الفقه الحنبلي - الصلح - الحوالة
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (القسم الثاني) أن يدعي عليه عينا أو دينا فينكره ثم يصالحه على مال فيصح ويكون بيعا في حق المدعي حتى ان وجد بما أخذه عيبا فله رده
وفسخ الصلح) الصلح على الانكار صحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح لانه عاوض عما لم ثبت له فلم تصح المعاوضة كما لو باع مال غيره ولانه عقد معاوضة خلاعن العوض في أحد جانبيه فبطل كالصلح على حد القذف ولنا عموم قول عليه السلام (الصلح بين المسلمين جائز) فيدخل هذا في عمومه فان قالوا فقد قال (الا صلحا احل حراما) وهذا داخل فيه لانه لم يكن له ان يأخذ من مال المد عى عليه فحل بالصلح قلنا
قلنا لا نسلم دخوله فيه ولا يصح حمل الحديث على ما ذكروه لوجهين (أحدهما) ان هذا يؤخذ في الصلح بمعنى البيع فانه يحل لكل واحد منهما ما كان محرما عليه قبله وكذلك الصلح بمعنى الهبة فانه يحل للموهوب له ما كان حراما عليه الثاني انه لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحا فان الصلح الفاسد يحل الحرام وانما منعناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه كما لو صالحه على استرقاق حر أو احلال بضع محرم أو صالحه بخمر أو خنزير وليس ما نحن فيه كذلك وعلى أنهم لا يقولون بهذا فانهم يبيحون لمن له حق يجحده غريمه أن يأخذ من ماله بقفره أو دونه فإذا حل له ذلك من غير اختياره ولا علمه فلان يحل برضاه وبذله أو لى وكذلك إذا حل مع اعتراف الغريم فلان يحل مع جحده وعجزه عن الوصول إلى حقه الا بذلك أول ولان المدعي ههنا يأخذ عوض حقه الثابت له والمدعى عليه يدفعه لدفع الشرعنه ويقطع الخصومة ولم يرد الشرع بتحريم ذلك في موضع ولانه صلح يصح مع الاجنبي فصح مع الخصم كالصلح مع الاقرار، يحققه انه إذا صح مع الاجنبي مع غناه عنه فلان يصح مع الخصم مع حاجته إليه أولى، وقولهم انه معاوضة قلنا في حقهما أو في حق أحدهما؟ الاول ممنوع والثانى مسلم وهذا لان المدعي يأخذ عوض حقه من المنكر لعلمه بثبوت حقه عنده فهو معاوضة في حقه
والمنكر يعتقد أنه يدفع المال لدفع الخصومة واليمين عنه وتخلصه من شر المدعى فهوأبرأفى حقه
وغير ممتنع ثبوت المعاوضة في حق أحد المعاقدين دون الآخر كما لو اشترى عبدا شهد بحريته فانه يصح ويكون معاوضة في حق البائع واستقاذا له من الرق في حق المشتري كذاههنا.
إذا ثبت هذا فلا يصح هذا الصلح الا أن يكون المدعي شيئا معقتدا ان ما ادعاه حق والمدعى عليه يعتقد أنه لا حق عليه فيدفع إلى المدعي شيئا افتداء ليمينه وقطعا للخصومة وصيانة لنفسه عن التذل وحضور مجلس الحاكم فان ذوي الانفس الشريفة يصعب عليهم ذلك ويرون دفع ضررها عنهم من أعظم المصالح والشرع لا يمنعهم من وقاية أنفسهم وصيانتها ودفع الشر عنم ببذل اموالهم، والمدعي يأخذ ذلك عوضا عن حقه الذي يعتقد ثبوته فلا يمنعه الشرع من ذلك، سواء كان المأخوذ من جنس حقه بقدر حقه أو دونه فان أخذ من جنس حقه بقدره فقد استوفى حقه وان أخذ دونه فقد استوفى بعضه وترك بعضه وان اخذ من غير جنس حقه فقد أخذ عوضه ولا يجوز ان يأخذ من جنس حقه اكثر منه لان الزائد لا مقابل له فيكون ظالما بأخذه وان اخذ من غير جنسه جاز ويكون بيعا في حق المدعي لا عتقاده أخذه عوضا فيلزمه حكم اقراره فان وجد بما أخذه عيبا فله رده وفسخ الصلح كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا (مسألة) (وان كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صولح عنه بعيب ولا يؤخذ بشفعة) إذا كان الذي أخذه المدعي شقصا في دار أو عقار وجبت فيه الشفعة لانه يقر ان الذي أخذه عوضا فهو كما لو اشتراه ويكون أبرأ في حق المنكر لانه دفع المال التداء ليمينه ودفعا للضرر عنه لا عوضا عن حق يعتقده فيلزمه ايضا حكم ا قراره، فان وجدبا لمصالح عنه عيبا لم يرجع به على المدعي لا عتقاده انه ما أخذه عوضا وان كان شقصا لم تثبت فيه الشفعة لانه يعتقده على ملكه لم يزل وما
ملكه بالصلح ولو دفع المدعى عليه إلى المدعي ما ادعاه أو بعضه لم يثبت فيه حكم البيع ولا تثبت فيه الشفعة لان المدعي يعتقد أنه استوفى بعض حقه واخذ عين ماله مسترجعا لها ممن هي عنده فلم يمن بيعا كاسترجاع العين المغصوبة (مسألة) (فان كان أحدهما عالما بكذك نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه حرام عليه)
متى علم أحدهما كذب نفسه كمن ادعى شيئا يعلم أنه ليس له أو أنكر حقا يعلم أنه عليه فالصلح باطل في الباطن لان المدعي إذا كان كاذبا فما يأخذه أكل للمال بالباطل أخذه بشره وظللمه لا عوضا من حق فيكون حراما عليه كمن خوف رجلا بالقتل حتى أخذ ماله، وان كان المدعى عليه يعلم صدق المدعي وجحده لينتقص حقه أو يرضيه عنه شئ فهو هضم للحق وأكل مال بالباطل فيكون ذلك حراما والصلح باطل لا يحل له مال المدعي بذلك هذا حكم الباطن وأما الظاهر لنا فهو الصحة لانا لا نعلم باطن الحال انما نبني الامر على الظاهر والظاهر من حال المسلمين الصحة، ولو ادعى على رجل وديعة أو قرضا أو تفريطا في وديعة أو مضاربة فانكر واصطلحا صح لما ذكرناه (مسألة) (فان صالح عن النمكر أجنبي بغير اذنه صح ولم يرجع عليه في أصح الوجهين) إذا صالح عن النمكر أجنبي صح سواء اعترف للمدعي بصحة دعواه أولم يعترف وسواء كان باذنه أو بغير اذنه وقال أصحاب الشافعي انما يصح إذا اعترف المدعي بصدقه وهذا مبني على صلح المنكر وقد ذكرناه.
ثم لا يخلوا الصلح ان يكون عن دين أو عين فان كان عن دين صح سواء كان باذن المنكر أو بغير اذنه فان عليا وأبا قتادة قضيا عن الميت فاجازه النبي صلى الله عليه وسلم وان كان الصلح عن
عين باذن النمكر فهو كالصلح منه لان الوكيل يقوم مقام الموكل وان كان بغير اذنه فهو افتداء للمنكر من الخصومة وابراء له من الدعوى وذلك جائز وفي الموضعين إذا صالح عنه بغير اذنه لم يرجع عليه بشئ لانه أدى عنه مالا يلزمه اداؤه، وخرجه القاضي وأبو الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه الثابت بغير اذنه وهذا التخريج لا يصح لان هذا لم يثبت وجوبه على المنكر ولا يلزمه أداؤه إلى المدعي فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره؟ ولانه ادى عنه مالا يجب عليه فكان متبرعا كما لو تصدق عنه ومن قال برجوعه فانه يجعله كالمدعي في الدعوى على المنكر اما انه يجب له الرجوع بما ادعاه حتما فلاوجه له أصلا لان أكثر ما يجب لمن قضى دين غيره أن يقوم مقام صاحب الدين وصاحب الدين ههنا لم يجب له حق ولالزم الاداء إليه ولم يثبت له اكثر من جواز الدعوى فكذلك هذا ويشترط في جواز الدعوى أن يعلم صدق المدعي فأما ان لم يعلم لم يحل له دعوى شئ لا يعلم ثبوته
(مسألة) (وان صالح الاجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح وإن ظن القدرة عليه صح فان عجز عنه فهو مخير بين فسخ الصلح وامضائه) إذا صالح الاجنبي المدعي لنفسه لتكون المطالبة له فلا يخلو إما أن يعترف للمدعي بصحة دعواه
أولا فان لم يعترف له فالصح باطل لانه يشتري منه ما لم يثت له ولم يتوجه إليه خصومة يفتدي منها اشبه مالو اشترى منه ملك غيره، وإن اعترف له بصحة دعواه: كان المدعى دينا لم يصح لانه اشترى مالا يقدر البائع على تسليمه ولانه بيع للدين من غير من هو في ذمته، وقال بعض أصحابنا يصح وليس بجيد لان بيع الدين المقر به من غير من هو في ذمته لا يصح فيع دين في ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى، وإن كان المدعى عينا فقال الاجنبي للمدعي أنا أعلم أنك صادق فصالحني عنها فاني قادر على استنقاذها من المنكر فقال أصحابنا يصح الصلح وهو مذهب الشافعي لانه اشترى منه ملكه الذي يقدر على قبضه ثم إن قدر على أخذه استقر الصلح وإن عجز كان له الفسخ لانه لم يسلم له المعقود عليه فكان له الرجوع إلى بدله يحتمل انه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبين أن الصلح كان قاسدا لان الشرط الذي هو القدرة على قبضه معدوم حال العقد كان فاسدا كما لو اشترى عبده فتبين أنه آبق أو ميت ولو اعترف له بصحة دعواه ولا يمكنه استنقاذه لم يصح الصلح لانه اشترى مالا يمكنه قبضه فاشبه شراء العبد الآبق فان اشتراه وهو يظن انه عاجز عن قبضه فتبين ان قبضه ممكن صح البيع لان البيع تناول ما يمكن قبضه فصح كما لو علما ذلك ويحتمل أن لا يصح لانه ظن عدم الشرط فأشبه ما لو باع عبدا يظن أنه حر أو عبد غيره فتبين أنه ومحتمل أن يفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع وبين من لا يعلم ذلك لان من يعلم ذلك معتقد فساد البيع والشراء فكان بيعه فاسدا
لكونه متلاعبا بقوله معتقدا فساده ومن لا يعلم يعتقده صحيحا وشروطه فصح كما لو علمه مقدورا على تسلميه.
(فصل) فان قال الاجنبي للمدعي أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك عن هذه العين وهو مقر لك
بها وانما جحدها في الظاهر فظاهر كلام الخرقي أن الصلح لا يصح لانه يجحدها في الظاهر لينتقص الدمعي بعض حقه أو يشتريه بأقل من ثمنه فهو هاضم للحق متوصل إلى أخذ المصالح عنه بالظلم والعدوان فهو بمنزلة مالو شافهه بذلك فقال أنا أعلم صحة دعواك وأن هذا لك لكن لا أسلمه اليك ولا أقر لك به عند الحاكم حتى تصالحني منه على بعضه أو عوض عنه، وقال القاضي يصح وهو مذهب الشافعي قالوا ثم ينظر إلى المدعى عليه فان صدقه على ذلك ملك العين ورجع الاجنبي عليه بما أدى عنه، وإن كان أذن في الدفع، وإن أنكر الاذن في الدفع فالقول قوله مع يمينه ويكون حكمه حكم من قضى دينه بغير اذنه وإن أنكر الوكالة فالقول قوله مع يمينه وليس للاجنبي الرجوع عليه ولا يحكم له بملكها في الظاهر، فأما حكم ملكها في الباطن فان كان وكل الاجنبي في الشراء فقد ملكها لانه اشترها باذنه
فلا يقدح إنكاره في ملكها لان ملكه ثبت قبل انكاره، وانما هو ظالم بالانكار للاجنبي وان كان لم يوكله لم يملكها لانه اشترى له عينا بغير إذنه ويحتمل أن يقف على إجازته كما قلنا فيمن اشترى لغيره شيئا بغير إذنه بثمن في ذمته فان أجازه ملكه وإلا لزم من اشتراه، وإن قال الاجنبي للمدعي قد عرف المدعى عليه صحة دعواك وهو يسألك أن تصالحه عنه وقد وكلنى في المصالحة عنه صح وكان الحكم كما ذكروه لانه ههنا لم يمتنع من أدائه بل اعترف به وصالح عليه مع بدله فأشبه مالو لم يجحده (فصل) قال الشيخ رحمه الله (يصح عن القصاص بديات وبكل ما يثبت مهرا) وجملة ذلك أن الصلح يجوز عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه سواء كان مما يجوز بيعه أو لا يجوز فيصح عن دم العمد وسكنى الدار وعيب المبيع ومتى صالح عما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقل جاز وقد روي أن الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة اين خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها ولان المال غير متعين فلا يقع العوض في مقابلته وان صالح عن
القصاص بعبد فخرج مستحقا رجع بقيته في قول الجميع وان خرج حرا فكذلك وبه قال أبو يوسف ومحمد وقا أبو حنيفة يرجع بالدية لان الصلح فاسد فيرجع ببدل ما صالح عنه وهو الدية
ولنا أنه تعذر تسليم ما جعله عوضا فرجع في قيمته كما لو خرج مستحقا، فان صالحه عن القصاص يحر يعلمان حريته أو عبد يعلمان انه مستحق أو تصالحا بذلك عن غير القصاص رجع بالدية وبما صالح عنه لان الصلح باطل يعلمان بطلانه فكان وجوده كعدمه (فصل) وان صالح عن دار أو عبد بعوض فخرج العوض مستحقا أو حرا رجع في الدار وما صالح عنه أو بقيمته ان كا بالغا لان الصل ههنا مع في الحقيقة فإذا تبين أن العوض كان متسحقا أو حرا كان البيع فاسدا فرجع فيما كان له بخلاف الصلح عن القصاص فانه ليس ببيع وإنما يأخذ عوضا عن اسقاط القصاص ولو اشترى شيئا فوجده معيبا فصالحه عن عبيه بعبد فبان مستحقا أو حرا رجع بارش العيب.
(مسألة) (ولو صالح سارقا ليطلعه أو شاهدا ليكتم شهادته أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح وتسقط الشفعة وفي الحد وجهان)
إذا صالح السارق والزاني والشارب على أن لا يرقفعه إلى السلطان لم يصح ولا يجوز أخذا العوض عنه لان ذلك ليس بحق فلا يجوز أخذ العوض عنه كسائر ما لا حق فيه، وإن صالح شاهدا ليكتم شهادته لم يصح لانه لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يصالحه على ان لا يشهد عليه بحق تلزمه الشهادة به كدين الآدمي أو حق لله تعالى لا يسقط بالشبهة كالزكاة ونحوها غفلا يجوز كما نه ولا يجوز أخذ العوض عن ذلك كما لا يجوز أخذ العوضن عن شرب الخمر.
(الثاني) ان يصالحه على ان لا يشهد عليه بالزور فهذا يجب عليه ترك ذلك ويحرم عليه فعله لم يجز أخذ العوض عنه كما لا يجوزان يصالحه على ان لا يقتله ولا يغصب ماله (الثالث) أن يصالحه على ان لا يشهد عليه بما يوجب حد الزنا والسرقة فلا يجوز أخذ العوض عنه لانه ليس بحق له وان صالح عن حق الشفعة لم يصح لانه حق شرع على خلاف الاصل لدفع ضرر الشركة فإذا رضي بالتزام الضرر سقط الحق من غير بدل ولم يجز العوضع نه لانه ليس بمال فهو كحد القذف وان صالحه عن حد الفذ ف لم يصح الصلح لانه ان كان حد الله تعالى لم يكن له أن
يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له فأشبه حد الزنا والسرقة ان كان حقا له لم يجز الاعتياض عنه لكونه حقا ليس بمال ولهذا لا يسقط إلى بدل بخلاف القصاص ولانه شرع لتنزيه العرض فلا يجوز أن يعتاض عن عرضه بمال، وهل يسقط بالصلح فيه؟ بنبني على الخلاف في كون حدالقذف حقالله تعالى أو لآدمي فان كان حقا لله تعالى لم يسقط بصلح الآدمي بالاإسقاطه كحد الزنا وان كان حقا لآدمي سقط بصلحه واسقاطه كالقصاص.
(مسألة) (وان اصالحه أن يجري على ارضه أو سطحه ماء معلوما صح) إذا صالح رجل على موضع قناة من ارضه يجري فبها ماه وبينا موضعها وعرضها وطولها جاز لان ذلك بيع لموضع من ارضه فلا حاجة إلى بيان عمقه لانه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه فله أن بترك فيه ما شاء، وان صالحه على إجراء الماء في ساقية من أرض رب الارض مع بقاء ملكه عليها فهو اجارة للارض يشترط له تفدير المدة فان كانت الارض في يد رجل باجارة جاز له ان يصالح رجلا على اجراء
الماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة الاجارة وان لم تكن الساقية محفورة لم يجز أن يصالحه على ذلك لانه لا يجوز احداث ساقية في أرض في يده باجارة، فان كانت الارض في يده وقفا عليه فقال القاضي هو كالمستأجر يجوز له ان يصالح على إجراء الماء في ساقية لانه لا يملكها انما يستوفي منفعتها كالارض المستأجرة وهذا كله مذهب الشافعي قال شيخنا والاولى أنه يجوز له حفر الساقية لان الارض له وله التصرف فيها كيفما شاء ما لم ينقل الملك فيها الى غيره بخلاف المستأجر فانه انما يتصرف فيها بما أذن له فيه فكان الموقوف عليه بمنزلة المستأجر إذا اذن له في الحفر، فان مات الموقوف عليه في أثناء المدة فهل لمن انتقل إليه فسخ الصلح فيما بقي من المدة؟ على وجهين بناء على ما إذا أجره مدة فمات في أثناء المدة فان قلنا له فسخ الصلح ففسخه رجع المصالح على ورثة الذي صالحه بقسط ما بقي من المدة وان قلنا ليس له الفسخ رجع من انتقل إليه الوقف على الورثة (فصل) وان صالح رجلا على اجراء ماء سطحه من المطر على سطحه أو في ارضه عن أرضه جاز
إذا كمان ما يجري ماؤه معلوما إما بالمشاهدة وإما بمعرفة المساحة لان الماء يختلف بصغر السطح وكبره
ولا يمكن ضبطه بغير.
ويشترط معرفة الموضع الذي يخرج منه لماء إلى السطح لان ذلك يختلف ولا يفتقر إلى ذكر مدة لان الحاجة تدعوإلى ذلك، ويجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير مقدر بمدة كما في النكاح، ولا يملك صاحب الماء مجراه لان هذا لا يستوفى به منافع المجرى دائما ولا في أكثر المدة بخلاف الساقية، ويختلفان ايضا في أن الماء الذي في الساقية لا يحتاج إلى ما يقدر به لان تقدير ذلك حصل بتقدير الساقية فانه لا يملك أن يجري فيها أكثر من مثلها والماء الذي على السطح يفتقر الى معرفة قدر السطح لانه يجري منه القليل والكثير، فان كان السطح الذي يجري عليه الماء مستأجرا أو عارية لم يجز أن يصالح على اجراء الماء عليه لانه يتضرر بذلك ولم يوذن له فيه فلم يكن له أن يتصرف به بخلاف الماء في الساقية المحفورة فان الارض لا قتضرر به، وان كان ماء السطح يجري على الارض احتمل ان لا يجوز له الصلح على ذلك لانه ان احتاج إلى حفر لم يجز له ان يحفر في أرض غيره ولانه يجعل لغير صاحب الارض رسما فربما ادعى استحقاق ذلك على صاحبها، واحتمل الجواز إذا لم يحتج إلى حفر ولم يكن فيه مضرة لانه بمنزلة اجراء الماء في ساقية محفورة ولا يجوز الا مدة لا تزيد على مدة الاجارة كما قلنا في أجراء الماء في الساقية
(فصل) وإذا أراد ان يجري ماء في أرض غيره لغير ضرورة لم يجز الا باذنه وان كان لضرورة مثل أن يكون له أرض للزراعة لها ماء لا طريق له الاارض جاره فهل له ذلك؟ على روايتين (احداهما) لا يجوز لانه تصرف في ارض غيره بغير اذنه فلم يجز كما لو لم تدع إليه ضرورة ولان مثل هذه الحاجة لا تبيح مال غيره بدليل أنه لا يباح له الزرع في أرض غيره ولا البناء فبها ولا الانتفاع بشئ من منافعها المحرمة عليه بمثل الحاجة (والاخرى) يجوز لما روي ان الضحاك بن خليفة ساق خليجا من العريض فأراد أن يمر به في ارض محمد بن مسلمة فأبى فقال له الضحاك لم يمعني وهو منفعة لك تشربه أو لا وآخر أو لا يضرك فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر فدعا عمر محمد بن مسلمة وأمره ان يخلي سبيله فقال محمد لا والله فقال عمر لم تمنع أخاك
ما بنفعه وهو لك افع؟ تشربه أو لا وآخرا فقال محمد لا والله فقال عمر والله لميرن به ولو على بطلنك فأمره عمر أن يمر به ففعل.
رواه مالك في الموطأ وسعيد في سننه والاول أقيس وقول عمر بخالفه قول محمد بن مسلمة وهو موافق للاصول فكان أولى (فصل) وان صالح رجلا على أن يسقي أرضه من نهر الرجل يوما أو يومين أو من عينه وقدرة بشئ يعلم به لم يجز ذكره القاضي لان الماء ليس بمملوك ولا يجوز بيعه فلا يجوز الصلح عليه ولانه
مجهول قال وان صالحه على سهم من العين أو النهر كالثلث والربع جاز وكان بيعا للقرار والماء تابع له ويحتمال ان يجوز الصلح على السقي من نهره وقناته لان الحاجة تدعو إلى ذلك والماء مما يجوز أخذ العوض عنه في الجملة بدليل مالو أخذه في قربته والصلح يجوز على مالا يجوز بيعه بدليل الصلح عن دم العمد والصلح على المجهول (مسألة) (ويجوز ان يشتري ممرأفي دار وموضعا في حائطه يفتحه بابا، وبقعة بحفرها بئرا) لان، هذه الاما كن يجوز بيعها وإجارتها فجازا لاعتياض عنها كالدور (مسألة) (وان يشتري علو بيت بيني عليه بنيانا موصوفا) إذا كان البيت مبينا لما ذكرناه (فان كان البيت غير مبنيي لم يجز في أحد الوجهين) ذكر الفااضي واصحاب الشافعي لانه مبيع للهواء دون القرار والثاني بجوز لانه ملك للمصالح فجاز له أخذ عوضه كالقرار وانما يجوز بشرط أن يصف العلوو السفل بما يعلم به لان من شرط صحة البيع العلم بالمبيع (مسألة) (وان حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بالزالتها فله ذلك فان ابى فله فطعها) وجملة ذلك انه إذا حصلت اغصان شجرته في هواء ملك غيره أو هوا جدار له فيه شركة لزم
مالك الشجرة ازالة تلك الاغصان اما بردها الى ناحية اخرى واما بالقطع لان الهواء ملك لصا حب القرار فوجب ازالة ما يشغله من ملك غيره كالقرار فان امتنع المالك من إزالته لم يجبر لانه من غير فعله فلم يجبر على إزالته كما لو لم يكن ملكه وان تلف بها شئ لم يضمنه لذلك ويحتمل ان يجبر على
إزالته ويضمن ما تلف به إذا امر بالزالته فلم يفعل بناء على ما إذا مال حائطه إلى ملك غيره عليما نذكره ان شاء الله تعالى، وعلى كلى الوجهين إذا امتنع من ازالته كان لصاحب الهواء إزالته باحد الامرين لانه بمنزلة البهيمة التي تدخل داره له اخراجها كذا ههنا وهذا مذهب الشافعي، فان امكنه إرالته بلا اتلاف ولا يقطع من غير مشقة تلزمه ولا غرامة لم يجز له اتلافها كما أنه إذا امكنه اخراج الهبيمة من غير اتلاف لم يجز له اتلافها فان اتلفها في هذه الحال غرمها، وان لم يمكله إزالتها الا بالاتلاف فله ذلك ولا شئ عليه فانه لا يلزمه اقرار مال غيره في ملكه (مسألة) (فان صالحه عن ذلك بعوض لم يجز) اختلف اصحابنا في ذلك فقال أبو الخطاب لا تصح المصالحة عن ذلك بحال رطبا كان الغصن أو يابسا لان الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص وربما ذهب كله، وقال ابن حامد وابن عقيل يجوز ذلك رطبا كان اغصن أو يابسا لان الجهالة في المصالح عنه
لا تمنع الصحة لكونها لا تمنع التسليم بخلاف العوض فانه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه ولان الحاجة داعية إلى ذلك لكون ذلك يكثر في الاملاك المتجاورة وفي القطع اتلاف وضرر والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب والمستأجر للغرفة يتجدد له أولاد والغراس المستأجر له الارض يعظم ويجفو وقال القاضي ان كان يابسا معتمدا على نفس الجدار صحت المصالحة عنه ولان الزيادة مأمونة فيه ولا يصح الصلح على غير ذلك لان الرطب يزيد في كل وقت وما لا يعتمد على الجدار لا يصح الصلح عليه لانه تبع الهواء وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا واللائق بمذهب أحمد صحته لان الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة إذا لم يكن إلى العلم به سبيل وذلك لدعاء الحاجة إليه وكونه لا يحتاج إلى تسليم وهذا كذلك والهواء كالقرار في كونه ملكا لصاحبه فجاز الصلح على ما فيه كالذي في القرار (مسألة) (وان اتفقا على ان الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم) وجملة ذلك انه إذا صالحه عن ذلك بجزء من الثمرة أو بالثمرة كلها فقد نقل المروذي واسحاق بن ابراهيم عن أحمد انه سئل عن ذلك فقال لا أدري فيحتمل ان يصح، ونحوه قال مكحول فانه نقل عنه
أنه قال أيما شجرة ظللت على قوم فهم بالخيار بين قطع ما ظلل أو أكل ثمرها، ويحتمل ان لا يصح وهو قول الاكثر وبه قال الشافعي لان العوض مجهول فان الثمرة مجهولة وجزؤها مجهول ومن شرط الصلح العلم بالعوص ولان المصالح عليه أيضا مجهول لانه يزيد ويتغير على ما اسلفناه، ووجه الاول ان هذا مم يكثر في الاملاك وتدعوا الحاجة إليه وفي القطع اتلاف فجاز مع الجهالة كالصلح على مجرى مياه الامطار وعلى المواريث الدارسة والحقوق المجهولة التي لا سبيل إلى علمها قال شيخنا ويقوى عندي ان الصلح هنا يصح بمعنى ان كل واحد منهما ييح صاحبه ما بذل له فصاحب الهواء يبيح صاحب الشجرة ابقاءها ويمتنع من قطعها وإزالتها وصاحب الشجرة يبيحه ما بذل له من ثمرتها ولا يكون هذا بمعنى البيع لان البيع لا يصح بمعدوم ولا مجهول والثمرة في حال الصلح معدومة مجهولة ولا هو لازم بل لكل واحد منهما الرجوع عا بذله والعود فيما قاله لانه مجرد اباحة من كل واحد منهما لصحابه فجرى مجرى قول كل واحد منهما لصاحبه اسكن داري وأسكن دارك من غير تقدير مدة ولا ذكر شروط الاجارة أو قوله أيحتك الاكل من ثمرة بستاني فابخمي الاكل من ثمرة بستانك وكذك قوله دعني
أجري في أرضك ماء ولك أن تسقى به ما شئت وتشرب منه ونحو ذلك فهذا مثله بل أولى فان هذا مما تدعو الحاجة إليه كثيرا وفي إلزام القطع ضرر كثيرو إتلاف أموال كثيرة وفي الترك من غير نفع يصل صاحب الهواء ضرر عليه، وفيما ذكرناه جمع بين الامرين ونظر للفريقين وهو على وفق الاصول فكان أولى.
(فصل) وكذلك الحكم فيما امتد من عروق شجر انسان إلى ارض جاره سواء أثرت ضررا مثل تأثيرها في المصانع وطي الآبار وأساس الحيطان أو منعها من نبات شجر لصاحب الارض أو زرع أو لم توثر فان الحكم في قطعه والصلح عنه كالحكم في الفروع إلا أن العروق لا ثمرلها فان اتفقا على أن ما ينبت من عروقها لصاحب الارض أو جزء معلوم منه فهو كالصلح على الثمرة فيما ذكرنا، فعلى قولنا إذا اصطلحا على ذلك فمضت مدة ثم أبى صاحب الشجرة دفع نباتها إلى صاحب الارض فعليه
أجر المثل لانه انما تركه في أرضه لهذا فلما لم يسلم له رجع باجر المثل كما لو بذلها بعوض لم يسلم له وكذلك فيمن مال حائطه إلى هواء ملك غيره أوزلف من أخشابه إلى ملك غيره فالحكم فيه علي ما ذكرنا
(مسألة) (ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ولا ساباطا ولا دكانا) الجناح والروشن يكون على أطراف خشبة مدفونة في الحائط وأطرافها خارجة إلى الطريق الاولى وهو المستوفي لهواء الطريق كله عليه جدارين سواء كان الجداران ملكه أولم يكونا اذان الامام في ذلك أولم يأذن، وقال ابن عقيل ان لم يكن فيه ضرر جاز باذن الامام فجرى اذنه مجرى اذن المشتركين في الدوب الذي ليس بنافذ، وقال أبو حنيفة يجوز من ذلك مالا ضرر فيه وان عارضه رجل من المسلمين وجب ققعله، وقال مالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد يجوز إذا لم يضر بالمارة ولا يملك أحد منعه لانه ارتفق بما لم يعتعين ملك أحد فيه من غير مضرة فأشبه المشي في الطريق والجلوس فيها واختلفوا في الذي لا يضر ما هو فقال بعضهم إن كان في شارع تمر فيه الجبوش فيكون يحيث إذا سار فيه الفارص ورمحه منصوب لا يبلغه وقال أكثرهم لا يقدر بذلك بل يكون بحيث لا يضر بالعماريات والمحامل.
ولنا أنه بنى في ملك غيره بغير اذنه فلم يجز كبناء الدكة أو بناء ذلك في درب غير نافذ بغير اذن أهله، ويفارق المرور في الطريق فاناها جعلت لذلك ولا مضرة فيه والجلوس لا يدوم ولا يمكن التحرز
منه ولا نسلم أنه لا مضرة فيه فانه يظلم الطريق وربما سقط على المارة أو سقط منه شئ وقد تعلوا الارض يمرور الزمان فيصدم رءوس الناس ويمنع مرور الدواب بالاحمال ويقطع الطريق الاعلى الماشي وقد رأينا مثل هذا كثيرا، وما يفضي إلى الضرر في ثاني الحال يجب المنع منه في ابتدائه كما لو أراد بناء حائط مائل إلى الطريق يخشى وقوعه على من يمر فيها ولنا على أبي حنيفة أنه بنى في حق مشترك لو منع منه بعض أهله لم يجز فلم يجز فلم يجز بغير إذنهم كما لو أخرجه إلى هواء دار مشتركة وذلك لان حق الآدمي لا يجوز لغيره التصرف فيه بغير إذنه وإن كان ساكنا كما لا يجوز إذا منع فاما الدكان فلا يجوز بناؤه في الطريق بغير خلاف علمناه سواء كان الطريق
وواسعا أو لا وسواء أذن فيه الامام أولم يأذن لانه بناء في ملك غيره بغير إذنه ولانه يؤذي المارة يضيق عليهم ويعثر به العائر أشبه مالو كان الطريق ضيقا.
(فصل) ولا يجوز إخراج الميازيب إلى الطريق الاعظم ولا إلى درب غير نافذ إلا باذن أهله وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يجوز اخراجه إلى الطريق الاعظم لان عمر اجتاز على دار العباس
وقد نصب ميزابا إلى الطريق فقلعه فقال العباس تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال والله لا نصبته إلا على ظهري وانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلغيره فعله ما لم يقم دليل على اختصاصه به ولان الحاجة تدعو إلى ذلك ولا يمكنه رد مائه إلى الدار ولان الناس يعملون ذلك في جميع بلاد الاسلام من غير نكير ولنا ان هذا تصرف في هواء مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه فلم يجز كما لو كان الطريق غير نافذ ولانه يضر بالطريق وأهلها فلم يجز كبناء دكة فيها أو جناح يضر بأهلها ولا يخفى ما فيه من الضرر فان ماءه يقع على المارة وربما جرى فيه البول أو ماء نجس فبنجسهم ويزلق الطريق ويجعل فيها الطين والحديث قضية في عين فيحتمل أنه كان في درب غير نافذ أو تجددت الطريق بعد نصبه ويحتمل أن يجوز ذلك لان الحاجة داعية إليه والعادة جارية به مع ما فيه من الخبر المذكور (مسألة) (ولا يجوز أن يفعل ذلك في ملك إنسان أو درب غير نافذ إلا باذن أهله) أما في ملك الانسان فلا يجوز بغير اذنه لانه تصرف في ملك الغير فلم يجز بغير إذنه فلا يجوز ذلك في الدرب وبه قال الشافعي في الجناح والساباط إذا لم يكن له في الدرب باب، وان كان له في الدرب باب فقد اختلف اصحابه فمنهم من منعه أيضا ومنهم من اجاز له اخراج الجناح والساباط لان له في الدرب استطراقا فملك ذلك كما يملكه في الدرب النافذ
ولنا أنه بناء في هواء ملك قوم معينين اشبه إذا لم يكن له فيه باب ولا نسلم الاصل اذي قاسوا عليه فان أذن أهل الدرب فيه جاز لان الحق لهم فجاز باذنهم كما لو كان لمالك واحد
(مسألة) (وان صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين) وقال القاضي وأصحاب الشافعي لا يجوز في الجناح والساباط لانه بيع للهواء.
دون القرار ولنا أنه يبني فيه باذنهم فجاز كما لو أذنوا له بغير عوض ولانه ملك لهم فجاز لهم أخذ عوض كالقرار إذا ثبت هذا فانما يجوز بشرط كون ما يخرجه معلوم المقدر في الخروج والعلو وهكذا الحكم فيما إذا أخرجه إلى ملك انسان معين يجوز باذنه بعوض وبغيره إذا كان معلوم المقدار (فصل) ولا يجوز أن يحفر في الطريق النافذة بئرا لنفسه سواء جعلها لماء المطر أو ليستخرج منها ماء ينتفع به ولا غير ذلك لما ذكرنا من قبل، وان اراد حفرها للمسليمن ونفعهم أو لنفع الطريق مثل أن يحفرها ليسقي الناس من مائها ويشرب منه المارة أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق نظرنا
فان كان الطريق ضيقا أو كانت في ممر الناس بحيث يخاف سقوط إنسان فيها أو دابة أو يضيق عليهم ممرهم لم يجز لان ضررها أكثر من نفعها، وان حفرها في زاوية من طريق واسع وجعل عليها ما يمنع الوقوع فيها جاز لان ذلك يقع بلا ضرر فجاز كتمهيدها وبناء رصيف فيها فاما ما فعله في درب غير فافذ فلا يجوز بغير إذن أهله لان هذا ملك لقوم معينين فلم يجز فعل ذلك بغير اذنهم كما لو فعله في بستان انسان، ولو صالح أهل الدرب عن ذلك بعوض جاز سواء حفرها لنفسه ليزل فيها ماء المطر عن داره أو ليستقي منها ماء لنفسه أو حفرها للسبيل ونفع الطريق وكذلك ان فعل ذلك في ملك انسان معين (مسألة) (وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز) لان له رفع جميع حائطه فبعضه أولى.
قال ابن عقيل ويحتمل ان لا يجوز لان شكل الباب مع تقادم العهد ربما استدل به على حق الاستطراقن فيضرباهل الدرب بخلاف رفع الحائط فانه لا يدل على شئ (مسألة) (وان فتحه للاستطراق لم يجز بغير اذنهم) لانه ليس لهم حق في الدرب الذي هو ملك غيره وفيه وجه آخر أنه يجوز لان له رفع جميع والاول أولى لان الدرب لاحق له فيه فلم يجز ان يجعل له فيه حق استطراق فان صالحهم جاز لان الحق لهم فأشبه دورهم إذا صالحهم على شئ منها
(فصل) وان كان ظهر داره إلى زقاق نافذ ففتح في حائطه باب إليه جاز لانه يرتفق بما لم يتعين ملك أحد عليه فان قيل هذا فيه اضرار باهل الدرب لانه يحعله نافذا يستطرق إليه من الشارع قلنا لا يصير الدرب نافذا وانما تصير داره نافذة وليس لاحد استطراق داره (مسألة) (ولو كان بابه في آخر الدرب ملك نقله إلى أوله ولم يملك نقله إلى داخل منه في احد الوجهين) كان له لان حقه لم يسقط، فاما ان أراد نقل بابه إلى تلقاء صدر الزقاق لم يكن له ذلك نص عليه أحمد لانه يقدم بابه إلى موضع لا استطراق له فيه، وفيه وجه آخر انه يجوز لانه كان له ان يجعل بابه في أول البناء في أي موضع شاء فتركه في موضع لا يسقط حقه كما ان تحويله بعد فتحه لا يسقطه ولان له ان يرفع حائطه كله فلم يمنع من رفع بعضه والاول أولى لانه لا يلزم من جواز رفع الحائط جواز الاستطراق كالمسألة التي قبلها (فصل) وان كان في الدرب بابان لرجلين أحدهما قريب من باب الزقاق والآخر في داخله فأراد صاحب الداخل ان يحول بابه فله تحويله حيث شاء لانه لا منازع له فيما يجاوز الباب الاول إذا قلنا
ان صاحب القريب ليس له ان يقذمه إلى داخل الدرب وان قلنا له تقديمه جاز لكل واحد منهما فان كان في داخل الدرب باب لثالث فحكم الاوسط حكم الاول فيما ذكرناه (فصل) إذا كان لرجل داران متلاصقتان ظهر كل واحدة منهما الى ظهر الاخرى وباب كل واحدة منهما إلى درب غير نافذ فرفع الحاجز بينهما وجعلهما دار واحدة جاز لانه تصرف في ملكه المختص وان فتح من كل واحدة منهما بابا إلى الاخرى ليتمكن إلى التطرق من كل واحدة منهما إلى كلي الدربين فقال القاضي لا يجوز لان ذلك يثبت الاستطراق في الدرب الذي لا ينفذ من دار لم يكن لها فيه طريق ولانه ربما ادى إلى إثبات الشفعة في قول من يثبتها بالطريق لكل واحدة من الدارين في زقاق الاخرى، ويحتمل جواز ذلك لان له رفع الحاجز جميعه فبعضه أولى قال شيخنا وهذا أشبه وما ذكرناه للمنع ينتقض بما إذا رفع الحائط جميعه، وفي كل موضع قلنا ليس له فعله إذا صالحه أهل الدرب
جاز وكذلك ان أذنوا له بغير عوض
(فصل) إذا تنازع صاحبا البابين في الدرب ولم يكن فيه باب لغيرهما ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يحكم بالدرب من أوله إلى الباب الذي يليه بينهما لان لهما الاستطراق فيه جميعا وما بعده إلى صدر الدرب للآخر لان الاستطراق في ذلك له وحده فله اليد والتصرف (والثاني) ان من أوله إلى أقصى حائط الاول بينهما لان ما يقابل ذلك فلهما التصرف فيه بناء على أن للاول أن يفتح بابه فيما شاء من حائطه والباقي للثاني لانه ليس بفناء للاول ولا له فيه استطراق والثالث يكون بينهما لان لهم يدا وتصرفا، وهكذا الحكم فيما إذا كان لرجل علو خان ولآخر سفله ولصاحب العلو درجة في أثناء صحن الخان فاختلفا في الصحن فالذي من الدرجة إلى باب الخان بينهما وما زاد على ذلك إلى صدر الخان على الوجهين، فان كانت الدرجة في صدر الصحن فالصحن بينهما لوجود اليد والتصرف منهما جميعا فعلى الوجه الذي يقول ان صدر الدرب مختص بصاحب الباب الصدراني له ان يستبد له ان يستبد بما يختص به منه بان
يجعله دهليز ا لنفسه أو يدخله في داره على وجه لا يضر بجاره ولا يضع على حائطه شيئا لان ذلك ملك له ينفرد به (مسألة) (وليس له ان يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا بغير اذن صاحبه) لان ذلك انتفاع بملك غيره وتصرف فيه بما يضره وكذلك لا يجوز ان يغرز فيه وتدا ولا يحدث عليه حائطا ولا سترة ولا يتصرف فيه بنوع تصرف لانه يضر بحائط غيره فهو كنقصه وان صالحه على ذلك بعوض جاز فأما الاستناد إليه واسناد شئ لا يضره فلا بأس به لكونه لا مضرة فيه ولا يمكن التحرز منه أشبه الاستظلال به (مسألة) (وليس له وضع خشبه عليه الاعند الضرورة بان لا يمكنه التسقيف الا به) أما وضع خشبه عليه فلا يجوز إذا كان يضر بالحائط لا نعمل فيه خلافا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وان كان لا يضر به الا أن به عنه غنى لامكان وضعه على غيره فقال أكثر أصحابنا لا يجوز أيضا وهو قول الشافعي وأني ثور لانه انتفاع بملك غيره بغير اذنه من غير ضرورة فلم يجز كبناء
حائط عليه واختار ابن عقيل جوازه لما روى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم جاره ان يضع خشبه على جداره) متفق عليه ولان ما أبيح للحاجة العامة لم يعتبر فيه حقيقة الحاجة كالشفعة والفسخ بالخيار أو بالعيب واتخاذ الكلب للصيد وإباحة السلم ورخص السفر وغير ذلك، فاما ان دعت الحاجة إلى وضعه على جدار جاره أو الحائط المشترك بحيث لا يمكنه التسقيف إلا به فانه يجوز وضعه بغير اذن الشريك وهو قومل الشافعي في القديم وقال في الجديد ليس له وضعه وهو قول أبي حنيفة ومالك لانه انتفاع بملك غيره من غير ضرورة فلم يجز كزراعته ولنا الخبر وأنه انتفاع بحائط جاره على وجه لا يضر به أشبه الاستناد إليه والاستظلال به ويفارق الزرع فانه يضر ولم تدع إليه حاجة.
إذا ثبت هذا فاشترط القاضي وأبو الخطاب للجواز أن يكون له حائط واحد ولجاره ثلاثة حوائط، وليس هذا في كلام أحمد انما قال في رواية أبي داود لا يمنعه إذا لم
يكن فيه ضرور كان الحائط يبقى ولانه قد يمتنع التسقيف على حائطين إذا كانا غير متقابلين أو كان البيت واسعا يحتاج إلى ان يجعل إليه جسرا ثم يضع الخشب على ذلك الجسر، قال شيخنا والاولى اعتباره بما ذكرنا من امتناع التسقيف بدونه، ولا فرق فيما ذكرنا بين البالغ واليتيم والعاقل والمجنون لما ذكرنا (مسألة) (وعنه ليس له وضع خشبه على جدار المسجد وهذا تنبيه على أنه لا يضعه على جدار جاره) اختلفت الرواية عن أحمد في وضع خشبه على جدار المسجد مع وجود الشرطين فعنه الجواز لانه ادا جار وضعه في ملك الجار مع ان حق مبني على الشح والضيق ففي حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة أولى وعنه لا يجوز نقلها عنه أبو طالب لان القياس يقتضي المنع في حق الكل ترك في حق الجار للخبر الوارد فيه فوجب البقاء في غيره على مقتضى القياس اختاره أبو بكر، وخرج أبو الخطاب من هذه الرواية وجها للمنع من وضع الخشب في ملك الجار لانه إذا منع من وضع الخشب في الجدار المشترك بين المسلمين وللواضع فيه حق فلان يمنع من الملك المختص بغيره أولى ولانه إذا منع في حق
الله تعالى مع أنه مبني على المسامحة لغنى الله تعالى وكرمه فلان يمنع في حق الآدمي مع شحه وضيقه أولى والمذهب الاول، فان قيل فلم لا تجيزون فتح الطاق والباب في الحائط قياسا على وضع الخشب؟ قلنا الخشب يمسك الحائط وينفعه بخلاف الطاق والباب فانه يضعف الحائط لانه يبقى مفتوحا والذي يفتحه للخشبة يسده بها ولان وضع الخشب تدعو إليه الحاجة دون غيره (فصل) ومن ملك وضع خشبه على حائط فزال لسقوطه أو فعله أو سقوط الحائط ثم أعيد فله إعادة خشبه لان السبب المجوز لوضعه مستمر فاستمر الاستحقاق وان زال السبب مثل أن خشي على الحائط من وضعه عليه أو استغنى عن وضعه لم تجز اعادته لزوال السبب المبيح فان خيف سقوط الحائط بعد وضعه عليه لزم ازالته لانه يضر بالمالك وان لم يخف عليه لكن استغنى عن ابقائه عليه لم تلزم إزالته لان في إزالته ضررا بصاحبه ولا ضرر على صاحب الحائط في ابقائه بخلاف مالو خشي سقوطه (فصل) وإذا كان له وضع خشبه على جدار غيره لم يملك إجارته ولا إعارته لانه إنما ملك ذلك لحاجته الماسة إلى وضع خشبه ولا حاجة إلى وضع خشب غيره فلم يملكه وكذلك لا يملك بيع حقه من وضع خشبه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره لانه أبيح له من حق غيره لحاجته فلم يجز له ذلك فيه كطعام غيره
إذا أبيح له في حال الضرورة، ولو أراد صاحب الحائط إعارة الحائط أو اجارته على وجه يمنع هذا المستحق من وضع خشبه لم يملك ذلك لانه وسيلة إلى منع ذي الحق من حقه فلم يملكه كمنعه، ولو أراد هدم الحائط لغير حاجة لم يملك ذلك لما فيه من تفويت الحق وان احتاج إلى ذلك للخوف من انهدامه أو لتحويله مكان آخر أو لغرض صحيح ملك ذلك لان صاحب الخشب انما يثبت حقه للارفاق به مشروطا بعدم الضرر بصاحب الحائط فمتى أفضى إلى الضرر زال الاستحقاق لزوال شرطه (فصل) فان أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائطه أو وضع سترة عليه أو وضع خشبه عليه في الوضع الذي لا يستحق وضعه جاز لان الحق له فجاز باذنه فإذا فعل ما أذن فيه صارت العارية لازمة تذكر في باب العارية (فصل) وان أذن له في وضع خشبه أو البناء على جدار ه بعوض جداره بعوض جاز سواء كان إجارة في مدة
معلومة أو صلحا على وضعه على التأبيد ومتى زال فله إعادته سواء زال لسقوطه أو سقوط الحائط أو غير ذلك لانه استحق ابقاءه بعوض ويحتاج أن يكون البناء معلوم العرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن والآجر وما أشبه ذلك لان هذا يختلف فيحتاج إلى معرفته، وإذا سقط الحائط الذي عليه البناء أو الخشب في أثناء مدة الاجارة سقوطا لا يعود انفسخت الاجارة فيما بقي من المدة ورجع من الاجرة بقسط ما بقي من المدة، وان أعيد رجع من الاجرة بقدر المدة التي سقط البناء والخشب عنه، وان صالحه مالك الحائط على رفع خشبه أو بنائه بشئ معلوم جاز كما يجوز الصلح على وضعه سواء كان ما صالحه به مثل العوض الذي صولح به على وضعه أو أقل أو أكثر لان هذا عوض عن المنفعة المستحقة له وكذلك لو كان له مسيل في أرض غيره أو ميزاب أو غيره فصالح صاحب الارض مستحق ذلك بعوض لبزيله عنه جاز، وان كان الخشب أو الحائط قد سقط فصالحه بشئ على أن لا يعيده جاز لانه لما جاز ان يبيع ذلك منه جاز أن يصالح عنه لان الصلح بيع
(فصل) وإذا وجد بناءه أو خشبه على حائط مشترك أو حائط جاره ولم يعلم سببه فمتى زال فله اعادته لان الظاهر ان هذا الوضع بحق من صلح أو غيره فلا يزول هذا الظاهر حتى يعلم خلافه وكذلك لو وجد مسيل مائه في أرض غيره وما أشبه هذا فهو له لان الظاهر أنه له بحق فجرى مجرى اليد الثابتة، ومتى اختلفا في ذلك هل هو بحق أو بعد وان فاقول قول صاحب الخشب والبناء والمسيل مع يمينه لان الظاهر معه (فصل) إذا ادعى رجل دارا في يد أخوين فأنكره أحدهما وأقر له له الآخر ثم صالحه على ما أقر له بعوض صح الصلح ولاخيه الاخذ بالشفعة ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كان الانكار مطلقا وبين ما إذا قال هذه لنا ورثناها جميعا عن أبينا أو أخينا فيقال إذا كان الانكار مطلقا كان له الاخذ بالشفعة وان قال ورثناها فلا شفعة له لان المنكر يزعم ان الملك لا خيه المقر لم يزل وان الصلح باطل
فيؤاخذ بذلك فلا يستحق به شفعة، ووجه الاول ان الملك ثبت للمدعي حكما وقد رجع إلى المقر بالبيع وهو معترف بانه بيع صحيح فتثبت فيه الشفعة كما لو كان الانكار مطلقا ويجوز أن يكون نصيب المقر انتقل إلى المدعي ببيع أو هبة أو سبب من الاسباب فلا ينافي انكار النمكر واقرار المقر كجالة اطلاق الانكار وهذا أصح (مسألة) (وان كان بينهما حائط فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه أجبر عليه وعنه لا يجبر) إذا كان بين الشريكين حائط فانهدم فطلب أحدهما اعادته وأبى الآخر فذكر القاضي فيه روايتين (احداهما) يجبر نقلها ابن القاسم وحرب وسندي قال القاضي هي أصح قال ابن عقيل وعلى ذلك اصحابنا وهو احدى الروايتين عن مالك وقول الشافعي القديم واختاره بعض أصحابه لان في ترك بنائه اضرارا فيجبر عليه كما يجبر على القسمة إذا طلبها أحدهما وعلى نقض الحائط عند خوف سقوطه
عليهما ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا اضرار) وهذا وشريكه يتضرران في ترك بنائه (والرواية الثانية) لا يجبر نقل عن أحمد ما يدل على ذلك وهو أقوى في النظر ومذهب أبي حنيفة لانه ملك لاحرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الانفاق عليه كما لو انفرد به ولانه بناء حائط فلم يجبر عليه كالابتداء ولانه لا يخلو إما أن يجبر على بنائه لحق نفسه أو لحق جاره أو لهما جميعا لا يجوز أن يجبر لحق نفسه بدليل مالو انفرد به ولا لحق غيره كما لو انفرد به جاره وإذا لم يكن واحد منهما موجبا فعليه فكذلك إذا اجتمعا وفارق القسمة فانها دفع للضرر عنهما بما لا ضرر فيه والبناء فيه ضرر لما فيه من الغرامة وانفلق ماله ولا يلزم من اجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه اجباره على إزالته بما فيه ضرر بدليل قسمة ما في قمسته ضرر ويفارق هدم الحائط إذا خيف سقوطه لانه يخاف سقوطه على ما يتلفه فيجبر على ما يزيل ذلك ولذلك يجبر عليه وان انفرد الحائط بخلاف مسئلتنا ولا نسلم أن في تركه اضرارا فان الضرر انما حصل بانهدامه وانما ترك النباء ترك لما يحصل النفع
به وهذا لا يمنع الانسان منه بدليل حالة الابتداء وإن سلمنا انه اضرار لكن في الاجبار اضرار ولا
يزال الضرر بالضرر ولانه قد يكون الممتنع لانفع له في الحائط أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع أو يكون معسرا ليس معه شي فيكلف الغرامة مع عجزه عنها (مسألة) (وليس له منعه من بنائه) على الرواية التى تقول لا يجبر الممتنع إذا أراد شريكه البناء فليس له منعه لان له حقا في الحمل ورسما فلا يجوز منعه منه (مسألة) (فان بناه بآلته فهو بينهما وان بناه بآلة من عنده فهو له وليس للآخر الانتفاع به وان طلب الانتفاع به خير الثاني بين أخذ نصف قيمته وبين أخذ آلته) وجملة ذلك أن للشريك بناء الحائط بانقاضه وله بناؤ بآلة من عنده، فان بناء بآلته وانقاضه فهو على الشركة كما كان لان المنفق انما أنفق على التالف وذلك أثر لاعين يملكها، وان بناه بآلة من عنده فالحائط ملكه خاصة، وله مع شريكه من الانتفاع ومن وضع خشبه ورسومه عليه لان الحائط له فان أراد نقضه وكان بناه بآلته فليس له نقضه لانه ملكهما فلم يكن له التصرف فيه بما فيه مضرة
عليهما وان كان بناه بآلة من عنده فله نقضه لانه يختص بملكه فان قال شريكه أنا أدفع اليك نصف قيمة البناء ولا تتقضه لم يجبر لانه لما لم يجبر على البناء لم يجبر على الابقاء وان أراد غير الباني نقضه واجبار بانيه على نقضه لم يكن له ذلك على كلتا الروايتين لانه إذا لم يملك منعه من بنائه فلان لا يملك إجباره على نقضه أولى، فان كان له على الحائط رسم انتفاع أو وضع خشب قال له إما أن تأخذ مني نصف قيمته وتمكنني من انتفاعي واما ان تقلع حائطك لنعيد البناء من بيننا فيلزم الآخر إجابته لانه لا يملك ابطال رسومه وانتفاعه ببنائه، وان لم يرد الانتفاع به فطالبه الثاني بالغرامة أو القيمة لم يلزمه ذلك لانه إذا لم يجبر على البناء فاولى ان لا يجبر على الغرامة الا أن يكون قد أذن في البناء والانفاق فيلزمه ما أذن فيه فأما على الرواية الاولى فمتى امتنع اجبره الحاكم على ذلك فان لم يفعل أخذ الحكام من ماله وأنفق عليه وان لم يكن له مال فأنفق عليه الشريك باذن الحاكم أو أذن الشريك رجع عليه متى قدر، وإذا أراد بناء لم يملك الشريك منعه، وما أنفق ان تبرع به لم يكن له الرجوع به وإن نوى الرجوع به فهل له الرجوع بذلك؟ يحتمل وجهين بناء على ما إذا قضى دينه بغير اذنه، وان بناه لنفسه بآلته فهو بينهما وان بناه بآلة من عنده فهو له خاصة فان أراد نقضه فله ذلك الا أن يدفع إليه شريكه نصف
قيمته فلا يكون له نقضه لانه إذا أجبر على بنائه فأولى ان يجبر على ابقائه
(فصل) فان لم يكن بين ملكيهما حائط فطلب أحد هما من الآخر أن بينيا حائطا يحجز بين ملكيهما لم يجبرا الآخر عليه رواية واحدة فان أراد البناء وحده فليس له الا في ملكه لانه لا يملك التصرف في ملك جاره المختص به ولا في الملك المشترك بغير ماله فيه رسم وهذا لا رسم له فيه (فصل) فان كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السقف الذي بينهما فطلب أحد هما المباناة من الاخر فامتنع فهل يجبر؟ على روايتين كالحائط بين البيتين وللشافعي فيه قولان، فان انهدمت حيطان السفل فطالبه صاحب العلو باعادتها ففيه روايتان (احداهما) يجبر وهو قول مالك وأبي ثور وأحد قولي الشافعي فعلى هذه الرواية يجبر على البناء وحده لانه ملكه خاصة (والثانية) لا يجبر وهو قول أبي حنيفة فان أراد صاحب العلو بناءه لم يمنع من ذلك على الروايتين جميعا، فان بناه بآلته فهو على ما كان وان بناه بآلة من عنده فقد روي عن أحمد لا ينتفع به صاحب السفل يعني حتى يؤدي القيمة فيحتمل أنه لا يسكن وهو قول أبي حنيفة لان البيت انما يبنى للسكنى فلم يملكه كغيره ويحتمل أنه أراد الانتفاع بالحيطان خاصة من طرح الخشب وسمر الوتد وفتح الطاق وتكون له السكنى من غير تصرف في ملك غيره وهو مذهب الشافعي لان السكنى انما هي اقامته في فناء الحيطان من غير تصرف فيها أشبه الاستظلال
بها من خارج فاما ان طالب صاحب السفل بالبناء وأبى صاحب العلوففيه روايتان: (إحداهما) لا يجبر على بنائه ولا مساعدته وهو قول الشافعي لان الحائط ملك صاحب السفل فلم يجبر غيره على بنائه ولا المساعدة فيه كما لو لم يكن عليه علو (والثانية) يجبر على مساعدته والبناء معه، وهو قول أبي الدرداء لانه حائط بشتركان في الانتفاع به أشبه الحائط بين الدارين.
(فصل) فان كان بين البيتين حائط لاحدهما فانهدم فطلب أحدهما من الآخر بناءه أو المساعدة في بنائه لم يجبر لانه ان كان الممتنع مالكه لم يجبر على بناء ملكه المختص به كحائط الآخر وان كان
الممتنع الآخر لم يجبر على بناء ملك غيره ولا المساعدة فيه ولا يلزم على هذا حائط السفل حيث يجبر صاحبه على بنائه مع اختصاصه بملكه لان الظاهر ان صاحب العلو ملكه مستحقا لا بقائه على حيطان السفل دائما فلزم صاحب السفل تمكينه مما يتسحقه وطريقه البناء فلذلك وجب بخلاف مسئلتنا وان أراد
صاحب الحائط بناءه أو نقضه بعد بنائه لم يكن لجاره منعه لانه ملكه خاصة وان أراد جاره بناءه أو نقضه أو التصرف فيه لم يملك ذلك لانه لاحق له فيه (فصل) ومتي هدم أحد الشريكين الحائط المشترك أو السقف الذي بينهما نظرت فان خيف سقوطه ووجب هدمه فلا شي ء على هادمه ويكون كما لو النهدم بنفسه لانه فعل الواجب وأزال الضرر الحاصل بسقوطه، وان هدمه لغير ذلك فعليه اعادته سواء كان هدمه لحاجة أو غيرها وسواء التزم اعادته أو لم يلتزم لان الضرر حصل بفعله فلزمته إزالته (فصل) فان اتفقا على بناء الحائط المشترك بينهما نصفين وملكه بينهما الثلث والثلثان لم يصح لانه يصالح عن بعض ملكه ببعض فلم يصح كما لو أقر له بدار فصالحه على سكناها ولو اتفقا على أن يحمله كل واحد منهما ما شاء لم يجز لجهالة الحمل فانه يحمله من الاثقال ما لا طاقة له بحمله وان اتفقا على أن يكون بينهما نصفين جاز.
(مسألة) (وان كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة فاحتاج إلى عمارة ففي اجبار الممتنع وجهان) بناء على الحائط المشترك إذا انهدم وحكي عن أبي حنيفة أنه يجبر ههنا على الانفاق لانه لا يتمكن شريكه من مقاسمته فيتضرر بخلاف الحائط فانه يمكنهما قسمة العرصة قال شيخنا: والاولى التسوية لان في قسمة العرصة اضرارا بهما والانفاق أرفق بهما فكانا سواء
(مسألة) (وليس لاحدهما منع صاحبه من عمارته) فان عمره فالماء بينهما على الشركة أما الدولاب والناعورة فالحكم فيه كالحكم في الحائط على
ما ذكرناه وأما النهر والبئر فلكل واحد منهما الانفاق عليه وإذا أنفق عليه لم يكن له منع الآخر من نصيبه من الماء لانه ينبع من ملكهما وانما أثر أحدهما في نقل الطين منه وليس له فيه عين مال فأشبه الحائط إذا بناه بآلته والحكم في الرجوع بالنفقة حكم الرجوع في النفقة على الحائط على ما مضى (فصل) وليس للرجل التصرف في ملكه بما يضر بجاره نحو أن يبني حما ما بين الدور أو يفتح
خبازا بين العطارين أو يجعله دكان قصارة بهز الحيطان ويخربها أو يحفر بئرا إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها وبهذا قال بعض الحنفية وعن أحمد رواية أخرى لايمنع وبه قال الشافعي وبعض الحنفية لانه تصرف في ملكه المختص به ولم يتعلق به حق غيره فلم يمنع منه كما لو طبخ في داره أو خبز فيها وسلموا أنه يمنع من الدق الذي يهدم الحيطان وينزها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا إضرار) ولان هذا إضرار بجير انه فمنع منه كالذي سلموء وكسقى
الارض الذي يتعدى إلى هدم حائط جاره أو اشعال نار يتعدى إلى إحراقها، قالوا ههنا تعدت النار التي أضرمها والماء الذي أرسله فكان مرسلا لذلك في ملك غيره أشبه مالو أرسله إليها قصدا، قلنا والدخان الذي هو اجزا الحريق الذي أحرقه فكان مرسلا له في ملك جاره فهو كالنار والماء وأما دخان الخبز والطبيخ فان ضرره يسير ولا يمكن التحرز منه وتدخله المسامحة (فصل) فان كان سطح احدهما أعلى من سطح الاخر فليس لصاحب الاعلى الصعود على سطحه
على وجه يشرف على سطح جاره الا أن يبني سترة تستره وقال الشافعي لا يلزمه ستره لان هذا حاجز بين ملكيهما فلم يجبر أحدهما عليه كالاسفل ولنا أنه أضر بجاره فمنع منه كدق يهز الحيطان وذلك أنه يكشف جاره ويطلع على حرمه فاشبه ما لو اطلع عليه من صئر بابه أو خصاصه وقد دل على المنع من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أن رجلا اطلع اليك فحذمته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح) ويفارق الاسفل فان تصرفه لا يضر
بالاعلى ولا يكشف داره.
باب الحوالة الحوالة ثابتة بالسنة والاجماع أما السنة فما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع) متفق عليه وفي لفظ من (أحيل بحقه على ملئ فليحتل) واجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة، واشتقاقها من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، وقد قيل إنها بيع فان المحيل يشتري ما في ذمته بماله في ذمة المحال عليه وجاز تأخير القبض رخصة لانه موضوع على الرفق فيدخلها خيار المجلس لذلك والصحيح انها عقد ارفاق منفد بنفسه ليس بمحمول على غيره لانها لو كانت بيعا لما جازت لانه بيع دين بدين ولما جاز التفرق قبل القبض لانه بيع مال الربا بجنسه ولجازت بلفظ البيع ولجازت بين جنسين كالبيع ولان لفظها يشعر بالتحول لا بالبيع فعلى هذا لا يدخلها خيار وتلزم بمجرد العقد وهذا أشبه بكلام أحمد وأصوله، ولابدء فيها من محيل ومحتال ومحال عليه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: