الفقه الحنبلي - النكاح
(فصل) وفي البكر البالغة العاقلة روايتان (إحداهما) له إجبارها على النكاح وهو مذهب مالك وابن أبى ليلى والشافعي وإسحاق (والثانية) ليس له ذلك اختارها أبو
بكر وهو مذهب الاوزاعي والثوري وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روى ابو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت " متفق عليه وروى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ولانها جائزة التصرف في مالها فلم يجز إجبارها كالثيب والرجل ووجه الاولى ما روي ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الايم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر واذنها صماتها " رواه أبو داود فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لاحدهما دل على نفيه عن الآخر وهو البكر فيكون وليها أحق منها بها ودل الحديث على أن الاستئمار ههنا والاستئذان في حديثهم مستحب غير واجب كما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمروا النساء في بناتهن " رواه أبو داود وحديث التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل ويحتمل
أنها التي زوجها ابوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه فتخييرها لذلك ولانه مما لا يشترط في نكاح الكبيرة كالنطق، وعن أحمد لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين بغير إذنها اختلفت الرواية عن أحمد في الجارية إذا بلغت تسع سنين فالمشهور عنه أنها كمن لم يبلغ تسعا نص عليه في رواية الاثرم وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء قالوا حكم بنت تسع حكم بنت ثمان لانها غير بالغة ولان إذنها لا يعتبر في سائر التصرفات فكذلك في النكاح (والرواية الثانية) حكمها حكم البالغة نص عليه في رواية ابن منصور لمفهوم الآية ولدلالة الخبرين بعمومهما على أن اليتيمة تنكح باذنها، وان أبت
فلا جواز عليها، وقد انتفى الاذن فيما دونها فيجب حمله على من بلغت تسعا فعلى هذه الرواية يجوز لغير الاب تزويجها باذنها وحكمها حكم البالغة في جواز إجبارها للاب فيه الروايتان، وقد روى الامام أحمد باسناده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ورواه القاضي باسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه والله أعلم في حكم المرأة ولانها بلغت سنا يمكن فيه حيضها وتحدث لها حاجة إلى النكاح فيباح تزويجها كالبالغة إذا زوجت وقد خطب عمر أم كلثوم
بنت أبي بكر بعد موته إلى عائشة فأجابته وهي لدون عشر ولانها انما ولدت بعد موت أبيها وانما كانت ولاية عمر عشر فكرهته الجارية فزوجها طلحة بن عبيد الله ولم ينكره منكر فدل ذلك على اتفاقهم على صحة تزويجها قبل بلوغها بولاية غير أبيها (مسألة) (وهل له تزويج الثيب الصغيرة؟ على وجهين) أما الثيب الكبيرة فلا يجوز للاب ولا لغيره تزويجها إلا باذنها في قول عامة أهل العلم إلا الحسن فانه قال له تزويجها وان كرهت، والنخعي قال يزوج بنته إذا كانت في عياله فان كانت بائنة في بيتها مع عيالها استأمرها قال اسماعيل بن إسحاق لا أعلم أحدا قال في الثيب بقول الحسن وهو قول شاذ خالف فيه أهل العلم والسنة الثابتة فان الخنساء ابنة حذام الانصارية روت ان أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه رواه البخاري وغيره.
قال ابن عبد البر هذا الحديث
مجمع على صحته والقول به ولا نعلم مخالفا له إلا الحسن وكانت الخنساء من أهل قباء تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر، ووروى ابو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تنكح الايم حتى تستأمر " متفق عليه وقال الآيم أحق بنفسها من وليها " وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس للولي مع الثيب أمر " رواهما النسائي وابو داود ولانها رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح مختبرة فلم يجز إجبارها عليه كالرجل
(فصل) فأما الثيب الصغيرة ففيها وجهان (أحدهما) لا يجوز تزويجها وهو ظاهر قول الخرقي واختيار ابن حامد وابن بطة والقاضي ومذهب الشافعي لعموم الاخبار ولان الاجبار يختلف بالبكارة والثيوبة لا بالصغر والكبر كما اختلف في صفة الاذن ولان في تأخيرها فائدة وهي أن تبلغ فتختار لنفسها ويعتبر اذنها بخلاف البكر (الوجه الثاني) ان لابيها تزويجها ولا يستأمرها اختاره ابو بكر عبد العزيز وهو قول مالك وأبي حنيفة لانها صغيرة فجاز إجبارها كالبكر والغلام يحقق ذلك أنها لا تزيد بالثيوبة على ما حصل للغلام بالذكورية.
ثم الغلام يجبر إذا كان صغيرا فكذلك هذه،
والاخبار محمولة على الكبيرة فانه جعلها أحق من وليها، والصغيرة لا حق لها ويتخرج وجه ثالث وهو أن ابنة تسع يزوجها وليها باذنها، ومن دون ذلك على ما ذكرنا من الخلاف لما ذكرناه في البكر والله أعلم (مسألة) (وللسيد تزويج امائه الثيبات والابكار وعبيده الصغار بغير إذنهم) لا نعلم خلافا في السيد إذا زوج أمته بغير اذنها أنه يصح ثيبا كانت أو بكرا صغيرة أو كبيرة وذلك لان منافعها مملوكة له والنكاح عقد على منفعة فأشبه عقد الاجارة ولذلك ملك الاستماع بها ولهذا فارقت العبد ولانه ينتفع بذلك لما يحصل له من مهرها وولدها وتسقط عنه نفقتها وكسوتها بخلاف العبد والمدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد كالامة في اجبارها على النكاح وقال مالك في آخر أمره ليس له تزويج أم ولده بغير إذنها وكرهه ربيعة وللشافعي قولان وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولنا أنها مملوكته يملك الاستماع بها واجازتها فملك تزويجها كالقن إذا ملك أخته من الرضاع أو مجوسية فله تزويجها وان كانتا محرمتين عليه لان منافعهما ملكه وانما حرمتا عليه لعارض فاما التي بعضها حر فلا يملك اجبارها لانه لا يملك اجبار المكاتبة لانها بمنزلة الخارجة عن ملكه ولذلك لا يملك اجبارها ولا تلزمه نفقتها ولا يصل إليه مهرها (فصل) إذا اشترى عبده المأذون له وركبته ديون ملك سيده تزويجها وبيعها واعتاقها نص عليه
أحمد وذكره أبو بكر وقال وللسيد وطؤها وقال الشافعي ليس له شئ من ذلك لما فيه من الاضرار
بالغرماء وأصل الخلاف ينبني على دين المأذون له في التجارة فعندنا يلزم العبيد فلا يلحق الغرماء ضرر ويتصرف السيد في الامة فان الدين ما تعلق بها وعنده أن الدين تعلق بالعبد وبما في يده فيلحقهم الضرر والكلام على هذا مذكور في موضعه (فصل) وليس للسيد اكراه أمته على التزويج بمعيب عيبا يرد به في النكاح لانه يؤثر في الاستمتاع وذلك حق لها ولذلك ملكت الفسخ بالجب والعنة والامتناع من الفيئة دون السيد وفارق بيعها لمعيب لانه لا يراد للاستمتاع ولهذا ملك شراء الامة المحرمة عليه ولم تملك الفسخ لعيبه ولعنته ولا ايلائه فان زوجها من معيب فهل يصح؟ على وجهين فان قلنا يصح فلها الفسخ فان كانت صغيرة فهل لها الفسخ في الحال أو ينتظر بلوغها؟ على وجهين ومذهب الشافعي هكذا في هذا الفصل كله (فصل) وللسيد تزويج عبده الصغير بغير اذنه في قول أكثر أهل العلم الا أن بعض الشافعية قال فيه قولان وقال أبو الخطاب يحتمل أن لا يملك تزويجه ولنا أنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده مع ملكه اياه وتمام ولايته عليه أولى وكذلك الحكم في عبده الصغير المجنون
(مسألة) (ولا يملك اجبار عبده الكبير إذا كان عاقلا) وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة له ذلك لقول الله تعالى (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم) ولانه يملك رقبته فملك اجباره على النكاح كالامة ولانه يملك اجارته فأشبه الامة ولنا انه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر ولان النكاح خالص حقه ونفعه له فأشبه الحر والامر بانكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الايامى وانما يزوجن عند الطلب ولان مقتضى الامر الوجوب وانما يجب تزويجه عند طلبه واما الامة فانه يملك منافع بضعها والاستمتاع بها بخلاف العبد، ويفارق النكاح الاجارة لانها عقد على منافع بدنه وهو يملك استيفاءها ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضا قياسا على الكبير ويقوى الاحتمال في حق المميز إذا قلنا بصحة طلاقه لانه عاقل مميز يملك الطلاق اشبه البالغ
(فصل) والمهر والنفقة على السيد سواء ضمنهما اولا وسواء باشر العقد بنفسه أو اذن لعبده فعقده مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على ان ذلك يتعلق بكسبه فانه قال
نفقته من ضريبته وقيل ان كان بقيمة ضريبته انفق عليها ولا يعطي المولى وان لم يكن عنده ما ينفق سفرق بينهما وهذا قول الشافعي، وفائدة الخلاف ان من الزم السيد المهر والنفقة اوجبهما عليه وان لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه الاكتساب ومن علقه بكسبه فلم يكن له كسب فللمرأة الفسخ وليس للسيد منعه من التكسب ولنا انه حق تعلق بالعقد برضا سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو رهنه بدين، فعلى هذا لو باعه سيده أو اعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه، لانه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كارش جنايته فاما النفقة فانها تتجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري أو على العبد إذا عتق (فصل) ويجوز ان يتزوج السيد لعبده باذنه وان يأذن للعبد فيتزوج لنفسه لانه مكلف يصح طلاقه فكان من أهل مباشرة العقد كالحر ويجوز ان يأذن له مطلقا ومعينا فان عين له امرأة أو نساء بلد أو قبيلة أو حرة أو أمة فيتزوج غيرها لم يصح لانه متصرف بالاذن فينفذ تصرفه فيما اذن له فيه كالوكيل، وان اذن له مطلقا فله ان يتزوج من شاء لكن ان تزوج امرأة من بلدة أخرى فلسيده منعه من الخروج إليها، وان كانت في البلد فعلى سيده ارساله ليلا للاستمتاع وان احب سيده ان يسكنها في مسكن من داره فله ذلك إذا كان مسكن مثلها ولا يلزمه ارساله نهارا لانه يحتاج إلى استخدامه وليس
النهار محلا للاستمتاع غالبا ولسيده السفر به فان حق امرأة العبد عليه لا يزيد على حق امرأة الحر والحر يملك السفر وان كرهت امرأته كذا ههنا (فصل) وللسيد ان يعين له المهر وله ان يطلق فان تزوج بما عينه أو دونه أو بمهر المثل عند الاطلاق أو دونه لزم المسمى وان تزوج اكثر من ذلك لم تلزم الزيادة وهل يتعلق برقبة العبد أو ذمته يتبع بها بعد العتق؟ على روايتين على استدانة العبد المحجور عليه وقد ذكرنا ذلك في كتاب الحجر
(فصل) وإذا تزوج امة ثم اشتراها باذن سيده لسيده لم يؤثر ذلك في نكاحه وان اشتراها لنفسه وقلنا انه لا يملك بالتمليك انفسخ النكاح كما لو اشترى الحر امرأة وله وطؤها يملك اليمين باذن سيده فان كان بعضه حرا فاشتراها في ذمته أو بما يختص بملكه انفسخ نكاحه لانه ملكها وحلت له بملك يمينه وان ملك بعضها انفسخ نكاحه ولم تحل له لانه لا يملك جميعها وان اشتراها بعين مال مشتركة بينه وبين سيده بغير اذنه وقلنا انه لا تفرق الصفقة لم يصح البيع والنكاح بحاله وان قلنا بتفريقها صح في قدر ماله وانفسخ النكاح لملكه بعضها
(فصل) وليس لسائر الاولياء تزويج كبيرة الا باذنها الا المجنونة لهم تزويجها إذا ظهر لهم منها الميل إلى الرجال وليس لسائر الاولياء غير الاب تزويج كبيرة بغير اذنها جدا كان أو غيره وبه قال مالك وأبو عبيد والثوري وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي الا في الجد فانه جعله كالاب فان ولايته ولاية ايلاد فملك الاجبار كالاب ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يارسول الله فكيف اذنها؟ قال " أن تسكت " متفق عليه ولان الجد قاصر عن الاب فلم يملك الاجبار كالعم ولانه يدلي بغيره فأشبه سائر العصبات، وفارق الاب فانه يدلي بغير واسطة ويسقط الجد ويحجب الام عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو امرأة وأبوين فأما المجنونة فلهم تزويجها إذا ظهر لهم منها الميل إلى الرجال ذكره أبو الخطاب وقال القاضي لا يزوجها إلا الحاكم لانه الناظر لها في مالها دونهم فيجب أن يختص بالولاية ووجه الاول أن ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم لو كانت عاقلة فكذلك إذا كانت مجنونة وقال الشافعي لا يجوز تزويجها الا أن يقول أهل الطلب ان علتها تزول بذلك
ولنا أنها محتاجة إليه لدفع ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل النفقة والمهر فجاز تزويجها تحصيلا لهذه المصالح كغيرها
(فصل) في تزويج المجنونة ان كانت ممن يجبر أو كانت عاقلة جاز تزويجها لمن يملك اجبارها لانه إذا ملك اجبارها مع عقلها وامتناعها فمع عدمه اولى، وان كانت ممن لا يجبر فهي ثلاثة اقسام (أحدها) ان يكون وليها الاب أو وصيه كالبنت الكبيرة فهذه يجوز لوليها تزويجها ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي ولانه جعل للاب تزويج المعتوه فالمرأة اولى وهذا قول الشافعي وابي حنيفة ومنع منه أبو بكر لانها ولاية اجبار وليس على البنت ولاية اجبار والاول اصح فان ولاية الاجبار انما انتفت عن العاقلة بحصول المباشرة منها والخيرة وهذه بخلاف ذلك، وكذلك الحكم في البنت الصغيرة إذا قلنا بعدم الاجبار في حقها إذا كانت عاقلة (القسم الثاني) ان يكون وليها الحاكم وفيها وجهان احدهما ليس له بحال لان هذه ولاية اجبار فلا يثبت لغير الاب بحال عضلها والثاني له تزويجها إذا ظهر منها شهوة الرجال كبيرة كانت أو صغيرة وهو اختيار ابن حامد وأبي الخطاب وقول ابي حنيفة لان لها حاجة إليه لدفع
ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض ولا سبيل إلى اذنها فأبيح تزويجها كالثيب مع ابيها وكذلك يبنغي ان يملك تزويجها ان قال أهل الطب علتها تزول بتزويجها لان ذلك من اعظم مصالحها وقال الشافعي لا يملك تزويج صغيرة بحال ويملك تزويج الكبيرة إذا قال أهل الطب ان علتها تزول بتزويجها ولنا ان المعنى المبيح للتزويج وجد في حق الصغيرة فأبيح تزويجها كالكبيرة إذا أظهرت شهوة الرجال ففي تزويجها مصلحتها ودفع حاجتها، وتعرف شهوتها من كلامها من قرائن أحوالها كتتبعها الرجال وميلها إليهم وأشباه ذلك (القسم الثالث) من وليها غير الاب والحاكم فقال القاضي لا يزوجها الا الحاكم فيكون حكمها حكم القسم الثاني على ما بينا وقال أبو الخطاب لهم تزويجها في الحال التي يملك الحاكم تزويج موليته فيها وهذا قول أبي حنيفة لان ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم فقدموا عليه في التزويج كما لو كانت عاقلة، ووجه قول القاضي أن الحاكم هو الناظر في مالها دونهم فكان وليا دونهم كتزويج أمتها ولان هذا دفع حاجة ظاهرة فكانت إلى الحاكم كدفع حاجة الجوع والعرى فان كان وصيا في مالها لم يملك تزويجها لانه لا ولاية له والحكم في تزويجها حكم من وليها غير الاب
والحاكم كما ذكرناه
(مسألة) (وليس لهم تزويج صغيرة بحال) لما روى ان قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " انها يتيمة ولا تنكح الا باذنها " لا اذن لهؤلاء وعن احمد ان لهم ذلك ولها الخيار إذا بلغت وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والاوزاعي وأبي حنيفة وقال هؤلاء عن ابي حنيفة إذا زوج الصغيرين غير الاب فلهما الخيار إذا بلغا لقول الله تعالى (وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) مفهومه أنه إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة، واليتيمة التي لم تبلغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لايتم بعد احتلام " قال عروة سألت عائشة عن قول الله تعالى (وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى) قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها يعجبه مالها وجمالها يريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره نهوا عن نكاحهن الا ان يقسطوا فيهن ويبلغوا أعلى سنتهن في الصداق.
متفق عليه وروت عائشة ان جارية بكرا زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث مرسل (والثالثة) لهم تزويجها إذا بلغت تسع سنين
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تستأمر اليتيمة في نفسها فان سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها " رواه أبو داود وقد انتفى الاذن فيمن لم تبلغ تسع سنين فيجب حمله على من بلغت تسعا.
(فصل) ويستحب للاب استئذان ابنته البكر لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ونهى عن الانكاح بدونه، واقل أحوال ذلك الاستحباب ولان فيه تطييب قلبها وخروجا من الخلاف وقالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها تستأمر أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم تستأمر " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استأمروا النساء في ابضاعهن فان البكر تستحيي فتسكت فهو اذنها " متفق عليهما وروي عن عطاء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر
بناته إذا انكحهن قال كان يجلس عند خدر المخطوبة فيقول " إن فلانا يذكر فلانة " فان حركت الخدر لم يزوجها وان سكتت زوجها.
ويستحب استئدان المرأة في تزويج ابنتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " آمروا النساء في بناتهن " ولانها تشاركه في النظر لبنتها وتحصيل المصلحة لها لشفقتها عليها وفي استئذانها تطييب قلبها وارضاؤها فيكون اولى
(مسألة) (واذن الثيب الكلام واذن البكر الصمات) اما الثيب فلا نعلم بين اهل العلم خلافا في ان اذنها الكلام للخبر وان اللسان هو المعبر عما في القلب وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الاذن غير اشياء يسيرة اقيم الصمت فيها مقامه لعارض، واما البكر فاذنها صماتها في قول عامة اهل العلم منهم شريح والشعبي والنخعي والثوري والاوزاعي وابن شبرمة وابو حنيفة، ولا فرق بين كون الولي ابا أو غيره وقال اصحاب الشافعي في صمتها في حق غير الاب وجهان (احدهما) لا يكون إذنا لان الصمات عدم الاذن فلا يكون اذنا ولانه محتمل للرضا وغيره فلا يكون اذنا كما في حق الثيب وانما اكتفى به في حق الاب لان رضاها غير معتبر، وهذا شذوذ عن اهل العلم وترك للسنة الصحيحة الصريحة يصان الشافعي عن اضافته إليه وجعله مذهبا له مع كونه من اتبع الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرج منصف على هذا القول وقد تقدمت روايتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال " لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال " ان تسكت " وفي رواية عن عائشة انها قالت يارسول الله إن
البكر تستحي قال " رضاؤها صمتها " متفق عليه، وفي رواية " تستأمر اليتيمة في نفهسا فان سكتت فهو اذنها " وهذا صريح في غير ذات الاب والاخبار في هذا كثيرة ولان الحياء عقلة على لسانها يمنعها النطق بالاذن ولا تستحى من أبائها وامتناعها فإذا سكتت غلب على الظن انه كرضاها فاكتفى به وما ذكروه يفضي إلى ان لا يكون صمتها إذنا في حق الاب ايضا لانهم جعلوا وجوده كعدمه فيكون إذا ردا على النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية واطراحا للاخبار الصريحة الجلية وخرقا لاجماع الامة
(فصل) فان اذنت بالنطق فهو وابلغ واتم، وان ضحكت أو بكت فهو بمنزلة سكوتها، وقال ابو يوسف ومحمد ان بكت فليس باذن لانه يدل على الكراهة وليس بصمت فيدخل في عموم الحديث.
ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تستأمر
اليتيمة فان بكت أو سكتت فهو رضاها وان ابت فلا جواز عليها " ولانها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان فكان اذنا منها كالصمات والضحك والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة ولو كرهت لامتنعت فانها لا تستحي من الامتناع والحديث يدل بصريحة على ان الصمت أذن وبمعناه على ما في معناه من الضحك والبكاء ولذلك اقمنا الضحك مقامه (مسألة) (ولا فرق بين الثيوبة بوطئ مباح أو محرم) وجملته ان الثيب المعتبر نطقها هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطئ مباحا أو محرما وهذا مذهب الشافعي وقال مالك وابو حنيفة في المصابة بالفجور حكمها حكم البكر في إذنها وتزويجها لان علة الاكتفاء بصمات البكر الحياء من الشئ ولا يزول الا مباشرته وهذه لم تباشر الاذن في النكاح فبقي حياؤها منه بحاله.
ولنا قوله عليه السلام " البكر تعرب عن نفسها " ولان قوله عليه السلام " لا تنكح الايم حتى تستأمر
ولا تنكح البكر حتى تستأذن واذنها ان تسكت " يدل على انه لابد من نطق الثيب لانه قسم النساء قسمين فجعل السكوت اذنا لاحدهما فوجب ان يكون الآخر بخلافه وهذه ثيب فان الثيب الموطوءة في القبل وهذه كذلك ولانه لو وصى لثيب النساء دخلت في الوصية ولو وصى للابكار لم تدخل ولو شرطها في التزويج أو الشراء فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ، ولانها موطوءة في القبل اشبهت الموطوءة بشبهة والتعليل بالحياء لا يصح فانه امر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه وانما يعتبر بمظنته وهي البكارة ثم هذا التعليل يفضى إلى ابطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه، ولا فرق بين المكرهة والمطاوعة، وعلى هذا ليس لابيها إجبارها إذا كانت بالغة، وفي تزويجها إن كانت صغيرة وجهان قولهم انها لم تباشر الاذن قلنا يبطل
بالموطوءة بشبهة وبملك يمين والمزوجة وهي صغيرة.
(مسألة) (فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا يغير صفة الاذن)
إذا ذهبت بكارتها بغير الوطئ كالوثبة أو شدة حيضة أو أصبع أو عود فحكمها حكم الابكار ذكره ابن حامد لانها لم يجر المقصود ولا وجد وطؤها في القبل فاشبهت من لم تزل عذرتها وكذلك لو وطئت في الدبر لانها غير موطوءة في القبل.
(فصل) إذا اختلف الزوج والمرأة في إذنها قبل الدخول فالقول قولها في قول أكثر الفقهاء وقال زفر في الثيب كقول الجماعة وفي البكر القول قول الزوج لان الاصل السكوت والكلام حادث والزوج يدعى الاصل والقول قوله.
ولنا أنها منكرة للاذن والقول قول المنكر ولانه يدعي أنها استؤذنت وسمعت فصمتت والاصل عدم ذلك وهذا جواب عن قوله، وان اختلفا بعد الدخول فقال القاضي قول الزوج لان التمكين من الوطئ دليل على الاذن وصحة البكارة فكان الظاهر معه، وهل تستحلف المرأة إذا قلنا القول قولها؟ قال القاضي: قياس المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى زوجيتها فانكرته وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف ومحمد تستحلف فان نكلت فقال أبو يوسف ومحمد ثبت النكاح وقال الشافعي يستحلف الزوج ويثبت النكاح.
ولنا أنه اختلاف في زوجيته فلا يثبت بالنكول كما لو ادعى الزوج أصل التز ويج فأنكرته، فان كانت المرأة ادعت أنها اذنت وأنكرته ورثة الزوج فالقول قولها لانه اختلاف في أمر مختص بها صادر من جهتها فكان القول قولها فيه كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر فيه نيتها ولانها تدعي صحة العقد وهم يدعون فساده فالظاهر معها (فصل) في المحجور عليه للسفه والكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال: (أحدها) أن لوليه تزويجه إذا علم حاجته إلى النكاح لانه نصب لمصالحه وهذا من مصالحه
لانه يصون به دينه وعرضه ونفسه.
فانه ربما تعرض بترك التزويج للاثم بالزنا الموجب الحد وهتك العرض، وسواء علم بحاجته بقوله أو بغير قوله وسواء كانت حاجته إلى الاستمتاع أو إلى الخدمة فيزوجه امرأة لتحل له لانه يحتاج إلى الخلوة بها وان لم يكن به حاجة إليه لم يجز تزويجه لانه يلزمه بالنكاح حقوق من المهر والنفقة والعشرة والمبيت والسكنى فيكون تضييعا لماله ونفسه في غير فائدة فلم يجز كتبذير ماله وإذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه فان زوجه بغير اذنه فقال أصحابنا يصح لانه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولي عليه كالبيع ولانه محجور عليه أشبه
الصغير والمجنون، ويحتمل أن لا يملك تزويجه بغير اذنه لانه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح كالرشيد والعبد الكبير وذلك لان اجباره على النكاح مع ملك الطلاق مجرد اضرار فانه يطلق فيلزمه الصداق مع فوات النكاح ولانه قد يكون له غرض في امرأة ولا يكون له في أخرى فإذا أجبر على من يكرهها لم يحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الاخرى فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه وانما جاز ذلك في حق المجنون والطفل لعدم امكان الوصول إلى ذلك من قولهما ولا يتعذر ذلك ههنا فوجب أن لا يفوت ذلك عليه كالرشيد (الحال الثاني) أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي للولي تزويجه فيها وهي حالة الحاجة لانه من أهل النكاح فانه عاقل مكلف وكذلك يملك الطلاق والخلع فجاز أن يفوض إليه ذلك وهو مخير بين أن يعين له امرأة أو يأذن له مطلقا أو قال بعض الشافعية يحتاج إلى التعيين له لئلا يتزوج شريفة يكثر مهرها ونفقتها فيتضرر بذلك ولنا أنه أذن في النكاح فجاز من غير تعيين كالاذن للعبد وبهذا يبطل ما ذكروه، ولا يتزوج الا بمهر المثل فان زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لانها محاباة بماله وهو لا يملكها وان نقص عن مهر المثل جاز لانه تزوج من غير خسران (الحال الثالث) إذا تزوج بغير اذن فقال أبو بكر يصح النكاح
أومأ إليه أحمد قال القاضي يعني إذا كان محتاجا فان عدمت الحاجة لم يجز لانه اتلاف لماله في غير فائدة وقال أصحاب الشافعي ان أمكنه استئذان وليه لم يصح الا باذنه لانه محجور عليه فلم يصح منه التصرف
بغير اذنه كالعبد وان طلب منه النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان ولنا أنه إذا احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى دينه الحال عند امتناع وليه من استيفائه، فأما ان تزوج من غير حاجة لم يصح وإن وطئ فعليه مهر المثل للزوجة لانه أتلف بضعها بشبهة فلزم عوض ما أتلف كاتلاف مالها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (الثالث الولي فلا نكاح الا بولي) فان زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح ولا تملك توكيل غير وليها فان فعلت لم يصح روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم واليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري واسحاق وأبو عبيد، وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي يوسف لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فان فعلت كان موقوفا على إجازته وقال أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في الانكاح لان الله تعالى قال (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) أضاف
النكاح اليهن ونهى عن منعهن ولانه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها ولانها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رتبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض نفعها أولى.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا نكاح الا بولي " روته عائشة وأبو موسى وابن عباس قال المروذي سألت أحمد ويحيى عن حديث " لا نكاح الا بولي " فقالا صحيح وروي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فان أصابها فله المهر بما استحل من فرجها فان اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له " رواه الامام أحمد وأبو داود وغيرهما فان قيل فان الزهري رواه وقد أنكره قال ابن جريح سألت الزهري عنه فلم يعرفه قلنا لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية كذلك قال الامام أحمد ويحيى ولو لم يثبت هذا لم يكن فيه حجة لانه قد نقله ثقاة عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لان النسيان لم يعصم منه انسان قال النبي
صلى الله عليه وسلم " نسي آدم فنسيت ذريته " ولانها مولى عليها في النكاح فلا تليه كالصغيرة فأما
الآية فان عضلها الامتناع من زواجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي وهذا يدل على أنها نزلت في شأن معقل بن يسار حين امتنع من التزويج فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها وأضافه إليها لانها تحل له إذا ثبت هذا فانه لا يجوز لها تزويج (مسألة) (وعن أحمد أن لها تزويج أمتها ومعتقتها) وهذا يدل على أنه يصح اعتبارها في النكاح فيخرج منه أن لها تزويج نفسها باذن وليها وغيرها بالوكالة وهو مذهب محمد بن الحسن وينبغي أن يكون قولا لابن سيرين ومن معه لان قول النبي صلى الله عليه وسلم " ايما امرأة انكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل " يدل بمفهومه على صحته باذنه ولانها انما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها والمذهب الاول لعموم قوله " لا نكاح الا بولي " وهذا يقدم على دليل الخطاب والتخصيص ههنا خرج مخرج الغالب فان الغالب أنها لا تزوج نفسها الا بغير اذن وليها والعلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة
(فصل) فان حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه وكذلك سائر الانكحة الفاسدة وخرج القاضي وجها في هذا خاصة أنه ينقض وهو قول الاصطخري من أصحاب الشافعي لانه خالف نصا والاول أولى لانها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الاجتهاد فلم يجز نقض الحكم به كما لو حكم بالشفعة للجار وهذا النص متأول وفي صحته كلام وقد عارضته ظواهر (مسألة) (وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها) انما قيد المرأة بالحرة لان الامة لا ولاية لابيها عليها بغير خلاف علمناه وأولى الناس بتزويجها أبوها لانه لا ولاية لاحد معه وبهذا قال الشافعي وهو المشهور عن أبي حنيفة وقال مالك والعنبري وأبو
يوسف واسحاق وابن المنذر الابن أولى وهي رواية عن أبي حنيفة لانه أولى منه بالميراث وأقوى تعصيبا لانه يسقط تعصيب جده ولنا أن الولد موهوب لابيه قال الله تعالى (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) وقال ابراهيم (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لابيك " واثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ولان الاب
أكمل نظرا وأشد شفقة فوجب تقديمه في الولاية كتقديمه على الجد ولان الاب يقوم على ولده في صغره وسفهه وجنونه فيليه في سائر ما تثبت الولاية عليه فيه بخلاف الابن ولذلك اختص بولاية المال وجاز له أن يشتري لها من ماله وله من مالها إذا كانت صغيرة بخلاف غيره ولان الولاية احتكام واحكام الاصل على فرعه أولى من العكس وفارق الميراث فانه لا يعتبر له النظر ولهذا يرث الصبي والمجنون وليس فيه احتكام ولا ولاية على الموروث بخلاف ما نحن فيه (مسألة) (ثم أبوه وان علا) يعني أن الجد أبا الاب وإن علت درجته أحق بالولاية من الابن وسائر الاولياء وهو قول الشافعي وعن احمد رواية اخرى ان الابن مقدم على الجد وهو قول مالك ومن وافقه لما تقدم وعن احمد رواية ثالثة ان الاخ يقدم على الجد لان الجد يدلي بابوة الاب والاخ يدلي بالبنوة والبنوة مقدمة وعنه رواية رابعة ان الاخ والجد سواء لاستوائهما في الميراث بالتعصيب واستواؤهما في القرابة يوجب استواءهما في الولاية كالاخوين ولانهما عصبتان لا يسقط احدهما الآخر فاستويا
في الولاية كالاخرين ولنا ان الجد له ايلاد وتعصيب فيقدم عليهما كالاب ولان الابن والاخ يقادان بها والاخ يقطع بسرقة مالها بخلاف الجد والجد لا يسقط في الميراث الا بالاب والاخ يسقط به وبالابن وابنه، وإذا ضاق المال وفي المسألة جد واخ سقط الاخ وحده فوجب تقديمه عليهما كالاب وكتقديمه على العم وسائر
العصبات إذا ثبت هذا فالجد وان علا اولى من جميع العصبات غير الاب واولى الاجداد اقربهم كالجد مع الاب (مسألة) (ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل متى عدم الاب وأباؤه) واولى الناس بتزويج المرأة ابنها ثم ابنه بعده وإن نزلت درجته الاقرب فالاقرب منهم وبه قال اصحاب الرأي وقال الشافعي لا ولاية للابن إلا أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكما فيلي بذلك لا بالنبوة لانه ليس بمناسب لها ولا يلي نكاحها لحالها ولان طبعه ينفر من تزويجها فلا ينظر لها ولنا ما روت ام سلمة انها لما انقضت عدتها ارسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت يا رسول الله ليس احد من أوليائي شاهدا قال " ليس من اوليائك شاهد ولا غائب يكره " ذلك فقالت قم يا عمر فزوج
فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه رواه النسائي قال الاثرم قلت لابي عبد الله فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة اليس كان صغيرا؟ قال ومن يقول كان صغير اليس فيه بيان عدل من عصباتها فيثبت له ولاية تزويجها كأخيها وقولهم ليس بمناسب لها ممنوع وان سلم فهو يبطل بالحاكم والمولى قولهم ان طبعه ينفر من تزويجها قلنا هذا معارض في الفرع ليس له أصل ثم يبطل بما إذا كان ابن عم أو مولى أو حاكما إذا ثبت هذا فانه يقدم على الاخ ومن بعده بغير خلاف نعلمه عند من يقول بولايته لانه أقوى منه تعصبا وقد استويا في عدم الايلاد (مسألة) (ثم أخويها لابيها) لا خلاف في تقديم الاخ بعد عمودي النسب لكونه أقرب العصبات بعدهم فان ابن الاب أقواهم تعصيبا واحقهم بالميراث واختلفت الرواية عن أحمد في الاخ للاب إذا اجتمعا فعنه انهما سواء اختارها الخرقي وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم لانهما استويا في الادلاء بالجهة التي تستفاد بها العصوبة وهي جهة الاب فاستويا في الولاية كما لو كانا من أب وإنما رجح في المثيراث جهة الام ولا مدخل لها في الولاية لم يرجح بها كالعمين أحدهما خال وابني عم أحدهما أخ من أم (والرواية الثانية) الاخ من
الابوين أولى اختارها أبو بكر وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو صحيح إنشاء الله تعالى لانه حق يستفاد بالتعصيب فيقدم فيه الاخ من الابوين كالميراث وكاستحقاق الميراث بالولاء فانه لا مدخل للنساء فيه وقد قدم الاخ للابوين فيه وبهذا يبطل ما ذكر في الرواية الاولى وهكذا الخلاف في بني الاخوة والاعمام وبنينهم واما إذا كان ابنا عم لاب أحدهما أخ لام فهما سواء لانهما استويا في التعصيب والارث به وقال القاضي فيهما من الخلاف مثل ما في ابن عم من الابوين وابن عم من أب لانه يرجح من جهة امه وليس كذلك لان جهة أمه يرث بها منفردة وما ورث بها منفردا لم يرجح به وكذلك لم يرجح به في الميراث بالولاء ولا في غيره فعلى هذا إذا اجتمع ابن عم من أبوين وابن عم من أب هو أخ من أم فالولاية لابن العم من الابوين عند من يرى تقديم ولد الابوين (مسألة) (وعنه تقديم الابن على الجد والتسوية بين الجد والاخوة وبين الاخ للابوين والاخ للاب وقد ذكرناه) (مسألة) (ثم بنوا الاخوة وإن سفلوا ثم العم ثم ابنه ثم الاقرب فالاقرب من العصبات على ترتيب الميراث)
وجملة ذلك أن الولاية بعد الاخوة تترتب على ترتيب الميراث بالتعصيب فأحقم بالميراث احقهم بالولاية فبعد الاخوة بنوهم وان سفلوا ثم بنوا الجد وهم أعمام الاب ثم بنوهم وان سفلوا ثم بنو جد الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلي من بني أب اقرب منه وان نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب أقربهم إليه لان مبنى الولاية على النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم اشفقهم ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم (فصل) ولا ولاية لغير العصبات من الاقارب كالاخ من الام والحال وعم الام وأبي الام ونحوهم نص عليه الامام أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة والثانية ان كل من يرث بفرض أو تعصيب يلى لانه يرثها فوليها كعصباتها ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه انه إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى يعنى إذا أدركن
رواه أبو عبيد في القريب ولانه ليس من عصباتها اشبه الاجنبي (مسألة) (ثم المولى المنعم ثم عصباته من بعده الاقرب فالاقرب) ثم السلطان إذا لم يكن للمرأة عصبة من نسبها فوليها موليها يزوجها ولا نعلم خلافا في ان العصبة
المناسبة أولى منه وذلك لانه عصبة مولاته يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فكذلك يزوجها وقدم عليه المناسبون كما قدموا عليه في الارث والعقل فان عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية كالمرأة والطفل والكافر فعصباته الاقرب منهم فالاقرب على ترتيب الميراث ثم مولى المولى ثم عصباته من بعده كالميراث سواء فان اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولى لانه أحق بالميراث وأقوى بالتعصيب وإنما قدم الاب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أب المعتق فيرجع فيه إلى الاصل ثم السلطان لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم وبه يقول مالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأى والاصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " فالسلطان ولي من لا ولي له " وروى أبو داود باسناده عن أم حبيبة ان النجاشي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عنده ولان للسلطان ولاية عامة بدليل انه يلي المال ويحفظ الضوال فكانت له الولاية في النكاح كالاب (فصل) والسلطان ههنا هو الامام أو الحاكم أو من فوضا إليه ذلك واختلفت الرواية عن أحمد في
والي البلد فقال في موضع يزوج والى البلد وقال في الرستاق يكون فيه الوالي وليس فيه قاض قال يزوج إذا احتاط لها في المهر والكف ء أرجو أن لا يكون به بأس لانه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولي فالسلطان المسلط على القاضي يقضي في الفروج والحدود والرجم وصاحب الشرطة انما هو مسلط في الادب والجناية وقال ما للوالي وذا؟ انما هو إلى القاضي وتأول القاضي الرواية الاولى على أن الوالي أذن له في التزويج ويحتمل أنه جعل له ذلك إذا لم يكن في موضع ولايته قاض فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته وهذا منها
(فصل) إذا استولى أهل البغي على بلد جر حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الامام وقاضيه لانه أجري مجراه في قبض الصدقات في الجزية والخراج فكذلك في هذا (فصل) واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل فقال في موضع لا يكون وليا لها ولا يزوج حتى يأتي السلطان لانه ليس من عصبتها ولا يعقل عنها ولا يرثها فأشبه الاجنبي وقال في رواية حرب في امرأة أسلمت على يد رجل يزوجها هو وهو قول اسحاق وروي عن ابن سيرين أنه
لا يفعل ذلك حتى يأتي السلطان وعن الحسن أنه كان لا يرى بأسا في أن يزوجها نفسه وذلك لما روى أبو داود باسناده عن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من المسلمين؟ قال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " الا أن هذا الحديث ضعفه احمد وقال رواية ابن عبد العزيز يعني ابن عمر بن عبد العزيز وليس هو من اهل الحفظ والاتقان.
(فصل) وإن لم يوجد للمراة ولي ولا ذو سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل باذنها فانه قال في دهقان قرية يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكف ء والمهر إذا لم يكن في الرستاق قاض قال ابن عقيل أحد قوم من اصحابنا من هذه الرواية إن النكاح لا يقف على ولي قال وقال القاضي نصوص أحمد تمنع من ذلك قال شيخنا، والصحيح أن هذا من القول حال عدم الولي والسلطان لانه شرط أن لا يكون في الرستاق قاض، وجهه أن اشتراط الولي ههنا يمنع النكاح بالكلية فلم يجز كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها وروي عنه أنه لا يجوز النكاح الا بولي لعموم الاخبار فيه
(مسألة) (وولي الامة سيدها إذا كان من اهل ولاية التزويج) لا نعلم فيه خلافا لانه مالكها وله التصرف في رقبتها بالبيع ففي التزويج أولى ولا يزوجها الا باذنها (مسألة) (فان كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها وقد ذكرنا ذلك) اختلفت الرواية عن احمد فيمن يزوج أمة المرأة فروي عنه أنه يلي نكاحها ولي سيدتها قال القاضي هذا هو الصحيح اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي لان مقتضى الدليل كون
الولاية لها فامتنعت في حقها لقصورها فثبتت لاوليائها كولاية نفسها ولانهم يلونها لو عتقت ففي حال رقها أولى فان كانت سيدتها رشيدة لم يجز تزويج أمتها الا باذنها لانها مالها ولا يجوز التصرف في مال رشيد بغير اذنه وبغير نطقها بذلك وان كانت بكرا لان صماتها انما اكتفي به في تزويج نفسها لحيائها ولا تستحي من تزويج غيرها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة ولوليها ولاية على مالها فله تزويج أمتها أن كان الحظ في تزويجها والا لم يملك تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير وقال بعض الشافعية ليس له تزويجها بحال لانه فيه الحظ لان الكلام فيه فجاز كسائر التصرفات الجائزة واهمال الحظر مرجوح بما فيه من تحصيل مهرها وولدها وكفاية مؤنتها وصيانتها عن الزنا الموجب للحد في حقها ونقص قيمتها
والمرجوح كالمعدوم فان كان وليها في مالها غير ولي تزويجها فولاية تزويجها للولي في المال دون ولي التزويج لانه المتصرف في المال وهي مال وروي عن احمد رواية ثانية ان للمرأة أن تولي أمر أمتها رجلا لتزويجها نقلها عن احمد جماعة لان سبب الولاية الملك وقد تحقق في المرأة وامتنعت المباشرة لنقص الانوثية فملكت التوكيل كالرجل والمريض والغائب ونقل عن أحمد كلام يحتمل رواية ثالثة وهو أن سيدها يزوجها فانه قيل له تزوج أمتها؟ قال قد قيل ذلك هي مالها وهذا يحتمل انه ذهب إليه وهو قول ابي حنيفة لانها تملكها وولايتها تامة عليها فملكت تزويجها كالسيد ولانها تملك بيعها واجارتها فملكت تزويجها كسيدها ولان الولاية انما ثبتت على المرأة لتحصيل الكفاءة صيانة لحظ الاولياء في تحصيلها فلا تثبت عليها الولاية في أمتها لعدم اعتبار الكفاءة وعدم الحق للاولياء فيها ويحتمل أن أحمد قال هذا حكاية لمذهب غيره فانه قال في سياقها أحب الي أن تأمر زوجها لان النساء لا يعقدن وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تنكح المرأة المرأة " وقالت عائشة
زوجوا فان النساء لا يزوجن واعقدوا فان النساء لا يعقدن ولان المرأة لا تملك تزويج نفسها فغيرها أولى.
(فصل) ويزوج عتيقتها من يزوج أمتها ذكره الخرقي وفيها روايتان (احداهما) لمولاتها أن توكل
رجلا في تزويجها لانها عصبتها وترثها فاشبهت المعتق (والثانية) يزوجها ولي سيدتها وهي أصح لان هذه ولاية لنكاح والمرأة ليست من أهل ذلك فيكون إلى عصبتها لانهم الذين يعقلون عنها ويرثونها بالتعصيب عند عدم سيدتها فكانوا أولياءها كما لو تعذر على المعتق تزويج عتيقته، وقد ذكرنا أنه إذا انقرض العصبة من النسب ولي المولى المعتق ثم عصباته الاقرب فالاقرب كذا ههنا الا ان الظاهر من كلام الخرقي ههنا تقديم أبي المعتقة على ابنها لانه أولى بتزويجها وقد يزوج معتقتها من يزوج أمتها ويزوج أمتها من يزوجها، وقد ذكرنا ان ابن المعتقة أولى بتزويج عتيقتها من أبيها ويعتبر في ولايتها شرطان (احدهما) عدم العصبة من النسب لان المناسب أقرب من المعتق وأولى منه (الثاني) اذن المزوجة
لانها حرة وليست له ولاية اجبار فانه أبعد العصبات ولا يعتبر اذن مولاتها لانه لا ولاية لها ولا ملك فاشبهت القريب الطفل إذا زوج البعيد (فصل) فان كان للامة مولى فهو وليها وان كان لها موليان اشتركا في الولاية وليس الواحد منهما الاستقلال بها بغير اذن صاحبه لانه لا يملك الا بعضها وان اشتجرا لم يكن للسلطان ولاية لان تزويجها تصرف في المال بخلاف الحرة فان نكاحها حق لها ونفعه عائد إليها ونكاح الامة حق لسيدها نفعه عائد إليه فلم ينب السلطان عنه فيه فان أعتقاها ولها عصبة مناسب فهو أولى منهما وان لم يكن لها عصبة ولياها ولا يستقل أحدهما بالتزويج لان ولايته على بعضها فان اشتجرا أقام الحاكم مقام الممتنع منهما لانها صارت حرة وصار نكاحها حقا لها وان كان المعتق أو المعتقة واحدا وله عصبتان كالابنين والاخوين
فلاحدهما الاستقلال بتزويجها كما يملك تزويج سيدتها.
(مسألة) (ويشترط في الولي الحرية والذكورية واتفاق الدين والعقل) وجملته أنه يعتبر لثبوت الولاية ستة شروط العقل والحرية والاسلام إذا كانت المرأة مسلمة والذكورية والبلوغ، والعدالة على اختلاف نذكره فاما العقل فهو شرط بغير خلاف لان الولاية إنما ثبتت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره
أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره أو من ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ إذا أفند قال
القاضي والشيخ الذى قد كبير فلا يعرف موضع الحظ لها لا ولاية له، فأما الاغماء فلا يزيل الولاية لانه يزول عن قريب فهو كالنوم، وكذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الانبياء ومن كان يجن في الاحيان لم تزل ولايته لانه لا يدوم زوال عقله فهو كالاغماء (الشرط الثاني) الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم فان العبد لاو لاية له على نفسه فعلى غيره أولى، وقال أصحاب الرأي يجوز أن يزوجها العبد باذنها بناء منهم على أن المرأة تزوج نفسها وقد مضى الكلام في هذه المسألة.
(الشرط الثالث) الاسلام فلا يثبت للكافر ولاية على مسلمة، وهو قول عامة اهل العلم قال ابن المنذر أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وفيه وجه ان الكافر يزوج أم ولده المسلمة وسوف نذكره ان شاء الله تعالى، قال أحمد بلغنا ان عليا أجاز نكاح أخ ورد نكاح الاب وكان نصرانيا (الشرط الرابع) الذكورية وهو شرط للولاية في قول الجميع لانه يعتبر فيها الكمال والمرأة ناقصة قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلان لا يثبت لها ولاية على غيرها أولى، وعن أحمد أنها تلي نكاح أمتها ومعتقتها وقد ذكرناه.
(الشرط الخامس) البلوغ وهو شرط في ظاهر المذهب قال أحمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر هذا قول الثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر وأبى ثور وروي عن احمد أنه إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق وأجهزت وكالته في الطلاق ويحتمله كلام الخرقي لتخصيصه المسلوب الولاية بكونه طفلا، ووجه ذلك انه يصح بيعه وطلاقه ووصيته فثبتت له الولاية كالبالغ، والاول اختيار ابي بكر وهو الصحيح لان الولاية يعتبر لها كمال الحال لانها تفيد التصرف في حق غيره واعتبرت نظرا له والصبي مولى عليه لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة والاصول المقيس عليها ممنوعة.
(السادس) العدالة وفي كونها شرطا روايتان (احداهما) هي شرط قال احمد إذا كان القاضي مثل ابن الحلبي وابن الجعد استقبل النكاح، فظاهر هذا أنه أفسد النكاح لانتفاء عدالة المتولي له وهذا قول الشافعي لما روي عن ابن عباس أنه قال لا نكاح الا بشاهدي عدل وولي مرشد.
قال أحمد أصح شئ في هذا قول ابن عباس يعني وقد روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وايما امرأة انكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل " وروى البرقاني باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل " ولانها ولاية نظر فلا يستبد بها الفاسق كولاية المال
(والرواية الاخرى) ليست شرطا، نقل مثنى ابن جامع انه سأل أحمد إذا تزوج بولي وشهود غير عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح شئ وهذا ظاهر كلام الخرقي لانه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم يذكر الفاسق وهو قول مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي لانه يلي نكاح نفسه فثبتت له الولاية على غيره كالعدل ولانه يثبت الولاية للقرابة وشرطها النظر وهذا قريب ناظر فيلي كالعدل (فصل) ولا يشترط أن يكون بصيرا لان شعيبا زوج ابنته وهو أعمى ولان المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر إلى النظر ولا يشترط النطق بل يجوز أن يلي الاخرس إذا فهمت اشارته لانها تقوم مقام نطقه في سائر العقود والاحكام فكذلك النكاح (مسألة) (فان كان الاقرب طفلا أو كافرا أو عبدا زوج الابعد) لان الولاية لا تثبت لطفل ولا عبد ولا كافر على مسلمة فعند ذلك يكون وجودهم كعدمهم فتثبت الولاية لمن أبعد منهم إذا كملت فيه الشروط كما لو ماتوا.
(مسألة) (وإن عضل الاقرب زوج الابعد وعنه يزوج الحاكم) العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه،
فمتى وجد ذلك انتقلت الولاية إلى الابعد نص عليه احمد وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو
اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان وشريح وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولى له " ولان ذلك حق عليه امتنع من أدائه فقام الحاكم مقامه كما لو كان عليه دين فامتنع من قضائه ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الاقرب فملكه الابعد كما لو جن ولانه يفسق بالعضل فنتنقل الولاية عنه كما لو شرب الخمر، فان عضل الاولياء كلهم زوج الحاكم، والحديث حجة لنا لقوله " السلطان ولي من لاولي له " وهذه لها ولي ويمكن حمله على ما إذا عضل الكل فانه قوله " فان اشتجروا " ضمير جمع يتناول الكل والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة (أحدها) انها حق للولي والدين عليه.
(الثاني) ان الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل عنه لعارض من جنون الولي وفسقه (الثالث) أن الدين لا تعتبر في بقائه العدالة والولاية يعتبر لها ذلك وقد زالت العدالة بما ذكرنا، فان قيل لو زالت ولايته لما صح منه التزويج إذا أجاب إليه قلنا فسقه بامتناعه فإذا أجاب فقد نزع عن المعصية وراجع الحق
فزال فسقه فكذلك صح تزويجه، وقد روى عن معقل بن يسار قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود اليك أبدا وكان رجلا لا بأس به فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية (فلا تعظلوهن) فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال " فزوجها إياه " رواه البخاري (فصل) وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبه قال الشافعي وابو يوسف ومحمد وقال ابو حنيفة له منعها من التزويج بدون مهر مثلها لان عليهم في ذلك عارا وفيه ضرر على نسائها لنقص مهر مثلهن ولنا أن المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها وأجر دارها، ولانها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله فبعضه أولى ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد ان يزوجه " التمس ولو خاتما من حديد " وقال لامرأة زوجت بنعلين " أرضيت من نفسك بنعلين؟ " قالت نعم: فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم فيه عار عليهم ليس كذلك فان عمر قال لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى غلو الصداق فان رغبت في رجل بعينه وهو كف ء
فاراد تزويجها لغيره من اكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها فان طلبت التزويج بغير كف ء، فله منعها منه ولا يكون عاضلا بذلك لانها لو زوجت بغير كفئها كان له فسخ، النكاح فلان يمنع منه ابتداء أولى
(مسألة) (وان غاب غيبة منقطعة زوج الا بعد وهي ما لا تقطع الا بكلفة ومشقة في ظاهر كلام احمد وقال الخرقي ما لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجب عنه وقال القاضي ما لا تقطعه القافلة في السنة الا مرة، وقد قال احمد إذا كان الاب بعيد السفر زوج الابعد.
قال أبو الخطاب فيحتمل أنه أراد بالسفر البعيد ما تقصر فيه الصلاة) الكلام في هذه المسألة من أمرين (أحدهما) أن الاقرب إذا غاب غيبة منقطعة زوج الابعد دون الحاكم وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يزوجها الحاكم لانه تعذر الوصول إلى النكاح من الاقرب مع بقاء ولايته فيقوم الحاكم مقامه كما لو عضلها ولان الابعد محجوب بولاية الاقرب فلا يجوز له التزويج كما لو كان حاضرا، ودليل بقاء ولايته أنه لو زوج من حديث هو أو كل صح ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " السلطان ولي من لاولي لها " وهذه لها ولي فلا يكون السلطان وليا لها ولان الاقرب تعذر حصول التزويج منه فتثبت الولاية لم يليه من العصبات كما لو جن أو مات ولانها حالة يجوز فيها التزويج لغير الاقرب فكان ذلك للابعد كالاصل وإذا عظلها فهي كمسئلتنا (الفصل الثاني) في الغيبة المنقطعة التى يجوز للابعد التزويج في مثلها ففي قول الخرقي هي مالا
يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه لان مثل هذا يتعذر مراجعته بالكلية فتكون منقطعة أي تنقطع عن امكان تزويجها، وقال القاضي يجب أن يكون حد المسافة أن لا تردد القوافل فيه في السنة الا مرة لان الكف ء ينتظر سنة ولا ينتظر أكثر منها فيلحق الضرر بترك تزويجها، وقد قال احمد في موضع إذا كان الاب بعيد السفر زوج الاخ.
يحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة لان ذلك هو السفر البعيد الذي علقت عليه الاحكام وذكر أبو بكر وجوها (أحدها) ما لا يقطع الا بكلفة ومشقة لان أحمد قال
إذا لم يكن ولي حاضر من عصبتها كتب إليهم حتى يأذنوا إلا أن تكون غيبة منقطعة لا تدرك الا بكلفة ومشقة فالسلطان ولي من لا ولي له، قال شيخنا وهذا القول ان شاء الله أقربها إلى الصواب فان التحديدات بابها التوقيف ولا توقيف في هذه المسألة فترد إلى ما يتعارفه الناس بينهم مما لم تجر العادة بالانتظار فيه ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله فانه يتعذر في ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر الاقرب فيكون كالمعدوم والتحديد بالعام كثير فان الضرر يلحق بالانتظار في مثل ذلك ويذهب الخاطب، ومن لا يصل منه كتاب أبعد ومن هو على مسافة لا تلحق المشقة بمكاتبته فكان التوسط أولى، واختلف
أصحاب ابي حنيفة في الغيبة المنقطة فقال بعضهم كقول القاضي وبعضهم قال من الري إلى بغداد وقال بعضهم من الرقة إلى البصرة، وهذا القولان يشبهان قول أبي بكر، واختلاف أصحاب الشافعي في الغيبة التي بزوج فيها الحاكم فقال بعضهم مسافة القصر، وقال بعضهم الحاكم، وان كان الولي قريبا وهو منصوص الشافعي، وظاهر كلام احمد أنه إذا كانت الغيبة غير منقطعة انه ينتظر ويراسل حتى يقدم أو يوكل (فصل) فان كان القريب أسيرا أو محبوسا في مسافة قريبة لا يمكن مراجعته فهو كالبعيد فان البعدلم يعتبر لعينه بل لتعدر الوصول إلى التزويج بنظره وهذا موجود ههنا وكذلك ان كان غائبا لا يعلم أقريب هو أم بعيد أو علم أنه قريب ولم يعلم مكانه فهو كالبعيد (مسألة) (ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال الا إذا أسلمت أم ولده في وجه) أما الكافر فليس له ولاية على مسلمة بحال وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي قال ابن المندر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم، وذكر شيخنا ههنا أن فيه وجها أن الكافر يلى نكاح أم ولده إذا أسلمت وذكره أبو الخطاب لانها مملوكته فيلى نكاحها كالمسلم، ولانه عقد
عليها فيليه كاجارتها (والثاني) لا يليه لقول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولانها مسلمة فلا يلي نكاحها كابنته فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا الوجه أولى لما ذكرنا من الاجماع
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: