الفقه الحنبلي - السبق
* (مسألة) * (فان لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فان كان صاحبه مضطرا إليه فهو أحق به وإلا لزمه بذله فان أبى فللمضطر أخذه قهرا ويعطيه قيمته فان منعه فله قتاله على ما يسد رمقه أو قدر شبعه على اختلاف الروايتين، فان قتل
صاحب الطعام لم يجب ضمانه وان قتل المضطر فعليه ضمانه).
وجملة ذلك انه إذا اضطر إلى طعام فان لم يجد إلا طعاما لغيره فان كان صاحبه مضطرا إليه فهو أحق به ولا يجوز لاحد أخذه منه لانه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة وان اخذه منه أحد فمات فعليه ضمانه لانه قتله بغير حق، وان لم يكن صاحبه مضطرا إليه لزمه بذله
للمضطر لانه يتعلق به احياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله كما يلزمه بذل منافعه في انجائه من الغرق والحرق فان لم يفعل فللمضطر أخذه منه لانه يستحقه دون مالكه فجاز له أخذه كعين ماله فان
احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه على ما يسد رمقه لانه الذي اضطر إليه وعنه له قتاله على قدر الشبع والاول أولى وذكر ابن أبي موسى في الارشاد انه لا يجوز قتاله على شئ منه كما ذكر في دفع الصائل فان قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه وان آل أخذه إلى قتل صاحبه فهو هدر لانه ظالم بقتاله فأشبه الصائل الا ان يمكن أخذه بشراء أو استرضاء فليس له المقاتلة عليه لامكان الوصول إليه دونها، فان لم يبعه إلا بأكثر من ثمنه لم يلزمه الا ثمن مثله وقد ذكرناه ويلزمه عوضه في كل موضع أخذه فان لم يكن معه في الحال لزمه في ذمته ولا يباح للمضطر من مال اخيه إلا ما يباح من الميتة، قال أبو هريرة قلنا يا رسول الله ما يحل لاحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال " ياكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل "
* (مسألة) * (فان لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالمرتد والزاني المحصن حل له قتله وأكله).
وجملة ذلك أن المضطر إذا لم يجد الا آدميا محقون الدم لم يبح له قتله اجماعا ولا اتلاف عضو منه مسلما كان أو كافرا لانه مثله فلا يجوز ان يقي نفسه باتلاقه وهذا لا خلاف فيه، وان كان مباح الدم كالحربي والمرتد فذكر القاضي ان له قتله واكله، لان قتله مباح وهكذا قال أصحاب الشافعي لانه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع وان وجده ميتا ابيح أكله لان اكله مباح قبله فكذلك بعد موته وان وجد معصوما ميتا لم يبح اكله في قول أكثر الاصحاب وقال الشافعي وبعض الحنفية يباح قال شيخنا وهو اولى، لان حرمة الحي أعظم قال أبو بكر بن داود اباح الشافعي أكل لحوم الانبياء واحتج أصحابنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسره وهو حي " واختار أبو الخطاب ان له اكله وقال لا حجة في الحديث ههنا لان الاكل من اللحم لا من العظم والمراد من الحديث التشبيه
في اصل الحرمة لا بمقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ووجوب صيانة الحي بما لا تجب به صيانة الميت.
(فصل) وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة واصابت الضرورة خلقا كثيرا وكان عند بعض الناس قدر كفايته من غير فضلة لم يلزمه بذل ما معه للمضطرين ولم يفرق اصحابنا بين هذه الحال وبين كونه لا يتضرر بدفع ما معه إليهم في ان ذلك واجب عليه لكونه غير مضطر في الحال والآخر مضطر فوجب تقديم حاجة المضطر.
ولنا ان هذا مفض به إلى هلاك نفسه وعياله فلم يلزمه كما لو امكنه انجاء الغريق بتغريق نفسه وليس في بذله القاء بيده إلى التهلكة وقد نهى عزوجل عن ذلك وهذا اختيار شيخنا رحمه الله
(فصل) والترياق محرم وهو دواء يعالج به من السم يجعل فيه لحوم الحيات ويعجن بالخمر لا يحل اكله ولا شربه لان الخمر ولحوم الحيات حرام، وممن كرهه الحسن وابن سيرين ورخص فيه الشعبي ومالك ويقتضيه مذهب الشافعي لاباحته التداوي ببعض المحرمات.
ولنا ان لحم الحية حرام على ما ذكرنا فيما مضى وكذلك الخمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله لم يجعل شفاء امتي فيما حرم عليها ".
(فصل) ولا يجوز التداوي بشئ محرم ولا بشئ فيه محرم مثل ألبان الاتن ولحم شئ من المحرمات ولا شرب الخمر للتداوي لما ذكرنا من الخبر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له النبيذ يصنع للدواء فقال " انه ليس بدواء ولكنه داء "
(فصل) (ومن مر بثمرة في شجر لا حائط عليه ولا ناظر فله ان يأكل ولا يحمل وعنه لا يحل ذلك إلا لحاجة) اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أنه قال إذا لم يكن عليها حافظ أكل إذا كان جائعا وإذا لم يكن جائعا فلا يأكل وقال قد فعله غير واحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا كان عليه حائط لم يأكل لانه قد صار شبه الحريم وقال في موضع انما الرخصة للمسافر
إلا انه لم يعتبر ههنا الاضطرار لان الاضطرار يبيح ما وراء الحائط، ورويت عنه الرخصة في الاكل من غير المحفوظ مطلقا من غير اعتبار رجوع ولا غيره وهذا المشهور في المذهب لما روي عن أبي زينب التيمي قال سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي برزه فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم وهو قول عمر وابن عباس وابي برزة قال عمر يأكل ولا يتخذ خبنة، وروي عن احمد انه قال يأكل مما تحت الشجر فإذا لم يكن تحت الشجر فلا
يأكل ثمار الناس وهو غني عنه ولا يضرب بحجر ولا يرمي لان هذا يفسد وروي عن نافع عن عبد الله بن عمر قال كنت ارمي نخل الانصار فأخذوني فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا نافع لم ترمي نخلهم؟ " فقلت يا رسول الله الجوع قال " لا ترم وكل ما وقع اشبعك الله وأرواك "، أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، وقال أكثر الفقهاء لا يباح الاكل إلا في الضرورة لما روى العرباض بن سارية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الا وان الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت اهل الكتاب إلا باذن ولا ضرب نسائهم ولا اكل ثمارهم إذا اعطوكم الذي عليهم " رواه ابو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان دماءكم واموالكم واعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا " متفق عليه.
ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الثمر المعلق فقال " ما اصاب منه من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شئ عليه ومن اخرج منه شيئا فعليه غرامة مثليه والعقوبة " وقال الترمذي هذا حديث حسن وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " إذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاثا فان اجابك وإلا فكل من غير ان تفيد " وروى سعيد باسناده عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولانه قول من سمينا من الصحابة من غير مخالف فكان اجماعا، فان قيل فقد ابى سعد أن ياكل قلنا امتناع سعد من اكله ليس مخالفا لهم فان الانسان قد يترك المباح غنى عنه أو تورعا أو تقذرا
كترك النبي صلى الله عليه وسلم اكل الضب فاما احاديثهم فهي مخصوصة بما رواه من الحديث
والاجماع فان كانت محوطة لم يجز الدخول إليها لقول ابن عباس إن كان عليها حائط فهي حريم فلا تأكل، وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس، ولان إحرازه بالحائط يدل على شح صاحبه به وعدم المسامحة، قال بعض أصحابنا إذا كان عليه ناطور فهو كالمحوط في أنه لا يدخل إليه ولا يأكل منه إلا في الضرورة.
* (مسألة) * (وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان) اختلفت الرواية عن أحمد في الزرع فروي عنه أنه قال: لا يأكل انما رخص في الثمار ليس الزرع،
وقال ما سمعنا في الزرع أن يمس منه وجهه ان الثمار خلقها الله تعلى للاكل رطبة والنفوس تتوق إليها والزرع بخلافها.
(والثانية) قال يأكل من الفريك لان العادة جارية بأكله رطبا أشبه الثمر، وكذلك الحكم في الباقلا والحمص وشبهه مما يؤكل رطبا، فأما الشعير وما لم تجر العادة بأكله فلا يجوز الاكل منه والاولى في الثمار وغيرها ان لا يأكل منها الا باذن لما فيها من الخلاف والاخبار الدالة على التحريم.
وكذلك روي عن أحمد رحمه الله في حلب لبن الماشية روايتان (احداهما) يجوز له أن يحلب ويشرب ولا يحمل لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أتى أحدكم
على ماشية فان كان فيها صاحبها فليستأذنه فان أذن فليحلب وليشرب ولا يحمل " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند بعض أهل العلم وهو قول اسحاق (والرواية الثانية) لا يجوز له ان يحلب ولا يشرب لما روى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحلبن احد ماشية احد الا باذنه ايحب احدكم ان تؤتى مشربته وتكسر خزانته وينقل طعامه فانما تخزن لهم ضروع مواشيهم اطعمتهم فلا يحلبن احد ماشية احد الا باذنه " وفي لفظ " فان ما في ضروع مواشيهم مثل ما في مشاربهم " متفق عليه
(فصل) قال احمد اكره اكل الطين ولا يصح فيه حديث الا أنه يضر بالبدن يقال إنه ردي وتركه خير من أكله وانما كرهه أحمد من أجل مضرته فان كان منه ما يتداوى به كالطين الارمني
فلا يكره وان كان مما لا مضرة فيه ولا نفع كالشئ اليسير جاز أكله لان الاصل الاباحة والمعنى الذي لاجله كره منتف ههنا فلم يكره (فصل) ويكره أكل البصل والثوم والكراث والفجل وكل ذي رائحة كريهة من أجل رائحته سواء أراد دخول المسجد أو لم يرد لما روى ابن ماجه ان النبي صلى الله عليه وسلم " قال ان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس " فان اكله لم يقرب المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا " وفي رواية " فلا يقربنا في مساجدنا " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وليس أكلها محرما لما روى أبو أيوب ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليه بطعام
فلم يأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال " فيه الثوم " فقال يا رسول الله أحرام هو؟ قال " لا ولكني اكرهه من أجل ريحه " رواه الترمذي وقال حديث حسن وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي " كل الثوم فلولا ان الملك يأتيني لاكلته " وانما منع أكلها لئلا يؤذي الناس برائحته ولذلك نهى عن قربان المسجد فان أتى المسجد كره له ذلك ولم يحرم لما روى المغيرة بن شعبة قال أكلت ثوما وأتيت مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريح الثوم فلما قضى صلاته قال من " أكل من هذه
الشجره فلا يقربنا حتى يذهب ريحها " فجئت فقلت يا رسول الله لتعطني يدك قال فادخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر فقال " ان لك عذرا " رواه أبو داود وقد روي عن أحمد أنه يأثم لان ظاهر النهي التحريم ولان أذى المسلمين حرام وهذا فيه اذاهم (فصل) ويكره أكل الغذة واذن القلب لما روي عن مجاهد قال كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الشاة ستا وذكر هذين ولان النفس تعافهما وتستخبثهما قال الشيخ ولا اظن أحمد كرههما الا لذلك لا للخبر لانه قال فيه حديث منكر ولان في الخبز ذكر الطحال وقد قال أحمد لا بأس به ولا أكره منه شيئا (فصل) قيل لابي عبد الله الجبن؟ قال يؤكل من كل وسئل عن الجبن الذي يصنعه المجوس قال
وما أدري الا أن أصح حديث فيه حديث الاعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال سئل عمر عن الجبن وقيل له تعمل فيه الانفحة الميتة فقال سموا انتم وكلوا رواه أبو معاوية عن الاعمش وقال أليس الجبن الذي يأكله عامتهم يصنعه المجوس (فصل) ولا يجوز ان يشتري الجوز الذي يتقامر به الصبيان ولا البيض الذي يتقامرون به يوم العيد لانهم يأخذونه بغير حق والله أعلم * (مسألة) * (ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوما وليلة فان أبى فللضيف طلبه به عند الحاكم) قال أحمد الضيافة على المسلمين كل من نزل به ضيف كان عليه ان يضيفه قيل ان ضاف الرجل
ضيف كافر يضيفه؟ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم " ولما أضاف المشرك دل على ان المسلم يضاف وما أراه كذلك والضيافة معناها معنى صدقة التطوع على المسلم والكافر، واليوم والليلة حق واجب وقال الشافعي ذلك مستحب وليس بواجب لانه غير مضطر إلى طعامه فلم يجب عليه بذله كما لو لم يضفه ولنا ما ذكرناه من الحديث وروى المقدام ابن أبي كريمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليلة الضيف حق واجب فان أصبح بفنائه فهو دين عليه ان شاء اقتضى وان شاء ترك " حديث صحيح وفي لفظ " ايما رجل ضاف قوما فاصبح الضيف محروما فان نصره على كل مسلم حتى
يأخذ بحقه من زرعه وماله " رواه أبو داود، والواجب يوم وليلة والكمال ثلاثة أيام وذكر ابن أبي موسى ان الواجب ثلاثة أيام لما روى أبو سريج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الضيافة ثلاثة
أيام وجائزته يوم وليلة لا يحل لمسلم ان يقيم عند أخيه حتى يؤثمه " قالوا يا رسول الله كيف يؤثمه؟ قال " يقيم عنده وليس عنده ما يقريه " متفق عليه قال أحمد معنى قوله عليه السلام " جائزته يوم وليلة " كأنه أوكد من سائر الثلاثة ولم يرد يوما وليلة سوى الثلاثة لانه يصير أربعة أيام وقد قال وما زاد على الثلاثة فهو صدقة، فان امتنع من ضيافته فللضيف بقدر ضيافته قال أحمد يطالبهم بحقه الذي جعله له النبي صلى الله
عليه وسلم ولا يأخذ شيئا الا بعلم أهله وعنه رواية أخرى له ان يأخذ ما يكفيه بغير اذنهم لما روى عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا قال " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فان لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " متفق عليه * (مسألة) * (وتستحب ضيافته ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة) وعن أحمد ان الضيافة على أهل القرى دون أهل الامصار قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل إلى أي شئ تذهب فيها؟ قال هي مؤكدة وكأنها على أهل القرى والطرق الذين يمر بهم الناس أوكد
فاما مثلنا الآن فكأنه ليس مثل أولئك وذلك أهل القرى والله أعلم ليس عادتهم بيع القوت فلو لم تلزمهم الضيافة بقي المسافر ليس له ما يقتات بخلاف أهل الامصار فان عادتهم ذلك فيجد المسافر ما يشتري ويقتات فلا تلزمهم الضيافة * (مسألة) * (وليس له انزال الضيف في بيته) لما فيه من الحراج الا ان لا يجد مسجدا أو رباطا يبيت فيه فيبيت عنده للضرورة ولان الخبر انما ورد في الضيافة لا غير فكان خاصا فيها دون غيرها (فصل) قال المروذي سألت أبا عبد الله قلت تكره الخبز الكبار؟ قال نعم اكرهه ليس فيه بركة انما البركة في الصغار وقال مرهم ان لا يخبزوا كبارا قال ورأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده
وان كان على وضوء وقال مهنا ذكرت ليحيى بن معين حديث قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " وذكرت الحديث
لاحمد فقال ما حدث به الا قيس بن الربيع وهو منكر الحديث قلت بلغني عن يحى بن سعيد قال كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام لم كره سفيان ذلك؟ قال لانه من زي العجم قلت بلغني عن يحيى بن سعيد قال كان سفيان يكره ان يكون تحت القصعة الرغيف لم كرهه سفيان؟ قال كره ان يستعمل الطعام قلت تكرهه أنت؟ قال نعم وروى ابن عقيل قال حضرت مع ابن شهاب وليمة ففرشوا المائدة بالخبز فقال لا تتخذوا الخبز بساطا وقال المروذي قلت لابي عبد الله ان ابا معمر قال ان ابا اسامة قدم إليهم خبزا فكسره فقال هذا لئلا تعرفوا كم تأكلون قيل لابي عبد الله يكره الاكل
متكئا؟ قال أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا آكل متكئا " رواه أبو داود عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط رواه أبو داود وعن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأكل الرجل منبطحا رواه أبو داود (فصل) وتستحب التسمية عند الطعام وحمد الله تعالى عند آخره لما روى عمر بن أبي سلمة قال اكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال " بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " فما زالت اكلتي متفق عليه وروى الامام احمد باسناده عن أبي هريرة قال لا اعلمه الا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " اطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر " قال معناه إذا اكل وشرب بشكر الله ويحمده على ما رزقه " وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا اكل أحدكم فليذكر اسم الله فان نسي ان يذكر اسم الله في اوله فليقل بسم الله اوله وآخره " رواه أبو داود وعن معاذ بن انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اكل طعاما فقال الحمد لله الذي اطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه " وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا اكل طعاما قال الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " وعن أبي امامة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع طعامه، أو ما بين يديه قال " الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع " رواهن ابن ماجه (فصل) ويأكل بيمينه ويشرب بها روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا
أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فان الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " رواه مسلم وأبو داود ويستحب الاكل بثلاث اصابع لما روى كعب بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الامام أحمد وذكر له حديث ترويه ابنة الزهري ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير إلا ثلاث اصابع وروي عن أحمد انه أكل خبيصا بكفه كلها وروي عن عبد الله بن بريدة انه كان ينهى بناته ان يأكلن بثلاث اصابع وقال لا تشبهن بالرجال (فصل) قال مهنا سألت احمد عن حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تقطعوا اللحم بالسكين فان ذلك صنيع الاعاجم " فقال ليس بصحيح لا يعرف هذا وقال حديث عمرو بن امية الضمري خلاف هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من لحم الشاة فقام إلى الصلاة وطرح السكين وحديث مسعر عن جامع بن شداد عن المغيرة اليشكري عن المغيرة ابن شعبة ضفت برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فامر بجنب فشوي ثم أخذ الشفرة فجعل يجز فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فالقى الشفرة قال وسألت أحمد عن حديث أبي جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اكفف جشاءك يا أبا جحيفة فان اكثركم شبعا اليوم اكثركم جوعا يوم القيامة " فقال هو ويحيى جميعا ليس بصحيح
(فصل) وروي عن ابن عباس قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الاناء وعن أنس قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة.
قال قتادة فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على السفر.
حديث صحيح وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع وعن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يمسح أحدكم يده حتى يلعقها فانه لا يدري في أي طعامه البركة " رواهن ابن ماجه (فصل) وسئل أبو عبد الله عن غسل اليد بالخالة قال: لا بأس به نحن نفعله وسئل عن الرجل يأتي القوم وهم على طعام فجأة لم يدع إليه فلما دخل إليهم دعوه يأكل؟ قال نعم وما بأس وسئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ادخر لاهله قوت سنة هو صحيح؟ قال نعم ولكنهم يختلفون في لفظه
(فصل) روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملائكة " وعن جابر قال صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغوا قال " أثيبوا أخاكم - قالوا: يا رسول الله وما اثابته؟ قال - ان الرجل إذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك اثابته " رواهما أبو داود
باب السبق * (مسألة) * (تجوز المسابقة على الدواب والخيل والاقدام والسفن والمزاريق وسائر الحيوانات) والاصل في ذلك السنة والاجماع.
أما السنة فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق.
متفق عليه قال موسى بن عقبة بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة اميال، وقال سفيان من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة والمسابقة على ضربين: مسابقة بغير عوض ومسابقة بعوض، فأما المسابقة بغير عوض فتجوز مطلقا من غير تقييد بشئ معين كالمسابقة على الاقدام والسفن والطيور والبغال والحمر والفيلة والمزاريق وتجوز المصارعة ورفع الحجارة ليعرف الاشد وغير هذا لان النبي صلى الله عليه وسلم كان مع عائشة في سفر فسابقته على رجلها فسبقته قالت فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال " هذه بتلك " رواه أبو داود وسابق سلمة بن الاكوع رجلا من الانصار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم ذي قرد، وصارع النبي
صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه، ورواه الترمذي، ومر بقوم يربعون حجرا يعني يرفعونه ليعرفوا الاشد منهم فلم ينكر عليهم، وسائر المسابقة يقاس على هذا * (مسألة) * (ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والابل والسهام) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر " رواه أبو داود، فالسبق
بسكون الباء المسابقة والسبق بفتحها الجعل المخرج في المسابقة، اختصت هذه الثلاثة بتجويز العوض فيها لانها من آلات الحرب المأمور بتعلمها وإحكامها والتفوق فيها، وهي المسابقة بها مع العوض مبالغة في الاجتهاد فيها والاحكام لها وقد ورد الشرع بالامر بها والترغيب في فعلها، قال الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا ان القوة الرمي ألا ان القوة الرمي وروى سعيد في سننه عن خالد بن زيد قال كنت رجلا راميا وكان عقبة بن عامر الجهني يمر فيقول يا خالد اخرج بنا نرمي فلما كان ذات يوم أبطأت عنه فقال هلم أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان الله عزوجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة:
صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله، ارموا واركبوا وان ترموا أحب إلي من أن تركبوا وليس من اللهو الا ثلاث: تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فانها نعمة تركها " رواه أبو داود وعن مجاهد قال قال رسول الله [ ص ] " ان الملائكة لا تحضر من لهوكم الا الرهان والنضال " قال الازهري النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق فيهما.
وقال مجاهد أدركت ابن عمر يشتد بين الهدفين إذا أصاب خصلة قال أنا بها أنا بها، وعن حذيفة مثله، فلا تجوز المسابقة بعوض الا في هذه الثلاثة وبهذا قال الزهري ومالك وقال أهل العراق نحو ذلك في المسابقة على الاقدام والمصارعة لورود الاثر بهما فان النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة وصارع ركانة ولاصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين، ولهم بالمسابقة بالطيور والسفن وجهان بناء على الوجهين في المسابقة على الاقدام والمصارعة ولنا ما ذكرنا من الحديث فنفى السبق في غير هذه الثلاثة ويحتمل انه أراد به نفي الجعل أي لا يجوز الجعل الا في هذه الثلاثة، ويحتمل أن يراد به نفي المسابقة بعوض فانه يتعين حمل الخبر على
أحد الامرين للاجماع على جواز المسابقة بغير عوض في غير هذه الثلاثة، وعلى كل تقدير فالحديث حجة
لنا، ولان غير هذه الثلاثة لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إلى الثلاثة فلم تجز المسابقة عليها بعوض كالرمي بالحجارة ورفعها إذا ثبت هذا فالمراد بالنصل السهام من النشاب والنبل وغيرها وبالحافر الخيل وحدها وبالخف الابل خاصة.
وقال أصحاب الشافعي تجوز المسابقة بكل ماله فصل من المزاريق وفي الرمح والسيف وجهان وفي الفيل والبغال والحمير وجهان لان للمزاريق والرماح والسيوف نصلا وللفيل خف وللبغال والحمير حوافر فتدخل في عموم الخبر ولنا ان هذه الحيوانات المختلف فيها لا تصلح للكر والفر ولا يقاتل عليها ولا يسهم لها، والفيل لا يقاتل عليه أهل الاسلام، والرماح والسيوف لا يرمى بها فلم تجز المسابقة عليها كالبقر والتراس، والخبر ليس بعام فيما تجوز المسابقة به لانه نكرة في اثبات وانما هو عام في نفي ما لا تجوز المسابقة به بعوض لكونه نكرة في سياق النفي ثم لو كان عاما لحمل على ما عهدت المسابقة عليه، وورود الشرع بالحث على تعلمه وهو ما ذكرناه
* (مسألة) * (ولا تصح الا بشروط خمسة) (أحدها) تعيين المركوب والرماة لان القصد معرفة جوهر الدابتين وسرعة عدوهما معرفة حذق الرماة ولا يحصل الا بالتعيين لان المقصود معرفة حذق رام بعينه لا معرفة حذق رام في الجملة فلو عقد اثنان نضالا على أن مع كل واحد منهما ثلاثة غير متعينين لم يجز لذلك * (مسألة) * (ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين) لا يشترط تعيين القوس ولا السهام في المناضلة ولو عينها لم تتعين لان القصد معرفة الحذق وهو لا يختلف إلا بالرمي دون القوس والسهام، وفي الرهان يشترط تعيين الحيوان الذي يسابق به لما ذكرنا ولا يعتبر تعيين الراكب لان المقصود معرفة عدو الفرس لا حذق الراكب وكل ما يتعين لا يجوز إبداله كالمتعين في البيع، وما لا يتعين يجوز إبداله لعذره وغيره، فعلى هذه ان شرطا أن لا يرمى بغير هذا القوس ولا بغير هذا السهم ولا يركب غير هذا الراكب فهي شروط فاسدة وهي تنافي مقتضى
العقد فهو كما لو شرط إصابة باصابتين (فصل) ويجوز عقد النضال على اثنين وعلى جماعة لان النبي صلى الله عليه وسلم مر على اصحاب له ينتضلون
فقال " ارموا وأنا مع ابن الادرع - فأمسك الآخرون وقالوا كيف نرمي وأنت مع ابن الادرع؟ فقال - ارموا وأنا معكم كلكم " رواه البخاري، ولانه إذا جاز أن يكونا اثنين جاز أن يكونا جماعتين لان المقصود معرفة الحذق وهو يحصل في الجماعتين وكذلك في سباق الخيل وقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة وبين الخيل التي لم تضمر * (مسألة) * (الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية ويحتمل الجواز) إذا كانا من جنسين كالفرس والبعير لم يجز لان البعير لا يكاد يسبق الفرس فلا يحصل الغرض من هذه المسابقة فان كانا من نوعين كالعربي والهجين والبختي والعرابي ففيه وجهان [ أحدهما ] لا يصح ذكره أبو الخطاب لان التفاوت بينهما في الجري معلوم بحكم العادة فأشبها الجنسين [ والثاني ] يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي (فصل) ولا بأس بالرمي بقوس فارسية في ظاهر كلام أحمد، وقد نص على جواز المسابقة بها وقال أبو بكر يكره لانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه رأى مع رجل قوسا فارسية فقال " القها فانها ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح القنا فبها يؤيد الله الدين وبها يمكن الله لكم في الارض " رواه الاثرم.
ولنا انعقاد الاجماع على الرمي بها وإباحة حملها فان ذلك جار في أكثر الاعصار وهي التي يحصل الجهاد بها في عصرنا هذا وأما الخبر فيحتمل انه لعنها، لان حملتها في ذلك العصر العجم ولم يكونوا أسلموا بعد ومنع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها ولهذا أمر برماح القنا ولو حمل انسان رمحا غيرها لم يكن مذموما وحكى أحمد ان قوما استدلوا على القسي الفارسية بقوله تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم
من قوة) لدخوله في عموم الآية.
* (مسألة) * (الثالث تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما جرت به العادة) يشترط في المسابقة بالحيوان تحديد المسافة وان يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها لان الغرض معرفة اسبقهما ولا يعلم ذلك إلا بتساويهما في الغاية، لان أحدهما قد يكون مقصرا في أول عدوه سريعا في انتهائه وبالعكس فيحتاج إلى غاية تجمع حالتيه ومن الخيل ما هو أصبر والقارح أصبر من غيره وروى ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية، رواه أبو داود فان استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف اولا لم يجز لانه يؤدي إلى أن لا يقف أحدهما حتى تنقطع فرسه ويتعذر الاشهاد على السبق فيه، ولذلك يشترط معرفة مدى الرمي إما بالمشاهدة أو بالذرعان نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع لان الاصابة به نختلف بالقرب والبعد ويجوز ما يتفقان عليه إلا ان يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الاصابة في مثلها غالبا وهو ما زاد على ثلثمائة ذراع فلا يصح، لان الغرض يفوت بذلك وقد قيل ما رمى في اربعمائة ذراع الا عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.
* (مسألة) * (الشرط الرابع كون العوض معلوما لانه مال في عقد فوجب العلم به كسائر العقود) إما بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة على ما تقدم في غير موضع وبجوز أن يكون حالا ومؤجلا وبعضه حالا وبعضه مؤجلا فلو قال ان فضلتني فلك دينار حال وقفيز حنطة بعد شهر جاز لان ما جاز ان يكون حالا ومؤجلا جاز ان يكون بعضه حالا وبعضه مؤجلا كالبيع غير انه يحتاج إلى صفة الحنطة بما تعلم به كالسلم * (مسألة) * (الشرط الخامس الخروج عن شبه القمار بان لا يخرج جميعهم) متى استبق اثنان والجعل منهما فاخرج كل واحد منهما لم يجز وكان قمارا، لان كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم وهذا قمار.
* (مسألة) * (فان كان الجعل من الامام أو احد غيرهما أو احدهما على ان من سبق أخذه جاز).
وجملة ذلك ان المسابقة إذا كانت بين اثنين أو حزبين لم بخل اما ان تكون منهما أو من غيرهما فان كان من غيرهما وكان من الامام جاز سواء كان من ماله أو من بيت المال لان في ذلك
مصلحة وحثا على تعلم الجهاد ونفعا للمسلمين، وان كان غير الامام فله بذل العوض من ماله، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا يجوز، لان هذا مما يحتاج إليه في الجهاد فاختص به الامام كتولية الولايات وتأمير الامراء
ولنا انه بذل لماله فيما فيه مصلحة وقربة فجاز كا لو اشترى به خيلا أو سلاحا فاما ان كان منهما اشترط كون الجعل من احدهما فيقول ان سبقتني فلك عشرة وان سبقتك فلا شئ عليك فهو جائز وحكي عن مالك انه لا يجوز لانه قمار.
ولنا ان احدهما يختص بالسبق فجاز كما لو اخرجه الامام ولا يصح ما ذكره لان القمار لا يخلو كل واحد منهما ان يغنم أو يغرم وههنا لا خطر احدهما فلا يكون قمارا.
* (مسألة) * (فان جاءا معا فلا شئ لهما) لانه لا سابق فيهما وان سبق المخرج احرز سبقه ولا شئ له على صاحبه لانه لو اخذ منه شيئا كان قمارا وان سبق الآخر احرز سبق المخرج فملكه وكان كسائر امواله لانه عوض في الجعالة فملك فيها كالعوض المجهول في رد الضالة، فان كان العوض في الذمة فهو دين يقضى به عليه ويجبر على تسلميه ان كان موسرا وان افلس ضرب به مع الغرماء.
* (مسألة) * (وان اخرجا معا لم يجز إلا ان يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فان سبقهما احرز سبقهما وان سبقاه احرز اسبقيهما ولم يأخذا منه شيئا وان سبق احدهما احرز السبقين وان سبق معه المحلل فسبق الآخر بينهما) السبق بفتح الباء الجعل الذي يسابق عليه ويسمى الخطر والندب والقرع والرهن ويقال سبق
إذا اخذ وإذا أعطى وهو من الاضداد، متى استبق اثنان فاخرج كل واحد منهما لم يجز وكان قمارا، لان كل واحد منهما لا يخلو من ان يغنم أو يغرم وسواء كان ما اخرجاه متساويا أو متفاوتا مثل ان أخرج أحدهما عشرة والآخر خمسة ولو قال ان سبقتني فلك عشرة وان سبقتك فلي عليك قفيز حنطة أو قال ان سبقتني فلك علي عشرة ولي عليك قفيز حنطة لم يجز لما ذكرناه.
فإذا ادخلا بينهما محللا وهو ثالث لم يخرج شيئا
جاز، وبهذا قال سعيد بن المسيب والزهري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، وحكى أشهب عن مالك انه قال في المحلل لا أحبه وعن جابر بن زيد انه قيل له ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يرون بالدخيل بأسا قال هم أعف من ذلك.
ولنا ما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن ان يسبق فليس بقمار ومن ادخل فرسا بين فرسين وقد امن ان يسبق فهو قمار " رواه أبو داود فجعله قمارا إذا أمن أن يسبق لانه لا يخلو كل واحد منهما ان يغنم أو يغرم وإذا لم يؤمن أن يسبق لم يكن قمارا، لان كل واحد منهما يجوز أن يخلو عن ذلك.
ويشترط أن يكون فرس المحلل مكافئا لفرسيهما أو بعيره لبعيريهما أو رميه لرمييهما فان لم يكن مكافئا مثل ان تكون فرساهما اجود من فرسه فيكونا
جوادين وهو بطئ فهو قمار للخبر ولانه مأمون سبقه فوجوده كعدمه، وان كان مكافئا جاز فان جاءوا الغاية دفعة واحدة أحرز كل واحد منهما سبق نفسه ولا شئ للمحلل لانه لا سابق فيهم وكذلك إن سبقا المحلل وان سبق المحلل أحرز السبقين بالاتفاق وان سبق احد المستبقين وحده احرز سبق نفسه واخذ سبق صاحبه ولم يأخذ من المحلل شيئا وان سبق احد المستبقين والمحلل احرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحل نصفين وسواء كان المستبقون اثنين أو أكثر حتى لو كانوا مائة وبينهم محلل لا سبق منه جاز ولذلك لو كان المحلل جماعة جاز لانه لا فرق بين الاثنين والجماعة وهذا مذهب الشافعي.
* (مسألة) * (وان قال المخرج من سبق فله عشرة ومن صلى فله ذلك لم يجز إذا كانا اثنين وإن قال من صلى فله خمسة جاز) وجملة ذلك انه إذا كان المخرج غير المتسابقين فقال لهما أو لجماعة ايكم سبق فله عشرة جاز لان كل واحد منهم يطلب ان يكون سابقا فأيهم سبق استحق العشرة فان جاؤا جميعا فلا شئ لواحد
منهم لانه لا سابق فيهم وان قال لاثنين أيكما سبق فله عشرة وايكما صلى فله ذلك لم يصح لانه لا فائدة
في طلب السبق فلا يحرص عليه، وان قال ومن صلى فله خمسة صح لان كل واحد منهما يطلب السبق لفائدته فيه بزيادة الجعل، وان كانوا أكثر من اثنين فقال من سبق فله عشرة ومن صلى فله ذلك صح لان كل واحد منهم يطلب ان يكون سابقا أو مصليا والمصلي هو الثاني لان رأسه عند صلي الآخر والصلوان هما العظمان الناتئان من جانبي الذنب وفي الاثر عن علي انه قال: سبق أبو بكر وصلى عمر وخبطتنا فتنة قال الشاعر: إن تبتدر غاية يوما لمكرمة * تلق السوابق منا والمصلينا فان قال للمجلي وهو الاول مائة، وللمصلي وهو الثاني تسعون، وللتالي.
هو للثالث ثمانون، وللنازع وهو الرابع سبعون، وللمرتاح وهو الخامس ستون، وللحظي وهو السادس خمسون، وللعاطف وهو السابع أربعون، وللمؤمل وهو الثامن ثلاثون، وللطيم وهو التاسع عشرون، وللسكيت وهو العاشر عشرة، وللفسكل وهو الاخير خمسة صح لان كل واحد يطلب السبق فإذا فاته طلب ما يلي السابق
والفسكل اسم وللآخر ثم استعمل هذا في غير المسابقة بالخيل تجوزا كما روي ان أسماء بنت عميس كانت تزوجت جعفر بن ابي طالب فولدت له عبد الله ومحمدا وعونا، ثم تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم تزوجها علي بن ابي طالب فقالت له ان ثلاثة أنت آخرهم لاخيار، فقال لولدها فسكلتني أمكم، وإن جعل للمصلي أكثر من السابق أو جعل للتالي أكثر من المصلي أو لم يجعل للمصلي شيئا لم يجز لان ذلك يفضي إلى أن لا يقصد السبق بل يقصد التأخر فيفوت المقصود (فصل) وإذا قال لعشرة من سبق منكم فله عشرة صح فان جاءوا معا فلا شئ لهم لانه لم يوجد الشرط الذي يستحق به الجعل في واحد منهم، وإن سبقهم واحد فله العشرة لوجود الشرط فيه، وإن سبق اثنان فلهما العشرة وإن سبق تسعة وتأخر واحد فالعشرة للتسعة لان الشرط وجد فيهم فكان الجعل بينهم كما لو قال من رد عبدي الآبق فله كذا فرده تسعة ويحتمل ان يكون لكل واحد من السابقين عشرة لان كل واحد منهم سابق فيستحق الجعل بكماله كما لو قال من رد عبدا لي فله عشرة فرد كل واحد عبدا وفارق ما لو قال من رد عبدي فرده تسعة لان كل واحد منهم لم يرده انما
رده حصل من الكل ويصير هذا كما لو قال من قتل قتيلا فله سلبه فان قتل كل واحد واحدا فلكل واحد سلب قتيله كاملا، وإن قتل الجماعة واحدا فلجميعهم سلب واحد وههنا كل واحد له سبق مفرد فكان له الجعل كاملا، فعلى هذا لو قال من سبق فله عشرة ومن صلى فله خمسة فسبق خمسة وصلى خمسة فعلى الوجه الاول للمسابقين عشرة لكل واحد منهم درهمان وللمصلين خمسة لكل واحد منهم درهم وعلى الوجه الثاني لكل واحد من السابقين عشرة فيكون لهم خمسون ولكل واحد من المصلين خمسة فيكون لهم خمسة وعشرون، ومن قال بالوجه الاول احتمل على قوله ان لا يصح العقد على هذا الوجه لانه يحتمل ان يسبق تسعة فيكون لهم عشرة لكل واحد منهم درهم وتسع ويصلي واحد فيكون له خمسة فيكون للمصلي من الجعل أكثر مما للسابق فيفوت المقصود * (مسألة) * (وإن شرطا ان السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط) وفي صحة المسابقة وجهان لانه عوض على عمل فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق لا يفسد العقد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يفسد
ولنا انه عقد لا تتوقف صحته على تسمية بدل فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح، وذكر القاضي أن الشروط الفاسدة في المسابقة تنقسم قسمين - (أحدهما) ما يخل بشرط صحة العقد نحو ان يعود إلى جهالة العوض أو المسافة ونحوهما فيفسد العقد لان العقد لا يصح مع فوات شرطه (والثاني) ما لا يخل بشرط العقد نحو ان يشرط ان يطعم السبق أصحابه أو غيرهم أو يشترط انه إذا نضل لا يرمي أبدا أو لا يرمي شهرا أو شرطا ان لكل واحد منهما أو لاحدهما فسخ العقد متى شاء بعد الشروع في العمل وأشباه هذا فهذه شروط باطلة في نفسها وفي العقد المقترن بها وجهان (أحدهما) حصته لان العقد تم باركانه وشروطه فإذا حذف الزائد الفاسد بقي العقد صحيحا (والثاني) لا يبطل لانه بذل العوض لهذا الغرض فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض وكل
موضع فسدت المسابقة فان كان السابق المخرج أمسك سبقه وإن كان الآخر فله أجر عمله لانه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالاجارة الفاسدة * (فصل) * قال رحمه الله (والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها إلا أن يظهر الفضل لاحدهما فيكون له الفسخ دون صاحبه
ذكره ابن حامد وهو قول ابي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو لازم إن كان العوض منهما وجائز إن كان من أحدهما أو من غيرهما وذكر القاضي احتمالا لانه عقد من شرطه ان يكون العوض والمعوض معلوما فكان لازما كالاجارة ولنا انه عقد على ما لا تتحقق القدرة على تسليمه فكان جائزا كرد الآبق وذلك لانه عقد على الاصابة ولا يدخل تحت قدرته وبهذا فارق الاجارة.
فعلى هذا لكل واحد من المتعاقدين الفسخ قبل الشروع في المسابقة، وإن أراد أحدهما الزيادة فيها أو النقصان منها لم يلزم الآخر اجابته، فاما بعد الشروع فيها فان لم يظهر لاحدهما فضل مثل ان يسبقه بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه فللفاضل الفسخ دون المفضول لانه لو جاز له ذلك لفات غرض المسابقة فلا يحصل ا؟ قصود، وقال أصحاب الشافعي إذا قلنا العقد جائز ففي جواز الفسخ وجهان * (مسألة) * (وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين) إذا قلنا انها عقد جائز قياسا على العقود الجائزة من الوكالة والشركة والمضاربة ونحوها وإن قلنا
بلزومها انفسخت بموت أحد المركوبين والراميين لان العقد تعلق بعين المركوب والرامي فانفسخ بتلفه كما لو تلف المعقود عليه في الاجارة، ولا تبطل بموت الراكبين ولا تلف أحد القوسين لانه غير المعقود عليه فلم ينفسخ العقد بتلفه كموت أحد المتبايعين، فعلى هذا يقوم وارث الميت مقامه كما لو استأجر شيئا ثم مات، فان لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته كما لو أجر نفسه لعمل معلوم ثم مات * (مسألة) * (والسبق في الخيل بالرأس إذا تماثلت الاعناق وفي مختلفي العنق والابل بالكتف)
وجملته انه يشترط في المسابقة ارسال الفرسين والبعيرين دفعة واحدة فان أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر اولا؟ لم يجز هذا في المسابقة بعوض لانه قد لا يدركه مع كونه أسرع منه لبعد المسافة بينهما ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما ويرتبهما وعند الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلفا في ذلك ويحصل السبق في الخيل بالرأس إذا تماثلث الاعناق فان اختلفا في طول العنق أو كان ذلك في الابل اعتبر السبق بالكتف لان الاعتبار بالرأس متعذر فان طويل العنق قد يسبق رأسه لطول عنقه لا بسرعة عدوه وفي الابل ما يرفع رأسه وفيها ما يمد عنقه فربما سبق رأسه لمد عنقه لا بسبقه فلذلك اعتبر بالكتف
فان سبق رأس قصير العنق فهو سابق بالضرورة وان سبق رأس طويل العنق بأكثر مما بينهما في طول العنق فقد سبق وان كان بقدره لم يسبق وان كان أقل فالآخر سابق ونحو هذا كله قول الشافعي وقال الثوري إذا سبق احدهما بالاذن كان سابقا ولا يصح ذلك لان احدهما قد يرفع رأسه ويمد عنقه فيسبق باذنه لذلك لا لسبقه، وان شرط السبق باقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح وقال بعض أصحاب الشافعي يصح ويتخاطان ذلك كما في الرمي ولا يصح لان هذا لا ينضبط ولا يقف الفرسان عند الغاية بحيث يعرف مساحة ما بينهما، وقد روى الدار قطني باسناده عن علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي قد جعلت لك هذه السبقة بين الناس فخرج علي فدعا سراقة ابن مالك فقال يا سراقة اني قد جعلت اليك ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في عنقي من هذه السبقة في عنقك فإذا اتيت الميطان - قال أبو عبد الرحمن الميطان مرسلها من الغاية - فصف الخيل ثم ناد هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل فإذا لم يجبك احد فكبر ثلاثا ثم خلها عند الثالثة فيسعد الله بسبقه من شاء من خلقه وكان علي يقعد عند منتهى الغاية يخط خطا ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفيه بين ابهامي ارجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول لهما إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف اذنيه أو اذن أو عذار فاجعلا السبقة له وإن شككتما فاجعلا سبقهما نصفين وهذا الادب الذي ذكره
في هذا الحديث في ابتداء الارسال وانتهاء الغاية من أحسن ما قيل في هذا مع كونه مرويا عن امير
المؤمنين علي رضي الله عنه في قضية أمره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوضها إليه فينبغي ان تتبع ويعمل بها * (مسألة) * (ولا يجوز ان يجنب احدهما مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا جلب ولا جنب " رواه أبو داود) معنى الجنب ان يجنب المسابق إلى فرسه فرسا لا راكب عليه يحرض الذى تحته على العدو ويحثه عليه وقال القاضي معناه ان يجنب فرسا يتحول عند الغاية عليها لكونها أقل كلالا واعياء قال ابن المنذر كذا قيل ولا أحسب هذا يصح لان الفرس التي يسابق بها لابد من تعيينها فان كانت التي يتحول عنها فما حصل السبق بها وان كانت التي يتحول إليها فما حصلت المسابقة بها في جميع الحلبة ومن شرط السابق ذلك، ولان هذا متى احتاج إلى التحول والاشتغال به فربما سبق باشتغاله لا بسرعة غيره ولان المقصود معرفة عدو الفرس في الحلبة كلها، فمتى كان انما يركبه في آخر الحلبة فما حصل
المقصود.
وأما الجلب فهو ان يتبع الرجل فرسه تركض خلفه ويجلب عليه ويصيح وراءه يستحثه بذلك على العدو هكذا فسره مالك وقال قتاده الجلب والجنب في الرهان وعن أبي عبيد كقول مالك وحكي عنه ان الجلب ان يحشر الساعي أهل الماشية ليصدقهم قال ولا يفعل ليأتهم على مياههم فيصدقهم والتفسير الاول اصح لما روى عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا جلب ولا جنب في الرهان " رواه أبو داود ويروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من اجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا " (فصل في المناضلة) قال الشيخ رحمه الله وهي المسابقة في الرمي بالسهام والمناضلة مصدر ناضلته مناضلة ونضالا وسمي الرمي نضالا لان السهم التام يسمى نضلا فالرمي به عمل بالنضل فسمي نضالا ومناضلة مثل جادلته جدالا ومجادلة ويشترط لها شروط اربعة (احدها) ان تكون على من يحسن الرمي فان كان في احد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه) واخرج من الحزب الآخر من جعل بازائه لان كل واحد من الزعيمين
يختار واحدا ويختار الاخر في مقابلته آخر كما لو بطل العقد في بعض المبيع بطل في ثمنه وهل يبطل
في الباقين؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة فان قلنا لا يبطل فلكل حزب الخيار لتبعيض الصفقة في حقهم فان كان يحسن الرمي لكنه قليل الاصابة فقال حزبه ظنناه كثير الاصابة أو لم نعلم حاله وان بان كثير الاصابة فقال الحزب الآخر ظنناه قليل الاصابة لم يسمع ذلك منهم لان شرط دخوله في العقد ان يكون من أهل الصنعة دون الحذق كما لو اشترى عبدا على انه كاتب فبان حاذقا أو ناقصا فيها لم يؤثر (الثاني معرفة عدد الرشق وعدد الاصابة) الرشق بكسر الراء عدد الرمى وأهل العربية يقولون هو عبارة عما بين العشرين والثلاثين والرشق بفتح الراء الرمي مصدر رشقت رشقا وانما اشترط علمه لانه لو كان مجهولا لافضى إلى الاختلاف لان احدهما قد يريد القطع والآخر الزيادة ولابد من معرفة عدد الاصابة فيقولان الرشق عشرون والاصابة خمسة أو ستة أو ما يتفقا عليه الا انه لا يصح اشتراط اصابة تندر كاصابة جميع الرشق أو تسعة من عشرة ونحو هذا لان الظاهر انه لا يوجد فيفوت الغرض وانما اشترط العلم بعدد الاصابة ليتبين حذقهما (فصل) ويشترط استواؤهما في عدد الرشق والاصابة وصفتها وسائر احوال الرمي فان جعلا رشق احدهما عشرا والآخر عشرين أو شرطا أن يصيب احدهما خمسة والآخر ثلاثة أو شرطا إصابة
احدهما خواسق والآخر خواصل أو شرطا ان يحط احدهما من إصابته سهمين أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه أو شرط ان يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب أو ان يرمي احدهما وبين أصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان أو ان يرمي احدهما وعلى رأسه شئ والآخر خال عن شاغل أو ان يحط عن أحدهما واحدا من خطئه لا عليه ولا له واشباه هذا مما تفوت به المساواة لم يصح لان موضوعها على المساواة والغرض معرفة الحذق وزيادة أحدهما على الآخر فيه ومع التفاضل لا يحصل فانه ربما أصاب احدهما لكثرة رميه لا لحذقه فاعتبر المساواة كالمسابقة بالحيوان
(فصل) ويشترط ان تكون المسابقة على الاصابة لا على البعد فلو قال السبق لابعدنا رميا لم يجز لان الغرض من الرمي الاصابة لا بعد المسافة فان المقصود من الرمي إما قتل العدو أو جرحه أو الصيد ونحو ذلك وكل هذا انما يحصل من الاصابة لا من الابعاد (فصل) إذا عقد النضال ولم يذكرا قوسا صح في ظاهر كلام القاضي ويستويان في القوس اما بالعربية أو الفارسية وقال غيره لا يصح حتى يذكرا نوع القوس الذي يرميان عليه في الابتداء لان اطلاقه ربما افضى إلى الاختلاف وقد امكن التحرز عنه بالتعيين للنوع فيجب ذلك، وان اتفقا على انهما يرميان بالنشاب في الابتداء صح وينصرف إلى القوس الاعجمية لان سهامها هو المسمى بالنشاب وسهام العربية يسمى نبلا فان عينا نوعا لم يجز العدول عنها إلى غيرها لان احدهما قد يكون احذق بالرمي باحد النوعين دون الآخر (الثالث معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة؟) المناضلة على ثلاثة أضرب (أحدها) يسمى المبادرة وهي ان يقولا من سبق إلى خمس اصابات من عشرين رمية فهو السابق فايهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فقد سبق فإذا رميا عشرة عشرة فاصاب أحدهما خمسا ولم يصب الآخر خمسا
فالمصيب خمسا هو السابق لانه قد سبق إلى خمس وسواء أصاب الآخر أربعا أو ما دونها أو لم يصب شيئا ولا حاجة إلى تمام الرمي لان السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه فان أصاب كل واحد منها من العشر خمسا فلا سابق فيهما ولا يكملان الرشق لان جميع الاصابة المشروطة قد حصلت واستويا فيها فان رمى أحدهما عشرا فاصاب خمسا ورمى الآخر تسعا فاصاب اربعا لم يحكم بالسبق ولا بعدمه حتى يرمي العاشر فان اصاب به فلا سابق فيهما وان اخطأ به فقد سبق الاول فان لم يكن اصاب من التسعة الا ثلاثا فقد سبق ولا يحتاج إلى رمي العاشر لان أكثر ما يحتمل ان يصيب به ولا يخرجه عن كونه مسبوقا (الثاني) المفاضلة وهو ان يقول أينا فضل صاحبه باصابة أو اصابتين أو ثلاث من عشرين رمية فقد سبق وتسمى محاطة لان ما تساويا فيه من الاصابة محطوط غير معتد به ويلزم إكمال الرشق إذا كان فيه فائدة، فإذا قالا أينا فضل صاحبه بثلاث فهو سابق فرميا اثني عشر سهما فاصاب بها احدهما واخطأ
الآخر كلها لم يلزم إتمام الرشق لان أكثر ما يمكن أن يصيب الآخر الثمانية الباقية ويحطئها الاول ولا يخرج الاول بهذا عن كونه سابقا، وان كان الاول انما أصاب من الاثني عشرة عشرا لزمهما ان يرميا الثالثة عشرة فان أصابا بها أو أخطأ أو أصابها الاول وحده فقد سبق ولا يحتاج إلى اتمام الرشق وان اصابها الآخر وحده فعليهما أن يرميا الرابعة عشرة والحكم فيها وفيما بعدها كالحكم في الثالثة عشر فانه متى ما اصاباها أو اخطآ أو أصابها الاول فقد سبق ولا يرميان ما بعدها وان أصابها الآخر وحده رميا بعدها وكذا كل موضع يكون في اتمام الرشق فائدة لاحدهما يلزم اتمامه
وان يئس من الفائدة لم يلزم أتمامه فإذا بقي من العدد ما يمكن ان يسبق احدهما به صاحبه أو يسقط به سبق صاحبه لزم الاتمام والا فلا، فإذا كان السبق يحصل بثلاث اصابات من عشرين فرميا ثماني عشرة فأخطأها أو أصاباها أو تساويا في الاصابة فيها لم يلزم الاتمام لان أكثر ما يحتمل أن يصيب أحدهما هاتين الرميتين ويخطئهما الآخر ولا يحصل السبق بذلك وكذلك ان فضل أحدهما الآخر بخمس اصابات فما زاد لم يلزم الاتمام لان اصابة الآخر السهمين الباقيين لا يخرج الآخر عن كونه فاضلا بثلاث اصابات وان لم يفضله الا باربع رميا السهم الآخر فان اصابه المفضول وحده فعليهما رمي الآخر فان أصابه المفضول ايضا أسقط سبق الاول وان أخطا في احد السهمين أو أصاب الاول في احدهما فهو سابق (الثالث) ان يقول أينا أصاب خمسا من عشرين فهو سابق فمتى أصاب أحدهما خمسا من العشرين ولم يصبها الآخر فالاول سابق وان أصاب كل واحد منهما خمسا أو لم يصب واحد منهما خمسا فلا سابق فيهما وهذه في معنى المحاطة في انه يلزم اتمام الرمي ما كان فيه فائدة ولا يلزم إذا خلا عنها ومتى أصاب كل واحد منهما خمسا لم يلزم اتمامه ولم يكن فيهما سابق وان رميا ست عشرة رمية فلم يصب واحد منهما شيئا لم يلزم اتمامه ولا سابق فيهما لان اكثر ما يحتمل ان يصيبها احدهما وحده ولا يحصل السبق بذلك، واختلف اصحابنا فقال أبو الخطاب لابد من معرفة الرمي هل هو مبادرة أو محاطة أو مفاضلة لان غرض الرماة يختلف فمنهم من تكثر اصابته في الابتداء دون الانتهاء ومنهم بالعكس فوجب بيان ذلك ليعلم ما دخل فيه وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وظاهر
كلام القاضي انه لا يحتاج إلى اشتراط ذلك لان مقتضى النضال المبادرة وان من بادر إلى الاصابة فهو
السابق فانه إذا شرط السبق لمن اصاب خمسة من عشرين فسبق إليها واحد فقد وجد الشرط، ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) وإن شرطا اصابة موضع من الهدف على ان يسقط ما قرب من اصابة أحدهما ما بعد من اصابة الآخر ففعل ثم فضل أحدهما الآخر بما شرطاه كان سابقا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لانه نوع من المحاطة فإذا أصاب أحدهما موضعا بينه وبين الغرض شبر وأصاب الآخر موضعا بينه وبين الغرض أقل من شبر سقط الاول، وإن أصاب الاول الغرض أسقط الثاني وإن اصاب الثاني الدائرة التي في الغرض لم يسقط الاول لان الغرض كله موضع الاصابة فلا يفضل أحدهما صاحبه إذا أصاباه إلا أن يشترطا ذلك، وإن شرطا ان يحتسب كل واحد منهما خاسقه باصابتين جاز لان أحدهما لم يفضل صاحبه بشئ فقد استويا (فصل) فان عقد النضال جماعة ليتناضلوا حزبين فذكر القاضي انه يجوز وهو مذهب الشافعي ويحتمل ان لا يجوز لان التعيين شرط وقبل التفاضل لم يتعين من في كل واحد من الحزبين فعلى هذا إذا تفاضلوا عقدوا الناضل بعده، وعلى قول القاضي يجوز العقد قبل التفاضل ولا يجوز ان يقتسموا بالقرعة لانها قد تقع على الحذاق في أحد الحزبين وعلى الكوادن في الآخر فيبطل مقصود النضال بل يكون لكل حزب زعيم فيختار أحدهما واحدا ثم يختار الآخر واحدا كذلك حتى يتفاضلوا جميعا ولا يجوز ان يجعل الخيار إلى أحدهما في الجميع ولا ان يختار جميع حزبه أولا لانه يختار الحذاق في حزبه ولا يجوز ان يجعل رئيس الحزبين واحدا لانه يميل إلى حزبه فتلحقه التهمة ولا يجوز ان يختار كل
واحد من الرئيسين أكثر من واحد واحد لانه أبعد من التساوي وإذا اختلفا في المبتدئ بالخيار أقرع بينهما، ولو قال أحدهما انا أختار اولا واخرج السبق أو يخرجه اصحابي لم يجز لان السبق انما يستحق بالسبق لا في مقابلة تفضل احدهما بشئ
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: