الفقه الحنبلي - البيع - الاحتكار -
(فصل) ومتى حكمنا بالصحة ههنا وكان المشتري عالما بالحال فلا خيار له لانه دخل على بصيرة وإن لم يعلم مثل أن اشترى عبدا يظنه كله للبائع فبان أنه لا يملك إلا نصفه فله الخيار بين الفسخ
والامساك لان الصفقة تبعضت عليه، وأما البائع فلا خيار له لانه رضى بزوال ملكه عما يجوز بقسطه ولو وقع العقد على شيئين يفتقر إلى القبض فيهما فتلف أحدهما قبل قبضه، فقال القاضي للمشتري الخيار بين امساك الباقي بحصته وبين الفسخ لان حكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه ملك المشتري الفسخ به (الثالثة باع عبده وعبد غيره بغير اذنه أو عبدا وحرا أو خلا وخمرا ففيه روايتان) اختلفت الرواية عن أحمد في هذا المسألة فنقل صالح عن أحمد فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما حرا رجع بقيمته من الثمن، ونقل عنه مهنا فيمن تزوج امرأة على عبدين فوجد أحدهما حرا فلها قيمة العبدين فأبطل الصداق فيهما جميعا.
والامساك لان الصفقة تبعضت عليه، وأما البائع فلا خيار له لانه رضى بزوال ملكه عما يجوز بقسطه ولو وقع العقد على شيئين يفتقر إلى القبض فيهما فتلف أحدهما قبل قبضه، فقال القاضي للمشتري الخيار بين امساك الباقي بحصته وبين الفسخ لان حكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه ملك المشتري الفسخ به (الثالثة باع عبده وعبد غيره بغير اذنه أو عبدا وحرا أو خلا وخمرا ففيه روايتان) اختلفت الرواية عن أحمد في هذا المسألة فنقل صالح عن أحمد فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما حرا رجع بقيمته من الثمن، ونقل عنه مهنا فيمن تزوج امرأة على عبدين فوجد أحدهما حرا فلها قيمة العبدين فأبطل الصداق فيهما جميعا.
وللشافعي قولان كالروايتين وأبطل مالك العقد فيهما إلا ان يبيع ملكه وملك غيره فيصح في ملكه يقف في ملك غيره على الاجازة ونحوه قول أبي حنيفة فانه قال ان كان أحدهما لا يصح بيعه بنص أو باجماع كالحر والخمر لم يصح العقد فيهما وإن لم يثبت بذلك كملكه وملك غيره صح فيما يملكه لان ما اختلف فيه يمكن أن يلحقه حكم الاجازة بحكم حاكم بصحة بيعه، وقال أبو ثور لا يصح بيعه لما تقدم في القسم الثاني، ولان الثمن مجهول لانه انما يبين بالتقسيط للثمن على القيمة وذلك مجهول في الحال فلم يصح البيع به كما لو قال بعتك هذه السلعة برقمها أو بحصتها من رأس المال، ولانه لو صرح به فقال بعتك هذا بقسطه من الثمن لم يصح فكذلك إذا لم يصرح وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ووجه الرواية الاولى أنه متى سمى ثمنا في مبيع فتقسط بعضه لا يوجب جهالة تمنع الصحة كما لو وجد بعض المبيع معيبا فأخذ ارشه، وإذا قلنا بالصحة فللمشتري الخيار إذا لم يكن عالما كالقسم
الثاني لتبعض الصفقة عليه والحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع إلا أن الظاهر فيها الصحة لانها ليست عقود معاوضة فلا تؤثر جهالة العوض فيها (فصل) وإن وقع العقد على مكيل أو موزون فتلف بعضه قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي رواية واحدة سواء كانا من جنس واحد أو جنسين ويأخذ المشتري الباقي بحصته من الثمن لان العقد وقع صحيحا فذهاب بعضه لا يفسخه كما بعد القبض وكما لو وجد أحد المبيعين معيبا فرده أو أقال أحد المتبايعين الآخر في بعض المبيع { مسألة } (وإن باع عبده وعبد غيره باذنه بثمن واحد فهل يصح؟ على وجهين) (أحدهما) يصح فيهما ويتقسط الثمن على قدر قيمتهما وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لان جملة الثمن معلومة فصح كما لو كانا لرجل واحد وكما لو باعا عبدا واحدا لهما (والثاني) لا يصح لان كل واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن وهو مجهول على ما قدمنا وفارق ما إذا كانا لرجل واحد فان جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط والعبد المشترك ينقسم عليه الثمن بالاجزاء فلا جهالة فيه، فأما ان باع قفيزين متساويين له ولغيره بثمن واحد باذنه صح لان الثمن يتقسط عليهما بالاجزاء فلا يفضي إلى جهالة الثمن، وكذلك ان باعه عبدا لهما بثمن واحد صح لما ذكرنا { مسألة } (وان جمع بين بيع واجارة، أو بيع وصرف صح فيهما ويقسط العوض عليهما في أحد الوجهين) إذا جمع بين عقدين مختلفي الحد كالبيع والاجارة والبيع والصرف بعوض واحد صح فيهما لان اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة كما لو جمع ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه، وكذلك ان باع سيفا محلى بذهب وفضة، وفيه وجه آخر أنه لا يصح لان حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الاخر فبطل فيهما فان البيع فيه خيار ولا يشترط فيه التقابض في المجلس، ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع والصرف يشترط له التقابض، وينفسخ العقد بتلف العين.
وان جمع بين نكاح وبيع بعوض واحد فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري بمائة صح النكاح لكونه لا يفسد بفساد العوض وفي البيع وجهان وللشافعي قولان كالوجهين { مسألة } (وان جمع بين كتابة وبيع فكاتب عبده وباعه شيئا صفقة واحدة مثل أن يقول بعتك
عبدي هذا وكاتبتك بمائة كل شهر عشرة بطل البيع وجها واحدا) لانه باع عبده لعبد فلم يصح كبيعه اياه من غير كتابة وهل تبطل الكتابة؟ ينبني على روايتين في تفريق الصفقة (فصل) قال رضي الله عنه (ولا يصح البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها) لا يحل البيع بعد نداء الجمعة قبل الصلاة لمن تجب عليه الجمعة لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله تعالى وذروا البيع) فان باع لم يصح البيع للنهي عنه.
والنداء الذي يتعلق به المنع هو النداء عقيب جلوس الامام على المنبر لانه النداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلق الحكم به، والنداء الثاني زيد في زمن عثمان رضي الله عنه، وحكى القاضي رواية عن أحمد أن البيع يحرم
بزوال الشمس وان لم يجلس الامام على المنبر، ولا يصح هذا لان الله تعالى علقه على النداء لا على الوقت، ولان المقصود بهذا ادراك الجمعة وهو حاصل بما ذكرنا دون ما ذكره، ولا نه لو اختص تحريم البيع بالوقت لما اختص بالزوال فان ما قبله وقت أيضا، فأما من لا تجب عليه الجمعة من النساء والمسافرين وغيرهم فلا يثبت في حقه هذا الحكم وذكر ابن أبي موسى فيه روايتين لعموم النهي، والصحيح ما ذكرنا ان شاء الله تعالى فان الله تعالى انما نهى عن البيع من أمره بالسعي فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي، ولان تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة وهذا معدوم في حقهم، فان كان المسافر في غير المصر أو كان مقيما بقرية لاجمعة على أهلها لم يحرم البيع ولم يكره وجها واحدا، فان كان أحدهما مخاطبا بالجمعة دون الآخر حرم على المخاطب وكره للآخر لما فيه من الاعانة على الاثم، ويحتمل أن يحرم لقوله تعالى (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) { مسألة } (ويصح النكاح وسائر العقود في أصح الوجهين كالاجارة والصلح ونحوهما وفيه وجه آخر أنه يحرم ولا يصح لانه عقد معاوضة أشبه البيع.
ولا أن النهي مختص بالبيع وغيره لا يساويه في الشغل عن السعي لقلة وجوده فلا يؤدي إلى ترك الجمعة فلا يصح قياسه على البيع) { مسألة } (ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمرا، ولا بيع السلاح في الفتنة ولا لاهل الحرب ويحتمل أن يصح مع التحريم)
بيع العصير ممن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم وكرهه الشافعي، وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يصيره خمرا محرم وانما يكره إذا شك فيه، وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري أنه لا بأس ببيع التمر ممن يتخذه مسكرا، قال الثوري بع الحلال من شئت لقول الله تعالى (وأحل الله البيع) ولان البيع تم بأركانه وشروطه، ولنا قول الله تعالى (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وهذا نهي يقتضي التحريم، وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد: إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها، وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها.
أخرجه الترمذي من حديث أنس، وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي ابن بطة باسناده عن محمد ابن سيرين أن قيما كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له، وأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبا ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره فأمره بقلعه وقال بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر، ولانه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية فأشبه إجارة أمته لم يعلم أنه يستأجرها للزنا بها والآية مخصوصة بصور كثيرة فيخص منها صورة النزاع بدليلنا، وقولهم تم البيع بشروطه وأركانه قلنا لكن وجد المانع منه إذا ثبت هذا فانما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك إما بقوله أو بقرائن محتفة بقوله تدل عليه، وان كان الامر محتملا كمن لا يعلم حاله أو من يعمل الخل والخمر معا ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز.
فان باعها لمن يتخذها خمرا فالبيع باطل ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي
لان المحرم في ذلك اعتقاده بالعقد دونه فلم يمنع صحة العقد كما لو دلس العيب ولنا انه عقد على عين لمعصية الله تعالى بها فلم يصح كاجارة الامة للزنا والغناء، وأما التدليس فهو المحرم دون العقد ولان التحريم هنا لحق الله تعالى فافسد العقد كبيع الربا وفارق التدليس فانه لحق آدمي (فصل) وهكذا الحكم في كل ما قصد به الحرام كبيع السلاح في الفتنة أو لاهل الحرب أو لقطاع الطريق، وبيع الامة للغناء أو اجارتها لذلك فهو حرام والعقد باطل لما قدمنا.
قال ابن عقيل
وقد نص أحمد على مسائل نبه بها على ذلك فقال في القصاب والخباز إذا علم أن من يشتري منه يدعو عليه من يشرب المسكر لا يبيعه، ومن يخرط الاقداح لا يبيعها لمن يشرب فيها ونهى عن بيع الديباج للرجال ولا بأس ببيعه للنساء، وروي عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار وعلى قياسه البيض فيكون بيع ذلك كله باطلا (فصل) قال أحمد في رجل مات وخلف جارية مغنية وولدا يتيما وقد احتاج إلى بيعها قال يبيعها على أنها ساذجة فقيل له إنها تساوي ثلاثين الف درهم فإذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا.
فقال لاتباع الاعلى أنها ساذجة.
ووجهه ما روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يجوز بيع المغنيات ولا أثمانهن ولا كسبهن " قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث على بن يزيد وقد تكلم فيه بعض أهل العلم ورواه ابن ماجه وهذا يحمل على بيعهن لاجل الغناء، فاما ماليتهن الحاصلة بغير الغناء فلا تبطل كبيع العصير لمن لا يتخذه خمرا فانه لا يحرم لصلاحيته للخمر (فصل) (ولايجوز بيع الخمر ولا التوكل في بيعه ولا شرائه) قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن بيع الخمر غير جائز، وعند أبي حنيفة يجوز للمسلم أن يوكل ذميا في بيعها وشرائها ولا يصح.
فان عائشة روت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " حرمت التجارة في الخمر " وعن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول " ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فانه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال " لا، هو حرام " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قاتل الله اليهود، ان الله تعالى حرم عليهم شحومها فجعلوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه " متفق عليه ومن وكل في بيع الخمر وأكل ثمنه فقد أشبههم في ذلك، ولان الخمر نجسة محرمة فحرم بيعها والتوكيل فيه كالميتة والخنزير { مسألة } (ولا يصح بيع العبد المسلم لكافر إلا أن يكون ممن يعتق عليه فيصح في احدى الروايتين) لا يصح شراء الكافر مسلما، وهذا إحدى الروايتين عن مالك وأحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة يصح ويجبر على إزالة ملكه لانه يملك المسلم بالارث ويبقى ملكه عليه إذا أسلم في يده فصح أن يشتريه كالمسلم.
ولنا أنه يمنع استدامة ملكه عليه فمنع من ابتدائه كالنكاح ولانه عقد يثبت الملك
للكافر على المسلم فلم يصح كالنكاح وانما ملكه بالارث وبقي ملكه عليه إذا أسلم في يده لان الاستدامة أقوى من الابتداء بالفعل والاختيار بدليل ثبوته بهما للحوم الصيد مع منعه من ابتدائه فلا يلزم من
ثبوت الاقوى ثبوت ما دونه مع انا نقطع الاستدامة عليه باجباره على ازالتها، فان كان ممن يعتق عليه بالقرابة صح في احدى الروايتين وعتق عليه وهذا قول بعض الاصحاب، والاخرى لا يصح ولا يعتق لانه شراء يملك به المسلم فلم يصح كالذي لا يعتق عليه، ولان ما منع من شرائه لم يبح له شراؤه وان زال ملكه عقيب الشراء المحرم الصيد.
وجه الرواية الاولى أن الملك لا يستقر عليه وانما يعتق بمجرد الملك في الحال ويزول الملك عنه بالكلية ويحصل له من نفع الحرية أضعاف ما حصل من الاماء بالملك في لحظة يسيرة.
ويفارق من لا يعتق عليه فان ملكه لا يزول إلا بازالته وكذا شراء المحرم الصيد { مسألة } (وإن أسلم عبد الذمي أجبر على إزالة مكله عنه) لانه لا يجوز استدامة الملك للكافر على المسلم اجماعا وليس له كتابته لان الكتابة لا تزيل ملك السيد عنه ولايجوز اقرار ملك الكافر عليه وقال القاضي له ذلك لانه يزيل يده عنه فأشبه بيعه والاول أولى { مسألة } (ولايجوز بيع الرجل على بيع أخيه وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة، ولا شراؤه على شراء أخيه وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي فيها عشرة ليفسخ البيع ويعقد معه فان فعل فهل يصح؟ على وجهين) أما البيع فهو محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لابيع بعضكم على بيع بعض " ومعناه ما ذكرنا ومثله أن يقول أبيعك خيرا منها بثمنها أو يعرض عليهما سلعة يرغب المشتري ليفسخ البيع ويعقد معه فلا يجوز ذلك للنهي عنه ولما فيه من الاضرار بالمسلم والافساد عليه، وفي معنى ذلك شراؤه على شراء أخيه لانه في معنى المنهي عنه، ولان الشراء يسمى بيعا فيدخل في عموم النهي، ولان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه متفق عليه.
وهو في معنى الخاطب، وان خالف وفعل فالبيع باطل للنهي عنه والنهي يقتضي الفساد، وفيه وجه أنه يصح لان المحرم هو عرض سلعته على المشتري أو قوله الذى فسخ البيع من أجله وذلك سابق على البيع، ولانه إذا صح الفسخ الذي حصل به الضرر فالبيع
المحصل للمصلحة أولى ولان النهي لحق آدمي فأشبه بيع النجش وهذا مذهب الشافعي (فصل) وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يسم الرجل على سوم أخيه " ولا يخلو من أربعة أقسام (أحدها) أن يوجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع.
فهذا يحرم السوم على غير ذلك المشتري، وهو الذي تناوله النهي والثاني أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا فلا يحرم السوم لان النبي صلى الله عليه وسلم باع فيمن يزيد فروى أنس أن رجلا من الانصار شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الشدة والجهد فقال له " أما تبقى لك شئ؟ " قال بلى قدح وحلس قال " فائتني بهما " فأتاه بهما فقال " من يبتاعهما؟ " فقال رجل أخذتهما بدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من يزيد على درهم؟ " فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه: رواه الترمذي وقال حديث حسن وهذا أيضا اجماع فان المسلمين يبيعون في أسواقهم بالمزايدة (الثالث) أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا ولا عدمه فلا يحرم السوم أيضا ولا الزيادة استدلالا
بحديث فاطمة بنت قيس حين ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباها فأمرها أن تنكح أسامة، وقد نهى عن الخطبة على خطبة أخيه كما نهى عن السوم على سوم أخيه فما أبيح في أحدهما أبيح في الآخر (الرابع) أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح.
فقال القاضي لا تحرم المساومة، وذكر ان أحمد نص عليه في الخطبة استدلالا بحديث فاطمة ولان الاصل اباحة السوم والخطبة فحرم منه ما وجد فيه التصريح بالرضا وما عداه يبقى على الاصل (قال شيخنا) لو قيل بالتحريم ههنا لكان وجها حسنا فان النهي عام خرجت منه الصورة المخصوصة بأدلتها فتبقى هذه الصورة على مقتضى العموم ولانه وجد منه دليل على الرضا أشبه مالو صرح به، ولا يضر اختلاف الدليل بعد التساوي في الدلالة وليس في حديث فاطمة ما يدل على الرضا لانها جات مستشيرة للنبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك دليلا على الرضا وكيف ترضى وقد نهاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " لا تفوتينا بنفسك " فلم تكن تفعل شيئا قبل مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم والحكم في الفساد كالحكم في البيع على بيع أخيه في الموضع الذي حكمنا بالتحريم فيه (فصل) وبيع التلجئة باطل وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي هو صحيح
لان البيع تم بأركانه وشروطه خاليا عن مقارنة مفسدة فصح كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عقد البيع بغير شرط.
ولنا أنهما ما قصدا البيع فلم يصح منهما كالهازلين، ومعنى بيع التلجئة أن يخاف أن يأخذ السلطان أو غيره ملكه فيواطئ رجلا على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحتمي بذلك ولا يريدان بيعا حقيقيا { مسألة } (وفي بيع الحاضر للبادي روايتان إحداهما يصح والاخرى لا يصح بخمسة شروط أن يحضر البادي لبيع سلعة بسعر يومها جاهلا بسعرها ويقصده الحاضر وبالناس حاجة إليها، وإن اختل شرط منها صح البيع) البادي ههنا من يدخل البلد من غير أهلها سواء كان بدويا أو من قرية أو من بلدة أخرى، ولا يجوز ان يبيع الحاضر للبادي لقول ابن عباس نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد.
قال فقلت لابن عباس ما قوله حاضر لباد؟ قال لا يكون له سمسارا، متفق عليه، وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " رواه مسلم والمعنى في ذلك أنه متى ترك البدوي بيع سلعته اشتراها الناس رخص وتوسع عليهم السعر، وإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل لبلد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في تعليله إلى هذا.
وممن كره بيع الحاضر للبادي طلحة بن عبيد الله وابن عمر وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز ومالك والليث والشافعي، ونقل أبو إسحاق ابن شاقلا أن الحسن بن علي المصري سأل احمد عن بيع حاضر لباد فقال لا بأس به قال له فالخبر الذي جاء بالنهي.
قال كان ذلك مرة، فظاهر هذا أن النهي اختص بأول الاسلام لما كان عليهم من الضيق في ذلك.
هذا قول مجاهد وأبي حنيفة وأصحابه، والمذهب الاول لعموم النهي وما ثبت في حقهم ثبت في حقنا ما لم يقم على اختصاصهم به دليل، وهو مذهب الشافعي وظاهر كلام الخرقي أنه يحرم بثلاثة شروط (أحدها) أن يكون الحاضر قصد البادي ليتولى البيع له فان كان هو القاصد للحاضر جاز لان التضيق حصل منه لامن الحاضر.
(الثاني) أن يكون
البادي جاهلا بالسعر قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا كان البادي عارفا بالسعر لم يحرم لان التوسعة لا تحصل بتركه يبيعها لانه لا يبيعها إلا بسعرها ظاهرا (الثالث) أن يكون قد جلب السلعة للبيع، فاما
ان جلبها ليأكلها أو يخزنها فليس في بيع الحاضر له تضييقا بل توسعة، وذكر القاضي شرطين آخرين (أحدهما) أن يكون مريدا لبيعها بسعر يومها، فاما ان كان أحضرها وفي نفسه أن لا يبيعها رخيصة فليس في بيعه تضييق (الثاني) أن يكون بالناس حاجة إليها وضرر في تأخير بيعها كالاقوات ونحوها، وقال أصحاب الشافعي انما يحرم بشروط أربعة وهي ما ذكرنا إلا حاجة الناس إليها فمتى اختل شرط منها لم يحرم البيع وإن اجتمعت هذه الشروط فالبيع حرام وظاهر المذهب أنه باطل نص عليه احمد في رواية اسماعيل بن سعيد.
وذكر الخرقي رواية أخرى أن البيع صحيح وهو مذهب الشافعي لان النهي لمعنى في غير المنهي عنه فلم يبطل كتلقي الركبان ولنا أنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد والله أعلم { مسألة } (فأما شراؤه له فيصح رواية واحدة) وهو قول الحسن وكرهت طائفة الشراء لهم أيضا كما كرهت البيع فروى أنس قال: كان يقال هي كلمة جامعة يقول لا تبيعن له شيئا ولا تبتاعن له شيئا وهو إحدى الروايتين عن مالك ولنا أن النهي غير متناول للشراء بلفظه ولا هو في معناه فان النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر ليتسع عليهم السعر ويزول عنهم الضرر، وليس ذلك في الشراء لهم ولا يتضررون لعدم الغبن للبادين بل هو دفع الضرر عنهم والخلق في نظر الشارع على السواء فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر لا يلزم أن يلزم أهل البدو الضرر.
فاما ان أشار الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع فقد رخص فيه طلحة بن عبيدالله والاوزاعي وابن المنذر وكرهه مالك والليث وقول الصحابي أولى (فصل) وليس للامام أن يسعر على الناس بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون وهذا مذهب الشافعي، وكان مالك يقول يقال لمن يريد أن يبيع أقل ما يبيع الناس بع كما يبيع الناس وإلا فاخرج عنا، واحتج بما روى الشافعي وسعيد بن منصور عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب في سوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين بكل درهم فقال له عمر قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحتمل زبيبا وهم يعتبرون سعرك فاما أن ترفع في السفر وإما أن تدخل زبيبك فتبيعه كيف شئت ولان في ذلك إضرارا بالناس إذا زاد وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع.
ولنا ما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال " ان الله هو المسعر القابض الباسط الرازق إني لارجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وعن أبى سعيد مثله فوجه الدلالة من وجهين (أحدهما) أنه لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لا جابهم إليه (الثاني) أنه علل بكونه مظلمة والظلم حرام ولانه ماله فلم يجز منعه من بيعه بما تراضى عليه المتبايعان كما لو اتفق الجماعة عليه، والظاهر أنه سبب الغلاء لان الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعتهم بلدا يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها ويطلبها المحتاج
ولا يجدها الا قليلا فيرفع في ثمنها ليحصلها فتغلو الاسعار ويحصل الاضرار بالجانبين جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه فيكون حراما، فاما حديث عمر فقد روى فيه سعيد والشافعي أن عمر لما رجع حاسب نفسه ثم أتى حاطبا في داره فقال: ان الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء وانما هو شئ أردت به الخير لاهل البلد فحيث شئت فبع كيف شئت وهذا رجوع إلى ما قلنا وما ذكروه من الضرر موجود فيما إذا باع في بيته ولا يمنع منه { مسألة } (من باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها إلا أن تكون قد تغيرت صفتها، وان اشتراها أبوه أو ابنه جاز) من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقدا لم يجز روي ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال الثوري والاوزاعي ومالك واسحاق وأصحاب الرأي وأجازه الشافعي لانه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها كما لو باعها بمثل ثمنها ولنا ما روى غندر عن شعبة عن أبي اسحاق السبيعي عن أمرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة فقالت أم ولد زيد بن أرقم أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها: بئس ما شريت بئس ما اشتريت ابلغي زيد بن أرقم قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب.
رواه أحمد وسعيد بن منصور، والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه الا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم
فجرى مجرى روايتها ذلك عنه لان ذلك ذريعة إلى الربا فانه يدخل السلعة ليستبيح بيع الف بخمسمائة إلى أجل، ولذلك قال ابن عباس في مثل هذه المسألة أرى مائة بخمسين بينهما حريرة يعني خرقة حرير جعلاها في بيعهما والذرائع معتبرة، فأما ان باعها بمثل الثمن أو اكثر جاز لانه لا يكون ذريعة وهذا إن كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فان نقصت مثل ان هزل العبد أو نسي متاعه أو تخرق الثوب ونحوه جاز له شراؤها بما شاء لان نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا (فصل) فان اشتراها بعرض أو كان بيعها الاول بعرض فاشتراها بنقد جاز ولا نعلم فيه خلافا لان التحريم انما كان لشبهة الربا ولا ربا بين الاثمان والعروض، فان باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر فقال أصحابنا يجوز لانهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما أشبه ما لو اشتراها بعرض، وقال أبو حنيفة لا يجوز استحسانا لانهما كالشئ الواحد في معنى الثمنية ولان ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا فهو كما لو باعها بجنس الثمن الاول قال شيخنا وهذا أصح ان شاء الله تعالى وهذه المسألة تسمى مسألة العينة قال الشاعر: أندان أم نعتان أم ينبرى لنا * فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه ومعنى نعتان أي نشتري عينة كما وصفنا، وقد روى أبو داود باسناده عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " وهذا وعيد يدل على التحريم، وقد روي عن أحمد أنه قال: العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة فان باع بنقد ونسيئة فلا بأس وقال اكره
للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد قال ابن عقيل انما كره النسيئة لمضارعته الربا فان البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالاجل غالبا ويجوز أن تكون العينة اسما لهذه المسألة وللبيع نسيئة جميعا لكن البيع بنسيئة مباح اتفاقا ولا يكره الا أن لا يكون له تجارة غيره (فصل) فان باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة فقال أحمد في رواية حرب لا يجوز إلا أن تتغير السلعة لان ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا فهي كمسألة العينة، فان اشتراها بسلعة أخرى أو بأقل من ثمنها أو بمثله نسيئة جاز لما ذكرنا في مسألة العينة، وان اشتراها بنقد آخر بأكثر من ثمنها
فهو كمسألة العينة على ما ذكرنا من الخلاف، قال شيخنا ويحتمل أن يكون له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه إذ لم يكن ذلك عن مواطأة ولا حيلة بل وقع اتفاقا من غير قصد لان الاصل حل البيع وانما حرم في مسألة العينة للاثر الوارد فيه وليس هذا في معناه لان التوسل بذلك أكثر فلا يلحق به ما دونه (فصل) وفي كل موضع قلنا لا يجوز له ان يشتري لا يجوز ذلك لوكيله لانه قائم مقامه ويجوز لغيره من الناس سواء كان أباه أو ابنه أو غيرهما لانه غير البائع اشترى بنسيئة أشبه الاجنبي { مسألة } (وإن باع ما يجري فيه الربا بنسئية ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة لم يجز) روي ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس وبه قال مالك وإسحاق وأجازه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعلي بن حسين والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأى.
قال علي بن حسين إذا لم يكن لك في ذلك رأى.
وروى محمد بن عبد الله بن ابي مريم قال بعت تمرا من التمارين كل سبعة أصع بدرهم ثم وجدت عند رجل منهم تمرا يبيعه أربعة آصع بدرهم فاشتريت منه فسألت عكرمة عن ذلك فقال لا بأس أخذت أنقص مما بعت، ثم سألت سعيد بن المسيب عن ذلك وأخبرته بقول عكرمة فقال كذب قال عبد الله ابن عباس ما بعت من شئ مما يكال بمكيال فلا تأخذ منه شيئا مما يكال بمكيال إلا ورقا أو ذهبا، فإذا أخذت ذلك فابتع ممن شئت منه أو من غيره، فرجعت فإذا عكرمة قد طلبني فقال الذي قلت لك هو حلال هو حرام، فقلت لسعيد بن المسيب ان فضل لي عنده فضل قال فاعطه أنت الكسر وخذ منه الدراهم ووجه تحريم ذلك انه ذريعة إلى بيع الطعام بالطعام نسيئة فحرم كمسألة العينة، وقد نص أحمد على ما يدل على هذا، قال شيخنا والذي يقوى عندي جواز ذلك إذا لم يفعله حيلة ولاقصد ذلك في ابتداء العقد كما قال علي بن الحسين فيما روى عنه عبد الله بن زيد قال قدمت على علي بن الحسين فقلت له إني أجذ نخلي وأبيع فيمن حضرني إلى أجل فيقدمون بالحنطة وقد حل الاجل فيوقفونها بالسوق فابتاع منهم وأقاصهم، قال لا بأس بذلك إذا لم يكن منك على رأى وذلك لانه اشترى الطعام بالدراهم التي في الذمة بعد لزوم العقد الاول فصح كما لو كان المبيع الاول حيوانا أو ثيابا ولما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا، فان لم يأخذ بالثمن طعاما لكن اشترى من المشترى طعاما بدراهم
وسلمها إليه ثم أخذها منه وفاء أو لم يسلمها إليه لكن قاصه بها جاز كما في حديث علي بن الحسين (فصل) والاحتكار حرام لما روى أبو أمامة ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحتكر الطعام، وعن
سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من احتكر فهو خاطئ رواهما الاثرم، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " والاحتكار المحرم ما جمع ثلاثة شروط: (أحدها) أن يشتري فلو جلب شيئا أو أدخل عليه من غلته شيئا فادخره لم يكن محتكرا روي ذلك عن الحسن ومالك، قال الاوازعي الجالب ليس بمحتكر لقوله " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " ولان الجالب لا يضيق على أحد ولا يضر بل ينفع، فان الناس إذا علموا أن عنده طعاما معدا للبيع كان أطيب لقلوبهم (الثاني) أن يكون قوتا، فأما الادام والعسل والزيت وعلف البهائم فليس احتكاره بمحرم.
قال الاثرم سئل أبو عبد الله عن أي شئ الاحتكار؟ قال إذا كان من قوت الناس فهذا الذى يكره وهذا قول عبد الله بن عمرو، وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت وهو راوي حديث الاحتكار، قال أبو داود وكان يحتكر النوى والخبط والبزر ولان هذه الاشياء لاتعم الحاجة إليها أشبهت الثياب والحيوان (الثالث) أن يضيق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين (أحدهما) أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار كالحرمين والثغور قاله أحمد، فظاهر هذا ان البلاد الواسعة الكبيرة كبغداد والبصرة ومصر ونحوها لا يحرم فيها الاحتكار لان ذلك لا يؤثر فيها غالبا (الثاني) أن يكون في حال الضيق بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الاموال فيشترونها ويضيقون على الناس، وأما ان اشتراه في حال الاتساع والرخص على وجه لا يضيق على أحد لم يحرم (فصل) ويستحب الاشهاد في البيع لقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) أقل أحوال الامر الندب ولانه أقطع للنزاع وأبعد من التجاحد، ويختص ذلك ماله خطر فأما مالا خطر له كحوائج البقال والعطار وشبهها فلا يستحب ذلك فيها لانها تكثر فيشق الاشهاد عليها وتقبح إقامة البينة عليها، والترافع إلى الحاكم بخلاف الكثير وليس ذلك بواجب في واحد منها ولا شرطا له روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي وأصحاب الرأى واسحاق، وقال قوم هو فرض لا يجوز تركه
روي ذلك عن ابن عباس وممن رأى الاشهاد في البيع عطاء وجابر بن زيد والنخعي لظاهر الامر قياسا على النكاح.
ولنا قوله تعالى (فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته) قال أبو سعيد: صار الامر إلى الامانة وتلا هذه الآية، ولان النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعه ومن رجل سراويل ومن أعرابي فرسا فجحده الاعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت، ولم ينقل أنه اشهد في شئ من ذلك وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الاسواق فلم يأمرهم بالاشهاد ولانقل عنهم فعله ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لنقل، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد البارقي أن بشتري له أضحية ولم يأمره بالاشهاد، ولان المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها فلو وجب الاشهاد في كل ما يتبايعونه أفضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) والاية المراد بها الارشاد إلى حفظ الاموال والتعليم كما امر بالرهن والكاتب، وليس بواجب وهذا ظاهران شاء الله تعالى (فصل) ويكره البيع والشراء في المسجد لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك " رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وقال
قوم لا بأس به.
والصحيح الاول للحديث المذكور فان باع فالبيع صحيح لانه تم بأركانه وشروطه ولم يثبت وجود مفسد له وكراهة ذلك لا توجب الفساد كالغش في البيع والتدليس والتصرية، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم " قولوا لا أربح الله تجارتك " من غير اخبار بفساد البيع دليل على صحته والله أعلم { بسم الله الرحمن الرحيم } باب الشروط في البيع وهي ضربان: صحيح وهو ثلاثة أنواع (أحدها) شروط من مقتضى البيع كالتقابض وطول الثمن ونحوه فهذا لا يؤثر فيه لانه بيان وتأكيد لمقتضى العقد فوجوده كعدمه (الثاني) شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو الرهن أو الضمين أو الشهادة أو صفة في المبيع مقصودة نحو كون العبد كاتبا أو خطيبا أو صانعا أو مسلما أو الامة بكرا أو الدابة هملاجة أو الفهد صيودا فهو شرط صحيح يلزم الوفاء به فان لم يف به فللمشتري الفسخ والرجوع بالثمن والرضا به لانه شرط وصفا مرغوبا فيه فصار
الشرط مستحقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون عند شروطهم " ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافا { مسألة } (فان شرطها ثيبا كافرة فبانت بكرا مسلمة فلا فسخ له لانه زاده خيرا وليس ذلك يزيد في الثمن فاشبه مالو شرطه غير صانع فبان صانعا) وهذا قول الشافعي في البكر واختيار القاضي واستبعد كونه يقصد الثيوبة لعجزه عن البكر ويحتمل أن له الفسخ لان له فيه قصدا صحيحا وهو أن طالب الكافرة اكثرة لصلاحيتها للمسلمين والكفار أو ليستريح من تكليفها العبادات وقد يشترط الثيب لعجزه عن البكر أو لبيعها لعاجز عن البكر فقد فات قصده وقد دل اشتراطه على أن له قصدا صحيحا.
فأما ان شرط صفة غير مقصودة فبانت بخلافها مثل أن يشرطها سبطه فبانت جعدة أو جاهلة فبانت عالمة فلا خيار له لانه زاده خيرا.
(فصل) فان شرط الشاة لبونا صح وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يصح لانه لا يجوز بيع اللبن في الضرع فلم يجز شرطه، ولنا أنه امر مقصود يتحقق من الحيوان ويأخذ قسطا من الثمن فصح اشراطه كالصناعة في الامة والهملجة في الدابة وإنما لم يجز بيعه مفردا للجهالة والجهالة فيما كان تبعا لا تمنع الصحة ولذلك لو اشتراها بغير شرط صح بيعه معها.
وكذلك يصح بيع اساسات الحيطان والنوى في التمر وان لم يجز بيعهما منفردين فان شرط انها تحلب قدرا معلوما لم يصح لان اللبن يختلف ولا يمكن ضبطه فتعذر الوفاء به، وإن شرطها غزيرة اللبن صح لانه يمكن الوفاء به وان شرطها حاملا صح.
وقال القاضي قياس المذهب أن لا يصح لان الحمل لاحكم له.
ولهذا لا يصح اللعان على الحمل ويحتمل أنه ريح ولنا أنه صفة مقصودة يمكن الوفاء بها فصح شرطه كالصناعة وكونها لبونا.
وقوله ان الحمل لاحكم له لا يصح فان النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في الدية بأربعين خلفة في بطونها أولادها، ومنع أخذ الحوامل في الزكاة ومنع وطئ الحبالى المسبيات وأرخص للحامل في الفطر في رمضان إذا اخافت على ولدها ومنع من
إقامة الحد عليها من أجل حملها.
وظاهر الحديث المروي في اللعان يدل على أنه لاعنها حال حملها فانتفى عنه ولدها، فان شرط انها تضع الولد في وقت بعينه لم يصح وجها واحدا لانه لا يمكن الوفاء به، وكذلك ان شرط انها لا تحمل لذلك، وقال مالك لا يصح في المرتفعات ويصح في غيرهن، ولنا أنه
باعها بشرط البراءة من الحمل فلم يصح كالمرتفعات، وان شرطها حائلا فبانت حاملا فان كانت أمة فهو عيب يثبت الخيار وان كان في غيرها فهو زيادة لا يستحق به فسخا، ويحتمل أن يستحق لانه قد يريدها لسفر أو حمل شئ لا تتمكن منه مع الحمل، وان شرط البيض في الدجاجة فقيل لا يصح لانه لا علم عليه يعرف به ولم يثبت له في الشرع حكم وقيل يصح لانه يعرف بالعادة فأشبه اشتراط الشاة لبونا { مسألة } (وان اشترط الطائر مصوتا أو انه يجئ من مسافة معلومة صح وقال القاضي لا يصح) إذا شرط في الهزار والقمري ونحوهما انه مصوت فقال بعض أصحابنا لا يصح وبه قال أبو حنيفة لان صياح الطير يجوز أن يوجد وأن لا يوجد ولانه لا يمكنه اكراهه على التصويت.
والاولى جوازه لان فيه قصدا صحيحا وهو عادة له وخلقة فيه فأشبه الهملجة في الدابة والصيد في الفهد، وان شرط في الحمام انه يجئ من مسافة معلومة صح أيضا اختاره أبو الخطاب لان هذه عادة مستمرة وفيها قصد صحيح لتبليغ الاخبار وحمل الكتب فجرى مجرى الصيد والهملجة وقال القاضي لا يصح وهو قول أبى حنيفة لان فيه تعذيبا للحيوان أشبه مالو شرط الكبش مناطحا.
وان شرط الغناء في الجارية لا يصح لان الغناء مذموم في الشرع فلم يصح اشتراطه كالزنا.
وان شرط في الكبش النطاح أو في الديك كونه مناقرا لم يصح لانه منهي عنه في الشرع فجرى مجرى الغناء في الجارية.
وان شرط أن الديك يوقظه للصلاة لم يصح لانه لا يمكن الوفاء به وان شرط أنه يصيح في أوقات معلومة جرى مجرى التصويت في القمري على ما ذكرنا (والثالث) أن يشترط نفعا معلوما في المبيع كسكنى الدار شهرا وحملان البعير إلى موضع معلوم أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب أو تكسيره أو خياطة الثوب أو تفصيله ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع دارا ويستثني سكناها سنة، أو دابة ويشترط ظهره إلى مكان معلوم أو عبدا ويستثني خدمته مدة معلومة نص عليه أحمد وهو قول الاوزاعي وأبي ثور واسحاق وابن المنذر، وقال الشافعي وأصحاب الرأي لا يصح لانه يروى ان النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع وشرط ولانه ينافي مقتضى البيع فاشبه مالو شرط أن لا يسلمه ذلك لانه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفي البائع منفعته وقال ابن عقيل فيه رواية أخرى انه يبطل البيع والشرط نقلها عبد الله بن محمد في الرجل يشتري من الرجل الجارية ويشترط أن تخدمه فالبيع باطل
قال شيخنا وهذه الرواية لاتدل على محل النزاع في هذه المسألة فان اشتراط خدمة الجارية باطل لوجهين (أحدهما) انها مجهولة فاطلاقه يقتضي خدمتها أبدا وهذا لا خلاف في بطلانه انما الخلاف في اشتراط منفعة معلومة (الثاني) أن يشترط خدمتها بعد زوال ملكه عنها وذلك يفضي إلى الخلوة بها والخطر برؤيتها وصحبتها وهذا لا يوجد في غيرها ولذلك منع اعارة الامة الشابة لغير محرمها وقال
مالك ان اشرط ركوبا إلى مكان قريب جاز وان كان إلى مكان بعيد كره لان اليسير تدخله المسامحة ولنا ماروى جابرانه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره إلى المدينة وفي لفظ قال فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي متفق عليه وفي لفظ فبعته بخمس أواق قال قلت على ان لي ظهره إلى المدينة قال " ولك ظهره إلى المدينة " رواه مسلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا الا أن تعلم وهذه معلومة ولان المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري فيما إذا اشترى نخلا مؤبرة أو أرضا مزروعة أو دارا مؤجرة أو امة مزوجة فجاز أن يستثنيها كما لو اشترط البائع الثمرة قبل التأبير ولم يصح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط إنما نهى عن شرطين في بيع فمفهومه إباحة الشرط الواحد وقياسهم منقوض بشرط الخيار والتأجيل في الثمن (فصل) وان باع أمة واستثنى وطأها مدة معلومة لم يصع لان الوطئ لا يباح في غير ملك أو نكاح لقول الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وفارق اشتراط وطئ المكاتبة حيث نبيحه لانها مملوكة فيستباح وطؤها بالشرط في المحل المملوك.
واختار ابن عقيل عدم الاباحة أيضا وهو قول أكثر الفقهاء (فصل) وان باع المشتري العين المستثناة منفعتها صح البيع وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة أيضا فان كان عالما بذلك فلا خيار له لانه دخل على بصيرة فلم يثبت له خيار كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه وان لم يعلم فله خيار الفسخ كمن اشترى أمة مزوجة أو دارا مؤجرة وان اتلف المشتري العين فعليه أجرة المثل لتفويت المنفعة المستحقة لغيره وثمن البيع وان تلفت العين بتفريطه فهو كتلفها بفعله نص عليه احمد وقال يرجع البائع على المبتاع باحرة المثل قال القاضي: معناه عندي القدر الذي نقصه
البائع لاجل الشرط وظاهر كلام احمد خلاف هذا لانه يضمن ما فات بتفريطه فضمنه بعوضه وهو أجرة المثل فاما ان تلفت بغير فعله وتفريطه لم يضمن قال الاثرم: قلت لابي عبد الله فعلى المشتري أن يحمله على غيره لانه كان له حملان؟ قال الا أنما شرط عليه هذا بعينه لانه لا يملكها البائع من جهته فلم يلزمه عوضها كما لو تلفت النخلة المؤبرة بثمرتها أوغير المؤبرة إذا اشترط البائع ثمرتها وكما لو باع حائطا واستثنى منه شجرة بعينها فتلفت، وقال القاضي عليه ضمانها أخذا من عموم كلام أحمد وإذا تلفت العين رجع البائع على المبتاع باجرة المثل وكلامه محمول على حالة التفريط على ما ذكرناه (فصل) إذا اشترط البائع منفعة المبيع فاراد المشتري أن يعطيه ما يقوم مقام المبيع في المنفعة أو يعوضه عنها لم يلزمه قبوله وله استيفاء المنفعة من غير المبيع نص عليه احمد لان حقه تعلق بعينها أشبه ما لو استأجر عينا فبذل له الآخر مثلها ولان البائع قد يكون له غرض في استيفاء منافع تلك العين فلا يجبر على قبول عوضها فان تراضيا على ذلك جاز لان الحق لهما وان أراد البائع اعارة العين أو اجارتها لمن يقوم مقامه فله ذلك في قياس المذهب لانها منافع مستحقة له فملك ذلك فيها كمنافع الدار المستأجرة الموصى بمنافعها ولا تجوز اجارتها إلا لمثله في الانتفاع فان أراد اجارتها أو اعارتها لمن يضر بالعين بإنتفاعه لم يجز ذلك كما لا يجوز له اجارة العين المستأجرة لمن لا يقوم مقامه ذكر ذلك ابن عقيل.
(فصل) وان قال بعتك هذه الدار واجرتكها شهرا لم يصح لانه إذا باعه فقد ملك المشتري المنافع فإذا أجره اياها فقد شرط أن يكون له بدل في مقابلة ما ملكه المشتري فلم يصح قال ابن عقيل وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان ومعناه أن يستأجره طحانا ليطحن له كذا بقفيز منه فيصير كأنه شرط له القفيز عوضا عن عمله في باقي الكر المطحون ويحتمل الجواز بناء على اشتراط منفعة البائع في المبيع على ما نذكره ان شاء الله تعالى.
(فصل) ويصح أن يشترط المشتري نفع البائع في المبيع مثل أن يشتري ثوبا ويشرط على بائعه خياطته قميصا أو بغلة ويشرط حذوها نعلا أو حزمة حطب ويشرط حملها إلى موضع معلوم نص عليه أحمد في رواية مهنا وغيره، واحتج أحمد بما روي أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي حزمة حطب
وشارطه على حملها، وبه قال اسحاق وأبو عبيدة، وقال أبو حنيفة يجوز أن يشري بغلة ويشرط على البائع حذوها، وحكي عن أبي ثور والثوري أنهما أبطلا العقد بهذا الشرط لانه شرط فاسد أشبه الشروط الفاسدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط ولنا ما تقدم في قضية محمد بن مسلمة ولانه بيع واجارة لانه باعه الثوب وأجره نفسه على خياطته وكل واحد منهما يصح افراده بالعقد فإذا جمعهما جاز كالعينين ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط قال أحمد: انما نهى عن شرطين في بيع وهو يدل بمفهومه على جواز الشرط الواحد ولابد من العلم بالمنفعة لهما ليصح اشتراطها لاننا نزلنا ذلك منزلة الاجارة فلو اشترط حمل الحطب إلى منزله والبائع لايعرف منزله لم يصح وان شرط حذوها نعلا فلا بد من معرفة صفتها كما لو استأجره على ذلك ابتداء.
قال احمد: في الرجل يشتري البغلة على أن يحذوها جائز إذا أراد الشراك فان تعذر العمل بتلف المبيع قبله أو بموت البائع انفسخت الاجارة ورجع المشتري عليه بعوض ذلك، وان تعذر بمرض أقيم مقامه من يعمل العمل والاجرة عليه كقولنا في الاجارة.
(فصل) وإذا اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فاقام البائع مقامه من يعمل العمل فله ذلك بمنزلة الاجير المشترك يجوز أن يعمل العمل بنفسه وبمن يقوم مقامه وان أراد بذل العوض عن ذلك لم يلزم المشتري قبوله وان أراد المشتري أخذ العوض عنه لم يلزم البائع بذله لان المعاوضة عقد تراض فلا يجبر عليه أحد وان تراضيا عليه احتمل الجواز لانها منفعة يجوز أخذ العوض عنها لو لم يشترطها فإذا ملكها المشتري جاز له أخذ العوض عنها كما لو استأجرها وكما يجوز أن تؤجر المنافع الموصى بهامن ورثة الموصي ويحتمل أن لا يجوز لانه مشترط بحكم العادة والاستحسان لاجل الحاجة فلم يجز أخذ العوض عنه كالقرض فانه يجوز أن يرد في الخبز والخمير قل أو كثر ولو أراد أن يأخذ بقدر خبزه وكسره بقدر الزيادة لم يجز ولانه أخذ عوضا عن مرفق معتاد جرت العادة بالعفو عنه دون أخذ العوض فأشبه المنافع المستثناة شرعا وهو ما إذا باع أرضا فيها زرع للبائع واستحق تبقيته إلى حين الحصاد فلو أخذه قصيلا لينتفع بالارض إلى وقت الحصاد لم يكن له ذلك { مسألة } (وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على البائع لم يصح فيخرج ههنا مثله)
إذا اشترى زرعا أو جزه من الرطبة أو ثمرة على الشجر فالحصاد وجز الرطبة وجذاذ الثمرة على المشتري لان نقل المبيع وتفريغ ملك البائع منه على المشتري كنقل الطعام المبيع من دار البائع بخلاف الكيل والوزن والعدد فانها على البائع من مؤنة تسليم المبيع إلى المشتري والتسليم على البائع، وههنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع بدليل جواز بيعها والتصرف فيها وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا.
فان شرطه على البائع فاختلف أصحابنا فقال الخرقي يبطل البيع وقال ابن أبي موسى لا يجوز وقيل يجوز فان قلنا لا يجوز فهل يبطل البيع لبطلان الشرط على روايتين، وقال القاضي: المذهب جواز الشرط ذكره أبو بكر وابن حامد وقال القاضي ولم أجد بما قاله الخرقي رواية في المذهب، واختلف فيه أصحاب الشافعي فقال بعضهم إذا شرط الحصاد على البائع بطل البيع قولا واحدا وقال بعضهم يكون على قولين فمن افسده قال لا يصح لثلاثة معان (أحدها) شرط العمل في الزرع قبل أن يملكه (والثاني) أنه شرط مالا يقتضيه العقد (والثالث) أنه شرط تأخير التسليم لان معنى ذلك تسليمه مقطوعا، ومن أجازه هذا بيع واجارة وكل واحد منهما يصح افراده فصح جمعهما كالعينين وقولهم شرط العمل فيما لا يملكه يبطل بشرط رهن المبيع على الثمن في البيع (والثاني) يبطل بشرط الرهن والكفيل والخيار (والثالث) ليس بتأخير لانه يمكنه تسليمه قائما ويبقى الشرط من المستلم فليس ذلك بتأخير التسليم فإذا فسدت هذه المعاني صح لما ذكرناه.
فان قيل فالبيع يخالف حكمه حكم الاجارة لان الضمان ينتقل في البيع بتسليم العين بخلاف الاجارة فكيف يصح الجمع بينهما؟ قلنا كما يصح بيع الشقص والسيف وحكمهما مختلف بدليل ثبوت الشفعة في الشقص دون السيف، وقد صح الجمع بينهما.
وقول الخرقي ان العقد ههنا يبطل يحتمل أن يختص هذه المسألة وشبهها مما يفضي الشرط فيه إلى التنازع فان البائع قد يريد قطعها من أعلاها ليبقى له منها بقية والمشتري يريد الاستقصاء عليها ليزيد له ما يأخذه فيفضي إلى التنازع وهو مفسدة فيبطل البيع من أجله، ويحتمل أن يقاس عليه ما أشبهه من اشتراط منفعة البائع في البيع كما ذكرنا في صدر المسألة والاول أولى لوجهين (أحدهما) انه قد قال في موضع آخر ولا يبطل البيع شرط واحد (والثاني) ان المذهب انه يصح اشتراط منفعة
البائع في البيع كما ذكرنا والله أعلم { مسألة } وإن جمع بين شرطين لم يصح) ثبت عن أحمد رحمه الله انه قال: الشرط الواحد لا بأس به انما نهي عن الشرطين في البيع وهو ماروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك " أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
قال الاثرم قيل لابي عبد الله ان هؤلاء يكرهون الشرط في البيع فنفض يده وقال: الشرط الواحد لا بأس به في البيع إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في البيع وحديث جابريدل على اباحة الشرط حين باعه جملة وشرط ظهره إلى المدينة.
واختلف في تفسير الشرطين المنهي عنهما فروي عن أحمد أنهما شرطان صحيحان ليسامن مصلحة العقد فحكى ابن المنذر عنه وعن اسحاق فيمن اشترى ثوبا واشترط على
البائع خياطته أوقصارتة أو طعاما واشترط طحنه وحمله إن شرط أحد هذه الاشياء فالبيع جائز، وان اشترط شرطين فالبيع باطل وكذلك فسر القاضي في شرحه الشرطين المبطلين بنحو هذا التفسير وروى الاثرم عن أحمد تفسير الشرطين أن يشتريها على أنه لا يبيعها من أحد ولا يطؤها ففسره بشرطين فاسدين، وروى عنه اسماعيل بن سعيد في الشرطين في البيع ان يقول إذا بعتها فانا أحق بها بالثمن، وان تخدمني سنة فظاهر كلام احمد ان الشرطين المنهي عنهما ماكان من هذا النحو، واما ان شرط شرطين أو أكثر من مقتضى العقد أو من مصلحته مثل أن يبيعه بشرط الخيار والتأجيل والرهن والضمين أو بشرط ان يسلم إليه المبيع أو الثمن فهذا لا يؤثر في العقد وان كثر، وقال القاضي في المجرد ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط في العقد شرطين بطل سواء كانا صحيحين أو فاسدين لمصلحة العقد أو لغير مصلحته اخذا من ظاهر الحديث وعملا بعمومه ولم يفرق الشافعي وأصحاب الرأي بين الشرط والشرطين ورووا ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ولان الصحيح لا يؤثر في البيع وان كثر والفاسد يؤثر فيه وان اتحد والحديث الذي رويناه يدل على الفرق ولان العذر اليسير إذا احتمل في العقد لا يلزم احتمال الكثير، حديثهم ليس له أصل وقد أنكره أحمد ولا يعرفه مرويا في
مسند فلا يعول عليه، والذي ذكره القاضي في المجرد بعيد أيضا.
فان شرط ما يقتضيه العقد لا يؤثر فيه بغير خلاف وشرط ما هو من مصلحة العقد كالاجل والخيار والرهن والضمين وشرط صفة في المبيع كالكتابة والصناعة فيه مصلحة العقد فلا ينبغي أن يؤثر في بطلانه قلت أو كثرت.
ولم يذكر أحمد في هذه المسألة شيئا من هذا القسم فالظاهر أنه غير مراد له والاولى تفسيره بما حكاه ابن المنذر والله اعلم (فصل) (الثاني) فاسد وهو ثلاثة أنواع (أحدها) أن يشرط على صاحبه عقد آخر كسلف أو قرض أو بيع أو اجارة أو صرف للثمن أوغير فهذا يبطل البيع، ويحتمل أن يبطل الشرط وحده) المشهور في المذهب ان هذا الشرط فاسد يبطل به البيع لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع " قال الترمذي هذا حديث صحيح ولان النبي صلى الله عليه سلم نهى عن بيعتين في بيعة، حديث صحيح وهذا منه، قال احمد وكذلك كل ما في معنى ذلك مثل ان يقول على ان تزوجني ابنتك أو على أن أزوجك ابنتي فهذا كله لا يصح، قال ابن مسعود صفقتان في صفقة ربا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور العلماء وجوزه مالك وجعل العوض المذكور في الشرط فاسدا قال ولا ألتفت إلى اللفظ الفاسد إذا كان معلوما حلالا فكأنه باع السلعة بالدراهم التي ذكر أنه يأخذها بالدنانير ولنا الخبر والنهي يقتضي الفساد ولان العقد لا يجب بالشرط لكونه لا يثبت في الذمة فيسقط فيفسد العقد لان البائع لم يرض به الا بالشرط فإذا فات فات الرضا به ولانه شرط عقدا في عقد فلم يصح كنكاح الشغار، وقوله لاألتفت إلى اللفظ لا يصح لان البيع هو اللفظ كان فاسدا فكيف يكون صحيحا، ويحتمل ان يصح البيع ويبطل الشرط بناء على ما ينافي مقتضى العقد على ما نذكره ان شاء الله تعالى
(الثاني) شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو ان يشترط ان لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع والا رده أو الا يبيع ولا يهب ولا يعتق وان اعتق فالولاء له أو يشترط ان يفعل ذلك فهذا الشرط باطل في نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة حين شرط أهلها الولاء " ماكان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " نص على بطلان هذا الشرط وقسنا عليه سائر الشروط لانها في معناه وهل يبطل
بها البيع؟ على روايتين، قال القاضي: المنصوص عن احمد ان البيع صحيح وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الحسن والشعبي والنخعي والحكم وابن ابي ليلى وأبو ثور (والثانية) البيع فاسد وهو قول ابي حنيفة والشافعي لانه شرط فاسد فأفسد البيع كما لو اشترط فيه عقدا آخر، ولان الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا ولان البائع انما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه والمشتري كذلك إذا كان الشرط له فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه، والبيع ممن شرطه التراضي ولانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع وشرط ووجه الاولى ماروت عائشة قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقلت أن أحب أهلك أعدها لهم عدة واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت: اني عرضت عليهم فأبوا الا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال " خذيها واشترطي لهم الولاء فانما الولاء لمن اعتق " ففعلت عائشة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى، ماكان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وانما الولاء لمن أعتق " متفق عليه فابطل الشرط ولم يبطل العقد قال ابن المنذر خبر بريرة ثابت ولا نعلم خبرا يعارضه فالقول به يجب فإن قيل المراد بقوله " اشترطي لهم الولاء " اي عليهم بدليل انه امرها به ولا يأمرها بفاسد قلنا لا يصح هذا التأويل لوجهين احدهما ان الولاء لها باعتاقها فلا حاجة إلى اشتراطه (الثاني) لهم ابوا البيع الا ان يشترط لهم الولاء فكيف يأمرها بما علم انهم لا يقبلونه منها واما امرها بذلك فليس هو امرا على الحقيقة، وانما هو صيغة الامر بمعنى التسوية بين الا شتراط وتركه كقول الله تعالى (استغفر لهم) وقوله (اصبروا اولا تصبروا) والتقدير واشترطي لهم الولاء اولا تشترطي ولهذا قال عقيبه " فانما الولاء لمن اعتق " وحديثهم لااصل له على ما ذكرنا وما ذكروه من المعنى في مقابلة النص لا يقبل (فصل) وإذا حكمنا بصحة البيع فللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن ذكره القاضي وللمشتري
الرجوع يزيادة الثمن ان كان هو المشترط لان البائع انما سمح بالبيع بهذا الثمن لما يحصل له من الغرض بالشرط والمشتري انما سمح له بزيادة الثمن من اجل شرطه فإذا لم يحصل غرضه ينبغي ان يرجع بما سمح به كما لو وجده معيبا ويحتمل إن يثبت الخيار ولا يرجع بشئ كمن شرط رهنا اوضمينا فامتنع
الراهن والضمين ولان ما ينقصه الشرط من الثمن مجهول فيصير الثمن مجهولا ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم لارباب بريرة بشئ مع فساد الشرط وصحة البيع.
وان حكمنا بفساد العقد لم يحصل به ملك سواء قبضه أو يقبضه على ما نذكره ان شاء الله تعالى { مسألة } (إذا شرط العتق ففي صحته روايتان) احداهما يصح وهو مذهب مالك وظاهر مذهب الشافعي لان عائشة اشترت بريرة وشرط عليها اهلها عتقها وولاءها فانكر النبي صلى الله وسلم شرط الولاء دون العتق (والثانية) الشرط فاسد وهو مذهب أبي حنيفة لانه شرط ينافي مقتضى العقد أشبه ما لو شرط أن لا يبيعه ولانه شرط ازالة ملكه عنه أشبه ما إذا اشترط أن يبيعه وليس في حديث عائشة انها شرطت لهم العتق انما اخبرهم انها تريد ذلك من غير شرط فاشرطوا ولاءها فان حكمنا بفساده فحمكه حكم سائر الشروط الفاسدة على مابينا وان حكمنا بصحته فاعتقه المشتري فقد وفى بما شرط عليه وان لم يعتقه ففيه وجهان (احدهما) يجبر لان شرط العتق إذا صح تعلق بعينه فيجبر كما لو نذر عتقه (والثاني) لا يجبر لان الشرط لا يوجب فعل المشروط بدليل ما لو شرط الرهن والضمين فعلى هذا يثبت للبائع خيار الفسخ لانه لم يسلم له ما شرط أشبه ما لو شرط عليه رهنا فلم يف به، وان تعيب المبيع أو كان أمة فاحبلها أعتقه وأجزأه لان الرق باق فيه وان استغله أو أخذ من كسبه شيئا فهو له وان مات المبيع رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق فيقال كم قيمته لو بيع مطلقا وكم قيمته إذا بيع بشرط العتق؟ فيرجع بقسط ذلك من ثمنه في أحد الوجهين كالارش وفي الآخر يضمن بما نقص من قيمته { مسألة } (وعنه فيمن باع جارية وشرط على المشتري انه ان باعها فهو أحق بها بالثمن ان البيع جائز) روى المروذي عن أحمد انه قال هو في معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا شرطان
في بيع " يعني انه فاسد لانه شرط أن يبيعه اياه وان يبيعه بالثمن الاول فهما شرطان في بيع نهي عنهما ولانه ينافي مقتضى العقد لانه شرط ان لا يبيعه من غيره إذا أعطاه ثمنه فهو كما لو شرط ان لا يبيعه الا من فلان وروى عنه اسماعيل بن سعيد البيع جائز لما روي عن ابن مسعود انه قال ابتعت من امرأتي زينب الثقفية جارية وشرطت لها ان بعتها فهي لها بالثمن الذي ابتعتها به فذكرت ذلك لعمر فقال لا تقربها ولاحد فيها شرط قال اسماعيل فذكرت لاحمد الحديث قال البيع جائز ولا تقربها لانه كان فيها شرط واحد للمرأة لم يقل عمر في ذلك البيع فاسد فحمل الحديث على ظاهره وأخذه به وقد اتفق عمر وابن مسعود على صحته والقياس يقتضي فساده قال شيخنا ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية المروذي على فساد الشرط وفي رواية اسماعيل بن سعيد على جواز البيع فيكون البيع صحيحا والشرط فاسدا كما لو اشتراها بشرط أن لا يبيعها وقول أحمد لاتقربها قد روي مثله فيمن اشترط في الامة أن لا يبيعها ولا يهبها أو شرط عليه ولاءها أولا يقربها والبيع جائز لحديث عمر المذكور.
وقال القاضي
وهذا يدل على الكراهة لا على التحريم قال ابن عقيل عندي انه انما منع من الوطئ لمكان الخلاف في العقد لكونه يفسد بفساد الشرط في بعض المذاهب { مسألة } (وان شرط رهنا فاسدا كالخمر ونحوه فهل يبطل البيع على وجهين؟) أصلهما الروايتان في الشروط الفاسدة وقد مضى ذكرهما (فصل) وإذا قال رجل لغريمه: بعني هذا على أن أقضيك دينك منه، ففعل، فالشرط باطل لانه شرط أن لا يتصرف فيه بغير القضاء وهل يفسد البيع؟ ينبني على الشروط الفاسدة في البيع على ما ذكرنا.
وان قال اقبضني حقي على ان أبيعك كذا وكذا فالشرط باطل والقضاء صحيح لانه أقبضه حقه وان قال أقبضني أجود من مالي على ان ابيعك كذا فالقضاء والشرط باطلان وعليه رد ما قبضه ويطالب بماله (فصل) ومتى حكمنا بفساد العقد لم يثبت به ملك سواء اتصل به القبض أو لا ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ولاهبة ولا عتق ولا غيره وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة يثبت الملك فيه إذا
اتصل به القبض وللبائع الرجوع فيه فيأخذه مع زيادته المتصلة الا ان يتصرف فيه المشتري تصرفا يمنع الرجوع فيه فيأخذ قيمته محتجا بحديث بريرة فان عائشة اشترتها بشرط الولاء فاعتقها فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم العتق والبيع فاسد ولان المشتري على صفة يملك المبيع ابتداء بعقد وقد حصل عليه الضمان للبدل غير أنه عقد فيه تسليط فوجب ان يملكه كالعقد الصحيح.
ولنا انه مقبوض بعقد فاسد فلم يملكه كما لو كان الثمن ميتة أو دما فاما حديث بريرة فانما يدل على صحة العقد لاعلى ما ذكروه وليس في الحديث ان عائشة اشترتها بهذا الشرط بل الظاهر أن أهلها حين بلغهم انكار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشرط تركوه ويحتمل ان الشرط كان سابقا للعقد فلم يؤثر فيه (فصل) وعليه رد المبيع مع نمائه المنفصل وأجرة مثله مدة بقائه في يديه، وان نقص ضمن نقصه لانها جملة مضمونة فأجزاؤها تكون مضمونة أيضا وإن تلف المبيع في يد المشتري فعليه ضمانه بقيمته يوم التلف قاله القاضي ولان أحمد نص عليه في الغصب ولانه قبضه باذن مالكه فأشبه العارية، وذكر الخرقي في الغصب أنه يلزمه قيمته أكثر ما كانت فيخرج ههنا كذلك ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) فان كان المبيع أمة فوطئها المشتري فلا حد عليه لاعتقاده أنها ملكه، ولان في الملك اختلافا وعليه مهر مثلها لان الحد إذا سقط للشبهة وجب المهر، ولان الوطئ في ملك الغير يوجب المهر وعليه ارش البكارة إن كانت بكرا، فان قيل أليس إذا تزوج امرأة تزويجا فاسدا فوطئها فأزال بكارتها لا يضمن البكارة؟ قلنا لان النكاح تضمن الاذن في الوطئ المذهب للبكارة لانه معقود على الوطئ ولا كذلك البيع لانه ليس معقود على الوطئ بدليل أنه يجوز شراء من لا يحل وطؤها.
فان قيل إذا أوجبتم
مهر بكر فكيف توجبون ضمان البكارة وقد دخل ضمانها في المهر؟ وإذا أوجبتم ضمان البكارة فكيف توجبون مهر بكر وقد أدى عوض البكارة بضمانه له فجرى مجرى من أزال بكارتها باصبعه ثم وطئها؟ قلنا لان مهر البكر ضمان المنفعة وارش البكارة ضمان جزء فلذلك اجتمعا، وأما الثاني فانه إذا وطئها بكرا فقد استوفى نفع هذا الجزء فوجبت قيمة ما استوفى من نفعه وإذا أتلفه وجب ضمان عينه ولايجوز
أن يضمن العين ويسقط ضمان المنفعة كما لو غصب عينا ذات منفعة فاستوفى منفعتها ثم أتلفها أو غصب ثوبا فلبسه حتى أبلاه وأتلفه فانه يضمن القيمة والمنفعة كذا ههنا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: