الفقه الحنبلي - اللعان -
لها لان هذا ليس بقذف بظاهره لاحتمال ان يريد انه من زوج آخر أو من وطئ شبهة أو غير ذلك ولكنه يسئل فان قال زنيت فولدت هذا من الزنا هذا قذف يثبت
به اللعان، وان قال اردت انه لا يشبهني خلقا ولا خلقا فقالت بل اردت قذفي فالقول قوله لانه اعلم بمراده لا سيما وقد صرح بقوله لم تزن فان قال وطئت بشبهة والولد من الواطئ فلا حد عليه ايضا لانه لم يقذفها ولا قذف واطئها وان قال اكرهت على الزنا فلا حد عليه لانه لم يقذفها ولا لعان في هذه المواضع لعدم القذف الذي هو من شرط اللعان ويلحقه نسب الولد وبهذا قال أبو حنيفة وذكر القاضي انه إذا قال اكرهت رواية اخرى ان له اللعان لانه محتاج إلى نفي الولد بخلاف ما إذا قال وطئت بشبهة فانه يمكنه نفي الولد
بعرضه على القافة فيستغني بذلك عن اللعان فلا يشرع كما لا يشرع لعان امته لما امكن نفي ولدها بدعوى الاستبراء وهذا مذهب الشافعي ولنا ان اللعان انما ورد به الشرع بعد القذف لقوله تعالى (والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم) الآية ولما لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين هلال وامراته وبين عويمر العجلاني وامرأته انما كان بعد قذفه اياها ولا يثبت الحكم الا في مثله، ولان نفي اللعان انما ينتفي به الولد بعد تمامه منهما ولا يتحقق اللعان من المرأة ههنا فأما ان قال وطئك فلان بشبهة وانت تعلمين الحال فقد قذفها وله لعانها ونفي نسب ولدها وقال القاضي ليس له نفيه باللعان وكذلك قال اصحاب الشافعي لا يمكنه نفي نسبه بعرضه على القافة فأشبه ما لو قال واشتبه عليك ايضا ولنا انه رام لزوجته فيدخل في عموم قوله تعالى (والذين يرمون ازواجهم) ولانه رام لزوجته بالزنا فملك لعانها ونفي ولدها كما لو قال زنى بك فلان وما ذكروه لا يصح فانه قد لا يوجد قافة، وقد لا يعترف الرجل بما نسب إليه أو يغيب أو يموت فلا ينتفي الولد، وان قال ما ولدته وانما التقتطه أو استعرته فقالت بل هو ولدي منك لم يقبل قول المراة الا ببينة وهذا قول الشافعي وابي ثور واصحاب الراي لان الولادة يمكن اقامة البينة عليها، والاصل عدمها فلم تقبل دعواها من غير بينة كالدين.
قال القاضي وكذلك لا تقبل دعواها في الولادة
فيما إذا علق طلاقها بها ولا دعوى الامة لها لتصير بها أم ولد ويقبل قولها فيه لتنقضى عدتها بها فعلى هذا لا يلحقه الولد إلا ان تقيم بينة وهي امرأة مرضية تشهد بولادتها له فإذا ثبتت ولادتها لحقه نسبه لانه ولد على فراشه والولد للفراش وذكر القاضي في موضع آخر ان القول قول المرأة لقول الله تعالى (ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن) وتحريم كتمانه دليل على قبول قولها فيه لانه خارج من المرأة تنقضي به عدتها فقبل قولها فيه كالحيض ولانه حكم معلق بالولادة فقبل قولها فيه كالحيض فعلى هذا يلحقه النسب وهل له نفيه باللعان فيه وجهان (أحدهما) له نفيه لان انكاره لولادتها اياه إقرار بانها
لم تلده من زنا فلا يقبل انكاره كذلك لانه تكذيب لنفسه (والثاني) له نفيه لانه رام لزوجته وناف لولدها فكان له نفيه باللعان كغيره (مسألة) (وان قال ذلك بعد ان ابانها فشهدت امرأة مرضية انه ولد على فراشه لحقه نسبه لان شهادة المرأة الواحدة بالولادة مقبولة لانها مما لا يطلع الرجال) (مسألة) (وان ولدت توأمين فاقر باحدهما ونفي الآخر لحقه نسبهما ويلاعن لنفي الحد عنه وقال القاضي يحد)
إذا ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما ونفى الآخر لحقا به لان الحمل الواحد لا يجوز ان يكون بعضه منه وبعضه من غيره فإذا ثبت نسب أحدهما منه ثبت نسب الآخر ضرورة فجعلنا ما نفاه تابعا لما استلحقه ولم يجعل ما اقر به تابعا لما نفاه لان النسب يحتاط لاثباته لا لنفيه ولهذا لو أتت امرأته بولد يمكن كونه منه ويمكن كونه من غيره الحقناه به احتياطا ولم نقطعه عنه احتياطا لنفيه فعلى هذا ان كان قد قذف أمهما فطالبته بالحد فله اسقاطه باللعان وحكي عن القاضي أنه يحد ولا يملك اسقاطه باللعان وهو مذهب الشافعي لانه باستلحاقه اعترف بكونه في قذفه فلم يسمع انكاره بعد ذلك ووجه الاول أنه لا يلزم من كون الولد منه انتفاء الزنا عنها كما لا يلزم من وجود الزنا كون الولد منه ولذلك لو أقرت بالزنا أو قامت به بينة لم ينتف الولد عنه فلا تنافي بين لعانه وبين استلحاقه للولد فان استلحق أحد التوأمين وسكت عن الآخر لحقه لانه لو نفاه للحقه فإذا سكت عنه كان أولى ولان امرأته متى أتت بولد لحقه ما لم ينفه عنه باللعان وان نفى أحدهما وسكت عن الاخر لحقاه جميعا فان قيل ألا نفيم المسكوت عنه لانه قد نفى أخاه وهما حمل واحد؟ قلنا لحوق النسب مبني على التغليب وهو يثبت بمجرد الامكان وان لم يثبت الوطئ ولا ينتفي لامكان النفي فافترقا.
فان أتت بولد فنفاه ولاعن لنفيه ثم ولدت آخر لاقل من ستة أشهر لم ينتف الثاني باللعان الاول لان اللعان يتناول الاول وحده ولا يحتاج في نفي الثاني إلى لعان ثان ويحتمل أنه ينتفي بنفيه من غير حاجة إلى لعان ثان لانهما حمل واحد وقد
لاعن لنفيه مرة فلا يحتاج إلى لعان ثان ذكره القاضي فان اقر بالثاني لحقه هو والاول لما ذكرناه وان سكت عن نفيه لحقاه أيضا فاما ان نفى الولد باللعان ثم ولد آخر بعد ستة أشهر فهو من حمل آخر فانه لا يجوز ان يكون بين ولدين من حمل واحد مدة الحمل ولو أمكن لم تكن هذه مدة حمل كامل فان نفي هذا الولد باللعان انتفى ولا ينتفي بغير اللعان لانه حمل منفرد وان استلحقه أو ترك نفيه لحقه وان كانت قد بانت باللعان لانه يمكن ان يكون قد وطئها بعد وضع الاول وان لاعنها قبل وضع الاول فاتت بولد ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر لم يلحقه الثاني لانها بانت باللعان وانقضت عدتها بوضع الاول وكان حملها الثاني بعد انقضاء عدتها في غير نكاح فلم يحتج إلى نفيه (فصل) فان مات أحد التوأمين أو ماتا معافله ان يلاعن لنفي نسبهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمه نسب الحي ولا يلاعن لنفي الحد لان الميت لا يصح نفيه باللعان فان نسبه قد انقطع بموته ولا حاجة إلى نفيه باللعان كما لو ماتت امرأته فانه لا يلاعنها بعد موتها لقطع النكاح لكونه قد انقطع وإذا لم ينتف الميت لم ينتف الحي لانهما حمل واحد ولنا ان الميت ينسب إليه ابن فلان ويلزمه تجهيزة وتكفينه فكان له نفي نسبه واسقاط مؤنته كالحي وكما لو كان للميت ولد (فصل) قال المنصف رضي الله عنه (الثالث) ان تكذبه به الزوجة ويستمر ذلك إلى انقضاء اللعان لان الملاعنة انما تنتظم من الزوجين وإذا لم تكذبه لم تلاعنه فلا يصح اللعان فان صدقته أو سكتت
لحقه النسب لان الولد للفراش وانما ينتفي عنه باللعان ولم يوجد اللعان لانتفاء شرطه فنفي النسب لا حق به ولا لعان في قياس المذهب ثم ان كان تصديقها له قبل لعانه فلا لعان بينهما لان اللعان كالبينة انما تقام مع الانكار فان كان بعد لعانه لم تلاعن هي لانها لا تحلف مع الاقرار وحكمها حكم ما لو امتنعت من غير إقرار وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي ان صدقته قبل لعانه فعليها الحد وليس له ان يلاعن إلا ان يكون له نسب ينفيه فيلاعن وحده وينتفي النسب بمجرد لعانه وان كان بعد لعانه فقد انتفى النسب ولزمها الحد بناء على ان النسب ينتفي بمجرد لعانه وتقع الفرقة ويجب الحد فان الحد يجب باقراره مرة
وهذه الاصول تذكر في مواضعها ان شاء الله تعالى ولو أقرت اربعا وجب الحد ولا لعان بينهما إذا لم يكن ثم نسب ينتفي وان رجعت سقط الحد عنها بغير خلاف علمناه وبه يقول الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، قال الرجوع عن الاقرار بالحد مقبول وليس له ان يلاعن للحد فانه لم يجب عليه لتصديقها اياه فان أراد لعانها لنفي نسب فليس له ذلك في جميع هذه الصور وهو ظاهر قول الخرقي وقول أصحاب الرأي وقال الشافعي له لعانها لنفي النسب فيها كلها لانها لو كانت عفيفة صالحة فكذبته ملك نفي ولدها فإذا كانت فاجرة فصدقته فلان يملك نفي ولدها أولى ووجه الاول ان نفي الولد انما يكون بلعانهما معا وقد تعذر اللعان منها لانها لا تستحلف على نفي ما تقر به فتعذر نفي الولد لتعذر سببه كما لو مات بعد القذف وقبل اللعان
(مسألة) (وان مات أحدهما قبل اللعان ورثه صاحبه ولحقه نسب الولد ولا لعان) وجملة ذلك أنه إذا قذفها ثم مات قبل لعانهما أو قبل تمام لعانه سقط اللعان ولحقه الولد وورثته في قول الجميع لان اللعان لم يوجد فلم يثبت حكمه وان مات بعد ان أكمل لعانه وقبل لعانها فكذلك وقال الشافعي تبين بلعانه ويسقط التوارث وينتفي الولد ويلزمها الحد الا ان تلتعن ولنا انه مات قبل إكمال اللعان أشبه ما لو مات قبل إكمال التعانه وذلك لان الشرع انما رتب هذه الاحكام على اللعان التام والحكم لا يثبت قبل كمال سببه وان ماتت المرأة قبل اللعان فقد ماتت على الزوجية ويرثها في قول عامة أهل العلم وروي عن ابن عباس ان التعن لم يرث ونحو ذلك عن الشعبي وعكرمة لان اللعان يوجب فرقه تبين بها فيمنع التوارث كما لو التعن في حياتها ولنا أنها ماتت على الزوجية فورثها كما لو لم يلتعن، ولان اللعان سبب الفرقة فلم يثبت حكمه بعد موتها كالطلاق وفارق اللعان في الحياة فانه يقطع الزوجية على أنا نقول إنه لو لاعنها ولم تلتعن هي لم تنقطع الزوجية وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى فهاهنا أولى، فان قيل فعندكم لو التعن من الولد الميت ونفاه لم يرثه فكذلك الزوجة، قلنا لو التعن الزوج وحده دونها لم ينتف الولد ولم يثبت حكم اللعان على ما نذكره ثم الفرق بينهما أنه إذا نفى الولد تبينا أنه لم يكن منه أصلا في حال من الاحوال والزوجة قد كانت امرأته فيما قبل اللعان وإنما يزيل نكاحها اللعان كما يزيله الطلاق فإذا ماتت قبل
وجود ما يزيله فيكون موجودا حال الموت فيوجب التوارث وينقطع بالموت فلا يمكن انقطاعه مرة أخرى فان أراد الزوج اللعان ولم تكن طالبت بالحد في حياتها لم يكن له أن يلتعن سواء كان ثم ولد يريد نفيه أو لم يكن، وعند الشافعي ان كان ثم ولد يريد نفيه فله أن يلتعن، وهذا ينبني على أصل وهو أن اللعان إنما يكون بين الزوجين، فان لعان الرجل وحده لا يثبت به حكم وعندهم بخلاف ذلك فأما ان كانت طالبت بالحد في حياتها فان أولياءها يقومون في الطلب به مقامها فان طولب به فله إسقاطه باللعان، ذكره القاضي وإلا فلا فانه لا حاجة إليه مع عدم الطلب لانه لا حد عليه، وقال أصحاب الشافعي ان كان للمرأة وارث غير الزوج فله اللعان ليسقط الحد عن نفسه والا فلا (مسألة) (وان مات الولد فله لعانها ونفيه لان شروط اللعان تتحقق بدون الولد فلا تنتفي بموته) (فصل) إذا مات المقذوف قبل المطالبة بالحد لم يكن لورثته الطلب به، وقال أصحاب الشافعي يورث وان لم يكن طالب به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك حقا فلورثته) ولانه حق ثبت له في الحياة يورث إذا طالب به فبورث وان لم يطالب به لحق للقصاص.
ولنا أنه حد تعتبر فيه المطالبة فإذا لم يوجد الطلب من المالك لم يجب كحد القطع في السرقة والحديث
يدل على أن الحق المتروك يورث وهذا ليس بمتروك، وأما حق القصاص فانه حق يجوز الاعتياض عنه وينتقل إلى امال بخلاف هذا، فاما ان طالب به ثم مات فانه يرثه العصبات من النسب دون غيرهم لانه حق ثبت لدفع العار فاختص به العصبات كولاية النكاح، وهذا أحد الوجوه لاصحاب الشافعي، ومتى ثبت للعصبات فلهم استيفاؤه، وان طلب أحدهم وحده فله استيفاؤه وان عفا بعضهم لم يسقط وكان للباقين استيفاؤه ولو بقي واحد كان له استيفاء جميعه لانه حق يراد للردع والزجر فلم يتبعض كسائر الحدود ولا يسقط باسقاط البعض لانه يراد لدفع العار عن المقذوف وكل واحد من العصبات يقوم مقامه في استيفائه فيثبت له جميعه كولاية النكاح، ويافرق حق القصاص لان ذلك يفوت إلى بدل ولو أسقطناه ههنا لسقط في غير العافي إلى غير بدل.
(فصل) وإذا قذف امرأته وله بينة تشهد بزناها فهو مخير بين لعانها وبين إقامة البينة لانهما سببان فكانت له الخيرة في إقامة أيهما شاء كمن له بدين شاهدان وشاهد وامرأتان ولان كل اوحدة منهما يحصل بها ما لا يحصل بالا نرى فانه يحصل باللعان نفي النسب الباطل ولا يحصل ذلك بالبينة ويحصل بالبينة ثبوت زناها وإنامة الحد عليها ولا يحصل باللعان، فان لاعنها ونفى ولدها ثم أراد إقامة البينة فله ذلك فإذا اقامها ثبت موجب اللعان وموجب البينة، وان أقام البينة أو لا ثبت الزنا وموجبه ولم ينتف عنه الولد فانه لا يلزم من الزنا كون الولد منه، وان أراد لعانها بعد ذلك وليس بينهما ولد يريد
نفيه لم يكن ذلك لان الحد قد انتفى عنه باقامة البينة فلا حاجة إليه وان كان بينهما ولد يريد نفيه فعلى قول القاضي له أن يلاعن وقد ذكرنا ذلك.
(فصل) وان قذفها فطالبته بالحد فأقام شاهدين على اقرارها بالزنا سقط عنه الحد لانه ثبت تصديقها اياه ولم يجب عليها لانه لا يجب إلا باقرار أربع مرات ويسقط بالرجوع عن الاقرار فان لم يكن له بينة حاضرة فقال لي بينة غائبة أقيمها على الزنا أمهل اليومين والثلاثة لان ذلك قريب فان أتى بالبينة والاحد إلا ان يلاعن إذا كان زوجا فان قال قذفتها وهي صغيرة فقالت قذفني وأنا كبيرة وأقام كل واحد منهما بينة بما قال فهما قذفان وكذلك ان اختلفا في الكفر والرق أو الوقت لانه لا تنافي بينهما إلا أن يكونا مؤرخين تاريخا واحدا فيسقطان في أحد الوجهين وفي الآخر يقرع بينهما فمن خرجت قرعته قدمت بينته (فصل) فان شهد شاهدان أنه قذف فلانه وقذفها لم تقبل شهادتهما لاعترافهما بعداوته لهما وشهادة العدو لا تقبل على عدوه، وان أبرآه وزالت العداوة ثم شهدا عليه لذلك لم تقبل لانها ردت للتهمه فلم تقبل بعد كالفاسق إذا شهد فردت شهادته لفسقه ثم تاب وأعادها، ولو أنهما أدعيا عليه انه قذفهما ثم أبرآه وزالت العداوة ثم شهدا عليه بقذف زوجته قبلت شهادتهما لانهما لم يردا في هذه الشهادة ولو شهدا أنه قذف امرأته ثم ادعيا بعد ذلك انه قذفهما فان أضافا دعواهما إلى ما قبل شهادتهما بطلت شهادتهما
لاعترافهما أنه كان عدوا لهما حين شهدا عليه وان لم يضيفاها إلى ذلك الوقت وكان ذلك قبل الحكم بشهادتهما لم يحكم بها لانه لا يحكم عليه بشهادة عدوين وان كان بعد الحكم لم تبطل لان الحكم تم قبل وجود المانع كظهور الفسق، وان شهدا أنه قذف امرأته وأمنا لم تقبل شهادتهما لانهما ردت في البعض للتهمة فوجب أن ترد في الكل، وان شهدا على أبيهما أنه قذف ضرة أمهما قبلت شهادتهما وبهذا قال
مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وقال في القديم لا تقبل لانهما يجران إلى أمهما نفعا وهو أنه يلاعنها فتبين ويتوفر على أمهما وليس بشئ لان لعانه لها ينبني على معرفته بزناها لا على الشهادة عليه بما لا يعترف به وان شهدا بطلاق الضرة ففيه وجهان (أحدهما) لا تقبل لانهما يجران إلى أمهما نفعا وهو توفره على أمهما (والثاني) تقبل لانهما لا يجران إلى أنفسهما نفعا (فصل) ولو شهد شاهد أنه أقر بالعربية أنه قذفها وشهد آخر أنه أقر بذلك بالعجمية ثبتت الشهادة لان الاختلاف في العجمية والعربية عائد إلى الاقرار دون القذف ويجوز أن يكون القذف واحدا والاقرار في مرتين ولذلك لو شهد أحدهما أنه أقر يوم الخميس بقذفها وشهد آخر أنه أقر بذلك يوم الجمعة تمت الشهادة لما ذكرناه وان شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية وشهد آخر أنه قذفها
بالعجمية أو شهد أحدهما أنه قذفها يوم الخميس وشهد الآخر أنه قذفها يوم الجمعة أو شهد أحدهما أنه أقر بقذفها بالعربية أو يوم الخميس وشهد الآخر أنه قذفها بالعجمية أو يوم الجمعة أو شهد أحدهما أنه أقر أنه قذفها بالعربية أو يوم الخميس وشهد الآخر أنه أقر أنه قذفها بالعجمية أو يوم الجمعة ففيه وجهان (أحدهما) تكمل للشهادة وهو قول أبي بكر ومذهب أبى حنيفة لان الوقت ليس ذكره شرطا في الشهادة بالقذف وكذلك اللسان فلم يؤثر الاختلاف فيه كما لو شهد أحدهما أنه أقر بقذفها يوم الخميس بالعربية وشهد الآخر أنه أقر بقذفها يوم الجمعة بالعجمية (والثاني) لا تكمل الشهادة وهو مذهب الشافعي لانهما قذفان لم تتم الشهادة على واحد منهما فلم يثبت كما لو شهد أحدهما أنه تزوجها يوم الخميس وشهد الآخر أنه تزوجها يوم الجمعة، وفارق الاقرار بالقذف فانه يجوز أن يكون المقر به واحدا أقر به في وقتين بلسانين (مسألة) (وان لاعن ونكلت الزوجة عن اللعان خلى سبيلها ولحقه الولد ذكره الخرقي وعن احمد انها تحبس حتى تقر أو تلاعن) إذا لاعن امرأته وامتنعت من الملاعنة فلا حد عليها والزوجية بحالها، وبه قال الحسن والاوزاعي واصحاب الرأي، وروي ذلك عن الحارث العكلي وعطاء الخراساني وذهب مكحول والشعبي ومالك
والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأبو إسحاق الجوزجاني وابن المنذر إلى أن عليها الحد لقول الله تعالى
(ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين) والعذاب الذي يدرؤه عنها لعلها هو الحد المذكور في قوله تعالى (وليشهد عذابها طائفة من المؤمنين) ولانه بلعانه حقق زناها فوجب عليها الحد كما لو شهد عليها أربعة ولنا أنه لم يتحقق زناها فلا يجب عليها الحد كما لو لم يلاعن ودليل ذلك أن تحقيق وزناها لا يخلو أما أن يكون بلعان الزوج أو بنكولها لا يجوز ان يكون بلعان الزوج وحده لانه لو يثبت زناها به لما سمع لعلنها ولا وجب الحد على قاذفها ولانه اما يمين واما شهادة وكلاهم لا يثبت له الحق على غيره ولا يجوز ان يثبت بنكولها لان الحد لا يثبت بالنكول فانه يدرأ بالشبهات فلا يثبت بها، وذلك لان النكول يحتمل ان يكون لشدة خفرها أو لثقلها على لسانها أو غير ذلك فلا يجوز اثبات الحد الذي اعتبر في بينته من العدد ضعف ما اعتبر في سائر الحدود واعتبر في حقهم ان يصفوا صورة الفعل وان يصرحوا بلفظه وغير ذلك مبالغة في نفي الشبهات عنه وتوسلا إلى اسقاطه، ولا يجوز ان يقضي فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا يقضي به في شئ من الحدود ولا العقوبات ولا ما عدا الاموال مع ان الشافعي لا يرى القضاء بالنكول في شئ فكيف يقضي به في أعظم الامور أبعدها ثبوتا وأسرعها سقوطا؟ ولانها لو أقرت بلسانها ثم رجعت لم يجب عليها الحد فلان لا يجب بمجرد امتناعها من اليمين على برأتها اولى، ولا يجوز أن يقضي فيه بهما لان ما لا يقضى فيه باليمين المفردة لا يقضى فيه باليمين
مع النكول كسائر الحقوق ولان ما في كل واحد منهما من الشبهة لا ينتفي بضم أحدهما إلى الآخر فان احتمال نكولها لفرط حيائها وعجزها عن النطق باللعان في مجمع الناس لا يزول بالعان الزوج، والعذاب يجوز أن يكون الحبس أو غيره فلا يتعين في الحد، وان احتمل ان يكون هو المراد فلا يثبت الحد بالاحتمال وقد يرجح ما ذكرناه بقول عمر رضي الله عنه ان الرجم على من زني وقد أحصى إذا كانت بينة أو كان الحمل أو الاعتراف فذكر موجبات الحمل ولم يذكر اللعان
واختلفت الرواية فيما يصنع بها فروي انها تحبس حتى تلتعن أو تقر اربعا.
قال احمد فان ابت المرأة ان تلتعن بعد التعان الزوج اجبرتها عليه وهبت ان احكم عليها بالرجم لانها لو اقرت بلسانها لم ارجمها إذا رجعت فكيف إذا ابت اللعان؟ ولا يسقط النسب الا بالتعانهما جميعا لان الفراش قائم حتى تلتعن والولد للفراش قال القاضي هذه الرواية اصح وهذا قول من وافقنا في انه لا حد عليها وذلك لقول الله تعالى (ويدرأ عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات) فيدل على انها إذا لم تشهد لا يدرا عنها العذاب (والرواية الثانية) يخلى سبيلها وهو قول ابى بكر لانه لم يجب عليها الحد فيجب تخلية سبيلها كما لو تكمل البينة، فأما الزوجية فلا تزول والولد لا ينتفي ما لم يتم اللعان بينهما في قول عامة اهل العلم الا الشافعي فانه قضى بالفرقة ونفي الولد بمجرد لعان الرجل على ما نذكره
(مسألة) (ولا يعرض للزوج حتى تطالبه امرأته فان اراد اللعان من غير طلبها فان كان بينهما ولد يريد نفيه فله ذلك والا فلا) يعني لا يتعرض له باقامة الحد عليه ولا طلب اللعان منه حتى تطالبه زوجته بذلك فان ذلك حق لها فلا يقام من غير طلبها كسائر حقوقها وليس لوليها المطالبة عنها ان كانت مجنونة أو محجورا عليها ولا لولي صغيرة وسيد امة المطالبة بالتعزير من اجلمها لان هذا حق ثبت للتشفي فلا يقوم الغير فيه مقام المستحق كالقصاص، فان اراد الزوج اللعان من غير مطالبة نظرنا فان لم يكن هناك ولد يريد نفيه لم يكن له ان يلاعن، وكذلك كل موضع سقط فيه الحد مثل ان اقام البينة بزناها أو ابراته من قذفها أو حد لها ثم اراد لعانها ولا نسب هناك ينفى فانه لا يشرع اللعان وهذا قول اكثر اهل العلم ولا نعلم فيه مخالفا الا بعض اصحاب الشافعي قالوا له الملاعنة لازالة الفراش والصحيح عندهم مثل قول الجماعة لان ازالة الفراش ممكنة بالطلاق والتحريم المؤبد ليس بمقصود شرع اللعان من اجله وانما حصل ضمنا.
فاما ان كان هناك ولد يريد نفيه فقال القاضي له ان يلاعن وهو مذهب الشافعي لان هلال ابن امية لما قذف امراته واتى النبي صلى الله عليه وسلم فإخبره ارسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها فلاعن بينهما ولم تكن طالبته ولانه محتاج إلى نفيه فيشرع له طريق إليه كما لو طالبته ولان نفي النسب الباطل حق له فلا
يسقط برضاها به كما لو طالبت باللعان ورضيت بالولد ويحتمل ان لا يشرع اللعان ههنا كما لو قذفها فصدقته وهو قول اصحاب الراي لانه احد موجبي القذف فلا يشرع مع عدم المطالبة كالحد
(فصل) فإذا تم اللعان بينهما ثبت اربعة احكام (احدهما) سقوط الحد عنه أو التعزير ولو قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما وجملة ذلك ان اللعان إذا تم سقط الحد الذي اوجبه القذف عن الزوج إذا كانت الزوجة محصنة والتعزير ان لم تكن محصنة لان هلال بن امية قال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها ولان شهادته اقيمت مقام بينته وبينته تسقط الحد كذلك لعانه ويحصل هذا بمجرد لعانه لذلك فان نكل عن اللعان أو عن تمامه فعليه الحد وان ضرب بعضه فقال انا الاعن سمع ذلك منه لان ما اسقط كله اسقطه بعضه كالبينة، ولو نكلت المرأة عن الملاعنة ثم بذلتها سمعت منها كالرجل فان قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما إذا تم اللعان سواء ذكر الرجل في لعانه أو لم يذكره وان لم يلاعن فلكل واحد منهما المطالبة وايهما طالب حد له دون من لم يطالب كما لو قذف رجلا بالزنا بامراة معينة وبهذا قال أبو حنيفة ومالك الا في انه لا يسقط حده بلعانها وقال بعض اصحابنا: القذف للزوجة وحدها ولا يتعلق بغيرها حق في المطالبة ولا الحد لان هلال ابن امية قذف زوجته بشريك بن السحماء فلم يحده النبي صلى الله عليه وسلم ولا عزره له.
وقال بعض اصحاب الشافعي يجب الحد لهما وهل يجب حد واحد أو حدان؟ على وجهين، وقال بعضهم لا يجب الا حد واحد قولا واحدا ولا خلاف بينهم انه إذا لاعن وذكر الاجنبي في لعانه انه يسقط حكمه عنه وان لم يذكره فعلى وجهين
ولنا ان اللعان بينة في احد الطرفين فكان بينة في الطرف الآخر كالشهادة ولان به حاجة إلى قذف الزاني لما أفسد عليه من فراشه وربما يحتاج إلى ذكره ليستدل بشبه الولد للمقذوف على صدق قاذفة كما استدل النبي صلى الله عليه وسلم على صدق هلال بن امية بشبه الولد لشريك بن سحماء فوجب
أن يسقط حكم قذفه ما أسقط حكم قذفها قياسا له عليها (فصل) فان قذف امرأته وأجنبية أو أجنبيا بكلمتين فعليه حدان لهما فيخرج من حد الاجنبية بالبينة خاصة ومن حد الزوجية بالبينة أو اللعان وان قذفهما بكلمة فكذلك الا انه إذا لم يلاعن ولم تقم بينة فهل يحد لهما حدا واحدا أو حدين على روايتين (احداهما) يحد حدا واحدا وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم وزاد أبو حنيفة سواء كان بكلمة أو بكلمات لانهما حدود من جنس فوجب ان تتداخل كحد الزنا (والثانية) وان طالبوا مجتمعين فحد واحد، وان طالبوا مفترقين فلكل واحد حد لانهم إذا اجتمعوا في الطلب أمكن الغاؤهم بالحد الواحد وإذا تفرقوا لم يمكن جعل الحد الواحد ايفاء لمن لم يطالب لانه لا يجوز اقامة الحد له قبل المطالبة منه.
وقال الشافعي في الجديد يقام لكل واحد حد بكل حال لانها حقوق لآدميين فلم تتداخل كالديون ولنا انه إذا قذفهما بكلمة واحدة يجزئ حد واحد لانه يظهر كذبه في قذفه وبراءة عرضهما من
رميه بحد واحد فأجزأ كما لو كان القذف لواحد، وإذا قذفهما بكلمتين وجب حدان لانهما قذفان لشخصين فوجب لكل واحد حد كما لو قذف الثاني بعد حد الاول وهكذا الحكم فيما إذا قدف أجنبيتين أو أجنبيات والتفصيل فيه على ما ذكرناه (فصل) وان قال لزوجته يا زانية بنت الزانية فقد قذفها وقذف امها بكلمتين والحكم في الحد لهما على ما مضى من التفصيل فيه فان اجتمعتا في المطالبة ففي أيتهما يقدم وجهان (أحدهما) الام لان حقها آكد لكونه لا يسقط الا بالبينة ولان لها فضيلة الامومة (والثاني) تقدم البنت لانه بدأ بقذفها ومتى حد لاحداهما ثم وجب عليه الحد للاخرى لم يحد حتى يبرأ جلده من حد الاولى فان قيل ان الحد ههنا حق لآدمي فلم لا يوالى بينهما كالقصاص فانه لو قطع يدي رجلين قطعنا يديه لهما ولم يؤخره؟ قلنا لان حد القذف لا يتكرر بتكرر سببه قبل اقامة حده فالموالاة بين حدين فيه تخرجه عن موضوعة والقصاص يجوز ان يقطع أطرافه كلها في قصاص
واحد فإذا جاز لواحد فلاثنين اولى " مسألة " (الثاني الفرقة بينهما وعنه لا تحصل حتى يفرق الحاكم بينهما) وجملة ذلك أن الفرقه بين المتلاعنين لا تحصل الا بتلاعنهما جميعا وهل يعتبر تفريق الحاكم؟ فيه روايتان (احداهما) لا يعتبر وان الفرقة تحصل بمجرد لعانهما وهي اختيار ابي بكر وقول مالك وأبي
عبيد وابي ثور وداود وزفر وابن المنذر، وروي ذلك عن ابن عباس لما روي عن عمر رضي الله عنه انه قال: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا رواه سعيد: ولانه معنى يقتضي التحريم المؤبد فلم يقف على حكم الحاكم كالرضاع، ولان الفرقة لو لم تحصل الا بتفريق الحاكم لساغ ترك التفريق إذا كرهاه كالتفريق للعنت والاعسار ولوجب ان الحاكم إذا لم يفرق بينهما ان يبقى النكاح مستمرا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا سبيل لك عليها " يدل على هذا وعلى هذا تفريقة بينهما بمعنى اعلامه لهما حصول الفرقة (والثانية) لا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما وهو ظاهر كلام الخرقي وقول اصحاب الرأي لقوله ابن عباس في حديثه ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وهذا يقتضي ان الفرقة لم تحصل قبله وفي حديث عويمر قال كذبت عليها يا رسول الله امسكتها فطلقها ثلاثا قبل ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يقتضي امكان امساكها وأنه وقع طلاقه ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك لما وقع طلاقه ولا امكنه امساكها ولان سبب هذه الفرقة يتوقف على الحاكم فالفرقة المتعلقة به لا تقع الا بحكم حاكم كتفرقة العنة وعلى كلتا الروايتين لا تحصل الفرقة قبل تمام لعانهما، وقال الشافعي تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده وان لم تتقين المرأة لانها فرقة حاصلة بالقول فتحصل بقول الزوج وحده كالطلاق.
قال شيخنا ولا نعلم احد وافق الشافعي على هذا القول
وحكي عن البتي انه لا يتعلق باللعان فرقة لما روي ان العجلاني لما لاعن امراته طلقها ثلاثا فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو وقعت الفرقة لما نفذ طلاقه وكلا القولين لا يصح لان النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين رواه عبد الله بن عمر وسهل بن سعد اخرجهما مسلم وقال سهل فكانت سنة لمن كان
بعدهما ان يفرق بين المتلاعنين، وقال عمر المتلاعنان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان ابدا، واما القول الآخر فلا يصح لان الشرع انما ورد بالتفريق بين المتلاعنين ولا يكونان متلاعنين بلعان احدهما وانما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بعد تمام اللعان منهما فالقول بوقوع الفرقة قبله تحكم يخالف مدلول السنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولان لفظ اللعان لا يقتضي فرقة فانه اما ايمان على زناها أو شهادة بذلك ولولا ورد الشرع بالتفريق بينهما لم تحصل الفرقة وانما ورد الشرع بها بعد لعانهما فلا يجوز تعليقها على بعضه كما لم يجز تعلقيها على بعض لعان الزوج ولانه فسخ ثبت لايمان مختلفين فلم يثبت يمين احدهما كالفسخ لتحالف المتبايعين عند الاختلاف ويبطل ما ذكروه بالفسخ بالعيب أو العتق وقول الزوج اختاري نفسك أو امرك بيدك أو وهبتك لاهلك أو لنفسك واشباه ذلك كثير إذا ثبت هذا فان قيل ان الفرقة تحصل بلعانهما فلا تحصل الا بعد اكمال اللعان بينهما وان قلنا لا تحصيل الا بتفريق لحاكم لم يجز له ان تفريق بينهما الا بعد كمال لعانها فان فرق قبل ذلك كان
تفريقه باطلا وجوده كعدمه.
وبهذا قال مالك وقال الشافعي لا تقع الفرقة حتى يكمل للزوج لعانه وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن إذا فرق بينهما بعد ان لاعن كل واحد منهما ثلاث مرات اخطأ السنة والفرقة جائزة وان فرق بينهما بأقل من ثلاث فالفرقة باطلة لان من اتى بالثلاث فقد اتى بالاكثر فتعلق الحكم به ولنا انه تفريق قبل تمام اللعان فلم يصح كما لو فرق بينهما لاقل من ثلاث أو قبل لعان المرأة ولانها ايمان مشروعة لا يجوز للحاكم الحكم قبلها بالاجماع فإذا حكم لم يصح حكمه كايمان المختلفين في البيع وكما قبل الثلاث ولان الشرع انما ورد بالتفريق بعد كمال السبب فلم يجز قبله كسائر الاسباب وما ذكروه تحكم لا دليل عليه ولا أصل له ثم يبطل بما إذا شهد بالدين رجل وامرأة واحدة أو بمن توجهت عليه اليمين إذا أتى بأكثر حروفها وبالمسابقة إذا قال من سبق إلى خمس اصابات فسبق إلى ثلاثة وبسائر الاسباب فأما إذا تم اللعان فللحاكم أن يفرق بينهما من غير استئذانهما لان النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ولم يستأذنهما وروي مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما والحق الولد بالمرأة وروي
سفيان عن الزهري عن سهل بن سعد قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين أخرجهما
سعيد ومتى قلنا ان الفرقة لا تحصل الا بتفريق الحاكم فلم يفرق بينهما فالنكاح بحاله باق لان ما يبطل النكاح لم يوجد فأشبه ما لو لم يلاعن (فصل) وفرقة اللعان فسخ وبهذا قال الشافعي وقال أبوحينفة هي طلاق لانها فرقة من قبل الزوج تختص النكاح فكان طلاقا كالفرقة بقوله انت طالق ولنا انها فرقة توجب تحريما مؤبدا فكانت فسخا كفرقة الرضاع ولان اللعان ليس بصريح في الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يكن طلاقا كسائر ما ينفسخ به النكاح ولانه لو كان طلاقا لوقع بلعان الزوج دون لعان المرأة (فصل) ذكر بعض اهل العلم ان الفرقة انما حصلت باللعان لان لعنة الله وغضبه قد وقع باحدهما لتلاعنهما فان النبي صلى الله عليه وسلم قال عند الخامسة " انها الموجبة " أي انها توجب لعنة الله وغضبه ولا نعلم من هو منهما يقينا ففرقنا بينهما خشبة ان يكون هو الملعون فيلعنو امرأة غير ملعونة وهذا لا يجوز كما لا يجوز ان يعلو المسلمة كافر ويمكن ان يقال على هذا لو كان هذا الاحتمال مانعا من دوام نكاحهما لمنعه من نكاح غيرها فان هذا الاحتمال متحقق فيه.
ويحتمل ان يكون الموجب للفرقة وقوع اللعنة أو الغضب باحدهما غير معين فيفضي إلى علو ملعون غير ملعونة أو إلى امساك معلونة مغضوبة عليها
ويحتمل ان سبب الفرقة النفرة الحاصلة من اساءة كل واحد منهما إلى صاحبها فان الرجل ان كان صادقا فقد اشاع فاحشتها وفضحها على رءوس الاشهاد واقامتها مقام خزي وحقق عليها الغضب وقطع نسب ولدها وان كان كذبا فقد اضاف إلى ذلك بهتها وقذفها بهذه الفرقه العظيمة والمرأة ان كانت صادقة فقد أكذبته على رءوس الاشهاد واوجبت عليه لعنة الله وان كانت كاذبة فقد افسدت فراشه وخانته في نفسها والزمته اللعان والفضيحة واحوجته إلى هذا المقام المخزي فحصل لكل واحد منهما نفرة من صاحبه لما حصل إليه من اساءة لا يكاد يلتئم لهما معها حال فاقتضت
حكمة الشارع التزام الفرقة بينهما وازالة الصحبة المتمحضة مفسدة ولانه ان كان كاذبا عليها فلا ينبغي ان يسلط على امساكها مع ما صنع من القبيح إليها وان كان صادقا فلا ينبغي ان يمسكها مع علمه بحالها ولهذا قال العجلاني كذبت عليها ان امسكتها " مسألة " (الثالث: التحريم المؤبد وعنه انه ان اكذبت نفسه حلت له) ظاهر المذهب ان الملاعنة تحرم على الملاعن تحريما مؤبدا فلا تحل له وان اكذب نفسه ولا خلافا بين اهل العلم في انه إذا لم يكذب نفسه انها لا تحل له الا ان يكون قولا شاذا فان اكذب نفسه فالذي رواه الجماعة عن احمد انها لا تحل له ايضا وجاءت الاخبار عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم ان المتلاعنين لا يجتمعان ابدا وبه قال الحسن وعطاء وجابر بن زيد والنخعي والزهري
والحكم ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وابو عبيد وابو ثور وابو يوسف، وعن احمد رواية اخرى انه ان اكذب نفسه حلت له وعاد فراشه بحاله وهي رواية شاذ شذ بها حنبل عن اصحابه قال أبو بكر لا نعلم احدا رواها غيره.
قال شيخنا وينبغي ان تحمل هذه الرواية على ما إذا لم يفرق الحاكم فاما مع تفريق الحاكم بينهما فلا وجه لبقاء النكاح بحاله، وقد ذكرنا ان مذهب البتي ان اللعان لا يتعلق به فرقة وعن سعيد بن المسيب ان اكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب.
وبه قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن لان فرقة اللعان عندهما طلاق وقال سعيد بن جبير ان اكذب نفسه ردت إليه مادامت في العدة.
ولنا ما روي سهل بن سعد قال مضت السنة في المتلاعنين ان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان ابدا رواه الجوزجاني باسناده في كتابه وروي مثل هذا عن الزهري ومالك ولانه تحريم لا يرتفع قبل الحد والتكذيب فلم يرتفع بهما كتحريم الرضاع (مسألة) وإذا قلنا تحل له باكذاب نفسه فان لم يكن وجد منه طلاق فهي باقية على النكاح) لان اللعان على هذا القول لا يحرم على التأييد وانما يؤمر بالطلاق كما يؤمر المولى به إذا لم يأت بالفيئة فإذا لم يأت بالطلاق بقي النكاح بحاله وزوال الاجبار على الطلاق لتكذيبه نفسه كما لو امتنع
المولى من الفئية فأمر بالطلاق فعاد فأجاب إلى الفيئة، وان جاء منه طلاق دون الثلاث فله رجعتها كالمطلقة دون الثلاث بغير عوض (مسألة) (الرابع انتفاء الولد عنه بمجرد اللعان ذكره أبو بكر وينتفي عنه حملها وان لم يذكره وقال الخرقي لا ينتفي حتى يذكره في اللعان) وجملة ذلك أن الزوج إذا ولدت امرأته ولدا يمكن أن يكون منه فهو ولده في الحكم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا ينتفي عنه الا ان ينفيه باللعان تام الذي اجتمعت شروطه وهي أربعة (أحدهما) أن يوجد اللعان منهما جميعا وهذا قول عامة أهل العلم، وقال الشافعي ينتفي بلعان الزوج وحده لان نفي الولد انما كان بيمينه والتعانه لا بيمين المرأة على تكذيبه ولا معنى ليمين المرأة في نفي النسب وهي نثبته وتكذب قول من ينفيه وانما لعانها لدرء الحد عنها كما قال الله تعالى (ويدرا عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين) ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم انما نفي الولد عنه بعد تلاعنهما فلا يجوز النفي ببعضه كبعض لعان الزوج (الثاني) ان يكمل اللعان منهما جميعا (الثالث) أن يبدأ الزوج باللعان قبل المرأة فان بدأت باللعان قبله لم يعتد به وبه قال أبو ثور وابن المنذر، وقال مالك واصحاب الرأي ان فعل اخطأ السنة والفرقة جائزة وينفى الولد عنه لان الله تعالى عطف لعانها على لعانه بالواو هي لا تقتضي ترتيبا ولان اللعان قد وجد منهما جميعا فأشبه
ما ورتب، وعند الشافعي لا يتم اللعان الا بالترتيب الا أنه يكفي عنده لعان الرجل وحده لنفي الولد وذلك حاصل مع اخلاله بالترتيب وعدم كمال ألفاظه من المرأة ولنا أنه أتى باللعان على غير ما ورد به القرآن والسنة فلم يصح كما لو اقتصر على لفظه واحدة ولان لعان الرجل بينة لاثبات زناها ونفي ولدها ولعان المرأة للانكار فقدمت بينة الاثبات لتقديم الشهود على الايمان ولان لعان المرأة لدرء العذاب عنها، ولا يتوجه عليها ذلك إلا بلعان الرجل فإذا
قدمت لعانها على لعانه فقد قدمته على وقته فلم يصح كما لو قدمته على القذف (الرابع) أن يذكر نفي الولد في اللعان فان لم يذكره لم ينتف إلا أن يعيد اللعان ويذكر نفيه وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار القاضي ومذهب الشافعي، فإذا قال أشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا يقول وما هذا الولد ولدي، وتقول هي أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا وهذا الولد ولده في كل لفظة، وقال الشافعي لا تحتاج المرأة إلى ذكره لانها لا تنفيه ولنا أنها أحد الزوجين فكان ذكر الولد شرطا في لعانه كالزوج وقال أبو بكر لا يحتاج إلى ذكر الولد ونفيه وينتفي بزوال الفراش لان حديث سهل بن سعد الذي وصف فيه اللعان لم يذكر فيه الولد وقال فيه ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضي ان لا يدعي ولدها لاب ولا يرمى ولدها رواه أبو داود
وفي حديث رواه مسلم عن عبد الله أن رجلا لاعن امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بامه.
ولنا أن من سقط حقه باللعان كان ذكر مشرطا كالمرأة ولان غاية ما في اللعان أن يثبت زناها وذلك لا يوجب نفي الولد كما لو أقرت به أو قامت به بينة فأما حديث سهل فقد روي فيه فكانت حاملا فأنكر حملها من رواية البخاري، وروى ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة والزيادة من الثقة مقبولة، فعلى هذا لابد من ذكر الولد في كل لفظة ومع اللعن في الخامسة لانها من لفظات اللعان، وذكر الخرقي شرطا خامسا وهو تفريق الحاكم بينهما وهذا على الرواية التي تشترط تفريق الحاكم بينهما لوقوع الاخرى أما على الرواية الاخرى فلا يشترط تفريق الحاكم لنفي الولد كما لا يشترط لدرء الحد عنه ولا لفسخ النكاح، وشرط أيضا شرطا سادسا وهو أن يكون قد قذفها وهذا من شروط اللعان وقد ذكرناه (فصل) متى كان اللعان لنفي الولد اشترط ذكره وقد مضى ذلك قال يشترط أن يقول هذا الولد من زنى وليس هو مني وهو مذهب الشافعي لانه قد يريد بقوله ليس هو مني يعني خلقا وخلقا ولم يقتصر على قوله هو من زنى لانه قد يعتقد أن الوطئ في النكاح الفاسد زنا فأكدنا بذكرهما جميعا
ولنا أنه نفي الولد في اللعان فانتفى به كما لو ذكر اللفظين، وما ذكروه من التأكيد تحكم بغير دليل
ولا ينتفي اللعان بضم إحدى اللفظين إلى الاخرى فانه إذا اعتقد أنه من وطئ فاسد واعتقد أن ذلك زنا صح منه أن يقول اللفظين جميعا وقد يريد انه لا يشبهني خلقا ولا خلقا وأنه من وطئ فاسد (مسألة) (وان نفى الحمل في التعانه لم ينتف حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن) اختلف أصحابنا في ذلك فقال الخرقي وجماعة لا ينتفي الحمل بنفيه قبل الوضع ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع وينتفي الولد فيه، وهذا قول أبي حنيفة وجماعة من أهل الكوفة لان الحمل غير مستيقن يجوز أن يكون ريحا أو أو غيرها فيصير فيصير نفيه مشروطا بوجوده ولا يجوز تعليق اللعان بشرط، وقال مالك والشافعي وجماعة من أهل الحجاز يصح نفي الحمل وينتفي عنه محتجين بحديث هلال بن أمية وأنه نفى حملها فنفاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم وألحقه بالام وبانه كان حملا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " انظروها فان جاءت به كذا وكذا " قال ابن عبد البر الآثار الدالة على صحة هذا القول كثيرة وأوردها، ولان الحمل مظنون بامارات تدل عليه ولهذا ثبت للحامل أحكام تخالف فيها الحائل من النفقة والفطر في الصيام وترك إقامة الحد عليها وتأخير القصاص عنها وغير ذلك مما يطول ذكره، ويصح استلحاق الحمل فكان كالولد بعد وضعه وهذا القول الصحيح لموافقته ظواهر الاحاديث وما خالف الحديث لا يعبأ به كائنا ما كان، وقال أبو بكر ينتفي الولد بزوال الفراش، ولا يحتاج إلى ذكره في اللعان احتجاجا بظاهر الاحاديث حيث لم ينقل فيها نفي الحمل ولا التعرض لنفيه، فأما من قال ان الولد لا ينتفي إلا بنفيه بعد الوضع فانه
يحتاج إلى عادة اللعان بعد الوضع، وقال أبو حنيفة ومن وافقه ان لاعنها حاملا ثم أت بولد لزمه ولم يتمكن من نفيه لان اللعان لا يكون إلا بين زوجين وهذه قد بانت بلعانها في حملها وهذا فيه الزامه ولد ليس منه وسد باب الانتفاء من أولاد الزنا، والله تعالى قد جعل له إلى ذلك سبيلا وطريقا فلا يجوز سده وانما تعتبر الزوجية في الحال التي أضاف إليها الزنا لان الولد الذي يأتي به يلحقه إذا لم ينفه فيحتاج إلى نفيه، وهذه كانت زوجة في تلك الحال فملك نفيه والله أعلم (فصل) فان استلحق الحمل فمن قال لا يصح نفيه قال استلحاقه وهو المنصوص عن
احمد ومن أجاز نفيه قال يصح استلحاقه وهو مذهب الشافعي لانه محكوم بوجوده بدليل وجوب النفقة ووقف الميراث نصح الاقرار به كالمولود، وإذا استلحقه لم يملك نفيه بعد ذلك كما لو استلحقه بعد الوضع، ومن قال لا يصح استلحاقه قال لو صح استلحاقه لزمه بترك نفيه كالمولود ولا يلزمه ذلك بالاجماع ولان للشبه أثرا في الاستلحاق بدليل حديث الملاعنة وذلك مختص بما بعد الوضع فاختص صحة الاستلحاق به فعلى هذا لو استلحقه ثم نفاه بعد وضعه كان له ذلك فأما ان سكت عنه فلم ينفه ولم يستلحقه لم يلزمه عند أحد علمنا قوله لان بتركه يحتمل ان يكون لانه لا يتحقق وجوده الا ان يلاعنها فان ابا حنيفة ألزمه الولد على ما اسلفناه
(فصل) ومن شرط نفي الولد ان لا يوجد منه دليل على الاقرار به فان اقر به لم يملك نفيه في قول جماعة اهل العلم منهم الشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي، وان اقر بتوأمه أو نفاه وسكت عن توأمه لحقه نسبه ولم يكن له نفيه وقد ذكرناه ولانه إذا اقر بأحدهما كان اقرارا بالآخر إذ لا يمكن ان يعلم الذي له منهما فإذا نفى الاخير كان رجوعا عن اقراره فلا يقبل منه ومثله إذا نفاه وسكت عن توأمه (مسألة) (وان هنئ به فسكت كان اقرارا ذكره أبو بكر) لان السكوت صلح دالا على الرضا في حق البكر فههنا اولى (مسألة) (فان امن على الدعاء لزمه في قولهم جميعا) فان قال أحسن الله جزاءك أو بارك الله عليك أو رزقك الله مثله لزمه الولد وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يلزمه لانه جازاه على قصده وإذا قال رزقك الله مثله فليس ذلك اقرارا ولا متضمغا له.
لنا ان ذلك جواب الراضي في العادة فكان اقرارا كالتأمين على الدعاء (مسألة) (وان اخر نفيه مع امكانه لزمه نسبه ولم يكن له نفيه بعد ذلك) وبهذا قال الشافعي قال أبو بكر لا يتقدر ذلك بثلاث هل هو ما جرت به العادة ان كان ليلا فحتى يصبح وينتشر الناس وان كان جائعا أو ظمآن فحتى يأكل أو يشرب أو ينام ان كان ناعسا أو
يلبس ثيابه ويسرج دابته ويركب ويصلي ان حضرت الصلاة ويحرز ماله ان كان غير محرز واشباه هذا من اشغاله فان اخره بعد هذا كله لم يكن له نفيه وقال أبو حنيفة له تأخير نفيه يوما ويومين استحسانا لان النفي عقيب الولادة يشق فقدر باليومين لقلتهما.
وقال أبو يوسف ومحمد يتقدر بمدة النفاس لانها جارية مجرى الولادة في الحكم.
وحكي عن عطاء ومجاهد ان له نفيه ما لم يعترف به كحالة الولادة ولنا انه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على الفور كخيار الشفعة ولان قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " عام خرج منه ما اتفقنا عليه مع السنة الثابتة ففيما عداه يبقى على عموم الحديث، وما ذكره أبو حنيفة يبطل بخيار الرد بالعيب والاخذ بالشفعة، وتقديره بمدة النفاس تحكم لا دليل عليه.
وما قاله عطاء يبطل ايضا بما ذكرناه ولا يلزم عليه القصاص فانه لاستيفاء حق لا لدفع ضرر ولا الحمل لانه لم يتحقق ضرره؟ وهل يتقدر الخيار في النفي بمجالس العلم أو بامكان النفي، على وجهين بناء على المطالبة بالشفعة (مسألة) (فان قال اخرته رجاء موته لم يعذر بذلك ويبطل خياره لانه اخر نفيه مع امكانه لغير عذر)
(مسألة) (وان قال لم أعلم به أو لم اعلم ان لي نفيه أو لم اعلم ان ذلك على الفور وامكن صدقه قبل منه) إذا اخر نفيه ثم ادعى انه لم يعلم بالولادة وامكن صدقه بان يكون في مكان يخفى عليه ذلك كمن هو في محلة اخرى فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم العلم فان لم يمكن مثل ان يكون معها في الدار لم يقبل لان ذلك لا يكاد يخفى عليه وان قال علمت ولادته ولم أعلم ان لي نفيه أو علمت ذلك أو لم اعلم انه على الفور وكان من يخفى عليه ذلك كعامة الناس قبل منه لان هذا مما يخفى عليهم فأشبه كما لو كان حديث عهد باسلام فان كان فقيها لم يقبل منه لانه مما لا يخفى عليه ذلك ويحتمل ان يقبل منه لان الفقيه يخفى عليه كثير من الاحكام وقال اصحابنا لا يقبل ذلك من الفقيه ويقبل من الناشئ ببادية وحديث العهد بالاسلام ويقبل من سائر الناس وفيه وجه آخر انه لا يقبل والاول اولى
(مسألة) (وان اخره لغيبة أو مرض أو شئ يمنعه ذلك لم يسقط نفيه) وجملة ذلك انه إذا كان له عذر يمنعه من الحضور لنفيه كالمرض والحبس أو الاشتغال بحفظ مال يخاف ضيعة أو بملازمة غريم يخاف فوته أو غيبته نظرت فان كانت مدة ذلك قصيرة فاخره إلى الحضور ليزول عذره لم يبطل نفيه لانه بمنزلة من علم ذلك ليلا فأخره إلى الصبح وان كانت
تتطاول ما مكنه التنفيذ إلى الحاكم ليبعث إليه من يستوفي عليه اللعان والنفي فلم يفعل سقط نفيه وان لم يمكنه اشهد على نفسه انه ناف لولد امراته فان لم يفعل بطل خياره لانه إذا لم يقدر على نفيه قام الاشهاد مقامه كما يقيم المريض الفيئة بالقول بدلا عن الفيئة بالجماع (فصل) فان قال لم اصدق المخبر به وكان مستفيضا منتشرا لم يقبل قوله وان لم يكن مستفيضا وكان المخبر مشهور العدالة لم يقبل قوله والا قبل، وان قال لم اعلم ان علي ذلك قبل قوله لانه مما يخفى وان علم وهو غائب فأمكنه السير فاشتغل به لم يبطل خياره وان اقام من غير حاجة بطل لانه اخر لغير عذر، وان كانت له حاجة تمنعه من السير فهو على ما ذكرنا من قبل وان اخره من غير عذر بطل وفي كل موضع لزمه الولد لم يكن له نفيه بعد ذلك في قول جماعة اهل العلم مالك والشافعي وابن المنذر واصحاب الراي وقال الحسن له أن يلاعن لنفيه مادامت امه عنده يصير لها الولد ولو اقر به والذي عليه الجمهور اولى فان اقر به فلم يملك جحده كما لو بانت منه امه ولانه اقر بحق عليه فلم يقبل منه جحده كسائر الحقوق
(مسألة) (ومتى اكذب نفسه بعد نفيه لحقه نسبه ولزمه الحد ان كانت المراة محصنة أو التعزير ان لم تكن محصنة) إذا لاعن الرجل امراته ونفى ولده ثم اكذب نفسه لحقه الولد إذا كان حيا غنيا كان أو فقيرا بغير خلاف بين اهل العلم وكذلك ان كان ميتا.
وبهذا قال الشافعي وابو ثور وقال الثوري إذا استلحق الولد الميت وكان إذا مال لم يلحقه لانه انما يدعي مالا وان لم يكن له مال لحقه وقال اصحاب
الراي ان كان الولد الميت ترك ولدا ثبت نسبه من المستلحق وتبعه نسب ابنه وان لم يكن ترك ولدا لم يصح استلحاقه ولم يثبت نسبه ولا يرث منه المدعي شيئا لان نسبه منقطع بالموت فلم يصح استلحاقه فإذا كان له ولدا كان مستلحقا لولده وتبعه نسب الميت ولنا ان هذا ولد نفاه باللعان فكان له استلحاقه كما لو كان حيا أو كان له ولد ولان ولد الولد يتبع نسب الولد وقد جعل أبو حنيفة نسب الولد تابعا لنسب ابنه فجعل الاصل تابع للفرع وذلك باطل فأما قول الثوري انه انما يدعي مالا قلنا انما يدعي النسب والميراث تبع له فان قيل فهو متهم في ان غرضه في حصول الميراث قلنا النسب لا يمنع التهمة لحوقه بدليل انه لو كان له اخ يعاديه فأقر بابن لزمه وسقط ميراث اخيه ولو كان الابن حيا غنيا والاب فقيرا فاستلحقه فهو متهم في ايجاب
نفقته على ابنه ويقبل قوله كذلك ههنا ثم كان ينبغي ان يثبت ههنا لانه حق للولد ولا تهمة فيه ولا يثبت الميراث المختص بالتهمة ولا يلزم من انقطاع البيع انقطاع الاصل قال القاضي يتعلق باللعان اربعة احكام حقان عليه وجوب الحد ولحوق النسب.
وحقان له الفرقة والتحريم المؤبد فإذا اكذب نفسه قبل قوله فيما عليه فلزمه الحد والنسب ولم يقبل فيما له فلم تزل الفرقة ولا التحريم المؤبد (فصل) فان لم يكذب نفسه ولكن لم تكن له بينة ولا لاعن أقيم عليه الحد فان أقيم عليه بعضه فأراد اللعان وقال أنا ألاعن قبل منه لان اللعان يسقط جميع الحد فيسقط بعضه كالبينة فان ادعت زوجته أنه قذفها بالزنا فأنكر فأقامت عليه بينة أنه قذفها بالزنا فقال صدقت البينة وليس ذلك قذفا لان القذف الرمي بالزنا كذبا وأنا صادق فيما رميتها به ولم يكن ذلك اكذابا لنفسه لانه مصر على رميها بالزنا وله اسقاط الحد باللعان ومذهب الشافعي في هذا الفصل كمذهبنا فأما ان قال ما زنت ولا رميتها بالزنا فقامت البينة عليه بقذفها لزمه الحد ولم تسمع بينته ولا لعانه، نص عليه أحمد لان قوله ما زنت تكذيب للبينة واللعان فلا يثبت له حجة قد أكذبها وجرى هذا مجرى قوله في الوديعة إذا ادعيت عليه فقال ما أودعتني فقامت عليه البينة بالوديعة فادعى الرد أو التلف لم يقبل ولو أجاب بانه ما له عندي
شئ أو لا يستحق علي شيئا فقامت عليه البينة فادعى الرد أو التلف قبل منه
(مسألة) (ويلزمه الحد إذا اكذب نفسه سواء اكذبها قبل لعانها أو بعده) وهذا قول الشافعي وابي ثور واصحاب الراي ولا نعلم لهم مخالفا لان اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج فإذا اكذب نفسه بان ان لعانه كذب وزيادة في هتكها وتكرار لقذفها فلا اقل من ان يجب الحد الذي كان واجبا بالقذف المجرد فان عاد عن اكذاب نفسه وقال لي بينة اقيمها بزناها أو اراد اسقاط الحد عنه باللعان لم تسمع لان البينة واللعان لتحقيق ما قاله وقد اقر بكذب ننفسه فلا يسمع منه خلافه.
وهذا إذ كانت المقذوفة محصنة فان كانت غير محصنة فعليه التعزير.
(فصل) فيما يلحق من النسب، من اتت امراته بولد يمكن كونه منه وهو ان يأتي به بعد ستة اشهر منذ امكن اجتماعه بها ولاقل من اربع سنين منذ ابانها وهو ممن يولد لمثله كابن عشر سنين لحقه الولد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " ولان مع ذلك يمكن كونه منه وقدرناه بعشر سنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " وقال القاضي يلحق به إذا اتت له تسعة اعوام ونصف مدة الحمل قياسا على الجارية وقال أبو بكر لا يلحقه حتى يبلغ لان الولد انما يكون من الماء ولا ينزل حتى يبلغ
ولنا انه زمن يمكن البلوغ فيه فيلحقه الولد كالبالغ.
وقد روي ان عمرو بن العاص وابنه لم يكن بينهما الا اثنا عشر عاما وامر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم دليل على امكان الوطئ الذي هو سبب الولادة.
واما قياس الغلام على الجارية فغير صحيح فان الجارية يمكن الاستمتاع بها لتسع عادة وقد تحيض لتسع والغلام لا يمكنه الاستمتاع لتسع ما عهد بلوغ غلام لتسع.
(مسألة) فاما ان اتت به لدون ستة اشهر منذ تزوجها أو لاكثر من اربع سنين منذ ابانها لم
يلحق الزوج لانا علمنا انها علقت به قبل النكاح ولا يحتاج إلى نفيه باللعان لان اللعان يمين واليمين جعلت لتحقيق احد الجائزين ونفي احد المحتملين وما لا يجوز لا يحتاج إلى نفيه (مسألة) (وان اقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم اتت به لاكثر من ستة اشهر لم يلحق بالزوج) وهذا قول ابي العباس ابن شريح وقال غيره من اصحاب الشافعي يلحق به لانه يمكن ان يكون منه والولد يحلق بالامكان
ولنا انها اتت به بعد الحكم بانقضاء عدتها في وقت يمكن ان لا يكون منه فلم يلحقه كما لو انقضت عدتها بوضع الحمل وانما يعتبر الامكان مع بقاء الزوجية أو العدة واما بعدهما فلا يكتفي بالامكان للحاقه وانما يكتفى بالامكان لنفيه وذلك لان الفراش سبب ومع وجود السبب يكتفى بامكان الحكمة واحتمالها فإذا انتفى السبب واثاره انتفى الحكم لانتفائه ولا يلتفت إلى مجرد الامكان.
فأما ان طلقها فاعدت بالاقراء ثم ولدت ولدا قبل مضي ستة اشهر من آخر اقرائها لحق الزوج لانا تيقنا انها لم تحمله بعد انقضاء عدتها ويعلم انها كانت حاملا به في زمن رؤية الدم فيلزم ان لا يكون الدم حيضا فلم تنقض عدتها به.
(مسألة) (فان طلقها وهي حامل فولدت ثم ولدت آخر قبل مضي ستة اشهر فهو من الزوج) لانا نعلم انهما حمل واحد فإذا كان احدهما منه فالآخر منه وان كان بينهما اكثر من ستة اشهر لم يلحق بالزوج وانتفى عنه من غير لعان لانه لا يمكن ان يكون الولدان حملا واحدا وبينهما مدة الحمل فعلم انها علقت به بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة وكونها اجنبية فهي كسائر الاجنبيات (مسألة) (أو مع العلم بانه لم يجتمع بها)
كالذي يتزوجها بحضرة الحاكم ويطلقها في المجلس قبل غيبته عنهم ثم اتت المراة بولد لستة اشهر أو يتزوجها وبينهما مسافة لا يصل إليها في المدة التي ولدت فيها كمشرقي يتزوج بمغربية ثم مضت ستة اشهر واتت بولد لم يلحقه وبذلك قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يلحقه نسبه لان الولد
انما يلحقه بالعقد ومدة الحمل الا ترى انكم قلتم إذ امضى زمان الامكان لحق الولد وان علم انه لم يحصل منه الوطئ.
ولنا انه لم يحصل امكان الوطئ في هذا العقد فلم يلحق به الولد كزوجية الطفل أو كما لو ولدته لدون ستة اشهر وفارق ما قاسوا عليه فان الامكان إذا وجد لم يعلم انه ليس منه قطعا لجواز ان يكون وطئها من حيث لا نعلم ولا سبيل لنا إلى معرفة حقيقة الوطئ فعلقنا الحكم على امكانه في النكاح ولم يجز حذف الامكان عن الاعتبار لانه إذا انتفى حصل اليقين بانتفائه عنه فلم يجز الحاقه بدفع يقين كونه ليس منه.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: