الفقه الحنبلي - الاجارة

مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباه وأرض البصرة الشاربة من المد والجزر وأرض دمشق الشاربة من زيادة برد أو ما يشرب من الاودية الجارية من ماء المطر فتصح اجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به وبعده وحكى ابن الصباغ ذلك مذهبا للشافعي وقال أصحابه ان أكراها بعد الزيادة صح ولا تصح قبلها لانها معدومة لا يعلم هل يقدر عليها أو لا ولنا أن هذا معتادا لظاهر وجوده فجازت اجارة الارض الشاربة منه كالشاربة من مياه الامطار ولان ظن القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحة العقد كالسلم في الفاكهة إلى أوانها (النوع الثاني) أن يكون مجئ الماء نادرا أو غير ظاهر كالارض التى لا يكفيها الا المطر الشديد الكثير الذي يدر
وجوده أو يكون شربها من فيض ماء وجوده نادر أو من زيادة نادرة في نهر أو عين غالبة فهذه ان أجرها بعد وجود ما يسقيها به صح لانه أمكن الانتفاع بها وزرعها فجازت اجارتها كذات الماء الدائم، وان أجرها قبله لم يصح لانه يتعذر الزرع غالبا أو يتعذر المعقود عليه في الظاهر فلم تصح اجارتها كالآبق والمغصوب، وان اكتراها على أنها لا ماء لها جاز لانه يتمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها ووضع رحله وجمع الحطب فيها وله أن يزرعها رجاء الماء وان حصل له ماء قبل زرعها فله زرعها لان ذلك من منافعها الممكن استيفاؤها، وليس له أن يبني ولا يغرس لان ذلك يراد للتأبيد وتقدير الاجارة بمدة يقتضي تفريغها عند انقضائها، فان قيل فلو استأجرها للغراس والبناء صح مع تقدير المدة؟ قلنا التصريح بالبناء والغراس صرف التقدير عن مقتضاه بظاهره في التفريغ عند انقضاء المدة الا أن يشترط قلع ذلك عند انقضاء المدة فيصرف الغراس والبناء عما يراد له بظاهره بخلاف مسئلتنا، وان أطلق اجارة هذه الارض مع العلم بحالها وعدم مائها صح لانهما دخلا في العقد على أنها لا ماء لها فأشبه ما لو شرطاه، وان لم يعلم عدم مائها أو ظن المكتري انه يمكن تحصيل ماء لها بوجه من الوجوه لم يصح العقد لانه ربما دخل في العقد بناء على أن المالك يحصل لها ماء وأنه يكتريها للزراعة مع تعذرها وقيل لا يصح العقد على الاطلاق وان علم حالها لان اطلاق كراء الارض يقتضي الزراعة والاولى صحته لان العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط كالعلم بالعيب يقوم مقام شرطه، ومتى كان لها ماء غير
دائم أو الظاهر انقطاعه قبل الزرع أو لا يكفي الزرع فهي كالتي لا ماء لها ومذهب الشافعي في هذا كله كما ذكرنا (فصل) وان اكترى أرضا غارقة بالماء لا يمكن زرعها قبل انحساره عنها وقد ينحسر ولا ينحسر فالعقد باطل لان لانتفاع بها في الحال غير ممكن ولا يزول المانع غالبا، وان كان ينحسر عنها وقت الحاجة إلى الزراعة كأرض مصر في وقت مد النيل صح لان المقصود يتحقق بحكم العادة المستمرة، فان كانت الزراعة فيها ممكنة ويخاف غرقها والعادة غرقها لم تجز اجارتها لانها في حكم الغارقة بحكم العادة المستمرة (فصل) ومتى زرع فغرق الزرع أو هلك بحريق أو جراد أو برد أو غيره فلا ضمان على المؤجر ولا خيار للمكتري نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا وهو مذهب الشافعي، لان التالف غير المعقود عليه وانما تلف مال المكتري فيه فأشبه من اكترى دكانا فاحترق متاعه فيه ثم إن أمكن المكتري الانتفاع بالاض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة فله ذلك، وان تعذر ذلك لزمه الاجر لان تعذره لفوات وقت الزراعة بسبب غير مضمون على المؤجر لا لمعنى في العين، وان تعذر الزرع بسبب غرق الارض وانقطاع مائها فللمستأجر الخيار لانه لمعنى في العين، وان تلف الزرع بذلك فليس على المؤجر ضمانه لانه لم يتلف بمباشرة ولا سبب، وان قل الماء بحيث لا يكفي الزرع فله الفسخ لانه عيب فان كان ذلك بعد الزرع فله الفسخ أيضا ويبقى الزرع في الارض إلى أن يستحصد وعليه من المسمى بحصته إلى
حين الفسخ وأجر المثل لما بقي من المدة لارض لها مثل ذلك الماء وكذلك ان انقطع الماء بالكلية أو حدث بها عيب من غرق يهلك به بعض الزرع أو تسوء حالته به * (مسألة) * (وان اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر، وان اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك الآخر) إذا اكترى دابة للركوب لم يملك الحمل عليها لان الراكب يعين الظهر بحركته، وان اكتراها ليحمل عليها فليس له ركوبها لان الراكب يقعد في موضع واحد فيشتد على الظهر والمتاع يتفرق على
جنبيها، وان اكتراها ليركبها عريا لم يجز أن يركب بسرج لانه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه، وإن اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا لان الركوب بغير سرج يحمى به الظهر فربما عقرها، وان اكتراها ليركب بسرج لم يجز أن يركب بأثقل منه فان اكترى حمارا بسرج لم يجز أن يركبه بسرج البرذون ان كان أثقل من سرجه، وإن اكترى دابة بسرج فركبها بأثقل منه أو أضر منه لم يجز، وان كان أخف أو أقل ضررا فلا بأس، وإن اكترى دابة ليحمل عليها حديدا لم يحمل عليها قطنا لانه يتجافى وتهب فيه الربح فيتعب الظهر، وإن اكتراها لحمل القطن فليس له حمل الحديد لانه يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه والقطن يتفرق ويكثر ضرره ومتى فعل ما ليس له فعله كان ضامنا وعليه أجر المثل وهذا كله مذهب الشافعي وأبي ثور
(فصل) وإن اكترى دابة ليركبها في مسافة معينة معلومة أو يحمل عليها فيها فاراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر وهي أضر منها أو يخالف ضررها ضررها بأن تكون إحداهما أخوف والاخرى أخشن لم يجز وان كانت مثلها في السهولة والحزونة والامن أو التي يعدل إليها أقل ضررا فذكر القاضي أنه يجوز وهو قول أصحاب الشافعي لان المسافة عينت ليستوفي بها المنفعة ويعلم قدرها بها فلم تتعين كنوع المحمول والراكب قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى كان للمكتري غرض في تلك الجهة المعينة لم يجز العدول إلى غيرها مثل من يكري جماله إلى مكة ليحج معها فلا يجوز له أن يذهب بها إلى غيرها، ولو أكراها إلى بغداد لكون أهله بها أو ببلد العراق فليس له الذهاب إلى مصر، ولو أكرى جماله جملة إلى بلد لم يجز التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة وبباقيها إلى غيرها وذلك لانه عين المسافة لغرض في فواته ضرر فلم يجز تفويته كما في حق المكتري فانه لو أراد حمله إلى غير المكان الذي اكترى إليه لم يجز وكما لو عين طريقا سهلا أو آمنا فأراد سلوك ما يخالفه في ذلك (فصل) إذا اكترى قميصا ليلبسه جاز لان الانتفاع به ممكن مع بقاء عينه ويجوز بيعه أشبه العقار ولابد من تقدير المنفعة بالمدة فان كانت العادة في بلده نزع ثيابهم عند نوم الليل فعليه نزعه لان الاطلاق يحمل على العادة وله لبسه فيما سوى ذلك ولا يلزمه نزعه إذا نام نهارا لانه العرف ويلبس
القميص على ما جرت العادت به لا أن يتزر به لانه يعتمد عليه فيشقه، وفي اللبس لا يعتمد ويجوز
الارتداء به لانه أخف من اللبس ومن ملك شيئا ملك ما هو أخف منه وقيل لا يجوز لانه استعمال له بما لا تجري العادة به في القميص أشبه الاتزار به والله أعلم * (مسألة) * (وإن فعل ما ليس له فعله فعليه أجر المثل) لانه استوفى منفعة غير التي عقد عليها لا يجوز له استيفاؤها فلزمه أجر المثل كالغاصب * (مسألة) * (وإن اكتراها لحمولة شئ فزاده أو إلى موضع فجاوزه فعليه الاجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد، وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع) وجملة ذلك أن من اكترى دابة لحمولة شئ فزاد عليه كمن اكترى لحمل قفيزين فحمل ثلاثة أو إلى موضع فجاوزه مثل أن يكتريها من دمشق إلى القدس فيركبها إلى مصر وجب عليه الاجر المسمى وأجر المثل لما زاد وضمانها ان تلفت وهذا مذهب الشافعي ونص عليه أحمد فيما إذا استأجرها إلى موضع فجاوزه واليه ذهب ابن شبرمة والحكم، والظاهر من قول الفقهاء السبعة، وقال الثوري وأبو حنيفة لا أجر عليه لما زاد لان منافع الغصب غير مضمونة عندهما، وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة خير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي لانه متعدى بامساكها فكان لصاحبها تضمينها إياه ولنا أن العين باقية بحالها يمكن أخذها فلم تجب قيمتها كما لو كانت المسافة قريبة وما ذكروه تحكم
لا دليل عليه ولا نظير له فلا يجوز المصير إليه وسيأتي الكلام مع أبي حنيفة في باب الغصب إن شاء الله وحكى القاضي أن قول أبي بكر فيما إذا اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وجوب أجر المثل للجميع آخذا من قوله فيمن استأجر أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة ان عليه أجر المثل للجميع لانه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضا فزرع أخرى فجمع القاضى بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر وقال ينقل قول كل واحد من إحدى المسئلتين إلى الاخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في
المسئلتين وجهان، وليس الامر كذلك فان بين المسئلتين فرقا ظاهرا فان الذي حصل التعدي فيه في الحمل متميز عن المعقود عليه وهو القفيز الزائد بخلاف الزرع، ولانه في مسألة الحمل استوفى المنفعة المعقود عليها وزاد وفي الزرع لم يزرع ما وقع العقد عليه ولهذا علله أبو بكر بأنه عدل عن المعقود عليه ولا يصح هذا القول في مسألة الحمل فانه قد حمل المعقود عليه وزاد عليه بل الحاق هذه المسألة بما إذا اكترى إلى مسافة فزاد عليها أشد وشبهها بها أشد لانه في مسألة الحمل متعد بالزيادة وحدها وفي مسألة الزرع متعد بالزرع كله فأشبه الغاصب (فصل) فاما مسألة الزرع فيما إذا اكترى لزرع الشعير فزرع حنطة فقد نص أحمد في رواية عبد الله فقال: ينظر ما يدخل على الارض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الارض فجعل هذه المسألة كمسئلتي الخرقي في إيجاب المسمى وأجر المثل المزائد ووجهه أنه لما عين الشعير لم يتعين
ولم يتعلق العقد بعينه كما سبق ذكره ولهذا قلنا له زرع مثله وما هو دونه في الضرر فإذا زرع حنطة فقد استوفى حقه وزيادة أشبه ما لو اكتراها إلى موضع فجاوزه، وقد ذكرنا قول أبي بكر ان له أجر المثل لانه عدل عن المعقود فان الحنطة ليست بشعير وزيادة، وإن قلنا إنه قد استوفى المعقود عليه وزبادة غير أن الزبادة ليست متميزة عن المعقود عليه بخلاف مسئلتي الخرقي، وقال الشافعي المكري مخير بين أخذ الكراء وما نقصت الارض عما ينقصها الشعير وبين أخذ كراء مثلها للجميع لان هذه المسألة أخذت شبها من أصلين (أحدهما) إذا ركب دابة فجاوز بها المسافة المشترطة لكونه استوفى المعقود عليه وزيادة (والثاني) إذا استأجر أرضا فزرع غيرها لانه زرع متعديا فلهذا خيره بينهما ولانه وجد سبب يقتضي كل واحد من الحكمين وتعذر الجمع بينهما فكان له أوفرهما وفوض اختياره إلى المستحق كقتل العمد، والاولى إن شاء الله قول أبي بكر فان هذا متعد بالزرع كله فكان عليه أجر المثل كالغاصب ولهذا ملك رب الارض منعه من زرعه ويملك أخذه بنفقته إذا زرعه، ويفارق من زاد على حقه زيادة متميزة في كونه لم يتعد بالجميع إنما تعدى بالزبادة فقط ولهذا لا يملك المكري منعه من الجميع، ونظير هاتين المسئلتين من اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة حنطة فجعل أكثر منها ومن
اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل فيها قنطار حديد ففي الاولى له المسمى وأجر الزيادة، وفي الثانية يخرج فيها من الخلاف كقولنا في مسألة الزرع وحكم المستأجر الذي يزرع أضر مما اكترى له
حكم الغاصب لرب الارض منعه في الابتداء لما يلحقه من الضرر فان زرع فرب الارض مخير بين ترك الزرع بالاجر وبين أخذه ودفع النفقة، وان لم يعلم حتى أخذ المستأجر زرعه فله الاجر على ما نذكر في الغصب (فصل) وان اكترى دابة إلى مسافة فسلك أشق منها فهي كمسألة الزرع يخرج فيها وجهان وقياس منصوص أحمد ان له الاجر المسمى وزيادة لكون المسافة لا تتعين على قول أصحابنا وقياس قول أبي بكر ان له أجر المثل لان الزيادة غير متميزة ولانه متعد بالجميع بدليل ان لرب الدابة منعه من سلوك تلك الطريق كلها بخلاف من سلك تلك الطريق وجاوزها فانه انما يمنعه الزيادة لا غير، وان اكترى لحمل قطن فحمل بوزنه حديدا أو بالعكس فعليه أجر المثل لان ضرر أحدهما مخالف لضرر الآخر فلم يتحقق كون المحمول مشتملا على المستحق بعقد الاجارة وزيادة عليه بخلاف ما قبلها من المسائل وسائر مسائل العدوان يقاس على ما ذكرنا من المسائل ما كان متميزا وما لم يكن متميزا فتلحق كل مسألة بنظيرتها (فصل) وان اكتراه لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة فان كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم المكري بذلك فهو كمن اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وان كان المكري تولى كيله وتعبيته ولم يعلم المكتري فهو غاصب لا أجر له في حمله الزائد وان تلفت دابته فلا ضمان لها لانها تلفت بعدوان صاحبها
وحكمه في ضمان الطعام حكم من غصب طعام غيره، وان تولى ذلك أجنبي ولم يعلما فهو متعد عليهما عليه لصاحب الدابة الاجر ويتعلق به ضمانها وعليه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعباه وضعه على ظهرها، وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين إذا كاله المكتري ووضعه المكري على ظهر البهيمة لا ضمان على المكتري لان المكري مفرط في حمله
ولنا ان التدليس من المكتري إذ أخبره بكيلها بخلاف ما هو به فلزمه الضمان كما لو أمر أجنبيا بتحميلها، فأما ان كالها المكتري ووضعها المكري على الدابة عالما بكيلها لم يضمن المكتري الدابة إذا تلفت لانه فعل ذلك من غير تدليس ولا تغرير وله أجر القفيز الزائد في أحد الوجهين لانهما اتفقا على حمله على سبيل الاجارة فجرى مجرى المعاطاة في البيع ودخول الحمام من غير تقدير أجر (والثاني) لا أجر له لان المكتري لم يجعل له على ذلك أجرا، وإن كاله المكري وحمله المكتري على الدابة عالما بذلك من غير أن يأمره بحمله فعليه أجر القفيز الزائد وان أمره بحمله ففي وجوب الاجر وجهان كما لو حمله المكري عليها لانه إذا أمر به كان كفعله، وإن كاله أحدهما وحمله أجنبي فهو كما لو حمله الذي كاله وإن كان بامر الاخر فهو كما لو حمله الاخر وإن حمله بغير أمرهما فهو كما لو كاله ثم حمله * (مسألة) * (وإن تلفت ضمنها إلا ان تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين) إذا تلفت الدابة التي تعدى فيها إما بزيادة على الحمل أو زيادة على المسافة ضمنها بقيمتها سواء
تلفت في الزبادة أو بعد ردها إلى المسافة وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن هذا ظاهر كلام الخرقي والفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدي، وقال القاضي ان كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكتري وان هلكت والمكتري راكب عليها أو حمله عليها ضمنها، وقال أبو الخطاب ان كانت يد صاحبها عليها احتمل أن يلزم المكتري جميع قيمتها واحتمل أن يلزمه النصف، وقال أصحاب الشافعي ان لم يكن صاحبها معها لزم المكتري جميع القيمة وان كان معها فتلفت في يد صاحبها لم يضمنها المكتري لانها تلفت في يد صاحبها أشبه ما لو تلفت بعد مدة التعدي، وإن تلفت تحت الراكب ففيه قولان (أحدهما) يلزمه نصف القيمة لانها تلفت بفعل مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها (والثاني) تقسط القيمة على المسافتين فما قابل مسافة الاجارة سقط ووجب الباقي ونحو هذا قول أبي حنيفة فانه قال فيمن اكترى جملا لحمل تسعة فحمل عشرة فتلف فعلى المكتري عشر قيمته، قال شيخنا وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها، فاما ان تلفت حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا
خلاف في ضمانها بكمال قيمتها لانها تلفت في يد عادية فوجب ضمانها كالمغصوب، وكذلك إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها لان اليد للراكب وصاحب الحمل بدليل ما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والاخر آخذ بزمامها كانت لصاحب الحمل والراكب ولان الراكب متعد
بالزيادة وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن خرق ثياب انسان وهو ساكت ولانها ان تلفت بسبب تعبها فالضمان على المتعدي كمن القى حجرا في سفينة موقرة فغرقها، فأما ان تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها وكان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كتلفها تحت الحمل والراكب، وان كان بسبب آخر من افراس سبع أو سقوط في هوة فلا ضمان فيها لانها لم تتلف في يد عادية ولا بسبب عدوان، وقولهم تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحين يبطل بما إذا قطع السارق ثم قطع آخر يده عدوانا فمات منهما، وفارق ما لو جرح نفسه وجرحه غيره لان الفعلين عدوان فقسم الضمان عليهما (فصل) ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد يسقط كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها ولنا انها يد صارت ضامنة فلا يزول الضمان عنها إلا باذن جديد ولم يوجد والاصل ممنوع إلا أن يردها إلى مالكها أو يجدد لها إذنا * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه وشد الاحمال والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض ومفاتيح الدار وعمارتها وكل ما جرت عادته به
يلزم المكري كل ما جرت العادة أن يوطئ به للركوب من الحداجة للجمل والقتب وما يتمكن به الراكب من النفع كزمام الجمل والبرة التي في أنفه ان كانت العادة جارية بها والسرج واللجام للفرس والبردعة والاكاف للبغل والحمار على ما يقتضيه العرف يحمل الاطلاق عليه، وما زاد على ذلك من المحمل والمحارة والحبل الذي يشد به بين المحملين على المكتري لانه من مصلحة الحمل وكذلك
الوطاء الذي يشد فوق الحداجة تحت المحمل وعلى المكري رفع المحمل وحطه وشده على الحمل ورفع الاحمال وشدها وحطها لان هذا هو العرف وبه يتمكن من الركوب، ويلزمه القائد والسائق هذا إذا كان الكراء على أن يذهب مع المكتري، فان كان على أن يتسلم الراكب البهيمة ليركبها بنفسه فكل ذلك عليه لان الذي على المكري تسليم البهيمة وقد سلمها، فأما الدليل فهو على المكتري لان ذلك خارج عن البهيمة المكتراة وآلتها فاشبه الزاد وقيل ان كان اكترى منه بهيمة بعينها فأجرة الدليل على المكتري لان الذي عليه تسليم الظهر وقد سلمه، وان كانت الاجارة على حمله إلى مكان معين في الذمة فهو على المكتري لانه من مؤنة إيصاله إليه وتحصيله فيه، فان كان الراكب ممن لا يقدر على الركوب والبعير قائم كالمرأة والشيخ والضعيف والسمين فعلى الجمال أن يبرك الجمل لركوبه ونزوله لانه لا يتمكن منها إلا به وإن كان ممن يمكنه الركوب والنزول مع قيام البعير لم يلزم الجمال أن يبرك الجمل لامكان استيفاء المعقود عليها، فان كان قويا حال العقد فتجدد له الضعف أو بالعكس فالاعتبار بحال الركوب لان العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة، ويلزم الجمال أن يقف البعير لينزل لصلاة الفرض وقضاء حاجة الانسان والطهارة ويدع البعير واقفا حتى يفعل ذلك لانه لا يمكنه فعل شئ من هذا على ظهر البعير، وما يمكنه فعله عليه
من الاكل والشرب وصلاة النافلة لا يلزمه ان يقفه له من أجله فان أراد المكتري اتمام الصلاة وطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه ذلك بل تكون خفيفة في تمام (فصل) إذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول والمشي عند اقتراب المنزل والراكب امرأة أو ضعيف لم يلزمه ذلك لانه اكترى جميع الطريق كالمتاع، وان كان جلدا قويا احتمل أن لا يلزمه أيضا لانه عقد على جميع الطريق ولم تجر له عادة بالمشي فلزم حمله في جميع الطريق أشبه الضعيف ويحتمل ان يلزمه لانه متعارف والمتعارف كالمشروط (فصل) فان كان المكترى دارا أو حماما فعلى المكري ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لان عليه التمكين من الانتفاع وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع، فان ضاعت أو تلفت بغير تفريط المستأجر فعلى المؤجر بدلها لكونها أمانة في يد المستأجر فأشبه حيطان الدار وأبوابها وان
سقط حائط أو خشبة أو انكسرت فعليه ابدالها وبناء الحائط، وعليه تبليط الحمام وعمل الابواب والبرك ومجرى الماء لان بذلك يحصل الانتفاع ويتمكن منه وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبركة فعلى المكتري فاما التحسين والتزويق فلا يلزم واحدا منهما لان الانتفاع ممكن بدونه * (مسألة) * (فاما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا سلمها فارغة) إن احتيج إلى تفريغ البالوعة والكنيف عند الكراء فعلى المكري لانه مما يتمكن به من الانتفاع
وان امتلات بفعل المستأجر فتفريغها عليه وهذا قول الشافعي، وقال أبو ثور هو على رب الدار لان به يتمكن من الانتفاع أشبه ما لو اكتراها وهي ملاى، وقال أبو حنيفة القياس أنه على المكتري والاستحسان أنه على رب الدار لان ذلك عادة الناس ولنا أن ذلك حصل بفعل المكتري فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا، والقول في تفريغ جية الحمام التي هي مصرف مائه كالقول في بالوعة الدار، وان انقضت الاجارة وفي الدار زبل أو قمامة من فعل الساكن فعليه نقله وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي (فصل) فان شرط على مكتري الحمام أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يصح لانه لا يجوز أن يؤجر مدة لا يمكنه الانتفاع في بعضها ولا يجوز أن يشرط أن يستوفي بقدرها عند انقضاء مدته لانه يؤدي إلى أن يكون انتهاء مدة الاجارة مجهولا فان أطلق وتعطل فهو عيب حادث والمكتري بالخيار بين الامساك بكل الاجر وبين الفسخ ويتخرج أن له ارش العيب، كالمبيع المعيب فان لم يعلم بالعيب حتى انقضت مدة الاجارة فعليه جميع الاجر لانه استوفى المعقود عليه فأشبه ما لو علم العيب بعد العقد فرضيه ويتخرج أن له أرش العيب كما لو اشترى معيبا فلم يعلم عيبه حتى تلف في يده أو أكله (فصل) وإن شرط على المكتري النفقة الواجبة على المكري كعمارة الحمام فالشرط فاسد لان العين ملك للمؤجر فنفقتها عليه، فان انفق بناء على هذا الشرط احتسب به على المكتري لانه أنفقه
على ملكه بشرط العوض فان اختلفا في قدر ما أنفق ولا بينة فالقول قول المكري لانه منكر فان لم
يشرط لكن أذن له في الانفاق ليحتسب له به من الاجر ففعل ثم اختلفا فالقول قول المكري أيضا، وإن أنفق من غير اذنه لم يرجع بشئ لانه أنفق على ماله بغير إذنه نفقة غير واجبة على المالك أشبه ما لو عمر له دارا أخرى (فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في جواز كراء الابل وغيرها من الدواب إلى مكة وغيرها قال الله تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) ولم يفرق بين المملوكة والمستأجرة، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) أن يحج ويكري ونحوه عن ابن عمر ولان بالناس حاجة إليه، وقد فرض الله تعالى الحج على الناس وليس لكل أحد بهيمة يملكها ولا يحسن القيام بها والشد عليها فدعت الحاجة إلى استئجارها فجاز ذلك دفعا للحاجة.
إذا ثبت هذا فمن شرط صحة العقد معرفة المتعاقدين المعقود عليه لانه عقد معاوضة أشبه البيع فأما الجمال فيحتاج إلى معرفة الراكبين بالرؤية أو بالصفة من المعرفة بالصفة تقوم مقام الرؤية إذا وصفهما بالطول والقصر والهزال والسمن والصغر والكبر والذكورية والانوثية، وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب لا يكفي في ذلك الصفة لانه يختلف بثقله وخفته وسكونه وحركته ولا ينضبط بالوصف فيجب تعيينه وهذا مذهب الشافعي ولهم في المحمل وجه أنه لا يكتفى فيه بالصفة ويجب تعيينه
ولنا أنه عقد معاوضة مضاف إلى حيوان فاكتفي فيه بالصفة كالبيع وكالمركوب في الاجارة ولانه لو لم يكتف فيه بالصفة لما جاز للراكب أن يقيم غيره مقامه لانه انما يعلم كونه مثله لتساويهما في الصفات فما لا تأتي عليه الصفات لا يعلم تساويهما فيه ولان الوصف يكتفى به في البيع فاكتفي به في الاجارة كالرؤية والتفاوت بعد ذكر الصفات يسير تجري المسامحة فيه كالمسلم فيه ويحتاج إلى معرفة الآلة التي يركبان فيها من محمل ومحارة وقتب وغير ذلك، وهل يكون مغطى أو مكشوفا؟ فان كان مغطى احتاج إلى معرفة الغطاء ويحتاج إلى معرفة الوطاء ومعرفة المعاليق التي معه من قربة وسطيحة وقدر وسفرة ونحوها وذكر سائر ما يحمل معه وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر إلا أن الشافعي قال: يجوز اطلاق غطاء المحمل لانه لا يختلف اختلافا كثيرا متباينا، وحكي عنه في المعاليق قول أنه يجوز اطلاقها ويحمل على العرف
وحكي عن مالك أنه يجوز اطلاق الراكبين لان أجسام الناس متقاربة في الغالب، وقال أبو حنيفة إذا قال في المحمل رجلان وما يصلحهما من الوطاء والدثر جاز استحسانا لان ذلك يتقارب في العادة فحمل على العادة كالمعاليق، وقال القاضي في غطاء المحمل كقول الشافعي ولنا أن هذا يختلف ويتباين كثيرا فاشترطت معرفته كالطعام الذي يحمله معه وقول مالك إن أجسام الناس متقاربة لا يصح فان منهم الكبير والصغير والطويل والقصير والسمين والهزيل والذكر والانثى ويختلفون بذلك ويتباينون كثيرا ويتفاوتون أيضا في المعاليق منهم من يكثر الزاد والحوائج
ومنهم من يقنع باليسير ولا عرف له يرجع إليه فاشترطت معرفته كالمحمل والاوطئة، وكذلك غطاء المحمل من الناس من يختار الواسع النقيل الذي يشد على المحمل في الهواء ومنهم من يقنع بالضيق الخفيف فتجب معرفته كسائر ما ذكرنا، فان رأى الراكبين أو وصفا له وذكر الباقي بارطال معلومة جاز ذكره الخرقي، وأما الراكب فيحتاج إلى معرفة الدابة التي يركب عليها لان الغرض يختلف بذلك ويحصل بالرؤية لانها أعلى طرق العلم إلا أن يكون مما يحتاج إلى معرفة صفة المشي كالرهوال وغيره، واما أن يجربه فيعلم ذلك برؤيته ويحصل بالصفة فإذا وجدت اكتفي بها لانه يمكن ضبطه بالصفة فجاز العقد عليه كالبيع، فإذا استأجر بالصفة للركوب احتاج إلى ذكر الجنس فرسا أو بعيرا أو بغلا أو حمارا أو النوع فيقول في الابل بختي أو عرابي وفي الخيل عرابي أو برذون وفي الحمير مصري أو شامي وان كان في النوع ما يختلف كالمهملج من الخيل والقطوف احتيج إلى ذكره لان الغرض يختلف به، وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه، قال شيخنا ومتى كان الكراء إلى مكة فالصحيح انه لا يحتاج إلى ذكر الجنس ولا النوع لان العادة أن الذي يحمل عليه في طريق مكة الجمال العراب دون البخاتي (فصل) إذا كان الكراء إلى مكة أو طريق لا يكون السير فيه إلى اختيار المتكاريين فلا وجه لذكر تقدير السير فيه لان ذلك ليس اليهما ولا مقدور عليه لهما وان كان في طريق السير فيه اليهما استحب ذكر قدر السير في كل يوم فان اطلق وللطريق منازل معروفة جاز لانه معلوم بالعرف، ومتى
اختلفا في ذلك وفي وقت السير ليلا أو نهارا أو في موضع المنزل إما في داخل البلد أو.
خارج منه حملا على العرف كما لو أطلقا الثمن في بلد فيه نقد معروف، وان لم يكن للطريق عرف فقال القاضي لا يصح كما لو اطلقا الثمن في بلد لا عرف فيه، والاولى أن هذا ليس بشرط لانه لو كان شرطا لما صح العقد بدونه في الطريق المخوف لانه لم تجر العادة بتقدير السير في الطريق فان اختلفا رجع إلى العرف في غير ملك الطريق (فصل) فان شرط حمل زاد مقدر كمائة رطل وشرط انه يبدل منها ما نقص بالاكل أو غيره فله ذلك وان شرط أن ما نقص بالاكل لا يبدله فليس له ابداله فان ذهب بغير الاكل كسرقة أو سقوط فله ابداله لان ذلك لم يدخل في شرطه، وان اطلق العقد فله ابدال ما ذهب بسرقة أو سقوط أو اكل غير معتاد بغير خلاف وان نقص بالاكل المضاد فله ابداله أيضا لانه استحق حمل مقدار معلوم فملك ابدال ما نقص منه كما لو نقص بسرقة ويحتمل أن لا يملك ذلك لان العرف جار بأن الزاد ينقص ولا يبدل فحمل العقد عليه عند الاطلاق وصار كالمصرح به، وقال الشافعي القياس ان له ابداله ولو قيل ليس له ابداله كان مذهبا لان العادة أن الزاد لا يبقى جميع المسافة ولذلك يقل اجره عن أجر المتاع (فصل) إذا اكترى جملا ليحج عليه فله الركوب عليه إلى مكة ومن مكة إلى عرفة والخروج
عليه إلى منى لان ذلك من تمام الحج، وقيل ليس له الركوب إلى منى لانه بعد التحلل من الحج، والاولى أن له ذلك لانه من تمام الحج وتوابعه ولذلك وجب على من وجب عليه دون غيره فدخل في قول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت) ولو اكترى إلى مكة فقط فليس له الركوب إلى الحج لانها زيادة ويحتمل أن له ذلك لان الكراء إلى مكة عبارة عن الكراء للحج لكونها لا يكترى إليها إلا للحج غالبا فكان بمنزلة المكتري للحج (فصل) قال أصحابنا يصح كراء العقبة وهو مذهب الشافعي، ومعناها الركوب في بعض الطريق يركب شيئا ويمشي شيئا لانه إذا جاز اكتراؤها في الجميع جاز في البعض ولابد من العلم بها إما بالفراسخ واما بالزمان مثل أن يركب ليلا ويمشي نهارا ويعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول، وإن
شرط أن يركب يوما ويمشي يوما جاز فان أطلق احتمل الجواز واحتمال أن لا يصح لانه يختلف وليس له ضابط فيكون مجهولا، وإن اتفقا على أن يركب ثلاثة أيام ويمشي ثلاثة أو ما زاد ونقص جاز وإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما لان فيه ضررا على كل واحد منهما الماشي لدوام المشي عليه والدابة لدوام الركوب عليها لانه إذا ركب بعد شدة التعب كان أثقل على البعير، وان اكترى اثنان جملا يتعاقبان عليه جاز ويكون كراؤه كل الطريق والاستيفاء بينهما على ما يتفقان عليه، وإن تشاحا قسم بينهما لكل
واحد منهما فراسخ معلومة أو لاحدهما بالليل وللآخر بالنهار، وإن كان لذلك عرف رجع إليه وان اختلفا في البادئ منهما أقرع، ويحتمل أن لا يصح كراؤها إلا أن يتفقا على ركوب معلوم لكل واحد منهما لانه عقد على مجهول بالنسبة إلى كل واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين على أن لكل واحد منهما عبدا معينا منهما * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (والاجارة عقد لازم من الطرفين ليس لاحدهما فسخها) وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لانها عقد معاوضة فكانت لازمة كالبيع ولانها نوع من البيع وانما اختصت باسم كالصرف والسلم لا أن يجد العين معيبة عيبا لم يكن علم به فله الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفورا أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها فللمكتري الخيار ان شاء ردها وفسخ الاجارة، وإن شاء أخذها وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لانه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الاعيان، والعيب الذي يرد به ما تنقص به المنفعة كتعثر الظهر في المشي والعرج يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحا أو عضوضا ونحو ذلك، وفي المكترى للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام والبرص، وفي الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمنع الشرب والوضوء
وأشباه ذلك من النقائص، فان رضي بالمقام ولم يفسخ لزمه جميع الاجرة لانه رضي به ناقصا أشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا، وان اختلفا في الموجود هل هو عيب أو لا؟ رجع فيه إلى أهل الخبرة مثل أن تكون
الدابة خشنة المشي أو انها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرا فان قالوا هو عيب فله الفسخ والا فلا هذا إذا كان العقد تعلق بعينها فان كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد وعلى المكري إبدالها كالمسلم فيه إذا وجده معيبا أو على غير صفته فان عجز عن إبدالها أو امتنع منه ولم يمكن إجباره فللمكتري الفسخ أيضا * (مسألة) * (وان بدا له قبل تقضي المدة فعليه الاجرة) قد ذكرنا أن الاجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الاجر والمستأجر المنافع فإذا فسخ المستأجر الاجارة قبل انقضاء مدتها وترك الانتفاع اختيارا منه لم تنفسخ الاجارة وتلزمه الاجرة ولا يزول ملكه عن المنافع كما لو اشترى شيئا وقبضه ثم تركه: قال الاثرم قلت لابي عبد الله رجل اكترى بعيرا فلما قدم المدينة قال له فاسخني؟ قال ليس ذلك له قد لزمه الكراء قلت فان مرض المستكري بالمدينة؟ فلم يجعل له فسخا لانه عقد لازم من الطرفين فلم يملك أحد المتعاقدين فسخه، وإن فسخه لم يسقط العوض الواجب كالبيع (فصل) قد ذكرنا أن المستأجر يملك المنافع بالعقد كما يملك المشتري المبيع بالبيع ويزول ملك المؤجر عنها كما يزول ملك البائع عن المبيع فلا يجوز له التصرف فيها لانها صارت مملوكة لغيره فان
تصرف فيها وكان ذلك في حال يد المستأجر قبل تقضي المدة مثل أن يكتري دارا سنة فيسكنها شهرا ويتركها فيسكنها المالك بقية السنة أو يؤجرها لغيره احتمل أن ينفسخ العقد فيما استوفاه المالك لانه تصرف فيه قبل قبض المكتري له أشبه ما لو أتلف المكيل قبل تسليمه وسلم باقيه، فان تصرف في بعض المدة دون بعض انفسخ العقد في قدر ما تصرف فيه خاصة، وعلى المستأجر أجر ما بقي فان سكن المستأجر شهرا وسكن المالك عشرة أشهر لزم المستأجر أجر شهرين، وان سكنها شهرا وسكن المالك شهرين ثم تركها فعلى المستأجر أجر عشرة أشهر واحتمل أن يلزم المستأجر أجر جميع المدة وله على المالك أجر المثل لما سكن أو تصرف فيه يسقط ذلك مما على المستأجر من الاجر ويلزمه الباقي لانه تصرف فيما ملكه المستأجر عليه بغير إذنه أشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري إياه وقبض
الدار ههنا قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يملك التصرف في المنافع بالسكنى والاجارة وغيرها، فعلى هذا لو كان أجر المثل الواجب على المالك بقدر الاجر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شئ، وان فضلت منه فضلة لزم المالك أداؤها إلى المستأجر، والاول أولى وهو ظاهر مذهب الشافعي وان تصرف المال قبل تسليمه العين أو امتنع من تسليمها حتى انقضت مدة الاجارة انفسخت الاجارة وجها واحدا لان العاقد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل تسليمه، وان سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى، ويجب أجر الباقي بالحصة كالمبيع إذا سلم بعضه وأتلف بعضا
* (مسألة) * (وان حوله المالك قبل تقضيها فليس له أجر لما سكن نص عليه ويحتمل أن له من الاجرة بقسطه) إذا استأجر مدة فسكنه بعضها ثم أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى فلا شئ له من الاجر نص عليه أحمد وذكره الخرقي ويحتمل أن له من الاجر بقسطه وهو قول أكثر الفقهاء لانه استوفى ملك غيره على وجه المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته ولنا أنه لم يسلم إليه ما تناوله عقد الاجارة فلم يستحق شيئا كما لو استأجره لحمل كتاب إلى بلد فحمله بعض الطريق أو ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرا وامتنع من حفر الباقي وقياس الاجارة على الاجارة أولى من قياسها على البيع، والحكم فيمن اكترى دابة فامتنع المكترى من تسليمها في بعض المدة أو أجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها أو أجر نفسه لبناء حائط أو خياطة أو حفر بئر أو حمل شئ إلى مكان وامتنع من اتمام العمل مع القدرة عليه كالحكم في العقار يمتنع من تسليمه وانه لا يستحق شيئا لما ذكرنا * (مسألة) * (وان هرب الاجير حتى انقضت المدة انفسخت الاجارة، وان ان كانت على عمل خير للمستأجر بين الصبر والفسخ)
وجملة ذلك أنه إذا هرب الاجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الاجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فان انفسخ فلا كلام، وان لم يفسخ وكانت الاجارة على مدة انفسخت بمضي المدة يوما فيوما فان عادت العين في أثناء المدة استوفى ما بقي منها، وان انقضت المدة انفسخت الاجارة لفوات المعقود عليه وان كانت الاجارة على موصوف في الذمة كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله كما لو أسلم إليه في شئ فهرب بيع من ماله فان تعذر فللمستأجر الفسخ فان لم يفسخ وصبر إلى أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل لان ما في الذمة لا يفوت بهربه، وكل موضع امتنع الاجير من العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق الا أن يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل ان لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل فاما ان شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الاجر بقدر ما استوفى بكل حال * (مسألة) * (فان هرب الجمال أو مات وترك الجمال انفق عليها الحاكم من مال الجمال أو أذن للمستأجر في الانفاق فإذا قدم باعها ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه) إذا هرب الجمال في بعض الطريق أو قبل الدخول فيها لم يخل من حالين (أحدهما) أن يهرب بجماله فان لم يجد المستأجر حاكما أو وجد حاكما لم يمكن إثبات الحال عنده أو أمكن ولم يحصل
له ما يستوفي به حقه منه فللمستأجر الفسخ لانه تعذر عليه قبض المعقود عليه أشبه ما إذا أفلس المشتري فان فسخ العقد وكان الجمال قد قبض الاجر كان دينا في ذمته وان اختار المقام على العقد وكانت الاجارة على عمل في الذمة فله ذلك، ومتى قدر على الجمال طالبه به وان كان العقد على مدة انقضت في هربه انفسخت الاجارة وان أمكن اثبات الحال عند الحاكم وكان العقد على موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الامر إلى الحاكم ويثبت عنده حاله فان وجد الحاكم للجمال مالا اكترى به وان لم يجد له مالا وامكنه أن يقترض عليه ما يكتري له به فعل فان دفع الحاكم المال إلى المكتري ليكتري به لنفسه جاز في ظاهر كلام أحمد، وان كان القرض من المكتري جاز وصار دينا في ذمة
الجمال وان كان العقد على معين لم يجز ابداله ولا اكتراء غيره لان العقد تعلق بعينه فيخير المكتري بين الفسخ أو الصبر إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعلم (الحال الثاني) إذا هرب وترك جماله فان المكتري يرفع الامر إلى الحاكم فان وجد للجمال مالا استأجر به من يقوم مقامه في الانفاق على الجمال والشد عليها وفعل ما يلزم الجمال فان لم يجد له غير الجمال وكان فيها فضلة عن الكراء باع بقدر ذلك وان لم يكن فيها فضل أو لم يكن بيعه افترض عليه الحاكم كما ذكرنا، وان ادان من المكتري وانفق جاز، وان أذن للمكتري في الانفاق من ماله بالمعروف ليكون دينا على الجمال جاز لانه موضع حاجة فإذا رجع واختلفا فيما انفق وكان الحاكم قدر النفقة قبل قول
المكتري في ذلك دون ما زاد، وان لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف لانه أمين فاشبه الوصي إذا ادعى النفقة على الايتام بالمعروف وما زاد لا يرجع به لانه متطوع به، وإذا وصل المكتري رفع الامر إلى الحاكم فيفعل ما يرى الحظ فيه من بيع الجمال فيوفي عن الجمال ما لزمه من الدين للمكتري أو لغيره ويحفظ باقي الثمن له وان رأى بيع بعضها وحفظ باقيها والانفاق على الباقي من ثمن ما باع جاز، وان لم يجد حاكما أو عجز عن استئذانه فله أن ينفق عليها ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه ولا يرجع بذلك ان فعله متبرعا وان نوى الرجوع واشهد على ذلك رجع به لانه حال ضرورة وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي، وان لم يشهد ونوى الرجوع ففي الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع به لان ترك الجمال مع العلم بأنها لابد لها من نفقة اذن في الانفاق (والثاني) لا يرجع به لانه يثبت لنفسه حقا على غيره وكذلك ان لم يشهده وأنفق محتسبا بالرجوع، قال شيخنا وقياس المذهب أن له الرجوع كقولنا يرجع بما انفق على الآبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة المرهونة، فان قدر على استئدان الحاكم فانفق من غير استئذانه واشهد على ذلك ففي رجوعه وجهان أيضا، وحكم موت الجمال حكم هربه وقال أبو بكر مذهب احمد أن الموت لا يفسخ الاجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك في مال المتوفى، فان لم يكن في يد المستأجر ما ينفق لم يجز أن يبيع منها شيئا لان البيع إنما يجوز من المالك أو نائبه أو ممن لا ولاية عليه
* (مسألة) * (وتنفسخ الاجارة بتلف العين المعقود عليها) وجملته ان من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها لم يخل من أقسام [ أحدها ] ان تتلف العين كدابة تنفق أو عبد يموت فتلك على ثلاثة أضرب [ أحدها ] أن تتلف قبل قبضها فان الاجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه لان المعقود عليه تلف قبل قبضه فأشبه ما لو تلف الطعام المبيع قبل قبضه [ الثاني ] أن تتلف عقيب قبضها فان الاجارة تنفسخ ايضا ويسقط الاجر في قول عامة الفقهاء إلا أبا ثور حكي عنه انه قال يستقر الاجر لان المعقود عليه تلف بعد قبضه أشبه المبيع.
وهذا غلط لان المعقود عليه المنافع وقبضها باستيفائها أو التمكن من استيفائها ولم يحصل ذلك فأشبه تلفها قبل قبض العين [ الثالث ] أن تتلف بعد مضي شئ من المدة فان الاجارة تنفسخ فيما بقي من المدة دون ما مضى ويكون للمؤجر من الاجر بقدر ما استوفى من المنفعة، قال أحمد في رواية ابراهيم بن الحارث: إذا اكترى بعيرا بعينه فنفق يعطيه بحساب ما ركب وذلك لما ذكرنا من أن المعقود عليه المنافع وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيها تلف دون ما قبض كما لو اشترى صبرتين فقبض احداهما وتلفت الاخرى قبل قبضها، ثم ننظر فان كان أجر المدة متساويا فعليه بقدر ما مضى ان كان قد مضى النصف فعليه نصف الاجر وان كان قد مضى الثلث فعليه الثلث كما يقسم الثمن على المبيع المتساوي، وان كان مختلفا كدار أجرها في الشتاء أكثر من أجرها في الصيف وأرض أجرها في الصيف اكثر من الشتاء،
أو دار لها موسم كدور مكة رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة ويسقط الاجر المسمى على حسب قيمة المنفعة كقسمة الثمن على الاعيان المختلفة في البيع، وكذلك لو كان الاجر على قطع مسافة كبعير استأجره على حمل شئ إلى مكان معين وكانت متساوية الاجزاء أو مختلفة وهذا ظاهر مذهب الشافعي * (مسألة) * (وموت الصبي المرتضع) إذا مات الصبي المرتضع انفسخ العقد لانه يتعذر استيفاء المعقود عليه لانه لا يمكن اقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع واختلاف اللبن باختلافهم فانه قد يدر على أحد الولدين
دون الآخر وهذا منصوص الشافعي، وإذا انفسخ العقد عقيبه بطلت الاجارة من أصلها ورجع المستأجر بالاجر كله وان كان في أثناء المدة رجع بحصة ما بقي وتنفسخ الاجارة بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها، وحكي عن أبي بكر انها لا تنفسخ ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت لانه كالدين ولنا انه هلك المعقود عليه أشبه ما لو هلكت البهيمة المستأجرة.
* (مسألة) * (وموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة) إذا مات المكتري ولم يكن له وارث يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو كان غائبا كمن يموت في طريق مكة ويخلف جمله الذي اكتراه وليس له عليه شئ يحمله ولا وارث له حاضر يقوم مقامه فظاهر كلام أحمد ان الاجارة تنفسخ فيما بقي
من المدة لانه قد جاء أمر غالب يمنع المستأجر منفعة العين فأشبه ما لو غصبت ولان بقاء القعد ضرر في حق المكري والمكتري لان المكتري يجب عليه الكراء من غير نفع والمكري يمتنع عليه التصرف في ماله مع ظهور امتناع الكراء عليه، وقد نقل عن أحمد في رجل اكترى بعيرا فمات المكتري في بعض الطريق فان رجع البعير خاليا فعليه بقدر ما وجب له، وان كان عليه ثقله ووطاؤه فله الكراء إلى الموضع، وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من المدة إذا مات المستأجر ولم يبق له به انتفاع لانه تعذر استيفاء المنفعة بأمر من الله تعالى فأشبه ما لو اكترى من يقلع له ضرسه فبرأ أو انقلع قبل قلعه أو اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت أو ذهبت، ويجب أن يقدر انه لم يكن ثم من ورثته من يقوم مقامه في الانتفاع لان الوارث يقوم مقام الموروث وتأولها القاضي على أن المكري قبض البعير ومنع الورثة الانتفاع ولولا ذلك لما انفسخ العقد لانه لا ينفسخ بعذر في المستأجر مع سلامة المعقود عليه كما لو حبس مستأجر الدار ومنع من سكناها، ولا يصح هذا لانه لو منع الوارث الانتفاع لما استحق شيئا من الاجر، ويفارق هذا ما لو حبس المستأجر لان المعقود عليه انتفاعه وهذا لم يؤبس منه بالحبس لانه يمكن خروجه في كل وقت من الحبس وانتفاعه ويمكن أن يستنيب من يستوفي المنفعة له إما بأجره أو غيره بخلاف الميت فانه قد فات انتفاعه بنفسه ونائبه أشبه ما ذكرنا من الصور
* (مسألة) * (وانقلاع الضرس الذي اكتري لقلعه أو برؤه) وكذلك ان اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت أو ذهبت انفسخ العقد لانه تعذر استيفاء المعقود عليه أشبه ما لو تعذر بالموت * (مسألة) * (فان اكترى دارا فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الاجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ) وجملة ذلك انه إذا حدث في العين المكتراة ما يمنع نفعها كدار انهدمت أو أرض غرقت أو انقطع ماؤها فهذه ينطر فيها فان لم يبق فيها نفع أصلا فهي كالتالفة سواء، وإن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له مثل أن يمكن الانتفاع بعرصة الدار أو الارض لوضع حطب فيها أو وضع خيمة في الارض الذي استأجرها للزرع أو صيد السمك من الارض التي غرقت انفسخت الاجارة أيضا لان المنفعة التي وقع العقد عليها تلفت فانفسخت الاجارة كما لو استأجر دابة ليركبها فزمنت بحيث لا تصلح إلا لتدور في الرحى.
وقال القاضي في الارض التي انقطع ماؤها لا تنفسخ الاجارة فيها وهو منصوص الشافعي، لان المنفعة لم تبطل جملة لانه يمكن الانتفاع بعرصة الارض بنصب خيمة أو جمع حطب فيها فأشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه، فعلى هذا يخير المستأجر بين الفسخ والامضاء، فان فسخ فحكمه حكم العبد إذا مات، وإن اختار إمضاء العقد فعليه جميع الاجرة لان ذلك عيب فإذا
رضي به سقط حكمه فان لم يختر الفسخ ولا الامضاء إما لجهله بان له الفسخ أو لغير ذلك فله الفسخ بعد ذلك والاول أصح لان بقاء غير المعقود عليه لا يمنع انفساخ العقد بتلف المعقود عليه كالاعيان في البيع، ولو كان النفع الباقي في العين مما لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح الا للحمل أو بالعكس انفسخ العقد وجها واحدا لان المنفعة الباقية لا يملك استيفاءها مع سلامتها فلا يملكها مع تعيبها كبيعها، فاما ان أمكن الانتفاع بالعين وفيما اكتراها له على نعت من القصور مثل أن يمكنه زرع الارض بغير ماء أو كان الماء منحسرا عن الارض التى عرفت على وجه يمنع بعض الزراعة أو يسوء الزرع أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار إما في خيمة أو غيرها لم تنفسخ
الاجارة لان المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية فأشبه ما لو تعيبت وللمستأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا إلا في الدار إذا انهدمت ففيها وجهان (أحدهما) لا تنفسخ الاجارة (والثاني) تنفسخ لانه زال اسمها بهدمها وذهبت المنفعة التي تقصد منها ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار ليسكنها فاما إن كان الحادث في العين لا يضرها كغرق الارض بما ينحسر عن قريب بحيث لا يمنع الزرع ولا يضره وانقطاع الماء عنها إذا ساق المؤجر إليها ماء من مكان آخر أو كان انقطاعه في زمن لا يحتاج إليه فيه فليس للمستأجر الفسخ لان هذا ليس بعيب، وإن حدث الغرق المضر أو انقطاع الماء أو الهدم ببعض العين المستأجرة فلذلك البعض حكم نفسه في الفسخ أو ثبوت الخيار وللمكتري الخيار في بقية
العين لان الصفقة تبعضت عليه فان اختار الامساك أمسك بالحصة من الاجر كما إذا تلف أحد القفيزين من الطعام في يد البائع * (مسألة) * (ولا تنفسخ بموت المكتري أو المكري) وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق والتي وأبي ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأصحاب الرأي والليث تنفسخ لاجارة بموت أحدهما لان استيفاء المنفعة يتعذر بالموت لانه استحق بالعقد استيفاءها على ملك المؤجر فإذا مات زال ملكه عن العين فانتقلت إلى ورثته فالمنافع تحدث على ملك الوارث فلا يستحق المستأجر استيفاءها لانه ما عقد مع الوارث، وإذا مات المستأجر لم يمكن إيجاب الاجر في تركته ولنا أنه عقد لازم فلم ينفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه كما لو زوج أمته ثم مات، وما ذكروه لا يصح لانا قد بينا أن المستأجر قد ملك المنافع، وان الاجرة قد ملكت عليه كاملة في وقت العقد على ما نذكره، ويلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات ولو صح ما ذكروه لكن وجوب الاجر ههنا بسبب من المستأجر فوجب في تركته بعد موته كما لو حفر بئرا فوقع فيها شئ بعد موته ضمنه في ماله لان سبب ذلك كان منه في حياته كذا ههنا * (مسألة) * (ولا تنفسخ بعذر لاحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه)
وبهذا قال مالك والشافعي وابو ثور، وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز للمكتري فسخها لعذر
في نفسه مثل أن يكتري جملا ليحج عليه فيمرض فلا يتمكن من الخروج أو تضيع نفقته، أو يكتري دكانا للبز فيحترق متاعه وما أشبه هذا لان هذا العذر يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها فملك به الفسخ كما لو استأجر عبدا فابق ولنا انه عقد لا يجوز فسخه لغير عذر فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه كالبيع ولانه لو جاز فسخه لعذر المكتري لجاز لعذر المكري تسوية بين المتعاقدين ودفعا للضرر عن كل واحد منهما ولم يجز ثم فلا يجرز ههنا، ويفارق الاباق فانه عذر في المعقود عليه * (مسألة) * (وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ والامضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل) إذا غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لان فيه تأخر حقه فان فسخ فالحكم كما لو انفسخ العقد بتلف العين وإن لم يفسخ حتى انقضت مدة لاجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجر المثل لان المعقود عليه لم يفت مطلقا بل إلى بدل وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف الثمرة لمبيعة آدمي قبل قطعها، ويتخرج افساخ العقد بكل حال على الرواية التي تقول إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول أصحاب الرأي ولاصحاب الشافعي في ذلك اختلاف فان ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى من المدة
مخيرا كما ذكرنا، وإن كانت الاجارة على عمل كخياطة ثوب أو حمل شئ إلى موضع معين فغصب جمله الذي يحمل عليه أو عبده الذي يخيط له لم ينفسخ العقد، وللمستأجر مطالبة الاجير بعوض المغصوب وإقامة من يعمل العمل لان العقد على ما في الذمة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده فان تعذر البدل ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفي منها (فصل) فان حدث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المستأجرة أو يحصر البلد فيمتنع خروج المستأجر إلى الارض المستأجرة للزرع ونحو ذلك ثبت للمستأجر خيار الفسخ
لانه أمر غالب يمنع من استيفاء المنفعة فأثبت الخيار كغصب العين، ولو اكترى دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى موضع معين فانقطعت الطريق إليها لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق ملك كل واحد منهما فسخ الاجارة، وان اختار ابقاها إلى حين امكان استيفاء المنفعة جاز لان الحق لهما، فاما ان كان الخوف خاصا بالمستأجر كمن خاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المستأجر أو خلوهم في طريقه لم يملك الفسخ لانه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية أشبه مرضه، وكذلك لو حبس أو مرض لانه ترك استيفاء المنفعة لمعنى من جهته فلم يمنع ذلك وجوب أجرها عليه كما لو تركها اختيارا.
قال الخرقي: فان جاء أمر غالب يحجر المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من الاجرة بقدر مدة انتفاعه وقد شرحناه
* (مسألة) * (ومن استؤجر لعمل شئ فمرض أقيم مقامه من يعمله والاجرة عليه) لا خلاف بين أهل العلم في جواز استئجار الآدمي، وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعيه الغنم واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق، ولانه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه فجازت اجارته كالدور.
ثم إجارته تنقسم قسمين (أحدهما) استئجاره مدة بعينها لعمل معين كاجارة موسى عليه السلام نفسه ثماني حجج لرعي الغنم (والثاني) استئجاره على معنى في الذمة كاستئجار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رجلا ليدلهما على الطريق، واستئجار رجل لخياطة قميص أو بناء حائط، ويتنوع ذلك بنوعين (أحدهما) أن تقع الاجارة على عين كاجارة عبده لرعاية الغنم أو ولده لعمل معين (والثاني) أن تقع على عمل في الذمة كخياطة قميص وبناء حائط.
فمتى كانت على عمل في ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله لانه حق وجب في ذمته فوجب عليه إيفاؤه كالمسلم، فيه ولا يلزم المستأجر انظاره لان العقد باطلاقه يقتضي التعجيل وفي التأخير إضرار به، فاما إن كانت الاجارة على عينه في مدة أو غيرها فمرض لم يقم غيره مقامه لان الاجارة وقعت على عمله بعينه لا على شئ في ذمته وعمل غيره ليس بمعقود عليه فأشبه ما لو اشترى معينا لم يجز أن يدفع إليه غيره ولا يبدله له بخلاف ما لو وقع في الذمة فانه يجوز ابدال المعيب ولا ينفسخ العقد بتلف ما يسلمه والمبيع المعين بخلافه فكذلك الاجارة فان كانت الاجارة
على عمل في الذمة لكن لا يقوم غير الاجير مقامه كالنسخ فانه يختلف القصد فيه باختلاف الخطوط لم يكلف اقامة
غيره مقامه ولا يلزم المستأجر قبول ذلك ان بذله الاجير لان العوض لا يحصل من غير الناسخ كحصوله منه فأشبه ما لو أسلم إليه في نوع فسلم إليه غيره وكذلك كل ما يختلف باختلاف الاعيان *
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: