الفقه الحنبلي - السبق - القسم والحلف
(فصل) وإذا أخرج احد الزعيمين السبق من عنده فسبق حزبه لم يكن على حزبه شئ لانه جعله على نفسه دونهم وإن شرطه عليهم فهو عليهم بالسوية ويقسم على الحزب الآخر بالسوية من أصاب ومن أخطأ في
احد الوجهين كما انه على الحزب الآخر بالسوية وفي الوجه الآخر يقسم بينهم على قدر الاصابة ولا شئ لمن لم يصب لان استحقاقه بالاصابة فكان على قدرها واختص بمن وجدت فيه بخلاف المسبوقين فانه وجب عليهم لالتزامهم به وقد استووا في ذلك (فصل) ومتى كان النضال بين حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمه بينهم بغير كسر ويتساووا فيه فان كانوا ثلاثة وجب ان يكون له ثلث، وكذلك ما زاد لانه إذا لم يكن كذلك بقي سهم أو اكثر بينهم لا يمكن الجماعة الاشتراك فيه (فصل) ولا يجوز ان يقولوا نقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق ولا ان من خرجت قرعته فالسبق عليه ولا ان يقولوا نرمي فأينا أصاب فالسبق على الآخر لانه عوض في عقد فلا يستحق بالقرعة ولا بالاصابة، وإن شرطوا ان يكون فلان مقدم حزب وفلان مقدم الآخر ثم فلان ثانيا في الحزب الاول وفلان ثانيا من الحزب الثاني كان فاسدا لان تقديم كل واحد من الحزبين يكون إلى زعيمه وليس للحزب الاخر مشاركته في ذلك فإذا شرطوه كان فاسدا (فصل) إذا تناضل اثنان واخرج احداهما السبق فقال اجنبي انا شريكك في الغرم والغنم ان
نضلك فنصف السبق علي وإن نضلته فنصفه لي لم يجز وكذلك لو كان المتناضلون ثلاثة منهما محلل فقال رابع للمستبقين انا شريككما في الغنم والغرم كان باطلا لان الغنم والغرم انما يكون من المناضل.
فأما من لا يرمي فلا يكون له غنم ولا عليه غرم ولو شرطا في النضال انه إذا جلس المستبق كان عليه السبق لم يصح لان السبق على النضال وهذا الشرط يخالف مقتضى النضال فكان فاسدا (فصل) ولو فضل أحد المتناضلين صاحبه فاقل المفضول اطرح فضلك وأعطيك دينارا لم يجز لان المقصود معرفة الحذق وذلك يمنع منه وإن فسخا العقد وعقدا عقدا آخر جاز وإن لم يفسخاه ولكن رميا تمام الرشق فتمت الاصابة له مع ما اسقطه استحق السبق ورد الدينار إن كان أخذه
* (مسألة) * (وإذا أطلقا الاصابة تناولها على أي صفة كانت) لانها اصابة وذكر شيخنا صفة الاصابة شرطا لصحة المناضلة في كتاب المغني فان قالا خواصل كان تأكيدا لها لانه اسم لها كيفما كانت.
قال الازهري يقال خصلت مناضلي خصلة وخصلا ويسمى ذلك القرع والقراطسة يقال قرطس إذا أصاب * (مسألة) * (فان قالا خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه أو خوازق وهو ما خزقه ووقع بين يديه أو موارق وهو ما نفذ الغرض ووقع وراءه أو خوارم وهو ما خرم جانب الغرض أو حوابي وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه ومنه يقال حبا الصبي أو خواصر وهو ما كان في أحد جانبي الغرض ومنه قيل الخاصرة لانها في جانب الانسان تقيدت المناضلة بذلك) لان المرجع في المسابقة إلى شرطهما فيقيد بما شرطاه ههنا وان شرطا الخواسق والحوابي معا صح
* (مسألة) * (وان شرط اصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه تفيد به) لما ذكرنا (الرابع معرفة قدر الغرض طوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الارض) الغرض ما يقصد اصابته من قرطاس أو جلد أو خشب أو فرع أو غيره سمي غرضا لانه يقصد ويسمى شارة وشنا قال الازهري ما نصب في الهدف فهو القرطاس وما نصب في الهواء فهو الغرض ويجب ان يكون قدره معلوما بالمشاهدة أو بتقدير بشبر أو نحوه بحسب الشرط فان الاصابة تختلف باختلاف صغره وكبره وغلظه ورقته فوجب اعتبار ذلك * (مسألة) * (وان تشاحا في المبتدئ منهما أقرع بينهما وقيل يقدم من له مزية باخراج السبق) وجملة ذلك انه لابد في المناضلة من أن يبتدئ احدهما بالرمي لانهما لو رميا معا أفضى إلى الاختلاف ولم يعرف المصيب منهما، فان كان المخرج اجنبيا قدم من يختاره منهما فان لم يختر وتشاحا اقرع بينهما لانهما تساويا في استحقاق هذا فصارا إلى القرعة كما لو تنازع المتقاسمان في استحقاق سهم معين أو في المبتدئ بالاخذ وأيهما كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه اصاب ام اخطأ.
* (مسألة) * (وإذا بدأ احدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني تعديلا بينهما فان شرطا البداءة لاحدهما في كل الوجوه لم يصح) لان موضوع المناضلة على المساواة وهذا تفاضل فان فعلا ذلك من غير شرط برضاهما جاز لان البداءة لا اثر لها في الاصابة ولا في جودة الرمي، وان شرطا ان يبدأ كل واحد منهما وجهين متواليين
جاز لتساويهما ويحتمل ان يكون اشتراط البداءة في كل موضع ذكرنا غير لازم ولا يؤثر في العقد لانه لا اثر له في تجويد رمي ولا كثرة اصابة وكثير من الرماة يختار التأخر على البداية فيكون وجود هذا الشرط كعدمه، وإذا رمى البادئ بسهم رمى الثاني بسهم كذلك حتى يقضيا رمييهما لان اطلاق المناضلة يقتضي المراسلة ولانه اقرب إلى التساوي وانجز للرامي، لان احدهما يصلح فرسه ويعدل سهمه حتى يرمي الآخر، وان رميا سهمين سهمين فحسن وان شرطا أن يرمي احدهما رشقه ثم يرمي الاخر أو يرمي احدهما عددا ثم يرمي الآخر مثله جاز لانه لا يؤثر في مقصود المناضلة وان خالف مقتضى الاطلاق كما يجوز ان يشترط في البيع ما لا يقتضيه الاطلاق من النقود والخيار والاجل لما كان غير مانع من المقصود.
* (مسألة) * (والسنة يكون لهما غرضان يرميان أحدهما ثم يمضيان إليه فيأخذان السهام يرميان الآخر) لان هذا كان فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة " وقال ابراهيم التيمي رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين يقول أنابها أنابها في قميص وعن ابن عمر مثل ذلك، والهدف ما ينصب الغرض عليه اما تراب مجموع أو حائط ويروى ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشتدون بين الاغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهبانا فان جعلوا غرضا واحدا جاز لان المقصود يحصل به وهو عادة أهل عصرنا (فصل) وإذا تشاحا في الوقوف فان كان الموضع الذي طلبه أحدهما أولى مثل ان يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس أو ريحا يؤذيه استقبالها ونحو ذلك والآخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها لانه العرف إلا ان يكون في شرطهما استقبال ذلك فالشرط اولى كما لو اتفقا على الرمي ليلا
فان كان الموقفان سواء كان ذلك إلى الذي يبدأ فيتبعه الآخر فإذا كان في الوجه الثاني وقف الثاني حيث شاء ويتبعه الاول
(فصل) فان أراد أحدهما التطويل والتشاغل عن الرمي بما لا حاجة إليه من مسح القوس والوتر ونحو ذلك إرادة التطويل على صاحبه لعله ينسى القصد الذي أصاب به أو يفتر منع من ذلك وطولب بالرمي ولا يزعج بالاستعجال بالكلية بحيث يمنع من تحري الاصابة، ويمنع كل واحد منهما من الكلام الذي يغيظ به صاحبه مثل ان يرتجز ويفتخر ويتبجح بالاصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو يظهر له أنه يعلمه وهكذا الحاضر معهما مثل الامين والشاهدين يكره لهم مدح المصيب وتعنيف المخطئ وزجره لان فيه كسر قلب أحدهما وغيظه * (مسألة) * (وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فان كان شرطهما خواصل احتسب له به) لعلمنا أنه لو كان الغرض في موضعه أصابه) * (مسألة) * (وإن كان شرطهما خواسق لم يحتسب له به ولا عليه) وهذا قول أبي الخطاب لانا لا ندري هل يثبت في الغرض ان كان موجودا اولا؟ وقال القاضي ينظر فان كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض فثبت في الهدف احتسب له به لانه لو بقي مكانه لثبت فيه كثبوته في الهدف وان لم يثبت فيه مع التساوي لم يحتسب وإن كان الهدف أصلب فلم يثبت فيه أو كان رخوا لم يحتسب السهم له ولا عليه لاننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو بقي مكانه اولا وهذا مذهب الشافعي فان وقع السهم في غير موضع الغرض احتسب به على راميه لانه اخطأ ولو وقع في الغرض في الموضع الذي طار إليه حسب عليه أيضا إلا ان يكونا اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه وكذلك الحكم إذا القت الريح الغرض وجهه (فصل) إذا كان شرطهما خواصل فاصاب بنصل السهم حسب له كيفما كان فان أصاب بعرضه أو بفوقه نحو ان ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب فوقه الغرص لم يعتد به لان هذا من سيئ الخطأ فان انقطع السهم قطعتين فاصابت القطعة الاخرى لم يعتد به وان كان الغرض جلدا خيط عليه
شنبر كشنبر المنخل وجعلا له عرى وخيوطا تعلق به في العرى فاصاب الشنبر أو العرى نظرت في شرطهما فان شرطا اصابة الغرض اعتدله لان ذلك من الغرض فاما المعاليق وهي الخيوط فلا يعتد له باصابتها على كلا الشرطين لانها ليست من الجلدة ولا من الغرض فهي كالهدف (فصل) فان كان شرطهما خواسق وهو ما نقب الغرض وثبت فيه فمتى أصاب الغرض بنصله وثبت فيه احتسب به وان خدشه ولم ينقبه لم يحتسب له وحسب عليه وان مرق منه احتسب له به لان ذلك لقوة رميه فهو أبلغ من الخاسق وان خرقه ووقع بين يديه احتسب له به في أحد الوجهين لانه نقب نقبا يصلح للخسق وانما لم يثبت السهم لسبب آخر من سعة النقب أو غيره (والثاني) لا يحتسب له وهو اولى لان الخاسق ما ثبت وهذا لم يثبت وثبوته يكون لحذق الرامي وقصده برميه ما اتفقا عليه الا ان يكون امتناع السهم من الثبوت لوجود ما يمنع الثبوت من حصاة أو حجر أو عظم أو ارض غليظة ففيه الوجهان أيضا الا أنه إذا لم يحتسب له لم يحتسب عليه لكون العارض منعه من الثبوت أشبه ما لو منعه عارض من الاصابة، فان اختلفا في وجود العارض فان عرف موضع النقب باتفاقهما أو ببينة نظر في الموضع فان لم يكن فيه ما يمنع فالقول قول المنكر وان كان فيه ما يمنع فالقول قول المدعي بغير يمين لان الحال تشهد بصدق ما ادعاه وان لم يعلما موضع النقب الا أنهما اتفقا على انه خرق الغرض ولم يكن وراءه شئ يمنع فالقول قول المنكر بغير يمين أيضا لانه لا مانع وان كان وراءه ما يمنع وادعى المصاب عليه انه لم يكن السهم في موضع وراءه ما يمنع فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الاصابة مع احتمال ما يقوله المصيب وان أنكر أن يكون خرق فالقول قوله أيضا مع يمينه لما ذكرنا (فصل) إذا شرطا خاسقا فوقع السهم في نقب في الغرض أو موضع بال فنقبه وثبت في الهدف
معلقا في الغرض فان كان الهدف صلبا كصلابة الغرض حسب له لانه علم أنه لو كان الغرض صحيحا لثبت فيه وان كان الهدف ترابا أهيل لم يحسب له ولا عليه لانا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو اصاب موضعا منه قويا أولا؟ وان صادف السهم في نقب الغرض قد ثبت في الهدف مع قطعة من الغرض
فقال الرامي خسقت وهذه الجلدة قطعها سهمي لشدة الرمية فانكر الآخر وقال بل كانت مقطوعة فان علم ان الغرض كا ن صحيحا فالقول قول الرامي وان اختلفا فذكر القاضي أنها كالتي قبلها ان كان الهدف رخوا وان كان قويا صلبا اعتد به، وان وقع سهمه في سهم ثابت في الغرض اعتدله به إن كان شرطهما خواصل وان كان خواسق لم يحسب له ولا عليه لانا لا نعلم يقينا انه لولا فوق السهم الثابت لخسق وان أصاب السهم ثم سبح عنه فخسق احتسب له به * (مسألة) * (وان عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحسب عليه بالسهم) إذا أخطأ لعارض مما ذكرنا أو حيوان اعترض بين يديه أو ريح شديدة ترد السهم عرضا يحسب عليه بذلك السهم لان خطأه للعارض لا لسوء رميه قال القاضي ولو أصاب لم يحسب لانه إذا لم يحسب عليه لم يحسب له لان الريح الشديدة كما يجوز ان تصرف الرمي الشديد فيخطئ يجوز ان تصرف السهم المخطئ عن خطئه فيقع مصيبا فتكون إصابته بالريح لا بحذق رميه، فأما ان وقع السهم في حائل بينه وبين الغرض فمرقه وأصاب الغرض حسب له لان اصابته لسداد رميه ومروقه لقوته فهو أولى من غيره وان كانت الريح لينة لا ترد السهم عادة لم يمنع لان الجو لا يخلو من ريح ولان الريح اللينة لا تؤثر إلا في الرمي الرخو الذي لا ينتفع به (فصل) إذا قال رجل لآخر ارم هذا السهم فان أصبت به فلك درهم صح وكان جعالة لانه بذل مالا في فعل له فيه غرض صحيح ولم يكن نضالا لان النضال يكون بين اثنين أو جماعة على أن يرموا جميعا ويكون الجعل لبعضهم إذا كان سابقا، وإن قال ان أصبت به فلك درهم وان أخطأت فعليك درهم لم يصح لانه قمار وان قال ارم عشرة أسهم فان كان صوابك اكثر من خطئك فلك درهم صح لانه جعل الجعل في مقابلة اصابة معلومة فان اكثر العشرة أقله ستة وليس ذلك مجهولا لانه بالاقل يستحق
الجعل، وإن قال ان كان صوابك اكثر فلك بكل سهم أصبت به درهم صح وكذلك ان قال ارم عشرة ولك بكل سهم أصبت به منها درهم.
أو قال فلك بكل سهم زائد على النصف من المصيبات درهم لان الجعل معلوم بتقديره بالاصابة فاشبه ما لو قال استق لي من هذا البئر ولك بكل دلو تمرة
أو قال من رد عبدا من عبيدي فله بكل عبد درهم، وان قال إن كان خطؤك اكثر فعليك درهم أو نحو هذا لم يجز لانه قمار وان قال ارم عشرة فان أخطأتها فعليك درهم أو نحو هذا لم يجز لان الجعل يكون في مقابلة عمل ولم يوجد من القابل عمل فيستحق به شيئا ولذلك لو قال الرامي لاجنبي إن أخطأت فلك درهم لم يجز لذلك (فصل) وإن شرط ان يرميا أرشاقا كثيرة جاز لانه إذا جاز على القليل جاز على الكثير ولابد أن تكون معلومة فان شرطا ان يرميا منها كل يوم قدرا اتفقا عليه جاز لان الغرض في ذلك صحيح فانهما أو احدهما قد يضعف عن الرمي كله مع حذقه، وان أطلقا العقد جاز وحمل على التعجيل والحلول كسائر العقود فيرميان من اول النهار إلى آخره الا ان يعرض عذر يمنع من مرض أو عذر كريح يشوش السهام أو لحاجة إلى طعام أو شراب أو صلاة أو قضاء حاجة لان هذه مستثناة بالعرف وإذا جاء الليل تركاه لان العادة ترك الرمى بالليل فحمل العقد عليه مع الاطلاق الا ان يشترطاه ليلا فيلزم فان كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفي بذلك والا رميا بضوء شمعة أو مشعل * (مسألة) * (وان عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي) لان المطر يرخي الوتر ويفسد الريش وان عرض ظلمة كمجئ الليل تركا الرمي إلى الغد لان العادة الرمي نهارا الا أن يشترطا الرمي ليلا فيأخذ احدهما صاحبه بذلك وقد ذكرناه في الفضل قبله ويكره للامين والشهود مدح أحدهما وزهرهته إذا أصاب وعيبه إذا أخطأ لما فيه من كسر قلب صاحبه وقد ذكرناه
كتاب الايمان والاصل في مشروعيتها وثبوت حكمها الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقول الله سبحانه (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) الآية.
وقال تعالى (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالحلف في ثلاثه مواضع فقال (ويستنبئونك أحق هو؟ قل إي وربي انه لحق) وقال سبحانه (قل بلى وربي لتأتينكم) وقال (قل بلى وربي لتبعثن) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " اني والله ان شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا
أتيت الذي هو خير وتحللتها " متفق عليه.
وكان أكثر قسم النبي صلى الله عليه وسلم " ومصرف القلوب - ومقلب القلوب " ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آي واخبار سوى هذين كثير، وأجمعت الامة على مشروعية اليمين وثبوت أحكامها ووضعها في الاصل لتوكيد المحلوف عليه (فصل) وتصح من كل مكلف مختار قاصد إلى اليمين ولا تصح من غير مكلف كالصبي والمجنون والنائم كالاقرار وفي السكران وجهان بناء على ان هذا مكلف أو غير مكلف، ولا تنعقد يمين مكره وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تنعقد لانها يمين مكلف فانعقدت كيمين المختار ولنا ما روى أبو أمامة وواثلة بن الاسقع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس على مقهور يمين " ولانه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر (فصل) وتصح من الكافر وتلزمه الكفارة بالحنث سواء حنث في كفره أو بعد اسلامه،
وبه قال الشافعي وابو ثور وابن المنذر إذا حنث بعد اسلامه وقال الثوري واصحاب الرأي لا تنعقد يمينه لانه ليس بمكلف ولنا ان عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره ولانه من اهل القسم بدليل قوله تعالى (فيقسمان بالله) ولا نسلم انه غير مكلف وانما تسقط عنه العبادات باسلامه لان الاسلام يجب ما قبله.
فأما ما التزمه بنذره أو يمينه فينبغي أن يبقى حكمه في حقه لانه من جهته.
(فصل) والايمان تنقسم خمسة أقسام (أحدها) واجب وهي التي ينجي بها انسانا معصوما من هلكة كما روي عن سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدوله فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنا انه أخي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدقت المسلم أخو المسلم " رواه أبو داود فهذا وأشباهه واجب لان انجاء المعصوم واجب وقد تعين في اليمين فيجب وكذلك انجاء نفسه مثل أن تتوجه ايمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ
(الثاني) مندوب وهو الحلف الذي تتعلق به مصلحة من اصلاح بين متخاصمين أو إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف أو غيره أو في دفع شر فهذا مندوب لان فعل هذه الامور مندوب إليه واليمين مفضية إليه، وإن حلف على فعل طاعة أو ترك معصية ففيه وجهان (احدهما) انه مندوب إليه وهو قول بعض اصحابنا واصحاب الشافعي لان ذلك يدعوه إلى فعل الطاعات وترك المعاصي
(والثاني) ليس بمندوب إليه لان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك في الاكثر الاغلب ولا حث النبي صلى الله عليه وسلم أحدا عليه ولا ندبهم إليه ولو كان ذلك طاعة لم يخلوا به ولان ذلك يجري مجرى النذر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال " انه لا يأتي بخير وانما يستخرج به من البخيل " متفق عليه.
(الثالث المباح الحلف على فعل مباح أو تركه والحلف على الخبر بشئ هو صادق فيه أو يظن انه فيه صادق فان الله تعالى قال (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ومن صور اللغو ان يحلف على شئ يظنه كما حلف ويتبين بخلافه (الرابع) المكروه وهو الحلف على مكروه أو ترك مندوب قال الله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) وروي ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه حلف لا ينفق على مسطح بعد الذي قال لعائشة ما قال وكان من أهل الافك فأنزل الله تعالى (ولا يأتل أولو الفضل منكم) الآية، قيل المراد بقوله (ولا يأتل) أي لا يمتنع ولان اليمين على ذلك مانعة من فعل الطاعة أو حاملة على فعل المكروه فتكون مكروهة، فان قيل لو كانت مكروهة لانكر النبي صلى الله عليه وسلم على الاعرابي الذي سأله عن الصلوات فقال هل علي غيرها؟ فقال " لا إلا أن تتطوع " فقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال " أفلح الرجل إن صدق " قلنا لا يلزم هذا فان اليمين على تركها لا تزيد على تركها ولو تركها لم ينكر عليه ويكفي في ذلك بيان ان ما تركه تطوع وقد بينه له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " إلا أن تتطوع " ولان هذه اليمين إن تضمنت ترك المندوب فقد تناولت فعل الواجب والمحافظة عليه كله بحيث لا ينقص منه
منه شيئا وهذا في الفضل يزيد على ما قابله من ترك التطوع فيترجح جانب الاتيان بها على تركها فيكون من قبل المندوب فكيف ينكر؟ ولان في الاقرار على هذه اليمين بيان حكم يحتاج إليه وهو بيان أن ترك التطوع غير مؤاخذ به ولو أنكر على الحالف هذا لحصل ضد هذا وتوهم كثير من الناس لحوق الاثم بتركه فيفوت الغرض، ومن قسم المكروه الحلف في البيع فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة " رواه ابن ماجه (القسم الخامس) المحرم وهو الحلف الكاذب فان الله تعالى ذمه بقوله سبحانه (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) ولان الكذب حرام فإذا كان محلوفا عليه كان أشد في التحريم وان أبطل به حقا واقتطع به مال معصوم كان أشد فانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " متفق على معناه وأنزل الله تعالى في ذلك (ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) ومن هذا القسم الحلف على معصية أو ترك واجب فان المحلوف عليه حرام فكان الحلف حراما لانه وسيلة إليه والوسيلة تأخذ حكم المتوسل إليه (فصل) ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم كان حلها محرما لان حلها بفعل المحرم وهو محرم وإن كانت على مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه وإن كانت على مباح فحلها مباح، فان قيل فكيف يكون حلها مباحا وقد قال الله سبحانه وتعالى (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها - إلى قوله - تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة) والعهد يجب الوفاء به بغير تمين فمع اليمين أولى فان الله تعالى قال (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) وقال (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ولهذا نهى عن نقض اليمين والنهي يقتضي التحريم وذمهم عليه وضرب لهم مثل التي
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ولا خلاف في ان المحل المختلف فيه لا يدخله شئ من هذا؟ وإن كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب إليه فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا حلفت
على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وقال عليه السلام " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذى هو خير وتحللتها وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب لان حلها بفعل الواجب وفعله واجب * (مسألة) * (واليمين التي تجب بها الكفارة هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته) أجمع أهل العلم على ان من حلف بالله تعالى فقال والله أو بالله أو تالله فحنث ان عليه الكفارة، قال ابن المنذر وكان مالك وابو عبيد والشافعي وابو ثور واصحاب الرأي يقولون من حلف باسم من اسماء الله تعالى فحنث فعليه الكفارة ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله الذي لا يسمى بها سواه * (مسألة) * (وأسماء الله تعالى قسمان) (أحدهما) مالا يسمى به غيره ونحو والله والقديم الازلي والاول الذي ليس قبله شئ والآخر الذي ليس بعده شئ وخالق الخلق ورزاق العالمين، فهذا القسم به يمين بكل حال وكذلك قوله ورب العالمين، ورب السموات، والحي الذي لا يموت (الثاني) ما يسمى به غيره واطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالعظيم والرحيم والرب والمولى والرازق ونحوه.
فأما الرحمن فذكره شيخنا من هذا القسم في الكتاب المشروح وذكره في كتاب المغني من القسم الاول وهو أولى لان ذلك انما كان يسمى به غير الله تعالى مضافا كقولهم في مسيلمة رحمان اليمامة أما إذا أطلق فلا ينصرف إلا إلى الله تعالى، فهذا القسم الذي يسمى به غير الله مجازا بدليل قوله تعالى (ارجع إلى ربك - واذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) وقال (فارزقوهم منه) وقال (بالمؤمنين رئوف رحيم)
* (مسألة) * (فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو اطاق كان يمينا لانه باطلاقه ينصرف إليه بالنية) وهذا مذهب الشافعي، وقال طلحة العاقولي إذا قال والرب والخالق والرازق كان يمينا على كل حال كالاول لا يستعمل مع التعريف باللام إلا في اسم الله تعالى فأشبهت القسم الاول * (مسألة) * (وأما مالا يعد من اسمائه كالشئ والموجود والحي والعالم والمؤمن والكريم والشاكر فان لم ينو به الله تعالى أو نوى غيره لم يكن يمينا وإن نواه كان يمينا)
فيختلف هذا القسم والذي قبله في حالة الاطلاق ففي الاول يكون يمينا وفي الثاني لا يكون يمينا، وقال القاضي والشافعي في هذا القسم لا يكون يمينا أيضا وإن قصد به اسم الله تعالى لان اليمين انما تنعقد لحرمة الاسم فمع الاشتراك لا يكون له حرمة والنية المجردة لا تنعقد بها اليمين ولنا انه أقسم بالله قاصدا به الحلف فكان يمينا مكفرة كالقسم الذي قبله، وقولهم ان النية المجردة لا تنعقد بها اليمين نقول به وما انعقد بالنية المجردة وانما انعقد بالاسم المحتمل المراد به اسم الله تعالى فان النية تصرف اللفظ المحتمل إلى احد محتملاته فيصير كالمصرح به كالكنايات ولهذا لو نوى بالقسم الذي قبله غير الله لم يكن يمينا لنيته * (مسألة) * (وإن قال وحق الله وعهد الله وايم الله وأمانة الله وميثاقه وقدرته وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين) وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يمينا، وإن قال وحق الله فهي يمين مكفرة وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا كفارة لها لان حق الله طاعته ومفروضاته وليست صفة له ولنا ان لله حقوقا يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة وقد اقترن عرف الاستعمال
بالحلف بهذه الصفة فينصرف إلى صفة الله تعالى كقوله وقدر الله، وإن نوى بذك القسم بمخلوق فالقول فيه كالقول في الحلف بالعلم والقدرة الا ان احتمال المخلوق بهذا اللفظ أظهر، وإن قال وعهد الله وكفالته فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها وبهذا قال الحسن وطاوس والشعبي والحارث العكلي وقتادة الحكم والاوزاعي ومالك، وقال عطاء وابن المنذر وأبو عبيد لا يكون يمينا الا ان ينوي وقال الشافعي لا يكون يمينا إلا ان ينوي اليمين بعهد الله الذي هو صفته، وقال أبو حنيفة ليس بيمين ولعلهم ذهبوا إلى ان العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يمينا كما لو قال وحق الله، وقد وافقنا أبو حنيفة في أنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه ثم حنث انه تلزمه الكفارة ولنا ان عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا عنه لقوله (ألم أعهد اليكم يا بني آدم؟)
وكلامه قديم صفة له، ويحتمل انه استحقاقه لما تعبدنا به وقد ثبت له عرف الاستعمال فيجب أن يكون يمينا باطلاقه كما لو قال وكلام الله.
إذا ثبت هذا فانه إذا قال علي عهد الله وميثاقه لافعلن أو قال وعهد الله ميثاقه لاأفعلن فهو يمين * (مسألة) * (وإن قال وايم الله أو وايم الله فهي يمين موجبة للكفارة) وهو كالحلف بعمر الله على ما نذكره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم به وانضم إليه عرف الاستعمال فوجب ان ينصرف إليه، واختلف في اشتقاقه فقيل هو جمع يمين وحذفت النون فيه في البعض تخفيفا لكثرة الاستعمال وقيل هو من اليمن فكأنه قال ويمن الله لافعلن والفه الف وصل * (مسألة) * (وإن قال وأمانة الله فقال القاضي لا يختلف المذهب في ان الحلف بأمانة الله يمين مكفرة وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا تنعقد اليمين بها الا أن ينوي الحلف بصفة الله) لان الامانة تطلق على الفرائض والودائع والحقوق قال الله تعالى (انا عرضنا الامانة على
السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان) وقال تعالى (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) يعني الودائع والحقوق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " اد الامانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " وإذا كان اللفظ محتملا لم يصرف إلى أحد محتملاته الا ببينة أو دليل صارف إليه ولنا ان أمانة الله صفة من صفاته بدليل وجوب الكفارة على من حلف بها إذا نوى حملها على ذلك عند الاطلاق لوجوه (أحدها) أن حملها على غير ذلك صرف ليمين المسلم إلى المعصية أو المكروه لكونه قسما بمخلوق والظاهر من حال المسلم خلافه (الثاني) ان القسم في العادة يكون بالمعظم المحترم دون غيره وصفة الله أعظم حرمة وقدرا (الثالث) ان ما ذكروه من الفرائض والودائع لم يعهد القسم بها ولا يستحسن ذلك لو صرح به فلذلك لا يقسم بما هو عبارة عنه
(الرابع) ان امانة الله المضافة إليه هي صفته وغيرها يذكر غير مضاف إليه كما ذكر في الآيات والخبر (الخامس) ان اللفظ عام في كل امانة الله لان اسم الجنس إذا أضيف إلى معرفة افاد الاستغراق فتدخل فيه أمانه الله التي هي صفته فتنعقد اليمين بها موجبة للكفارة كما لو نواها (فصل) والقسم بصفات الله تعالى كالقسم باسمائه، وصفاته ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) ما هو صفات لذات الله تعالى لا يحتمل غيرها كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه وكلامه فهذه تنعقد بها اليمين في قولهم جميعا وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي لان هذه من صفات ذاته ولم يزل موصوفا بها، وقد ورد الاثر بالقسم ببعضها فروي " ان النار تقول قط قط وعزتك " رواه
البخاري والذي يخرج من النار يقول " وعزتك لا أسألك غيرها " وفي كتاب الله تعالى قال (فبعزتك لاغوينهم أجمعين) (الثاني) ما هو صفة للذات الا أنه يعبر به عن غيرها مجازا كعلم الله وقدرته فهذه صفة للذات لم يزل موصوفا بها، وقد تستعمل في المعلوم والمقدور أقساما كقولهم اللهم اغفر لنا علمك فينا ويقال اللهم قد اريتنا قدرتك فارنا عفوك ويقال انظروا إلى قدرة الله أي مقدوره فمتى أقسم بهذا كان يمينا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال وعلم الله لا يكون يمينا لانه يحتمل المعلوم ولنا أن العلم من صفات الله تعالى فكانت اليمين به يمينا موجبة للكفارة كالعظمة والعزة والقدرة وينتقض ما ذكروه بالقدرة فانه قد سلموها وهي قرينتها، فأما ان نوى القسم بالمعلوم والمقدور احتمل أن لا يكون يمينا وهو قول أصحاب الشافعي لانه نوى بالاسم غير صفة الله تعالى مع احتمال اللفظ ما نواه فأشبه ما لو نوى القسم بمخلوق في الاسماء التي يسمى بها غير الله تعالى، وقد روي عن أحمد أن ذلك يكون يمينا بكل حال ولا يقبل منه نية غير صفة الله كالعظمة وقد ذكر طلحة العاقولي أن أسماء الله تعالى المعرفة بلام التعريف كالخالق والرازق أنها تكون يمينا بكل حال لانها لا تنصرف الا إلى اسم الله تعالى كذا هذا (الثالث) ما لا ينصرف باطلاقه إلى صفة الله تعالى لكن ينصرف باضافته إلى الله سبحانه لفظا
أو نية كالعهد والميثاق والامانة فهذا لا يكون يمينا مكفرة الا باضافته أو نيته وسنذكره ان شاء الله * (مسألة) * (وان قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا الا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يمينا) إذا قال والعهد والميثاق والامانة والعظمة والكبرياء والقدرة والجلال ونوى عهد الله كان يمينا وكذلك في سائرها لانه نوى الحلف بصفة من صفات الله، وان أطلق فقال القاضي فيه روايتان [ أحداهما ] يكون يمينا لان لام التعريف ان كانت للعهد يجب أن تصرف إلى عهد الله تعالى لانه الذي عهدت اليمين به وان كانت للاستغراق دخل فيه ذلك [ والثانية ] لا تكون يمينا لانه يحتمل غير ما وجبت به الكفارة ولم يصرفه إلى ذلك بنيته فلا تجب الكفارة لان الاصل عدمها (فصل) ويكره الحلف بالامانة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف بالامانة فليس منا " رواه أبو داود، وروى زياد بن خدير أن رجلا حلف عنده بالامانة فجعل يبكي بكاء شديدا فقال له الرجل هل كان هذا يكره؟ قال نعم كان عمر ينهى عن الحلف بالامانة أشد النهي * (مسألة) * (وان قال لعمر الله كان يمينا وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي).
ظاهر المذهب أن ذلك يمين موجبة للكفارة وان لم ينو وبه قال أبو حنيفة وقال أبو بكر ان قصد اليمين فهو يمين وإلا فلا وهو قول الشافعي لانها إنما تكون يمينا بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمر الله ما أقسم به فيكون مجازا والمجاز لا ينصرف إليه الاطلاق.
ولنا انه أقسم بصفة من صفات الله فكانت يمينا موجبة للكفارة كالحلف ببقاء الله وحياته
ويقال العمر والعمر واحد وقيل معناه وحق الله وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال قال الله تعالى (لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون).
وقال النابغة: فلا لعمر الذي قد زرته حججا * وما أريق على الانصاب من جسد
وقال آخر: إذا رضيت كرام بني قشير * لعمر الله أعجبني رضاها وهذا في الشعر والكلام كثير، واما احتياجه إلى التقدير فلا يضر فان اللفظ إذا اشتهر في العرف صار من الاسماء العرفية ويجب حمله فيه عند الاطلاق دون موضوعه الاصلي على ما عرف من سائر الاسماء العرفية ومتى احتاج اللفظ إلى التقدير وجب التقدير له ولم يجز اطراحه ولهذا يفهم مراد المتكلم به ومن غير اطلاع على نية قائله وقصده كما يفهم ان مراد المتكلم من المتقدمين القسم ويفهم من القسم بغير حرف القسم في اشعارهم في مثل قولهم.
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ويفهم من القسم الذي حذف في جوابه حرف لانه مقدر مراد لهذا لبيت ويفهم من قول الله تعالى (واسئل القرية - وأشربوا في قلوبهم العجل) التقدير فكذا ههنا وان قال عمرك الله كما في قوله.
أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان؟ فقد قيل هو مثل قوله نشدتك الله ولهذا ينصب اسم الله فيه وان قال لعمري أو لعمرك أو عمرك فليس بيمين في قول أكثرهم، وقال الحسن في قوله لعمري عليه الكفارة.
ولنا انه اقسم بحياة مخلوق فلم تلزمه كفارة كما لو قال وحياتي وذلك لان هذا اللفظ يكون قسما بحياة الذي أضيف إليه العمر فان التقدير لعمرك قسمي أو ما أقسم به والعمر الحياة والبقاء.
* (مسألة) * (وان حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وعنه عليه بكل آية كفارة.
) وجملة ذلك ان الحلف بكلام الله أو بالقرآن أو بآية منه يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وبه قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأبو عبيد وعامة أهل العلم، وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس بيمين ولا تجب به كفارة فمنهم من زعم انه مخلوق ومنهم من قال لا تعهد اليمين به.
ولنا أن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال وجلال الله
وعظمته وقولهم هو مخلوق قلنا هذا كلام المعتزلة وانما الخلاف مع الفقهاء وقد روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " القرآن كلام الله غير مخلوق " وقال ابن عباس في قوله تعالى (قرآنا عربيا غير ذي عوج) أي غير مخلوق وأما قولهم لا تعهد اليمين به فيلزمهم قولهم: وكبرياء الله وعظمته وجلاله إذا ثبت هذا فان الحلف بآية منه كالحلف بجميعه لانها من كلام الله تعالى وكذلك الحلف بالمصحف تنعقد به اليمين وكان قتادة يحلف بالمصحف ولم يكره ذلك امامنا واسحاق، لان الحلف بالمصحف انما قصد الحلف بالمكتوب فيه وهو القرآن فانه بين دفتي المصحف باجماع المسلمين.
(فصل) فان حلف بالقرآن أو بحق القرآن أو بكلام الله لزمته كفارة واحدة، ونص أحمد على أنه تلزمه بكل آية كفارة وهو الذي ذكره الخرقي وهو قول ابن مسعود والحسن، وقياس المذهب أنه تلزمه كفارة واحدة وهو قياس مذهب الشافعي وأبي عبيد، لان الحلف بصفات الله تعالى وتكرر اليمين بالله سبحانه لا يوجب أكثر من كفارة فالحلف بصفة من صفات الله أولى أن تجزئه كفارة واحدة.
ووجه الاول ما روى مجاهد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بسورة من
القرآن فعليه بكل آية كفارة يمين صبر فمن شاء بر ومن شاء فجر " رواه الاثرم، ولان ابن مسعود قال ذلك ولم نعرف له مخالفا في الصحابة قال أحمد وما أعلم شيئا يدفعه، قال شيخنا ويحتمل كلام احمد ان في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه فانه قال عليه بكل آية كفارة لمن قدر عليها فان لم يمكنه فكفارة واحدة ورده إلى واحدة عند العجز دليل على ان ما زاد عليه غير واجب وكلام ابن مسعود أيضا يحمل على الاختيار لكلام الله والمبالغة في تعظيمه كما روي عن عائشة انها اعتقت أربعين رقبة حين حلفت بالعهد وليس ذلك بواجب، فعلى هذا تجزئه كفارة واحدة لقول الله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) فكفارته اطعام عشرة مساكين وهذه يمين فتدخل في عموم الايمان المنعقدة وإنها يمين واحدة فلم توجب كفارات كسائر الايمان، ولان إيجاب كفارات بعدد الآيات يفضي إلى المنع من البر والتقوى والاصلاح بين الناس، لان من علم أنه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها يترك المحلوف عليه كائنا ما كان وقد يكون برا وتقوى واصلاحا فتمنعه يمينه وقد
نهى الله تعالى عنه بقوله (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) وان قلنا بوجوب كفارات بعدد الآيات فلم يطق ذلك اجزأته كفاره واحدة نص عليه احمد.
* (مسألة) * (وان قال أحلف بالله أو اشهد بالله أو اقسم بالله أو اعزم بالله كان يمينا، وان لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا إلا ان ينوي وعنه يكون يمينا).
هذا قول عامة الفقهاء لا نعلم فيه خلافا وسواء نوى اليمين أو اطلق لانه لو قال بالله ولم يقل أقسم ولا اشهد ولم يذكر الفعل كان يمينا وانما كان يمينا بتقدير الفعل قبله، لان
الباء تتعلق بفعل مقدر على ما ذكرناه فان اظهر الفعل ونطق بالمقدر كان اولى بثبوت حكمه وقد ثبت له عرف الاستعمال، قال الله تعالى (فيقسمان بالله) وقال تعالى (واقسموا بالله) وقال (فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين) ويقول الملاعن في لعانه اشهد بالله اني لمن الصادقين وتقول المرأة اشهد بالله انه لمن الكاذبين وانشد اعرابي * اشهد بالله لتفعلنه * وكذلك الحكم ان ذكر الفعل بلفظ الماضي فقال اقسمت أو شهدت بالله قال عبد الله بن رواحة * أقسمت بالتنزلنه * ان أراد بقوله اقسمت بالله الخبر عن قسم ماض أو بقوله اقسم بالله الخبر عن قسم يأتي به فلا كفارة عليه وان ادعى ذلك قبل منه، وقال القاضي لا يقبل في الحكم وهو قول بعض اصحاب الشافعي لانه خلاف الظاهر.
ولنا ان هذا حكم فيما بينه وبين الله تعالى فإذا علم من نفسه انه نوى شيئا واراده مع احتمال اللفظ إياه لم يلزمه شئ وان قال شهدت بالله اني آمنت بالله فليس بيمين وذكر أبو بكر في قوله أعزم بالله انه ليس بيمين مع الاطلاق وهو قول الشافعي لانه لم يثبت له عرف الشرع ولا الاستعمال فظاهره غير اليمين، لان معناه اقصد الله لافعلن، ووجه الاول انه يحتمل اليمين وقد اقترن به ما يدل عليه وهو جوابه بجواب القسم فيكون يمينا فأما ان نوى بقوله غير اليمين لم يكن يمينا.
(فصل) وان قال أولي بالله أو حلفت بالله أو آليت بالله أو الية بالله أو حلفا بالله أو قسما بالله فهو يمين سواء نوى به اليمين أو أطلق لما ذكرناه في اقسم بالله وحكمه حكمه في تفصيله لان الايلاء والحلف والقسم واحد قال الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وقال سعد بن معاذ أحلف
بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به وقال الشاعر: أولي برب الراقصات إلى منى * ومطارح الاكوار حيث تبيت وقال ابن دريد: الية باليعملات ترتمي * بها النجاء بين اجواز الفلا
وقال: بل قسما من يعرب هل لمقسم من بعد هذا منتهى؟ (فصل) فأما ان قال أقسمت أو آليت أو شهدت لافعلن ولم يذكر اسم الله فعن أحمد روايتان (احداهما) انها يمين سواء نوى اليمين أو اطلق وروي ذلك عن عمر وابن عباس والنخعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وعن أحمد ان نوى اليمين بالله كان يمينا والا فلا وهو قول مالك واسحاق وابن المنذر لانه يحتمل القسم بالله وبغيره فلم يكن يمينا حتى يصرفه بنيته إلى ما تجب به الكفارة وقال الشافعي ليس بيمين وان نوى، وروي نحو ذلك عن عطاء والحسن والزهري وقتادة وأبي عبيد لانها عريت عن اسم الله تعالى وصفته فلم تكن يمينا كما لو قال أقسمت بالبيت ولنا انه قد ثبت لها عرف الشرع والاستعمال فان أبا بكر قال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بما اصبت مما أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقسم يا أبا بكر " رواه أبو داود وقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعنه فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال " أبررت قسم عمي ولا هجرة " وفي كتاب الله تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله - إلى قوله - اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله) فسماها يمينا وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وقالت عاتكة بنت عبد المطلب حلفت لئن عادوا لنصطلمنهم * لجاءو تردي حجرتيها المقانب وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فآليت لا تنفك عيني حزينة * عليك ولا ينفك جلدي أغبرا وقولهم يحتمل القسم بغير الله قلنا انما يحمل على القسم المشروع ولهذا لم يكن مكروها ولو حمل
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: