الفقه الحنبلي - احكام الزواج
(مسألة) (ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها من غير خلوة بها) وعنه له النظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة واليدين والقدمين قال شيخنا لا نعلم بين
أهل العلم في اباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها خلافا لما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها رواه أبو داود وفيه أحاديث كثيرة سوى هذا ولان النكاح عقد يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه كالامة المستامة ولا بأس بالنظر إليها باذنها وغير اذنها لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالنظر وأطلق ومن حديث جابر فكنت أتخبأ لها وفي حديث المغيرة ابن شعبة أنه استأذن أبوبها في النظر إليها فكرهاه فأذنت له المرأة رواه سعيد ولا تجوز الخلوة بها لانها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ولاته لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظو فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون رجل بامرأة فان ثالثهما الشيطان " ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ولا لربية قال أحمد في رواية صالح ينظر إلى الوجه ولا تكون على طريق لذة وله تكرار النظر إليها وتأمل محاسنها لان المقصود إنما يحصل بذلك
(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في اباحة النظر إلى وجهها لانه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما يظهر عادة وحكي عن الاوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم وعن داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام " انظر إليها " ولنا قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن
الا ما ظهر منها) روى عن ابن عباس أنه قال هو الوجه وباطن الكف ولان النظر أبيح للحاجة فيختص بما تدعوا الحاجة إليه والحديث مطلق ومن نظر إلى وجه انسان سمي ناظرا إليه ومن رآه وعليه ثيابه سمى رائيا له قال الله تعالى (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) فأما ما يظهر غالبا سوى الوجه والكفين والقدمين ونحو ذاك مما تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان إحداهما لا يباح النظر إليه لانه عورة فلم يبح النظر إليه كالذى لا يظهر فان عبد الله روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المرأة عورة " حديث حسن ولان الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التحريم والثانيه له النظر إلى ذلك قال أحمد في رواية حنبل لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة وقال الشافعي ينظر إلى الوجه والكفين ووجه جواز النظر إلى ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر غالبا إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور ولانه يظهر غالبا
فأبيح النظر إليه كالوحه ولانها امرأة ابيح له النظر إليها من الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم وقد روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن أبى جعفر قال خطب عمر بن الخطاب ابنة علي فذكر منها صغرا فقالوا له اثما ردك فعاوده فقال ارسل بها اليك تنظر إليها فرضيها فكشف عن ساقها فقالت ارسل لولا انك أمير المؤمنين للطمت عينك (مسألة) (وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الامة المستامة ومن ذوات محارمه وعنه لا ينظر من ذوات محارمه الا إلى الوجه والكفين) يجوز له النظر إلى ذلك من الامة المستامة كما يجوز إلى من يريد خطبتها قياسا عليها بل الامة المستامة أولى لانها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة فيها وحسنها يزيد في ثمنها فأما ذوات المحارم فيجوز النظر منهن إلى ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى مالا يظهر غالبا كالصدر والظهر ونحوهما قال الا ثرم سألت أبا عبد الله عن الرجل ينظر إلى شعر امرأة أبيه وصدرها قال لا ما يعجبني ثم قال انا أكره أن ينظر من امه واخته إلى مثل هذا والى كل شئ لشهوة وذكر القاضي أن حكم الرجل مع ذوات محارمه حكم الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة وقال أبو بكر كراهية أحمد النظر إلى ساق امه وصدرها
على التوقي لانه يدعو إلى الشهوة يعني أنه يكره ولا يحرم ومنع الحسن والشعبي والضحاك النظر إلى شعر ذوات المحارم وهو إحدى الروايتين عن أحمد، بنت المهلب قالت قلت للحسن ينظر الرجل الي قرط اخته أو إلى عنقها قال لا ولا كرامة وقال لو دخلت على امي لقلت أيتها العجوز غطى شعرك والصحيح اباحة النظر إلى ما يظهر غالبا لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) الآية وقالت سهلة بن سهيل يا رسول الله انا كنا نرى سالما ولدا فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلا وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرضعيه " فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها رواه مسلم بمعناه وأبو داود وهذا دليل على انه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبا فانها قالت يراني فضلا ومعناه في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافهما قال امرؤ القيس فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل ومثل هذا يظهر منه الاطراف والشعر وكان يراها كذلك إذا اعتقدته ولدا ثم دلهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه وروى الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي مسلمة انها ارتضعت من أسماء امرأة قالت فكنت أراه أبا وكان يدخل علي وأنا امشط رأسي فيأخذ ببعض قرون رأسي ويقول أقبلي علي ولان النحرز من هذا لا يمكن فأبيح كالوجه وما لا يظهر غالبا
لا يباح لان الحاجة لا تدعو إليه ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور فحرم النظر إليه كما تحت السرة (فصل) وذوات محارمه كل من حرم نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب وعن عائشة أن أفلح أخا أبي القيس استأذن عليها بعد ما أنزل الحجاب فأبت أن تأذن له فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ايذني له فانه عمك تربت يمينك " وقد ذكر الله آباء بعولتهن كما ذكر آباء هن وابناءهن في ابداء الزينة لهم، وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر ام المرأة وبنتها لانهما غير مذكورتين في الآية قال القاضي انما حكى قول سعيد بن جبير ولم يأخذ به وقد صرح في رواية المروذي أنه محرم يجوز له المسافرة بها وقال في رواية أبي طالب ساعة يعقد عقدة النكاح
تحرم عليه ام امرأته فله أن يرى شعرها ومحاسنها ليست مثل التي سرى بها لا يحل له أبدا أن ينظر إلى شعرها ولا إلى شئ من جسدها وهي حرام عليه (فصل) فأما ام المزني بها وابنتها فلا يحل له النظر اليهن وان حرم نكاحهن لان تحريمهن بسبب
محرم فلم يفد اباحة النظر كالحرمة باللعان وكذلك بنت الموطوءة بشبهة وامها ليست من ذوات محارمه وكذلك الكافر ليس بمحرم لقرابته المسلمة، وقال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت بنته لا يسافر بها ليس هو محرما لها في السفر اما النظر فلا يجب عليها الحجاب منه لان أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يجلس عليه ولم تحتجب منه ولا أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) (وللعبد النظر اليهما من مولاته) يعنى إلى الوجه والكفين لقول الله تعالى (أو ما ملكت أيمانهن) ولما روت ام سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال إذا كان لاحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال " انه ليس عليك بأس انما هو أبوك ورواه أبو داود وأما النظر إلى شعرها فكرهه أبو غلامك "
عبد الله وسعيد بن المسيب وطاوس ومجاهد والحسن، واباحه ابن عباس لما ذكرنا من الآية والخبرين ولان الله تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات - إلى قوله - ليس عليكم لا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) ولانه يشق التحرز منه فابيح له ذلك كذوي المحارم وجعله بعض أصحابنا كالاجنبي، والصحيح ما قلنا ان شاء الله تعالى (مسألة) (ولغير أولي الاربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك وعنه لا يباح) من لا شهوة له من الرجال كالمخنث ومن ذهبت شهوته لكبر وعنة أو مرض لا يرجى
برؤه والشيخ الخصي فحكمه حكم ذي المحرم في النظر لقول الله تعالى (والتابعين غير أولي الاربة من الرجال) أي غير أولي الحاجة إلى النساء قاله ابن عباس وعنه هو المخنث الذى لا يقوم اربه وعن مجاهد وقتادة الذي لا ارب له في النساء، فان كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره، لان عائشة قالت دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الاربة فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال " لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا " فحجبوه رواه أبو داود
وغيره قال ابن عبد البر ليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وانما التخنيث شدة التأنيث في الخلقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنغمة والنظر والعقل، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب وكان لا يفطن لامور النساء فهو من غير أولي الاربة الذين لم يبح لهم الدخول على النساء الا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذاك المخنث من الدخول على النساء فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفهم أمر النساء أمر بحجبه، وعنه لا يباح لانه ذكر بالغ أجنبي فلم يبح له ذلك كالذي له ارب (مسألة) (وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها) لتكون الشهادة واقعة على عينها قال أحمد لا يشهد على امرأة الا أن يكون قد عرفها بعينها وكذلك من يقابل المرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها لعيرفها بعينها فيرجع عليها بالدرك وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه من يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهودة فلا بأس (مسألة) (وللطيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره إليه من بدنها من العورة وغيرها فانه موضع حاجة وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعدا في بني قريظة كان يكشف عن
مؤتزرهم وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق فقال " انظروا إلى مؤتزره " فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه (مسألة) (وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى المرأة إلى ما فوق السرة وتحت الركبة في
احدى الروايتين) لان الله تعالى قال (ليس علكيم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) وقال (إذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) فدل على التفريق بين البالغ وغيره قال أبو عبد الله.
حجم أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، والرواية الاخرى حكمه حكم ذي المحرم في النظر إذا كان ذا شهوة لقول الله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) قيل لابي عبد الله متى تغطي المرأة رأسها من الغلام قال: إذا بلغ عشر سنين (مسألة) (فان كان ذا شهوة فهو كذي المحرم) لقوله تعالى (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم) الآية وعنه أنه كالأجنبي لانه في معنى البالغ في الشهوة وهو المعنى المقتضي للحجاب وتحريم النظر ولقوله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) فأما الغلام الطفل غير المميز فلا يجب الاستتار منه في شئ
(مسألة) (وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة وعنه أن الكافرة مع المسلمة كالاجنبي) يجوز للرجل مع الرجل النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة وفيها روايتان (احداهما) ما بين السرة والركبة والاخرى الفرجان وقد ذكرناهما في باب ستر العورة ولا فرق بين الامرد ذي اللحية الا أن الامرد إذا كان جميلا يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه، فقد روي عن الشعبي قال قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره رواه أبو حفص، قال المروذي سمعت أبا بكر الاعين يقول قدم علينا انسان من خراسان صديق لابي عبد الله ومعه غلام ابن أخت له وكان جيملا فمضى إلى أبي عبد الله فحدثه فلما قمنا جاء إلى الرجل وقال له من هذا الغلام منك؟ قال ابن أختي قال: إذا جئتني لا يكون معك والذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق.
فأما الغلام قبل السبع فلا عورة له يحرم النظر إليها وقد روي عن ابن أبي ليلى قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء الحسن " فجعل يتمرغ
عليه فرفع مقدم قميصه أراه قال فقبل استه " رواه أبو حفص
(فصل) وحكم المرأة مع المرأة والرجل مع الرجل سواء ولا فرق بين المسلمتين بين والمسلمة والكافرة كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر، وقال أحمد ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية وأما أنا فاذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين تلد وعن أحمد رواية أخرى أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام وهو قول مكحول وسليمان بن أبى موسى لقوله تعالى (أو نسائهن) والاول أولى لان النساء من اليهوديات وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يحجبن ولا أمرن بحجاب وقد قالت عائشة جاءت يهودية تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، وقالت اسماء قدمت على أمي وهي راغبة يعني عن الاسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفأصلها؟ قال " نعم " ولان الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ولان الحجاب اما أن يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما وأما قوله ((أو نسائهن) فيحتمل أن يكون أراد جملة النساء (مسألة) (ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة وعنه لا يباح)
وهذه احدى الروايتين والاخرى لا يباح لها النظر من الرجل الا إلى مثله ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر وهو أحد قولي الشافعي لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " احتجبن منه " فقلت يا رسول الله انه ضرير لا يبصر قال " أفعميا وان أنتما لا تبصرانه؟ " رواه أبو داود وغيره ولان الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به ولانهن أحد نوعي الآدمين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال يحققه أن المعني المرحم على الرجال خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ لانها أشد شهوة وأقل عقلا فتسارع الفتنة إليها أكثر
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فانه رجل أعمي تضعين ثيابك فلا يراك " وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد متفق عليهما، ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة ولانهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرون إليهم فأما حديث نبهان فقال أحمد نبهان روى حديثين عجبيين هذا
الحديث والآخر " إذا كان لاحداكن مكاتب فلتحتجب منه " كأنه أشار إلى ضعف حديثه إذ لم يرو الاهذين الحديثين المخالفين للاصول وقال ابن عبد البر.
نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث وحديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك قال أحمد وأبو داود قال الاثرم قلت لابي عبد الله كان حديث نبهان لازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس؟ قال نعم وان قدر التعارض فتقديم الاحاديث الصحيحة أولى من الاخذ بحديث مفرد في اسناده مقال (مسألة) (ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة) فأما النظر إليه لشهوة فلا يباح لانها تدعوا إلى الفتنة وقد ذكرنا ذلك (مسألة) (ولا يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا لشهوة لما ذكرنا من خوف الفتنة) ومعنى الشهوة انه يتلذذ بالنظر إليه والله اعلم (مسألة) (ولكل واحد من الزوجين النظر الي جميع بدن الآخر ولمسه وكذلك السيد مع امته) لما روى بهز بن حكيم قال قلت يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما ندع؟ قال " احفظ عورتك الامن
زوجتك أو ما ملكت يمينك " رواه الترمذي وقال حديث حسن ولا فرق بين الفرج وغيره لعموم الحديث ولان الفرج يباح الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن وقيل يكره النظر الي الفرج لقول عائشة ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رواه ابن ماجة وفي لفظ قالت ما رأيته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآه مني قال احمد في رواية جعفر بن محمد في المرأة تقعد بين يدي زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق.
فلا بأس به قلت تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس وليس في الدار الا هي وزوجها مرخص في ذلك (فصل) وحكم السيد حكم الزوج فيما ذكرنا وسواء في ذلك سريته وغيرها لانه يباح له الاستمتاع بجيمع بدنها فأبيح له النظر إليه فأما ان زوج امته حرم عليه الاستمتاع بها والنظر منها الي ما بين السرة والركبة لما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا زوج احدكم خادمه عبده أو اجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فانه عورة " رواه أبو داود ومفهومه اباحة النظر إلى ما عداه واما تحريم الاستمتاع بها فلا خلاف فيه فانها قد صارت مباحة للزوج ولا تحل امرأة لرجلين فان وطئها اثم وعليه التعزير لانه فعل محرما فان أولدها فقال أحمد لا يلحقه
نسبه لانها فراش لغيره فلم يلحقه ولدها كالاجنبية قلت وقد ذكر في باب حكم امهات الاولاد انه يلحقه النسب لانه وطئ سقط فيه الحد لشبهة الملك اشبه وطئ الجارية المرهونة (فصل) واما نظر الرجل إلى الاجنبية من غير سبب فيحرم عليه النظر الي جميعها في ظاهر كلام احمد فانه قال لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له ان ينظر إليها كيف يأكل معها ينظر إلى كفها؟ لا يحل له ذلك وقال القاضى يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لانه عورة ويباح له النظر اليهما مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر بغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها) قال ابن عباس الوجه والكفان وروت عائشة ان اسماء بنت ابي بكر دخلت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثباب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء " ان المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح ان يرى منها الا هذا وهذا " واشار إلى وجهه وكفيه رواه أبو بكر وغيره ولانه ليس بعورة فلم يحرم النظر إليه من غير ريبة كوجه الرجل ولنا قول الله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان لاحدا كن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه " وكان الفضل ابن عباس رديف رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجاءته الخثعمية تستفتيه وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنها، وعن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني ان أصرف بصري حديث صحيح وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتبع النظرة النظرة فانما لك الاولى وليس لك الآخرة) رواهما أبو داود وفي إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد تزويجها دليل على التحريم عند عدم ذلك أذ لو كان مباحا على الاطلاق فما وجه التخصيص لهذه الحال وأما حديث اسماء ان صح فيحتمل انه كان قبل نزول الحجاب فيحمل عليه (فصل) فأما العجوز التى لا تشتهى فلا بأس بالنظر إلى ما يظهر منها غالبا لقول الله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الاية قال ابن عباس في قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقال للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) نسخ واستثني من ذلك (القوعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الآية وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى (فصل) والامة يباح النظر منها إلى ما يظهر غالبا كالوجه والرأس واليدين والساقين لان عمر رضي الله عنه رأى أمة متكممة فضربها بالدرة وقال يالكاع تشتبهين بالحرائر وروى أبو حفص اسناده ان
عمر كان لا يدع امة تقنع في خلافته وقال انما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها محرما لم يمنع من ستره بل امر به وقد روى انس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية قال الناس أجعلها ام المؤمنين أم أم ولد؟ فقالوا إن حجبها فهي أم المؤمنين وان لم يحجبها فهي أم ولد فلما ركب وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينه وبين الناس متفق عليه وهذا دليل على أن عدم حجب الاماء كان مستفيضا بينهم مشهور اوا ن الحجب لغيرهن كان معلوما وقال أصحاب الشافعي يباح النظر منها إلى ما ليس بعورة وهو ما فوق السرة وتحت الركبة وسوى بعض اصحاب الشافعي بين الحرة والامة لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها) الآية ولان العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة والفتنة المخوفة يستوي فيها الحرة والامة فان الحرية لا تؤثر في الامر الطبيعي وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجب الفرق
بينهما وان لم يفترقا فيما ذكروه افتراقا في الحرمة ومشقة السير لكن ان كانت المرأة جميلة يخاف الفتنة بها حرم النظر إليها كما يحرم إلى الغلام الذي لم تخش الفتنة بالنظر إليه قال احمد في الامة إذا كانت جميلة تنقب ولا ينظر إلى المملوكة كم من نظره القت في قلب صاحبها البلابل (فصل) والطفلة التي لا تصلح للنكاح لا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الاثرم في الرجل
يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها فان كان يجد شهوة فلا وإن كان لغير شهوة فلا بأس وقد روى أبو بكر باسناده عن عمر بن حفص المديني ان الزبير بن العوام أرسل بابنة له إلى عمر بن الخطاب مع مولاة له فأخذها عمر بيده وقال ابنة أبي عبد الله فتحركت الاجراس من رجلها فأخذها عمر فقطعها وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مع كل جرس شيطان " فأما إذا بلغت حدا يصلح للنكاح فان عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار " يدل على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة فيحتمل ان يكون حكمها حكم ذوات المحارم كقولنا في الغلام المراهق مع النساء وقد روى أبو بكر عن ابن جريج قال قالت عائشة دخلت علي ابنة أخي فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض فقلت يا رسول الله انها ابنة أخي وجارية فقال " إذا عركت المرأة لم يجز لها ان تظهر الا وجهها وما دون هذا " وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضتيه وبين الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها احتج أحمد بهذا الحديث وتخصيص الحائض بهذا التحديد دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها (مسألة) (ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولا التعريض بخطبة الرجعية)
أما التصريح بخطبة المعتدة فلا يجوز لان قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) دليل على تحريم التصريح لان التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن ان يحملها الحرص عليه على الاخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها والتعريض بخلافه (مسألة) (فأما الرجعية فلا يجوز لاحد التعريض لخطبتها ولا التصريح لانها في حكم الزوجات فهي كالتي في صلب نكاحه)
(مسألة) (ويجوز في عدة الوفاة وفي البائن بطلاق ثلاث) المعتدات على ثلاثة اضرب وحكمها حكم من هي في صلب النكاح وقد ذكرناها (الثاني) المعتدة من وفاة أو طلاق ثلاث أو فسح لتحريمها على زوجها كالفسخ برضاع أو لعان ونحوه مما لا يحل بعدة لزوجها فهذه يجوز التعريض بخطبتها للآية ولما روت فاطمة بنت قيس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما طقلها زوجها ثلاثا " إذا حللت فآذنيني " وفي لفظ " لا تسبقين بنفسك " وهذا تعريض لخطبتها في عدتها (مسألة) (وهل يجوز في عدة البائن بغير الثالث؟ على وجهين) هذا الضرب الثالث كالمختلفة والبائن بفسخ لعيب أو اعسار أو نحوه فلزوجها التصريح بخطبتها
والتعريض لانه مباح له نكاحها في عدتها فهو كغير المعتدة وهل يجوز لغيره التعريض بخطبتها؟ فيه وجهان وللشافعي فيه قولان (أحدهما) يجوز لعموم الآية ولانها بائن أشبهت المطلقة ثلاثا (والثاني) لا يجوز لان الزوج يملك أن يستبيحها فهي كالرجعية والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة مما يحل ويحرم لان الخطبة للعقد فلا يختلفان في حله وحرمته (مسألة) (والتعريض قوله اني في مثلك لراغب ولا تفوتيني بنفسك وما أحوجني إلى مثلك) وقال الزهري أنت مرغوب فيك وأنت جميلة وإذا حللت فآذنيني ونحو ذلك قال مجاهد مات رجل وكانت امرأته تشيع الجنازة فقال لها رجل لا تسبقينا بنفسك فقالت سبقك غيرك (مسألة) (وتجيبه المرأة ما يرغب عنك وإن قضى شئ كان وما أشبهه) (فصل) فأما التصريح فهو اللفظ الذي لا يحتمل غير النكاح نحو قوله زوجيني نفسك فإذا انقضت عدتك تزوجتك ويحتمل أن هذا معنى قوله تعالى (لا تواعدوهن سرا) فان النكاح يسمى سرا قال الشاعر: فلم تطلبوا سرها للغني * * ولن تسلموها لازهادها
وقال الشافعي السر الجماع وأنشد لامرئ القيس
ألا زعمت بسباسة القوم أنني * * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي ومواعدة السر أن يقول عندي جماع يرضيك فنهى عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف (فصل) فان صرح بالخطبة أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح نكاحه وقال مالك يطلقها تطليقة ثم يتزوجا ولا يصح هذا لان هذا المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما في النكاح الثاني أو كما لو رآها متجردة ثم تزجها (مسألة) (ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه أن أجيب وان رد حل وان لم يعلم الحال فعلى وجهين) الخطبة بالكسر خطبة الرجل للمرأة ليتزوجها وبالضم حمد الله والتشهد ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام (أحدها) أن تسكن إلى الخاطب لها فتجيبه أو تأذن لوليها في إجابته فهذه يحرم على غيره خطبتها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " وعن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك " متفق عليهما ولان في ذلك افسادا على الخاطب الاول وايقاع العداوة بين الناس ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم الا أن قوما حملوا النهي على الكراهة، والاول أولى (القسم الثاني) أن ترده لا تركن إليه فتجوز خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة بن زيد " متفق عليه فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد اخبارها إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها ولان تحريم خطبتها على هذا الوجه اضرار بها فانه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة الا منعها بخطبة إياها وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال لا تفوتيني بنفسك وأشباه هذا لم تحرم خطبتها لان في قصة فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تفوتينا بنفسك " ولم يذكر خطبة أبي جهم ومعاوية لها وذكر ابن عبد البر أن ابن وهب روى باسناده عن الحارث بن سعيد عن أبى رئاب أن عمر بن الخطاب خطب امرأة على جرير بن عبد الله وعلى مروان بن الحكم وعلى عبد اللبن عمر فدخل على المرأة
وهي جالسة في بيتها فقال عمر: ان جرير بن عبد الله خطب وهو سيد أهل المشرق ومروان يخطب وهو سيد شباب قريش وعبد الله بن عمر وهو من قد علمتم وعمر بن الخطاب فكشفت المرأة الستر
فقالت أجاد أمير المؤمنين؟ فقال نعم فقالت قد انكحت أمير المؤمنين فأنكحوه فهذا عمر قد خطب على واحد بعد واحد قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الاول (القسم الثالث) أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضى والسكون تعريضا لا تصريحا كقولها ما أنت الارضى وما عنك رغبة فهذه في حكم الاول لا تحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي وظاهر كلام أحمد فانه قال إذا ركن بعضهم إلى بعض فلا يحل لاحد أن يخطب والركون يستدل عليه بالتعريض تارة وبالتصريح أخرى قال القاضي ظاهر كلام أحمد إباحة خطبتها وهو مذهب الشافعي في الجديد لحديث فاطمة حيث خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما، واستدل القاضي بخطبته لها قبل سؤالها هل وجد منها ما يدل على الرضى أو لا ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " ولانه وجد منها ما دل على الرضى فحرمت خطبتها كما لو صرحت، بذلك وأما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فان فيه ما يدل على أنها لم تركن إلى واحد منهما من وجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان قال لها " لا تسبقيني بنفسك " وفي رواية " إذا حللت فآذنينى " فلم تكن لتصاب بالاجابة قبل اذنه (الثاني)
أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالمستشيرة له فيهما أو في العدول عنهما وليس في الاستشارة دليل على أحد الامرين ولا ميل إلى أحدهما على أنها انما ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لترجع إلى قوله ورأيه وقد أشار عليها بتركهما لما ذكر من عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها لهما وتصريحها بمنعهما، ومن وجه آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهما بخطبتها تعريضا بقوله لها ما ذكرنا فكانت خطبتة لها مبنية على الخطبة السابقة بخلاف ما نحن فيه، فان لم يعلم الحال فعلى وجهين (أحدهما) لا يجوز لعموم النهي (والثاني) يجوز لان الاصل عدم الا جبة المحرمة
(مسألة) (والتعويل في الاجابة والرد عليها ان لم تكن مجبرة وان كانت مجبرة فعلي الولي) أما إذا لم تكن مجبرة فلانها أحق بنفسها من وليها فان أجاب هو ورغبت عن النكاح كان الامر أمرها فان أجاب وليها فرضيت فهو كاجابتها وان سخطت فلا حكم لاجابته لان الحق لها ولو أجاب الولي في حق المجبرة فكرهت المجاب واختارت غيره سقط حكم اجابة وليها لكون اختيارها مقدما على اختياره وان كرهته ولم تختر سواه فينبغي أن يسقط حكم الاجابة أيضا لانه قد امر باستئمارها فلا ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه، وان أجابت ثم رجعت على الاجابة وسخطته زال حكم الاجابة لان
لها الرجوع وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن الاجابة زال حكمها لان له النظر في أمر موليته ما لم يقع العقد، وان لم ترجع هي ولا وليها لكن ترك الخاطب الخطبة وأذن فيها جازت خطبتها لما روي في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك رواه البخاري (فصل) وخطبة الرجل على خطبة غيره في موضع النهي محرمة قال أحمد: لا يحل لاحد أن يخطب في هذه الحال وقال أبو حفص العكبري هي مكروهة غير محرمة وهذا نهى تأديب ولنا ظاهر النهي فان مقتضاه التحريم ولانه نهى عن الاضرار بالآدمي المعصوم فكان على التحريم كالنهي عن أكل ماله فان فعل فنكاحه صحيح نص عليه أحمد فقال لا نفرق بينهما وهذا مذهب الشافعي وروي عن مالك وداود أنه لا يصح وهو قياس قول أبي بكر لانه قال في البيع على بيع أخيه هو باطل وهذا في معناه لانه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار ولنا أن المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر كما لو صرح بالخطبة في العدة (فصل) ولا يكره للولي الرجوع إذا رأى المصلحة لها في ذلك لان الحق لها وهو نائب عنها
في النظر لها فلم يكره له الرجوع إذا رأى المصلحة كما لو ساوم في بيع دارها ثم رأى المصلحة في تركها ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب لانه عقد عمر يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط
لنفسها والنظر في خطبتها وان رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من اخلاف الوعد والرجوع عن القول ولم يحرم لان الحق بعد لم يلزمها كمن ساوم بسلعته ثم بدا له أن لا يبيعها (فصل) فان كان الخاطب الاول ذميا لم تحرم الخطبة على خطبته نص عليه أحمد فقال لا يخطب على خطبة أخيه ولا يساوم على سوم أخيه انما هو للمسلمين، ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو ساوم على سومهم لم يكن داخلا في ذلك لانهم ليسوا باخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر لا يجوز أيضا لان هذا أخرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به ولنا أن لفظ النهي خاص في المسلمين والحاق غيره به انما يصح إذا كان مثله وليس الذمي كالمسلم ولا حرمته كحرمته ولذلك لم تجب اجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها، وقوله خرج مخرج الغالب قلنا متى كان في المخصوص معنى يصلح أن يعتبر في الحكم لم يجز حذفه ولا تعدية الحكم بدونه والاخوة الاسلامية لها تأثير في وجوب الاحترام وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه وحفظ قلبه واستيفاء مودته فلا يجوز حذف ذلك
(مسألة) (ويتسحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة) لان جماعة من السلف استحبوا ذلك منهم ضمرة بن حبيب وراشد بن سعيد وحبيب بن عنية ولانه يوم شريف ويوم عيد وفيه خلق آدم عليه السلام، والمساء اولى فان ابا حفص روى باسناده عن ابي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مسوا بالاملاك فانه اعظم للبركة " ولانه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره (مسألة) (ويستحب ان يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود) خطبة العاقد أو غيره قبل الايجاب والقبول مستحبة ثم يكون العقد بعد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل امر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " وقال " كل خطبة ليس فيها شهادة فيها شهادة فهى كاليد الجذماء " رواهما ابن المنذر، ويجزئ من ذلك أن يحمد الله تعالى ويتشهد يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب ان يخطب بخطبة ابن مسعود التى قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة قال التشهد الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور انفسنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل
فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون * واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا * اتقوا
الله وقولوا قولا سديدا يصلح) الآية رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، قال الخلال ثنا ابو سليمان امام طرسوس قال كان احمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود قام وتركهم وهذا كان من أبي عبد الله على طريق المبالغة باستحبابها لا على الايجاب لها فان حرب بن اسماعيل قال قلت لاحمد فيجب ان تكون خطبة النكاح مثل قول ابن مسعود فوسع في ذلك وقد روى عن ابن عمر أنه كان إذا دعى لتزويج قال لا تغصوا علينا الناس الحمد لله وصلى الله على محمد ان فلانا يخطب اليكم فان انكحتموه فالحمد لله وان رددتموه فسبحان الله، والمستحب خطبة يخطبها الولي أو الزوج أو غيرهما فقال الشافعي المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها في أوله وخطبة من الزوج قبل قبوله والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف خطبة واحدة وهو أولى ما اتبع (فصل) وليست الخطبة واجبة عند احد من اهل العلم الا داود فانه اوجبها لما ذكرناه ولنا ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم زوجنيها فقال رسول الله صلى الله عليه زوجتكها بما معك من القرآن متفق عليه ولم يذكر خطبة وخطب إلى ابن عمر مولاة له فما زاد على ان قال قد
انكحتك على ما أمر الله على امساك بمعروف أو تسريح باحسان وقال جعفر بن محمد عن ابيه ان كان الحسين ليزوج بعض بنات الحسن وهو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر وروى أبو داود باسناده عن رجل من بنى سليم قال خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم امامة بنت عبدا لمطلب فانكحني من غير ان يتشهد ولانه عقد معاوضة فلم تجب فيه الخطبة كالبيع وما استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون الخطبة لا على الوجوب (مسألة) (يستحب ان يقال للمتزوج بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية) وقد روى ان النبي صلى الله عليه وسلم رأي على عبد الرحمن ابن عوف صفرة فقال " ماهذا؟ " قال اني
تزوجت على وزن نواة قال " بارك الله لك أو لم ولو يشاة " متفق عليه قال بعض أهل العلم وزن نواة خمسة دراهم وذلك ثلاثة مثاقيل ونصف من الذهب وقال المبرد الصواب عند أهل العربية ان يقال نواة فحسب فان النواة
عندهم اسم خمسة دراهم كما ان الاوقيه اربعون درهما والنش عشرون (مسألة) (ويقول إذا زفت إليه اللهم اني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) لما روى صالح بن أحمد في مسائله عن أبيه ثنا داود عن أبي نضرة عن أبي اسعد مولى أبي أسيد قال تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وابوذر وحذيفة وغيرهم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فقدموه وهو مملوك فصلى بهم ثم قالوا له إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ رأس اهلك فقل اللهم بارك لي في أهلي وبارك لاهلي في وارزقهم منى وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك وروى أبو داود باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " إذ تزوج امرأة واشترى خادما فليقل اللهم انى أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك (باب اركان النكاح وشروطه) اركانه الايجاب والقبول فلا ينعقد الا بلفظ النكاح والتزويج بالعربية لمن يحسنها وبمعناهما الخاص بكل لسان لم لا يحسنهما
وجملته ان النكاح ينعقد بلفظ النكاح والتزويج والجواب عنهما اجماعا وهما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله سبحانه (زوجناكها) وقوله (ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء) وسواء اتفقا من الجانبين أو اختلفا مثل ان يقول زوجتك ابنتي فيقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج ولا ينعقد بغير هذين اللفظين وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب والزهري وربيعة والشافعي وقال الثوري والحسن ابن صالح وابو حنيفة واصحابه وأبو ثور وأبو عبيد ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك وفي لفظ الاجارة عن أبي حنيفة روايتان وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر واحتجوا بان النبي صلى الله
عليه وسلم زوج رجلا امرأة فقال " ملكتكها بما معك من القرآن " رواه البخاري ولانه لفظ ينعقد به تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فانعقد به نكاح امته كلفظ الانكاح والتزويج ولانه امكن تصحيحه بمجازه فوجب تصحيحه كايقاع الطلاق بالكنايات ولنا قوله تعالى (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي - الي قوله - خالصة لك من دون المؤمنين) فذكر ذلك خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولانه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الاجارة والاباحة والاحلال ولانه لبس بصريح في النكاح فلا ينعقد به كالذي ذكرنا وهذا لان الشهادة شرط في النكاح والكتاية انما
تعمل بالنية ولا يمكن الشهادة على النية لعدم اطلاعهم عليها فيجب ان لا ينعقد وبهذا فارق بقية العقود والطلاق واما الخبر فقد روى " زوجتكها وانكحتكها وزوجناكها " من طرق صحيحة والقصة واحدة فالظاهر ان الراوي روى بالمعنى ظنا منه ان معناهما واحد فلا يكون حجة وان كان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الالفا ظفلا حجة لهم فيه لان النكاح انعقد باحدها والباقي فضلة (فصل) ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح عقده بغيرها وهذا احد أقوال الشافعي وعند ابي حنيفة ينعقد لانه اتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بالعربية ولنا انه عدل عن لفظ الانكاح والتزويج مع القدرة عليه فلم يصح كلفظ الاحلال ولان الشهادة شرط في النكاح وهي واقعة على اللفظ وغير هذا اللفظ ليس بموضوع للنكاح وانما يصرف إليه بالنية ولا شهادة عليها فيخلو النكاح عن الشهادة وما قاله أبو حنيفة أقيس قياسا على سائر العقود وما ذكروه من تعذر الشهادة على غير العربية ملغي بما إذا لم يحسن العربية (فصل) فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه لانه عاجز عما سواه فسقط عنه
كالاخرس ويحتاج إلى ان يأتي بمعناهما الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي (مسألة) (فان قدر على تعلمها بالعربية لم يلزمه ذلك) وفيه وجه ذكره أبو الخطاب انه يلزمه لان ما كانت العربية شرطا فيه لزمه ان يتعلمها
مع القدرة كالتكبير ولنا ان النكاح غير واجب فلم يجب تعلم اركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير (مسألة) (والقبول ان يقول قبلت هذا النكاح أو ما يقوم مقامه في حق من لا يحسن) فان كان احد المتعاقدين يحسن العربية دون الاخر أتى الذى يحسن العربية بها والاخر يأتي بلسانه فان كان أحدهما لا يحسن لسان الآخر احتاج ان يعلم ان اللفظة التي أتى بها صاحبه لفظة الانكاح بان يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا (فصل) وأما الاخرس فان فهمت إشارته صح نكاحه بها لانه معنى لا يستفاد الا من جهته فصح باشارته كبيعه وطلاقه ولعانه وفي اشارة القادر على النطق وجهان ذكرهما في المجرد اولهما عدم الصحة للاستغناء عنها ان لم تفهم اشارته لم يصح منه كما لا يصح غيره من التصرفات القولية ولان النكاح عقد
بين شخصين فلابد من فهم كل واحد منهما ما يصدر عن صاحبه ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضا لان الشهادة شرط ولا يصح على ما لا يفهم قال أحمد لا يزوجه وليه يعني إذا كان بالغا لان الخرس لا يوجب الحجر كالصمم (مسألة) (فان اقتصر على قوله قبلت بأن يقول الولي زوجتك ابنتي فيقول قبلت صح وانعقد النكاح) وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينعقد حتى يقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج لانه كناية في النكاح يفتقر إلى النية والاضمار فلم ينعقد به كلفظ الهبة والبيع ولنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به كما ينعقد به البيع وسائر العقود وقولهم يفتقر إلى النية ممنوع فانه جواب لا ينصرف الا إلى الذكور وكذلك ان قال الخاطب للولي أزوجت؟ قال نعم وللمتزوج أقبلت؟ قال نعم صح.
ذكره الخرقي ويحتمل أن لا يصح لان النكاح انما يصح بلفظ الانكاح والتزويج ولا نطق الولي بواحد منهما ولا نطق المتزوج بالقبول وقال الشافعي لا ينعقد حتى يقول معه زوجتك
بنتي ويقول الزوج قبلت هذا التزويج لان هذين ركنا العقد فلا ينعقد بدونهما
ولنا أن نعم جواب لقوله زوجتك وقبلت والسؤال مضمر في الجواب معاد فيه فيكون معنى نعم من الولي زوجته ابنتي ومعنى نعم من المتزوج قبلت هذا التزويج ولا احتمال فيه فيجب أن ينعقد به ولذلك لما قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) كان اقرارا منهم بوجدان ذلك أنهم وجدوا ما وعدهم ربهم حقا، ولو قيل لرجل لي عليك الف درهم قال نعم كان إقرارا صريحا لا يفتقر إلى نية ولا يرجع في ذلك إلى تفسيره وبمثله تقطع اليد في السرقة وهو حد يدرأ بالشبهات فوجب أن ينعقد به التزويج كما لو لفظ بذلك (مسألة) (فان تقدم القبول الايجاب لم يصح) سواء كان بلفظ الماضي مثل أن يقول تزوجت البنت فيقول زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله زوجني ابنتك فيقول زوجتكها وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يصح فيهما جميعا لانه قد وجد الايجاب والقبول فصح كما لو تقدم الايجاب ولنا أن القبول انما يكون للايجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه فلم يصح كما لو تقدم
بلفظ الاستفهام ولانه لو تأخر عن الايجاب بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى لصيغة الاستفهام ولانه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح فلان لا يصح إذا أتى بغيرها أولى فان قالوا يصح كالبيع والخلع قلنا البيع لا يشترط فيه صيغة الايجاب بل يصح بالمعاطاة ولا يتعين فيه لفظ بل يصح بأي لفظ كان إذا أدى المعنى ولا يلزم الخلع لانه يصح تعليقه على الشروط ويحتمل أن يصح إذا تقدم بلفظ الطلب لان في حديث المرأة التى وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت طويلا فقال رجل يارسول الله زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن " وهو حديث صحيح رواه البخاري ولم ينقل أنه قال قبلت ولا ما يؤدي معناه والظاهر أنه لو وجد منه لفظ لنقل وعلى قياس ذلك إذا تقدم بلفظ الماضي (فصل) إذا عقد النكاح هزلا أو تلجئة صح لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث هزلهن جد وجدهن جد الطلاق والنكاح والرجعة " رواه الترمذي، وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نكح لاعبا
أو طلق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز " وقال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق والعتاق والنكاح والنذر، وقال علي أربع لا لعب فيهن الطلاق والعتاق والنكاح والنذر
(مسألة) (وان تراخى القبول عن الايجاب صح ماداما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره) لان حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل صحة القبض فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار في عقود المعاوضات (مسألة) (فان تفرقا قبله بطل الايجاب) لانه لا يوجد معناه فان الاعراض قد وجد من جهته بالتفرق فلا يكون قبولا وكذلك إذا تشاغلا بما قطعه لانه معرض عن العقد بالاشتغال عن قبوله، وعنه لا يبطل فان ابا طالب نقل عن احمد في رجل مشى إليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال قد زوجته على الف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا؟ قال نعم.
قال القاضي: هذا محمول على أنه وكل من قبل التزويج في المجلس، وقال أبو بكر مسألة أبي طالب تتوجه على قولين، واختار أنه لابد من القبول في المجلس وهو الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) فان أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو إغماء بطل حكم الايجاب ولم ينعقد
بالقبول بعده لانه ما لم يضامه القبول لم يكن عقدا فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون وهذا مذهب الشافعي وان نام لم يبطل حكم الايجاب لانه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا (فصل) ولا يثبت الخيار في النكاح وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط ولا نعلم أحدا خالف في هذا لان الحاجة غير داعية إليه فانه لا يقع في الغالب الا بعد روية وفكرة ومسألة كل واحد من الزوجين عن صاحبه والمعرفة بحاله بخلاف البيع الواقع في الاسواق من غير فكر ولا روية ولان النكاح ليس بمعارضة محضا ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة ويصح من غير تسمية العوض
ومع فساده ولان ثبوت الخيار فيه يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة وفي فسخه بعد العقد ضرر بالمرأة ولذلك أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق (فصل) قال رضي الله عنه (وشروطه خمسة (أحدها) تعيين لزوجين) لان كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما كالمشترى والمبيع فان كانت المرأة حاضرة فقال زوجتك هذه صح فان الاشارة تكفى في التعيين فان زاد على ذلك بنتي هذه أو هذه فلانة كان تأكيدا (مسألة) (فان قال زوجتك بنتى وله بنات لم يصح حتى يشير إليها أو يسميها أو يصفها بما تتميز
به، وان لم يكن له الا ابنة واحدة صح) إذا كانت المعقود عليها غائبة فقال زوجتك ابنتي وليس له سواها جاز فان سماها كان تأكيدا فان كان له أكثر من بنت واحدة فقال زوجتك ابنتي لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به من اسم أو صفة فيقول زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو الصغرى فان سماها مع ذلك كان تأكيدا، وان قال زوجتك ابنتي عائشة أو فاطمة صح فان كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فقال زوجتك فاطمة لم يصح ولان هذا الاسم مشترك بينها وبين سائر الفواطم حتى يقول مع ذلك بنتي، وقال بعض الشافعية يصح إذا نوياها جميعا، ولا يصح هذا لان النكاح يعتبر فيه الشهادة على وجه يمكن أداؤها أداء يثبت به العقد وهذا متعذر في النية، ولذلك لو قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يميزها بلفظه ولو قال زوجتك فاطمة ابنة فلان احتاج أن يرفع في نسبها حتى يبلغ ما تتميز به عن النساء (فصل) فان كانت له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك ابنتي عائشة وقبل الزوج ذلك وهما ينويان الصغرى لم يصح ذكره أبو حفص، وقال القاضي يصح في التي نوياها وهذا غير صحيح لوجهين (أحدهما) أنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو
قال زوجتك عائشة فقط أو ما لو قال زوجتك ابنتي ولم يسمها وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها ففيما إذا سماها بغير اسمها أولى أن لا يصح (الثاني) أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به ولم يوجد
ذلك فان اسم اختها لا يميزها بل يصرف العقد عنها، وان كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح كما إذا خطب امرأة وتزوج غيرها لان القبول انصرف إلى غير من وجد الايجاب فيه ويحتمل أن يصح إذا لم يتقدم ذلك ما يصرف القبول إلى الصغرى من خطبة ونحوها فان العقد بلفظه متناول للكبرى ولم يوجد ما يصرفه عنها فصح كما لو نوياها، ولو نوى الولي الصغرى والزوج الكبرى أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الاول لا يصح التزويج لعدم النية منهما في التى تناولها لفظهما وعلى الاحتمال الذي ذكرناه يصح في المعينة باللفظ لما ذكرنا (فصل) فان كان له ابنة واحدة فقال الرجل زوجتك ابنتي وسماها بغير اسمها فقال القاضي يصح وهو قول اصحاب الشافعي لان قوله بنتي آكد من التسمية لانها لا مشاركة فيها والاسم مشترك ولو قال زوجتك هذه وأشار إليها وسماها بغير اسمها صح على هذا التعليل (مسألة) (وان قال ان وضعت زوجتى ابنة فقد زوجتكها لم يصح لانه تعليق للنكاح على
شرط والنكاح لا يتعلق على شرط ولان هذا مجرد وعد لا ينعقد به عقد وكذلك لو قال زوجتك حمل هذه المرأة لم يصح لانها لم يثبت لها حكم البنات قبل الظهور في غير الارث والوصية ولانه لا يتحقق أن في البطن بنتا فأشبه ما لو قال زوجتك من في هذه الدار وهما لا يعلمان ما فيها (فصل) فان خطب امرأة فزوج بغيرها مثل أن يخطب الرجل امرأة بعينها فيجاب إلى ذلك ثم يوجب له النكاح في غيرها وهو يعتقد أنها التي خطبها فيقبل ولا ينعقد النكاح لان القبول انصرف إلى غير من وجد الايجاب فيه فلم يصح كما لو ساومه بثوب وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري فلو علم الحال بعد ذلك فرضي لم يصح قال أحمد رجل خطب جارية فزوجوه أختها ثم علم بعد يفرق بينهما وبكون الصداق على وليها لانه غره ويجهز إليه أختها التى خطبها بالصداق الاول فان كانت تلك قد ولدت منه لحق به الولد قال شيخنا وقوله يجهز إليه أختها يعني والله أعلم بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه ان كان أصابها لان العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهما لان الايجاب صدر في إحداهما أيهما كان جاز، وقال
أحمد في رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه أختها لها المهر بما أصاب منها ولاختها المهر قيل يلزمه مهران
قال نعم ويرجع على وليها، هذه مثل التي بها برص أو جذام علي بقول ليس عليه غرم، وهذا ينبغي أن يكون في امرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم أما إذا علمت أنها ليست زوجة وانها محرمة عليه وأمكنته من نفسها فلا ينبغي أن يجب لها صداق لانها زانية مطاوعة فأما ان جهل الحال فلها المهر ويرجع به على من غره وروي عن علي رضي الله عنه في رجلين تزوجا امرأتين فزفت كل امرأة إلى زوج الاخرى لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها وبه قال النخعي والشافعي وأصحاب الرأي (فصل) قال رضي الله عنه (الثاني رضا الزوجين فان لم يرضيا أو أحدهما لم يصح) رضا الزوجين أو من يقوم مقامهما شرط في صحة العقد لان العقد لهما فاعتبر تراضيهما به كالبيع فان لم يرضيا أو أحدهما لم يصح العقد لفوات شرطه (مسألة) (إلا الاب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الابكار بغير إذنهم) وأما الغلام العاقل فلا نعلم من أهل العلم في أن لابيه تزويجه كذلك قال ابن المنذر وهذا قول الحسن والزهري وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق والشافعي وأصحاب الرأي ولما روي أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا رواه الاثرم وأما الغلام المعتوة فلابيه تزويجه وقال
الشافعي لا يجوز لانه يلزمه بالتزويج حقوق من المهر والنفقة مع عدم حاجته فلم يجزله كغيره من الاولياء ولنا أنه غير بالغ فملك الاب تزويجه كالعاقل ولانه إذا جاز تزويج العاقل مع ان له عند احتياجه إلى التزويج رأيا ونظرا لنفسه فلان يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى، ووصي الاب يقوم مقامه في ذلك كوكيله إذا قلنا بصحة الوصية في النكاح وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى (فصل) وليس لغير الاب أو وصيه تزويج الغلام قبل بلوغه وقال القاضي في المجرد للحاكم تزويجه لانه يلي ماله وقال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه وليس بسديد فان غير الاب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى، وفارق لاب ووصيه فان لهما تزويج
الصغيرة وولاية الاجبار وسواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن لانه لا اذن له (فصل) وللاب تزويج البالغ المعتوه في ظاهر كلام أحمد والخرقي مع ظهور امارات الشهوة وعدمها، وقال القاضى انما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه وهو مذهب الشافعي لان في تزويجه مع عدم حاجته اضرارا به بالزامه حقوقا لا مصلحة له في الزامها وقال أبو بكر
ليس للاب بحال لانه رجل فلم يجز اجباره على النكاح كالعاقل وقال زفر ان طرأ عليه الجنون بعد البلوغ لم يجز وان كان مستداما جاز ولنا أنه غير مكلف فجاز لابيه تزويجه كالصغير فانه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته في الحال وتوقع نظره فعند الحاجة أولى ولنا على التسوية بين الطارئ والمستدام أنه معنى يثبت الولاية فاستوى طارئه ومستدامه كالرق ولانه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في نكاحه كالمستدام، فاما اعتبار الحاجة فلابد منها فانة لا يجوز لوليه تزويجه الا إذا رأى مصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة بل قد تكون حاجه إلى الايواء والحفظ وربما كان دواء له يترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء الشهوة (فصل) ومن يجن في الاحيان لا يجوز تزويجه الا باذنه لان ذلك ممكن ومن أمكن أن يتزوج لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل ولو زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فان ذلك لا يثبت الولاية على ماله فعلى نفسه أولى وان لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه (فصل) وليس لغير الاب ووصيه تزويج المعتوه البالغ وبه قال مالك وقال أبو عبد الله بن حامد للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة للنساء بأن يتبعهن وهذا مذهب الشافعي لان ذلك من مصالحه وليس
له حال ينتظر فيها اذنه وسنذكر ذلك في تزويج المجنون وينبغي أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب إن في ذلك ذهاب علته لانه من أعظم مصالحه (فصل) وإذا زوج الصغير والمجنون فانه يقبل لهما النكاح ولا يأذن لهما في قبوله لانهما ليسا من
أهل التصرفات فان كان الغلام ابن عشر وهو مميز فقياس المذهب جواز تفويض القبول إليه حتى يتولاه بنفسه كما يفوض أمر المبيع إليه وان تزوج له الولي جاز كما يجوز أن يبتاع له وهذا على الرواية التي تقول بصحة بيعه ووقوع طلاقه فان قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى (فصل) وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يتزوج لهما بأكثر من مهر المثل لانه معاوضة في حق الغير فلم تجز الزيادة فيها على عوض المثل كبيع ماله وهذا مذهب الشافعي وإذا قلنا إن للاب تزويج أمته بدون صداق مثلها فهذا مثله فانه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل المال فيه كما يجوز في مداواته بل الجواز هاهنا أولى فان الغالب أن المرأة لا ترضى بتزويج المجنون الا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول بدون ذلك بخلاف المرأة وذكر القاضي في المجردان قياس المذهب أنه لا يتزوج
بأكثر من امرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به إليه وذكر في الجامع أنه له تزويج ابنه الصغير بأربع لانه قد يرى المصلحة فيه وليس له تزويجه معيبة عيبا يرد به النكاح فان فيه ضررا به وتفويت ماله فيما لا مصلحة له فيه فان فعل خرج في صحة النكاح وجهان فان قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال؟ على وجهين يذكر توجيههما في تزويج الصغيرة بمعيب فان لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل المجنون فلهما الفسخ وليس له تزويجه بامة لان اباحتها مشروطة بخوف العنت وهو معدوم في حق الصبي غير معلوم في حق المجنون (فصل) فأما الاناث فللاب تزويج ابنته البكر الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف إذا وضعها في كفاءة قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الاب ابنته الصغيرة جائز إذا زوجها من كف ء يجوز له ذلك مع كراهتها وامتناعاه وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى (واللائي ييئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر الا من طلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على تزويج وتطلق ولا اذن لها يعتبر وقالت عائشة تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست وبنابي وأنا ابنة تسع متفق عليه ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر اذنها وروي الاثرم
أن قدامة ابن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له ابنة الزبير فقال ان مت ورثتني وان
عشت كانت امرأتي وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: