الفقه الحنبلي - مال اليتيم - الصلح -
إذا لم يكن في قرض مال اليتيم حظ له لم يجز، وان كان في قرضه حظ لليتيم جاز.
قال أحمد لا تقرض مال اليتيم لاحد تريد
مكافأته ومودته.
ويقرض على النظر والشفقة كما صنع ابن عمر وقيل لاحمد ابن عمر اقترض مال اليتيم قال: انما استقرض نظرا لليتيم واحتياطا إن أصابه شئ غرمه.
قال القاضي
ومعنى الحظ أن يكون للصبي مال في بلد فيريد نقله إلى بلد آخر فيقرضه من رجل في ذلك البلد ليقضيه بدله في بلده يقصد بذلك حفظه من الغرر في نقله أو يخاف عليه الهلاك من نهب أو غرق أو غيرهما أو يكون مما يتلف بتطاول مدته، أو حديثه خير من قديمه كالحنطة ونحوها فيقرضه خوفا من السوس أو تنقص قيمته، وأشباه هذا فيجوز القرض لان لليتيم فيه حظا فجاز كالتجارة به، وان لم يكن فيه حظ لم يجز لانه تبرع بمال اليتيم فلم يجز كهبته، وان اراد الولي السفر لم يكن له المسافرة بماله، فان أراد أن يودع مال اليتيم فقرضه لثقة أولى من ذلك لان الوديعة لا تضمن فان لم يجد ثقة يستقرضه فله ايداعه لانه موضع حاجة، وان أودعه مع امكان قرضه جاز ولا ضمان عليه لانه ربما رأى الايداع أولى من القرض فلا يكون مفرطا وكل موضع قلنا له قرضه فلا يجوز إلا لملئ أمين ليأمن جحوده وتعذر الايفاء وينبغي ان يأخذ رهنا ان امكنه فان تعذر عليه أخذ الرهن جاز تركه في ظاهر كلام أحمد لان الظاهر أن من يستقرضه لحظ اليتيم لا يبذل رهنا فاشتراط الرهن يفوت هذا الحظ، وظاهر كلام شيخنا في هذا الكتاب المشروح أنه لا يجوز وكذلك ذكره أبو الخطاب لان فيه احتياطا للمال، فان تركه احتمل ان يضمن ان ضاع المال لتفريطه واحتمل أن لا يضمن لان الظاهر سلامته وهذا ظاهر كلام احمد لكونه لم يذكر الرهن (فصل) قال أبو بكر هل يجوز للوصي ان يستنيب فيما يتولى مثله بنفسه؟ على روايتين بناء على الوكيل، وقال القاضي يجوز ذلك للوصي، وفي الوكيل روايتان وفرق بينهما بأن الوكيل يمكنه الاستئذان والوصي بخلافه.
{ مسألة } (وله شراء العقار لهما وبناؤه بما جرت عادة اهل بلده به) إذا رأى المصلحة في ذلك كله لانه مصلحة له فانه يحصل له الفضل ويبقى الاصل والغرر فيه أقل من التجارة لان اصله محفوظ (فصل) ويجوز ان يبني لهما عقارا لانه في معنى الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين تقديمه وإذا أراد بناء ه بناه بما يرى الحظ فيه مما جرت عادة أهل البلد به وقال اصحابنا يبنيه بالآجر والطين لايبني
باللبن لانه إذا هدم لا مرجوع له ولا بجص لانه يلتصق بالآجر فلا يخلص منه فإذا انهدم فسد الآجر لان تخليصه منه يفضي إلى كسره وهذا مذهب الشافعي والذي قلناه اولى ان شاء الله فانه إذا كان الحظ له في البناء بغيره فتركه ضيع حظه وماله ولايجوز تضييع الحظ العاجل وتحمل الضرر الناجز المتيقن لتوهم مصلحة بقاء الاجر عند هدم البناء ولعل ذلك لا يكون في حياته ولا يحتاج إليه مع ان كثيرا من البلدان لا يوجد فيها الآجر وكثير منها لم تجر عادتهم بالبناء به فلو كلفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل، فعلى هذا يحمل قول أصحابنا على من عادتهم البناء بالآجر كالعراق ونحوها ولا يصح حمله في حق غيرهم وانما يفعل ما ذكرنا من الشراء والبناء إذا رأى المصلحة فيه والحظ لهما { مسألة } (وله شراء الاضحية لليتيم الموسر) نص عليه إذا كان له مال كثير لا يتضرر بشرائها فيكون ذلك على وجه التوسعة في النفقة في هذا اليوم الذي هو يوم عيد وفرج وفيه جبر قلبه وإلحاقه بمن له أب فينزل منزلة الثياب الحسنة وشراء اللحم سيما مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وجري العادة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " انها أيام أكل وشرب وذكر الله عزوجل " رواه مسلم وهذا قول أبي حنيفة ومالك قال مالك إذا كان له ثلاثون دينارا يضحي عنه بالشاة بنصف دينار.
وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى لا يجوز وهو مذهب الشافعي
لانه اخراج شئ من ماله بغير عوض فلم يجز كالهدية.
قال شيخنا: ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الروايتين على حالين فالموضع الذي منع التضحية إذا كان الطفل لا يعقل التضحية ولا يفرح بها ولا ينكسر قلبه بتركها لعدم الفائدة فيها والموضع الذي أجازها إذا كان اليتيم يعقلها وينجبر قلبه بها وينكسر بتركها لحصول الفائدة فيها، وعلى كل حال من ضحى عن اليتيم لم يتصدق بشئ منها ويوفرها لنفسه لانه لا تحل الصدقة بشئ من مال اليتيم تطوعا (فصل) ومتى كان خلط مال اليتيم أرفق به وألين في الجبر وأمكن في حصول الادم فهو أولى، وان كان الافراد أرفق به أفرده لقول الله تعالى (ويسئلونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لاعنتكم) أي ضيق عليكم وشدد، من
قولهم أعنت فلان فلانا إذا ضيق عليه وشدد { مسألة } (ويجوز تركه في المكتب وأداء الاجرة عنه بغير اذن الحاكم) وحكي لاحمد قول سفيان: لا يسلم الوصي الصبي الا باذن الحاكم فأنكر ذلك، وذلك لان المكتب من مصالحه فجرى مجرى نفقته لمأكوله وملبوسه، وكذلك يجوز أن يسلمه في صناعة إذا كانت مصلحته في ذلك لما ذكرناه { مسألة } (ولا يبيع عقارهم الا لضرورة أو غبطة وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعدا) وجملة ذلك أنه لا يجوز بيع عقاره لغير حاجة لاننا نأمره بالشراء لما فيه من الحظ فبيعه إذا تفويت للحظ فان احتيج إلى بيعه جاز قال أحمد يجوز للوصي بيع الدور على الصغار إذا كان أحظ لهم وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي واسحاق قالوا يبيع إذا رأى الصلاح، قال القاضي لا يجوز بيعه
الا في موضعين (أحدهما) أن يكون فيه ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دين أو ما لابد منه وليس له ما تندفع به حاجته (الثاني) أن يكون في بيعه غبطة وهو أن يبذل فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله، قال أبو الخطاب كالثلث فما زاد أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب أو نحوه وهذا الذي ذكره شيخنا في المقنع وهو قول في مذهب الشافعي وكلام أحمد يقتضي اباحة البيع في كل موضع يكون نظرا لهم ولا يختص بما ذكروه فان الولي قد يرى الحظ في غير هذا مثل أن يكون في مكان لا ينتفع به أو نفعه قليل فيبيعه ويشتري له في مكان يكثر نفعه أو يرى شيئا في شرائه غبطة لا يمكنه شراؤه الا ببيع عقاره وقد تكون داره بمكان يتضرر الغلام بالمقام فيها لسوء الجوار أو غيره فيبيعها ويشتري له بثمنها دارا يصلح له المقام بها وأشباه هذا مما لا ينحصر وقد لا يكون له حظ في بيع عقاره وان دفع مثلا ثمنه إما لحاجته إليه واما لانه لا يمكن صرف ثمنه في مثله فيضيغ الثمن ولا يبارك فيه فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " من باع دارا أو عقارا ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه " فلا يجوز بيعه إذا فلا معنى لتقييده بما ذكروه في الجواز ولا في المنع بل متى كان الحظ في بيعه جاز ومالا فلا، وهذا اختيار شيخنا وهو الصحيح ان شاء الله تعالى
{ مسألة } (وان وصي لاحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لا عسار الموصى له أو غير ذلك وجب على الولي قبول الوصية) لانه مصلحة ليس فيها ضرر، وان كانت تلزمه نفقته لم يجز له قبولها لما فيه من الضرر بتفويت ماله بالنفقة عليه (فصل) قال رحمه الله (ومن فك عنه الحجر فعاوده السفه أعيد الحجر عليه) وجملة ذلك أن المحجور عليه إذا فك عنه الحجر لرشده وبلوغه ودفع إليه ماله ثم عاد إلى السفه أعيد عليه الحجر وبه
قال القاسم بن محمد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يبتدأ الحجر على بالغ عاقل وتصرفه نافذ، روي ذلك عن ابن سيرين والنخعي لانه مكلف فلم يحجر عليه كالرشيد.
ولنا ماروى عروة بن الزبير ان عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فقال على لآتين عثمان ليحجر عليك فأتى عبد الله بن جعفر الزبير فقال قدابتعت بيعا وان عليا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي فقال الزبير أنا شريكك في البيع، فأتى علي عثمان فقال ان ابن جعفر قد ابتاع بيع كذا فاحجر عليه فقال الزبير أنا شريكه في البيع فقال عثمان كيف أحجر على من شريكه الزبير؟ قال أحمد لم أسمع هذا الا من أبي يوسف القاضي وهذه قضية يشتهر مثلها ولم يخالفها أحد في عصرهم فتكون اجماعا ولانه سفيه فحجر عليه كما لو بلغ سفيها فان العلة التي اقتضت الحجر عليه إذا بلغ سفيها سفهه وهو موجود ولان السفه لو قارن البلوغ منع دفع ماله إليه فإذا حدث وجب انتزاع المال كالجنون وفارق الرشيد فان رشده لو قارن البلوغ لم يمنع دفع ماله إليه، إذا ثبت ذلك فلا يحجر عليه الا الحاكم وبهذا قال الشافعي وقال محمد يصير مجحورا عليه بمجرد تبذيره لان ذلك سبب الحجر
فأشبه الجنون، ولنا ان التبذير يختلف ويختلف فيه ويحتاج إلى الاجتهاد فإذا افتقر السبب إلى الاجتهاد لم يثبت الا بحكم حاكم كالحجر على المفلس وفارق الجنون فانه لا يفتقر إلى الاجهتاد ولا خلاف فيه { مسألة } (ولا ينظر في ماله إلا الحاكم) لان الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم فكذلك النظر في ماله { مسألة } (ولا ينفك عنه الحجر الا بحكمه)
يعني إذا رشد احتاج فك الحجر إلى حكم الحاكم وبه قال الشافعي وقيل ينفك بمجرد رشده، قاله أبو الخطاب لان سبب الحجر زال فيزول بزواله كما في حق الصبي والمجنون، ولنا أنه حجر ثبت بحكم الحاكم فلا يزول الا بحكمه كالمفلس ولان الرشد يحتاج إلى تأمل واجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان كابتداء الحجر عليه وفارق الصبي والمجنون فان الحجر عليهما بغير حكم الحاكم فيزول بغير حكمه ولا ننا لو وقفنا صحة تصرف الناس على الحاكم كان أكثر الناس محجورا عليهم، قال أحمد: والشيخ الكبير ينكر عقله يحجر عليه يعني إذا كبر واختل عقله حجر عليه بمنزلة المجنون لانه يعجز بذلك عن التصرف في ماله على وجه المصلحة وحفظه فأشبه الصبي والمجنون { مسألة } (ويستحب اظهار الحجر عليه وان يشهد عليه الحاكم ليظهر أمره فيجتنب
معاملته وإن رأى أن يأمر مناديا ينادي بذلك ليعرفه الناس فعل ولا يشترط الاشهاد لانه قد ينتشر أمره لشهرته { مسألة } (ويصح تزويجه باذن وليه) وبغير اذنه وهو قول أبي حنيفة واختاره القاضي، وقال أبو الخطاب لا يصح بغير اذن وليه وهو قول الشافعي وأبي ثور لانه تصرف يجب به مال فلم يصح بغير اذن وليه كالشراء، ووجه الاول أنه عقد غير مالي فصح منه كخلعه وطلاقه ان لزم منه المال فحصوله بطريق الضمن فلم يمنع صحة التصرف (فصل) وان خالع صح خلعه لانه إذا صح الطلاق ولا يحصل منه شئ فالخلع الذي يحصل به المال أولى إلا أن العوض لا يدفع إليه وان دفع إليه لم يصح قبضه، وقال القاضي يصح وسنذكر ذلك في باب الخلع فان قلنا: لا يصح القبض فأتلفه بعد قبضه فلا ضمان عليه ولا تبرأ المرأة بدفعه إليه وهو من ضمانها ان أتلفه أو تلف في يده لانها سلطته عليه.
{ مسألة } وهل يصح عتقه؟ على روايتين (إحداهما) لا يصح وهو قول القاسم بن محمد والشافعي (والثانية) يصح لانه عتق من مكلف مالك تام الملك فصح كعتق الراهن والمفلس ولنا أنه تصرف في ماله فلم يصح كسائر تصرفاته ولانه تبرع فاشبه هبته ووقفه ولانه محجور عليه لحفظ ماله عليه فلم يصح كعتق الصبي والمجنون وفارق المفلس والراهن فان الحجر عليهما لحق غيرهما وفي
عتقهما خلاف أيضا قد ذكرناه (فصل) ويصح تدبيره ووصيته لان ذلك محض مصلحة لانه تقرب إلى الله تعالى بماله بعد غناه عنه ويصح استيلاده وتعتق الامة المستولدة بموته لانه إذا صح ذلك من المجنون فمن السفيه أولى وله المطالبة بالقصاص لانه موضع للتشفي والانتقام وهو من أهله وله العفو على مال لانه تحصيل للمال لا تضييع له، وإن عفا على غير مال وقلنا الواجب القصاص عينا صح عفوه لانه لم يتضمن تضييع المال، وإن قلنا أحد شيئين لم يصح عفوه عن المال ووجب المال كما لو سقط القصاص بعفو أحد الشريكين
وان أحرم بالحج صح لانه مكلف أشبه غيره ولانه عبادة فصحت منه كسائر العبادات فان كان أحرم بفرض دفع إليه النفقة من ماله ليسقط الفرض عن نفسه وان كان تطوعا وكانت نفقته في السفر كنفقته في الحضر دفعت لانه لاضرر في إحرامه فان زادت نفقة السفر فقال: انا اكسب تمام نفقتي دفعت إليه أيضا لانه لا يضر بماله وان لم يكن له كسب فلو ليه تحليله لما في مضيه فيه من تضييع ما له ويتحلل بالصيام كالمعسر لانه ممنوع من التصرف في ماله، ويحتمل أن لا يملك وليه تحليله بناء على العبد إذا أحرم بغير إذن سيده وان لزمه كفارة يمين أو ظهار أو قتل أو وطئ في نهار رمضان كفر بالصيام لما ذكرنا وان أعتق أو اطعم لم يجزه لانه ممنوع من ماله أشبه المفلس، وبهذا قال الشافعي، ويتخرج أن يجزئه العتق بناء على قولنا بصحة عتقه وان نذر عبادة بدنية لزمه فعلها لانه غير محجور عليه في بدنه وان نذر الصدقة بمال لم يصح منه وكفر بالصيام فان فك الحجر عنه قبل تكفيره في هذه المواضع لزمه العتق إن قدر عليه ومقتضى قول أصحابنا أنه يلزمه الوفاء بنذره بناء على قولهم فيمن أقر قبل فك الحجر عنه ثم فك الحجر عنه أنه يلزمه أداؤه وان فك بعد تكفيره لم يلزمه شئ كما لو كفر عن يمينه بالصيام ثم فك الحجر عنه { مسألة } (وان أقر بحد أو قصاص أو نسب أو طلق زوجته أخذ به) وجملة ذلك ان المحجور عليه لسفه أو فلس إذا أقر بما يوجب حدا أو قصاصا كالزنا والسرقة
والقذف والقتل والشرب أو قطع اليد وما أشبههما فانه يصح اقراره ويلزمه حكم ذلك في الحال بغير خلاف علمناه، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن اقرار المحجور عليه على نفسه جائز إذا كان اقراره بزنا أو سرقة أو شرب خمر أو قذف أو قتل وان الحدود تقام عليه.
وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم وذلك لانه غير متهم في حق نفسه والحجر انما تعلق بماله فقبل اقراره على نفسه بمال يتعلق بالمال وان طلق زوجته نفذ طلاقه في قول الاكثرين، وقال ابن أبي ليلى لا يقع لان البضع يجري مجرى المال بدليل أنه يملكه بمال ويصح أن يزول ملكه عنه بمال فلم يملك التصرف فيه كالمال
ولنا ان الطلاق ليس بتصرف في المال ولا يجري مجراه فلا يمنع منه كالاقرار منه بالحد والقصاص ودليل أنه لا يجري مجرى المال أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال ولانه مكلف طلق امرأته مختارا فوقع طلاقه كالعبد والمكاتب (فصل) وان أقر بما يوجب القصاص فعفا المقر له على مال احتمل أن يجب المال لانه عفو عن قصاص ثابت فصح كما لو ثبت بالبينة واحتمل أن لا يصح لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى الاقرار بالمال بان يتواطأ المحجور عليه والمقر له على الاقرار بالقصاص والعفو عنه إلى مال ولانه وجوب مال مستنده اقراره فلم يثبت كالاقرار به ابتداء فعلى هذا القول يسقط القصاص ولا يجب المال في الحال (فصل) وان اقر بنسب ولد قبل منه لانه ليس باقرار بمال ولا تصرف فيه فقبل كاقراره بالحد والطلاق وإذا ثبت النسب لزمته أحكامه من النفقة وغيرها لان ذلك حصل ضمنا لما صح منه فأشبه نفقة الزوجة.
{ مسألة } (قال وان أقر بمال لم يلزمه.
في حال حجره ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا) إذا أقر السفيه بمال كالدين أو ما يوجبه كجناية الخطأ وشبه العمد واتلاف المال وغصبه وسرقته لم يقبل اقراره به لانه محجور عليه لحظه فأشبه الصبي والمجنون ولانا لو قبلنا اقراره في ماله لزال فائدة الحجر لانه يتصرف في ماله ثم يقربه فيأخذه المقر له ولانه أقر بما هو ممنوع من التصرف فيه
فلم ينفذ كاقرار الراهن على الرهن والمفلس على المال، وظاهر قول الاصحاب أنه يلزمه ما أقربه بعد فك الحجر عنه، وهو قول أبي ثور واختيار الخرقي لانه مكلف أقر بما يلزمه في الحال فلزمه بعد فك الحجر عنه كالعبد يقر بالدين وكاقرار الراهن على الرهن وكاقرار المفلس، ويحتمل أن لا يصح اقراره ولا يؤخذ به في الحكم بحال، وهذا مذهب الشافعي لانه محجور عليه لعدم رشده فلم يلزمه حكم اقراره بعد فك الحجر عنه كالصبي والمجنون ولا المنع من نفوذ اقراره في الحال إنما ثبت لحفظ ماله عليه ودفع الضرر عنه فلو نفذ بعد فك الحجر عنه لم يفد الا تأخير الضرر عليه إلى أكمل حالتيه
وفارق المحجور عليه لحق غيره فان المانع تعلق حق الغرماء بماله فيزول المانع بزوال الحق عن ماله فيثبت مقتضى اقراره وفي مسئلتنا انتفى الحكم لخلل في الاقرار فلم يثبت كونه سببا وبزوال الحجر لم يكمل السبب فلا يثبت الحكم مع اختلال السبب كما لا يثبت بعد فك الحجر ولان الحجر لحق الغير فلم يمنع تصرفهم في ذممهم فأمكن تصحيح اقرارهم في ذممهم على وجه لا يضر بغيرهم والحجر ههنا لحظ نفسه من أجل ضعف قلبه وسوء تصرفه ولا يندفع الضرر الا بابطال اقراره بالكلية كالصبي والمجنون.
فأما صحته فيما بينه وبين الله تعالى فان علم صحة ما أقر به كدين لزمه من جناية أو دين لزمه قبل الحجر عليه فعليه أداؤه لانه علم أن عليه حقا فلزمه أداؤه كما لو لم يقر به، وان علم فساد اقراره مثل أن علم أنه أقر بدين ولا دين عليه أو بجناية لم توجد منه أو أقر بما لا يلزمه مثل أن أتلف مال من دفعه إليه بقرض أو بيع لم يلزمه أداؤه لانه يعلم أنه لا دين عليه فلم يلزمه كما لو لم يقر به { مسألة } (وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون على ما ذكرنا من قبل) لانه محجور عليه لحظه فهو كالصبي والمجنون { مسألة } قال الشيخ رحمه الله (وللولي أن يأكل من مال المولي عليه بقدر عمله إذا احتاج إليه) وان كان غنيا لم يجز له ذلك إذا لم يكن أبا لقول الله تعالى (فمن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) وإذا كان فقيرا فله أقل الامرين أجرته أو قدر كفايته لانه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ الا ما وجدا فيه وقال ابن عقيل يأكل وان كان غنيا قياسا على العمل في الزكاة والآية
محمولة على الاستحباب والاول أولى لظاهر الآية { مسألة } (وهل يلزمه عوض ذلك إذا أيسر؟ على روايتين) أما إذا كان أبا فلا يلزمه رواية واحدة لان للاب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها وان كان غير الاب لم يلزمه عوض ذلك في احدى الروايتين وهذا قول الحسن والنخعي وأحد قولي الشافعي لان الله تعالى أمر بالاكل من غير ذكر عوض فأشبه سائر ما أمر بأكله، ولانه عوض عن عمله فلم يلزمه بدله كالاجير والمضارب (والثانية) يلزمه عوضه وهو قول عبيدة السلماني وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية لانه استباحه بالحاجة من مال غيره فلزمه قضاؤه كالمضطر إلى طعام غيره، والاول أصح لانه لو وجب عليه إذا أيسر لكان واجبا في الذمة قبل اليسار فان اليسار ليس سببا للوجوب فإذا لم يجب بالسبب الذي هو الاكل لم يجب بعده وفارق المضطر فان العوض واجب عليه في ذمته، ولانه لم يأكله عوضا عن شئ وهذا بخلافه { مسألة } (وكذلك يخرج في الناظر في الوقف) قياسا عليه { مسألة } (ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا فالقول قول الولي) إذا ادعى الولي الانفاق على الصبي والمجنون أو على ماله أو عقاره بالمعروف من ماله أو ادعى
أنه باع عقارا لحظه أو بناه لمصلحته أو أنه تلف قبل قوله، وقال أصحاب الشافعي: لا يمضي الحاكم بين الامين والوصي حتى يثبت عنده الحظ ببينه ولا يقبل قولهما في ذلك ويقبل قول الاب والجد.
ولنا أن من جاز له بيع العقار وشراؤه لليتيم يجب أن يقبل قوله في الحظ كالاب والجد، ولانه يقبل قوله في عدم التفريط فيما تصرف فيه من غير العقار فيقبل قوله في العقار كالاب، وإذا بلغ الصبي فادعى أنه لاحظ له في البيع لم يقبل الا ببينة، فان لم تكن بينة فالقول قول الولي مع يمينه، وان قال الولي أنفقت عليك منذ ثلاث سنين وقال الغلام انما مات أبي منذ سنتين فقال القاضي القول قول الغلام لان الاصل حياة والده واختلافهما في أمر ليس الوصي أمينا فيه فقدم قول من يوافق قوله الاصل { مسألة } (وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده)
لانه أمين فأشبه المودع، ويحتمل أن القول قول الصبي لان أصله معه ولان الله سبحانه قال (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) فمن ترك الاشهاد فقد فرط فلزمه الضمان والاول المذهب وكذلك الحكم في المجنون والسفيه { مسألة } (وهل للزوج أن يحجر على امرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها؟ على روايتين) (احداهما) ليس له الحجر عليها وهو قول أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر وهو ظاهر كلام الخرقي (والثانية) ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض الا باذن زوجها، وبه قال مالك وحكي عنه في امرأة حلفت بعتق جارية ليس لها غيرها فحنثت ولها زوج فرد ذلك عليها زوجها، قال له أن يرد عليها وليس لها عتق لما روي أن امرأة كعب بن مالك أتت النبي صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجوز للمرأة عطية حتى يأذن زوجها فهل استأذنت كعبا " فقالت نعم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب فقال " هل أذنت لها أن تتصرف بحليها؟ " فقال نعم فقبله.
رواه ابن ماجه، وروي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة خطبها " لا يجوز لامرأة عطية في مالها الا باذن زوجها إذ هو مالك عصمتها " رواه أبو داود ولفظه عن عبد الله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يجوز لامرأة عطية الا باذن زوجها " ولان حق الزوج متعلق بما لها فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " تنكح المرأة لما لها ودينها " والعادة أن الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها ويتبسط فيه وينتفع به، وإذا أعسر بالنفقة أنظرته فجرى ذلك مجرى حقوق الورثة المتعلقة بمال المريض ولنا قول الله تعالى (فان آنستم منهم رشدا فادفعوا أموالهم) وهو ظاهر في فك الحجر عنهم واطلاقهم في التصرف، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن " وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولا استفصل، أتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة هل يجزئهن أن يتصدقن على أزواجهن وايتام لهن، فقال " نعم " ولم يذكر لهن هذا الشرط ولان من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير اذن كالغلام، ولان المراة من اهل التصرف ولا حق لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها في
التصرف بجميعه كاختها وحديثهم ضعيف وشعيب لم يذكر عبد الله بن عمرو فهو مرسل ويمكن حمله على انه لا يجوز عطيتها من ماله بغير اذنه بدليل انه يجوز عطيتها ما دون الثلث من مالها وليس معهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث والتحديد بذلك تحكم ليس فيه توقيف ولا عليه دليل، ولا يصح قياسهم على المريض لوجوه (احدها) ان المرض سبب يفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث والزوجية انما تجعله من اهل الميراث فهي أحد وصفي العلة فلا يثبت الحكم بمجردها كما لا يثبت للمرأة الحجر على زوجها ولا لسائر الوراث بدون المرض (الثاني) ان تبرع المريض موقوف فان برئ من مرضه صح تبرعه وههنا ابطلوه على كل حال والفرع لا يزيد على أصله (الثالث) أن ما ذكروه منتقض بالمرأة فانها تنتفع بمال زوجها وتتبسط فيه عادة ولها النفقة منه وانتفاعها بماله اكثر من انتفاعه بمالها وليس لها الحجر عليه على أن هذا المعنى ليس بموجود في الاصل ومن شرط صحة القياس وجود المعنى المثبت للحكم في الاصل والفرع جميعا { فصل } في الاذن.
قال الشيخ رحمه الله { يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين } ويصح تصرفه بالاذن وهذا قول ابي حنيفة (والثانية) لا يصح حتى يبلغ وهو قول الشافعي لانه غير مكلف أشبه غير المميز.
ولان العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به للتصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفي التدريج فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة ولنا قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ومعناه اختبروهم لتعلموا رشدهم وانما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ليعلم هل يغبن أم لا، ولانه عاقل مميز محجور عليه فصح تصرفه باذن وليه كالعبد وفارق غير المميز فانه لا تحصل المصلحة بتصرفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة إلى اختباره لانه قد علم حاله، وقولهم ان العقل لا يمكن الاطلاع عليه، قلنا يعلم ذلك بآثاره وجريان تصرفاته على وفق
المصلحة كما يعلم في حق البالغ فان معرفة رشده شرط دفع ماله إليه وصحة تصرفه، ويحتمل أن يصح ويقف على اجازة الولي وهو قول أبي حنيفة ومبنى ذلك على ما إذا تصرف في مال غيره بغير إذنه وقد ذكرناه فيما مضى { مسألة } (ويجوز ذلك لسيد العبد) بغير خلاف نعلمه لان الحجر عليه انما كان لحق السيد فجاز له التصرف باذنه لزوال المانع { مسألة } (ولا ينفك عنهما الحجر الا فيما اذن لهما فيه وفي النوع الذي أمرا به لان تصرفه إنما جاز بأذن وليه وسيده فزال الحجر في قدر ما أذنا فيه دون غيره كالتوكيل،
فان دفع السيد إلى عبده مالا يتجر فيه كان له ان يبيع ويشتري ويتجر به وان أذن له أن يشتري في ذمته جاز، وان عين له نوعا من المال يتجر فيه لم يكن له ان يتجر في غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يجوز ان يتجر في غيره وينفك عنه الحجر مطلقا لان اذنه اطلاق من الحجر وفك له والاطلاق لا يبعض كبلوغ الصبي ولنا انه متصرف بالاذن من جهة الآدمي فوجب أن يختص ما اذن له فيه كالوكيل والمضارب وما قاله ينتقض بما إذا اذن له في شراء ثوب ليلبسه أو طعام ليأكله ويخالف البلوغ فانه يزول به المعنى الموجب للحجر فان البلوغ مظنة كمال العقل الذي يتمكن به من التصرف على وجه المصلحة وههنا الرق سبب الحجر وهو موجود فنظير البلوغ في الصبي العتق للعبد وانما يتصرف العبد بالاذن الا ترى ان الصبي يستفيد بالبلوغ قبول النكاح بخلاف العبد { مسألة } (وان اذن له في جميع انواع التجارة لم يجز ان يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره) وبه قال الشافعي وجوزهما أبو حنيفة لانه يتصرف لنفسه فملك ذلك كالمكاتب، ولنا انه عقد على نفسه فلا يملكه بالاذن في التجارة كبيع نفسه وتزويجه وقولهم يتصرف لنفسه ممنوع انما يتصرف لسيده وبهذا فارق المكاتب فان المكاتب يتصرف لنفسه ولهذا كان له أن يبتاع من سيده { مسألة } (وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على روايتين)
(إحداهما) لا يجوز لانه تصرف بالاذن فاختص بما أذن فيه ولم يؤذن له في التوكيل (والثانية) يجوز لانهم يملكون التصرف بأنفسهم فملكوه بنائبهم كالمالك الرشيد ولانه أقامه مقام نفسه { مسألة } (وان رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة في العبد يصير مأذونا له لانه سكت عن حقه فكان مسقطا له كالشفيع إذا سكت عن طلب الشفعة ولنا أنه تصرف يفتقر إلى الاذن فلم يقم السكوت مقام الاذن كما لو باع الراهن الرهن والمرتهن ساكت أو باعه المرتهن والراهن ساكت وكتصرفات الاجانب ويخالف الشفعة فانها تسقط بمضي الزمان إذا علم لانها على الفور { مسألة } (وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه وعنه يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق الا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين) يقال ادان واستدان وتداين بمعنى واحد والعبد قسمان: محجور عليه فما لزمه من الدين بغير رضا سيده مثل ان يقترض ويشتري شيئا في ذمته ففيه روايتان (احداهما) يتعلق برقبته اختارها الخرقي وأبو بكر لانه دين لزمه بغير اذن سيده فتعلق برقبته كالاتلاف (والثانية) يتعلق بذمته يتبعه الغريم به إذا عتق وأيسر وهو مذهب الشافعي لانه متصرف في ذمته بغير اذن سيده فتعلق بذمته كعوض الخلع من الامة وكالحر (والقسم الثاني) المأذون له في التصرف أو في الاستدانة فما يلزمه من الدين هل
يتعلق برقبته أو ذمة سيده، على روايتين (إحداهما) يتعلق برقتبه وهو ظاهر قول أبي حنيفة لانه قال يباع إذا طالب الغرماء ببيعه وهذا معناه أنه يتعلق برقبته لانه دين ثبت برضا من له العين فيباع فيه كما لو رهنه (والثانية) يتعلق بذمة السيد وهو الذي ذكره الخرقي فعلى هذه الرواية يلزم مولاه جميع ما ادان، وقال مالك والشافعي إن كان في يده مال قضيت ديونه منه، وإن لم يكن في يده شئ تعلق بذمته يتبع به إذا عتق وأيسر لانه دين ثبت برضا من له الدين اشبه غير المأذون أو فوجب ان لا يتعلق برقبته كما لو اقترض بغير اذن سيده ووجه قول الخرقي أنه إذا أذن له
في التجارة فقد أغرى الناس بمعاملته واذن فيها فصار ضامنا كما لو قال لهم داينوه أو اذن في استدانة تزيد على قيمته، ولا فرق بين الدين الذي لزمه في التجارة المأذون فيها أو فيما لم يؤذن له فيه مثل ان اذن له في التجارة في البر فاتجر في غيره فانه لا ينفك عن التغرير إذ يظن الناس انه مأذون له في ذلك ايضا (فصل) فأما اروش جناياته وقيم متلفاته فهي متعلقة برقبة العبد سواء كان مأذونا له اولا رواية واحدة وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وكل ما تعلق برقبة العبد خير السيد بين تسليمه للمبيع وبين فدائه فإذا بيع وكان ثمنه اقل مما عليه فليس لرب الدين الا ذلك لان العبد هو الجاني فلم يجب على غيره شئ وان كان ثمنه اكثر فالفضل للسيد، وذكر القاضي ان ظاهر كلام احمد ان السيد لا يرجع بالفضل ولعله يذهب إلى انه دفعه إليه عوضا عن الجناية فلم يبق لسيده فيه شئ كما لو ملكه إياه عوضا عن الجناية وليس هذا صحيحا فان المجني عليه لا يستحق اكثر من قدر ارش الجناية عليه فهو كما لو جنى عليه حر والجاني لا يجب عليه اكثر من ارش جنايته ولان الحق تعلق بعينه فكان الفضل من ثمنه لسيده كالرهن ولا يصح قولهم انه دفعه عوضا لانه لو كان عوضا لملكه المجني عليه ولم يبع في الجناية وانما دفعه ليباع فيؤخذ منه عوض الجناية ويرد إليه الباقي وكذلك لو أتلف درهما لم يبطل حق سيده منه منه بذلك وان عجز عن أداء الدراهم من غيره ثمنه فان اختار السيد فداءه لزمه أقل الامرين من قيمته أو أرش جنايته لان أرش الجناية ان كان اكثر فلا يتعلق بغير العبد الجاني لعدم الجناية من غيره وانما تجب قيمته وان كان أقل فلم يجب بالجناية الا هو وعن أحمد رواية أخرى أنه يلزمه أرض الجناية كله لانه يجوز أنه يرغب فيه راغب فيشتريه بارش الجناية فإذا منع منه لزمه جميع الارش لتفويته ذلك وللشافعي قولان كالروايتين (فصل) فان تصرف العبد غير المأذون ببيع أو شراء بعين المال لم يصح لانه تصرف من المحجور عليه فيما حجر عليه فيه أشبه المفلس وقياسا على تصرف الا جني، ويتخرج أن يصح ويقف على إجازة السيد كتصرف الفضولي، فأما شراؤه بثمن في ذمته واقتراضه فيحتمل أن لا يصح لانه محجور عليه اشبه السفيه، ويحتمل أن يصح لان الحجر لحق غيره أشبه المفلس والمريض، ويتفرع عن هذين الوجهين أن التصرف ان كان فاسدا فللبائع والمقرض أخذ ماله ان كان باقيا سواء كان في يد العبد
أو السيد، وان كان تالفا فله قيمته أو مثله ان كان مثليا، فان تلف في يد السيد رجع عليه بذلك
لان عين ماله تلف في يده وان شاء كان ذلك متعلقا برقبة العبد لانه الذي أخذه منه، وان تلف في يد العبد فالرجوع عليه وهل يتعلق برقبته أو ذمته؟ على روايتين، وان قلنا التصرف صححيح والمبيع في يد العبد فللبائع فسخ البيع وللمقرض الرجوع فيما أقرض لانه قد تحقق اعسار المشتري والمقترض فهو أسوأ حالا من الحر المعسر، وان كان السيد قد انتزعه من يد العبد ملكه بذلك لانه أخذ من عبده مالا في يده بحق فهو كالصيد، فإذا ملكه السيد كان كهلاكه في يد العبد ولا يملك البائع والمقرض انتزاعه من السيد بحال فان كان قد تلف استقر ثمنه في رقبة العبد أو في ذمته سواء تلف في يد العبد أو السيد { مسألة } (واذا باع السيد عبده المأذون شيئا لم يصح في أحد الوجهين) لانه مملوكه فلا يثبت له دين في ذمته كغير المأذون له أو كمن لا دين عليه ويصح في الآخر إذا كان عليه دين بقدر قيمته لانا إذا قلنا إن الدين يتعلق برقبته فكأنه صار مستحقا لاصحاب الديون فيصير كعبد غيره.
{ مسألة } (ويصح اقرار المأذون له في قدر ما اذن له فيه دون ما زاد عليه) لانه لم يؤذن له فيه فهو كغير المأذون له ولان الذي اذن له فيه يصح تصرفه فيه فصح اقراره به كالحر { مسألة } (وان حجر عليه وفي يده مال ثم اذن له فيه فأقر به صح) لان المانع من صحة اقراره الحجر عليه وقد زال ولانه يصح تصرفه فيه فصح اقراره به كما لو لم يحجر عليه وقياسا على غيره من الاحرار { مسألة } (ولا يبطل الاذن بالاباق) وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يبطل لانه يزيل ولاية السيد عنه في التجارة بدليل أنه لا يجوز بيعه ولا هبته ولا رهنه فأشبه مالو باعه.
ولنا ان الاباق لا يمنع ابتداء الاذن له في التجارة فلم يمنع استدامته كما لو غصب غاصب أو حبس بدين عليه ولا يصح ما ذكروه فان سبب الولاية باق
وهو الرق ويجوز بيعه واجارته ممن يقدر عليه ويبطل بالمغصوب { مسألة } (ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب) لان ذلك ليس من التجارة ولا يحتاج إليه فيها فأشبه غير المأذون له { مسألة } (وتجوز هديته للمأكول واعارة دابته) واتخاذ الدعوة ما لم يكن اسرافا وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجوز ذلك بغير اذن سيده لانه تبرع بمال مولاه فلم يجز كهبة الدراهم، ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك فروى أبو سعيد مولى بني اسيد أنه تزوج فحضر دعوته أناس من أصحاب رسول الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود وحذيفة وابوذر فامهم وهو يومئذ عبد رواه صالح في مسائله باسناده ولانه مما جرت به عادة التجارة فيما بينهم فيدخل في عموم الاذن
{ مسألة } (وهل لغير المأذون له الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه إذا لم يضربه؟ على روايتين) (إحداهما) ليس له ذلك لان المال لسيده وانما أذن له في الاكل فلم يملك الصدقة به كالضيف ولا يتصدق بما أذن له في أكله (والثانية) يجوز لانه مما جرت العادة بالمسامحة فيه والاذن عرفا فجاز كصدقة المرأة من بيت زوجها { مسألة } (وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير اذنه بنحو ذلك؟ على روايتين) (احداهما) يجوز لان عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما انفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها اجرها وله مثله بما كسب ولها بما انفقت وللخازن مثل ذلك من غير ان ينقص من اجورهم شئ " ولم يذكر اذنا، وعن اسماء انها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ليس لي شئ الا ما ادخل علي الزبير فهل علي جناح ان ارضخ مما يدخل علي.
قال: " ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك " متفق عليهما.
وروي ان امرأة اتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إنا كل على أزواجنا وأبنائنا فما يحل لنا من اموالهم؟ قال " الرطب تأكلينه وتهدينه " ولان العادة السماح بذلك وطيب النفس به فجرى مجرى صريح الاذن كما ان تقديم الطعام بين يدي الا كلة قام مقام صريح الاذن في أكله
كصدقة المرأة من بيت زوجها { مسألة } (وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير اذنه بنحو ذلك؟ على روايتين) (احداهما) يجوز لان عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما انفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها اجرها وله مثله بما كسب ولها بما انفقت وللخازن مثل ذلك من غير ان ينقص من اجورهم شئ " ولم يذكر اذنا، وعن اسماء انها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ليس لي شئ الا ما ادخل علي الزبير فهل علي جناح ان ارضخ مما يدخل علي.
قال: " ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك " متفق عليهما.
وروي ان امرأة اتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إنا كل على أزواجنا وأبنائنا فما يحل لنا من اموالهم؟ قال " الرطب تأكلينه وتهدينه " ولان العادة السماح بذلك وطيب النفس به فجرى مجرى صريح الاذن كما ان تقديم الطعام بين يدي الا كلة قام مقام صريح الاذن في أكله (والثانية) لا يجوز لما روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تنفق المرأة شيئا من بيتها الا باذن زوجها " قيل يا رسول الله ولا الطعام قال " ذاك أفضل أموالنا " رواه سعيد في سننه وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه " وقال " ان الله حرم بينكم دماءمكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " ولانه تبرع بمال غيره بغير اذنه فلم يجز كغير الزوجة، والصحيح الاول لان الاحاديث فيه خاصة صحيحة والخاص يقدم على العام ويثبته ويعرف ان المراد بالعام الصورة المخصوصة والحديث الخاص للرواية الثانية ضعيف ولا يصح قياس امرأة على غيرها لانها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها وتتبسط فيه وتتصدق منه لحضورها وغيبته والاذن العرفي يقوم مقام الاذن الحقيقي فصار كانه قال لها افعلي هذا.
فأما ان منعها ذلك وقال لاتتصدقي بشئ ولا تتبرعي من مالي بقليل ولا كثير لم يجز لها ذلك لان المنع الصريح نفي الاذن العرفي وكذلك لو كانت امرأته ممنوعة من التصرف في بيت زوجها كالذي يطعمها بالفرض ولا يمكنها من طعامه فهو كما لو منعها بالقول فان كان في بيت الرجل من يقوم مقام امرأته كجاريته وأخته وغلامه المتصرف في بيت سيده وطعامه فهو كالزوجة فيما ذكرنا لوجود المعنى فيه والله اعلم (تم طبع الجزء الرابع بعون الله ويليه الجزء الخامس بمشيئته وأوله (كتاب الصلح)
الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه ج 5
الشرح الكبير
عبدالرحمن بن قدامه ج 5
الشرح الكبير على متن المقنع، تأليف الشيخ الامام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي المتوفى سنة 682 ه كلاهما.
على مذهب امام الائمة (أبي عبد الله احمد بن محمد بن حنبل الشيباني) مع بيان خلاف سائر الائمة وأدلتهم رضي الله عنهم الجزء الخامس دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (باب الصلح) الصلح معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المختلفين ويتنوع أنواعا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما.
قال الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وقال تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) وروى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الصلح بين المسلمين جائز إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حرما) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى بمثل ذلك وأجمع العلماء على جواز الصلح في هذه الانواع التي ذكرنا ولكل واحد منها باب يفرد له وتذكر فيه أحكامه وهذا الباب للصلح بين المختلفين في الاموال (مسألة) (والصلح في الاموال قسمان أحدهما صلح على الاقرار وهو نوعان (أحدهما) صلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول على أن تعطيني الباقي أو يمنعه حقه بدونه)
وجملة ذلك أن من اعترف بدين أو عين في يده فأبرأه الغريم من بعض الدين أو وهبه بعض العين وطلب منه الباقي صح إذا كانت البراءة مطلقة من غير شرط.
قال أحمد إذا كان للرجل على الرجل الدين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما ولو فعل ذلك قاض
شافعي لم يكن عليه في ذلك إثم لان النبي صلى الله عليه وسلم قد كلم غرماء جابر ليضعوا عنه وفي الذي أصيب في حديقته فمر به النبي صلى الله وسلم وهو ملزوم فأشار إلى غرمائه بالنصف فأخذوه منه، فان فعل ذلك قاض اليوم جاز إذا كان على وجه الصلح والنظر لهما، وقد روى عبد الله بن كعب عن أبيه انه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج اليهما ثم نادى (يا كعب) قال لبيك يارسول الله.
فأشار إليه أن ضع الشطر من دينك.
قال قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قم فاعطه) متفق عليه فأما إن منعه المقر حقه حتى يضع عنه بعضه فالصلح باطل لانه صالح عن بعض ماله ببعضه وسواء كان بلفظ الصلح أو بلفظ الابراء أو الهبة المقرون بشرط مثل أن يقول أبرأتك من خمسمائة أو وهبتك بشرط أن تعطيني ما بقي، قال ابن أبي موسى الصلح على الاقرار هضم للحق فمتى ألزم المقر له ترك بعض حقه فتركه من غير طيب نفسه لم يطب لاحد، وإن تطوع المقر له باسقاط بعض حقه جاز غير أن ذلك ليس بصلح ولا من باب الصلح بسبيل فلم يجعله صلحا، ولم يسم الخرقي الصلح إلا في حال الانكار، فأما مع الاعتراف فان قضاه من جنس حقه فهو وفاء وإن قضاء من غير جنسه فهو معاوضة وإن أبرأه من بعضه فهو إبراء وإن وهبه بعض العين فهو هبة فلا يسمى صلحا وسماه القاضي وأصحابه صلحا وهو قول الشافعي.
والخلاف في التسمية أما المعنى فمتفق عليه، وهو ينقسم إلى إبراء وهبة ومعاوضة وقد ذكرنا الابراء، فأما الهبة فهو أن يكون له في يده عين فيقول قد وهبتك نصفها واعطني بقيتها فيصح ويعتبر له شروط الهبة، وإن أخرجه مخرج الشرط لم يصح وهذا مذهب الشافعي، لانه إذا شرط في الهبة الوفاء جعل الهبة عوضا عن الوفاء فكأنه عاوض بعض حقه ببعض، فان أبرأه من بعض الدين أو وهب له بعض العين بلفظ الصلح مثل أن يقول صالحني بنصف دينك علي أو بنصف دارك هذه،
فيقول صالحتك بذلك لم يصح: ذكره القاضي وابن عقيل وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال أكثرهم يجوز الصلح لانه إذا لم يجر بلفظه خرج عن أن يكون صلحا ولا يبقى له تعلق به اما إذا كان بلفظه سمي صلحا لوجود اللفظ وان تخلف المعنى كالهبة بشرط الثواب، وانما يقتضي لفظ الصلح المعاوضة إذا كان ثم عوض أما مع عدمه فلا، وانما معنى الصلح الاتفاق والرضى وقد يحصل هذا من غير عوض كالتمليك إذا كان بعوض سمي بيعا وان خلا عن العوض سمي هبة ولنا أن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة لانه إذا قال صالحني بهبة كذا أو على هبة كذا أو على نصف هذه العين ونحو هذا فقد أضاف إليه بالمقابلة فصار كقوله بعني بألف وان أضاف إليه على جرى مجرى الشرط كقوله (على أن تأجرني ثماني حجج) وقوله (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) وكلاهما لا يجوز بدليل مالو صرح بلفظ الشرط أو بلفظ المعاوضة، وقولهم انه يسمى صلحا
ممنوع وان سمي صلحا فمجاز لتضمنه قطع التنازع وازالة الخصومة وقولهم ان الصلح لا يقتضي المعاوضة ممنوع وان سلمنا لكن المعاوضة حصلت من اقتران حرف الباء أو على أو نحوهما به فان لفظ الصلح يحتاج إلى حرف يتعدى به وذلك يقتضي المعاوضة على ما بينا (مسألة) (ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم إلا في حال الانكار وعدم البينة) لانه تبرع وليس لهم التبرع فاما إذا لم يكن بالدين أو كان على الانكار صح لان استيفاء هم البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه (مسألة) (وان صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح) كره ذلك زيد بن ثابت وابن عمر وقال نهى عمر أن تباع العين بالدين وكره ذلك سعيد بن المسيب والقاسم وسالم والحسن ومالك والشافعي والثوري وابن عيينه وابو حنيفة واسحاق وروي عن ابن عباس وابن سيرين والنخعي أنه لا بأس به، وعن الحسن وابن سيرين انهما كانا لا يريان بأسا بالعروض ان يأخذها من حقه قبل محله لانهما تبايعا العروض بما في الذمة فصح كما لو اشتراها بثمن مثلها ولعل ابن سيرين يحتج بان التعجيل جائز والاسقاط وحده جائز فجاز الجمع بينهما كما لو فعلا
ذلك من غير مواطأة عليه ولنا أنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا من تعجيل ما في ذمته وبيع الحلول والتأجيل لا يجوز كما لا بجوز أن يعطيه عشرة حالة بعشرين موجلة ولانه يبيعه عشرة بعشرين فلم يجز كما لو كانت معينة وفارق ما إذا كان من غير مواطأة ولا عقد لان كل واحد منهما متبرع ببذل حقه من غير عوض ولا يلزم من جواز ذلك جوازه في العقد أو مع الشرط كبيع درهم بدرهمين ويقارق ما إذا اشترى العروض بثمن مثلها لانه لم يأخذ عن الحلول عوضا (مسألة) (وان وضع بعض الحال واجل باقيه صح الاسقاط دون التأجيل) إذا صالحه عن الف حال بنصها مؤجلا اختيارا منه وتبرعا صح الاسقاط ولم يلزم التأجيل لان الحال لا يتأجل بالتأجيل على ما ذكرنا والاسقاط صحيح وان فعله لمنعه من حقه بدونه أو شرط ذلك في الوفاء لم يسقط على ما ذكرنا في اول الباب وذكر أبو الخطاب في هذا روايتين اصحهما لا يصح وما ذكرنا من التفصيل اولى (مسألة) (وان صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل ان يصالح عن دية الخطأ أو قيمة متلف بأكثرمنها من جنسها لم يصح) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجوز لانه يأخذ عوضا عن المتلف فجاز ان بأخذ اكثر من قيمته كما لو باعه بذلك
ولنا ان الدية والقيمة تثبت في الذمة مقدرة فلم يجزان يصالح عنها باكثر منها من جنسها كالثابتة عن قرض أو ثمن مبيع ولانه إذا اخذ اكثر منها فقد اخذ حقه وزيادة لا مقابل لها فيكون أكل مال بالباطل (مسألة) (وان صالحه بعرض قيمته اكثر منها جاز) لانه بيع (فصل) ولو صالح عن المائة الثابتة بالاتلاف بمائة مؤجلة لم تصر مؤجلة وهذا قول الشافعي وعن احمد انها تصير مؤجلة وهو قول ابي حنيفة لانه عاوض عن المتلف بمائة مؤجلة فجاز كما لو باعه إياه ولنا انه انما استحق عليه قيمة المتلف وهو مائة حالة والحال لا يتأجل بالتأجيل وان جعلناه بيعا فهو بيع دين بدين وهو غير جائز (مسألة) (وان صالحه عن بيت على ان يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة لم يصح)
إذا ادعى على رجل بيتا فصالحه على بعضه أو على ان يبني له ثم على ان يسكنه سنة لم يصح لانه يصالحه عن ملكه على ملكه أو منفعته وان اسكنه كان تبرعا منه متى شاء اخرجه منها وان اعطاه بعض داره بناء على هذا فمتى شاء انتزعه منه لانه اعطاه إياه عوضا عما لا يصلح عوضا عنه وان فعل ذلك على سبيل المصالحة معتقدا ان ذلك وجب عليه بالصلح رجع عليه باجر ما سكن واجر ما كان في يده من الدار لانه اخذه بعقد فاسد فأشبه المبيع الموجود بعقد فاسد وسكنى الدار باجارة فاسدة، وان بنى وفوق البيت غرفة اجبر على نقضها وإذا اجر السطح مدة مقامه في يده وله اخذ آلته، وان انفقا على ان يصالحه صاحب البيت عن بنائه بعوض جاز وان بنى الغرفة بتراب من ارض صاحب البيت وآلاته فليس له اخذ بنائه لانه ملك صاحب البيت وان اراد نقض البناء لم يكن له ذلك إذا ابرأه المالك من ضمان ما يتلف به ويتخرج ان يملك نقضه كقولنا في الغاصب (مسألة) (ولو قال أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل صع الاقرار ولم يصح الصلح) لانه يجب عليه الاقرار بما عليه من الحق فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه.
فعلى هذا يردما أخذ لانه تبين كذبه باقراره وان عليه الدين فلزمه اداؤه بغير عوض (مسألة) (وان صالح انسانا ليقرله بالعبودية أو امرأة لتقرله بالزوجية لم يصح) لا يجوز الصلح على ما لا يجوز أخذ العوض عنه مثل ان يدعي على رجل أنه عبده فينكره فيصالحه على مال ليقرله بالعبودية فلا يجوز ذلك لانه يحل حراما فان ارقاق الحر نفسه لا يحل بعوض ولا غيره وكذلك ان صالح امرأة لتقرله بالزوجية لانه صلح يحل حراما ولانها لو أرادت بذل نفسها بعوض لم يجز فان دفعت إليه عوضا عن هذه الدعوى ليكف نفسه عنها ففيه وجهان (احدهما) لا يجوز لان الصلح في الانكار انما يكون في حق المنكر لافتداء اليمين وهذه لا يمين عليها وفي حق المدعي يأخذ العوض في مقابلة حقه الذي يدعيه وخروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له وانما
أجيز الخلع للحاجة إلى افتداء نفسها (والثاني) يصح ذكره أبو الخطاب وابن عقيل لان المدعي يأخذ عوضا عن حقه من النكاح فجاز كعوض الخلع والمرأة تبذله لقطع خصومته وازالة شره وربما توجهت
اليمين عليها لكون الحاكم يرى ذلك ولانها مشروعة في حقها في احدى الروايتين، ومتى صالحته عن ذلك ثم يثبت الزوجية باقرارها أو ببينة فان قلنا الصلح باطل فانكاح باق بحاله لانه لم يوجد من الزوج طلاق ولا خلع وان قلنا هو صحيح احتمل ذلك أيضا لما ذكرنا، واحتمل أن تبين منه بأحد العوضين لانه أخذ العوض عما يستحقه من نكاحها فكان خلعا كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا فصالحها على مال لتنزل عن دعواها لم يجز لانه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلقها بعوض ولا بغيره، وان دفعت إليه مالا ليقر بطلاقها لم يجز في أحد الوجهين وفي الآخر يجوز كما لو بذلت له عوضا ليطلقها ثلاثا (مسألة) وان دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح) لانه يجوز أن يعتق عبده بمال وليشرع للدافع لدفع اليمين الواجبة عليه والخصومة المتوجهة إليه.
(النوع الثاني) أن يصالحه عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة وذلك مثل أن يعترف له بعين في يده أو دين في ذمته ثم يعوضه عن ذلك بما يجوز تعويضه به وهو ثلاثة أقسام (أحدها) أن يقر له بنقد فيصالحه على نقد آخر مثل أن يقر له بمائة درهم فيصالحه عنها بعشرة دنانير أو بالعكس فهذا صرف يشترط له شروط الصرف من التقابض في المجلس ونحوه (القسم الثاني) أن يعترف له بعروض فيصالحه على أثمان أو بالعكس فهذا بيع تثبت فيه أحكام البيع (الثالث) أن يصالحه على سكنى دار أو خذمة عبده أو على أن يعمل له عملا معلوما فتكون اجارة لها حكم سائر الاجارات فان تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شئ من المنفعة انفسخت الاجارة ورجع بما صالح عنه، وان تلفت بعد استيفاء بعض المنفعة انفسخت فيما بقي من المدة ورجع بقسط ما بقي، ولو صالحه على أن يزوجه أمته وكان ممن يجوز له نكاح الاماء صح وكان المصالح عنه صداقها فان انفسخ النكاح قبل الدخول بامر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وان طلقها قبل الدخول رجع بنصفه (مسألة) (وان صالحت المرأة بتزويج نفسها صح فان كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب رجعت بارشه لا بمهر مثلها)
إذا اعترفت امرأة لرجل بدين أو عين فصالحته على ان تزوجه نفسها صح ويكون صداقا لها فان كان المعترف به عيبا في مبيعها فبان أنه ليس بعيب كبياض في عين العبد ظنته عمى رجعت بارشه لان ذلك صداقها فرجعت به لا يمهر مثلها فان لم يزل العيب ولكن انفسخ نكاحها بما يسقط صداقها رجع عليها بارشه
(مسألة) (وان صالح عما في الذمة بشئ في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض لانه بيع دين بدين) وقد نهى الشارع عنه (فصل) وان صالحه بخدمة عبده سنة صح وكانت اجارة على ما ذكرنا فان باع العبد في السنة صح البيع ويكون المشتري مسلوب المنفعة بقية السنة وللمصالح استياء منفعته إلى انقضاء السنة كما لو زوج أمته ثم باعها وان يعلم المشتري بذلك فله الفسخ لانه عيب وان أعتق العبد في اثناء المدة صح عتقه لانه مملوك يصح بيعه فصح عتقه كغيره، وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة لانه اعتقه بعد ان ملك نفعه لغيره فأشبه مالو اعتق الامة المزوجة لحر ولا يرجع العبد على سيده بشئ لانه ما ازال ملكه بالعتق الا عن الرقبة والمنافع حينئذ مملوكة لغيره فلم تتلف منافعه بالعتق فلا يرجع بشئ ولانه اعتقه مسلوب المنفعة فلم يرجع بشئ كما لو اعتق زمنا أو مقطوع اليدين أو امة مزوجة وذكر القاضى وابن عقيل وجها انه يرجع على سيده بأجر مثله وهو قول الشافعي لان العتق اقتضى ازالة ملكه عن الرقبة والمنفعة جميعا فلما لم تحصل المنفعة للعبد ههنا فكأنه حال بينه وبين منفعته ولنا ان اعتاقه لم يصادف للمعتق سوى ملك الرقبة فلم يؤثر الافيه كما لو وصى لرجل برقبة عبد ولآخر بمنفعته فأعتق صاحب الرقبة وكما لو اعتق أمة مزوجة قولهم إنه اقتضى زوال الملك عن المنفعة قلنا انما يقتضي ذلك إذا كانت مملوكة له أما إذا كانت مملوكة لغيره فلا يقتضي اعتاقه ازالة ما ليس بموجود وان تبين أن العبد مستحق تبين بطلان الصلح لفساد العوض ورجع المدعي فيما أقر له به وان وجد العبد معيبا عيبا تنقص به المنفعة فله رده وفسخ الصلح وان صالح على العبد عينه صح والحكم فيما إذا خرج مستحقا أو معيبا كما ذكرنا (فصل) وإذا ادعى زرعا في يد رجل فأقر له به ثم صالحه على دراهم جاز على الوجه الذي يجوز
بيع الزرع وقد ذكرناه في البيع، فان كان الزرع في يد رجلين فأقر له أحدهما بنفصه ثم صالحه عليه قبل اشتداد حبه لم يجز لانه ان كان الصلح مطلقا أو بشرط التبقية لم يجز لانه لا يجوز بيعه وان شرط القطع لم يجز أيضا لكونه لا يمكنه قطعه الا بقطع زرع الآخر، ولو كان الزرع لواحد فأقر للمدعي بنصفه ثم صالحه عنه بنصف الارض ليصير الزرع كله للمقر والارض بينهما نصفين فان شرط القطع جاز لان الزرع كله للمقر فجاز شرط قطعه ويحتمل أن لا يجوز لان في الزرع ما ليس بمبيع وهو النصف الذي لم يقر به وهو في النصف الباقي له فلا يصح شرط قطعه كما لو شرط قطع زرع آخر في أرض أخرى، وان صالحه منه بجميع الارض بشرط القطع ليسلم الارض إليه فارغة صح لان قطع جميع الزرع مستحق نصفه بحكم الصلح والباقي لتفريغ الارض فأمكن القطع وان كان اقراره بجميع الزرع فصالحه من نصفه على نصف الارض لتكون الارض والزرع بينهما نصفين وشرطا القطع في
الجميع احتمل الجواز لانهما قد شرطا قطع كل الزرع وتسليم الارض فارغة واحتمل المنع لان باقي الزرع ليس بمبيع فلا يصح بشرط قطعه في العقد (مسألة) (ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة) يصح الصلح عن المجهول سواء كان عينا أو دينا إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته قال أحمد في الرجل يصالح عن الشئ فان علم أنه أكثر منه لم يجز الا أن يوقفه عليه الا أن يكون مجهولا لا يدري ما هو، ونقل عنه عبد الله إذا اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير وطحنا فان عرف قيمة دقيق الحنطة ودقيق الشعير بيع هذا وأعطي كل واحد منهما قيمة ماله الا أن يصطلحا على شئ ويتحالا وقال ابن أبي موسى الصلح الجائز وصلح الزوجة من صداقها الذي لا بينة لها به ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه وكذلك الرجلان تكون بينهما المعاملة والحساب الذي قد مضى عليه الزمن الطويل لاعلم لكل واحد منهما بما عليه لصاحبه فيجوز الصلح بينهما، وكذلك من عليه حق لا علم له بقدره جاز ان يصالح عليه وسواء كان الحق يعلم حقه ولا بينة له ويقول القابض ان كان لي عليك حق فأنت منه في حل ويقول الدافع ان كنت أخذت أكثر من حقك فأنت منه في حل وقال الشافعي
لا يصح الصلح على مجهول لانه فرع البيع والبيع لا يصح على مجهول ولنا ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجلين اختصما في مواريث درست (استهما وتوخيا وليحلل احدكما صاحبه) رواه احمد بمعناه وهذا صلح على المجهول ولانه اسقاط حق فصح في المجهول كالعتاق ولانه إذا صح الصلح مع العلم وامكان أداء الحق بعينه فلان يصح مع الجهل اولى وذلك لانه إذا كان معلوما فلهما طريق إلى التخلص وبراءة أحدهما من صاحبه بدونه ومع الجهل لا يمكن ذلك فلو لم يجز الصلح افضى إلى ضياع المال على تقدير ان يكون بينهما مال لا يعرف كل واحد منهما قدر حقه منه ولا نسلم كونه فرع بيع وانما هو إبراء وان سلمنا كونه فرع بيع فان البيع يصح في المجهول عند الحاجة كبيع أساسات الحيطان وطي الآبار وما مأ كوله في جوفه ولو أتلف رجل صبرة طعام لا يعلم قدرها فقال صاحب الطعام المتلفه بعتك الطعام الذي في ذمتك بهذا الدرهم أو بهذا الثوب صح.
إذا ثبت هذا فمتى كان العوض في الصلح مما لا يحتاج إلى تسليمه ولا سبيل إلى معرفته كالمختصمين في مواريث دارسة وحقوق سالفة أو في أرض أو عين من المال لا يعلم كل واحد قدر حقه صح الصلح مع الجهالة من الجانبين لما ذكرنا من الخبر والمعنى، وان كان يحتاج إلى تسليمه لم يجز مع الجهالة ولا بد من العلم به لان تسليمه واجب والجهالة تمنعه وتفضي إلى التنازع فلا يحصل مقصود الصلح (فصل) فاما ما يمكنهما معرفته كتركة موجودة أو يعمله الذي هو عليه ويجهله صاحبه فلا يصح
الصلح عليه مع الجهل أحمد ان صولحت امرأة من ثمنها لم يصح، واحتج بقول شريح ايما امرأة صولحت من ثمنها فلم يبين لها ما ترك زوجها فهي الريبه كلها، قال وان ورث قوم مالا أودورأ وغير ذلك فقالوا لبعضهم نخرجك من الميراث بالف درهم اكره ذلك، ولا يشترى منها شيئا وهي لا نعلم لعلها تظن انه قليل وهو يعلم أنه كثير ولا يشترى حتى نعرفه وتعلم ما هو، انما يصالح الرجل الرجل على الشئ لا يعرفه ولا يدري ما هو؟ حساب بينهما فيصالحه، أو يكون رجل يعلم ماله عند رجل والآخر لا يعلمه فيصالحه فاما إذا علم فلم يصالحه انما يريد أن يهضم حقه ويذهب به وذلك لان الصلح انما جاز مع الجهالة للحاجة إليه لابراء الذمم وإزالة الخصام فمع امكان العلم لا حاجة إلى الصلح مع الجهالة فلم يصح كالبيع
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: