثاني) ينقطع لانه لاجل الخوف على غيرهما، ولذلك يلزمهما الفدية مع القضاء
* (مسألة) * (وان افطر لغير عذر أو صام تطوعا أو قضاء أو نذرا أو عن كفارة أخرى لزمه الاستئناف) لانه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه لان هذا الزمان ليس بمستحق معين للكفارة ولهذا يجوز صومها في غيره بخلاف شهر رمضان فانه متعين لا يصلح لغيره وإذا كان عليه نذر صوم غير معين أخره إلى فراغه من الكفارة وان كان متعينا أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه ان امكن وان كان أياما من كل شهر كيوم الخميس وأيام البيض قدم الكفارة عليه وقضاه بعدها لانه لو وفى بنذره
انقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضى إلا ان لا يتمكن من التكفير والنذر يمكن قضاؤه فيكون هذا عذرا في تأخيره كالمرض * (مسألة) * (وان افطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين) إذا افطر لمرض غير مخوف يبيح الفطر ففيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقطع التتابع لانه مرض أباح الفطر أشبه المخوف (والثاني) يقطع التتابع لانه افطر اختيارا فانقطع التتابع كما لو افطر لغير عذر فان السفر مبيح للفطر فكلام أحمد محتمل الامرين واظهرهما أنه لا ينقطع التتابع فانه قال في رواية الاثرم كان السفر غير المرض ولا ينبغي ان يكون أوكد من رمضان فظاهر هذا أنه لا ينقطع التتابع وهذا قول الحسن ويحتمل ان ينقطع التتابع وهو قول مالك وأصحاب الرأي واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال فيه قولان كالمرض ومنهم من يقول يقطع التتابع وجها واحدا لان السفر يحصل باختياره فقطع التتابع كما لو افطر لغير عذر والصحيح الاول لانه افطر لعذر يبيح الفطر في رمضان فلم ينقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وفارق الفطر لغير عذر فانه لا يباح فان أكل يظن ان الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو افطر يظن ان الشمس قد غابت ولم تغب افطر ويتخرج في انقطاع التتابع وجهان (احدهما) لا ينقطع لانه فطر لعذر (والثاني) ينقطع التتابع لانه بفعل اخطأ فيه فأشبه ما لو ظن أنه قد أتم الشهرين انقطع التتابع لانه أفطر لجهله فقطع التتابع كما لو ظن ان الواجب شهر واحد وان أكره على الاكل والشرب بان اوجر الطعام والشراب لم يفطر وان أكل خوفا فقال القاضي لا يفطر وفيه وجه آخر أنه يفطر فعلى ذلك هل يقطع التتابع؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقطعه لانه عذر مبيح للفطر
أشبه المرض (والثاني) يقطعه وهو مذهب الشافعي لانه افطر بفعله لعذر نادر والاول أولى
(فصل) ويجوز ان يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر ومن ائنائه بغير خلاف نعلمه لان الشهر اسم لما بين الهلالين والثلاثين يوما فايهما صام فقد أدى الواجب فان بدأ من أول شهر فصام شهرين بالاهلة اجزأه ذلك وان كانا ناقصين إجماعا وبه قال الثوري وأهل العراق ومالك في أهل الحجاز والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم لان الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين) وهذان شهران متتابعان وان بداء من أثناء شهر فصام ستين يوما اجزأه بغير خلاف أيضا.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا فأما ان صام شهرا بالهلال وشهرا بالعدد فصام خمسة عشر يوما من المحرم وصفر جميعه وخمسة عشر من ربيع فانه يجزئه سواء كان صفر تاما أو ناقصا لان الاصل اعتبار الشهور بالاهلة لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه لتعذره ففي الشهر الذي أمكن اعتباره وجب ان يعتبر وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ويتوجه ان لا يجزئه الا شهران بالعدد لانا لما ضممنا إلى الخمسة عشر من المحرم خمسة عشر من صفر فصار ذلك شهرا صار ابتداء صوم الشهر الثاني من أثناء شهر أيضا وهذا قول الزهري (فصل) فان نوى شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رضمان ولا عن الكفارة وانقطع التتابع حاضرا كان أو مسافرا لانه تخلل صوم الكفارة فطر غير مشروع وقال مجاهد وطاوس يجزئه عنهما وقال أبو حنيفة ان كان حاضرا اجزأه عن رمضان دون الكفارة لان تعيين النية غير مشترط لرمضان وان كان في سفر اجزأه عن الكفارة دون رمضان وقال صاحباء تجزئ عن الكفارة دون رمضان حضرا أو سفرا
ولنا ان رمضان متعين لصومه محرم صومه عن غيره فلم يجزئه عن غيره كيومي العيدين ولا يجزئ عن رمضان لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الاعمال بالنيات وانما لامرئ ما نوى) وهذا ما نوى رمضان فلا يجزئه، ولا فرق بين الحضر والسفر لان الزمان متعين وانما جاز فطره في السفر رخصة فإذا تكلف
وصام رجع إلى الاصل فان سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفارة وافطر لم ينقطع التتابع لانه زمن لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع التتابع بفطره كالليل * (مسألة) * (وان أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا انقطع التتابع) وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأى لان الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا) فامر بهما خاليين عن وطئ ولم يأت بهما على ما أمر فلم يجزئه كما لو وطئ نهارا ذاكرا ولانه تحريم للوطئ لا يختص النهار فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف وروي عن أحمد ان التتابع لا ينقطع بالوطئ ليلا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لانه وطئ لا يفسد الصوم فلا يوجب الاستئناف كوطئ غيرها، ولان التتابع في الصيام عبارة عن اتباع صوم يوم للذى قبله من غير فارق وهذا متحقق وان وطئ ليلا - وارتكاب المنهي في الوطئ قبل اتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته واجزاءه كما لو وطئ قبل الشهرين أو لو وطئ ليلة اول الشهرين وأصبح صائما والاتيان بالصيام قبل الثمانين لا سبيل إليه سواء بنى أو استأنف وان وطئها أو وطئ غيرها في نهار الشهرين عامدا افطر وانقطع التتابع
اجماعا إذا كان غير معذور وان وطئها أو وطئ غيرها نهارا ناسيا افطر وانقطع التتابع في إحدى الروايتين لان الوطئ لا يعذر فيه بالنسيان وعن أحمد رواية أخرى لا يفطر ولا ينقطع التتابع وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لانه فعل المفطر ناسيا أشبه ما لو أكل ناسيا ولو ابيح له الفطر لعذر فوطئ غيرها نهارا لم ينقطع التتابع لان الوطئ لا أثر له في قطع التتابع وان كان وطئها كان كوطئها ليلا هل يقطع التتابع على وجهين * (مسألة) * (وإن وطئ غيرها ليلا لم ينقطع التتابع) لان ذلك غير محرم عليه ولا هو يخل باتباع الصوم فلم يقطع التتابع كالاكل وليس في هذا اختلاف نعلمه فان لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لاخلاله بموالاة الصيام وإلا لم ينقطع والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (فان لم يستطع لزمه اطعام ستين مسكينا مسلما حرا صغيرا كان أو كبيرا إذا أكل الطعام) أجمع أهل العلم على ان المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام ان فرضه اطعام ستين مسكينا على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر أو
مرض يخاف بالصوم تباطؤه والزيادة فيه أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع فان اوس بن الصامت لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم قالت امرأته يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من صيام قال " فيطعم ستين مسكينا " ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال وهل اصبت ما اصبت الا من الصيام؟ قال " فاطعم " فنقله إلى الاطعام لما أخبره ان به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما ويجوز ان ينتقل إلى الاطعام إذا عجز عن الصيام للمرض وان كان مرجو الزوال لدخوله في قوله تعالى (فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) ولانه لا يعلم ان له نهاية فأشبه الشبق، ولا يجوز ان ينتقل لاجل السفر
لان السفر لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية والواجب إطعام ستين مسكينا لا يجزئه أقل من ذلك وقال أبو حنيفة لو أطعم مسكينا واحدا في ستين يوما اجزأه وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى (فصل) يشترط في المساكين ثلاثة شروط الاسلام والحرية وان يكون قد أكل الطعام، والمساكين هم الذين تدفع إليهم الزكاة لحاجتهم المذكورون في أبواب الزكاة ويدخل في ذلك الفقراء لانهم وان كانوا في الزكاة صنفين فهم في غيرها صنف واحد لكونهم يأخذون لحاجتهم إلى ما يكفيهم أو ما تتم به كفايتهم (أحدها) اسلامهم فلا يجوز دفعها إلى كافر ذميا كان أو حربيا وبذلك قال الحسن والنخعي والاوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي يجوز دفعها إلى الذمي لدخوله في اسم المساكين فيدخل في عموم الآية ولانه مسكين من أهل دار الاسلام فاجزأ الدفع إليه من الكفارة كالمسلم وروي نحوه عن الشعبي وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب بناء على جواز اعتاقه في الكفارة وقال الثوري يعطيهم إذا لم يجد غيرهم ولنا انهم كفار فلم يجز اعطاؤهم كمساكين اهل الحرب والآية مخصوصة بهذا فنقيس عليه.
(الثاني) أن يكونوا أحرارا فلا يجوز دفعها إلى عبد ولا مكاتب ولا أم ولد ولا خلاف في أنه لا يجوز دفعها إلى عبد لان نفقته واجبة على سيده، ولا إلى أم ولد لذلك وبهذا قال مالك والشافعي واختار الشريف أبو جعفر جواز دفعها إلى مكاتبه وغيره وقال أبو الخطاب يتخرج دفعها إليه بناء على جواز اعتاقه لانه يأخذ من الزكاة حاجته فاشبه المسكين
ولنا ان الله تعالى عده صنفا في الزكاة غير صنف المساكين ولا هو في معنى المساكين لان حاجته من غير جنس حاجتهم فيدل على أنه ليس بمسكين والكفارة إنما هي للمساكين بدليل الآية ولان المسكين يدفع إليه لتتم كفايته والمكاتب انما يأخذ لفكاك رقبته، وأما كفايته فانها حاصلة بكسبه وماله فان لم يكن له كسب ولا مال عجزه سيده ورجع إليه فاستغني بانفاقه عليه، ويفارق الزكاة فانها تصرف إلى الغني والكفارة بخلافها (الثالث) أن يكونوا أكلوا الطعام فان كان طفلا لم يأكل الطعام لم يدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي وهو قول القاضي وهو ظاهر قول مالك فانه قال يجوز الدفع إلى الفطيم وهذا إحدى الروايتين عن احمد والثانية يجوز دفعها إلى الصغير الذي لم يطعم وبقبض له وليه وهذا الذي ذكره أبو الخطاب المذهب وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي قال أبو الخطاب وهو قول أكثر الفقهاء لانه حر مسلم محتاج فأشبه الكبير ولانه أكله للكفارة ليس بشرط وهذا يصرف الكفارة إلى ما يحتاج إليه مما تتم به كفايته فأشبه الكبير ولنا قوله تعالى (فاطعام عشرة مساكين) وهذا يقتضي أكلهم له فإذا لم يعتبر حقيقة أكلهم وجب اعتبار امكانه ومظنته ولا تتحق مظنته فيمن لا يأكل ولانه لو كان المقصود دفع حاجته لجاز دفع القيمة
ولم يتعين الاطعام وهذا يفسد ما ذكروه فإذا اجتمعت هذه الاوصاف في واحد جاز الدفع إليه كبيرا كان أو صغيرا محجورا عليه أو غير محجور عليه الا ان من لا حجر عليه يقبض لنفسه أو يقبض له وكيله والمحجور عليه كالصغير والمجنون يقبض له وليه.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: